حكاية ولد يدعى بريستو

حكاية ولد يدعى بريستو


05-16-2003, 06:42 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=2&msg=1053106949&rn=0


Post: #1
Title: حكاية ولد يدعى بريستو
Author: خالد العبيد
Date: 05-16-2003, 06:42 PM

حكـــــاية ولـــــد يــدعــــى بريــــســـتــو
إلى منير صفي الدين الرائع الذي فتح عيوننا إلى هؤلاء الضحايا

خالد العبيد
.
إنها حكاية قد تبدو مثيرة للكثيرين منكم، ولكنها يا سادتي بالنسبة لي أصبحت لا تعني غير حياة عادية أعيشها صباحاً ومساء .. وسأحاول أن احكي لكم ما أستطيع لانه غير مسموح لي أن أقول كل شئ عن حياتنا، فنحن أبناء الشمس مثلما يطلق علينا، لنا قوانين خاصة تحكمنا لا نستطيع الخروج منها، أهمها السرية المطلقة في كل ما يخص حياتنا وتفاصيل علاقاتنا حتى نحافظ على تقاليد ورثناها ممن سبقونا في هذه الحياة الغريبة والمدهشة والمتوترة التي وجدت نفسي في اتونها وإلا تعرضت لعقوبات قاسية

كنت احلم أن أكون مصوراً مثل والدي الذي يملك استديو للتصوير في الخرطوم بحري، كم تدهشني تلك الآلة السحرية وتمنيت أن أكون خلفها مثل والدي، ولكن بدلاً أن أكون خلف الكاميرا أصبحت خلف حمار عجوز اعرج انقل به الركاب على عربة يطلق عليها تاكسي الغرام لأنها لاتسع اكثر من اثنين !!.
حسناً... اسمي ـ بريستو رودلف ـ ، عمري سبعة سنوات، ومن قبيلة الزاندي, كنت اسكن مع أسرتي في كرتون كسلا أقاصي الحاج اليوسف، هربت من المدرسة بسبب الضرب المبرح،لم اكن كتب شيئاً في دفاتري فالظلام يحيط منطقتنا، من كل الجوانب والعشة التي بنتها أمي اساندا من الكرتون والجوالات لا توجد بها تربيزة واحدة ، فقررت عدم الذهاب إلى المدرسة فعاملني والدي بقسوة اكثر واشترط علي أن اعمل لأتدبر معيشتي وحدي، او اخرج من المنزل نهائياً فخرجت .

استقبلني الشارع بسرعة مذهلة وعشت حياة قاسية، اذكر أن أول أيام تشردي صادف أول يوم للعيد عند المسلمين، في الحدائق شاهدت أطفالا كثيرين يسيرون مع أهلهم كانوا نظيفين وفرحين، وكنت أسير وحدي حافي ومتسخ ومسطول .. إلى أين لا ادري ؟
بعد أيام قليلة وجوار السينما تعرفت على بعض( الفرد )1 اكبر مني وبعضهم اصغر ، كما تعرفت على وبعض (اللقويات )2 كن يحملن أطفالا رضعاً ولدوا داخل (الصواريخ)3 ... كنت لا أفارق أصحابي الجدد لحظة واحدة وندخل السينما يوميا بلا مقابل بعد أن نرشي البواب بمائة قطعة من (اللستك) الذي يحزمون به النقود ، الأفلام الهندية كانت اكثر ما يشغل بالنا ولا نفوت فلما واحدا حتى ولو سافرنا إلى سينما الخواجة بمدني ! كنا نحفظ وجوه الممثلين جيداً ونطلق عليهم ما نهوى من الأسماء المحببة لنا كما نحفظ الأغاني الهندية ونغنيها جماعياً مثلهم تماماً وبإيقاع اشد حرارة في منتصف الليل قبل أن نذهب إلى النوم جوار نقطة البوليس .
طريقة نومنا غريبة فقد كنا نتماسك بالعشرات ونتراص في صفوف طويلة ، منظرنا كان يشبه الانتحار الجماعي للأسماك . واذا لم ننم جوار نقطة البوليس فان مآسي كثيرة كانت تحدث لنا من كبار الشماشة ، كانوا يفعلون بنا أفعال من النادر أن ينجو أحدا منها يسمونها ( شغل أخوان)4 وعندما يكبر هؤلاء فانهم يمارسون نفس الفعل مع القادمون الجدد أمثالي . إنها الضريبة الكبرى او تصريح البقاء الذي يدفعه المشرد طائعاً كان او بالقوة حتى يضمن بعض حقوقه من مأكل وحماية وسلسيون .
في إحدى المرات قبض علي أخي وأعادني إلى الكرتون مرة أخرى والدي لم يكن موجوداً ، وبعد يومين أحسست بالفرق بين ما نأكله في السوق من بقايا البيرقر واللحوم والبيض ، وبين ما تصنعه امي من الذرة ، والليل أيضا كان كئيباً وصامتاً وليلنا هناك كان يضج بالصخب والموسيقى والندية والمخدر الذي يوفره لنا ( الجوكي)5 فانسحبت بهدوء مثل القط بالرغم أن أخي كان ينام جواري الا ان الخبرة التي تعلمتها في السوق عن الذوقان كانت كفيلة بان اخرج من بين ثنايا القش والكرتون دون أن احدث أي صوت على الإطلاق او يشعر بي أحد ، وبعد أن ( تخارجت) فرحت لعدم إحداثي أي صوت فرجعت مرة أخرى ودخلت ناحية امي و( جازفت)5 بعض ملابسها وأحذية ، وتجرأت اكثر عندما بدأت ملأ ت زجاجة من العرقي الجيد بهدوء، وبمهارة أخذت من تحت وسادة امي النائمة مبلغ من المال، ثم تسللت ثانية إلى فضاء الحرية . وعدت سريعاً إلى رفاقي، وعند إطلالتي من راس (الصاروخ) صرخوا مبتهجين واخرجوا الصفائح والباقات وتبرعوا بكل ما معهم من (السلس)7 وبالإضافة إلى الزجاجة التي أحضرتها معي احضروا ثلاثة جرادل مريسة من الحجم الكبير واستدعوا (اللقويات) من أحضان كبار الجوكية ، وبدأ الحفل بهيجاً وجميلاً حتى الصباح ‘ وفي ذلك اليوم الصاخب لم تكن ( جاكي شان ) معنا فقد ساوم بها أحد الجوكية حارس الوردية في نقطة الشرطة لتبيت معه مقابل إطلاق سراح (ودمونج) الذي قبض عليه وهو يسرق كيلو تفاح من سوق العمارات .
استيقظت في تمام الخامسة مساء كنت جائعاً وبي إرهاق من حفل الأمس ولا يوجد في جيبي جنيهاً واحداً ، ولكني كنت سعيدا فالنقود لا تشكل أهمية قصوى لي فأنا آكل من فتات المطاعم ولا يهم نوعية الطعام او مدة بقاءه في البراميل فنحن نأكل أول شئ يصادفنا ، فعلا لقد مرضت في البداية ولكنهم قالوا لي بعد فترة بسيطة ستندبغ معدتي وتستقبل أي طعام، وهذا ما حدث . أن النقود نحتاجها لشراء (السلسيون) ذلك المخدر الذي يذهب بنا إلى عالم الأحلام والخدر الجميل نستنشقه صباحاً ومساء حتى تتجمد أطرافنا ونبحلق في أشياء بعيدة ثم ننام ساعات طويلة لا نسمع أي حركة او أصوات مهما كانت قوتها .
سافرت إلى بعض مدن السودان ، ذهبت إلى مدني ولكنها لم تستهويني كثيراً لصغر السوق فيها ، ولكن البوليس لا يضايقنا كثيراً ، كما سافرنا مجموعة كبيرة إلى عطبرة ونتجمع هناك مع آخرين في مكان اسمه ( الكونغرس) جوار السكة حديد حيث ندخن ونشم البنزين وننام .
وذات ليل كنت نائماً في سوق بحري أحسست بمن يربت على كتفي تجاهلته في البداية لانني ظننته بوليس او أحد الشماشة الكبار ليستعملني ، ولكن عندما استيقظت وجدت اثنين من الرجال النظيفين أستاذ الفاتح وأستاذ وحنفي، تحدثوا معي بصورة لطيفة وسألوني عدة أسئلة لم افهم بعضها جاوبت وأنا نصف نائم ومخدر ثم طلبوا مني أن اذهب معهم إلى ( بيت صباح) وكنت قد سمعت به من بعض الأصدقاء ويسمونه ( البيت الأبيض) ، وافقت وركبت العربة ومعي مجموعة من الشماشة . وبعد أن وصلنا وجدنا مجموعة من الأسَرة المعدة لنومنا وانزلقت على أول سرير صادفني كان دافئاَ وتذكرت على الفور أمي اسندة ، أين هي الان يا ربي هل تذكرني ؟ لا ادري .
في الصباح تعرفت على ست اقبال أجلستني أمامها وسألتني أسئلة كثيرة بعضها محرج لم اكن أتصور أن فتاة جميلة مثلها يمكن أن تسأل مثل هذه الأسئلة !! كانت تسجل كل ما أقول في بعض الأوراق لكنني كنت اكذب كثيراً عليها‘ هكذا قال لي الذين سبقوني إلى هذا البيت ، قالوا لي إذا سألوك عن دينك، قل أنا مسلم، فقلت ذلك مجبراً رغم إنني مسيحي . أكد صديقي بان الذي يقول انه مسلم سيكسب أشياء كثيرة .
عشت في بيت عم سليمان عدة أسابيع كنا نأكل جيداً وندرس ونرسم ونلعب كرة القدم اغلب الوقت ، وشملتني الرعاية الصحية وذهبت معهم إلى الطبيب كنت اعرف باني مصاب بالبلهارسيا وقال الطبيب باني مصاب بالتهابات شديدة في الحلق وذلك من كثرة التدخين وشم السلس والبنزين . كنت أحس بشيء من الأمان، ولكن ضيق المساحة التي كنا نتحرك فيها كان يزيد من حنيننا إلى الشارع مرة أخرى ونتسامر ليلا ونتذكر السوق والكافيتريات والسفر (بالصارقيل)8 ، والأفلام الهندية ، وفي البداية كنا نتسلل خفية إلى سينما كوبر ونعود مرة أخرى .
وفي أحد الأيام اقترحوا علىَ بان أعود إلى البيت برفقتهم ليقنعوا والدي بالبقاء في المنزل ولكنني كنت متردداً، وعندما أحسست بأنهم جادون في ذلك ، تحايلت بالمرض وذهبت مع ست نجلاء إلى المستشفى وحين تأكدت بانها (دقست) مني قليلاً هربت من المستشفى دون أن تراني ووجدت نفسي بعد ساعات من المشي بالأرجل في أحضان السوق الكبير ، ذهبت نهائياً تداعبني أحلام ومعارف كثيرة اكتسبتها في بيت سليمان ، حلم العودة إلى أمي اسندا او أتخرج معلم كبير في الحدادة او الذهاب إلى المدرسة .. لكن حلمي الكبير الذي لا زال يلازمني بان أكون مصوراً مثل أبي واقف خلف تلك الآلة السحرية بدلا من ذلك الحمار العجوز الأعرج وأنا أقود تاكسي الغرام.

حواشي :

المفردات الواردة هي من لغة (الرندوك) الخاصة بالأحداث المشردين
1/ فرد : الأصدقاء
2/ اللقويات : البنات
3/ الصواريخ : مجاري الأمطار التي يسكن فيها هؤلاء الأحداث
4/ شغل أخوان : ممارسة الجنس
5/ الجوكي : رئيس المجموعة
6/ جازفت : سرقت
7/ السلس : مادة السلسيون
8/ الصارقيل : القطار

* هذه القصة حقيقية واعمل الآن على كتابتها مرة أخرى لتكون رواية متكاملة .

Post: #2
Title: Re: حكاية ولد يدعى بريستو
Author: أم سهى
Date: 05-16-2003, 07:56 PM
Parent: #1

الأخ المبدع خالد
رجعتنا سنين للوراء والعمل الجميل الذي كنا نعمله سويا مع بعض الزملاء والزميلات في مجال رعاية الأطفال المشردين - حا انها تجربة رائعة وعالم رائع ومدهش وغريب - مجتمع يحمل كل مكونات المجتمع من لغة وفن عادات وضبط اجتماعي خاص بهذه الفئة حقا يا خالد لقد اكتسبت شخصيا من هذه الفترة قوة وتماسكا ما اعتيادي ودخلت في عالم لم اكن اتصوره ولو في افلام لخيال التحية لجمعية صباح والخ العزيز منير أحمد صفي الدين ذلك الفارس الذي يعمل ليل نهار حتى حير من حوله أهو مدير ام موظف ام مشرف اجتماعي ام (فردة) لك الود يا خالد وساواصل انشاء الله في الكتابة في عالم البنات المشردات تلك التجربة المحيرة التي مررنا بها اتذكرها يا خالد؟؟؟؟

Post: #3
Title: Re: حكاية ولد يدعى بريستو
Author: hala guta
Date: 05-17-2003, 04:39 AM
Parent: #1

up

Post: #4
Title: Re: حكاية ولد يدعى بريستو
Author: doma
Date: 05-17-2003, 05:21 AM
Parent: #3

اه يا خالد انهاالحياه بكل قسوتهاوقبحها

Post: #5
Title: Re: حكاية ولد يدعى بريستو
Author: خالد العبيد
Date: 06-14-2003, 02:14 PM
Parent: #1







غرفة الدردشة الارشيف ابحث نادى القلم
تحديث المنتدى
المتواجدون الآن


تعارف و زواج دليل الأصدقاء مواقع سودانية قوانين المنتدى
اجتماعيات
الاخبار


Welcome خالد العبيد [الخروج]
Your last visit: 14-06-2003, 09:43 AM Home


المنبر الحــــــــــرPost A Reply


Your Message - Re: حكاية ولد يدعى بريستو
Your Nickname:
Your Password:
If you are registered
Subject:
Message:
HTML is allowed
You may use Markup Codes

Smilies are enabled

Smilies Library

Icon:
Options
*Only for registered users Add my Signature to the message text*
Email me if someone replies to this topic*





حكاية ولد يدعى بريستو x

Author: خالد العبيد
حكـــــاية ولـــــد يــدعــــى بريــــســـتــو
إلى منير صفي الدين الرائع الذي فتح عيوننا إلى هؤلاء الضحايا

خالد العبيد
.
إنها حكاية قد تبدو مثيرة للكثيرين منكم، ولكنها يا سادتي بالنسبة لي أصبحت لا تعني غير حياة عادية أعيشها صباحاً ومساء .. وسأحاول أن احكي لكم ما أستطيع لانه غير مسموح لي أن أقول كل شئ عن حياتنا، فنحن أبناء الشمس مثلما يطلق علينا، لنا قوانين خاصة تحكمنا لا نستطيع الخروج منها، أهمها السرية المطلقة في كل ما يخص حياتنا وتفاصيل علاقاتنا حتى نحافظ على تقاليد ورثناها ممن سبقونا في هذه الحياة الغريبة والمدهشة والمتوترة التي وجدت نفسي في اتونها وإلا تعرضت لعقوبات قاسية

كنت احلم أن أكون مصوراً مثل والدي الذي يملك استديو للتصوير في الخرطوم بحري، كم تدهشني تلك الآلة السحرية وتمنيت أن أكون خلفها مثل والدي، ولكن بدلاً أن أكون خلف الكاميرا أصبحت خلف حمار عجوز اعرج انقل به الركاب على عربة يطلق عليها تاكسي الغرام لأنها لاتسع اكثر من اثنين !!.
حسناً... اسمي ـ بريستو رودلف ـ ، عمري سبعة سنوات، ومن قبيلة الزاندي, كنت اسكن مع أسرتي في كرتون كسلا أقاصي الحاج اليوسف، هربت من المدرسة بسبب الضرب المبرح،لم اكن كتب شيئاً في دفاتري فالظلام يحيط منطقتنا، من كل الجوانب والعشة التي بنتها أمي اساندا من الكرتون والجوالات لا توجد بها تربيزة واحدة ، فقررت عدم الذهاب إلى المدرسة فعاملني والدي بقسوة اكثر واشترط علي أن اعمل لأتدبر معيشتي وحدي، او اخرج من المنزل نهائياً فخرجت .

استقبلني الشارع بسرعة مذهلة وعشت حياة قاسية، اذكر أن أول أيام تشردي صادف أول يوم للعيد عند المسلمين، في الحدائق شاهدت أطفالا كثيرين يسيرون مع أهلهم كانوا نظيفين وفرحين، وكنت أسير وحدي حافي ومتسخ ومسطول .. إلى أين لا ادري ؟
بعد أيام قليلة وجوار السينما تعرفت على بعض( الفرد )1 اكبر مني وبعضهم اصغر ، كما تعرفت على وبعض (اللقويات )2 كن يحملن أطفالا رضعاً ولدوا داخل (الصواريخ)3 ... كنت لا أفارق أصحابي الجدد لحظة واحدة وندخل السينما يوميا بلا مقابل بعد أن نرشي البواب بمائة قطعة من (اللستك) الذي يحزمون به النقود ، الأفلام الهندية كانت اكثر ما يشغل بالنا ولا نفوت فلما واحدا حتى ولو سافرنا إلى سينما الخواجة بمدني ! كنا نحفظ وجوه الممثلين جيداً ونطلق عليهم ما نهوى من الأسماء المحببة لنا كما نحفظ الأغاني الهندية ونغنيها جماعياً مثلهم تماماً وبإيقاع اشد حرارة في منتصف الليل قبل أن نذهب إلى النوم جوار نقطة البوليس .
طريقة نومنا غريبة فقد كنا نتماسك بالعشرات ونتراص في صفوف طويلة ، منظرنا كان يشبه الانتحار الجماعي للأسماك . واذا لم ننم جوار نقطة البوليس فان مآسي كثيرة كانت تحدث لنا من كبار الشماشة ، كانوا يفعلون بنا أفعال من النادر أن ينجو أحدا منها يسمونها ( شغل أخوان)4 وعندما يكبر هؤلاء فانهم يمارسون نفس الفعل مع القادمون الجدد أمثالي . إنها الضريبة الكبرى او تصريح البقاء الذي يدفعه المشرد طائعاً كان او بالقوة حتى يضمن بعض حقوقه من مأكل وحماية وسلسيون .
في إحدى المرات قبض علي أخي وأعادني إلى الكرتون مرة أخرى والدي لم يكن موجوداً ، وبعد يومين أحسست بالفرق بين ما نأكله في السوق من بقايا البيرقر واللحوم والبيض ، وبين ما تصنعه امي من الذرة ، والليل أيضا كان كئيباً وصامتاً وليلنا هناك كان يضج بالصخب والموسيقى والندية والمخدر الذي يوفره لنا ( الجوكي)5 فانسحبت بهدوء مثل القط بالرغم أن أخي كان ينام جواري الا ان الخبرة التي تعلمتها في السوق عن الذوقان كانت كفيلة بان اخرج من بين ثنايا القش والكرتون دون أن احدث أي صوت على الإطلاق او يشعر بي أحد ، وبعد أن ( تخارجت) فرحت لعدم إحداثي أي صوت فرجعت مرة أخرى ودخلت ناحية امي و( جازفت)5 بعض ملابسها وأحذية ، وتجرأت اكثر عندما بدأت ملأ ت زجاجة من العرقي الجيد بهدوء، وبمهارة أخذت من تحت وسادة امي النائمة مبلغ من المال، ثم تسللت ثانية إلى فضاء الحرية . وعدت سريعاً إلى رفاقي، وعند إطلالتي من راس (الصاروخ) صرخوا مبتهجين واخرجوا الصفائح والباقات وتبرعوا بكل ما معهم من (السلس)7 وبالإضافة إلى الزجاجة التي أحضرتها معي احضروا ثلاثة جرادل مريسة من الحجم الكبير واستدعوا (اللقويات) من أحضان كبار الجوكية ، وبدأ الحفل بهيجاً وجميلاً حتى الصباح ‘ وفي ذلك اليوم الصاخب لم تكن ( جاكي شان ) معنا فقد ساوم بها أحد الجوكية حارس الوردية في نقطة الشرطة لتبيت معه مقابل إطلاق سراح (ودمونج) الذي قبض عليه وهو يسرق كيلو تفاح من سوق العمارات .
استيقظت في تمام الخامسة مساء كنت جائعاً وبي إرهاق من حفل الأمس ولا يوجد في جيبي جنيهاً واحداً ، ولكني كنت سعيدا فالنقود لا تشكل أهمية قصوى لي فأنا آكل من فتات المطاعم ولا يهم نوعية الطعام او مدة بقاءه في البراميل فنحن نأكل أول شئ يصادفنا ، فعلا لقد مرضت في البداية ولكنهم قالوا لي بعد فترة بسيطة ستندبغ معدتي وتستقبل أي طعام، وهذا ما حدث . أن النقود نحتاجها لشراء (السلسيون) ذلك المخدر الذي يذهب بنا إلى عالم الأحلام والخدر الجميل نستنشقه صباحاً ومساء حتى تتجمد أطرافنا ونبحلق في أشياء بعيدة ثم ننام ساعات طويلة لا نسمع أي حركة او أصوات مهما كانت قوتها .
سافرت إلى بعض مدن السودان ، ذهبت إلى مدني ولكنها لم تستهويني كثيراً لصغر السوق فيها ، ولكن البوليس لا يضايقنا كثيراً ، كما سافرنا مجموعة كبيرة إلى عطبرة ونتجمع هناك مع آخرين في مكان اسمه ( الكونغرس) جوار السكة حديد حيث ندخن ونشم البنزين وننام .
وذات ليل كنت نائماً في سوق بحري أحسست بمن يربت على كتفي تجاهلته في البداية لانني ظننته بوليس او أحد الشماشة الكبار ليستعملني ، ولكن عندما استيقظت وجدت اثنين من الرجال النظيفين أستاذ الفاتح وأستاذ وحنفي، تحدثوا معي بصورة لطيفة وسألوني عدة أسئلة لم افهم بعضها جاوبت وأنا نصف نائم ومخدر ثم طلبوا مني أن اذهب معهم إلى ( بيت صباح) وكنت قد سمعت به من بعض الأصدقاء ويسمونه ( البيت الأبيض) ، وافقت وركبت العربة ومعي مجموعة من الشماشة . وبعد أن وصلنا وجدنا مجموعة من الأسَرة المعدة لنومنا وانزلقت على أول سرير صادفني كان دافئاَ وتذكرت على الفور أمي اسندة ، أين هي الان يا ربي هل تذكرني ؟ لا ادري .
في الصباح تعرفت على ست اقبال أجلستني أمامها وسألتني أسئلة كثيرة بعضها محرج لم اكن أتصور أن فتاة جميلة مثلها يمكن أن تسأل مثل هذه الأسئلة !! كانت تسجل كل ما أقول في بعض الأوراق لكنني كنت اكذب كثيراً عليها‘ هكذا قال لي الذين سبقوني إلى هذا البيت ، قالوا لي إذا سألوك عن دينك، قل أنا مسلم، فقلت ذلك مجبراً رغم إنني مسيحي . أكد صديقي بان الذي يقول انه مسلم سيكسب أشياء كثيرة .
عشت في بيت عم سليمان عدة أسابيع كنا نأكل جيداً وندرس ونرسم ونلعب كرة القدم اغلب الوقت ، وشملتني الرعاية الصحية وذهبت معهم إلى الطبيب كنت اعرف باني مصاب بالبلهارسيا وقال الطبيب باني مصاب بالتهابات شديدة في الحلق وذلك من كثرة التدخين وشم السلس والبنزين . كنت أحس بشيء من الأمان، ولكن ضيق المساحة التي كنا نتحرك فيها كان يزيد من حنيننا إلى الشارع مرة أخرى ونتسامر ليلا ونتذكر السوق والكافيتريات والسفر (بالصارقيل)8 ، والأفلام الهندية ، وفي البداية كنا نتسلل خفية إلى سينما كوبر ونعود مرة أخرى .
وفي أحد الأيام اقترحوا علىَ بان أعود إلى البيت برفقتهم ليقنعوا والدي بالبقاء في المنزل ولكنني كنت متردداً، وعندما أحسست بأنهم جادون في ذلك ، تحايلت بالمرض وذهبت مع ست نجلاء إلى المستشفى وحين تأكدت بانها (دقست) مني قليلاً هربت من المستشفى دون أن تراني ووجدت نفسي بعد ساعات من المشي بالأرجل في أحضان السوق الكبير ، ذهبت نهائياً تداعبني أحلام ومعارف كثيرة اكتسبتها في بيت سليمان ، حلم العودة إلى أمي اسندا او أتخرج معلم كبير في الحدادة او الذهاب إلى المدرسة .. لكن حلمي الكبير الذي لا زال يلازمني بان أكون مصوراً مثل أبي واقف خلف تلك الآلة السحرية بدلا من ذلك الحمار العجوز الأعرج وأنا أقود تاكسي الغرام.

حواشي :

المفردات الواردة هي من لغة (الرندوك) الخاصة بالأحداث المشردين
1/ فرد : الأصدقاء
2/ اللقويات : البنات
3/ الصواريخ : مجاري الأمطار التي يسكن فيها هؤلاء الأحداث
4/ شغل أخوان : ممارسة الجنس
5/ الجوكي : رئيس المجموعة
6/ جازفت : سرقت
7/ السلس : مادة السلسيون
8/ الصارقيل : القطار

* هذه القصة حقيقية واعمل الآن على كتابتها مرة أخرى لتكون رواية متكاملة .




· الخروج · الماسنجر · أبحث · ملفك ·


اضغط هنا لكي تجعل المنتدى السودانى للحوار صفحتك الرئيسية لمتصفحك


يحظر نشر أو نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع بدون أذن مسبق من امين الموقع حتى لا تتعرض للملاحقة الجنائية
الاخبار اليومية مواقع سودانية دليل الاصدقاء أجتماعيات كلمة السر
للكتابة بالعربي في المنتدى
للرجوع للصفحة الرئيسية
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها

Other Pages in Sudaneseonleine Site
Home Guest Writer Penpal List Posting Service Tell A Friend
Send Email Arabic Newstand U of K Alumni Electronic Directory Latest News
Alumni Locator U of G Alumni Guest Book


Contact Bakri Abubakr
© Copyright 2001-02 Bayan IT Inc. All rights reserved.

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de

Post: #6
Title: Re: حكاية ولد يدعى بريستو
Author: أبو ساندرا
Date: 06-15-2003, 10:55 AM
Parent: #5

يا خالد صقعتنا ، الليلة سيليسيون الدنيا كلو ما حايكفيني ، ولا بابور مكرب من قعر بابور اول مشرد في السودان حا يجيب راسي ، ولا ونسة اللقويا لبط التي كانت تمارس نوع مغاير من التشرد وتعرف كيف تحمي الحفلات من الكداينه زي ما كانت تسميهم عشان ما يفرتقوها ويختصروا متعتها

صاحبك إبراهيم بخيت طاف مجاري وصواريخ العالم بحثآ رصينآ ومحبطآ في الظاهرة وذلك على صفحات الراية

اليوم سوف اعيد قرأة فرسان الرمال ل جورجي أمادو ، ورائعة ابكر آدم إسماعيل لإصطياد حالة إنسانية في الظاهرة

مازلت أذكر هتافهم ، شعلة المظاهرات ، هتافهم الموشى بالراندوق ،،لا كهربه لا مويه ، لن يحكمنا.... الككويه

Post: #7
Title: Re: حكاية ولد يدعى بريستو
Author: Elmosley
Date: 06-15-2003, 04:41 PM
Parent: #1

ياسلام ياخالد العبيد عشت القصه كانني بطلها

Post: #8
Title: Re: حكاية ولد يدعى بريستو
Author: خالد
Date: 06-15-2003, 10:10 PM
Parent: #7

رائع يا انا والله رائع

اسمعني الياس كلمتوا الياس فتح الرحمن وقال بعرفك وانتا صحبوا وبسلم عليك