احتتطب الموت ويا للهول نضير العود

احتتطب الموت ويا للهول نضير العود


05-14-2003, 09:15 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=2&msg=1052900124&rn=0


Post: #1
Title: احتتطب الموت ويا للهول نضير العود
Author: خالد العبيد
Date: 05-14-2003, 09:15 AM

احتطب الموت ويا للهول نضير العود



اشتاق عم مصطفى إلى رفاق دربه الذين ارتحلوا تباعاً ، أخذه الحنين إلى حسن البداني وابوزيد موسى وعبد الرحيم سي سي وفاطمة النقر ويوسف حمد ، ناداه المنادي فاستجاب سريعاً خفيفاً، وبانضباط تام كعادته حين يدق ناقوس العمل الحزبي وفي أحلك الظروف وأقساها .
كان في ريعان الشباب وهو يدلف إلى سن السبعين بقوة، له مقدره فائقة على قهر الزمان كم كان وسيما ورائعاً . أكثر من سبعين شمعة، أطفأ معظمها وهو في رحلات التنقل المعتادة له ما بين شالا، وكوبر، وبور تسودان، ودبك، قال لي مرة انه يفضل شالا كثيرا لان سجن بور سودان تدخله الرطوبة طول العام ، قالها هكذا كأنه يرتشف كوب ماء بارد... أما أهل الإنقاذ فقد أضافوا إلى معتقلاته نوعاً جديدا، فحين أخذوه إلى بيوت الأشباح يومها بكت الحاجة صفية بحرقة لأنها تعرف الطريق إلى كوبر جيدا فمن يقودها إليه الآن في تلك الغرف الموحشة والمجهولة، هناك وضعوه داخل زنزانة مترين في متر واحد لم يذق طعم النوم ولا هبت عليه رياح العافية لكنه كان محيراً لهم ويتسألون يوماً بعد يوم كيف يصمد هذا الشيخ أمام كل هذا العذاب حين يقتادوه يوميا إلى حفلة تعذيب جديدة :
جلوس قيام جلوس قيام جلوس قيام ... وغيرها
وكان يفعلها كأنه فتى في العشرين.. لك المجد يا محير الجلادين.
فمن أين استمد هذا الناحل الممشوق كل هذا الصمود.
جلست معه ذات مرة في حوار توثيقي لجريدة الشبيبة .. كان رجلا حاضر الذهن ومرتب الأفكار لا يحتاج ليضع يده على رأسه كي يتذكر حدثاً في الخمسينات من القرن الماضي، يأخذك بصورة مذهلة إلى التفاصيل ويجعل منك زورق يسبح بهدوء في بحر واسع من التجارب والمعرفة .. حكى لي تفاصيل تأسيس اتحاد الشباب السوداني قال إن المؤتمر التأسيسي كان في حدائق ألبان جديد في الأبيض وكان مهيبا في الحضور شباب وشابات تداعو من مختلف أنحاء السودان فنانين ورياضيين مدرسين وفلاحين وعمال ورش وطلاب مدارس.. تفاصيل هذا الحوار يا حسن الجزولي نشر في جريدة الشبيبة عام 86 أو 87 ... ليت مصطفى كان بيننا ليؤكد لك التاريخ بدقة . بجانب دراسة قيمة عن تاريخ اتحاد الشباب تم إعدادها بعد الحوار مباشرة أتمنى أن يكون الأستاذ المرهف والشاعر الجميل مصطفى بحيري محتفظاً بنسخة منها .
كان يستيقظ عند الخامسة صباحاً يجلس على كرسيه الجميل المتهالك أمام حرم منزله الذي حوله بامكانيات قليلة إلى حديقة رائعة الجمال مخضرة من جميع جوانبها صنع سورها من بقايا حديد متهالك لتخفف عنه حرارة الشمس ويقتل بها وقته تجده مشغولا بها يزرع هنا ويروي هناك ويختار أنواع محددة من الزروع فقد كان حصيفاً يخطط لمآرب أخرى ! لقد كان يراقب من بين غصونها كلاب الأمن الذين ينشطون حول منزله آناء الليل والنهار ويحصي بدقة كم موتر مر من هنا الخ.. . حديقة وارفة الظلال هل لازالت موجودة يا الصادق أظن إنها الإرث الوحيد الذي تركه ، كان يعتني بها ويحبها مثل حبه لبنته هنادي اصغر كريماته ..
اقرأوا بانتباه هذه الحكاية الجدلية بين البذور والأرض وهنادي : زرته ذات يوم بعد خروجه من المستشفى وقد أجرى عملية في عينيه وكانت عيناه معصوبتان تماماً خشية تسرب الضوء وحين دخلت الغرفة وجدته ممداً وبجواره هنادي تقرا له بصوت هامس آخر ما صدر من جريدة الميدان السرية .. سألها عن الداخل .. وعندما أجابته أشار لها بمواصلة القراءة .. كان يعدل قراءتها في بعض الفقرات ويطلب أن تعيد بعض السطور مرة اخرى بهدوء أكثر، طلبت أن أقرا له رحمة بها لقد كانت هنادي في الصف الرابع الابتدائي ، لكنه رفض بلطف وقال لي : يا خالد دع الأزهار تتفتح ! فاسكتني .
وعم مصطفى لمن لا يعرف كان كشافاً شجاعاً ومن الذين التحقوا بالحركة الكشفية منذ زمن ليس بالقريب ، كان كشافاً متيقظاً دائم الاستعداد ومنتبهاً على الدوام .
وعم مصطفى لمن لا يعرف كان يجيد اللغتين الإنجليزية والروسية بطلاقة ومترجماً ماهراً لها . وكان ايضاً من أميز الذين اثروا تقدم العمل الطباعي على مستوى السودان وبجهوده وحسه الفني أحال مؤسسة القرشي الإعلامية إلى صرح كبير.
وفي يوم 5 ابريل أيام الانتفاضة ونحن في خضم موكب البراري المهيب وجدته فجأة إلى جانبي فقلت له : عم مصطفى الموكب ده ولا أكتوبر ، فرد علي بحزم : أكتوبر إيه واصل واصل واصل ...
مهما كتبت وتذكرت يا سادة وسيدات لن أوفي هذا الرجل العميق حقه وحجمه الطبيعي .. عم مصطفى موسوعة وخزانة من الأسرار عميقة ومستعصية إلا لمن خبره عن قرب ولفترة طويلة وهذا الواجب نرفعه إلى من تبقى من جيله .
أين الصادق مصطفى الشيخ .. هذا الولد النبيه وقد عرفته يشق طريقة في دروب العمل الصحفي بثبات وجداره .. إن عليك دور مهم يا الصادق قم منذ الآن بلملمة كل الأوراق الخاصة بعم مصطفى اسأل أصدقاءه وزملاءه في العمل والمعتقلات .. هل احمد حبيب موجود يا لصادق اذهب إليه بالله عليك وستعرف الكثير وهنالك أسماء تعرفها أنت أكثر مني .. عليك بان توثق كل هذه الحياة النابضة بحب الوطن .
أما أم سها والتي أتخيل منظرها الآن بعد سماعها لهذا الفقد المهيب فطوبى لها ولدمعها الهتون ووجعها الشخصي الذي أبكانا بحرقة كما لم نبكي من قبل .....
أحر آيات التعازي لزوجته المناضلة الحاجة صفية ولابناءه احمد والصادق وهنادي وهويدا والآخرين الذين لا تسعفني الذاكرة باسماءئهم الآن .
وما بنقول حليلو
.. فارس شد حيلو .
. والموت ما بشيلوا .
. ويا بنوتنا غنن وغنن !!!
ابنك الحزين خالد


Post: #2
Title: Re: احتتطب الموت ويا للهول نضير العود
Author: elsharief
Date: 05-14-2003, 05:37 PM
Parent: #1



الاخ خالد العبيد
وجودك فى المنبر تلازم من موت المناضل مصطفى احمد الشيخ ونريد نعرف التاريخ لهؤلاء الذين قدموا للوطن والشعب نريد التوثيق فهل هذا البوست يكون بداية لان هنالك جيل باكملة لايعرف اسهامات هؤلاء الا بعد استشهادهم
ووجود د0 حسن الجزولى وعاطف عبدالله وابوساندرا وام سهى فى هذا المنبر تساعد كثير فى تاريخ ومساهمات المناضل مصطفى احمد الشيخ فى تاسيس اتحاد الشباب السودانى

Post: #3
Title: Re: احتتطب الموت ويا للهول نضير العود
Author: حسن الجزولي
Date: 05-14-2003, 06:30 PM
Parent: #1

الاخ خالد
اشاطرك الاحزان فى رحيل العم الغالى مصطفى احمد الشيخ , واعجبت بالرثاء الجميل الذى سطرته فى حق الفقيد , ولكنى لم افهم بالضبط المعنى من مخاطبتك التى وجهتها لي بخصوص حوارك التوثيقى مع الراحل فى صحيفة الشبيبه , مع تحياتى

الاخ الشريف
شكرا كتير على الثقه واتفق معك على اهمية الموضوع وحيويته

Post: #4
Title: Re: احتتطب الموت ويا للهول نضير العود
Author: أم سهى
Date: 05-14-2003, 09:53 PM
Parent: #3

ثق تماما اخي خالد بانني في نهاية يونيو القادم ساكون بالسودان وسيكون همي الأول والاساسي العمل على توثيق كل ما يمكن توثيقه للراحل المقيم وساعمل والتقي مع كل من اعرف من أصدقاء الفقيد ورفاقه وأولاده وسنعمل سويا في انجاز هذا العمل التاريخي ليكون منارة للأجيال القادة
مع تحيتي

Post: #5
Title: Re: احتتطب الموت ويا للهول نضير العود
Author: هدهد
Date: 05-15-2003, 02:52 PM
Parent: #4

ساقول كما قال ماركيز



لقد فهمت كل شي على الدوام بإستنثاء الموت"1
"