التجمع وادعاءات الإجماع الوطني
احمد ضحية
[email protected]
إن إصرار بعض قوى السودان القديم على أن حق تنظيما منشقا عن الحزب الشيوعي ما هو إلا ذريعة لتبرير الأساليب الملتوية والتكتيكات البائسة التي اشترطتها التحالفات الأشد بؤسا من فار المسيد !!..فالأفكار الإنسانية عموما تجد قبولا من الناس عندما يشعر هؤلاء الناس إن هذه الأفكار تعبر عنهم وتعالج مشاكلهم وتخاطب تطلعاتهم ومن هنا يسبغ عليها هؤلاء الناس الشرعية بمدى ما تحمله هذه الأفكار من تطلعات وأحلام عزيزة على نفوسهم .. ولذلك ليس من حق تنظيم سياسي ادعاء أن بامكانه منح الشرعية لتنظيم آخر فالشرعية تسبغها الجماهير على القوى السياسية ..وإذا كانت هذه الجماهير لها ممثليها : النقابات ,الاتحادات, مؤسسات المجتمع المدني, الأجهزة النقابية الطلابية والشبابية والشخصيات المستقلة ....إلخ، ..اذا كان هؤلاء يمثلون الى جانب القوى السياسية جماهير السودان الغفيرة فهؤلاء لم يجتمعوا ويبصموا ان حق غير مستوفية للمعايير والمواصفات المطلوبة في الحركات السياسية المعارضة ؟؟..ولذلك ينبغى على القوى التي تعتقد أن بامكانها منح الآخرين صكوك العضوية أو الشرعية إدراك أن إرادة الجماهير هي التي تمضى في نهاية المطاف ..الجماهير التي لا تتذكرها قوى السودان القديم إلا في مواسم الانتخابات ؟؟..إن القوى الجديدة تعبر عن جماهير وعن قوى حية في المجتمع، ومفاهيمها وتصوراتها الديموقراطية تنأى بها عن الدخول فى الصراعات التي لا جدوى منها أو المعارك والحروبات البدوية الصغيرة.!!! فهي لا تطمع في موقع شيخ قبيلة أو زعيم خلية قل أن يجتمع أفرادها الثوريين بسبب التامين العالي المزعوم ؟؟!!..وحق هي راس الرمح بين تنظيمات القوى الجديدة وهذا ما أثبتته تجربة نضالها السياسي في الداخل منذ أن أعلنت عن نفسها فرؤيتها السليمة للواقع ونواياها الحسنة التي تضع الأجندة الوطنية فوق كل اعتبار هى أساس تعاملها مع الواقع وهو ما أثبتته تجربتها في منازلة الجبهة الإسلامية في الجامعات طوال السنوات الماضية وقد اثبت الواقع صدق ما قالت به تحليلاتها كما جاءت في الوثيقة التأسيسية وقبل أن تنادى أي قوى بالإجماع الوطني، ظلت الحركة تطرح مشروعاتها لوحدة القوى الجديدة كخطوة للم شمل هذه القوى الديموقراطية الجديدة في وعاء يمكنها من الجانب الآخر من تقوية التجمع بإعادة صياغته بحيث يتسع لجميع المعارضين في كل فئات وشرائح المجتمع والمنظمات الحزبية والأهلية المختلفة، فالصيغة الجامدة التي ظلت تحكم التجمع بقواه الأحادية بتصوراتها الشمولية وإصرارها على صيغة التمثيل الحزبي الذي أدى إلى عزل التجمع عن القوى والأفراد غير المنضوين تحت لواءه..بدلا عن توسيعه ليضم إلى جانب القوى السياسية جميع من يعارض هذا النظام...فالتجمع منذ اتفاق جيبوتى المسمى نداء الوطن بين السيد الصادق المهدي والبشير بدأ دوره يتراجع بسبب الاصطفافات الأيديولوجية وما ترتب عليها من أضرار على صعيد وحدة المعارضة وخطها السياسي و الإعلامي وآليات إسقاطها لنظام الجبهة الإسلامية المتهالك ...على الرغم من كل ذلك لا تزال بعض القوى تنصب نفسها سادنة لحماية صيغة التجمع أحادية الجانب التي أودت به إلى ما رأيناه من تجاوز له في مشاكوس ومن عراك مستميت على مؤتمر خصص للمرأة ؟؟؟!!بدلا من التوقف للمراجعة والاستدراك وتقويم المسيرة تمضى قوى السودان القديم لتوقيع وثيقة الإجماع الوطني "الخميس 29 أغسطس 2003بدار الحزب الاتحادي القاهرة فالموقعين هم كل شعب السودان وقواه المعارضة ؟؟ إن نقدنا للسلوك السياسي لقوى السودان القديم طوال أكثر من عامين مضيا على صفحات صحافة الخرطوم ناتج عن حرصنا على تجاوز كوارث الماضي ومعالجة الأخطاء الفادحة في الحاضر المعاش لأجل مستقبل مشرق يسهم الجميع في صناعته دون استثناء بسبب الثقافة أو الدين أو العرق فالقبول بالآخر المختلف ليس من قبيل الترف اللغوي وإنما سلوك عملي تجسده القوى السياسية في احترامها لجماهيرها وقواعدها ورصفائها في القوى الأخرى وهو احترام ينهض على قاعدة الحوار الموضوعي في سبيل الإصلاح حتى لا تتكرر الأخطاء الفادحة ؟!..فالإجماع الوطني لا ينهض على قاعدة الإقصاء ومحاولات الإلغاء لوجود الآخرين فذلك يضعف من قوى التجمع ويجعله عاجزا عن منازلة خصمه الأساسي ألا وهو الجبهة الإسلامية ...ولا يعود بامكانه التصدي لمهام الأزمة الوطنية الشاملة التي تمر بها بلادنا منذ الثلاثين من يونيو 1989.وهو ما حدث بالفعل ؟ ..وإصرار قوى السودان القديم على الإمعان في الغي وبذر التناقضات فى جسد الحركة السياسية وجسد السودان فى سبيل الحفاظ على مصالحها الضيقة، ضيق افقها، والمحدودة محدودية تفكيرها، أودى بالأمور إلى ما آلت إليه في 89 واستمرارها على ذات النهج أدى إلى إضعاف التجمع بحيث لم يعد إلا كتمومة الجرتق يتجاوزه القاصى والداني في الأمور التي هي من صميم مهامه وهى أساس تكوينه وقيامه ؟؟؟؟لقد قدمت حركة حق صيغة مثلى فى مؤتمرها العام الثانى لتجاوز الأورام التي أحدثتها قوى السودان القديم باعتمادها لصيغة التمثيل الحزبي بكل ما ذكرناه عن هذه الصيغة من مساوئ، تلخصت الصيغة التى طرحتها حق فى أن : " يعطى التجمع عضويته لكل التنظيمات السياسية التى قدمت طلبا للانضمام إليه وعلى رأسها حركة حق يضاف إلى ذلك اعتماد صيغة أخرى تقوم على التمثيل الحزبى للجماهير كمرحلة أولى بانتخاب هيئاتها القائدة ومكاتبها القائدة وممثليها لمؤتمرات التجمع وهيئاته الأخرى انتخابا مباشرا يقوم على الكفاءة وحدها وهو انتخاب لا يستثنى المنتمين للأحزاب السياسية من حيث المبدأ ولكنه لا يتوقف عليهم بمعنى أن الكفاءة يمكن أن تتوفر في الحزبيين وغيرهم لكنها هي وحدها المعيار وليس سواها :وثائق ومداولات وقرارات المؤتمر الثانى لحركة حق . ص: 199 " ولكن مثل هذه الصيغة التي تؤكد معنى الحوار ومدى قدرة الآخرين على الإسهام فى صنع معنى مشترك للحياة الحرة الكريمة في بلادنا معنى لا ينفرد بصناعته احد ليفصّله بتعالي على مقاسه هو لوحده دون إدراك لعدم استيعاب هذا المعنى لتطلعات الآخرين وأحلامهم ..مثل هذه الصيغة التي تقوم على الكفاءة قبل كل شىء لا يمكن أن تروق لقوى السودان القديم التي لا يزال بعضها يتغنى بأمجاد الثورة البلشفية بكل كلفتها الإنسانية الى لا تعنى شيئا ؟! تكشف مثل هذه الصيغة مدى بؤس التصورات الشمولية التي لا تحيا إلا فى أروقة التآمر ودهاليز التواطؤ وظلمات مخلفات التفكير الإستبدادي الأحادى،..واى صيغة لا تبنى على تداول الرؤى المختلفة لن تخرج بالسودان من عنق الزجاجة ..و أي صيغة لا تتبنى الحوار لا يمكن أن يكون نتاجها إجماعا وطنيا ......