نوبـــــــــــــــــــة.....!!

نوبـــــــــــــــــــة.....!!


09-03-2003, 09:11 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=2&msg=1062576672&rn=4


Post: #1
Title: نوبـــــــــــــــــــة.....!!
Author: عادل فقاد
Date: 09-03-2003, 09:11 AM
Parent: #0

ألقيت بجسدي المنهك على المقعد بتهالك واضح .. كانت رحله العلاج اليومية مع تلك الفتاة يجاذبني فيها أمران .. أولهما .. رابطة الدم الذي بيننا فهي شقيقتي والأخر إحساس الشفقة والألم لحال مرضها وعجزها ، حانت مني التفاتة حيث وقع بصري على تلك الآية المزخرفة والمعلقة في إطار جميل النقوش..(يا أيها الذين آمنوا لا تقنطوا من رحمة الله ) تمتمت بخشوع .. وإجلال "رحمة الله .. رحمة الله" رددتها مرارا وآنا استحضر في ذهني عظمة المولى .. وعادت بي الذاكرة إلى الوراء .. وكأن أصابع الزمن امتدت تحرك الساعة عكس اتجاهها بسرعة رهيبة آلة الزمن تلك الأسطورة التي تحكي اجتياز عشرات الشهور والأعوام بلمح البصر..أنى أتذكر حال تلك السجينة كما جاز لي أن اسميها التي أكملت ما يزيد عن خمسة وعشرين عاما في زنزانة جسدها المريض .. يالله .. لقد قارب صبرها (صبر أيوب) وربما جاوزه وهي مكبله بأغلال المرض الذي أبقاها سجينه طوال تلك الفترة .. لقد صاحبها منذ شهورها الأولى .. ولم تكن النوبات المفاجئة لترحم تلك الرضيعة المسكينة التي لا تتركها في كل مرة إلا وقد خارت قواها .. تدحرجت دمعه .. لم استطع مغالبتها .. فانفلتت .. وأنا استعيد أيام وسنين تلك الفتاة فلا أجد فيها شيئا يذكر.. لقد أقعدها المرض عن كل شئ وكأنه أودعها مستودع الزمن ونسيها .. إنها لم تشارك أقرانها اللعب لقد صادر المرض طفولتها التي لا تعلم عنها شيئا .. أجهشت بالبكاء عندما تذكرت أنها لم تحمل حقيبة مدرسيه في يوم من الأيام .. ولم تفرح كأي طالبة مع بدء كل عام دراسي جديد بزي جديد وفصل جديد..ولم تعرف الحروف ولا الأرقام كما لم تعرف الكراسات والألوان ولم تسعد بصحبة زميلاتها فتقاسمهن لهوهن وعبثهن في فناء المدرسة أو المنزل .. لقد انطفاءت تلك الفتاة منذ زمن بعيد .. وكلما تقدمت مسيرة السنوات بالطفلة الرضيعة كلما ضيقت نوبات التشنج عليها الخناق لتزداد شدتها .. كانت تلك النوبات المؤلمة أشبه بالفروض والواجبات المدرسية في سنينها الأولى .. فقد كانت يومية أو شبه يومية لا تنقطع ولا ترحم .. فأصبحت بديلا لها لما تؤديه الطالبات .. ولا ينمحي من الذاكرة مشهد النوبات التي تعصف بها وتمر عليها كالإعصار.. فإذا ما تلاشت لنا أن نقدر مقدار الخراب في مركز الإعصار المدمر.. وكذلك هي .. كانت النوبات تلفها وهي أشبه بالخراب .. ذلك الخراب الجسدي والنفسي الذي تحول مع وطاءه المرض وطول الزمن إلى عناد وإصرار من جانبها في كل شئ .. هانئذ اليوم اسرد جزءا من فصل طويل في حياتي وحياة السجينة .. اخترت لكتابة ذلك الفصل هذا الوقت بالذات لمفرق الطريق في حياتها المرضية الطويلة.. حيث كان التحول الكبير وأنا اشرف بذاتي على علاج طويل مضني لها .. لا يعلم مكابدتي فيه إلا الله وكم ألقى من عناء خلال رحلة العلاج البطيئة التي أنسى ذاتي معها في كثير من الأحيان.. وبدا لي مع طول أمد العلاج وانعدام النتيجة كمن ينحت في صخر .. لا ينتج نحتي سوى خربشات والصخر لا يتأثر.. وبدا الفتور يدب إلى نفسي في كثير من الأحيان رغم المواصلة .. ولكن مفاجاءة غير منتظرة دفعتني بها تلك السجينة إلى العودة للمثابرة الجادة ومواصلة المسيرة وكأنها شعرت بأني اقترب من الدخول إلى سجنها .. في سجن ذاتي .. فلم تشاء أن أتدحرج معها في هاوية سحيقة لا قرار لها. .كان ذلك عندما فاجأتني في إحدى الأمسيات وهى مستقره في صالون المنزل أمامي وأمام الجميع الذين صعقتهم تلك المفاجاءه المباغتة .. فقد أقعدها المرض عن الحركة فهي أشبه بالمشلولة والعاجزة عن الحركة أو المبادرة للقيام بأي فعل من أي نوع ..وكأنها وهي التي لا تعرف الكتابة ولا القراءة أو التعبير تبعث لي برسالة من نوع ما بوقفتها تلك وبنظراتها التي تغوص في المجهول .. وكأنها تقول لي عبر هذا التصرف "أتبحثين عن أجابه أو نتيجة هاهي ماثله أمامك "
كان حدثا غير عادي بل كان شيئا أشبه بالخيال الذي لا يتوقع أحدا حدوثه على ارض الواقع.. وفي كل مرة انظر إليها واسترق النظرة تلو الأخرى من غير علمها في يقظتها أو منامها .. ترحل بي المخيلة إلى أفكار .. وأفكار.. كم طال شوقي أن تحادثني هذه السجينة أو أن تصحبني برحله تبضع في الأسواق .. كم اشتهيت أن أضع عليها الثياب التي ننتقيها معا لا اعرف إن كانت تناسبها أو إن كانت ترغب بها ضمن مشهد خاطف قبل شرائها كعادة المتسوقين ..كم حدثت نفسي عن الوسيلة لاجتياز ذلك النفق وذلك السرداب الذي تقع في آخره وهو الفاصل بين وعيي ووعيها .. ماذا لو هبطت إلى عمق ذلك السرداب النفسي المجهول لاعرف أو حتى اقترب مما يدور بتلافيف رأسها الجميل من أفكار .. ولكن كيف ؟؟ كنت أشبه بباحث الآثار الذي لا ييأس من البحث والتنقيب أجوس خلال نفسها كما يجوس في أثار القدماء بحثا عن اثر قديم غال أو شئ من المعرفة .. كثيرا ما حاولت أن اشق لنفسي منفذا ولو ضيقا في طريق حياتها الملتوي والذي لا يبدو انه ينفذ خلاله ضوء كثير يبعث الأمل والرجاء .. يالله كم احب هذه الفتاه أحنو عليها .. وكم اشعر بما تبادلني به من حب يتجلى في تلك النظرات الحائرة .. البريئة المستعطفة .. لقد أصبحت اليوم عروسا جميلة وهي داخل سجنها .. ولا أرى السنون في تقطعها إلا تزيدها التصاقا بي اكثر انقيادا وطواعية .. بل لا ترفض لي طلب منذ رحله العلاج الأخيرة الطويلة وهي اليوم وادعه كجمل صغير وكأنها تعلم مدى عنائي وتعبي فلا تود أن تضيف لي المزيد وكأنها تقدم بتلك الاستجابة الشكر والامتنان .. السجينة .. حبيسة المرض الطويل ..حبيبتي تلك التي ارتهنت في أسرها .. فدخلت سجنها الاختياري .. وتركت بيني وبينها عهدا غير مكتوب ..لا يعيه سوانا .. فإما أن أخرجها منه بمشيئة الله القادر وإما بقينا فيه معا إلى أخر العمر..

Post: #2
Title: Re: نوبـــــــــــــــــــة.....!!
Author: ابو جهينة
Date: 09-03-2003, 11:16 AM
Parent: #1

الأخ عادل فقاد
تحياتي
..(يا أيها الذين آمنوا لا تقنطوا من رحمة الله )
كم هي عظيمة كلمات المعبود. سبحانه و تجلت قدرته.
و كم هو جميل هذا الصبر الأيوبي.
و كم هو أجمل أن نحمد الله على الحلوة و المرة.
تسلم أخي

Post: #3
Title: Re: نوبـــــــــــــــــــة.....!!
Author: aba
Date: 09-03-2003, 11:48 AM
Parent: #2

أخي عادل
ما أجمل صبرك ,الله يديك العافية ,ونسأله تعالي أن يلطف بها وهو علي كل شيئ قدير,لم تترك لنا ما نقول فما تقوم به لهو الحب في اسمي معانيه,افرحك الله بها وفيها تراها يوما ما تسير بجانبك وتحادثك.إن شاء الله

Post: #4
Title: Re: نوبـــــــــــــــــــة.....!!
Author: عادل فقاد
Date: 09-03-2003, 12:35 PM
Parent: #3

حلت البركه بزيارتكم
ابو جهينه
aba
كم هو جميل الصبر على المحن
رغم مرارة الصبر وقسوته
الا انه طيب
فصبر جميل والله المستعان
لكم كل الود



ــــــ.......ــــــ......ــــــ
ان يكن حسنك مجهول المدى
فخيال الشعر يرتاد الثريا

Post: #5
Title: عادل فقاد
Author: توما
Date: 09-04-2003, 09:28 AM
Parent: #1

عادل فقاد
تحياتي
ليك وليها وللحب البيناتكم
من رحمه ربنا انو يزرع جوانا يقين ببكره الجاي بخيره..
عارف من اجمل الروابط الانسانيه علي الاطلاق
الاخوه ولما يكون اخوك احساسو بيك عالي وهامي
بيك..ما تخليها واغمرها حب ومحنه بيهم وبرحمه
الله بتشفي..وما تقنع
توما