حكاياتٌ قديمة.. شعر

ها أنا قد عدت من فجِ السنين..
متثاقلاً يضمخني الأسى والحنين.
لأصارع الأشواق في مدن اليباب..
أتوسل اللقيا السراب.
وفي زحاماتِ المدينة..
إشرأبت هامتي..
وتحورت عيناي..
تسابق النظرات..
أبحث فيها عنك .. وعن وجهي الذي غاب..
علني ألقاه .. قد ترنح..
أو تاه في الطرقات.
أبحث عنك اليوم في العتمة .. وطيات السكون.
وفي وطأة الماضي السحيق..
وفي الظنون..
وأحس سحرك في حياتي.. ولا تكون..
سألقي على عاتقيك .. خطايا أمسي..
لتبقي شهيد بؤسي..
لعلك ترثيني أو تبكِ جرحي المؤسِ..
وأنا هنا .. تكبلني القيود..
وتزجرني عواصف الشوق..
لترفضني الملاجيء..
وتلفظني الشوارع..
بالأمس كانت تدغدغ سامعي الحكايات..
في أماسٍ حالكات،
عن البطولات..
وعن غلامٍ يافعٍ ليس يلهيه صباه،
قد شب مغموراً في حب مولاه،
دونما يراه أو يراه..
فصلاته ذكرٌ وشكوى..
ليس يدركها سواه..
بلى إنها أسرار دنياه،
إنها ثورة الروح في حناياه،
إنعتاقٌ من سراديب الحياة.. هذا مبتغاه..

إنها حكايات الوداع.. لمن ودعناهم ولم نراهم ثانية.. لمن نبحث عنهم ولا نجدهم.. أناس يتركون بصماتهم في حياتك ويذهبون دون رجعة.. نفتقدهم.. نحن إليهم.. نتلمس آثارهم ولا نحظى برؤياهم.. إنهم يسكنون أعماق القلب..
تحية لهم حيثما كانوا..

لكنك اليوم..
لم تعد تليهك أضواء المدينة..
لم تعد تُشجيك ألحاناً قديمة،
فوطأة الحزن الدفين،
قد أماتت حسك الموهوب في زمن السجية،
وأغشت ناظريك..
وتغاذفتك.. صور الهزيمة،
والبطولات القديمة..
لا .. لا تعود
ستضنيك أقاصيص المدينة..
ونشوة الفرح السجينة..
لا تعود.. فإنهم لن يستقبلوك..
إلا بالنواح وبالعويل..

لا تعود.. فإنهم لن يستقبلوك..
إلا بالنواح وبالعويل،
فبشائر الفجر الجديدِ ..
طواها نحيب الكروان..
والمساء ملطخٌ بدمِ العذارى النائحات..
يمازح الأحزان..
يناجي رتابة الأشجان..
لا تعـــــــــــــــــود..
لأراك سقيماً تصرعك الخطوب..
فأنا عهدتك شامخاً عبر العهود..
لا تعــــــــــــــود..
فقط دعني .. أعيش..
مع الحكايا المبهرات..
مع الوعــــــــــــود...

Quote: وعن غلامٍ يافعٍ ليس يلهيه صباه، قد شب مغموراً في حب مولاه، دونما يراه أو يراه.. فصلاته ذكرٌ وشكوى.. ليس يدركها سواه.. بلى إنها أسرار دنياه، إنها ثورة الروح في حناياه، إنعتاقٌ من سراديب الحياة.. هذا مبتغاه..

كان أحمد في السابعة من عمره وهو يتردد مع جدته لزيارة الضريح.. ضريح الشيخ المجذوب.. يرفع كفيه (كما تفعل جدته) لقراءة الفاتحة التي لا يفهم معناها.. ولا يحفظ آياتها.. يردد كلمات جدته وهي تدعو .. ولا يعرف معنى ما تقول.. لكنه كان يحس بالرضا وإنشراح الصدر.. وعند عودته إلى المنزل.. يبادر جدته بالسؤال: متين حا نمشي نزور الشيخ تاني؟؟

Quote: لا تعود.. فإنهم لن يستقبلوك.. إلا بالنواح وبالعويل، فبشائر الفجر الجديدِ .. طواها نحيب الكروان.. والمساء ملطخٌ بدمِ العذارى النائحات.. يمازح الأحزان.. يناجي رتابة الأشجان..

إنه عصر الإنهيارات العظيمة.. إنحطاط القيم.. الإغتصاب.. ليس هناك ما يدعو للسرور.. حتى حرارة اللقيا بعد الغياب لم تعد كما كانت عليه..

أرى شفتيك أرهقها الزفير
وجبينك الوضاح تطاله يد السنين..
وحيدةٌ أنت.. بلا أصحاب..
تناجين ماضيك السراب..
ترشفين العذاب..
تُغشي مقلتيك رؤيا كالضباب.
كنا معاً نغني الغائبين..
ومعاً نحي العائدين..
اليوم هل تُغنينا السنين؟
وتمضي في سفر الأيام خطاك،
قلبك أوسع .. من أن يحوي معناك..
في جنبيك صحاري ظمأى..
تلتهم صبــاك..
فيها تضيع سماتك..
يتلاشى معنـــــاك..

كانت تحملني في الأهداب..
لم تتوانى يوماً من أجلي..
لم تتركني أعلق في الوحل..
دعواتك دوماً كانت تأخذ بيدي،
تهديني درب الرشد..
تبدد شبح الخوف الجاثم في صدري،
تضمخ روحي بلون الفجر..