الحكومة السودانية تتهرب من استحقاقاتها

الحكومة السودانية تتهرب من استحقاقاتها


04-29-2003, 04:10 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=2&msg=1051629025&rn=0


Post: #1
Title: الحكومة السودانية تتهرب من استحقاقاتها
Author: خالد عويس
Date: 04-29-2003, 04:10 PM

دارفور فى مرمي التصعيد
الحكومة السودانية تتهرب من استحقاقاتها

خــــالد عويس

التهم التى وزعها جزافا الفريق ابراهيم سليمان والي ولاية شمال دارفور على "عناصر تشادية" شاركت فى الهجوم الذى وقع مؤخرا على عاصمة ولايته تحت غطاء ودعم "الحركة الشعبية لتحرير السودان" ، واشارته الواضحة عبر تصريحات صحفية لدور العقيد جون قرنق فى مدّ حركة تحرير دارفور بالسلاح ، وهو لم ينس كذلك توزيع الاتهامات بالتساوي على ابراهيم دريج وحزب العدالة الذى يقوده خليل ابراهيم ، كل ذلك يندرج تحت طائلة الرغبة المستعرة لدي حكومة الخرطوم فى تجاوز لب القضيّة الى قشورها ، وفى تخطي جوهر الموضوع الى هوامشه . ما حدث فى دارفور ، هو نتيجة طبيعية لتدهور الأحوال يوما بعد يوم طوال فترة حكم الانقاذ ، وعجز هذه الأخيرة عن توفير أبسط الحقوق الانسانية لمواطني دارفور ، وتغذيتها النعرات المناطقية والعرقية بشكل لم يسبق له مثيل فى السودان ، ودعمها قبائل بعينها فى دارفور على حساب مجموعات عرقية أخري فى سياسة لا تختلف كثيرا فى جوهرها عن السياسة الاستعمارية المعروفة (فرّق تسد) ، ولم تكن حكومة الاسلاميين فى الخرطوم تتمتع بأقل قدر من الحكمة فى مواجهة مشكلات مناطقية ظلت تتفجر الواحدة تلو الأخري ، وكانت المبررات جاهزة على الدوام ، فالتهم وزعت بمقدار عادل على أريتريا و"عناصر تشادية" وأوغندا وقبلهم اثيوبيا قبل أن تتحسن علاقات الخرطوم بأديس أبابا .
لئن جاز للاسلاميين الذين يسيطرون على كل مفاصل الدولة منذ يونية 1989م التبروء من مسؤولياتهم فى تعميق الأزمة الوطنية ، وفشلهم الكامل فى تحويل مشروعهم الاحتجاجي الى مشروع دولة ، فلا يجوز أبدا استمرارهم فى سياسة دفن الرؤوس فى الرمال ، التى ستؤدي تاليا لتمزيق هذا الوطن ، واحالته الى وضع يماثل وضع الفتنة الطائفية التى عصفت بلبنان منذ منتصف السبعينات ، ولا يحق لهم التنصل من مسؤولية أخلاقية ووطنية باتت تمليها معطيات الراهن السياسي السوداني الذى ينذر بعواقب كارثية فى ما لو استمر نظام الانقاذ فى التغاضي عن دعوة القوي السياسية فى السودان الى مؤتمر دستوري جامع يقوم بحلحلة القضايا الملتهبة فى الجنوب والشرق والغرب فضلا عن اعادى النظر فى السياسات التى ظلّ ينتهجها الانقاذيون طيلة أربعة عشر عاما مؤدية الى اتساع الفوارق الطبقية ، وتشريد آلاف المدنيين والعسكريين من وظائفهم ، والتحاق أربعة ملايين سوداني بالمهاجر القسرية ، وتدهور العملية التعليمية الى أدني مستوياتها ، وضياع هيبة العملة الوطنية مصحوبا بزلزال اقتصادي الحق ضررا فادحا بالبني الاجتماعية والمجتمعية والثقافية والفكرية السودانية بما يصح وصفه بأنه أحدث تغييرات جذرية فى السودان كان أبرز علاماتها الفارقة احتلال السودان لمرتبة ثابتة لا تتزعزع بين الدول الخمس الأكثر فقرا فى العالم ، وتعميق المشكلات القائمة كمشكلة السودان فى جنوبه ليتم تدويلها وتلوح فى الأفق بوادر تمزيق السودان الى دويلات عدة فى الجنوب والشرق والشمال والغرب ، فضلا عن وضع حقوق الانسان الذى تعاملت معه الانقاذ بأسلوب أعاد للأذهان الحقبة التركية التى شهدت فظائع رهيبة من الانتهاكات واذلال المواطنين ، فما الذى تطمح الانقاذ فى الوصول اليه أكثر من هذا الانحطاط ؟
على العقلاء من الاسلاميين القبول بعقد مؤتمر دستوري عاجل لــ"انقاذ" الوضع ، فعلي عكس ادعاءات حاكم شمال دارفور ، لا يمكن النظر الى مشكلة عميقة فى ناحيتها الاجتماعية ، وفى صعيدها الاقتصادي ، وفى أبعادها السياسية بمثل هذا التبسيط والحجج الساذجة . ان الوضع فى دارفور لا يختلف كثيرا عن مناطق السودان الأخري التى كبلتها سلطة الانقاذ باستحقاقات مرهقة ، مثلّت فى الحد الأدني منعا من المشاركة السياسية ، وفى الحد الأعلي الافقار بعينه !!
ان مشكلة السودان ، تكمن فى استئثار فئة قليلة بالسلطة و"الثروة" ، تتحكم فى الآخرين بالترويع والارعاب ، وتماطل فى انجاز تحوّل ديمقراطي ينشده السودانيون ويكفل لهم تمتعهم بحقوقهم كافة ، لتصبح تطلعاتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية المشروعة مكفولة بحكم الدستور ، ومحكومة بالتداول والحوار السلمي عوضا عن البنادق ، وتستطيع الانقاذ أن تتعامل مع هذه القضايا بروح من عدم المسؤولية منقطعة النظير رغبة فى البقاء فى السلطة بأى ثمن ، لكن استحقاقات أخري اقليمية ودولية ستتجلي فى المستقبل القريب لتضع الانقاذ أمام امتحان وطني آخر ، ولن يكون بمقدور الانقاذ أن تستمر فى التبرير وتقديم الحجج الواهية حين تزداد الحلقات ضيقا ، فالوضع فى الجنوب برغم الضغوط الأمريكية فى اتجاه السلام ، لا يبشر بخير ، والوضع فى شرق السودان قابل للانفجار فى أى لحظة ، وحكومة (التبريرات) هذه تحلم برضي أمريكي كامل بعد التعاونات الاستخباراتية الكبيرة فى اعقاب 11 ايلول سبتمبر ، لكنها تنسي او تتغافل عن ملفات ما زالت بحوزة واشنطن لم يتم طيها ، وتتعامي عن معطيات اقليمية واضحة وضوح الشمس ، ويغيب عن أذهان صانعي قرارها مراكز صناعة القرار المختلفة فى واشنطن ، وبعضها يكن أشدّ العداء للانقاذ ويتهمها بدعم الارهاب سابقا وبانتهاكات واسعة لحقوق الانسان حاليا ، ولابد أن هذا التيار الذى يجد تشجيعا ودعما من الدوائر اليمينية والصهيونية سيتغلب فى لحظة ما على نظيره الذى يتعاطي مع الخرطوم بهدف المصلحة الاقتصادية ، وسيكون باستطاعة التيار الأول ابراز ملفات ساخنة فى وجه الخرطوم وممارسة ضغوط أكبر عليها بهدف تسليم عدد من رموز الحكم الى محكمة جرائم الحرب الدولية ، وهو ملف ما فتئت بعض الصحف الأمريكية القريبة من اليمين تلوّح به ، ناهيك عن اعتبار هؤلاء السودان فى ظل الانقاذ بيئة مخصّبة للارهاب الديني ، لا يمكن التغاضي عن المهددات المستقبلية التى يضمرها للولايات المتحدة ، فهل سيتصرف الاسلاميون بوازع وطني واخلاقي يهدف لخفض تلك المخاطر كلها ، أم علينا أن ننتظر تفاقما فى أزمة دارفور واشتعالات داخلية أخري متوقعة ، فضلا عن امكانية التدخل الخارجي لاخماد (الحروب الاهلية فى السودان) ؟

* كاتب وصحفي سوداني مقيم فى الرياض