Quote: ( بِتينْ يا الله مِنْ هَاذي المحلَّة نقومْ .. وبِتينْ يا الله نِتْعَدَّى بلاد الشُّومْ .. ونمشي هِناك ونلقى الحبيبْ وفي طيَّاتو نُّومْ .. وفَدْ ليلة ليلاً وإنْ شا الله القيامة تقومْ .. ) .
{شكراً أخي الكباشي على إيرادك لهذا البوست المهم ورغم إيماني بأن المداخلات الخفيفة هي الألطف إلا أنني رأيت إيراد هذه الدراسة لعلها تكون معيناً لمن لا يعرف الكثير عن هذا الضرب من الفنون القولية}
دراسة حول الأدب الشعبي السوداني {الدوبيت}
نتناول في هذه الدراسة الدوبيت السوداني بإعتباره من أهم الفنون القولية السودانية الشعبية وأساس الكلام السوداني المقفى وإن تناولناه في دراسات شاملة في الجزء الأول من موسوعتنا الشعبية الأدبية والذي جاء تحت عنوان{ نظرات في الهمبتة والدوبيت السوداني} غير أن أهميته تفرض علينا أن نورد عنه هذه الدراسة وستشمل الحديث عن مسمياته ومعناه وأصله ونشأته ولغته وأنواعه وذلك على النحو التالي: أولاً/ مسمياته ومعناه وأصله ونشأته: وردت كلمة دوبيت في القاموس العامي بمعنى وزن الشعر المعروف، والكلمة مكونة من مقطعين هما (دو) بمعنى اثنين بالفارسية، و(بيت) وتعني البيت من الشعر بالعربية ويصبح معنى المصطلح بيتين. وهذا التفسير وقع عليه أغلب الباحثون وهناك من يخالفهم في هذا التفسير كالباحث الكبير ميرغني ديشاب فهو يرى أن المصطلح كلمه واحدة نشأت في اللسان العامي السوداني وليس لها علاقة باللغة الفارسية وقد أدى النطق الخاطئ لها إلى هذا التفسير الخاطئ لأن كلمة (دو) بضم الدال هي الكلمة الفارسية التي تعني الرقم إثنين وليس دو بالإمالة الطويلة المضمومة في دالها. وقد عرفه الأستاذان محمد الواثق وعبد القادر محمود في كتابهما (الدوبيت): (إنه شعر شعبي سماعي يرتكز على الإنشاد تميزه نغمة وزن تقوم على التداعي والربط الصوتي ولا يكترث فيه للرسم الكتابي للمفردة) . وعن مسمياته قال الباحثان:" بأنه قد غلب على هذا الفن مسمى الدوبيت، وإن لم يشر أي من شعرائه إلى هذا المصطلح نصاً في رباعياتهم التي تناهت إلينا، بيد أن كلمة (دوبى) كثيرة الدوران في الأنماط لهذا الفن وتجيئ (دوبى) في كل هذا بمعنى أنشد، ومنها يشتق دوباي لا دوبيت، ولم ترد كلمة دوبى في المعاجم العربية، مما يجعلها من الدخيل على العامية السودانية ولا يستبعد أنها بيجاوية" . وقد ذكر الأستاذ الباحث الطيب محمد الطيب أن كلمة دوبيت ليست هي الكلمة الصحيحة التي يجب أن تطلق على هذا النوع من النظم في السودان، إذ إنه استقصى جذور هذا المصطلح في كافة الأماكن التي اشتهرت بمعالجة فن الدوبيت، ولم يجد له أثراً هناك إنما وجد مصطلح دوباي . وجدنا مسميات أخرى أطلقت على هذا الفن الشعري كالقافية والرباعية والمربوعة والربعي، على أن مصطلح النم ثم النميم هو الذي طغى شهرةً على غيره من المسميات، وهنالك تسمية خاصة أطلقت على الرباعية في مناطق كردفان وهي (حاردلو) نسبة للشاعر الحاردلو. عن أصوله يقول الدكتور عبد المجيد عابدين والأستاذ المبارك إبراهيم صاحبا كتاب (الحاردلو شاعر البطانة): (إنه عربي خالص وإن كان يحمل لفظاً فارسياً وبعض طرائف الدوبيت الفارسي، وقد دخل في الأدب العربي وشاع في أقطار العالم العربي، أضف إلى ذلك أن وحدة القصيدة السودانية من الدوبيت هي الرباعية غالباً، وهي أربعة تؤلف في الحقيقة بيتين اثنين، وهذا ينطبق على معنى دوبيت، وهما في القصيدة وحدة مستقلة، ثم إن الشاعر السوداني ينوع القافية في القصيدة الواحدة وليس في الرباعية الواحدة، وهذا أيضاً له نظير في الدوبيت الفارسي) على أن الأستاذ محمد الواثق أورد رأياً مسبباً غاية في الأهمية، إذ أورد عدة أسباب يناهض بها ما رآه الدكتور عبد المجيد عابدين ومن سار علي نهجه القائل بأن الدوبيت السوداني يجمع بين الشكل الفارسي والوزن العربي، واعتبر أن تكريس هذا الرأي يكاد يحول دون استقراء أصل سوداني لهذا الفن، ويأخذ عليه عدة أمور منها أن اللغة الفارسية التي اختلط بها العرب قبل الإسلام كانت الفارسية القديمة (البهلوية) وهي لغة قد اندثرت مثل الإغريقية القديمة والهيروغلوفية، وهي لغات لم يعد يعرفها إلا علماؤها المتخصصون، ولم يرد لنا شيء كثير من آداب الفارسية القديمة البهلوية حتى تنسب أشكال آداب أخرى لها، والقليل الذي ورد ليس فيه الشكل الرباعي. ويستطرد الأستاذ محمد الواثق قائلا إن كانت الإشارة إلى الفارسية الحديثة والتي وجد فيها الشكل الدوبيتي، فالفارسية الحديثة نشأت في كنف الإسلام ولم يشتد عودها إلا في القرن الثاني الهجري، وقد استقت مصطلحها النحوي والبلاغي ومعظم مفرداتها من اللغة العربية، وقد اعتمدت كلية على الأوزان العربية من طويل وبسيط وسائر ما ذكره العروضيون. ويضيف الواثق قائلاً إن التعكير الأهم على هذه النظرية أن الشكل الدوبيتى ظهر في فترة متأخرة من نشوء هذه اللغة الحديثة، وينسب ظهوره إلى فريد الدين العطار والذي عاش في القرن السادس الهجري، وقد ظهر الشكل الدوبيتي لاحقاً للشكل المزدوج والمثنوي الذي يكاد ينسب إلى جلال الدين الرومي شاعر التصوف الفارسي، ويقول الواثق إن الدوبيت الفارسي ظهر في فترة متأخرة، فهل انتظر الأدب السوداني كل هذه الفترة ليتأثر شكلاً بالدوبيت الفارسي، وقد أجمع المؤرخون على أن العرب دخلوا السودان قبل مجيئ الإسلام نفسه؟ وما معنى أن تتأثر الرباعية السودانية بالفارسية شكلاً وبالشعر العربي وزناً والأدب الفارسي ليس له أوزان غير العربية . كل هذا يقودنا للحديث عن نشأة الدوبيت في السودان، فوجدنا أن أقدم أشكاله المدونة يرجع إلى عهد الفونج، إذ غابت الإشارة للدوبيت في المصادر السودانية القديمة ككتاب الطبقات ، وأقدم نصوص الدوبيت التي دونت يرجع تاريخها لنفس الحقبة، كالرباعيات التي وردت في مدح شيخ الشكرية عوض الكريم أبوعلي المتوفى في عام 1779م ، وهناك من يقول إن الشاعر حسان الترك الذي عاش في القرن السادس عشر هو أول من قال الدوبيت في السودان . على أن الناظر للنماذج التي وردت وعرفناها كأقدم أشكال الدوبيت المدونة، يلاحظ عليها عدة أشياء كعدم التزام الشاعر بتساوي الشطرات، وهو ما يعرف عند العروضيين بالإقعاد، وان لم يستطع الدوبيت السوداني في مراحل تطوره اللاَّحِقة أن يتخلص منه بشكل نهائي، كما يلاحظ عدم التزام الشاعر بنسق وزني موحد في كل الشطرات، إذ تنفرد كل شطرة بوزنها الخاص، وقد يهمل الوزن كلية ويعالج عن طريق الإنشاد والتنغيم الصوتي، كما يلاحظ أن الشاعر لم يتكلف شكل البناء الرباعي للدوبيت، مما يقودنا للقول بأن الشكل الرباعي الهندسي للدوبيت بأوزانه المحددة والمنسقة ترسخ في البطانة والشكرية والجموعية والجعليين، في حقبة ظهور الحاردلو 1830-1916م الذي أذن بانبثاق فجر الصرامة الشكلية الرباعية الدوبيتية السودانية، وعلى الرغم من أن النماذج السابقة والمتناهية إلينا تدويناً لم تكن في كمال النضج قبل ظهور الحاردلو، إلاَّ اننا نعتقد أنها كانت مرحلة أخرى من مراحل تطور فن الدوبيت في السودان، مما يعزز اعتقاداً آخر لدينا وهو أن الدوبيت نشأ في السودان قبل عهد مملكة الفونج، بيد أنه تعثر في حظه العاثر من التواتر فلم يصلنا. ثانياً/ لغته: للدوبيت السوداني لغته الخاصة المبنية على المفردة العامية ذات الأصول العربية الغالبة، وفي اعتقادنا أن العامية هي عنوان أصالة ونشأة القول المقفَّى والموزون في السودان، فعندما اتخذ الدوبيت اللغة العامية مرتكزاً لبنائه العام والفني وظل متشبثاً بها ووفياً لها منذ نشأته الأولى إلى آخر مرحلة من مراحل تطوره، حدثنا التاريخ الحديث أن معارك أدبية دارت عند دخول الشعر العربي للسودان، بين الأدباء الذين اتخذوا اللغة العربية الفصحى أداة للتعبير عن خواطرهم الشعرية، وبين أولئك الذين تمسكوا بالعامية وضرورة اعتبارها الأصل الذي ينبغي الرجوع إليه عند كتابه الشعر. ولعل الدكتور عون الشريف قاسم قد أزال عن أذهاننا التردد القائم حول جدوى الدراسات في مجال اللغة العامية، وأزال عنا اَثار تلك المعركة الأدبية التاريخية عندما لخص لنا برؤيته الثاقبة جدوى الاهتمام باللغة العامية، وقد يكون ما أورده قاطعاً لكافة الحجج التي تدبج بها طرفا النزاع حول العامية والفصحى عندما قال في قاموسه العامي: (ولا يخفى على القارئ الكريم تساؤل بعض الباحثين عن جدوى مثل هذه الدراسات، وكيف أن بعضهم رأى فيها دعوة إلى نبذ العربية الفصيحة وتشتيت وحدة العالم العربي بأن ينكفئ كل قطر عربي على لهجته فتفقد العربية سلطانها كأداة مشتركة للتفاهم، وهم محقون في بعض ذلك إذا رأوا كيد المستعمرين للعربية، وتشجيعهم النعرات الإقليمية والعرقية، وسعيهم لإحلال العاميات محل العربية الفصيحة. ولكن فاتهم أن دراسة العاميات في العالم العربي ومقارنتها بعضها ببعض أدعى للتقارب في مجال التفاهم الشخصي، مما يدعم من رابطة العربية الفصيحة ويوسع من دائرتها، وليس الغرض من هذه الجهود إبراز العامية كبديل للفصيحة فهذا ما لم يخطر لنا على بال، ولكن الهدف الأساسي هو التعرف على هذه اللهجة بردها إلى أصولها وتحليل جذورها، حتى نستطيع أن نعرف عن أنفسنا أكثر مما نعلمه. إنها عملية مسح فكري وثقافي لازمة كمقدمة لأية دراسة جادة عن المجتمع السوداني كنموذج لأي مجتمع عربي آخر في بيئاته المتباينة) . لقد كان للغة الدوبيت الخاصة والعامية الأثر البالغ في صورته، ففيها يهمل الإعراب مما ينجم عنه كثرة الساكنات والتقاؤها، كما تحذف حروف الكلمة مثل أنت التي تصير إت، وسويت له التي تصير سيتله، وولد تصير ود، وبنت تصير بت، وامرأة تصير مره، ونصف تصير نص. وقد تستبدل الحروف كسأل فتصير سعل، وكفقأ تصير فقع، وأين تصير وين، وأراه تصير وراه، ويمكننا أن نقيس على ذلك في حروف إخرى كالثاء التي تصير تاء كثلاثة تصير تلاتة، أو تصير سيناً كحديث التي تصير حديس، والجيم دالاً كجيش وجحش فتصيران ديش ودحش، وغير ذلك من الأحرف. كما يكثر القلب في العامية السودانية، ومثال لذلك ضج تصير جض، وزواج تصير جواز، ونضج تصير نجض، ولعن تصير نعل. كما نجد الزيادة تدخل في العامية على بعض الكلمات ومثال ذلك كلمة سلط التي تصير سلبط، وسمر تصير سمكر، وعنق تصير عنقره، ومثل لوح تصير لولح ، ومثل طوح تصير طوطح. ويتسلل النحت للغة العامية فما عليك شئ تصير معليش، وعلي شأن تصير علشان، ولأي شئ هو تصير ليشنو، وهذه الساعة تصير هسع، وبلا شئ تصير بلاش، ولأي شئ هو تصير شنو. وهنالك ظواهر لغوية عامة كإدغام الهمزة في لام التعريف وتشديدها فالأسد تنطق اللسد، والآبرى تنطق اللابري، واستعمال أل بمعنى الذي ككلمة الليك أي الذي لك، كما تستبدل هاء الملك للمذكر المفرد واواً خفيفة أو ضمة، وهاء الملك للمؤنث المفرد الفاً خفيفة أو فتحة، وللجمع نوناً. وغير ذلك من الظواهر العامة كما نجد أن هنالك ظواهر محلية تظهر لدى بعض القبائل والجماعات على الرغم من أن عامية السودان في جوهرها وإطارها العام عربية صحيحة شكلاً ومعنى، إلا أنها تأثرت إلى حد ما من ناحية التركيب والمحتوى ببعض المؤثرات غير العربية كالبجة، والنوبة، والقبائل النيلية والفورية والمصرية القديمة والقبائل الغربية المجاورة للفور، وما أتي من مصر والمغرب، والألفاظ السريانية واللآرامية والأثر السامي والتركي والأوربي .
ثالثاً/ أنواعه: رأيت أن أبني خطتي للتعريف بأنواع الدوبيت السوداني على محاور أربعة، إذ وجدت صعوبة بالغة في تحديد أنواع الدوبيت بطريقة شاملة من زاوية واحدة، إذ إن ذلك لا بد أن يأتي قاصراً،وقد بدا لي أن المحور الرابع الذي حددته ضمن هذه الخطة يتخذ شكلاً أساسياً في أنواع الدوبيت السوداني، وهذا ما يبرر الاسهاب الذي تناولناه به. وتتمثل المحاور الأربعة التي حددناها أولا في محور الغناء والإنشاد، وثانياً في محور الشكل الهندسي، وثالثاً في محور التطور التاريخي، ورابعاً وأخيراً في محور البناء والهيكل الفني. وقبل أن نلج في ركاب المحور الأول في تنوع الدوبيت، لا بد أن نذكر بأن الدوبيت فن شفاهي يعتمد على الإلقاء أو التنغيم أو الإنشاد كأساس لتداوله وانتقاله وانتشاره، رغم أهمية التدوين كأداة لتوثيقه وحفظه وحفظ نسبته بعيداً عن التحريف والتبديل والنحل والادعاءات والسرقات والروايات الفاسدة، إلا أن الكتابة أو التدوين لا يحفظ للدوبيت وحدته الصوتية الصحيحة بشكل دقيق، وعِلَّة ذلك أن لغة الدوبيت لغة غير معربة، كما أن التدوين يقصر عن تلافي العيوب الوزنية التي تجيئ أحياناً في الدوبيت، وتعالج عن طريق التنغيم والتمطيط الصوتي، وغنيٌّ عن القول إن الاختلالات الوزنية التي تظهر أحياناً على الدوبيت لا تجوز إطلاقاً في الشعر العربي، رغم ذلك فإن المتأدب بأدب الدوبيت والمتمرس في فنونه والسالك في دراسته وشعابه والمنتمي إلى جهاته والمتشرب من ينابيعه الأصيلة، يدرك بسهولة وحدته الصوتية من خلال الكتابة والتدوين. تنوع الدوبيت من حيث الغناء والإنشاد، وأخذ ضروباً متعددة كالضرب الغنائي المسمى بـ "الشاشاي" الذي يرد كثيراً في المدائح النبوية، و كـ "الهوهاي" الذي ينتشر في شمال السودان ويبرز بشكل خاص في أغاني النشيل، وهي الأغاني التي يترنم بها الذين يردون الماء من الآبار، وهنالك "البوباي" وهو ضرب من اللحن انتشر وعم معظم أنحاء السودان، كما نجد "الدوباي" الذي يعتبر ذؤابة الفن الغنائي في الدوبيت، وهو فن عريق وضارب في القِدم ومتأصل في المزاج الفني للشعب السوداني، وهناك "الجابودي" وهو نوع من الغناء الشعري وضرب من الرقص مشهور، ويتكون الشعر فيه من ثلاث شطرات. وفي غرب السودان نجد أن الدوبيت يتنوع عندما يتخذ ضروباً وأشكالاً غنائية أخرى كـ"البوشان" الذي يعرف بهذا الاسم كذلك لدى القبائل العربية المقيمة في مناطق الالتقاء بين الصحراء والأرض الزراعية في محافظة الشرقية في مصر، والبوشان شائع لدى قبيلة الرزيقات، وينقسم في شأن الغزل إلى ثلاثة أقسام هي: "اللبادة" التي تعرفها أيضاً قبائل دار حمر في غرب كردفان، و"الشتيل" ويعرفه الجوامعة والبديرية في وسط كردفان، و"السنجك" ويعرف عند قبيلة بني هلبة. والبوشان يتغنى به الفرسان إلا أننا نعرف فيه أشكالا متفرعة كبوشان الرثاء الدي يسمى أحياناً "بكائية"، وكبوشان المدح الذي يأخذ أحيانا اسم "الكاتم" الذي يصحبه التصفيق والرقص بالرقبة من الرجال والنساء، على أنه ينحصر لدى الحكّاَمات اللاَّتي يتغنَّين به نهاراً ويمتاز لحنه بالهدوء، وكبوشان الفخر الذي يأخذ أحيانا اسم "تر اللوم" وهو أشبه بالنشيد الحماسي الذي يُلقى ليرتفع بالحماسة لدى الرجال في الحرب، كما نجد "المشكار" الذي لا يختلف عن البوشان من الناحية الشكلية ولكن تتنوع فيه أغراض القول، وفي غرب السودان نجد "القندلة" وهي أغانٍ ورقصات يشترك فيها الشبان مع الشابات داخل حلقة الرقص ذات توقيع بالأرجل والصفقة، وتنتشر بصفة خاصة لدى قبائل الحمر، كما نجد في كردفان "التوية" وهي ضرب من الغناء والرقص والوزن، وكذلك "الكدنداية" التي تعتبر أيضا ضرباً من الغناء ووزناً من الشعر، ويعتبر "الجراري" و "المردوم" من أشهر ضروب إنشاد الشعر في غرب السودان، ولعل الجراري منسوب لقبيلة بني جرار، ويكثر المردوم لدى قبائل الحمر والبقارة، وهو أيضا نوع من الرقص، ويعرف كذلك في غرب السودان باسم "المردوع"، وهناك "الهسيس" وهو من الإيقاعات خفيفة الأداء وقصيرة الأوزان والكلمات، وينتشر بصفة خاصة لدى قبائل الكبابيش، كما نجد "الربق" وهي طريقة غنائية سريعة تتلاءم مع خفة الوزن الذي نشأ به، وينتشر لدى الشايقية والمناصير والرباطاب والجعليين وبادية البطانة وحوض نهر عطبرة وفي شمال كردفان، وهنالك "الهبي" وهو لون مربع من النظم ويغنَّى وخاص بقبيلة البجة في شرق السودان، كما توجد الأشكال الدوبيتية المُغنَّاة في شمال ووسط السودان كأغاني "الصبيان والصبيات" وأغاني "السيرة" وأغاني "الحِنَّاء". على أنه يجب أن نتنبَّه بأن محورنا الأول هذا في شأن أنواع الدوبيت الذي يتخذ أساسه من الغناء والإنشاد والتنغيم، والذي حاولنا جاهدين أن نأتي على صورته كاملة، يشكل بصفة عامة شعر الغناء لدى القبائل السودانية، كما يمثل الأشكال الغنائية الأخرى التي تعتمد أشعارها على فن الدوبيت، وبالطبع فإن أشكال الغناء في ذاتها لا تدخل ضمن دراستنا في هذا المحور، وهي دراسة تعرَّضَتْ لها مصادرأخرى . أما من حيث محور الشكل الهندسي فينقسم الدوبيت إلى ثلاثة أنواع، فإما أن يكون "ثلاثياً" أي يتكون من ثلاث شطرات ويطلق عليه مسمى "الأعرج" لما يلازمه من شعور بالتقصير في بنائه الفني، وقد أضحى اللجوء إلى هذا النوع نادراً، وإما أن يكون "خماسياً" أي مكوناً من خمس شطرات وهذا النوع غير شائع، لذا بات الركون والارتكاز في الدوبيت من حيث الشكل الهندسي هو النوع الثالث، وهو الشكل "الرباعي" الذي يتكون من أربع شطرات باعتباره الأكثر شيوعاً والأبعد أصالة والأكثر استقراراً، وهو النوع الذي ينطبق عليه تعريف الدوبيت كاصطلاح فني. ومن حيث محور التطور التاريخي فينقسم الدوبيت إلى ثلاثة أنواع هي: "الدوبيت الفارسي المعرَّب" و"الدوبيت الرجزي" و "الدوبيت الحضري"، والدوبيت الفارسي المعرَّب هو شكل أخذه العرب المشارقة في العصر العباسي، ونظموا فيه بالفصحى، وقد انقرض هذا النوع ولم يتبق منه إلاَّ نماذج قليلة باللغة الدارجة من شعر الشكرية، والدوبيت الرجزي نوع ظهر في البادية ومازال مزدهراً فيها، والنوع الثالث وهو الحضري ويمثل تاريخياً المرحلة الأخيرة بعد انتشار الدوبيت الرجزي في أنحاء السودان الشمالي، حيث شمل أوزاناً أخرى متنوعة ويكثر هذا النوع في المدن والقرى وفي المناطق النهرية بصفة خاصة. ومن حيث المحور الرابع والأخير المتعلق بالبناء والهيكل الفني، فإن الدوبيت ينقسم إلى ثلاثة أنواع هي: "الرباعية" و"الربقية" و "المسدار". والرباعية كما رأيناها في المحور الهندسي تتكون من بيتين مكونين من أربعة أشطار، وتأتي كوحدة مستقلة بذاتها تعبر عن فكرة محددة، أو تحمل معنى معيناً أو تستوعب خاطراً عابراً، وتعتبر الرباعية هي الأساس لفن الدوبيت والأساس لهذا المحور، إذ تلتئم في النوعين الآخرين منه وتكونهما، فالنوع الثاني في هذا المحور هو الربقية، التي تتكون من نحو ثلاث أو أربع رباعيات، وتكون متصلة القافية، ومتحدة في موضوعها وغالباً ما تكون في "الغزل، ووصف محاسن الفتاة، أو التشوق إلى الحبيبة، أو شرح حال المحبوب، وما يتجرعه من مرارة الشوق والفراق" . وتعتبر المربوقةـ الربقيةـ من أصعب أنواع الشعر الشعبي صناعة، وتستعصى على أصحاب الملكات الضعيفة، إذ تتطلب ذخيرة لغوية كافية وتخيراً في الألفاظ والمعاني والكلمات ذات الرنين والجرس العالي، ولعل النموذج الذي أوردناه يعد مثاليَّاً في شأن المربوقات، ونلاحظ أنه تميز بشكل خاص في قافيته التي جاءت بلزوم ما لا يلزم. وللمربوقة نوع آخر يتشابه إلى حد كبير مع المجادعة أو المجاراة، وذلك عندما يتنافس شاعران أو ثلاثة شعراء في تأليف رباعيات في معنىً وموضوع واحد، ولا يشترط في ذلك اتحاد القافية، لكن يجب في غياب اتحادها أن يبدأ الشاعر المنافس مربعه بذات الكلمة التي بدأ بها الشاعر الأول مربعه، ولا تثريب أن تكون أكثر من كلمة، وهذا يخضع لاتفاق الشعراء في المنافسة. هذا ما كان من أمر الربقية، أما المسدار الذي تكون الرباعية لبنته الأساسية فهو مصطلح شعري، وجمعه مسادير، ويمثل نوعاً معيناً من القصائد الشعبية التي تسير على نمط الرجز الرباعي، ويُعنى بسرد ومتابعة رحلة الشاعر إلى ديار محبوبته أو إحدى صديقاته من الغواني، وهي كلمة مشتقة من الفعل سدر بمعنى ذهب ولم يثنه شيء، وإذا قلنا سدر الرجل في البادية فالمقصود أنه ذهب فيها لا ينثني، ويرى الدكتور عبد المجيد عابدين أن أصلها قد يعود للفعل سرد بمعنى فصل القول ورواه، غير أنه حدث قلباً في الكلمة فصارت مسدار، غيره ذهب إلى أنها قد تكون من صدر أي رجع عن المكان أو صار إليه وقلبت الصاد سيناً، ونجد أن المسدار في البطانة يعني المرعى أو المورد الذي تتجه إليه البهائم، وقد تجيئ كلمة مسدار لتعني القصيدة مطلقاً، واستعمل هذا المعنى في نطاق القصائد الغزلية من الدوباي، كما استعمل في نطاق المدائح النبوية، على أننا قد وجدنا أن الرأي الغالب لدى الباحثين لمعنى المسدار من حيث أنه قصيدة شعبية، وهو حكاية قصة أو رحلة سفر تبدأ بالاستعداد لها وتجهيز الراحلة، وهي عادة جمل أصهب أو بشاري يحتمل السفر الطويل، ثم يبدأ الشاعر في وصف معالم الطريق وما فيه من وديان ووهاد وجبال وحظائر ومزارع وقرى، وفي هذا الأثناء يخاطب جمله ويشجعه على تحمل السفر وعلى المزيد من السرعة، والجمل يرد عليه في أنس جميل بأنه أهتاريخ الشكرية ونماذج من شعر البطانة ص ل لهذه الرحلة التي تنتهي بهم إلى موطن المحبوبة، ثم يبدأ في ذكر تباشير الوصول واستقبال المحبوبة ثم مكافأة الجمل بالغذاء الجيد لإنجازه المهمة، ثم الاهتمام بالضيف والاستمتاع باللقاء المنتظر بعد شوق وغربة. وقد يحتوي المسدار على أكثر من أربعين رباعية كما هو الحال مع مسادير أحمد عوض الكريم ابو سن اعتماداً على طول الطريق من نقطة البداية إلى نقطة النهاية. ويقول الدكتور سيد حامد حريز في كتابه ( فن المسدار) إن للمسدار هيكلاً وبناءً معهوداً قلَّ أن يخرج عن إطاره، وهو يتطرق في نسق وتدرج للموضوعات التالية: الاستعداد لرحلة الحب وتهيئة الجمل وصاحبه لها. بداية الرحلة. وصف الطريق لديار المحبوبة، ويتخلل ذلك وصف الشاعر لهذا المحبوب ووصف الجمل الذي يجمع بين المحبين. تباشير القرب من ديار الحبيب. الوصول والاستقبال. ما بعد الوصول من تمتع المحبين باللقاء وبأنس الهجوع . وعرف الأستاذ الباحث الطيب محمد الطيب المسدار بأنه تطور للشعر المربع، لأن الهيكل البنائي للمسدار يتكون من تلك المربعات التي يتحدث عنها، وأنه فن قائم بذاته ووحدته هي القصيدة ذات النفس الطويل التي تحكي تجربة متكاملة.
ختـِّيت فوقو قام بي من بركِكتو مشمــِّم ناطح الفرقو خلاَّ الجو علـّي متســـــمـِّم الأمياقو تجرح غير سلاح وتــــــــدمــِّم ما خلاَّنا نطمع في كتير ونمـــــــــــــيــِّم
أنا ماني التنبل الفي البيت صِنٍعتي حليبْ بَدور الشًّدّة فوق إبلاً شوافي ونيب إن حرًّت نخت الشكرة ما بنعيب وإن بردت نكافيبهن سوالف أم طيب ******************** كم شديت على تيساً بسوك الناب وكم جايب زَمَل من الرَّهد كَسّاب حديث الناس كتير .. ما عندي ليهو حساب إنقطَع اللسان يا فاطنة أبوك إن عاب
أبدأُ بمربع شعري لآ أعرف قائله ـ من يعرفه يدلني عليه ـ وأعتبر هذا المربع من أفضل ما سمعته من دوبيت ففيه وصف للجمل وتوقه للغناء واتحاد الحالة العاطفية بين الجمل وصاحبه وما ينشأ بينهما من أنس وإلفة ومشاعر متبادلة وإن كان الشاعر هو الذي يدير الحوار:
أزيدك يا الكباشي قبال ما تجاوب. هناك مربع نهايته طريفه للشاعر الشيخ الصديق الشيخ السماني أورده هنا لأنه يسلك أيضاً في وصف الجمل ووحدة العاطفة بين الشاعر والجمل:
Quote: فوق ضهر اللفج من كوعو وبعيد من زورو نحنا خترنا بالوادي المحيف خورو يا محمد شريف انا مرضي باكر دورو نوسربي واتقسن دروب دكتورو
استاذنا اسعد مدخل لتسليط الضوء علي هذه الرحلة في دار الكبابيش
والمزيد من الدرر.
الأخ الكباشي المربع المؤطر للشاعر شيخ الجيلي الشيخ الكباشي ومحمد شريف هو صديقه محمد شريف العباسي رحمهما الله فقد كانا صديقين وترافقا كثيراً في ديار الكبابيش وأحبا تلك الديار حباً عظيماً. يقول محمد شريف:
بعد ما قنا نمنا ومن سهرنا هجعنا كر يا قمري لا تسرب علينا وجعنا حبينا البوادي ومن أهلنا نجعنا يا ريت كنا من أول شهودنا رجعنا
يا ود خصيم السم سلام لكم فى أعاليكم وأسعد الذى جعلنى أكبر منه قبلتها منو ولكن شهادات ميلادنا الإتنين عن بت فكى لله والكوك ببين عند المخاض
ومن شعراء السروراب الأمين ود حاج أحمد ود نصير الذى كان يلغب بفرج المضيق وضاق به الحال وذهب إلى القضارف وعمل بقهوة فيها وذات يوم عند الصباحات الباكره دخل عليه رجل دون أن يسلم عليه فصفق مناديا يا أوسطى واحد شاى فما كان من فرج المضيق إلا وإن كسر كل أدوات القهوه
وأنشد
النيب شيلن وأتبارن الحاشاى ومالك يا زمن لى كل بطر فشاى أخوك جنب الكرم رتل الضيوف عشاى بعد فرج المضيق يا أوسطى جيب الشاى
أرسل يوسف البدرى والد أخصائى القلب بإنجلترا الفاتح يوسف بدرى رسالة لإبن عمه يوسف نورالدائم والد العالم الدكتور الحبر يوسف نورالدائم يقول فيها إحساسه عندما قام لصلاة الصبح ببورتسودان ورأى من العماره المطله على سكنه ساحرة يتاسقط من قوامها الجمال وتحمل فى يدها وردة فل
فقال
يا يوسف أخوى قمت الصبح لأصلى لاقانى العجب من تانى دور متدلى بريبة عسين ديسك سدر متدلى فله وشايله فله وفى قلوبنا تفلى
أرُبْطو الجـــــــــانا ضامر لا كَبد ولا كرشة سحّار الغروب جيب لي العلوق بي الورشة نفِّصــــــنْ المراتب ؤطرَّحن بــــــي الفُرشة داير يبــــــرى جرحاً في القلب مُــو خرشة
المك البشسر مابقولوشن ها البنقة وكم حلحل رجال بالحديد من زنقة مافيها فايدة وقت البلد حكموها ضباع وحلنقة وخسارة خلالي القازو قبلك شنقة.. ا.......... المك البشير اخر المكوك بعد كتلة ود الباشا ودة موضوع كبير وطيويل المك البشير سافر لمصر لفك سراح الاسري في جيش الدفتردار ووفعلا نجح وفك اسر الكتيرين قبل ان يحملو في البواخر للبيع ... ولما رجع الاتراك غير و نظام المكوك للعمد .. علي حسب روايةاهلنا
من اغاني الفروسية التي اختلف المؤرخون على حقيقة القصة التي كانت وراء الاغنية:
من احد المصادر الموثوقة - تقول الرواية بانه في تلك الفترة حدث ان سرقت ناقة "ضئيلة الحجم وهزيلة" لعيال أب جويلي، ولكن عيال أب جويلي ولأنهم أشتهروا بالفروسية، مابرضوا الحقارة "لا يرتضون الضيم". فاجتمعوا يناقشوا: ماهم فاعلين بحق ناقتهم التي سلبت منهم في ظلمة الليل . فكان الرأي الأغلب ان "يقصوا درب السارق" وأن يستعيدوا ناقتهم مهما كلف الأمر ومهما سال من دماء.
فاجتمعوا للخروج وراء الناقة، تزغرد لهم النسوة وتدق الطبول، وهم يؤدون رقصة العرضة على المضارب، معلنين ان أوان خروجهم قد حان ..
وحين كثرت الأهازيج وعلا صوت الزغاريد، أصروا انهم لن يخرجوا وراء السارق الا حفاة، وأن لا يحملون معهم الا المطارق. "فمن سرق ناقتهم لا يخرج وراءه بسيف" كناية عن شجاعتهم وشدة بأسهم.
ماسبق كان التحقيق للاحداث حتى خروج عيال أب جويلي الى المضارب:
حقيقة ما حدث بعدها وعودتهم بالناقة اختلفت فيها المصادر أيضاً وهو تحت التحقيق الآن ولكن أعظم الظن انهم:
عندما تتبعوا أثر الناقة حتى الفاشر مرورا بكردفان وعبورهم لطريق "درب أب درق" حفاةً، وجدوا ناقتهم ترعى بدون راعي واكتشفوا انها قد شردت ولم تتم سرقتها "وعادوا بها بدون معركة"، ولكن رغم ذلك قابلتهم الاحتفالات عند العودة بالنصر الذي حققوه بارجاع الناقة المسلوبة. فعرضو وكمبلو "بعد ان جابو سمح الخبر"
النص :
عيال اب جويلي الكمبلوا وعرضوا في دار كردفان اتغربوا وسدروا ضربوا الجوز عديل حاشا ما ضلوا لبنات البلد سمح الخبر جابوا
غني و شكري يأم قرقدا سايح من دار كردفان جانا الشناع فايح في الفاشر الكبير طلعوا الصايح دقوا الجوز عديل اصلوا العمر رايح
دقي وزغردي يام قرقدا حسوا الليله بجيب القول علي البيسوا عيال اب جويلي الجيلوا و تعلوا ديل درب اب درق شقوا
غني و شكري يا خدرة الورتاب فوق ود الفحل الليله جبتا جواب حقيت الاسم ياسالم الارباب قيدومة العيال ... ركازة للمرهاب
الفحل الكبير: هو الفحل بن ادريس توفي قبل تولي امور الملكية فتولت ارملته "سنتا" حكم شندي و اخو بنت بره والدة محمد والد المك نمر الشهير
العرضه و الكمبله : رقصتان من رقاصات الفروسيه الأولى اشتهر بها الجعليين و تداولتها الكثير من قبائل السودان في شماله و غربه الشمالي والثانية أشتهرت في دار كردفان الكمبله هي ضرب الارض بالاقدام بقوة تثير الغبار كناية عن القوة و المثابرة بينما العرضة هي تجمع للفرسان لاستعراض قوتهم
خدرة الورتاب : المرأة السمراء البشرة و الناعمة الملمس...الخدرة الناعمة
درب اب درق: طريق شهير بغرب السودان ملئ بثعابين الكوبرا السامة و اب درق هو ثعبان الكوبرا