لقد قرأت هذا التحليل وقراءة الواقع بعيون الصحفي توماس فريدمان.. أريد أن أشرككم فيه..
من صحيفة الشرق الأوسط اليوم
=====================
الأسباب غير المعلنة للحرب
توماس فريدمان*
فشل فريق عمل الرئيس بوش، في العثور على أية أسلحة دمار شامل في العراق، بات يتحول إلى مسألة كبرى للغاية. لكن هل هذه هي المسألة الحقيقية التي يتوجب علينا الانشغال بها؟
كلا. فتلك لم تكن المسألة الصائبة قبل الحرب، وهي الآن تعد مسألة غير صائبة.
لماذا؟ لأنه كانت هناك بالفعل أربعة أسباب لهذه الحرب:
السبب الحقيقي، والسبب الصائب، والسبب الأدبي (الأخلاقي)، والسبب المعلن.
"السبب الحقيقي" لهذه الحرب، والذي لم يعلن على الإطلاق، كان انه بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) احتاجت أميركا إلى توجيه ضربة لأحدهم في العالم العربي ـ الإسلامي.
وضرب أفغانستان لم يكن كافيا، لأن فقاعة من الإرهاب كانت قد نمت هناك ـ وهي فقاعة شكلت تهديدا فعليا للمجتمعات الحرة في الغرب وكان لا بد من ثقبها.
فقاعة الإرهاب هذه، اعتبرت ان مهاجمة المركز التجاري العالمي بالطائرات لا بأس بها، ووجهت خطباء المساجد المسلمين بأن يقولوا انه لا بأس فيما حدث، وانه لا بأس في أن تطلق الصحف المملوكة للدولة على أولئك الذين فعلوا ذلك "شهداء"، وانه لا بأس من السماح للجمعيات الخيرية الإسلامية بجمع المال لمثل أولئك "الشهداء".
لم تكن كل هذه الأشياء فقط لا بأس بها، بل كان هناك شعور في أوساط المسلمين المتطرفين بأن التفجيرات الانتحارية ستؤدي إلى توازن القوى بين العالم العربي والغرب، لأننا تبنينا موقفا لينا، بينما أبدى نشطاؤهم استعدادهم للموت.
كانت الوسيلة الوحيدة لثقب تلك الفقاعة هي أن يذهب جنود أميركا، رجالا ونساء، إلى قلب العالم العربي ـ الإسلامي، من منزل إلى منزل، وأن يوضحوا بجلاء اننا على استعداد لأن نُقتل، ولأن نموت، من أجل منع الحاق فقاعة الإرهاب هذه لضرر بمجتمعنا المفتوح.
كان يمكن أن نوجه ضربة للمملكة العربية السعودية أو لسورية، لكننا ضربنا صدام لسبب بسيط هو: اننا نستطيع ذلك، ولأنه يستحق ذلك، ولأنه كان يتمركز في قلب ذلك العالم تماما.
ولا تصدقوا من يطرح عليكم هراء ويقول إن هذا لم يكن مجديا. فجميع حكومات الدول المجاورة ـ و98 بالمائة من الإرهاب مرجعه ما سمحت الحكومات بحدوثة ـ استوعبت الرسالة. وإذا ما تحدثت مع جنود الولايات المتحدة في العراق فإنهم سيطرحون عليك إن هذا هو الدافع للحرب.
أما "السبب الصائب" لهذه الحرب فكان الحاجة لإقامة شراكة مع عراقيي ما بعد صدام من أجل إقامة نظام عربي متطور. ذلك ان أسلحة الدمار الشامل الحقيقية التي هددتنا لم تكن على الإطلاق صواريخ صدام.
الأسلحة الحقيقية التي هددتنا تمثلت في العدد المتزايد من الشباب العرب والمسلمين الغاضبين المسحوقين، الذين يمقتون أميركا أكثر من عشقهم للحياة.
المساهمة في بناء عراق نزيه، يمثل نموذجا للآخرين، إضافة إلى حل النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، يشكلان خطوات ضرورية لإبطال مفعول أفكار الدمار الشامل، والتي تتهددنا بالفعل.
أما "السبب الأدبي" للحرب فتمثل في ان نظام صدام كان عبارة عن آلة دمار شامل وإبادة جماعية قتلت الالاف من بني شعبه، وجيرانه، وكان لابد من إيقافها.
لكن ولأن فريق عمل بوش لم يجرؤ على طرح السبب الحقيقي للحرب، وشعر (بشكل غير صائب) بأنه لن يتمكن على الإطلاق من كسب تأييد الرأي العام والعالم إذا ما طرح الأسباب الصحيحة والأسباب الأخلاقية، فإنه تبنى نهج "الأسباب المعلنة"، تلك التي تقول إن صدام لديه أسلحة دمار شامل تشكل تهديدا مباشرا لأميركا.
أنا شخصيا طرحت قبل الحرب ان صدام لم يكن يشكل مثل ذلك التهديد بالنسبة لأميركا، وانه ليس مرتبطا بتنظيم القاعدة، واننا لا نستطيع المضي قدما بالحرب استنادا "على أجنحة أكذوبة".
وطرحت أيضا ان على بوش أن يخوض هذه الحرب لأسبابها الصائبة وللأسباب الأخلاقية. لكنه ضيق الخناق على نفسه بطرح أسلحة الدمار الشامل وذلك لأسباب متعلقة بعلاقاته العامة.
وما أن انقضت الحرب حتى شاهدت المقابر الجماعية والمدى الحقيقي للإبادة الجماعية التي مارسها صدام الشرير، وكانت وجهة نظري ان بوش لم يعد بحاجة للعثور على أية أسلحة دمار شامل لتبرير الحرب بالنسبة لي.
ما زلت أشعر بذلك، لكن لابد من أن أعترف بأنني ظللت أخوض حربي الخاصة في العراق.
لقد ذهب بوش بالبلاد إلى حربه. وإذا ما تبين إنه لفق دليله للحرب (وهي مسألة لا يمكنني الفصل فيها بعد)، فإن تلك مسألة ستلحق الضرر بأميركا، وستكون مسألة خطيرة للغاية.
على ان طرحي النهائي يتمثل في التالي:
يعد العثور على أسلحة الدمار الشامل العراقية مسألة ضرورية للمحافظة على مصداقية فريق عمل بوش، والمحافظين الجدد، وطوني بلير، ووكالة المخابرات المركزية (سي أي إيه). لكن إعادة بناء العراق تعد ضرورية للفوز بهذه الحرب.
لن أشعر بالأمن بمثقال ذرة إضافية لو عثرنا على أسلحة صدام، لأنني لم أشعر بأنه قد يستخدمها ضدنا. لكنني سأشعر بالافتقاد الشديد للأمن لو فشلنا في وضع أقدام العراق في المسار الصحيح. لأننا إذا لم نفعل ذلك فإن فقاعة الإرهاب قد تنتفخ وقد تتبعها أشياء لا تسرنا.
مصداقية بوش تعتمد على العثور على أسلحة الدمار الشامل، لكن مستقبل أميركا، ومستقبل منطقة الشرق الأوسط، يعتمد على بنائنا لعراق مختلف.
وعلينا أن لا ننسى ذلك.
* خدمة " نيويورك تايمز" خاص بـ"الشرق الأوسط"