حتى تصبح عاصمة للثقافة العربية

حتى تصبح عاصمة للثقافة العربية




الشوق كالغيث الذي ترشفه البيداء بشوق المنتظر، يؤرق مثقفي بلادي وحاملي هموم هذا العناء.. في أن يأتي العام 2005م وتبلغ الخرطوم مبلغ أن تكون عاصمة للثقافة العربية وقادرة على أن تستوعب في مواعينها رحابة هذا الحلم السهل الصعب.

لا نريد أن تكون ثقافة الخرطوم في استعراض أفواج المتسولين الذين لا مأوى أو مأكل أو مشرب لهم والدولة لم تعينهم في يوم من الأيام على اكتساب صبغة الحياة الكريمة.

ولا نريد لتلك النفايات والمجاري التي كانت في باطن الأرض وصارت على جبينها، لا نريدها أن تولول صارخة وهاتفة تعلن أنها قد أوجدت ثقافتها منذ أن تكاسل أو تجاهل القائمون على الأمر مسألة معالجتها.

ونرفض ونشجب وندين ونستنكر كما نفعل دائماً أية ثقافة دخيلة تحاول قسراً أن تقحم نفسها في محيط ثقافتنا العربية فالخرطوم كفيلة أن تعكس ما تنضح به.. ألم يقولون «كل إناءٍ بما فيه ينضح»؟!

ونضح الخرطوم في يوم تنصيبها عاصمة للثقافة العربية نخاف أن يأتي بكل أصناف التردي الثقافي والاجتماعي والبيئي وغيره.

ولعل الخرطوم هي الأكثر حاجة إلى «عصا موسى» تهش بها كل عوالم التخلف ومعالم الضياع.. ومآربها الأخرى أن تحقق طموحات المهتمين بهذا الأمر.. تبني لهم المسارح وصالات العرض ومنابر التثاقف وتزيل عن القائمين على أمر الاذاعة والتلفزيون غشاوة المحلية الساذجة وليست الخلاَّقة ويتحفوننا بالبرامج الجديرة أن تكون مادة جيدة تمارس دورها الثقافي الأكيد.. بعد أن تذهب من غير عودة برامج الثرثرة والهتافات التي ما إقتربت يوماً إلى الفكر السديد.

وتحتاج الخرطوم إلى «مزامير داؤود» في ظل الغياب المؤلم للتوزيع الموسيقى عن موسيقانا السودانية الجميلة بعد مصادرة كل الحناجر المبحوحة التي ما تعرفت يوماً على شيء اسمه الطرب وأن تدخل «أغنيات البنات» بيت الطاعة الملتزم بقيم وموروثات وأخلاق هذا المجتمع.. فنحن لا نريد أن نكون مثل الرومان أو الاغريق أو الاسكندر الأكبر ولا مثل الاتحاد السوفيتي السابق وغيرهم من الاستعماريين الذين درجوا على بسط ثقافاتهم بالقوة.. نحن نريد لثقافتنا السودانية والعربية أن تأتي لغيرها طواعية دون إكراه.

تحتاج الخرطوم إلى «خاتم سليمان» حتى نتمنى لنجمنا الممثل علي مهدي ألاَّ يقل نجومية عن جيمس بوند وتمتد نجومية فائزة عمسيب إلى أبعد من مشاركتها في الفيلم المصري «عرق البلح» وتبلغ نجومية صوفيا لورين.

وأن نتمنى للتشكيليين السودانيين أن يكونوا أقرب إلى وجدان الملتقى لأعمالهم التشكيلية.. وأن تتمنوا معي كل ما يخدم الثقافة السودانية.

تحتاج الخرطوم إلى كرم الدولة.. فالعروس لا تخرج في ليلة زفافها غبراء عجفاء وأن يرتفع موضع الثقافة في قائمة اهتماماتها من المواضع السفلى إلى العليا.. فنرى ما يبذل على المؤتمرات مبذولاً على المعينات الاساسية للفعل الثقافي.

ولن نسأل الدولة أن تقوم بتكريم أي مبدع التكريم اللائق بعطائه وإبداعه.. فهي ونحن قليلاً ما نكرم مبدعينا أحياء أصحاء وكثيراً جداً نكرمهم بعد موتهم.

ولن نرفض قيام الدولة بتكميم أفواه بعض المبدعين الذين يختلفون معها في النهج والمنهج.. في حين أنها تمد الأيادي البيضاء إلى كل الذين يحملون مسؤولية التبشير بمشاريعها وأهدافها.

الخرطوم تحتاج إلى كيانات المثقفين النابضة بالحياة والمتوحدة في الكلمة والحلم وليكن الاختلاف داخل أي كيان من هذه الكيانات في السبل التي يبدعون عبرها ما دام المصب هو محيط الثقافة ممتد السواحل.

ولـمَّا كانت «الحاجة أُم الاختراع» فإن الخرطوم إن لم تحقق أية حاجة من هذه «الحاجات »فما عليها إلا أن تخترع عذر القرن وتتقدم به إلى جامعة الدول العربية وتكون العاصمة الثقافية للعرب عاصمة أخرى غير الخرطوم

ما عاوزين نكون عاصمة للثقافة العربية

هو فضل فيها عرب