السودان وصناعة السلام

السودان وصناعة السلام


10-01-2003, 11:06 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=2&msg=1065002803&rn=0


Post: #1
Title: السودان وصناعة السلام
Author: tariq
Date: 10-01-2003, 11:06 AM

السودان وصناعة السلام


بقلم: د. حيدر ابراهيم علي





يكشف مسار المفاوضات الجارية منذ اسبوعين في عدد من المنتجعات الكينية بين النائب الاول لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه والعقيد جون قرنق قائد الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، عن عقلية عاجزة عن تحقيق سلام حقيقي مستدام يمكن لهم ايقاف الحرب الطويلة المستنزفة، وهذه خطوة عظيمة ولكنها صعبة على من يقوم وجودهم وتطورهم على الحرب. فالانقاذ اخذت مبررات قيام انقلابها في 30 يونيو 1989 من قدرتها على اداء حرب حاسمة ضد الحركة الشعبية التي صارت تهدد مدن الشمال. وبعد ذلك كانت ايديولوجية الجهاد هي الاسمنت لتماسك التأييد ولقمع من يرفع صوته فوق صوت المعركة. اما الحركة الشعبية فهي في الحقيقة الجيش الشعبي . اذ رغم المكاتب والمؤتمرات والتقسيم الحزبي ظل الجانب السياسي ضعيفاً. والنظام لم يفاوض الحركة بسبب قوتها السياسية ولكن بسبب انجازاتها العسكرية الميدانية. فنحن امام كيانين عسكريين وعقول حولت تكتيكات ومناورات المعارك الى مائدة المفاوضات.


تساءلت ماذا كان يفعل غازي صلاح وجماعته من المفاوضين طوال اكثر من عام او 14 شهراً، اي منذ توقيع اتفاق ماشاكوس؟ لان اجتماعات القيادات العليا (طه ـ قرنق) يفترض ان تأتي بعد حسم كل القضايا الصغيرة ومعظم القضايا الكبرى، لاصدار القرارات الصعبة. ولكن ان تبدأ المفاوضات من جديد ومن الاول، كما يتضح الان من الساعات الطوال والاجتماعات الماراثونية، فيمكن لنا ان نتهم الطرفين بعدم الجدية، من المنطقي ان يبدأ طه ـ قرنق من نهاية السابقين. والسؤال المهم هل المفاوضات قضايا ام شخصيات؟ رغم التفاؤل الواجب بالسلام او انهاء الحرب الا ان مجريات الامور وتفاصيل الاحداث والانباء التي تأتي من مواقع التفاوض، تشعر المرء بالأسى والخوف على المستقبل.


كلمة تقسيم السلطة والثروة تجعل الانسان المحب لوطنه يتألم ويتذكر المثل السوداني: دار ابوك ان خربت شيل ليك منها شيلة! ويذهب بي الخيال احيانا الى صورة كاريكاتورية اذ اتصور الابنين الكبيرين «طه ـ قرنق» ووالدهم مسجى يحتضر وهما يتشاجران حول الورثة من يأخذ الدكاكين او السيارات او المنازل، وكم منها لكل واحد؟ مع النسب المئوية التي ترد الينينا عن الثروة او المساحات او الوظائف، هل نرى الوطن الموحد المتعدد الثقافات في هذه الصورة؟ لماذا لا نسمع عن تقسيم التنمية مثلا، اعني تعيين ما يمكن ان تنتجه كل منطقة، اي نقول هذه المنطقة تتخصص مستقبلا في انتاج البن او الاخشاب او الاناناس مثلا. ما نراه الان تقسيم تركة وليس اعادة بناء وتشكيل وطن على أسس حديثة. هل هذه مقدمات السودان الجديد الذي ظلت تبشرنا به الحركة الشعبية منذ صدور مانيفستو الحركة وتدشينها قبل عشرين عاماً؟


اثار نقاش عدد القوات المسلحة وتوزيعها فكرة قد تبدو شطحة ولكن لابد من خيال سياسي وتنموي. هل نحتاج لجيش جرار ومسلح حتى اسنانه في فترة ما بعد السلام؟ هناك تابوهات في البلدان النامية لا يمكن المساس بها، فالحديث عنها يجلب تهم الخيانة او الكفر. فلو طالبنا بحل الجيش مثلا او تحويله الى وحدات صغيرة لحفظ الامن والاكتفاء بمعاهدات حسن جوار بالاضافة للضمانات الدولية مع وجود الامم المتحدة والتقليل من الصدامات العسكرية مع زيادة التنافس الاقتصادي. الجيوش تمثل عبئا حقيقياً في البلدان النامية ولا تقدم اي اضافة للتنمية والتقدم.


فالميزانيات يثقل كاهلها الصرف على الضباط والجنود والاسلحة والعتاد، حتى معاشات وامتيازات المتقاعدين التي تستمر لفترات طويلة يقع انفاقها على دافع الضرائب على حساب الانفاق في الزراعة او التعليم مثلا. في كثير من البلدان الاوروبية يستخدم الجيش في اعمال البناء والتعمير، حتى الخدمة الالزامية يمكن ان يقدم بديلا عنها عملا اجتماعياً مثل التدريس او التمريض. فلترتفع الدعوة الى لا عسكرة المجتمع في السودان والا نتردد في المطالبة بتقليص، لاقصى حد، في اعداد ومهام الجيش. هذا ما كنا نتوقع ان ينتبه له دعاة السودان الجديد.


ان صناعة السلام تعنى تفكيك عقل الحرب عند الجنوبيين والشماليين. فاعضاء الحركة الذين تعجبهم صفة كوماندو ويتفاخرون بها، عليهم البحث عن القاب جديدة. واصحاب برامج ساحات الفداء في الشمال عليهم ان يتحولوا الى انتاج الدراما الهادفة والممتعة.


ولن يتحول المارشالات الجدد بسهولة الى الحياة المدنية في ظل السلام، وسنجد الكثير من مارشالات المديرية. وهنا على القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني ان تعمل على غرس ثقافة حقيقية للسلام على مستوى الممارسة والواقع اليومي