لم نعد ننظر فينا يا جلال الدين

لم نعد ننظر فينا يا جلال الدين


08-05-2003, 12:11 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=2&msg=1060081901&rn=0


Post: #1
Title: لم نعد ننظر فينا يا جلال الدين
Author: THE RAIN
Date: 08-05-2003, 12:11 PM

كل الفلاسفة متصوفة، وكل المتصوفة فلاسفة

عبارة تحتمل الكثير من الجدل، مع التسليم بحقيقة أن بها صحة جلية، واشياء أخرى أيضا، فقد يصح القول مع بن عربى وإبن رشد والسهروردى والحلاج وحتى الجاحظ ايضا، ولكن يبقى السؤال وتظل العبارة تحمل فى أحشائها الكثير

كان الوقت نارا
كل أبواب المدن ملطخة بالعويل والدماء وأشلاء الحياة

كان هولاكو قد بدأ مسيره مصوبا تجاه غرب الأرض، فتستحيل الأرض تحت سنابك خيله رمادا وأيتاما وأحزان

وقتها، وبعد أن أكمل الفتى سنينا عددا من عمره، قرر والده النزوح من بلخ والتوجه نحو نيسابور أو سمرقند

جاء الأب وإبنه لوداع معلم الفتى، فقال المعلم للأب

إعتن جيدا بإبنك، فإنه سوف يحرق العالم
وقعت الوصية كصاعقة على الأب الذى تشتعل فى مخيلته وعقله حرائق التتار وحروبهم ووحشيتهم، فتعوذ من الشيطان، وتملكه الخوف

لم يكن المعنى المنطوق هو المعنى المراد، وهذه هى معضلة الفلاسفة الدائمة، أنهم يلقون بكلامهم الى من يستوعبه ومن لا يعيه، ولكن من كان ذاك المعلم يا ترى؟

كان فريد الدين العطار

وكان الإبن التلميذ، جلال الدين الرومى

غادر جلال الدين مع أبيه واتجها نحو وجهتهما، وبعد حين إنضم جلال الدين لمعلم آخر ودرس على يديه ما تيسر له من علم، ودرس بنفسه ما لا يتيسر لغيره، كان يمتطى العقل ويهوم به نحو آفاق عليه

وقبل إجازة ما درسه جلال الدين، قام أستاذه الجديد بحبسه حبسا إنفراديا شاقا لمدة أربعين يوما كاملة، لا يرى فيها أحدا ولا يراه أحد، وبعد إنقضاء الحبس، جاءه استاذه ووأخرجه من حبسه، وسأله سؤالا واحدا فقط

ماذا وجدت يا جلال الدين؟

كانت إجابة الرومى أيضا فى جملة واحدة

وجدت أنه بإمكان الإنسان أن يدرك الكون كله ويراه، إذا نظر فى داخله.

إذا نظر فى داخله، والآن يبدأ حريق العالم

حريق من نوع آخر، وإن إنضمت النار أيضا اليه، لكنه فى الأصل حريق تشعله الأفكار والرؤى وإشتعالها

ما عناه جلال الدين الرومى بجملته تلك، يعنى شيئا وحيدا، وهو أن يعمل الإنسان عقله دون أى شئ آخر، أن ينظر ويتفكر ويحلل ويستنطق، أن يحلل ويفك ويركب ويؤالف ويجتهد، لا أن يتبع جامد القواعد بغريزة البهائم والهوام، فالعقل هو مفتاح ابواب الدخول الى الكون وما حوى، العقل هو سلطان المعرفة وسيدها، هى دعوة ونداء، أن يا بنى الإنسان دونكم العقل، دونكم العقل، فخذوه بقوة، بأقوى ما تستطيعون، إعملوه فى كل شى وأى شئ، لتدركوا كنه حقيقتكم ومعنى وجودكم، وهناك من لبى النداء وهناك من تجاهله، ولسؤ الحظ فإن الغلبة كانت لتغييب العقل وإغتياله، أصبح فج التفكير أداة للتكفير، غاب التدبر والتبصر، أغلقت الأذهان وتبلدت الأبدان، أصبح الحشو والنقل بديلا للفكر والعقل، ومتما وحيثما غاب العقل وساد النقل، كشرت الفجيعة عن قبيح وجهها، وأنشب الجهل والتغييب أنيابه فى عضد الذهن، ليموت العقل، وما نحن الآن إلا من زمرة أهل المأتم

ألسنا كذلك يا جلال الدين؟