طالما ان مفاوضات السلام منذ بدايتها في مشاكوس وضعت خياري «الوحدة» أو «الانفصال» امتحانا تحريريا في خاتمة مطاف ست سنوات انتقالية.. فمن الحكمة انه مثلما احتوت اتفاقية الحكومة والحركة الشعبية على «الترتيبات الامنية والعسكرية» فمن الافضل ان تحتوي اتفاقية السلام النهائية ايضا على «الترتيبات الانفصالية والاستثنائىة».
احتمالات الوحدة- في أفضل الظروف- تساوى احتمالات الانفصال.. فاذا وضعنا لذلك مقياسا متريا فمن المناسب ان نقول ان الوضع الآن في الميل «50» في منتصف المسافة بين الوحدة والانفصال.. ومن الافضل ان نعيد تعريف عبارة «جعل خيار الوحدة جاذباً» انه يعني ان نضع مقدمة العربة في اتجاه الوحدة مع بقاء المسافة في الميل «50» منتصف المسافة بين الوحدة والانفصال.. فقط مقدمة العربة تتجه نحو الوحدة مع تساوي المسافة بين الانفصال.
ولأن اي اتفاق يجب ان يراعي كل الاحتمالات فما هو العمل اذا تحقق احتمال «الانفصال»؟؟ ما هي «الترتيبات الانفصالية» التي يجب ان تتبع وفق اتفاق السلام حتى يسير القطار في مجراه الحقيقي دون ان يواجه سؤالا لا جواب له.. ماذا يفعل الطرفان الحكومة والحركة اذا تحقق خيار الانفصال..؟؟
تحت «خيار الانفصال» هناك احتمالان لا ثالث لهما.. الاول: اما ان يتحقق الانفصال وفق الاستفتاء الشعبي في نهاية الفترة الانتقالية بعد ست سنوات أو الثاني: ان تحدث اي مستجدات اخرى غير منظورة فتؤدي لوقوع «الطلاق» قبل وصول المأذون.. قبل نهاية الفترة الانتقالية.. فما هي الترتيبات المطلوبة لكل حالة؟..
كثيرون سينظرون لمثل هذا الطرح وكأنه قذف في الذات السودانية الواحدة ودعوة سافرة لخلع النصف الاسفل من خريطة السودان.. لكن السياسة ليست قصيدة شعرية تكتب لتطرب العواطف ويترك ما يثير الشجن.. واتفاق السلام النهائي يجب ان يؤسس على اعلى «واقعية» بلا شطط في العواطف أو مكابرة سياسية.. وطالما ان احتمال الانفصال قائم تماما كالوحدة فمن الاوجب ان تحتوي الاتفاقية على بنود واضحة تبين «خارطة الطريق» التي سيسير عليها السودان في حالة وقوع «الطلاق»..
وكما حددت الاتفاقية فترة انتقالية مدتها ست سنوات فمن الافضل ان تستحدث فترة انتقالية اخرى تسمى «الفترة الانتقالية في حالة الانفصال» توضح كم من الزمن ستستمر اجراءات الفصل وما هي هذه الاجراءات بالتحديد وما هو مصير السكان من الجانبين الذين يعيشون في الجانب الآخر .. وما هي الترتيبات المشتركة التي يجب ان يتبعها الجانبان لضمان عملية إنتقال سهلة ومأمونة للسلطة في الدولة الوليدة.. وما هي الترتيبات المطلوبة في الدولة الام «السودان» لاعادة هيكلة السلطات التي كانت مخولة للحركة الشعبية و لجنوب السودان في الدولة؟؟.. مثلا منصب نائب الرئىس و القوات المشتركة وغيرهما من الاجراءات التي استحدثتها اتفاقية السلام..!!
من المهم ان ينظر طرفا التفاوض الى الانفصال بجدية لانه خيار قائم حتى لا يكون مفاجأة ترتبك فيها الدولة ويتعرض شطرها الجنوبي أو الشمالي الى هزات دستورية ومتغيرات كبيرة قد تحدث توترات سياسية أو عسكرية وتدخل البلاد في مخاض وعملية ولادة قيصرية محفوفة بالدماء والوجع.!!
مطلوب اتفاق للـ «الترتيبات الانفصالية».. على غرار «الترتيبات الامنية»..!!
http://www.rayaam.net/colum3.html