أحد التماثيل التي تهشمت

أحد التماثيل التي تهشمت


08-24-2003, 10:36 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=2&msg=1061761015&rn=3


Post: #1
Title: أحد التماثيل التي تهشمت
Author: انا بنت النيل
Date: 08-24-2003, 10:36 PM
Parent: #0

كان القطار يمضي بنا غرباً ،وقضيت ليلة كاملة لم أجد أحداً أتحدث إليه كان كثير من الركاب قد شاركوني أحاديث عابرة..وكانوا يتفرقون سريعا، كانت لحظاتهم معي قصيرة ، فسرعان ما وجدت نفسي وحيداً وعندما دخل بنا القطار محطة بابنوسة عجبت لرؤية صديق قديم يحمل في يده حقيبة سفر ويدخل بها القطار وأسرعت خلفه ..فلان ..فلان..وكان عناقاً حاراً وفرحة عظيمة للقاء لم يكن متوقعاً، وعرفت انه ذاهب لنيالا ايضاً.
وعندما تحرك بنا القطار التفت إليه أقول مداعباً :
وأخيراً سقط الحصن المنيع ، وتزوج عدو المرأة..
..............
لقد قرأت خبر زواجك في الجرائد . وتألمت لأنك نسيت أصدقاء لك..
أنا تزوجت ؟!!
أنا اعلم خبر زواجك فلماذا تنكره؟
وزاد عجبي حينما حاول أن يتذكر موضوع هذا الزواج!! ..كأنه يتذكر شيئاً تافهاً يحتمل أن يحدث ولكنه لا يتذكره الآن!!
واقتربت منه وقلت ...إنني أرغب في الزواج أيضا ..وأود أن أستفيد من تجربتك ، وبما أن معرفتي بالفتيات ضئيلة ، فهذه فرصة طيبة ان أجتمع بك هنا ، وأن آخذ عنك شيئاً ، ربما يفيدني في مغامرة العمر.
وقال وهو ينظر بعيداً : احقيقة ترغب في الزواج؟
- نعم
- هل فكرت كثيراً ؟
- أعتقد ذلك
- كم عمر فتاتك؟
- بين الثامنة عشر والعشرين.
- أتعرفها منذ فترة طويلة؟
- نعم
- أتتبادلان شيئاً مما يسمونه العواطف؟
- من جهتي نعم..
- ومن جهتها؟
- لست متأكداً !!!
- كيف؟
- أنت تعرف طباع البنت السودانية أكثر مني
- البنت السودانية !!! ها...ها...ها
- ألا تزال تكفر بحب البنات؟
- أكثر مما كنت
- ألا يوجد هذا الحب في بلدنا؟
- هذه حقيقة
- بم تنصح من كان في مثل موقفي؟
- أن لا يتزوج ..!! ها..ها..
- لماذا؟
- أبحث عن فتاة ..تأكد أولا أنها لا تحبك
- فتاة لا تحبني وأتزوجها!!
- لا افهم
- حسنا إليك قصتي التي أحس بلهفتك لسماعها..
وتألمت ، وأنا أرى وجهه ينطفي وعينيه يموت فيها البريق والحركة وسحابة حزن عميق تلون نبرات صوته الخافت..
قال:
أنت تعلم أنني قد أنفقت من عمري خمس سنوات وأنا مدرس بمدرسة(......الثانوية للبنات)..ورغم ذلك ، لم أجد شيئاً قد تغير في نفسي ان تلميذاتي لسن نساء علي أية حال أنني أبصر شقاوتهن وعبثهن وطفولتهن ..وأهز رأسي لا ..لا ..أن سخطي علي المرأة لا يمكن تسليطه علي زهور صغيرة لم تتفتح للحياة ولم تخبرها بعد ..

لقد عشت لحظات من حياتي مع يوسف غراب حتى باتت لي حاسة سادسة قريبة من حاسته أعرف بها النساء عن بعد ..وكنت في أيامي تلك مثله تماماً أرى المرأة عبر النافذة التي فتحها لي ..فعلي كثرة من عرفت من نساء كنت دائما عسير المنال ، كثير الحدر ، سريع الهرب كلما شممت رائحة شراك قريبة..

..ومضت بي السنون تعرفت خلالها علي عبد الحليم عبدالله ، وعرفت منه خوفه من المرأة وتردده وتشاؤمه ونالني ما كان عليه من مسحة حزن دائم واصبحت أردد معه ( لا تجعلنا نحب من يحبوننا حتى لا نشقي بالحب مرتين يا ألهي).

وهكذا مرت الأعوام كل يوم تترك في وجهي أثراً يقول لي أنني معلم لسنوات مضت وسنوات آتية وأصبحت لا أطيق رؤية وجهى في مرآة. فالشعيرات البيضاء قد تسللت إلي رأسي وأندست خوفاً من أصابعي وكنت أعلم تماما أن أفكاري عن المرأة لن تتغير ، وأن حياتي الراهنة عذاب متواصل يحث خطاه الي غاية معلومة.
وحاولت ان أطرد مافي رأسي من أفكار ومخاوف ..حاولت أن ابتسم أن أعيش أن أزيح ما في صدري من قلق وأوهام ،وبكلمة قررت الهرب من نفسي واللحاق بالحياة التي أرها تنبض في كل ما يحيط بي.
وأول خطوة اتخذتها هي هجر منزلي (بود نوباوي) والانتقال إلي منزل أنيق بحي الملازمين .وشعرت براحة لم أذق لها طعم اقبل ذلك. انني أعيش ألآن وحسرتاه علي العمر الذاهب ..

وشاء حظي ان تكون جواري أسرة أبرز معالمها الجمال، الوالد وهو شيخ طاعن يبدو في مظهره أنيقاً كشاب ذاهب للاختبار الشخصي وابنته الوحيدة احسان تلميذتي الجميلة التي لا تصلح للزواج كما اعتقدت في يوم بعيد وزوجه من نساء الجيل الماضي لا تظهر نفسها لرجل فلم أعرف عنها سوى يدها الساحرة التي خلقت من البيت جنة صغيرة.

عندما تعرفت علي والد احسان وتبادلنا الزيارات لم يكن يخطر لي على بال ان شيئاً كبيراً يمكن ان يربطني بهذه الأسرة ولكن حدث أن وجدت في جاري شخصاً طالما بحثت عنه..الرجل المثقف الذي يعني بذهنه ومكتبته مثل عنايته بملبسه ومظهره الاجتماعي وسرعان ما توثقت الروابط بيننا فكلانا محب للأدب وشغوف بالشعر يعالجه في بعض الأحيان واصبحت مرتبطاً بهذه العائلة أكن لها حبا أكيداً.

ولكنني شعرت بتغيير واضح في شعور إحسان في المدرسة لم تعد كرفيقاتها تقتحم علي مكتبي بكراسة من كراساتها،، لم تعد راني كأخ كبير كما هو الحال في الماضي ، أصبحت متحفظة بشكل غريب تطل من عينيها نظرات فيها خوف من شئ مجهول، ووجدتها بلا شعور ترصد حركات زميلاتها وأحاديثهن كلما دخلت الفصل . وكنت كعادتي لا أهتم لبنت صغيرة لا تزال تلميذة لي ويبدو ان عدم اكتراثي لها جعلها تحس بجرح تشعر به كل أنثى عندما تلحظ انصراف إنسان عنها ووضح سلوك إحسان الشاذ في البيت فهي لم تعد تقابلني على الإطلاق وان حدث بمحض الصدفة ان سقط بصري عليها تهرب في ارتباك كأنها لم تكن احسان التي رأيتها في أيامي الأوائل في هذا البيت تقبل علي في محضر والدها وترهقني بالأسئلة لتي يشترك والدها معي في الإجابة عليها.

بدأت أعرف حالتها تماماً ، كأنني معها تجربة واحدة هي مهتمة بي منصرفة عني ، تهفو لمجلسي وتخاف منه ، ترغب في محادثتي وتوثيق علاقتها بي ولكنها تخشى كبريائي وسخريتي من عواطفها ووجدت أفكاري في تلك الأيام تحوم في أشياء نفضت منها يدي منذ عدة سنوات.
إنها تمتلك كل ما أطلبه من المرأة وهي تحبني بلا شك ولكنها صغيرة وحب البنت في سنها شي معلق في الهواء ليس له جذور ، وخبراتي ان البنت في سنها لا تحب إنسانا ابدأ إنها تحب كائناً غير موجوداً ..ومسكين ذلك الذي تختاره لتلبسه ثوب الفارس في خيالها إذ أنها ما أن ترتبط به ويجمعهما
سقف واحد ، حتى يبدو لها علي حقيقته فيتهشم التمثال الجميل ولا تبقي لها سوى خيبة أمل وحزن قيم.
وأني لن أكون ابداً تجربتها البكر، ان الطريق لا تزال مفتوحة أمامي ، أستطيع أن أتراجع وأهرب كعادتي ..وهكذا أبعدت نفسي وقفلت كل طريق يمكن أن يوصلني لمعرفة شئ عنها وفي خلال هذه الفترة أتمت إحسان دراستها الثانوية ، وقبعت في البيت كمثيلاتها من بنات هذا الجيل لم تفتر العلاقة بيني وبين والدها بل انها قطعت شوطاً بعيداً جعلته يتحدث إلي كابن له ، ويشركني في شئونه ولا يحس حرجاً في ذلك ، وأذكر انه ذات يوم قال لي وفي صداقة عميقة، أن رجلاً ذا مركز محترم تقدم لابنته ورأى أن يترك لزوجته مهمة تبليغ البنت الأمر ولكن زوجته أتت بشئ لم يكن يتوقعه لقد رفضت ابنته هذا الإنسان ..بل أنها تفكر في مواصلة التعليم.
وكنت أعلم يوم ذاك ان إحسان لا ترغب في الزواج ، ليست هناك امرأة ترفض الإقتران برجل تحبه من أجل مواصلة التعليم ولكنها طريقة مهذبة للرفض اتخذتها البنات المتعلمات في هذه الأيام.
ومضى عام آخر جلست فيه إحسان لامتحان الشهادة مرة أخرى ولكنها لم توفق ووجدت الوقت مناسباً لتحقيق أمنية قديمة ..أنني أعرف معرفة جيدة أي مغامرة أنا مقدم عليها ومع ذلك كانت فرحتي عظيمة اذ تم كل شئ في سهولة ويسر ، وانتقلت إحسان لبيتي وأصبحت لي زوجة بعد أن هربت كثيراً .

الشئ الذي يؤلمني الآن .أن زوجتي تضيق بي وتظهر سخطها علي أسلوب حياتنا ، ولا تجد فرصة تضيعها دون أن تسخر مني وتسفه أفكاري ، وما يؤلمني كثيراً أن تعلقي بها يزداد يوما عن آخر ..عرفت مافيها من قوة وضعف وأحببتها ولكنها أحبتني لأنها لم تعرف عني شيئاً، لقد عشت ما كنت أخاف منه، وأصبحت أحد التماثيل التي تهشمت ...صدقني ..انه لا يوجد أتعس من رجل يحب امرأة ولا يتأكد من حقيقة عواطفها نحوه..لم أعد أؤمن بفلسفتي القديمة رغم قربها اليوم من واقعي.

عبارة واحدة أتذكرها لصديق قديم، وأرددها في خوف مما عسى أن تأتي به الأيام.
( لا تجعلنا نحب من لا يحبوننا حتى لا تشقنا بالحب مرتين ياالهي)

-الكاتب أبو بكر خالد-

Post: #2
Title: Re: أحد التماثيل التي تهشمت
Author: Unabomber
Date: 08-25-2003, 03:04 AM
Parent: #1

Nice, nice, nice, the wording is nice too, I enjoyed your writing, waiting for more ...

Post: #3
Title: Re: أحد التماثيل التي تهشمت
Author: Unabomber
Date: 08-25-2003, 03:06 AM
Parent: #1

Forgot to ask, who is Abu bakr Khalid?

Post: #4
Title: Re: أحد التماثيل التي تهشمت
Author: انا بنت النيل
Date: 08-25-2003, 02:15 PM

لك التحيات والود
الكاتب ابوبكر خالد كاتب سوداني ..استاذ سابق بوزارة التربية..له عدة مؤلفات ومخطوطات منها..
رواية بداية الربيع ، كلاب القرية، الوادي المسحور
ومخطوطات ..رواية الأعواد الخضر ، تاجوج ، أحزان سعاد ، محاكمة الآنسة سعاد

Post: #5
Title: Re: أحد التماثيل التي تهشمت
Author: انا بنت النيل
Date: 08-26-2003, 00:40 AM
Parent: #4

كذلك للكاتب أبوبكر خالد ..قصص سودانية مع د.الطيب زروق
ثم..مؤلف رائع..لغته سلسلة وبسيطة وهوكتاب "وجاء الصيف" الذي يضم قصتنا موضوع البوست

تقديري..

Post: #6
Title: Re: أحد التماثيل التي تهشمت
Author: خالد
Date: 08-26-2003, 00:46 AM
Parent: #5

تسلمي يا انا بنت النيل

قصة جميلة كاتب سلس

وقائع حقيقية ومرة

اين توجد كتب هذا الرائع

Post: #7
Title: Re: أحد التماثيل التي تهشمت
Author: tabaldy
Date: 08-26-2003, 02:24 AM
Parent: #1

بنت النيل يا بت يا نيل
ومن بعد السلام ...


لا تجعلنا نحب من لا يحبوننا حتى لا تشقنا بالحب مرتين ياالهي
لا تجعلنا نحب من يحبوننا حتى لا تشقنا ببعاد من نحب مرات ومرات يا إلهي




في إنتظار المزيد



أبنوسي

Post: #8
Title: Re: أحد التماثيل التي تهشمت
Author: layon
Date: 08-26-2003, 06:40 AM
Parent: #1

بنت النيل العزيزه...
سلام...
شكرا لتعريفنا بقلم ابوبكر خالد السلس..فعلا قصه جميله واسلوب ممتع
نتمنى ان تتاح لناالفرصه لقراءة المزيد من ابداعاته

كل الود
ليون

Post: #9
Title: Re: أحد التماثيل التي تهشمت
Author: انا بنت النيل
Date: 08-26-2003, 09:39 AM
Parent: #8

تقديري للجميع..

السودان زاخر بكتاب رآئعين.. تنقصهم الإمكانات المادية..السرطان الذي ينهش إبداع كتاب العالم الثالث ..ويحيله الي قصاصات في صحف محلية .. او أوراق صفراء ..تقبع في الأدراج والمفكرات..وينذوي أصحابها خلف الكواليس..
مثال لذلك ..وجدت بالصدفة كتاب جميل لكاتب سوداني ..مفروش في الأرض في احد محطات العاصمة ..قديم وتشوب اوراقه الصفرة ..شدني عنوانه رغم بساطته ..قرأت الرواية وأدهشتني روعتها ..وحبكتها ..التي جعلتني أثيرة وقائعها الأقرب للواقع ..قصة فائفة الروعة..وبها كثير من العبر ..والحكم المفيدة..الكاتب اسمه محمد علي بري"أول مرة اسمع به" ..وإسم الكتاب - المغترب- اتمني ان يحصل عليه الجميع فهو تحفة فنية جميلة تستحق ان تقرأ..