شايلوك ..تاجر البندقية ..ينادي البندرية

شايلوك ..تاجر البندقية ..ينادي البندرية


07-15-2003, 03:49 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=2&msg=1058280545&rn=0


Post: #1
Title: شايلوك ..تاجر البندقية ..ينادي البندرية
Author: ابو جهينة
Date: 07-15-2003, 03:49 PM

ربما يذكر البعض قصة التاجر اليهودي ( شايلوخ ) في مدينة البندقية الإيطالية ، عندما إستلف منه التاجر الإيطالي مبلغا من المال فإشترط عليه اليهودي موعدا محددا ، فإن لم يرجع فيه المبلغ إقتطع أرطالا معينة من لحم.جسمه و لسوء حظ الإيطالي ، فقد غرقت سفنه ببضائعها ، و أزف موعد السداد ، و أراد الإيطالي أن يمهله اليهودي بضعة أشهر ، و لكن المرابي اليهودي أصر على دفع المبلغ كاملا أو قطع الأرطال المتفق عليها من لحمه. و حاول بعض التجار دفع المبلغ عن الإيطالي ، و لكن اليهودي أصر على موقفه ، و عندما وقفا أمام القاضي ، أصر اليهودي على موقفه ، فما كان من محامي الإيطالي إلا أن قال لليهودي : حسنا ، إقتطع أرطالك من اللحم ، و ها هو الميزان ، و لكن إياك أن تريق قطرة دم ، أو يزيد ما تقطعه عن الأرطال التي في الإتفاق ، فهذا بشر و ليست بذبيحة ، إقطع أرطالك بالتمام و الكمال دون زيادة .
و عرف اليهودي أنه لا يمكن قطع أرطاله من مرة واحدة بالتمام و الكمال ، فربما زاد عن المتفق عليه ، فكيف يعيد اللحم الزائد أو الدم المراق؟ و هنا قال : حسنا ، سآخذ المال الذي عرضه أصدقاؤه.
فقال القاضي : لا ، إما اللحم ، أو فلا.
فخسلر اليهودي كل ماله و خسر لذة الربا التي كان يرجوها.
كم من شايلوك يصول و يجول و لكن بشروط مختلفة و ظروف مختلفة.
عندما فاجأ سعد أخته البندرية ذات السبعة عشر ربيعا بأنه سيزوجها من حمدان ، لم تستوعب الخبر تماما ، و لكنها ، و كعادتها التي تأبىعليها مناقشة شقيقها الذي قام بتربيتها بعد وفاة والدهما ، طأطأت رأسها في دلالة على الطاعة العمياء، و لكنها لم تهن على سعد ، فقال لها:
البندرية أختي ، أنا بصارحك بي حاجة خليها سر في بطنك. حمدان أنا مديون ليهو بي قروش كتيرة و في حاجات بيني و بينو ممكن توديني السجن. طلب مني عشان يسكت إنو أوافق على زواجك منو. قلت شنو ؟
و نظر إليها نظرة مليئة بالإستعطاف ، فترقرقت الدموع في عينيها ، و إرتمت بين أحضان شقيقها تشهق ببكاء مكتوم ، ففهم شقيقها أنها موافقة إكراما له و حفاظا على سمعة الأسرة و كيانها. فربت أخوها على ظهرها النحيل و هو يتمتم :
عفيت منك يا بت أمي و أبوى ، عفيت منك.
ليلة الدخلة ، كانت تجلس حائرة ، فهي لا تعرف هذا الحمدان ، غير أنه متخم بالمال ، و لم يتزوج بالرغم من بلوغه الأربعين ، حتى تهامس الناس عن سبب عزوفه عن الزواج مع أنه مقتدر ، ضخم الجثة ، له كرش تهتز أمامه كلما تحرك.
عندما دلف إلى غرفة نومها ، إنخلع قلبها الصغير ، و كأنها تسمع وجيب قلبها من خلال ثوبها. و من خوفها ، لم تسمع وقع أقدامه و هي تقترب منها.ضاعت وسط خضم الخوف رائحة عطر ( الخمرة ) النفاذة ، و رائحة الصندل التي تعبق في الجو . تركز كل خوفها في الوصف الذي كانت تتناقله الفتيات عن هذه الليلة التي لابد منها و لكنها مقرونة بخوف أشبه بخلع الضرس ببنج موضعي لأول مرة.
كان شفتي يا البندرية ، هو كدي غايتو ....
و ترتفع وتيرة صخب البنات المتزوجات ، فتلتقط إحداهن دفة الحديث :
هوى ، ما تخوفوها ، و الله يا البندرية كل البيقولنو دة مبالغات.
إقترب منها و وضع يده الغليظة على أسفل ذقنها الرقيقة و رفع رأسها و هي تنظر إلى لا شيء ، و أنفاسها تحرق أصابع يده. نظر إليها مليا و قال : سبحان الخالق. إنت سمحة بالحيل يا بنية.
و إزدردت ريقها الجاف بصوت مسموع. تكاد تسمع ما تفكر به داخل عقلها : يا ربي الغول دة حيسوي شنو بعد دة ؟
و لدهشتها الشديدة ، خلع ثوبه ثم عمامته و تمدد على السرير و راح في سبات عميق. و بالرغم من أنها أصابها نوع من الإرتياح ، إلا أنها كانت مرتابة ، و تقول في نفسها أن بالأمر شيئا لم تفهمه ، ربما هكذا يفعل العرسان في أول ليلة ، و يمكن ، و يمكن ، و جلست البندرية في ركن قصي تراقبه من طرف خفي ، فقد كان الإرتياب يملأ جوانبها ، فكأنه سينهض فجأة و ينقض عليها.
و عند التباشير الأولى للصباح ، قام حمدان موفور العافية و الصحة ، و دون أن ينبس بكلمة ، أخرج من ( جزلانه ) إبرة ، و طعن بها أصبعه الإبهام عدة طعنات ، و غمس منديلا أبيضا في دم أصبعه و خرج للملأ من ( عواجيز الفرح ) الذين ينتظرون الدم المسفوح قربانا للشرف و العفة ، خرج إليهم بدم كذب ينظرون إليه بفرح ( سادي ) و يتناقلون المنديل بتشفي غريب و هم يزغردن و البقية تدخل على البندرية المذهولة من كل الذي يحدث أمامها ، و عجوز تقول لها : ما تتحركي يا بتي ، الفطور جاهز ، بنجيبو ليكي فوق السرير.
تحتار البندرية ، و لكنها ، شيئا فشيئا تفهم الأمر ، و لكن عقلها البريء ، لا يستوعب الأمور بسرعة.
يا للهول. حمدان الذي يملأ القرية ضجيجا ، و يعمل له الناس ألف حساب ، غير مكتمل الرجولة. و لكنه هاهو ينتقم منها و من شقيقها و من أنوثتها.
لا تستطيع أن تبوح بشيء ، و إلا عملها حمدان ( علي و على أعدائي ).
يأتي كل ليلة ، تفوح منه رائحة المنكر النتنة ، و يداعبها قليلا مداعبة المغبون، ثم يستقبل الجدار و هو يشتم و يسب و يلعن في تمتمة من تحت أسنانه كانت تخيف البندرية.
ما قربتو تبقو تلاتة ؟
سؤال كان ( ينتح ) في رأس البندرية كألم الصداع النصفي. فلا هي زوجة ( بينها و بين زوجها ) و لا هي ( عذراء ) في مفهوم الناس.
لو فاح الخبر و إنتشر ، سيكون حمدان كالثور الهائج في مستودع الخزف ، سيصيب الكل بغضب عارم.
إزدادت البندرية نحافة ، و هو ( يتورم ) طولا و عرضا. يأكل بنهم ، و ينام قرير العين هانيها ، و هي تتململ من هذا الوضع الغريب الذي تعيشه.
آه من الدنيا. كانت تحب صلاح إبن عمها الموظف البسيط. الذي مرض مرضا شديدا بعد أن علم بزواجها.
هل تصارحه و تهرب معه ؟
لا ، فسيدخل أخوها السجن.
أصرت والدة حمدان أن يأخذوا البندرية للطبيب في المدينة للكشف عليها و معرفة سبب عدم الحمل. ضحكت البندرية يومها في هستيرية ، و شر البلية ما يضحك.
و عندما ذهبت مع حمدان للمدينة ، قالت له : حنمشي ياتو دكتور ؟
قال لها و هو يحدجها بنظرة نارية : بلاش إستهبال. و إياك تاني تستهبلي جنس الإستهبال دة. فتحي عينك زى الناس.
و أخذها لحديقة الحيوانات ، و عند قفص القرود كانت البندرية تقف تتفرج ، سحبها بشدة من طرف ثوبها و هو يقول : أمشاكي من هنا ، القرود ديل ما عندهم أدب تب.
فأبتسمت إبتسامة ( غتيتة ) فلكزها على رأسها.
و في المساء ، سألته أمه : أها ، المشكلة من شنو ؟
قال و هو يخط بعصاه على الأرض : عندها ضعف شديد ، الدكتور قال لازم تتغذى كويس.
نظرت إليه البندرية و كأن لسان حالها يقول : التربة بكرية ، الكلام على التيراب و المزارع.
مر الزمان يدور على البندرية ، و الحال كما هو ، نفس الذي تصبح عليه ، تمسي عليه.
فاجأتهم أمه : حمدان ، لازم تتزوج واحدة تانية. بدور أشوف ذريتك قبال أموت.
دغدغت أحشاء البندرية ضحكة و قالت في سرها : يعني داير يمرق ليك ذرية الصالحين و الأولياء ؟
و في الليل ، قال لها حمدان : البندرية ، أنا حسع كدي في ورطة.
لم تجب.
قال منتهرا : أنا عاوز شورتك. ما تقيفي لي كدي زى الصنم.
قالت : شورتي حسع بتدورا ؟
فجثا على ركبتيه ، و قال لها و هو يمسك بيديها النحيلتين : سألتك بالله و العيش و الملح ، تديني شورك.
قالت أيضا في نفسها : هو غير العيش و الملح في شيتن تاني ؟
قالت له : بتسوي البقولو ليك ؟
قال : لو بينقذني من الورطة دي، طوالي بسويهو.
قالت له : أول شي تقطع الورق البينك و بين سعد أخوى. تاني شي تطلقني. و ثالث شيء ، تديني قدر الإتسلفو منك أخوى.
هنا أراد أن يثور و يضربها ، إلا أنها بإشارة من يدها أوقفته و قالت بثقة المتمكن من زمام الأمور :
شوف ، أنا بعمل زعلانة من حكاية زواجك من واحدة تانية ، تقوم تطلقني بعد ما تشاور والدتك. أها بعد داك تحرد العرس بحجة إنو أنا عاملة ليك عمل. و حتى لو إتزوجت ، أطلق إشاعة إنو معمول ليك عمل عشان ما تقرب من مرتك.
نظر إليها و قال : يا بت الجنية. لو كنت بطلب من ربنا يديني أولاد ، كنت حأطلب يديني أولاد منك يا البندرية.
و قبل رأسها. و طبق الإتفاق بحذافيره ، فطلق البندرية ، و مزق أوراق شقيقها ، و أعطاها مبلغا كبيرا أعطته لشقيقها لبدء عمل تجاري.
أما هي ، فقد كانت أوفر حظا من الإيطالي ، فقد رجعت بلحمها و دمها و عذريتها و إنعتاق شقيقها و مالا وفيرا.