سوء الإدارة والفساد في أفريقيا.. حروب ومجاعات

سوء الإدارة والفساد في أفريقيا.. حروب ومجاعات


06-16-2003, 04:40 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=2&msg=1055778034&rn=0


Post: #1
Title: سوء الإدارة والفساد في أفريقيا.. حروب ومجاعات
Author: Yasir Elsharif
Date: 06-16-2003, 04:40 PM


المجاعة في أفريقيا.. الأسباب الحقيقية

أمير طاهري

هل تريد التخلص من وخز الضمير؟ أتتطلع الى طريقة رخيصة لنيل الدعاية؟ لا تبحث بعيداً، كل ما تحتاجة هو بعض الضجيج حول كيفية اهمال العالم لافريقيا السوداء.
اذا كنت مغني بوب يتراجع نجمك، فخذ بعض الوقت لزيارة خاطفة للقارة السوداء، وتصور هناك بين الاطفال الجوعى ببطونهم المنتفخة، وردد بعض المصطلحات المؤثرة امام التلفزيون، ومن ثم ستعود الى فلك الشهرة. هذا ما فعله كل من مغني البوب بونو، وبوب غيلدورف، طوال سنوات.
اذا كنت سياسياً يلطخ البيض وجهك كنتيجة لاخر اخطائك، فارسل بضع عشرات من الجنود ليقضوا عدة اسابيع في احدى زوايا افريقيا البعيدة، وكأنهم «قوات حفظ سلام» تحت راية الامم المتحدة. هذا ما قام به الرئيس الفرنسي جاك شيراك.
اذا كنت تدير شركة طيران تخلص الركاب من نقودهم، كثمن غال للتذاكر دون تقديم خدمات مناسبة، فلا تنس وضع مظاريف خاصة امام الركاب ليتبرعوا بنقودهم من اجل انقاذ اطفال افريقيا. وهذا ما تفعله العديد من الشركات عبر سنوات مضت.
اذا لم تكن ضمن أي من الفئات السابقة وتريد عمل أي شيء يشعرك بالبطولة، فاذهب الى أي مؤتمر دولي وشارك في تحطيم بعض محلات «ماكدونالد»، وانهب من بعض المحلات الفخمة، واخبر بعض مراسلي التلفزيون غير المتزنين بأنك تفعل كل ذلك من اجل الاحتجاج ضد منظمة التجارة العالمية، ومجموعة السبع الكبار، والبنك الدولي، وضد صندوق النقد الدولي، او الافضل من كل ذلك القول انك تحتج ضد «ملطشة» الجماهير، الولايات المتحدة. وهذا ما فعله جمهور الاطياب ـ الاشرار في جنيف في وقت سابق هذا الشهر اثناء قمة الثماني الكبار في ايفيان القريبة.
واذا كنت صحافيا غربيا تنقصك المواضيع في موسم الكسل، فلا تنظر ابعد من «المجاعة في افريقيا» لتضمن لك مانشيتا رابحا وتعليق رأي. هذا طبعاً، لأن من واجبك ان تهز ضمير اولئك الاغنياء المتخمين «الامبرياليين» الغربيين وهم يجهزون حقائبهم للاجازة الصيفية. هذا ما فعلته «لوموند دبلوماتيك»، الصحيفة الفرنسية المعادية للعولمة.
الكاتب التركي الساخر عزيز نسيم لديه شخصية تلعب دور الارملة المهمومة بكومة الاطفال. فهي تبيع خدماتها لاي نصاب يريد «شيئا ما لاذابة قلوب الناس به». بعد وهلة لم يعد خداعها ينطلي على اهل القرية، واهملوا النصاب والارملة وايتامها. وهذا ما قد يحدث بشأن افريقيا السوداء.
اصبحت المجاعة الافريقية موضة منذ عام 1984. اتذكر صور التلفزيون للاطفال الجوعى والامهات يصارعن الموت؟ ذلك ما جعل اثيوبيا اشهر بلدان افريقيا. كان غيلدورف في كل مكان حيث نظم التليثون في اربعة وعشرين بلداً. اكثر من مائة منظمة خيرية فتحت حسابات بنكية خاصة للتبرع ضد المجاعة. حتى حكومة مارغريت ثاتشر، البخيلة في لندن، وقعت على شيكات ضخمة كتبرع. غرور النجاح آنذاك جعل العالم يتعهد بأن لا تقع مجاعة لاحقة في اثيوبيا، حسب تقديرات منظمة الوحدة الافريقية، المسماة الان الاتحاد الافريقي، فقد حصلت اثيوبيا في العقد الذي تلا المجاعة على 1.8 مليار دولار من الدعم الخارجي، او ما يعادل 2% من نمو الدخل سنويا. رغم ذلك، فقد عدنا الى ما كنا عليه عام 1984، لماذا؟
المشهد الثاني: قبل مواجهة الاجابة على ذلك السؤال، دعونا نصحح بعض النقاط. اولاً انه في ذروة الاستعلاء يبرز التساؤل ما اذا كنا فعلنا لافريقيا ما فيه الكفاية. هذا التوجه يضع القارة الافريقية في موضع البضاعة التاريخية. وذلك الموضع بالنسبة للقارة اسوأ من دور المتسول، لان الاخير يستطيع التسول على الاقل. ذلك السؤال ليس مهيناً فقط ولكنه غير منصف ايضاً.
معظم التوقعات اظهرت ان النقود التي تغادر افريقيا كل سنة الى البنوك والصفقات في الغرب، هي ضعف حجم النقود التي تدخل افريقيا. الحقيقة هي ان الكثيرين من القيادات الافريقية السياسية والاقتصادية تنهب اممها وتضع المنهوبات في مأمن العالم الغربي.
الامر الثاني الذي يحتاج الى توضيح هو، ماذا نعني بكلمة «افريقيا». في العقود الثلاثة الماضية عانت 18 دولة افريقية من اصل 53 دولة مما يسميه برنامج الغذاء العالمي بالوضع «الطارئ». من الدول الثماني عشرة هناك ثماني دول عانت المجاعة كنتيجة للحرب الاهلية او احد الاشكال الاخرى للصراع المسلح. ثلاث دول اخرى ضربتها المجاعة في نهاية حرب طويلة دمرت اجزاء من زراعتها. خمس دول اخرى دفعت الى حالة «الطوارئ» الغذائية كنتيجة لوصول اعداد ضخمة من اللاجئين من دول الجوار. (تمثل افريقيا 15% من سكان العالم وتنتج 60% من كل لاجئي العالم). الدولتان الاخريان اصيبتا بالمجاعة كضحية للقرارات السيئة المتخذة من الحكومتين.
دعونا الان نعود للسؤال المفصلي، لماذا تعاني الامم من المجاعات؟ يقول الاقتصادي اماريتا سن، الحائز جائزة نوبل، ان سبب المجاعة هو فقر الناس عن شراء الغذاء. اذاً ما الذي يتوجب عمله؟ اذا وفرنا النقود لشراء الغذاء، فالنتيجة ان الافارقة وبكل سهولة سيتجهون للمنتجات الغربية المتوفرة في كل وقت عند الحاجة اليها. هذا لن يخدم الزراعة الافريقية، ولن تنتصب قامتها حتى في احسن السنوات. على الجانب الاخر اذا وفرنا غذاء مستورداً بالمجان، فهذا ايضاً لن يفيد الاقتصاد والانتاج المحلي.
في العقدين الماضيين اخذت الدول الثماني عشرة المعنية، 12 مليار دولار كدعم باشكال متنوعة. انه من الممكن القول ان هذا الدعم هو المسؤول، ولو جزئياً، عن استمرار وعمق المجاعة في غالبية تلك الدول. هذا الادعاء يبدو غريبا ولكن دعونا نتفحصه.
هذا الدعم مكن الحكومات المعنية من تحويل مصادرها الذاتية بدل توفير الغذاء الى الحرب او الفساد. الحرب التي تقاتلت فيها اثيوبيا واريتريا قبل بضع سنوات كلفت اربعة مليارات دولار. قبل ذلك كانت اثيوبيا منغمسة في حرب اوغادين وتيغراي، هذا دون الحديث عن حرب تحرير اريتريا التي دامت لعقدين.
في حالة انغولا، التي تحتل الموقع الرابع بين الامم الافريقية المصابة بالمجاعة، فالبيان جلي ايضاً. في العقود الثلاثة الماضية حصلت انغولا على دخل من صادرات نفطها وماسها يساوي مائة مليار دولار، وهو ما يكفي لجعلها من اغني دول القارة. لكن نصف سكان البلاد يجدون انفسهم الان على حافة المجاعة. السبب؟ حرب اهلية طويلة انتهت في العام الماضي فقط، وحكومة متعارف عليها دولياً كمدمنة سرقة.
الحرب والفساد هما اساس مجاعات دول اخرى من موريتانيا حتى السودان مروراً بليبريا وزمبابوي. في زيمبابوي، استولى الرئيس روبرت موغابي على الارض من المزارعين البيض ومنحها لزمرته، وبذلك دمر عن سبق اصرار القطاع الزراعي الذي كان ينتج نصف كمية الغذاء للامة.
المشهد الثالث: تبعاً لمنظمة الغذاء والزراعة (فاو) فإن افريقيا الان اكثر قابلية للمجاعة عما كانت علية قبل جيل مضى، عندما كانت القارة جزئياً تحت الاستعمار. منذ 1960 خفضت اسيا من احتمالات المجاعة في بلدانها من نسبة 43% الى اقل من 13%. اما في دول افريقيا المعنية فأن النسبة قد ارتفعت من 18% الى 38%.
المجاعة ليست ظاهرة طبيعية، انها النتيجة الحتمية لسياسات تسلطية ولانظمة فاسدة لا يمكنها البقاء بدون حروب واضطهاد داخلي. قبل الطعام تحتاج افريقيا الى الحرية، فحيث توجد الحرية لا توجد مجاعة.
http://www.asharqalawsat.com/view/leader/2003,06,16,176788.html