يتقافز فوق الجراح غزالاً رشيقاً %% نصار الحاج يقرا عصام عيسى رجب

يتقافز فوق الجراح غزالاً رشيقاً %% نصار الحاج يقرا عصام عيسى رجب


08-29-2003, 02:42 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=2&msg=1062164549&rn=0


Post: #1
Title: يتقافز فوق الجراح غزالاً رشيقاً %% نصار الحاج يقرا عصام عيسى رجب
Author: sympatico
Date: 08-29-2003, 02:42 PM

يتقافز فوق الجراح غزالاً رشيقاً

بقلم: نصار الحاج




مقاربـــــ نقديــــــ لتجربـــــ الشــــــاعر عاصــم عيســـــى رجـــــــب
ثمة قارئ متخيل يحضر دائما عند كل كتابة ويتدخل فيها، هكذا يخوض الشاعر، خلال الكتابة حربا سرية ضد قارئه المتخيل كي يتحرر منه، ان مأساة الشاعر تكمن في انه يعجز عن ان يطأ ارض قصيدته الا من خلال تلك الحرب التي تجعل (القارئ المتخيل) شريكه الحتمي في الكتابة ولعل هذا ما يجعل الشاعر احيانا يحس بالغربة عن قصيدته، فهي لا تحمل ملامحه وحده بل تحمل ايضا ملامح ذلك المؤلف السري الذي يسعى دائما لعبادة المتلقي والامتثال لتعاليمه المقدسة.
(زهير ابو شايب)
(.................)
(يا وحيدي
انت من امكنت هذا الصوت من جرح الغناء
فتأمل ...
...............)


مجموعة (الخروج قبل الاخير) للشاعر عصام عيسى رجب بدأتها لاكتشف دهشة الدخول الاولى.. معاندا دلالة الخروج التي تشى بها بنية عنوان المجموعة ربما هي رسالة البحث عن ابدية تستوعب قلق الترحال بوصاية صوفية لا تعرف غير العزلة مكانا يهدي مجاهل الروح الى وعيها المحايد او انكسارها الحاد امام سلطة عادية الاشياء، تجتر سيرة الضياع بذهول بائن:
يكتبني هذا البحر السادر غياً في خاطرتي
يكتبني لكن من غير بكاء
فخذيني
اخذك
حين يراودك الاعياد قليلاً عن لغتى
اني الآن سرابي آخر
ها غلقت عليك فتوق هروبك
فارتكبي الخطأ الفادح
ان تتجهي ناحية القلب مباشرة
خلي قافلة الشعراء وراءك
هذا التاريخ ملئ بالحسرات الليليات
وبالفتح السري
اتساءل احيانا
اين الخيط الابيض من فجر الاشياء
اين مقام العارف من اسئلتي
لا ادعي البراءة تجاه هذه النصوص وفي ذات الوقت .. لا ادعي ممارسة القراءة الناقدة. فقط احاول كسر حشمتها ممارسا انزال اسقاطاتي.. ربما الخاصة عليها، ادعي الفة الانصات والاحتفاء بنصوص الشاعر عصام عيسى منذ كنا طلابا بالجامعة ـ ذاك الفضاء الداخل في فواصل الزمن يراقب الارتباكات العديدة وايضا الاستقامات المدركة في هيكلة الارض ـ الوطن ، الفردوس المشتهي، وهو يسرد (ست حكايات كي ينام الوطن)، فاتحا حوارية اللغة الفكرية، الباحثة عن مواجهة الصراع الكائن بين ابجديات تتقافز لصدام اضداد تتقاطع ضد بناء الحلم والثورة : الصغير ـ الفقير ـ الديك ـ الشاعر ـ القمرية ـ الفارس في مواجهة الحاكم ـ الغني ـ الامير ـ القبيلة ـ الصائد ـ الليل:
وشاعر شكى
في القبيلة ـ القبيلة
يولمون حين تورق القصائد
وها انا اهز جذع نخلتي
تساقط الغناء
فيأكلون احرفي على امتلاء.
وكبرياء القمرية سيدة التحليق في الغناء وهي تسكر مساءلة الصائد تفسد ظنه بسطوة الاغراء كرسالة كافية لاسكات النداء بشرف الحرية وقيمة الوطن كسعادة ابدية ورغد لا متناهي تصده بكبرياء الفضاء المتمرد على سياج القفص السجن:
صاد صائد قمرية وسر بالحديث
تخلدين دهرك السعيد هاهنا
وتنغمين بالرغد
فغردت
موطني ولا موائد الشهد.
تماما، توازي قامة الفارس وهو يزرع الربع ضد ابواب الزنازين واستجداءات الاجهزة الخائبة، يؤكد انتماؤه للوطن كقيمة لا يمشي الانكسار بين دروبها:
في موطني يباركون
من يموت
وطرفه يغازل الشموس
حيث التحولات الكبيرة:
فات زمان
طلاب البلاد
التي تمنح العاشقين استدارة نهديها
انها نصوص مغايرة غارقة في تحريك اللغة لبناء عالم من الوعي الشعري والمفردة الهاربة من جحيم الصياغات العادية، الداخلة في معالجة عوالم من الكتابة تقترح مساءلة الاشياء عن ارادتها المخفية في غيب فضائها الاسطوري:
ايكم خانه البحر في صبوته
فخبر حورية الماء
ان عاشقها حين يأوى الى الشط
قلما
يلتقي اختها في العراء ..
ابكم علمته النساء
ان يتقافز فوق الجراح غزالا رشيقا
كان يأتي الى الموعد العاطفي
مستظلا بحيطته،
فما يعتريه البلل.
صورة تسعى لتقريب هوة الخيال الغارق في الاسورة الى حوارية تلامس سطح البصر كأمكنة مشاهدة (البحر ـ الحورية) (العاشق / المرأة) فالبحر المسرح اللامتناهي تبصره حارسا يفي بالتزامه تجاه الحورية قديسة الجمال الابدية وجراح العاشق تبدو كعراء مكشوف يستودع قلق العالم، تأمل ما يفضي اليه الصمود اعلى او الانكسار ادنى بين ثنائىات الدلالة المتوافقة. لتسمو قدرة النظر ابعد، تفكيك سياجات الما وراء (الارض / الحرية)، (الشعب / الحياة) ليأتي نداء البلدة:
حين ابحرنا وراء البحر
قالت بلدة طيبة
....................
وقديماً صار في الناس الوطن.
انها ازلية الوطن كبؤرة ناصعة بالداخل، لا تنمحي بفعل الرحيل، الغربة، المنفى والابحار في اللا حدود، بل يظل النداء وهاجا تجاه الارض/ الهوية، ضد المهاجر .
هذي المنافي
نداء
يجف
قليلاً قليلاً.
المفردة الشعرية المغموسة في قلق (الخروج قبل الأخير) تعلن اضاءة مساحات اعمق وادوات تجريب مأئزة في مسار التجربة الشعرية لـ عصام عيسى. كتابة القصيدة كمنجز ابداعي يهتم بتأسيس رؤيا تلامس معطيات الكون في خطاب يسعى لمعرفة علاقة التأمل الواعي في ما يهب الاشياء استمراريتها، مفردة خارجة من سراديب الرؤيا المنصتة لرنين الكلمات/ جنين اللغة. عاملة على تحريك السائد في اتجاه اشتهاءات جديدة تكسر رتابة المستهلك لانتاج علاقة مفتوحة.
مسافرون ريثما يكف عن دواره المكان
ستنتهي حكاية المساء حينها
ستضجر الحسان من قصيدة
تنوء بالذي يجئ غائماً
مثل بردة الدخان
ويهرب الاطفال من هدهدة الانشودة المعادة
وترفض النساء ان يلدن
ويخرس الكمان.
حتى الاطفال يستشعرون قدر الخروج من اجترار الانشودة كحكاية ساكنة استنفدت قدرتها على ملامسة الاهتمام المتنامي لديهم، هم يحتفون بالانشودة، الغناء، الاحاجي، وترانيم الهدهدة، هي مساحة انفتاح تصورهم ورؤيتهم للعالم، لكنهم يبتغون ترانيم تعيد صياغة الاشياء بما يبني القادم من الزمن.
ليأتي صاعدا لمساءلة الشاعر حول بهاء الغناء الموهوب له:
بأي القداسات امتلكت رسالة اللغة البهية/ حنجرة القصيدة، كي تنسج هذا النشيد ماشياً على تضاريس الاشياء جميعها؟
هل كنت
بدءاً
سيد الاشياء
حين اخذت ناصية النشيد..؟ هكذا تبدو حالة السؤال الذي يسعى لتأكيد اجابته بذات البنية الخارج بها، بذات الصرامة المؤسس بها لعنصر تكونه كضرورة ملحة لانتاج اجابة كافية لتحديد شغف السؤال بإيضاح المعرفة. ..............
ونكتب اشعارنا
بالسكاكين
فوق الجدار.
بائن أن مفردة (النشيد) تشكل حضورا كثيفا في نصوص المجموعة بارادة ترفع من دلالتها لمصاف يؤكد شراهة الشعر كرؤيا تكشف عن الخباء في ازمنة العالم ، حتى الرثاء يأتي حاملاً شهوة النشيد بقامة الوطن/ بقامة صوت شعري هائل في الابداعية السودانية، ذلك محمد عبد الحي، حين يرثيه الشاعر عصام عيسى يحرص على توطين النشيد كعلامة بائنة في ممارسة ذلك الراحل.
كنت الذي سيقت له بحذافيرها الارض
فاشتهي ما اشتهى
وطنا للنشيد
أو وطنا للنشيد
اذن هي سلطة الخروج عن عادية الاشياء واجتراح امكنة جديدة لمسرح القصيدة الباحثة عن وجود مدرك لفضاء تتحرك فيه اللغة الشعرية كمدى لا متناهٍ ينسجم مع رهانات عديدة تسعى الكتابة لتجذيرها في بنية اللغة كحركة قادرة على كشف الساكن واستنطاق الصامت في كائنية الاشياء.
ويضحك وجهك.....
تشهق كل البنايات
او يفرك الضوء جبته
من شهوة الامس
آه ... يعتريني المقام ...
ويصحو النشيد.
ليمتد انفلات النشيد من رهق الصالات المغلقة سائحاً في البعيد كمن يكسر دورة الفصول ، متداخلاً مع المواسم في إلفة تزيل عن اقاليمها الحضور الركيك.
فات النشيد الى البعيد
ورثت لهاتك اغنيات الريح
وانعقد الرهان.
هكذا تتنزه قصيدة عصام عيسى في بناء رؤى من السحر الشفيف المتأمل بارتكازات واعية لمساحات اشتغاله الرامية لتأكيد مشروع شعري يؤدي طقس خروجه: كلغة، فكرة، رؤيا لا يعني حالة صمت تالية واندثار على ذيل الريح بل يعني حالة رهان تسعى كثيفا الى كتابة القصيدة كضياء يهدم كوى الصمت والركون والتقوقع في كهوف العادي، يفتح مدارات من اللغة المتحركة اماماً حيث الخروج لا ينتهي.
ماذا اخرج هذا الشاعر عن بلدته ذاك الفجر ؟
بدءاً يتسلل اصحاب المهن الصفراء
ارباب الرتب الوسطى في الجيش
والاجراء الليليون
فزوجات الفقراء
اما ان يطأ الحافر جلباب الشعراء
هذا والله أوان القعقعة الكبرى
فقوموا،
لا يبقى هذا الشاعر مرتحلاً حتى الشط ـ الزيف
ان وراء رحيل الصوت الراعف فينا
زمن التيه ...
قوموا يرحمكم ربي..
هي الكتابة حين تأتي بزمن الغرابة الممكنة والاناشيد الهاربة من التعاطي العادي مع المشاهدات اليومية، تمشي نحو مدارج الغنائىة الماسكة على جمر الرسالة الابداعية كروح تلمس خبايا الدم الماهر في نسيج اللغة، مسائلة الاشياء عن دور افعالها في تحريك البيئة الحاملة لوجودها.


=====

عن الصحافة
http://www.alsahafa.info/nuke/html/modules.php?name=New...ile=article&sid=1841