مقاييسٌ مُتهتِكةٌ - قصة غير منجزة

مقاييسٌ مُتهتِكةٌ - قصة غير منجزة


01-03-2009, 01:32 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=190&msg=1230985961&rn=0


Post: #1
Title: مقاييسٌ مُتهتِكةٌ - قصة غير منجزة
Author: بله محمد الفاضل
Date: 01-03-2009, 01:32 PM

مقاييسٌ مُتهتِكةٌ


1/

لم يعد يربطني بتلك الأفدنة سوى رقراقَ حنينٍ يضمحلُ كلما هممتُ بتثاؤبٍ مُتقنٍ الهجومَ على الليلِ بنومٍ لا يُخرجني من أسرِهِ إلا سوطَ النّهارِ الحارِقِ الذي قددتُ له ثُقباً صغيراً في الجِدارِ ليبدّدَ شيئاً من العتمةِ الإجباريةِ التي أصبغتها على غُرفتي المؤجرة..

أمي التي سمن حنينها المنثور في فيافي بلدتنا لم تكفّ يوماً عن حلمها الضالِعِ في العشوائيةِ والرجاء بأن أُضحي مثل خالي والذي تيمنّا به دعتني باسمه (سيد) وهو مثلي حصد عِلماً قليلاً وبصيرةً مُتفتحةً فتراه يهدرُ بأحاديثٍ تطابقُ تلك التي تبثّ عبر موجات الراديو،
ويقوم بجهود تضفي على حياة بلدتنا (كبارة) مسحة من الرقي والتحضر،
وهو رجلٌ صاحبُ مِزاجٍ رائقٍ،
يؤانسُ ندماءهُ والكأس دائرة فيما بينهم بما يجعلهم يكركرون ويتحشرجون وتهتز كروشهم وأوداجهم وينقلبون على أعقابهم وهم جلوس بأشكالٍ كاريكاتورية،
لم أره يوماً محتدّا فاقِداً لزِمامِ الأمرِ مهما تكن شكيمة من يحاور أو غزارة علمه،
دائماً الغلبة له فقد منحه الله بسطةً في الحجةِ ودهاء لا يشكم ببديهةٍ وثابةٍ لا تلين،
ولم أره غير مُنتفضٍ على الخمولِ المستشري الذي يعشش في أرجاء بلدتنا تلك،
حامِلاً عدة لواءات في آن التعليم،
الكهرباء،
المياه... ومُنجزاً كُلّ ذلك في وقت وجيز..

وتراه بين هذا وذاك ينصر هذا ويجلب ما شقّ لذاك،
يطوفُ بأرجاء بلدتنا فتتفتح المغاليق وتهش لمرآه الوجوه،
هو طيب ومعطاء،
صادق نبيل ودود وولود...
لكنه
لا يملك منزلاً يخصه،
أو مالاً،
ولا يقدر على تسديد أقساط الدراسة لأولاده الثمانية،
ولا يمكنه أن يفعل شيئاً حيال دواء توجب إحضاره لزوجته للتغلب على سُعالِها الليلي الدائم،
عاجِزاً عن تسديد ديونه المتراكمة...


خرجتُ بعد عدة أعوامٍ تلت انتفاضة الباطل على الحق الأرعن وسحقه،
خرجتُ حين استفحل الظلام وكبرت خديعة الورطة التي أقبل الشعب على الولوج في حرمها زرافات ووحدانا،
حين كثر الطرق على الآذانِ بأن ليلنا المزعوم تبدّد وجاء أوان النهار بينما في واقع الأمر كنا خرافاً نُساق إلى السلخ على حدِّ زعم خالي وفورانه الذي لم يهدأ ونقمته المستمرة على آل البيت (كما يسميهم) الذين كان يرى فيهم منتهى الخلاص والنعيم المقيم فأهلكوا ثقته بكدِّهم ومثابرتهم الدءوبة على غباء الخُطى والقرارات،
خرجتُ وفي الخاطر أن لا عودة،
خرجتُ وأنا أجزم بأن الوقت قد أزفّ للكفِّ عن مُناداتي بفارِسِ القبيلةِ ودُخري الحوبة وهلمجرا من شاكِلةِ تلك المُسميات المميتة...







خرجتُ...

Post: #2
Title: Re: مقاييسٌ مُتهتِكةٌ - قصة غير منجزة
Author: ابو جهينة
Date: 01-03-2009, 01:47 PM
Parent: #1

الأخ الأعز بلة
الذي بعد غيابٍ حلَّ

كل سنة و إنت طيب و الأسرة الكريمة

لا بد من أن تواصل ... فلا يمكن أن تترك المقاييس متهتكة كدة و تفك البيرك

Post: #3
Title: Re: مقاييسٌ مُتهتِكةٌ - قصة غير منجزة
Author: بله محمد الفاضل
Date: 01-03-2009, 02:01 PM
Parent: #2

الجميل الجميل
سلام
وأعوامك الألق والسؤدد


وحاتك من حجيت مع الحيكومة
نازلة فيني نزلة
أبت تطلع
لا نفعت شطة
لا ...

المهم
بقيت لا صوت لا صورة
علا الشوق جابني
وبعدين صاحبك مجدي
لما يشوفني كتبت لي سطرين
نزلا
نزلا
نزلا
لما مسكتني النزلة
وجيت أها نزلتها

ويمكن تنتم
ولا أقوليك ما تمها أنت
وينوبك ثواب

Post: #4
Title: Re: مقاييسٌ مُتهتِكةٌ - قصة غير منجزة
Author: بله محمد الفاضل
Date: 01-04-2009, 12:56 PM
Parent: #1


2/

لقد بدأت تلوح عليّ في البدء علامات مؤداها أن أكون كمثل من دعيت باسمه،
فقد أسستُ ونفرٍ من الأندادِ فريقاً رياضياً سرعان ما شق طريقه إلى القمة محلياً على مستوى بلدتنا وخارجياً في القرى المجاورة،
وأسستُ جمعية ثقافية تعنى بتنوير أهلنا وذهبتُ غير ما مرة إلى عاصمتنا (الكبجة) لإحضار كبار الفنانين لإحياء حفلات نفشلُ غالباًِ في الاستفادة من ورائها،
ولم يثن عزمنا ما نجابه من مشاكل مادية واعتراضات من الحاقدين عن الاقتراح والتنفيذ،
فقمنا مثلاً بتنظيم كورسات صيفية وأيضاً قوافل طبية تشمل كل المنطقة وفرضنا رسم دخول رمزي بينما يكون العلاج مجانياً إذ تمكنا من الحصول عليه من وزارة الصحة وذاك على أن يعود ريعها لصالح تطوير مستشفانا المتهالك،
وغير ذلك...
لكني في دخيلة نفسي كُنتُ أتحرقُ شوقاً للانعتاق من كل ذلك الذي بلا نفع أو طائل من ورائه..
لم أفلح في العبور إلى الجامعة كبعض أقراني الذين اهتموا بتحصيل العلم واهتممتُ مثلهم لكن اهتمامي انصب في الاتجاه المغاير بتحصيل المال والشهرة،
وقد نجحوا ونجحت،
خرجوا بشهادات موثقة تمكنهم من متابعة تعليمهم وخرجت بشهادة شفهية مفادها أني فارس القبيلة ودخري الحوبة وعشا البايتات وووو
وجميعها مسميات كنت أنقاد لها وأعي يقيناً بأنها إنما تقال لنيل مبتغى لقائلها








خرجتُ...

Post: #5
Title: Re: مقاييسٌ مُتهتِكةٌ - قصة غير منجزة
Author: بله محمد الفاضل
Date: 01-04-2009, 01:05 PM
Parent: #4

3/

إبان ذلك كانت تتبلور رؤاي السياسية ذات الخط المختلف كلية عن خط (سيد) وإن كنا قد اتفقنا في المحصلة على كره الورطة،
وبينما كنت أجبن عن مجابهة أي من الأعداء كان (سيد) مِغواراً ولا يتردد قيد أنملة عن البوح بكل ما يجوس بصدره حيال أمر ما أو فرد من أفراد عصابة الورطة، إلا أني كنت أفلح أكثر منه في الكتابة على الحوائط وفي المنشورات الليلية والهمس وخلافه من أشياء ملاواة الظلام في الظلام...
خرجتُ
واستوى عودينا في النضال وكل منا على ذات نهجه فيه،
كان (سيد) يطبز الظلام بأصابعه العارية
وكنتُ قد التحقتُ بنفرٍ ممن همهم الأمر فانتظموا له
فترانا قد رتبنا لاجتماعٍ تلو اجتماع وقد دثرت أجسادنا التي استهلكها صقيع المنافي أزياء لو بيع أحدها لكفى أسرة قهرتها الفاقة ليوم ونصف،
أضف إلى ذلك ما هو مبذول من مآكل ومشرب يفيض في الغالب ويكون مصيره الرمي..
اعتنقنا الخطب الجوفاء التي لا تخرج إلى ما بعد باب الصالون الذي احتوانا،
وتمايلنا مع الطرب الخجول الأجش الذي يؤوب بأرواحنا إلى عهد مضى...
دونما فاعلية تحول ما ننظره إلى فعل،
دونما فعل يلمس جوف من نرى عنه ونسدد بيديه باتجاه السؤدد،
دونما...
ولعله حين تفتحت آفاق وأمسى بالإمكان تسريب رأي بغير مماحكة توصلنا إلى حال (سيد) الذي خُصم من حياته الكثير في جنبات السجون، دلف بعضنا وتعلق البعض الآخر بحجج واهية في أتون الكتابة الأسفيرية..
فبرزت الكثير من رؤانا واعتنقها فتيةٌ لا نراهم،
لكنا كنا لا نزال بنفس المربع الأول
نلاوي الظلام في الظلام،
فمن عرف عن نفسه صراحة فإنه تحول إلى حال وجل أكثر مما كان عليه حين كان بالبلاد،
فلربما بالبلاد لم يكن الحال كما هو عليه الآن يُخشى عليه،
فوضعه الاجتماعي المرموق في الوطن البديل قد يتبدد أن بارحه لرغبة ملحة في الوقوف على الأطلال واحتضان التراب والعباد جهرة..
ولأني لم أكن كمثلهم يقلقني ذلك إذ أني قد خرجت بشكل نهائي من الأفدنة وقد تلاشى فيّ ذاك الرقراق،
فإني قد جاهرتُ وشمرتُ عن أنياب عدائي للورطة،
وأتساءل دائماً:
ترى ما يربطني بما نسيت،
وما يشدّني للذي عنه هربت قاتلاً قبل خروجي لمقاييسٍ متهتكةٍ أراها أكلت من سني عُمري الكثير دون طائل؟!

تمت