كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم

كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم


08-09-2003, 03:10 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=2&msg=1060438258&rn=0


Post: #1
Title: كمال الجزولي :بين خطاب الانقاذ وإعلانات القاهرة -لندن -الخرطوم
Author: فتحي البحيري
Date: 08-09-2003, 03:10 PM




(2)
تلزمنا ، للاجابة على هذه الأسئلة ، العودة ، ابتداءً ، إلى أبرز المواقف الباكرة نسبياً من مسألة تطبيق الشريعة الاسلامية فى البلاد بعامة ، وفى العاصمة بخاصة ، وذلك من جهة حزبى الأمة والاتحادى الموقعَين على (إعلان القاهرة) يطالبان (بالعاصمة القومية) ، ثم من جهة الحركة الاسلامية التى كانت موحَّدة قبل انشقاق تيارها الرئيس بقيادة د. الترابى الموقع على (إعلان لندن) يطالب (بالعاصمة الجاذبة) ، ثم من جهة التيار الحاكم الذى يتصرف كما لو كان قد أعفى نفسه من مسئولية الموقف القديم (الموحَّد) خلف قيادة د. الترابى قبل الانقلاب، حيث كان قد وافق ، من حيث المبدأ ، على (استثناء العاصمة) من تطبيق (القوانين الدينية) ، مما سنأتى على ذكره فى حينه ، ولكنه يعود الآن "(ليدمغ) مطلب (الاستثناء) دينياً بتأويله على مطلب (العاصمة العلمانية) ، تمهيداً لتصويب سهامه إليه على هذا الأساس. وفى هذا السياق يجدر أخذ عدد من الملاحظات فى الاعتبار.

فعلى أيام النميرى ، وبرغم التفاوت بين حزبى الأمة والاتحادى فى درجة حدَّة الموقف من "قوانين سبتمبر 1983م" التى كان النظام قد أصدرها باسم "الشريعة" ، بمباركة ودفع حلفائه آنذاك من الاسلامويين بقيادة الترابى ، إلا أن موقف كلا الحزبين قد خلص ، فى المحصلة النهائية ، إلى رفض تلك القوانين ، باعتبارها محض افتئات على الشريعة ، وأن الهدف من ورائها هو ، فحسب ، قمع الخصوم السياسيين وتثبيت أركان النظام المترنح وقتها، فهى "لا تسوى ثمن الحبر الذى كتبت به" ، وفق عبارة الصادق المهدى الشهيرة.

ومما فاقم من كراهية الشعب لتلك القوانين ، أن الاسلامويين استخدموها ، فعلياً ، فى يناير 1985م ، لتصفية خصومة قديمة مع الجمهوريين وقائدهم الشهيد محمود محمد طه ، والذين ظلوا يكدحون ، حتى ذلك الوقت ، فى بذل تأييدهم للنظام ، ترتيباً على خطأ فادح فى الحساب السياسى ، حيث كانت كل الدلائل تشير إلى اكتمال عزلته عن الجماهير وقواها السياسية الغالبة ، فما شفع لهم شئ من ذلك عندما استغل الاسلامويون أوَّل بادرة معارضة أبدوها لتلك القوانين ، مع الخيوط الأخيرة لشمس النظام الغاربة ، ليقدموهم ، بتهمة الردة ، إلى محكمة قضت بإعدام الشهيد واستتابة أتباعه ، وتم تنفيذ ذلك كله فى مشهد مأساوى توزعته ساحة الاعدام الفسيحة وغرفة الاستتابة الضيِّقة ، مِمَّا أعاد إلى الأذهان ذاكرة عصور الانحطاط ، وشكل صدمة مروِّعة للوجدان المسلم ، فى السودان وفى غير السودان ، لم يخفف من أثرها حتى قرار المحكمة العليا ، عقب سقوط النميرى المدوِّى ، ببطلان تلك المحاكمة.

وبعد انتفاضة أبريل 1985م التى أطاحت بالنميرى ، دخل حزب الترابى (الجبهة الاسلامية القومية) ، على خلفية ملابسات الانتخابات العامة ، فى حكومة ائتلافية مع حزبى الأمة والاتحادى ، بعد أن أعلن موافقته على (تجميد) قوانين سبتمبر ، (مشترطاً) إصدار (قوانين بديلة) فى غضون شهرين! ومع أن عدة (مشاريع بديلة) كان قد جرى إعدادها من قبل جهات مختلفة ، على رأسها مشروع لجنة الوفاق الوطنى ومشروع حزبى الأمة والاتحادى علاوة على مشروع نقابة المحامين ، إلا أن د. الترابى سارع ، من موقعه كوزير للعدل ، وفى ظروف انعدام الارادة السياسية الموحَّدة فى تلك الحكومة ، لإعداد مسودة للقانون الجنائى (لاحظ: القانون الجنائى!) ، أراد تمريرها وحدها عبر إجراءات مجلس الوزراء فالجمعية التأسيسية.

لكن ، ولما لم تفت على القوى السياسية الأخرى ، بما فيها حزبا الأمة والاتحادى ، المخاطر الجمَّة المخبوءة طىَّ تلك المسودة ، فإن صراعاً حاداً ما لبث أن انفجر حولها ، كما كان متوقعاً ، فى مجلس الوزراء ثم فى الجمعية التأسيسية.