|
|
 الدكتور كيث بول : لمسة وفاء د. أحمد محمود طه جامعة الملك سعود الرياض المملكة العربية السعودية
|
الدكتور كيث بول : لمسة وفاء
أحمد محمود طه جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية – الرياض
المملكة العربية السعودية
عندما يُذكر البريطانيون يتبادر إلى أذهان ثلة من السودانيين حقبة الاستعمار البريطاني للسودان ، بكل تداعياته ومآسيه ، لكن يغفل الكثيرون عن أن هناك من البريطانيين من أحب السودان وأهله ، وقدم خدمات لأبنائه في مجال التعليم والتدريب ، دون مقابل يّذكر . ومن هؤلاء الدكتور كيث بول ، الذي نعته أخبار المملكة المتحدة في مطلع هذا العام ، ونُشرت عنه المقالات في الصحف البريطانية ، العريقة والرصينة ، ومنها التايمز والاندبندت والغارديان .
وُلد الدكتور كيث بول عام 1915م . وتخرج في كلية طب مستشفى المديل سكس في وسط لندن . وفي عام 1944م تطوع في وكالة الغوث والتأهيل التابعة للأمم المتحدة ، بعد انتهاء الحرب في ألمانيا . وعند عودته عمل استشارياً لأمراض القلب بمستشفى سنترال ميدل سكس بلندن وظل في هذا المنصب حتى بلغ الستين من عمره ، فأصبح محاضراً أول في الوقاية من أمراض القلب في قسم طب المجتمع في كلية الطب التي تخرج فيها إلى أن تقاعد .
كان الدكتور كيث بول من أوائل الأطباء الذين قادوا الحملة ضد التدخين في العالم . وهو الذي حث الكلية الملكية للأطباء بالمملكة المتحدة لإصدار تقريرها عن التدخين والصحة في عام 1962م ، والذي كان من نتائجه إنشاء جمعية مكافحة التدخين بالمملكة المتحدة عام 1971م ، والتي تولى رئاستها لمدة عقد كامل ، وكان من مجهوداتها أن انخفضت نسبة المدخنين في المملكة المتحدة من 59 بالمائة إلى 32 بالمائة في مدة رئاسته .
درَّب الدكتور كيث بول عدداً من الأطباء السودانيين ، والذين كانت لهم إسهامات متميزة في الطب الباطني ، من بينهم بروفيسور الجزولي دفع الله ، والدكتور أحمد حسب الرسول ، والدكتور محمد عربي عبد المحمود ، والدكتور عثمان محمد أحمد طه ، والدكتور الفاضل محمد حسن .
وقد قال لي إن من أسعد لحظات حياته يوم بعث ببرقية تهنئة للبروفسور الجزولي دفع الله ، عندما تولى رئاسة الوزارة بالسودان فقد شعر بالفخر أن يشغل أحد طلابه هذا المنصب الرفيع .
كان الدكتور كيث بول يفتح أبواب قسمه على مصراعيه لتدريب الأطباء من دول العالم غير الصناعية ، ويحس بالصعوبات التي تواجههم في التدريب ، والإسكان ، والحصول على وظائف ، ويسعى لتذليها . وأذكر عندما كنت أعمل معه كان معي الدكتور عبد الله صالح عبد الرحمن ( من السودان) والدكتور بهجت استيروس (من مصر) ، ولم تسع دكتور كيث بول الفرحة عندما حصلنا ثلاثتنا على عضوية كلية الأطباء الملكية في نفس العام. وهو الذي أشار على بروفسور عبد الحميد سيد عمر (رحمه الله ) ، عندما كان رئيساً لقسم الباطنة بكلية طب جامعة الخرطوم ، تعيين الدكتور سراج أبشر بعد أن وصلت ترقيته بالمملكة المتحدة إلى طريق مسدود .
كان الدكتور كيث بول يتفاعل مع أحداث السودان وقضاياه . فعندما أصدرت حكومة الرئيس السابق جعفر محمد نميري قانون التدخين، حفز الدكتور كيث بول هيئة الصحة العالمية لعقد مؤتمرها الإقليمي بالسودان في عام 1983م ، ترحيباً بهذا القرار ، وتشجيعاً للدول الأخرى كي تحذو حذو السودان . وعندما حاولت بعض شركات التبغ التحايل على حظر الإعلان عن السجائر كتب الدكتور كيث بول في المجلة الطبية البريطانية "اللانست" العريقة والواسعة الانتشار مقالاً بعنوان "صدى عالمي لقانون التدخين: تفادى حظر الإعلان عن السجائر " جاء فيه :
" لقد أصدرت الحكومة السودانية تشريعاً يحظر كل أنواع الإعلان عن السجائر منذ السادس من أغسطس 1983م . كما منع القانون التدخين في الأماكن العامة ، وألزم بكتابة تحذيرات صحية على علب السجائر .
أيضاً منع الرئيس نميري التدخين داخل مجلس الوزراء ، كما تقوم الدولة بالإعداد لتنظيم حملة للتوعية بمضار التدخين .
ورد إلينا أن شركة فيليب موريس قامت بنزع علب السجائر من الإعلانات البارزة في شوارع الخرطوم لتحل محلها قداحات " ولاعات" السجائر . يبدو أن صناعة التبغ الرئيسة على استعداد للذهاب لأبعد مدى ممكن لعرض منتجاتها القاتلة على السكان الأبرياء ، الذين لا يعون مضار هذه المنتجات ، كما هو معروف لدينا في الغرب .
هذا مثال للطرق الملتوية التي تسلكها هذه المؤسسات لتفادى النوايا الواضحة للحكومات .
كذلك كتب الدكتور ديفيد نونباكن ، رئيس إتحاد السرطان العالمي بكندا مبدياً ارتياحه للقرار "
وعندما صدر الحكم ضد الدكتور مأمون محمد حسين ، في بداية عهد الإنقاذ ، كتب الدكتور كيث بول رسالة لرئيس الدولة يدعوه لوقف تنفيذ الحكم وإطلاق سراحه ، كما انه دفع منظمة العفو الدولية لتبني القضية .
بذل الدكتور كيث بول جهوداً مقدرة لترقية الرعاية الصحية بالمملكة المتحدة، استحق من أجلها وساماً من ملكة بريطانيا. وبنفس القدر فإنه ساعد عدداً من دول العالم غير الصناعية في الارتقاء بخدماتها الصحية عن طريق تدريب كوادرها الطيبة ، أو المساعدة في حل مشاكلها الصحية. فعندما قام الدكتور موسى عبد الله حامد والدكتور محمد عربي عبد المحمود بجهودهم لتطوير وتحديث مستشفى أمدرمان في ثمانينات القرن الماضي ، وجه الدكتور كيث بول رسائل لكل المؤسسات الطبية والأطباء ممن له صلة بهم للمساعدة ، وتقديم العون ، وإمداد المستشفى بالأجهزة والمعدات والمستلزمات الطبية ، وتدريب الأطباء في المجال الذي يفتقر ِإليه المستشفى من عناية مركزة وخلافه ، وقد وجد استجابة منهم . كما أوفدته هيئة الصحة العالمية في أواخر سبعينات القرن الماضي لتفقد الأحوال الصحية للاجئين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة ، وإعداد تقرير عنها ، عندما تحدث في أورقتها عن سوء أحوالهم الصحية . كما أنه كان من المؤسسيين لجمعية مكافحة التدخين في لاداك بجبال الهملايا والتي انبثق منها معهد لا داك للطب الوقائي ، وهدفه منع انتشار الأمراض الصدرية في المجتمع الذي يتحول من مجتمع رعوي إلى مجتمع صناعي .
زار الدكتور كيث بول السودان مرتين في عام 1977م و1983م.
|
|
 
|
|
|
|
Mohamed Abdelgaleel
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست