|
احتفالات الحنين في المنفي
|
سلام ... يقول حيدر حيدر ، في شهادات عن أحوال زماننا ؛ أوراق المنفي .... أطياف ؛ عندما تنعطف بك الذاكرة القديمة نحو حقول الطفولة و الهبوب الحنيني للأوطان الصغيرة التي شردت ، تأتي الأمهات و الأطفال الحزاني و الأصدقاء ، موجة تلو موجة في رماد الريح . طفل نحيل الجسم ، أسمر البشرة ، شرس الطباع ، ينمو بين وحول أزقة القري الجائعة ، ووديان الصيد ، و صراع الفتية في الساحات . أول الأسلحة ؛ العصي و مدي المطابخ و الحجارة . أول الصدامات ؛ شج رؤوس أولاد الحي اختصامآ علي الرئاسة و القيادة . أول الصبوات ؛ رسالة حب ورقية ملفوفة بحجر لابنة الجيران المزهوة بخيلائها علي سطح الدار . و أول القصص ؛ حكايات الجدة و أساطير الجن و رحلات السندباد . و أول الحزن ؛ موت الاباء في نهار صيفي ، بغتة . الاباء ... يموتون اذن ؟؟ هكذا بين الأسلحة و المعارك الصغيرة و الحب و الأساطير و الموت ، تتشكل الهيولي الأولي للاختمارات . ـ بعد سن الثامنة لم أتعلم شيئآ ذا قيمة ـ يقول غابرييل ماركيز . لكن الأسلحة تتطور فيما بعد ، و الصدامات تتعمق و تتسع ، و الصبوات تندفع و تتشكل كالسحب ، و الموت يتنامي ، فندخل في الأوطان الشتيتة و المنافي ، أو الشقاءات التي لا تنتهي . ليس امتيازآ أن تكون منفيآ بلا وطن . تطوي وراءك المدن الغريبة و الشوارع الغريبة و المحطات و الأصدقاء و الأمهات . كما لن تكون سعيدآ اذ يأتيك نبأ موت الأم و زج الأصدقاء في السجون ، و أنت لا تستطيع حتي أن تشارك في الجنازة أو تقدم علبة دخان لصديقك المعتقل . لقد كبر الوطن و معه كبر الشقاء . ... وأنت من هزيمة الي هزيمة و ـ من منفي الي منفي ـ ، تطوف . ليست امتيازآ هذه اللعنة . كما ليس فخرآ للوطن أن تكون علي حافة هاويته ...
|
|
|
|
|
|