مشهد

مشهد


08-21-2003, 07:13 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=2&msg=1061489602&rn=0


Post: #1
Title: مشهد
Author: sign
Date: 08-21-2003, 07:13 PM

..رأيتها ليلا قبل أن أدلف الي داري.. كانت في كامل هندامها..و حين صادفتني صباحا بدا لي أن النوم لا يعرف عينيها.. عيناها تشيان بالكثير..فرعاء بتناسق..مضيئة البشرة..كرزيّة الشفاه..خدودها بيضاء مشرّبة بحمرة..لشعرها الممتد لون ناري هادئ..تطأطئ رأسها بكبرياء ..فرحة بربيعها الثامن عشر..و في رقة و بشاشة حيّتني ثم سألتني كيف قضيت ليلتي..(نائما كما اعتدت أن أفعل مذ ولدت) كان ردّي..ضحكت عيونها اللوزية الزرقاء.. و افترّ ثغرها الجميل عن ابتسامة لطيفة قبل ان تسألني (كم سيجارة دخنت بالأمس؟)..قلت (ذكرت لك من قبل انني لا أدخن !)..قالت (نعم تذكّرت..كما انك لا تشرب أيضا ! انكم قوم غامضون!)..قلت (اذا كانت هذه معاييرك للغموض ..فقومي واضحون جدا..فيهم من يدخن .. و فيهم من يشرب الخمر ..بل المريسة..و يسفون التمباك أيضا)..سألتني بفضول حلو عن المريسة و التمباك..لم أجد حرجا في شرح أصل المريسة و تأثيراتها.. و عقلي يسترجع (أزقة) بعينها كانت تخرج منها الثيران السكري (بالمشك) لتطارد المارة خصوصا طالبات المدرسة المتوسطة اللائي كنّ يتدافعن علي أبواب المنازل (هنا..خطر لي ما لم أجد له تفسيرا..هل كانت المسألة مدبرة؟ أي أن سكاري الثيران يتم اطلاقها في ذلك الوقت تحديدا لتطارد طالبات المدرسة المتوسطة؟ أو ربما كانت للثيران السكري حساسية تجاه ردائهن البنّي)! يقولون أن مصارعي الثيران في أسبانيا يستعدونها بحركات القماش و ليس حمرته..فالبهائم لا تري الالوان..انها نعمة..و اشمأزت نفسي من تعريفها بالتمباك, فقلت كذبا (هو نوع من المخدرات..مثل الكوكايين)..سألتني مرة أخري (ألن تتزوجني؟)..قلت ببساطة (لا)..ترائي لي أنّ ملامحها اكتست بغضب جذاب..فقلت كمن يعتذر (هذا غير ممكن)..فقالت (لم؟ ما المانع..ألست جميلة بما يكفي؟).. أجبتها بوضوح (لم ار أجمل منك في حياتي)..أرضتها رنة الصدق في اجابتي..فاستردت ثقتها بنفسها و قالت ساخرة من غباء ظنّته بي ( يبدو أنك تود الارتباط بواحدة ارهابية من بلادك!)..تبا لنظام العالم الجديد.. ألهذا خلقوا العولمة؟..ضحكت دواخلي لتصورها نساء بلادي كارهابيات.. و تذكّرت (فلانة بت فلان) التي كنت أشتري منها افطاري البسيط أمام بوابة مدرستي الابتدائية و (فلانة بت فلان) التي تنقذني( بالرغيف) بعد أن ينفد في فرن (فلان الفلاني) مع انها تأخذ زيادة علي ذلك و (فلانة بت فلان) التي تناديني باسم أمي فأتضائل وسط رفاقي..و (فلانة بت فلان) التي ..و الكثير من نساء بلدتي البسيطات.. و فتياتها الخجولات اللائي أثار ثائرتهن أحدهم حين كتب في واحدة من أكثر الصحف انتشارا (بنات بلدتي لا يرضين بالزواج من المزارع) و نسب اليهن أغنية ريفية ليؤكد حجته ..ترائن لي كارهابيات ..و هن يحملن الأسلحة الخفيفة و الأحزمة المتفجرة و القنابل و مضادات الطائرات..و أوشكت الضحكة أن تتسرب من مسامي..الاّ انني أجبتها بجدية (هل تعرفين الويكاب؟) ..ابتسمت..كانت ابتسامتها الملهمة من الذكاء بحيث انني خفت ان اسقط و يتضح لي علمها به..أجابتني (ما هو الويك؟؟ أهكذا تنطقها؟) أحسست بالراحة لسماع عبارتها الأخيرة و قلت بثقة (لقد تعذر عليك نطقها.. الويكاب أكلة خاصة بأهل منطقتي في السودان ..فكرته العامة لبن يخلط بمادة مستخرجة من حجر شبيه بالملح..ثم تضفي عليه نساء بلادي ما يجعلني أحب تناوله دائما..أنه لذيذ جدا)..(لماي ألذ!) هكذا قالتها.. أتريد دحري؟..(انه لذيذ جدا) أردت حيرتها..قالت(لا ترغب بالزواج بي لأنني لا أجيد اعداد نوع معين من الطعام؟)..أجبتها و عيناي تنظران شجرة عتيقة أورقتها وعودات الخريف اخضرارا ( يعني لي الكثير)..قالت (ان الجنين يحلم أحيانا بأنه قد عاد لرحم أمه..فيتوقف عن التنفس ..و يموت !).. قلت بثقة (أنا لا أحلم..سأعود)..ناوشتني بغرور أهلها (بلادي جنة.. يصعب فقد نعيمها)..بيقين أجزمت (جنتي..هناك!)..عدت ببصري الي ياقوتتين تبرقان بتحد في وجهها الصافي..خطت بقامتها الممشوقة ..و دون التفاتة ..قالت ممعنة في ايذائي (عندما تحقق حلمك بالعودة..ستجد نساء بلادك قد نسين اعداد الويك..و ان رجعت الي الجنة..لن تجدني)..للحظات داخلتني نشوة الانتصار و أنا أرقبها مبتعدة..و عدت باسما أنظر الشجرة العتيقة المخضرّة..تكدرت فجأة واحتواني ضيق شديد (أتراها تصدق نبؤتها فأعود و لا أجد من بين نساء بلادي من تصنع الويك كما تنطقها هذه الجنيّة التي لا زال عبيرها حاضرا ؟)
ساين......