Post: #1
Title: عندما يتحدث آخر الرجال المحترمين:
Author: adil amin
Date: 09-07-2003, 10:45 AM
اخيرا مفاوضات سلام سودانية حقيقية
د.عبد الوهاب الافندى
من المبكر الحكم علي اللقاء الذي جمع بين نائب الرئيس السوداني علي عثمان محمد طه وزعيم حركة التمرد العقيد جون قرنق في نيروبي منذ الخميس الماضي بأنه الاختراق الذي طال انتظاره للتوصل الي حل سلمي للحرب في جنوب السودان. ولعل الارجح الا يؤدي الي نتائج ملموسة سريعا. ولكن هذا اللقاء يمثل بالقطع اول جولة مفاوضات حقيقية بين الحركة واي حكومة سودانية منذ اندلاع الحرب قبل عشرين عاما وبضعة اشهر. لقد عقدت لقاءات كثيرة بين طرفي الحرب سميت مجازا بالمفاوضات، ولكنها لم تكن في حقيقة الامر كذلك. فاللقاءات كانت في الغالب بين ممثلين للطرفين لم تكن لديهم صلاحيات اتخاذ القرار، كما ان القيادة في احد الطرفين او كليهما كانت غير راغبة في حل سلمي طوال تلك الفترة. وقد عقدت لقاءات علي مستوي عال، كذلك اللقاء الذي وقع بين رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي وقرنق في اديس ابابا عام 1986 وبين د. علي الحاج كبير مفاوضي الحكومة وقرنق في كمبالا في مطلع عام 1993، ولكن اللقاء الاول كان حوارا فكريا سياسيا لم يؤد الي نتيجة، بينما تعلق اللقاء الثاني بمسائل اجرائية. كانت هناك جولات مفاوضات غير مباشرة تناولت القضايا الجوهرية، مثل تلك التي تولاها رجل الاعمال البريطاني الراحل تايني رولاند في ايام النميري وتم عبرها عرض منصب نائب الرئيس علي جون قرنق مع مسؤولية كاملة عن الجنوبيين (وهو ما يطالب به قرنق اليوم) ولكن الحركة رفضت ذلك العرض حينها. كانت هناك لقاءات بين الحركة وقوي سياسية غير حكومية، علي غرار اللقاء الذي عقد في منتجع كوكادام في اثيوبيا في مطلع 1986 بين الحركة وعدة احزاب سودانية ولقاء قرنق مع السيد محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي في اثيوبيا في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1986 ولكن الاشكال في هذه اللقاءات هو انها كانت مع اطراف لم تكن لديهم السلطة او القوة لتطبيق ما اتفق عليه، كما ان محتوي الاتفاقات كان في مجمله اجرائيا قصد منه فقط تمهيد السبيل للمفاوضات، ولم يصل حتي الي مناقشة قضايا الخلاف الرئيسية، فضلا عن حسمها. جولات المفاوضات الرسمية بين الحكومة والحركة بدأت في عهد حكومة الانقاذ الوطني، ومرت بثلاث مراحل: لقاءات مباشرة في اديس ابابا ونيروبي في عام 1986 لقاءات بوساطة نيجيرية بين عامي 1991 ـ 1993 ولقاءات في اطار مبادرة الايقاد منذ عام 1993 والي الان، ولكن الاطراف وخاصة الحكومة، كانت تدرك ان هذه اللقاءات لم تكن في الحقيقة مفاوضات. وكان ابرز من ادرك ذلك هو علي عثمان طه الذي سعي بجد منذ عام 1993 لعقد لقاء مع العقيد جون قرنق حين سافر لهذا الغرض الي لندن حيث عقد لقاءات مع بعض المقربين من الرجل، ثم سافر الي نيروبي بعد ان ابلغ من قبل تايني رولاند والرئيس الكيني السابق دانيال اراب موي بان قرنق سيلتقيه، ولكن ذلك لم يتحقق. وقد فشلت عدة محاولات بعد ذلك لجمع الرجلين، كما فشلت محاولة رتبها رجل الاعمال السوداني الراحل جورج حجار لعقد لقاء بين قرنق والشيخ حسن الترابي في عام 1996. وقد تولي علي عثمان قيادة وفد الحكومة للمفاوضات التي استؤنفت عام 1997 ولكن العقيد قرنق لم يحضر ايا من الجولات. وقد اعتبر تخلي علي عثمان عن قيادة الوفد بعد ذلك اشارة الي ادراك الحكومة المتزايد لعدم جدوي هذه اللقاءات. وها هو حلم علي عثمان بعقد لقاء مباشر ومنفرد مع العقيد قرنق يتحقق اخيرا، فما هي يا تري الكلمات السحرية التي سيهمس بها في اذن العقيد لتقنعه بنبذ خيار الحرب والعودة الي الخرطوم للمشاركة في السلطة؟ كثير من المحللين يري ان الخلاف الشخصي والموضوعي بين الرجلين هو العقبة في طريق السلام، لان قرنق ببساطة يريد منصب علي عثمان. ولكن هذا تبسيط مخل للقضية لان علي عثمان لا يمثل نفسه في هذا الخلاف، بل منظومة السلطة بكاملها، وهي سلطة تتركز في مؤسسة الرئاسة والتشكيلات الامنية والعسكرية التي تمسك بزمام الامور. الطرح المتوقع ان يتقدم به علي عثمان هو مشروع شراكة سياسية استراتيجية بين المجموعة الحاكمة والحركة خلال الفترة الانتقالية وما بعدها. وهذا الطرح هو من جهة خيار منطقي، لانه من غير المنظور ان يحدث سلام ما لم يتم التوصل الي اتفاق كهذا يطمئن الطرفين علي مصالحهما. وكان هذا الخيار قد طرح اول ما طرح علي هامش مفاوضات ابوجا عام 1993، ولقي ترحيبا من بعض قادة الحركة، ولكنه واجه عقبات موضوعية ما كان يمكن تجاوزها. فالتحالف مع الحكومة في ذلك الوقت كان يعني الوقوف معها في خندق واحد ضد خصومها الكثر، وعلي رأسهم الولايات المتحدة ودول المنطقة (اثيوبيا، يوغندا، اريتريا، مصر الخ) اضافة الي القوي السياسية المعارضة. ولكن نفس هذه القوي كانت حليفة حركة التمرد وظهرها الذي تتكيء عليه. فلم يكن منطقيا اذن ان تتخلي الحركة عن حلفائها الماثلين من اجل منفعة تحالف مع خصم سياسي وايديولوجي الضرر من التحالف معه اكثر من نفعه. المعطيات تغيرت اليوم لان خصوم الحكومة اقل وخصومهم اقل حدة، ولكن الحكومة قد تضطر لان تقدم تنازلات اكثر لصالح هؤلاء الخصوم ولصالح الحركة حتي تصبح صفقة الشراكة مريحة لقرنق، وخسارته منها اقل. **************** نقلا عن صحيفة القدس العربى
|
|