Post: #1
Title: د. علي أبو سن و " جربندية " الإعلام
Author: ABU QUSAI
Date: 09-08-2003, 11:09 AM
أشكر الأخ / عجب الفيا على القطعة الأدبية الرائعة التي ذكرتني بمذكرات د. علي أبوسن والتي كنت قد فرغت من قراءتها قبل عامين تقريبا. مذكرات الدكتور علي أبوسن في رأيي تكتسب أهميتها في إيرادها لرسائل المجذوب وإذا غضينا الطرف عن النرجسية الزائدة عن اللزوم التي طغت على بعض فقرات الكتاب ، أرى أن المذكرات احتوت على العديد من الحقائق والطرف التي تستحق الوقوف عندها . كإعلامي سابق ولي تجارب مع الأخوة في مجال الإعلام وقفت كثيرا عند ما أورده د. علي أبوسن في صفحة 40 حول الإعلام إذ يقول : ( مدير الإذاعة ضابط " منتشي " كما يقول المصريون ، اسمه "التاج حمد" كان يدخل إلى الإذاعة وكأنه جنرال يستعرض قواته . لا يسلم ولا يتحدث مع أحد ن وإنما يصدر الأوامر بهدوء وكبرياء القادة العظام ! وأهل الإعلام في العالم النامي هم أجبن الناس ، إلا القلة النادرة ، وجبنهم هو أقبح أنواع الجبن ، فالآخرون يعبرون عن جبنهم بالانكماش ، والانطواء ، والصمت . وأهل الإعلام يعبرون عن جبنهم بأن ينفخوا أوداجهم بالرياء ، ويشرعوا أقلامهم بالنفاق ، في حب من يسومونهم الخسف ، ويذيقونهم المر . والسبب في جبن أهل الإعلام في بلادنا دون غيرهم من المهنيين ، هو أن معظم الذين دخلوا إلى عالم الصحافة والإذاعة بعد ا لاستقلال اقتحموه "بالجربندية " – كما كانوا يقولون – دون تأهيل أكاديمي ، بل استخدموا ذكاءهم وطموحاتهم وما أتاحته التركيبة السودانية الفريدة ، القارئة النهمة ، من تطلعات مشروعة ، وتثقيف ذاتي ، وما سمح به المجتمع السوداني من إتاحة الفرص للمواهب الوطنية التي حرمتها الإدارة الاستعمارية من فرص التعليم والتفوق . ومع ذلك فقد حكم سلك ا لوظائف الحكومية ، معيار " الشهادات " . وأصبحت " الإسكيلات " – الدرجات – مفصلة على خريجي المؤسسات التعليمية القليلة التي أنشأها الاستعمار أو سمح بإعادة افتتاحها ، بعد أن كانت ميسورة في العهد السابق للمهدية ، العهد التركي – المصري . وباحتلال هذه العصبة من " الجربندية " للمواقع المتقدمة في أجهزة الإعلام ، أصبح من الصعب عليها التخلي عن مواقعها لاي سبب من الأسباب . ومع السرعة الهمجية لتغير الحكام والنظم في الخرطوم ، اكتشفت هذه الفئة أن الجبن هو سيد الأخلاق !! وكم رأينا نفس الوجوه وسمعنا نفس الأصوات ، في التلفزيون والإذاعة ، تطل علينا في الشاشة وعبر الميكروفون ، تجأر بباطل نميري ... وتزأر بخرافات الجبهة الإسلامية ... تماما كما كانت تفعل مع نظام عبود ، نفس الوجوه . ) انتهى كلام د. أبوسن . يا سبحان الله وأنا أقرأ في هذه الصفحة مر أمامي شريط طويل من الذكريات الحلوة والمرة ، شريط من اللت والعجن والصراع مع هذه الفئة لعدة سنوات قضيتها بالإذاعة السودانية . أذكر أنني عندما بدأت العمل بالإذاعة ذهبت إلى أحد أعمامي الكبار لأخبره بذلك - لأن عملي جاء بعد عطالة طويلة ومطاردة للجنة الاختيار - فرد عمي عليه رحمة الله " مبروك ، أها شغلوك مع البكضبو واللا مع البلعبوا الشفع" الإذاعة في نظر هذا الشيخ الذي تخطى عمره الثمانين في ذاك الوقت مصنفة إلى فئتين ، فئة تكذب وفئة لبرامج الأطفال ، حضرتني هذه القصة في واحدة من المرات التي أعلنت فيها وزارة التجارة زيادة في أسعار سلعة السكر مبررين ذلك بزيادة الأسعار في البورصة العالمية الشيء الذي كان يخالف الحقيقة تماما ، وجاء وزير الإعلام في ذاك الوقت د. إسماعيل الحاج موسى ليجتمع بالمحررين بالإذاعة والتلفزيون للتخطيط لعمل حملة لإقناع الناس بهذه الزيادة ، فتحدث كاتب هذه السطور في الاجتماع موضحا أن الناس يستمعون لإذاعة لندن ولإذاعات عالمية أخرى ويطلعون على الصحف العالمية وأذكر في تلك اللحظة كان بيدي صحيفة الشرق الأوسط - جئت بها من أحد أقاربي طبيب بمستشفى الخرطوم – وكل وسائل الإعلام هذه تؤكد انه سعر السكر في تندي يكاد يصل حد الانهيار في البورصة العالمية ، فما كان من فئة " الجربندية " تلك إلا أن تتصدى لي بالمقاطعة وبحماس لا يدانيه حماس الوزير نفسه لهذه الحملة الجائرة وقال كبيرهم وهو مذيع لامع وبالحرف الواحد (السيد الوزير من كان له عداء جذري مع مايو فلا مكان له بيننا ) ويا سبحان الله نفس الفئة ظلت تسيطر على مفاصل العمل الإعلامي . لم تطالها يد الصالح العام التي لم يسلم منها إلا ذو حظ عظيم ، ولم تصل إليهم مجزرة أمين حسن عمر الأخيرة التي شردت قرابة الألف وأربعمائة موظف وموظفة من العاملين بالإذاعة والتلفزيون. التطبيل نفس التطبيل والحشو نفس الحشو ، ويأبى هؤلاء – وغصبا عنا – إلا أن يصبحوا (أسماء في حياتنا) . فكيف الحل ؟
|
|