أم عطية اللانمطية و الهجرة العكسية

أم عطية اللانمطية و الهجرة العكسية


08-16-2003, 01:07 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=2&msg=1061035679&rn=4


Post: #1
Title: أم عطية اللانمطية و الهجرة العكسية
Author: ابو جهينة
Date: 08-16-2003, 01:07 PM
Parent: #0

أم عطية ، بالرغم من أنني أناكفها كثيرا ، إلا أنها لا تستغنى عن ونستي. فأنا أثير فيها دائما شجون قديمة ، تحب هي أن تعلق عليها بروحها اللانمطية. فهي كما قلت من قبل ، لها عقلية عصرية ، تخلطها بتجربة سنواتها و حياتها الماضية.
ذهبت إليها ، فوجدتها ، ما شاء الله ، قد إستردت عافيتها تماما و توردت خدودها و ظهرت شلوخها جلية واضحة. و دائما هي متسلحة في جيبها اليمين بحقة الصعوط و في الآخر أصابع من الإسنكرز ، عشقها الأزلي و حولها كالعادة شابات تتوسطهن أم عطية.
بادرتني أم عطية : هوى يا جنا ، سمعتو ولا جابوه ليك ؟ مالك قاطعتني ؟
قلت لها و أنا أعانقها بحرارة : هو أنا أقدر أقاطعك ؟
طيب يا جنا أنا ما رسلت ليك عطية ؟ و كلمت ليك مرتك في التلفون ؟ دة تقل ولا شنو ؟
لا و الله يا أم عطية ، الشغل كتير ، و الناس بقوا كتار و مشتتين هنا و هناك.
و بعد أخذ و عطاء ، و كعادتها ، أنهت الملامة بضحكة مشوبة بكحة و هي تخبيء سفة ماكنة في فمها و هي تقول :
الحمد لله الجيت ، تعال فكني من البنوت ديل.
فسحبت كرسيا و جلست بقربها.
قلت لها : خير إن شاء الله.
قالت شابة : أم عطية قولي لينا يوم شلخوكي شنو كان شعورك ؟
قالت و هي تستعدل في جلستها :
أنا غبيانة من يومي ، أتاري يدلعوا فيني و يطبطبن لي في جضيماتي قبال أسبوع من يوم الشلخ ، زى البهيمة الدايرين يسمنوها قبال الضبح. أها اليوم داك إتلمن النسوان الماكنات الفي الحلة ، ، و كت مسكني ، بالله غير رموش عيني ما قدرت أحركن. مكلبات فوقي و خديجة أم نفسين واقعة جزر في جضيماتي.
قلت لها و أنا أضحك : إسمها خديجة أم نفسين ؟
قالت و هي تضحك ضحكتها المحببة : سموها أم نفسين عشان ما بتفتر تب ، ما شاء الله كانت تسوي ألف شغلة في وكت واحد ، عشان كدي سموها أم نفسين .
قلت لها : تفتكري الفنانات الفي التلفزيون ديل ، لو شلخوهن ، شكلهن كان حيكون أحلى و لا لا ؟
قالت : في واحدة كدي تبارك الله وشها يملا العين ، الشلوخ كانت حتكون فيها زينة ساكت. وشها كان حيشيل أربعة شلخات من جنس شلخاتي في كل جضم ، و لو شلخات شوايقة كان الجضم بيشيلو أربعة ولا خمسة.
منو دي يا أم عطية ؟
فقالت شابة : تقصد ميادة الحناوى.
فضجت البنات بالضحك ، فقالت أخرى : طيب دق الشلوفة كا حينفع مع منو ؟
فقالت أم عطية : البنية البتغني في القهوة ديك وسط الرجال إسمها منو ؟
فقالت إبنة إبنها : تقصدي نانسي عجرم ؟
فقالت أم عطية : بس ياها ، شلاليفا يستاهلن الدق و الله.
فتصايحت البنات ضاحكات و هي تجاريهن في الضحك الصاخب.
نظرت إليها ، و قلت في نفسي : سبحان الله ، لديها مقدرة لا يستهان بها في الترويح عن نفسها و إلهاؤها عن آلامها.
قالت شابة : أم عطية قولي الجد رأيك شنو في الفنانات في التلفزيون ؟
قالت أم عطية : أنا شايفة لي بنوت بيتراقصن و يتلولون بالله الواحدة زى صباع المعجون ، محل ما تميل جسمها يتزاوغ معاها ، ما زى نسوان زمان الواحدة زى الوتد المغزوز في المراح ، يدقوهو واقف و يمرقوهو واقف.
تتعالى أصوات البنات بالضحك و هن يطلبن منها الإسترسال ، فتقول :
بري .. بري .. يا بنات ، زمان القميص كان نص كم ، حسع القميص ذاتو بقى نص قميص ، بالله لحدي الصرة و بس ، و البنطلون ما تعرفيهو ناصل ولا أصلو كدي .
ثم ، صمتت صمتا مفاجئا ، و كست وجهها بوادر حزن و قلق.
قلت لها : مالك ، زى الفي حاجة شاغلاكي ؟
قالت بصوت خفيض و نبرة حزن مفاجئة تكلل كل نبرات صوتها : يا ولدي ، قعاد الشقق دة جاب لى وجع الركب. و متل ما إنت عارف ، أنا هني لى خمسة سنين ، أختي ماتت و ما حضرتها ، و أخوى مات و ما حضرتو ، و أهلنا كتار ماتو و أنا بي جاي أبكيهم بين الأربعة حيطان. و أنا بيني و بينك دايرة أموت و أندفن في تراب حلتي و وسط أهلي و ناسي ، و يشيلو عنقريبي رجال حلتي العاشو معاي و مع أبو عطية ، ما دايرة أموت هني و يختوني في تلاجة و أندفن هني في بكانا ما تعرفوه تاني يوم لو عاوزين تزورو قبري..
ثم إنفجرت باكية في نحيب إبتدأ مكتوما ، ثم إنقلب إلى نحيب متشنج ، و أنا دائما ضعيف أمام دموع الناس ، لا أستطيع أن أتحمل بكاء رجل مظلوم أو إمرأة عجوز ، و خاصة إن كانت في ظروف أم عطية ، فهي لن تجد من يرعاها بالسودان لو عادت، لذا فهي بين سندان الغربة القسرية و مطرقة البلد الذي لا وجيع لها فيه.
بكت أم عطية بكاءا إنفطر له قلبي ، بكاءا تحس فيه نبرة الشخص الضعيف الذي لا حول له ولا قوة ، نبرة تمتزج بإحساس الشخص الذي لا أمل له في العودة قريبا ليملي عينيه بشوفة الأهل و موية النيل و ريحة الدعاش و مشية الحلة التي تعفر أصابع الأرجل بتراب البلد..........، و لم تنفع توسلاتي و تصبيري لها بحالات مشابهة لحالتها في إسكاتها ، و هي تضع رأسها على كتفي كطفل صغير ، و بللت دمعاتي توبها الذي أشتم فيه رائحة أهلي العزاز بالبلد. و خرجت من عندها مسرعا حتى لا ترى ضعفي. فلا هي نادتني للرجوع و لا أنا إلتفت ناحيتها.
قاتل الله الغربة و قاتل الله الظروف.
لم تفارقني صورة أم عطية و هي تبكي ، صوت نحيبها و بكاءها ظل يؤرقني طوال الليل ، و كأن صوتها و هي تبكي بتلك الحرقة قد إختزلت كل الألم الذي تخبؤه كل الطيور المهاجرة في دواخلها و لكنه ألم مكبوت ينفجر في لحظة ضعف كالتي مرت بي و أنا عند أم عطية. حكيت لزوجتي الموقف ، فتذكرت أمها التي ماتت و دفناها بالرياض ، فتكومت هي الأخرى منكفئة تبكي بصوت مكتوم حتى لا تزيد أوجاعي ، و تركتني مع هذا الموقف الذي إنحفر في ذاكرتي تاركا شرخا من الصعب أن يزول.

رن جرس التلفون ، و جاءني صوت زوجة عطية :
أم عطية عاوزاك.
أيوة يا حجة.
أسمع يا ولدي ، عليك الله ما تقول لولدي عطية الكلام القلتو ليك أمبارح ، خصمتك بالنبي كان تقول ليهو ....
ليه يا حجة ؟
فقالت و مشروع بكاء في نبرة صوتها : ما دايرة أنكد عليه يا ولدي ، هو عارف أنا بحس بي شنو ، لكن شن يسوي يا حشاى ، لا يقدر يخليني أمشي براى ، و لا يقدر يسيب رزقو هني و يبراني للبلد. شحتفة يا ولدي. بهدلة يا ود أمي في آخر العمر ، ....الحمد لله على كل حال.
و لم تستطع أن تكمل ، فقد إحتبس صوتها بغصة أعرفها إن أرادت أن تبكي.
زادت ألمي على الألم الفائت الذي لم تندمل جراحاته بعد.
ها هو رذاذ الغربة يطال حتى من كنا نظنه أنه بمنأى عن إفتراش الألم و إجترار شريط الماضي.

Post: #2
Title: Re: أم عطية اللانمطية و الهجرة العكسية
Author: bayan
Date: 08-16-2003, 01:29 PM
Parent: #1

يا سلام
يا ابوجهينة
كم احزننى
بوستك هذا
وتكرت صديقتى
التى قالت لزوجا اذا مت تودونى السودان
قاليها زوجها ضاحكا
يازولة هنا يختو ليك الورد
وندفنك فى مقبرة نضيفة
واصرت
على قولها قائلة
هى اخير يدفنونى مع اهلى فى الصقيعة ديك
ولم يكن زجها يعرف ان هذه بمثابة وصية
لقد ماتت فى اقل من اسبوع
من هذه المحادثة
بنوبة قلبية تاركة اطفالها
من عمر عشرة الى ثلاثة
مخلفة فينا لوعة
لا تفوت او تموت
اللهم ارحمها رحمة واسعة
اللهم اجعل آخر نفس نتنسمه
من هواء بلادنا
اللهم رد غربتنا
آمين

Post: #3
Title: Re: أم عطية اللانمطية و الهجرة العكسية
Author: ابو جهينة
Date: 08-16-2003, 01:38 PM
Parent: #2

دكتورة بيان
لك التحايا حتى يأذن الله بالعودة سالمين غانمين.
كم هو كبير و مليء مخزون الحزن في إنسان المهجر.
قصة زميلتك نسخة من عشرات القصص التي لو فضفض عنها أصحابها لإمتلأت كتب و مجلدات.
ألا رحم الله صديقتك ، و رعى الله أبناءها و بناتها بعينه الرحيمة التي لا تكل و لا تمل ، و رد الله غربتنا جميعا.
آمين
و شكرا على طلتك التي واستني تماما ، لأنني إلى الآن ألتحف عباءة حزن مرده أم عطية و أشياء أخرى.
تسلمي.

Post: #4
Title: Re: أم عطية اللانمطية و الهجرة العكسية
Author: maia
Date: 08-16-2003, 01:40 PM
Parent: #1

يا سلام على ام عطية
ليه بس كده ؟ ربنا يديها طول العمر وتمتع اهلها اكتر بصحبتها
قول ليه شوفي الصبوحة الفي التسعين وبتجهز في فستان زفافها وكلها امل وتفاؤل
وعاوز كمان تجيب اطفال من زوجها الشاب
فلتضحك ام عطية وتبتهج
ولها العمر الطويل انشاءالله

Post: #5
Title: Re: أم عطية اللانمطية و الهجرة العكسية
Author: ابو جهينة
Date: 08-16-2003, 02:04 PM

مايا
لك التحية و التقدير
مخزون أم عطية من ذكرياتها في السودان مخزون لا يمكن مهما حاولنا أن تجعله طى النسيان. هو بركان خامد ينفجر كلما إبتعد عنها الناس ، لذا تريدنا دائما من حولها و هو الشيء الصعب في الغربة ، فلكل واحد منا مشاغله ، حتى إبنها ، أحيانا لا تراه : حيث يخرج و هي نائمة و يعود و هي نائمة.
كان الله في العون مايا
تسلمي
قلتي لى صباح عاوز تجيب أولاد ؟ دة شيء غريب

Post: #6
Title: Re: أم عطية اللانمطية و الهجرة العكسية
Author: shiry
Date: 08-16-2003, 02:38 PM
Parent: #5

سلام مربع

ابو جهينه

اي وطن هذا الذي جعلنا نفارقه على عجل
ثم نعود اليه
كلما سمحت لنا ظروفنا
وفي القلب تصاحبنا امنيات
بان نواري الثرى هنالك
على ذراه
؟؟
اية مشقة تلك التي حملونا اليها احبابنا
واية ظلم ذاك الذي
وقع علينا
.
كتير والله علينا
كتير والله علينا هذه
الهموم
ليتني اعرف كيف اخاصم دموعي

Post: #7
Title: Re: أم عطية اللانمطية و الهجرة العكسية
Author: ابو جهينة
Date: 08-16-2003, 03:03 PM
Parent: #6

شيري
تحياتي و تقديري
منذ يوم الخميس و أنا في دواخلي هذا الذي كتبتيه :

( كتير والله علينا
كتير والله علينا هذه
الهموم
ليتني اعرف كيف اخاصم دموعي )
ليتني أعرف كيف أخاصمها
تسلمي شيري

Post: #8
Title: Re: أم عطية اللانمطية و الهجرة العكسية
Author: بدرالدين شنا
Date: 08-16-2003, 06:42 PM
Parent: #1

بسم الله الرحمن الرحيم

عزيزي ابو جهينة
سلااااااااااااام وإحترام
قريت أول البوست وجهزت مداعبتي وضحكاتي ولكنك (سحبتني) ولك أن تحمِّل هذه الكلمة أي من المعنيين السحب (الجر) أو السحب (السحاب)بغيمة من الحزن أضاعت كل أحرفي وبكيت بكيت يا أبو جهينة بكيت والله ويشهدالله
ربي سهل أمرها وأمرنا
اللهم لك الحمد والشكر

Post: #9
Title: Re: أم عطية اللانمطية و الهجرة العكسية
Author: ابو جهينة
Date: 08-17-2003, 08:15 AM
Parent: #8

الأخ بدر الدين الشفيف : تحياتي و تقديري
ربنا ما يجيب ليك شيتن يكدر صفو حياتك و يديك العافية.
ألا توافقني بأن أم عطية نموذج لعشرات حالات ( الزنقة أو الورطة الإغترابية ) التي يعيشها المئات ) ؟
تسلم أخوى

Post: #10
Title: Re: أم عطية اللانمطية و الهجرة العكسية
Author: maia
Date: 08-17-2003, 09:35 AM
Parent: #1

الاخ ابوجهينة

اكيد هو شي مؤلم الاحساس العند ام عطية
لانه الناس الكبار ديل بيكونوا محتاجين لوجودهم وسط الاهل في بلدهم يعني كل مغريات الاغتراب لا تعني شيئا بالنسبة لهم
لكن تحدث احيانا ظروف انه يكون من الصعب على شخص مثل ام عطية انها تمشي وتعيش في السودان رغم سخف الغربة واحساسها بانها عاوزة تكون هناك وسط ناسها
دعواتي لام عطية اللانمطية فعلا بطول العمر والصحة

Post: #11
Title: Re: أم عطية اللانمطية و الهجرة العكسية
Author: ابو جهينة
Date: 08-17-2003, 09:52 AM
Parent: #10

الأخت مايا
تحية و تقدير
كلامك في محله. و كبار السن إرتباطهم بأرض الوطن و ترابه أقوى من أي شيء آخر ، و لا يملكون القدرة الكافية لتحمل البعاد.
رد الله غربتك و وفقك و أبعد عنك كل مكروه. آمين.

Post: #12
Title: Re: أم عطية اللانمطية و الهجرة العكسية
Author: almulaomar
Date: 08-17-2003, 10:50 AM
Parent: #1

أخي المبدع أبو جهينة كأني بك تسير بشخصيتك الروائية في طريق صعب البداية منبسط النهاية. لذلك كان صعود الطائرة مستفزا مقلقا، وكان النزول لطيفا آمنا.
الغربة مشهد من مشاهد الوجع الإنساني ، ودليل أكيد على عدم استقرار الروح في مكانها الذي أختارته تؤنسها جمعة الأهل والأصدقاء وتطريها ذكريات الطفولة والشباب ، وتواسيها مقابر الأهل ودموع الأحبة.
ومنزل الأنسان وطن ، والمدينة وطن ، والأهل وطن.
فكيف بالمرء أذا فقد المنزل والمدينة والأهل ، وفوق كل هذا قبر في الغربة.
فصدق قول الشاعر العربي :
يا منزلا عبث الزمان بأهله فأبادهم بتفرق لا يجمع
ذهب الذين يعاش في أكتافهم وبقى الذين حياتهم لا تنفع

عذابات البشر في الموت الغريب والقبور الغريبة ليس لها ما يفسرها سوى قساوة الأنسان ، وسيطرة نوازع الشر التي باتت تتحكم في عقول الكثير من بني آدم في هذا العصر الطافح بالآلام والأثام التي لن يخلصها من عمق الروح سوى المحبة والتسامح وتقديس القيم التي نادت بها الأديان والتي أوصى بها الله ، ومحبة الأنسان بأعتباره من أكرم المخلوقات التي حباها الله بهذه الصفات الجميلة من لحظة الولادة الى لحظة الموت .
الفقر في الوطن غربة، فكيف بالغربة في الوطن الفقيرة دولته؟

Post: #13
Title: Re: أم عطية اللانمطية و الهجرة العكسية
Author: ابو جهينة
Date: 08-17-2003, 11:19 AM
Parent: #12

صديقي الصدوق و أخي الوقور الملاعمر
تحية و تقدير و فرح غامر بعودتك. رغم عدم إستفسارنا عنك أهل الحوش ، إلا أن السؤال كان ينتح في عقولنا بإستمرار.
تسلم لهذه الطلة التي قشعت غبار حزن أناخ بكلكله على صدري طيلة الأسبوع ، و لكن بالفعل كلماتك تواسي و تجعل الغربة أقل غلظة.
أما كلامك ( الفقر في الوطن غربة، فكيف بالغربة في الوطن الفقيرة دولته؟ )
فهذه فلسفة عميقة تعزف على أوتار عديدة ، فلله درك أخي و تشكر على الطلة.
سلمت دوما