.كمـــا يشتـهــى الورد .. الى زاريا .. منوت .. والبقية

.كمـــا يشتـهــى الورد .. الى زاريا .. منوت .. والبقية


04-24-2003, 11:09 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=2&msg=1051222155&rn=1


Post: #1
Title: .كمـــا يشتـهــى الورد .. الى زاريا .. منوت .. والبقية
Author: خضر حسين
Date: 04-24-2003, 11:09 PM
Parent: #0

.كمـــا يشتـهــى الورد


الى زاريا .. منوت .. والبقية
فى عالـم نسى الحب وتفرغ للحرب


جمعتها وخرجت .. باقة منتقاة من الأحباطات والهواجس والهموم .. كان خروجى فى ساعة متأخرة من الليل .. حبيبات رذاذ لا تزال تتساقط فى تلك الليلة الخريفية ايذانا بتوقف هطول أمطار غزيرة استمرت لأكثر من ثلاثة أيام متتالية .. خليط من رائحة الرطوبة وروث الأبقار الذى أصابه البلل بعد تيبسه .. تزكم أنفى وتزيد صدرى ضيقا على ضيقه. كانت قدماى هما اللتان تقودانى الى حيث جهة لا أعلمها، بينما كنت أجتر شريطا من الذكريات، منها الكثير المؤلم وقليل منها المفرح، ومنها ما بهتت ملامحها وتداعت صورها حتى بدت وكأنها طائرات من الورق تجاوزت خط الأفق بقليل لتصبح خارج مدى الألتقاط .. ساعتها كنت مهيئا تماما لأكثرها ايلاما للنفس .. لا أدرى لماذا، هل لأن الحزن يحفر بعيدا فى الأعماق بينما الفرح يختار دائما السطح؟ لا علينا، لم أكن أحس بالمارة ـ على قلتهم ـ وأصواتهم التى تتعالى حينا بعد حين .. المسافة تقترب .. لكن الى لا شئ، والعقل متعطل لا يقوى على التفكير، والنفس مجهدة حد الموت .. لا أحد يقتسم معها شيئا، جميعهم بعيدون ، وهم وحدهم، الملاذات الآمنة .. الذكريات تتدافع تدافعا الى خلايا الذاكرة دونما ترتيب .. هــى : كم من الزمن سيكون عمر علاقتنا هذه

أنــا: كم من الزمن سنعيش؟
وتتدافع الذكريات وتتداخل الصور .. النشيشيبة.. رائحة البمبان تتصاعد الى أنفى .. أصوات هتافات تتعالى .. وحدة قوية طلابية ضد الجبهة الفاشستية .. سرايا الأمن .. صراخ يتعالى من الزنزانة المجاورة .. أصدقاء حميمون تبتلعهم المنافى .. وآخرون قدمناهم قرابينا لفجر لا يأتى .. لم تجف مآقينا من وداع أولئك حتى امتلأت دموعا وحزنا على الرحيل الأبدى لهؤلاء .. آمال وأحلام عراض تذهب أدراج الرياح .. كأنها ظلال للوحة لم تتم، نضفى اليها ألوانا أخرى وأبعادا أخرى لكنها لن تتم .. كأننا على موعد مع الأرق الانهـائى .. وتتدافع المشاهد .. أمى وهى تودعنى وتلاحقنى بالدعوات .. ان شاء الله ربنا يعليك ويديك الفى مرادك بركة بطنى الشالتك وشطرى اللجاك .. يغتيك ويضاريك من كل شيا يجيك .. ويجيبك سالم وغانـ.. .. ..
فجأة أخرجنى من ذلك العالم صريرعجلات عربة على الشارع الأسفلت، العربة يدفعها رجل وامرأة، كل منهما يشد من أزر الآخر، هـى ـ أقصد العربة ـليست بمحركات ولا كتلك التى أنتجتها تنكنولوجيا العصر وزودتهابألوان متباينة من أسباب الرفاهية، هى ببساطة شديدة أشبه بتربيزة عريضة مثبت عليها أربع عجلات كى تقتسم مع من يجرها عناء الدفع وتعب المشوار ، وقد وضع عليها صاحبها أصناف من الفواكه عديدة .. وميزان، كحال جميع الباعة المتجولين فى الهند .. الصرير يتعالى كلما اقتربنا من بعضنا البعض وفى الوقت نفسه تتضح التفاصيل، هذا المشهد أخرجنى جزئيا من الحال التىكنت عليها وأحسست بقليل من الأرتياح، ودون أن أشعر استوقفتهما، بالطبع لم تكن لدى رغبة فى الشراء، ولا فى التحدث اليهما، لأننى لا أجيد اللغة الهندية ومثلهما قطعا لا يجيد الأنجليزية، لعلنى أردت أن أستبقيهما بعض الوقت خوفا من الهواجس التى كانت تعترينى، لكن ثمة شئ لفت نظرى وأدهشنى فى ذات الوقت .. هو وجود طفل نائم فى الجانب الخالى من العربة .. يغط فى سبات عميق على الرغم من خشونة الفراش الذى يتوسده، ينتظر أو على الأصح ينتظره مستقبل مجهول وبالتأكيد مظلم .. فسوف لن يذهب الى المدرسة، ومن المؤطد أن أبواه سيرسلانه للعمل قبل أن يبلغ السابعة، وسيتقاضى راتبا ضيئلا .. وسوف لن يستطيع شراء قطعة من الحلوى من راتبه لأن عليه أن يقوم بتسليمه كاملا لأبويه والأ فسيعاقبانه وربما طرداه من المنزل فى تلك السن المبكرة .. و .. و .. ، دفعت لهما ثمن ما اشتريت فأخذاه فرحين به كأنه غاية ما يرجوانه من هذه الدنيا، حين ابتعدت العربة قليلا منى، ابتسمت ساخرا من نفسى، فبعد قليل سأعود لمنزلى، وسأتناول عشائى، وأشاهد التلفاز، وأتحدث الى أصدقائى الذين أشاركهم السكن .. بينما يكافح الكثيرون فى هذا العالم لأجل البقاء وفى سبيل أن يظلوا أحياء ..
وظل هنالك سؤال يدور فى خاطرى ويلح علي .. لماذا نسعى ـ دائما ـ لقتل أنفسنا بجعلهـا رهن فرد وذكرى؟ .. .. منذ ذلك اليوم وأنا أحاول أن أبدأ الحياة وفق ما يشتهى الورد