محاضرة د.حيدر ابراهيم بالمركز العالمي لثقافة السلام في الأربعاء 25-2الفكر الإسلامي بين التحرير

محاضرة د.حيدر ابراهيم بالمركز العالمي لثقافة السلام في الأربعاء 25-2الفكر الإسلامي بين التحرير


02-22-2009, 06:28 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=190&msg=1235323686&rn=0


Post: #1
Title: محاضرة د.حيدر ابراهيم بالمركز العالمي لثقافة السلام في الأربعاء 25-2الفكر الإسلامي بين التحرير
Author: د.عادل سلمان
Date: 02-22-2009, 06:28 PM

المركز العالمي لثقافة السلام
الفكر الإسلامي بين التحرير والتجديد والعلمنة
د. حيدر إبراهيم علي

كان الكثيرون وأغلب الإتجاهات الفكرية والتكوينات الإجتماعية تظن منذ فترة طويلة أن الظاهرة الدينية ذات علاقة عكسية مع التطورات العلمية والإجتماعية والثقافية التي سادت العصر الحديث ، ولكن الدين ظهر بأشكال جديدة وأظهر حضوراً واضحاً بل وضاغطاً في كثير من المجتمعات البشرية . ولم تكن المجتمعات الصناعية المتقدمة إستثناءًولكن في المجتمعات العالمثالثية كان دور الدين أكثر تعقيداً بسبب تأثيراته في مجال التنمية والنهضة لأن البعض إعتبره معوقاً للتقدم بسبب محافظته وممنوعاته ومحرماته التي تقف ضد التجديد والمغامره . والناس العاديين ، لأنه أصبح قضية محورية تمس كل مجالات الحياة وليس مجرد معتقد .
كان العالم الإسلامي الأكثر إنشغالاً بالدين من نواحي متعددة . فالصدام المتوقع مع الحضارات يضع الحضارة الإسلامية في مقدمة الحضارات التي سوف تتناقض مع القيم الجديدة التي تدعي العالمية وبالذات فكرة الليبرالية . ويلاحظ البعض إحتمالات نشوب حرب مجتمعية باردة بين الغرب و الإسلام تقف فيها أوروبا على خط المواجهة . وقد عرف العالم صراع الجهاد والصليب وقد ميز العقيدتين عن الأديان العالمية الأخرى . ويورد "هنتنجتون" مجموعة من العوامل التي زادت الصراع بين الإسلام والغرب خلال السنوات المااضية منها :
1. تسبب النمو السكاني الإسلامي الهائل أعداداً كبيرة من الشبان والعاطلين الذين أصبحوا مجندين للقضايا الإسلامية ويشكلون ضغطاً على المجتمعات المجاورة ويهاجرون إلى الغرب .
2. أعطت الصحوة الإسلامية ثقة متجددة للمسلمين في طبيعة وقدرة حضارتهم وقيمهم المتميزة مقارنةً بتلك التي لدى الغرب .
3. الجهود الغربية المستمرة لتعميم قيمه ومؤسساته من الحفاظ على تفوقه العسكري والإقتصادي ، والتدخل في الصراعات في العالم الإسلامي تولد إستياءً شديداًً للمسلمين .
4. سقوط الشيوعية أزال عدواً مشتركاً للغرب والإسلام وترك كل منهما لكي يصبح الخطر المتصور على الآخر .
5. الإحتكاك والإمتزاج المتزايد بين المسلمين والغربيين يثير في كل من الجانبين إحساساً بهويته الخاصة وكيف أنها مختلفة عن هوية الآخر .
كان هذا التحليل قبل الحادي عشر من سبتمبر وقبل غزو العراق والتفجيرات التي أطالت مدريد والرياض ، والتهديدات المستمرة من الجماعات المتطرفة . وقد إنعكس ذلك التعامل مع المسلمين بصورة سلبية للغاية جعلت من التفاهم والتمازج مهمة صعبة لإرتفاع فواصل عديدة بين المسلمين والغربيين . وعلى مستوى الحرب الفكرية طرحت الولايات المتحدة الأمريكية مروع الشرق الأوسط الأكبر الذي سوف يناقش في يونيو - حزيران القادم من قبل الدول الصناعية الكبرى . والذي يمثل الإستراتيجية الغربية – وليس فقط الأمريكية في التعامل مع المسلمين . لأن مفهوم الشرق الأوسط الأكبر ليس مجرد تحديد جغرافي أو سياسي بل حضاري إذ يضم معظم المسلمين في العالم ويمكن القول بأن المسلمين أصبحوا مطالبين أكثر من أي وقت في التاريخ بمواجهة هذه التحديات الصعبة . فكيف تكون الإستجابة من دين يمتلك كل هذه الطاقة الروحية والتي يحولها أصحابها إلى إنجازات مادية تمكنه من التنافس في هذا الكوكب ومن رفع مستوى حياة شعوبه كمياً وكيفياً . وزادت موجة العودة إلى الدين بأشكال متنوعة ولكن تتفق كلها حول أنها دفاع عن الذات . ويبقى السؤال : ماهو الدين الذي عاد إليه المسلمون ؟ هل هو مجتمع المدينة أم الأندلس أم تركيا العثمانية ؟ ويحاول المسلمون جاهدين الحفاظ على "جوهر الدين" أو مايسمونه "بثوابت الدين" وفي نفس الوقت أن يكونوا معاصرين وجزءاً من صيرورة العولمة الحالية التي يستحيل أن تستثني أحداً .
يواجه المسلمون حتمية التغيير والتكيف معاً وهذا هو مايطرح السؤال – العنوان لهذه الورقة .
هل سيندرج الفكر الإسلامي في عملية تتأسى بلاهوت التحرير الذي حاول أن يتبني متغيرات الواقع بالذات فيما يتعلق بالعدالة والمساواة والمشاركة السياسية ؟ هل يقدم المسلمون على تجديد الفكر الديني بلا تردد أو تحفظات وحساسيات ؟ وهل مازال الدين متعالياً ومقدساً لم تؤثر عليه العلمنة بل يقصد مضاداً صمداً ضد كل مظاهرها؟ كيف تتصرف المنظومة المفاهيمية والفكرية مع هذا الواقع الجديد وهل تحافظ على ماتعتبره ثابتاً ومتعالياً على الزمان والناس ؟

رؤية سوسيولوجية للدين

إهتم الإجتماعيون بدراسة الدين كظاهرة إنسانية هامة شديدة التأثير على العلاقات الإجتماعية والثقافية ، بل يعتقد باحثون أن علم الإجتماع في جوهره بديل للتفسير الثيولوجي أو اللاهوتي للظواهر الإجتماعية . فقد كان الدين أو اللاهوت هو أداة إدراك الإنسان لعالمه الطبيعي والإجتماعي والأخلاقي ، لذلك فإن وضعية كُونت كانت تهدف لتاكيد الإحلال أو التحول من هيمنة الفكر الديني على عملية فهم أو رؤية العالم . ولكن برز السؤال الهام : كيف يمكن عملياً أن يحافظ علم الإجتماع على حياده وموضوعيته تجاه دراسة الدين وهو الذي أبعده ونقده كرؤية ؟ هذا التوتر في علم الإجتماع لم يبعده تماماً ، رغم أن الإجتماعيين أصبحوا أكثر حذراً في إدعاءاتهم ، مالوا إلى إثبات تدهور الدين كعملية إجتماعية ، وليس إلى إعلان مانفيستو أو بيان إجتماعي مثل البين الشيوعي . لذلك توقفوا عن تقديم علم الإجتماع في حد ذاته كمصدر بديل لوصف النظام الإجتماعي . والإهتمام بوظيفة الدين في المجتمع . وهذا ماجعل الإجتماعيين الأوائل يهتمون بالدين ، مثل "ماكس فيبر" في تفسيره للعقلانيه الغربية وتطور الرأسمالية والنظام الإجتماعي الإقتصادي الغربي . ويلاحظ إهتمام الإجتماعي بالوظيفة ، ولذلك يقول"Kingsley Davis" : أنه قصة مفيدة مفيدة لكنها قد تكون غير صحيحة . فالوظيفة لديها جاذبيتها لدى الإجتماعيين . مثل الوظيفة الكامنة في الدين مثلاً نظرية الحرمان النسبي في فهم الدين أي إستجابة تعويضية للمحرومين .
كان لابدأن تختلف مداخل الإجتماعيين في دراسة الدين "فليس على السوسيولوجيا أن تدرس جوهر الظاهرة الدينية بل السلوك الذي تتيحه الظاهرة كونها تستند إلى بعض التجارب وإلبى تصورات محددة " . "لذلك فالمهم لديهم هو السلوك المعبر عن المتدين" ، وليس المطلوب التأمل في القيمة الخاصة بالعقائد و النظريات اللاهوتية المتنافسة وبالفلسفات الدينية ولا حتى في شرعية الإيمان بالعالم الآخر بل لدراسة السلوك الديني كنشاط إنساني في هذا العالم يتوجه بصورة معبرة وفقاً لأهداف عادية . ليس المقصود إتخاذ موقف من الدين (مثل إنكار أو إحتقار الوضعيين) إنما فهم تأثير السلوك الديني على بقية النشاطات الأخلاقية والإقتصادية والسياسية أو الفنية . وهذا ماحدا بأركون أن يقول بأنه ليس من المهم إثبات قوة عقلانية العقائد الدينية لأنها قد تنحرف عن معايير العقل القائمة على الفرضية والإستنباط والتجريب ، ولكنها تعوض عن هشاشتها العقلانية عن طريق صرامة الضبط النفسي والإجتماعي الذي يتحكم بهذه العقائد . فالمؤمنون انفسهم لايهتمون بالجوانب العقلانية كثيراً في معتقداتهم خاصةً إذا تعارضت مع دوغمائية إيمانهم المطلق ، وهنا يأتي دور الخيال ، فلحداث عند المؤمن تتجاوز كل زمان ومكان وتستعصي على التاريخ :"لا يستطيع عقل المؤمن التقليدي أن يستوعب تاريخية الأحداث التأسيسية والشخصيات الكبرى المنمذجة لأنها تملأ عليه أقطار وعيه ويشعر نحوها برغبة التقديس وبالتالي لا يستطيع أن يهم أنها مشروطة بالتاريخ أو بلحظة محددة في لحظات التاريخ" . فالمتخيل الديني أو المخيال هو فضاء عقلي مليء بالصور ومشحون بالأخيلة والأفكار الموروثة . وهناك كما يقول اركون – قادة سياسيون ، وشيوخ محنكون يعرفون كيف يتلاعبون بهذا المتخيل الديني المغرس في أذهان الشباب والناس العاديين .
تساعد هذه النظرة السوسيولوجية في فهم الظاهرة الدينية بالذات في حالة التحولات والتغييرات التي تطرأ عليها مثل لاهوت التحرير والتجديد والعلمنة . وبالتالي يكون الدين مؤسسة إ جتماعية والعابدة نشاط إجتماعي والعقيدة قوة إجتماعية، ويعتمد كل هذا على تثبيت التجربة الدينية من خلال أشكال رمزية . يرى الإجتماعيون أن المنظومة الرمزية الواحدة هي التي تضم مجموعة ما في تضامن إجتماعي . فالرموز أدوات تواصل نتيجة معرفه تمثل سلطة رمزية تتكون من خلال مايسميه "بورديو" الرأسمالي الرمزي . وهذه خطوة ضرورية في البدء في التعامل مع الدين ، مما يقتضي عدم التورط في نقاشات لالهوتية أو فقهية حول جوهر العقيدة وصحتها ، تكون في النهاية مجرد وقوع في تيه لا نهاية له مليئ بالإتهامات المتبادلة دون الوصول إلى نتائج مقنعة أو إلى قبول الآخر المختلف . وجميع المعارك المثاره الآن هو بسبب إدارة النقاش على أرضية التعامل مع العقيدة كمجموعة أفكار أو أيدولوجيا . ويمكن للمنهج الإجتماعي أن يقربنا كثيراً في فهم الظاهرة دون التوترات الجانبية التي تضر بجميع الأطراف وأخطر مافيها أنها إختلافات مفتعلة .


هل من لاهتوت تحرير إسلامي؟

رغم أنني كتبت كثيراً في هذا الموضوع إلا أنه مازال يشغلني لأنه يقع في الفرضية السوسيولوجية التي تقول بأن بعض الأديان والعقائد قد تكون أكثر مقاومة للتغيير والتحول من عقائد أخرى . وهذا لايعني بأي حال من الأحوال أنها ثابتة تماماً، فهي تخضع للتغيير حتماَ ولكن بجهد أكبر ووقت أطول . ويلاحظ أن العالم الإسلامي لا يشهد حركة تجديدية قوية وفعالة يمكن أن تبشر بإنبثاق لاهوت تحرير إسلامي ، حتى الأمثلة الجينية التي أوردتها في كتاب سابق ، مثل تجربة الأستاذ محمود محمد طه ، علي شريعتي ، حسن حنفي ، تونس مجموعة 15/21 ، لم يحدث لها أي تطوير في إتجاه تأسيس لاهوت إسلامي .
يصعب التحدث عن حركة تقدمية إسلامية معاصرة يمكن تصنيفها ضمن منظومة فكرية تنتمي للاهوت التحرير عموماً بالمعنى الذي يرتكز على جوانب تحرر الإنسان المتدين من الضرورات والأوضاع الإقتصادية – الإجتماعية أي مساعدته في إلغاء الإغتراب بكل تجلياته ، وفي الدين أن يكون "صورة الله" أو خليفته على الأرض . وم يشغل هذا المعنى العقل المسلم لفترات طويلة وحتى الآن رغم التحديات التي سبق ذكرها . وقد لجأ الفكر الإسلامي المعاصر كما يقول "أركون" إلى إعادة التثريث وبالتالي لم يقتحم مناطق جديدة في العقل والمجتمع . وهذا ما أبعده عن إمكانية إنتاج لاهوت تحرير إسلامي والذي يتطلب تفكيراً ، في ضوء الإيمان يتناول الممارسة التاريخية لرجال ونساء إنخرطوا في النضال اليومي ضد الإضطهاد والإستغلال والتبعية . وهو نضال يعبر عن الإيمان ولا يكتفي بأن يكون مجرد حكمة ومعرفة عقلية . وهذا يغير مسيرة اللاهوت أو يقلبها تماماً ، لأنه عوضاًعن الإنطلاق من معطيات التنزيل والسنة وحسب كما يفعل اللاهوت التقليدي، عليه أن ينطلق من الأفعال والمشكلات الناشئة عن علم التاريخ . وهذا يعني الإرتباط بالواقع ومحاولة تفسيره والإسهام في تغييره أيضاً .
يمكن إرجاع تخلف الفكر الإسلامي عن بلوغ مثل هذه المرحلة إلى أسباب تاريخية وإجتماعية بحتة . يرجع "غارودي" السبب الأول في أمريكا اللاتينية إلى حوار الكنيسة أو بعض رجالها مع الفكر الماركسي والذي لعب دوراً كبيراً في هذا التطور اللاهوتي ، خاصةً وأن تلك المنطقة كانت حافلة بالإختمار الثوري "وحيث تبدو الإختلافات الطبقية وتبعية الشعوب تحت مجهر شديد التكبير ، يصبح من المحال الإكتفاء بالتصريحات الكنسية العامة عن "المحبة" في الحقل السياسي أو الإجتماعي ، وعن الإدعاء الوهمي بالبقاء فوق أشكال التعارض وصور الكفاح " . ولا يوجد هذا الوضع الإختصاصي بين المستغلِين والمستغلَين في العالم الإسلامي لأن الوضعية الطبقية والتعارض هما بين الذين يملكون الدين والذين لايملكون . فالقضية الإجتماعية لاتشغل العقل الإسلامي كثيراً مقارنةً بالقضية الثقافية وبالذات إشكالية الصراع الثقافي ثم تأتي مظاهر الهيمنة الإمبريالية الأخرى . لذلك رأى البعض الحركات الأصولية الإسلامية كرد فعل قومي جديد مماثل للفكر القومي التقليدي .
تمثل حركة اليسار الإسلامي رعم محدودية تأثيرها على مستوى الشارع والإنسان العادي ، مقابلاً للاهوت التحرير ، بالذات في محاولة تفسيرها أو تأويلها للدين . وهذا بالضبط ماقصده أحد اللاهوتيين : " أن القارة الفقيرة تحتاج إلى كنيسة فقيرة ، لكنها قوية وغنية ، لأننا لا نريد الكنيسة الإنعكاس بل الكنيسة النبع " . وقد حاولت إحدى مجموعات اليسار الإسلامي إستخدام منهج جديد للإسلام وهذا هو مايسمى بالإجتهاد كما يعتبر إمتداداَ لفكر الإصلاح أو الإحياء الإسلامي الذي بدأه "محمد عبده ، والأفغاني" . ولكن محاولة اليسار أكثر تقدماً من حيث منهج التجديد والموضوعات المطروحة . وقد إنطلق اليسار الإسلامي من نظرية جديدة للمعرفة تحاول تحديد أدوار الوحي والعقل والواقع في تشكيلها . وتصل المقدمة النظرية للإسلاميين التقدميين في هذه الفرضية :" لا يوجد فهم واحد وموحد للإسلام كمحتوى ووظيفة . وليس هذا القول بدعة وتمييعاً للدين . فالإسلام مصدره الوحي والوحي نصوص والنصوص لا تنطق بنفسها لهذا لإختلفت الرؤى والتقييمات بين الصحابة فيتدخل الوحي أوالرسول (ص) ليحسمها .
بالإضافة إلى ضغوط الزمان والمكان وتدخل التاريخ في توجيه الوحي ، هناك إستعداد الرسالة نفسها لتقبل الإختلاف وإضفاء المشروعية عليه والعمل على تأطيره. إن التأويل والصراع جزء من فلسفة القرءان ومنهجه وذلك إعتماداً على نوعية الخطاب المجازي (الرمزي) ودعوته إلى إستقاء الحكمة والتأمل في فضاءات الفكر البشري الواسعة ".
يثير موضوع الوحي جدلاً واسعاً في أوساط المسلمين ويظل السقف الذي لايمكن تجاوزه في الفكر الإسلامي . وهذا يعني وجود ماهو ثابت وبالتالي لايمكن التعامل معه إجتماعياً وتاريخياً وهذا هو النسبي . وكان على المسلمينحل مشكلة الإنسجام بين الوحي والعقل والواقع أوتفاعل الوحي والعقل في ميدان الواقع . وحاول بعضهم تفسير نزول الوحي (القرءان) منجماً وليس دفعة واحدة بأنه دليل على تاريخيته وإنسانيته أكثر من تعاليه وإطلاقيته ، وإستناداًعلى أسباب النزول ، والناسخ والمنسوخ ، وختم النبوءة . ويرى بعضهم في ختم النبوءة حكمة عميقة ، فهي تعطي الإنسان الحق في إستخدام عقله في تطوير الشريعة إنطلاقاَ من مقاصدها . ومن هنا حدد دعاة اليسار الإسلامي مقاصد مثل العدل الإجتماعي والحرية السياسية والإنسانية والتقدم .
يعطي مايسمى بالفهم المقاصدي ، دعاة اليسار الإسلامي أو التجديد الإسلامي عموماً حريةفي الحركة والتفكير لا يقيدها النص كثيراً . ولكن هذا مايثير ضدهم النقد والهجوم بإعتبار أنه في حالة البعد عن النص ماذا يبقى من الإسلام والدين ؟ ويبقى العقل وحده الذي يحدد الأحكام والوسائل المحققه للمقاصد , وينتقد بعض الإسلاميين منهج المقاصد بأنه يختزل الشريعة في عدد محدود من المقاصد ، ففي حالة اليسار الإسلامي إنحصرت في خمسة مقاصد فقط .كما أن الفهم المقاصدي حسب رأي هذا النقد- دعوة للعلمانية، لأن هذه المقاصد تجمع بين المسلمين وغير السلمين فليس من الضروري في هذه الحالة أن يكون الشخص مؤمناً أومسلماً لكي يحقق مقاصد شرع الله . ويختلف نقاد اليسار الإسلامي معه في كون الشريعة منهجاً وليس مجرد مقاصد وإلا نفينا فكرة المقاصد نفسها لأننا نلغي الشريعة . ويتساءل أحدهم : "فهل من مقاصد الشريعة أن ننسخ أحكامها ونتجاوزها بإسم الفهم المقاصدي إي بإسم التقدم المستمر نحو الأفضل " .
يمثل تراجع اليسار الإسلامي تعطيلاً لإحتمالات قيام لاهوت تحرير إسلامي بإعتبار أن هذا اليسار كان يمكن أن يقدم برنامجاً سياسياً وإطاراً فكرياً لحركة إجتماعية جديدة وليس مجرد التجديد الفقهي أو الإجتهاد . لأنه يركز على نظرية متكاملة يريد أن يوظفها في إحداث التغيير. ولا يكتفي بالاجتهدات الجزئية التي تٌحسن امكانية أن تتكيف الأوضاع الاسلامية للمستجدات و التطورات الخارجية . و ظهرت كتابات في الاونة الأخيرة تحاول تقديم لاهوت تحرير ينقصه الفكر الاجتماعي اي الحديث عن التنمية أو الاشتراكية , اذ تفرض قضايا جديدة مثل الدمقراطية و حقوق الانسان ووضعية المرأه نفسها على الفكر و المجتمع .ولذللك تبحث المجموعات الفكرية الحالية عن منهج و معرفة تفتح الباب امام تتطبيق هذه القضايا في الاهتمام الاسلامي و اعطائها اولوية في الواقع و النظر .ومن هذه المجموعات اصحاب المنبر الدولي للحوار الاسلامي و التي تصدر من لندن نشرة تسمى اسلام 21 .وهي تتبنى دعوة جريئة نحو خطاب اسلامي علمي و نسبي في تأويل النص .وتطرح المجموعة تصورا يربط بقوة بين الدين و الواقع ,وهذا ما فعلته كنيسة امريكا اللاتنية ,تقول احدى النشرات: فليس الاسلام بديلا عن الطبيعة الاسلامية و لا ضامنا لازالة الفساد عن الحياة العامة ولا مفتاحا لتغيير طبيعة المجتمعات ولذا فال يوجد عندنا بديلا عن مواجهة الحياه الا بادوات الحياة و مواجهه سننها بسننها و يتطلب ذللك اعلى درجات الفهم و الواقعية .(العدد الخامس تموز 1996)

التجديد و العلمنة

يبدأ اي دين او معتقد مقدس –بالضرورة- في العلمنة حين ينزل الى الناس و يؤمنون به لتبدأ عملية اخضاعه للحياة و التاريخ و كلهما متغير و غير ثابت .ففكرة التجديد أو الاصلاح هي عملية علمنة بامتياز,لأنه يفترض ان يكون النص ثابتا و نهائيا ومطلقا, وبالتالي يتكيف الواقع أو يدخل في شروط النص كما هي .ولأن هذا مستحيل,يتعلمن الدين باستمرار لكي يستمر ولكن الدين يفقد اوصوله ولذللك هنلك من يرى ان الدين الذي يلجأ الى الاصلاح لا يعد دينا .وهذا ينطبق تماما على اسلام الكثيريين وبالذات الأصوليين,لأنهم يرون ان الحياة و المجتمع مجرد انعكاس لما اتى به الدين في البداية مهما تغيرت الظروف الزمانية و المكانية و هذا يفسر سائد لمقولة :- الاسلام صالح لكل زمان و مكان , فقد جاء الاسلام كاملا و بالتالي لا يحتاج لاصلاح أو تجديد أو تحديث فالنموذج المثالي و جد واكتمل في عصر النبي (ص) او مجنمع المدينة .وما علينا الان الا ان نقيس مدى كمال مجتمعاتنا حسب فربها أو بعدها عن ذللك النموذج و ذللك يفسر أي فساد او تدهور في المجتمعات الاسلامية المعاصرة فالانحراف عن الدين في تلك الفترة و الحل بالعودة و ليس بالتجديد او التحديث -حسب رأيهم- لأن الشريعة كاملة ولاتحتاج الى تدخل بشري لاكمال نواقصها .وهنا تكمل اشكالية العديد من الاسلاموين انكار فكرة التغير و محاولة تأكيد الثواب .وفي حالة صحت هذه النظرة تنتفي الحاجة للتطور و عدم وجود مشاكل جديدة على الشريعة ان تحلها. فهم يقدمون اسلاما مكتفيا ذاتيا ولا تأريخي و بالتالي يمكن ان يكون نموذجه في الماضي و ليس في المستقبل .فالتاريخ ثابت و أهم من ذلك الطبيعة البشرية ثابتة .وهذا ما جعل مشاريع الاسلامويين في الحكم فاشلة بسبب انكارهم الطبيعة البشرية المتغيرة و المتنوعة .
يحاول الاسلامويين تأكيد صلاحية الاسلام المطلقة,عقليا, فيجدون انفسهم-بلا قصد- قد علمنوا الدين لأنه بدون هذه العلمنة -الغير مفصودة- يبقى محصورا و دين طائفة صغيرة العدد أو جماعة تاريخية . يقول محمد عمارة :-
(الاسلام دين عالمي .لكن الاسلام كعقيدة وشريعه في كل بيئة من البيئات يفرز و يحدث تأثيرات حضارية و فكرية و ثقافية و اجتماعية عديدة , يحدث بناء حضاريا متكاملا ,هذا البناء يأتي كثمرة لتفاعل النواة الاسلامية اي العقيدة و الشريعة مع البيئة و الواقع و الانسان, مع معطيات المكان وقوى الانتاج ,هنا يحدث التمايز بين البيئات الاسلامية رغم انها تدين جميعا بالعقيدة و الشريعة المتحدة ... اذا عالمية الاسلام لا تعني انكاره للواقع ... هذا واقع الاسلام يتعامل مع الواقع ولا يقفز عليه و يلغيه,العلاقة بين الاسلام كدين و الواقع علاقة وثيقة ومن هنا نزل القرأن منجما...لأن مشكلات الواقع هي التي تستدع النزول)
هذه هي العلمنة بامتياز رغم اصرار الاسلامويين ربط العلمانية بالالحاد وألا دينية فالمقصود زيادة انسنة كل مجالات الحياة ومن هنا نتج تطابق العلمانية secularism و الانسانية humanism. و يؤكد تعريف الموسوعة البريطانية هذا الجانب باعتبار العلمانية:-
(اي حركة في المجتمع تبتعد عن الاخروية, للحياة على هذه الارض. كان هنا لك توجه قوي خلال العصور الوسطى الاوربية عند الاشخاص المتدينين ان يزدروا الامور الانسانية متصلين بالله و حياة ما بعد الموت كرد فعل لهذا الميل ,قدمت العلمانية نقسها خلال عصر النهضة- في تطور الفكر الانساني – عندما بدأ الانسان يبدي اهتمام اكبر بالانجازات الثقافية الانسانية و بامكانية ان يحقق كماله في هذا العالم)
كانت البداية العلمانية في اوروبا ونظرت اليها الكنيسة باعتبارها معادية للمسيحية وهذا سبب الربطب بين العلمنية والالحاد او اللالدينية . ولكن مع تقدم العلمانية سعي البعض اللاهوتيين الي التوفيق بين النظريتين وتحدث بعضهم عن علمانية مسيحية تري ان المسيحية يجب الا تهتم فقط بالمقدس والعالم الاخر وعلي الانسان ان يجد في هذا العالم الفرصة لتطوير القيم المسيحية .
وقالوا بان المعني الحقيقي لرسالة المسيح يمكن ان ينجز ويكتشف في شؤون الحياة اليومية وفي معيشة يومية وحضرية . وهذا فهم يقترب أكثر من المعنى الحرفي لكلمة secular الانجليزية وهي من الكلمة الاتينية saculum التي تعني : هذا الزمن . وفي الاصل هذه الكلمة اللاتينية هي واحدة من كلمتين تشيران الي العالم والاخري هي mundus ويري – كوكس احد المتخصصين في موضوع العلمانية – ان وجود كلمتين مختلفتين للعالم القي بظلاله علي مشكلات لاهوتية خطيرة لانه يدل علي ثنائية او ازدواجية معينة ، غريبة للغاية علي الانجيل . وهذا يعكس لاحقا الفرق بين الفهم المكاني الاغريقي للحقيقة، مقابل الفهم الزمني العبري . عند الاغريق العالم مكان ، موقع ، والاحداث الهامة تحدث في العالم ولكن لايحدث شيئ مهم للعالم . بينما عند العبرانيين وهكذا ، فهم الاغريق الوجود مكانيا وادراك العبرانيون العالم الزمني مقابل الاكون غير المحدود . وفي العصور الوسطى تم تلطيف التناقض بأن يكون العالم المكاني هو الاعلي او الديني ، بينما العالم المتغير هو الادني او الزمني secular . وهذا يعني – عنده – تعتيم الحقيقة الانجيلية التي تؤكد بان تحت ارادة الله تدخل كل الحياة في التاريخ اي علمنة الكون.. وتم استخدام المصطلح بحيث يعني اي انتقال للسلطات او المسؤوليات من الاكليروس الي السلطة السياسية ، خاصة حين اصبح الفصل بين البابا والامبراطور حقيقة واقعية في المسيحية ، حيث تجسد الفصل بين الروحي والزمني (العلماني) في مؤسسات وهذه هي عملية العلمنة ، والان لو تحولت مدرسة او مستشفي – علي سبيل المثال – من الاكليروس الي الادارة العامة ، تسمي علمنة . وكان اكثر الاشكال تطرفا في العلمنة قد ظهر في الثورة الفرنسية التي حرمت الكنيسة من امتيازاتها وممتلكاتها ، كما واجهت تحديات فكرية وفلسفية مثل اعلان دين العقل (روبسبير) . وحاولل نابليون كسب الكنيسة التي كانت تحارب من اجل السيطرة علي النظام التعليمي ونظام الزواج الذي صار مدنيا . وفي عام 1905 حدث الفصل التام للكنيسة عن الدولة واعتبارها هيئة خاصة ولكن لم ينص علي علمانية الدولة في الدستور الفرنسي الا في عام 1946م.
لم تشهد المنطقة العربية الاسلامية الظروف التي تسببت في تسارع عملية العلمنة مثل اوروبا ، اذ يمكن القول بان التحديث هو مولد العلمانية . لان دخول التحضر والتصنيع في غرب اوروبا جعل من الدين في شكل مؤسسة الكنيسة امرا مستحيلا ، لان الكنيسة تتطلب التجانس الثقافي او وجود نخبة قوية مسيطرة تفرض التطابق والتجانس . كذلك توسعت المجتمعات لتشمل مجموعات عديدة : دينية ، اثنية ، لغوية ... الخ . كما تطورت سبل الاتصالات والمواصلات التي اتت بمعرفة متزايدة للتعدد . كما أضعف التحديث البني التراتبية الجامدة التي سمحت باحادية الثقافة . وهذه هي فكرة دوركايم عن تقسيم العمل والتخصص الناتجة عن التوسع الاقتنصادي . وهذا مجتمع فردي ومن ناحية اخري صار الانسان يقوم بتدبير اموره الانسانية وبالتالي كل الشؤون التي تؤثر علي الانسان هي ما يجب ان يقوم به الانسان . ونشا نظام علي الارض حيث تنتشر الحرية والسعادة دون حاجة الي مساندة متعالية او فوق – طبيعية ، نظام انساني تماما جعل الانسان في المركز وانه النقطة التي يدور حولها كل شيئ – كما تقول الادبيات التي توصف ذلك التطور.
عملية العلمنة ظاهرة عامة تعيشها كل المجتمعات مع اختلاف في الدرجة فقط ، ففي القرن الحادي والعشرين لا توجد اي ثقافة تستطيع ان تدعي حصانتها ضد العلمنة مهما كان عمق تدينها الظاهري . وحتي المجتمعات العربية – او بالاصح بالذات – هذه المجتمعات تتعرض الي تاثيرات قوية علي صلابة التمسك الديني في داخلها. ورغم الرفض المعلن والقدح والهجوم علي كل ماله صلة بالعلماني ، تشهد المنطقة عملية علمنة سريعة وهي في بعض جوانبها ما يسمس بالهجمة او الغزو الثقافي . ولكن ما قبل الاسترسال لابد من التنويه لتفريق هام في الماصطلح بين العلمنة والعلمانية فالاولي هي : سيرورة او عملية تاريخية لا يمكن وقفها ، يتخلص فيها المجتمع والثقافي من هيمنة الدين والرؤي الميتافيزيقية المغلقة ، فهي عملية تحرير) ام العلمانية فهي اسم لايدولوجية تعمل كأنها دين جديد.
لاتوجد عملية واحدة للعلمنة ولا شكل خاص للعلمانية ، فهناك عدد من المسارات تختلف حسب ظروف نشاة العلمنة او العلمانية ، وحتي التسميات اختلفت حسب الاوضاع اللائكية laic مشتقة من اللاتينية laicus وهي تعني النا س العاديين او عامة الشعب مقابل الا شخاص الكهنوتيين او الكنيسيين (الكهنة) وهذا معني يبعدها عن تهمة الالحاد ويظهر فيه وصول المعرفة الدينية الي فئات جديدة غير تلك التي احتكرت العالم . ولم تكن اللغة العربية تستخدم المصطلح في توسع ، لذلك سماها جمال الدين الافغانير بالدهريين . واستخدم فرح انطون مصطلح الحيادة عام 1905م . وهذه تسمية جيدة تستبعد كثيرا من الللبس والتهم عن المصطلح اذ يمكن ان تكون العمانية هي الحياد الديني للدولة . ويكتمل ذلك بان يكون الدين شأنا خاصا بالفرد او التخصيص المتزايد للدين . الشعار القائل : امريكا امة واحدة تحت الله وليست تحت الكاثوليكية او الالنجيليكانية او المسيحية البروتستانية ، يؤكد عدم الحادية العلمنة ولكن في نفس الوقت عدم الانشغال بالانقسامات الدينية وانعكاساتها علي الحياة . وهي في بريطانيا كما يعرفها العظمة : " مذهب فكري مستقي من الدين الطبيعي وقائم في اطار فلسفات نفعية ووضعية تري في تحسن الحياة المادية شرطا كافيا لاسعاد البشرية.
تحاول القوى المحافظة في العالم العربي الاسلامي ربط العلمنة والعلمانية بالالحاد ومحاربة الدين . ومثل تلك الحملة ليست لها اي صلة بالدين فهي معركة ايدولوجية تكتسي بالدين واحيانا تصل لغة الحوار فيها حد التهرج . فأنور الجندي يري في العلمانية مؤامرة علي الاسلام وهي نتاج يهودي تلمودي اصيل ويربط العلمانية والماسونية ومخططات الصهيونية والثورة الفرنسية وعصر التنوير كما ان قضية العلمنة حصرت في معركة تطبيق الشريعة الاسلامية ومثل هذا الطرح يتناسي او يغفل العملية التاريخية للعلمنة التي يدخل فيها حتي دعاة الشريعة الاسلاامية انفسهم من خلال عيشهم في هذا العصر واستخدامهم للتكنولوجيا والتاثر بنمط حياة وتفكير يختلفان عن النموذج الذي طبقت فيه الشريعة لاول مرة .
من جهة اخري ، يفسر بعض الدعاة العلمنة بانها حالة مساواتية يبعد فيها الجميع عن احتكار السلطة السياسية لفرض عقيدة معينة . وهنا تتساوي كل الاديان والملعتقدات وتتنافس بحرية والاهم من ذلك بتسامح اي قبول الاخر . وياتي رفضل المتدينيين لانهم يرون في ذلك اجحافا لهم لتميزهم عن الاخرين ، فهم لديهم عقيدة يريدون حمايتها ونشرها وانها مقدسة ولاتحتمل النقد والتجديف وفي ذلك تقليل من تعاليها وقدسيتها حين تعامل مثل بقية العقائد . والدولة في هذه الحالة تحقق الوحدة الوطنية لانها تبشر باي ايمان ولاتنتمي الي اي دين ، وفي نفس الوقت لاتشجع صراحة اللادينية فهي بعيدة عن الاختيار الديني . وتكون لديها قدرة استيعابية لكل الاختلافات والتنوعات التي تميز كثيرا من المجتمعات وتقدم الفرص المتساوية للتعببير مما يقلل احتمالات التناقل العدائي والصدامي بين الثقافات والاديان.
عرف محمد اركون العلمانية بانها : موقف للروح امام مشكلة المعرفة او حق الانسان في معرفة اسرار الكون والمجتمع علي عقله وخبراته ، بهذا لاتكون العلمانية موقفا من الدين فقط .. بل من قضية المعرفة . والعلمانية الفلسفية ليست الكفر انها بحث عن المعرفة يدخل فيها الدين ايضا.. تقول بالدين وتبحث عنه بحثا علميا ولاتقصد هدمه البتة فهدف كل موقف علمي هو فتح الثوب التنكري والتمويهي الذي ارتداه الفكر الاسلامي العربي. ولذلك راها البعض ضرورة فكرية واجتماعية وسياسية لما توفره من حريات . وارتباط نظام العلمانية في الغرب بمضمون ديمقراطي حقق في كثير من الاحيان ما يسمي حرية العقل او الحرية الفلسفية (ميلتون) فقد كانت حركة سياسية وثقافية بمضمون ديمقراطي (لم يحدث) هذا في تركيا لانها جاءت من فوق) وقد تعني في السياق العربي التسامح الديني او قبول اديان اخري والتسلح العقلي اي الاجتهاد . وهي تعطي الفرصة الي التنوع والتمايز والتعايش وتكون بالتالي مبدا اصيلا وضروريا للبشرية كلما نشب الصراع بين استقلالية الفكر وخضوعه.
هذه هي الابعاد الحقيقية لفكرة العلمانية والتي توظف الان في ابتزاز وتخويف الخصوم الفكريين. فقد أصبحت فكرة علماني بديلة لملحد أو كافر وسرعان ماقبل العقل الشعبي والاعلام السطحي مثل هذه التحويرات بسبب غياب الوعي النقدي وفي التدهور التام الذي تعيشه مجتمعاتنا صار من السهل تغذية الوعي الزائف.
الفتوى شكل للعلمنة

ان الاقرار بتغير حضور الاسلام بسبب ظروف خارجية وتنوعه حسب البيئة الجغرافية والجماعات الاجتماعية والظروف التاريخية ومستوي الحداثة والاحتكاك بالاخر ، يعتبر اعترافا ضمنيا بعلمنة ما للاسلام . وقد جاء قول Goldziher ليؤكد ذلك حين ذكر بان الاسلام قد جعل الدين دنيويا حين اراد ان يبني حكما لهذا العالم بوسائل هذا العالم . وحتي محمد عبده يقول بان مصدر السلطة في الاسلام ديني ولكن طبيعتها ووظائفها وحقل تطبيقها مدني في الجوهر وقد تكرر القول بان النص الديني الاسلامي ظهر كاجابة عن اسئلة شتي طرحتها الثقافة في المجتمع العربي – الاسلامي الاول . وبالتالي تتحول مصادر الفكر الاسلامي الي نص – مشروع وهي اربعة مصادر لايكاد النص الاسلامي يخرج عنها وهي : القران الكريم ، السنة ، تجربة الصحابة والاجماع ، ويبدو ان المصادر الاخيرة تم الحاقها بنصوص الوحي ، وبالتالي فان الفكر الاسلامي قد ألبس النص الموحي بالمحدث الثقافي " لان للثقافة سيادة تحتاج الي شرعية ملزمة وهذا ما يدعي محاورة النص الديني للثقافي"
اعتمد المسلمون خلال حياة النبي (ص) علي الوحي في توضيح كيفية السلوك والتصرف في المواقف العادية والمعقدة . واثناء الخلافة الراشدة وحياة الصحابة كان من الممكن اللجوء اليهم في المسائل المستعصية . ولكن تعقدت الحياة واتسعت الدولة وظهرت مشكلات جديدة لم يرد فبها نص او حكم قاطع ومقنع . وازداد الشعور بالحاجة الي نصائح قانونية او فقهية مع الاعداد المتزايدة للاتباع الجدد للدين الجديد والذي يحكم حسب طبيعته الشمولية جميع النواحي الدينية والدنيوية في الحياة اليوميةو للمسلم . كما ان وجود قوانين وعادات بين الشعوب التي اخضعت كلن يجب ان تنسق بطريقة او اخري مع التعاليم الجديدة وان تتكامل مع الجسم الفقهي الاسلامي الناشئي . كل هذا اقتضي قيام مؤسسة الفتوي حيث لعب المفتي دورا هاما في تاسيس القانون الاسلامي خلال الاستجابات لاسئلة ومشكلات الناس . واصبحت مثل هذه الفتنوي مصدرا هاما للقوانين الاسلامية لذلك حذر الطرطوشي من تعليم العامة وامتهانهم الافتاء معتبرين تفقه الرعاع فساد الدنيا وتفقه السفلة فساد الدين . ويبدو ان هذه الشروط تهدف الي تقوية سلطة المفتي وعدم فتح الباب الا لقلة او نخبة تكون قريبة من السلطات وذات ولاء. رغم انه نظريا – يجب ان يكون مستقلا لانه يختلف عن القاضي الذي يمثل صوت السلطة او وكيلها.
الفتوي عمل وضعي ودنيوي رغم ارتباطه الديني والمتابع بسوسيولوجية الفتوي يمكن ان يتوصل الي نسبيتها فهي تتغير باستمرار حسب ظروف المكان والزمان المعاش . فالفتوي تتعلق بجانب تشريعي اي تتطلب بيان حكم الشريعة في وضع عام لها من اصول الشريعة الاسلامية " وتظهر علمانية الفقه والفتوي ، في قول البشري بانه مع اتساع الدولة وظهور امور مستجدة على احكام التشريع الاسلامي ، ومن الأمصار المفتوحة واحوالها ونظم عيشتهم احتاج ذلك الي اجتهاد وفقه جديد . ويقرر : " كان الفقه ينمو ويتطور بواسطة عمل اهلي شعبي بعيد عن نشاط الدولة واجهزتها. هذا الوضع الشعبي التلقائي صان الشريعة من ان تكون مجالا لتدخل ما رايناه من حكومات عصور الاضطرابب في التاريخ الاسلامي.
الدليل علي علمنة الفتوي والفقه عموما هو الخصائص التشريعية لكل عصر ، فعلي سبيل المثال في العصر العباسي ، ظهر اشتداد الخلاف بين مدرستي اهل الراي والحديث ، نهوض الفقه نهضة عظيمة وشموله لنواح مختلفة في الحياة العملية وبالتالي نشات المذاهب الفقهية المتعددة ، وتم تدوين السنة والفقه واصوله ، كذلك ظهور الفقه التقديري الذي لايقف عند الحوادث التي تقع فقط بل يتجاوزها الي افتراض الوقائع وتقدير الاحكام الملائمة لها ، وكان للمذهب الحنفي عناية خاصة بهذا اللون من الفقه ، كثرة الاراء والفتاوي في المسالة الواحدة وبروز المذاهب الاجلتهادية . وقد تحددت المدارس الفقهية جغرافيا وسوسيولوجيا مثل المدينة مع مالك والمدرسة العراقية ابو حنيفة والسورية الاوزاعي. وقد استشهد ابو حنيفة باعتماده علي الكتاب والسنة واستخدام القياس والاستحسان وتوسع في الاجماع واعتبر الاعراف الصحيحة من الاصول التي يمكن الرجوع اليها اذا كانت عامة ولم تخالف نصا واعتبر الاعراف الصحيحة من الاصول التي يمكن الرجوع اليها اذا كانت عامة ولم تحالف نصا ورد في الكتاب والسنة او الاجماع . اما مالك فقد مال الي الحديث والمصلحة المرسلة ولا ستحسان . ويلاحظ انهم قبلوا العرف و هو كما يحدده الغزالي : ما استقر في النفوس وحهة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول ، او ما يعتاده الناس ذو الطباع السليمة من اهل قطر اسلامي بشرط الا يخالف نصا شرعيا . والعرف وضعي ايضا هذا وقد قبل الناس اختلاف النا س في المذهب الواحد او عدولهم عن قتاويهم السابقة وهو ما يطلق عليها الفقهاء بانه اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان . ويكتب كولسون عن الخلافات التي وقعت في فروع الفقه في مدرستي الكوفة والمدينة " فسنجد ان نظرتهما العامة وموقف كل منهما انما خضع للظروف الخاصة به فالروح المحافظة المتمسكة بالموروث هي السمة المميزة لفقهاء المدينة المبكرين ، علي حين استلهم زملاؤهم الكوفيون روح البحث والتفكير الحر ، نظرا لحياتهم في مجتمع تاسس حديثا ،وليست له هذه الجذور التي تربطه بالماضي مثل مجتمع المدينة . ويضيف بان مدرسة الكوفة كانت من الناحية الجغرافية اكثر اتصالا بالنظم القانونية الاجنبية . وقد عكست الحالة القانونية للعبيد في المدينة مركزهم كاعضاء مقبولين بين افراد العائلة ، فكانت لهم ضمن ما نعموا به اهلية للتملك ، ولكن قنن اهل الكوفة لاهليتهم هذه بمنطق صارم أساسه انه اذا كانت ذواتهم مملوكة فلا يتحملون الحق في التملك وينبع هذا الموقف الموقف المنهجي الي حد كبير من التائر بالقانون الروماني ومن التميز الطبقي الحاد في مجتمع الكوفة ايضا . ويعطي احمد امين امثلة عديدة لاثر اختلاف البنيات علي التشريع ، فعلي سبيل المثالل يقول : طرف اهل الحجاز ورقة شعورهم وانهم في ذلك العصر فاقوا اهل العراق . تشدد اهل العراق كان وليد الفرس " يضيف: الحجاز كان به ارستقراطية العرب وهم العنصر الفاتح وقد نال هؤلاء الارستقراطيون خير الجواري وارفعهن نسبا واكثرهن تادبا ومنهن من تربي ببيت الملوك والامراء وتادب باداب الحضارة ، فنقلن ذلك الي الحجاز وصبغته بالصبغة العربية " ويقول عن العراق انه قطر اسس علي مدنيات قديمة لهم علم ماثور وهو قطر غني يتوافر فيه العيش فيجد الناس من اوقاتهم ما يسمح لهم بالعلم . لذلك كان اهله الاكثر جدالا ، فكان طبيعيا ان يكون مصدرل للكثير من المذاهب الدينية.
ومن اهم مظاهر العلمنة في الفتوي استخدام ما يسمى بالحيل الفقهية وهي تعادل مصطلح legal fictions بمعني الفروض القانونية . وفي نظام الحيل تستغل فيه حرفية التشريع القائم بقصد تطويعه لتحقيق اهداف قد تخالف روح هذا التشريع مخالفة اساسية ( مع ملاحظة عدم الخروج عن النص الحرفي) ويقولون ان المهم علاقة الافعال بمالاتها من حيث موافقة قصد الفاعل مقاصد الشريعة او مخالفته اياها . وبعرفه الشاطبي : تقديم عمل ظاهر الجواز لابطال حكم شرعي وتحويله في الظاهر الي حكم اخر ، فمال العمل فيها خرم قواعد الشريعة في الواقع ، كالواهب ماله عند راس الحول فرارا من الزكاة . ولكن المالكية حرموا الحيل ، اما الاحناف والشافعية وما بعدها فلم يحكموا ببطلان مثل هذه الحيل .
يمكن تتبع اثر العلمنة علي الفتوي من خلال التركيز علي نوع معين من الفتاوي في فترة تاريخية معينة . فهذه الايام يهتم رجال الدين بفتاوي ترتبط بالتكونولوجيا والاكتشافات العلمية . وهذا وضع جديد واغلب المشكلات الراهنة جديدة ، لذلك يلجا الفقهاء الي القياس والذي يكون في كثير من الاحوال متعسفا .
خاتمة :
يواجه الدين تحديات كبيرة في عصر العولمة حيث تغمر التدفقات الثقافية الاتية من الخارج كل المجتمعات من خلال وسائل الاتصال والمواصلات والاقتصاد الاستهلاكي ، وهذا ما يجعل العالم يعيش حالة من الحراك السريع دون وجود بدائل اكثر انسانية . والدين له لغة واليات وفهم خاص به يختلف عن العلم او الفلسفة مثلا ولكنه كان طوال تاريخه يحاول تقديم الطمانينة والامل للمؤمنين . اما في هذا العصر فقد انزاحت اليقينيات التي كان يعتمد عليها الدين وصارت كل الاشياء نسبية ومتغيرة . كذلك مضي عهد الايدولوجيات الكبري واليوتوبيات ، ويبدو العالم ساحة لصراع سيطول . ولم تستطع العولمة حتي الان ابراز الوجه الاكثر انسانية ، وما هو ظاهر الان هو الهيمنة والعنف وغياب المستقبل.