Post: #1
Title: مهددات بقاء الدولة السودانية ...الانتخابات وتقرير المصير اقصر الطرق
Author: ابراهيم على ابراهيم المحامى
Date: 12-29-2008, 10:48 PM
مهددات بقاء الدولة السودانية: الانتخابات وتقرير المصير اقصر الطرق لإعادة بناء الدولة
أربعة أحداث مهمة وقعت في النصف الأول لتنفيذ اتفاقية السلام الشامل، شكلت علامات فارقة في طريق السلام السوداني وأبرزت مهددات أساسية لبقاء الدولة لا يمكن تجاهلها أو الادعاء بعدم وجودها. هذه الأحداث هي: حرب دارفور التي اندلعت بمجرد التوقيع على اتفاقية السلام الشامل في فبراير 2005م ، والمستمرة إلى يومنا هذا، وعملية غزو امدرمان الجريئة من قبل قوات حركة العدل والمساواة، والحرب التي اندلعت في منطقة أبيي في مايو الماضي وأثارها المستمرة إلى يومنا هذا من تصعيدات عسكرية وسباق في التسلح، وتوجيه الاتهام للرئيس البشير وبعض كبار المسئولين في الدولة بواسطة محكمة الجنايات الدولية.
إن حرب دارفور والقتال وانتهاكات حقوق الإنسان المستمرة فيها عبرت عن مظالم اجتماعية واقتصادية وسياسية عميقة ظلت تعاني منها أقاليم السودان المهمشة، وبصفة خاصة إقليم دارفور. وقد أدى تعامل الحكومة مع الأزمة وطريقة إدارتها إلى إحداث توتر عام في الإقليم كله، وإقليم كردفان المجاور له، ساعد في خلق العديد من الحركات المسلحة بصورة جعلت الإقليم مغرقاً بالسلاح. وأدى كل ذلك إلى تدخلات دولية مهمة تراوحت بين منظمات حقوق الإنسان والإغاثة إلى البعثات الدولية الأممية، والقوات الدولية، ثم المحكمة الجنائية الدولية التي بدأت تمارس نشاطها في النظر في قضايا الإقليم، إلى ظهور إرهاصات بمنع الطيران فوق الإقليم، والتدخل العسكري فيه، ثم عزل الإقليم بصورة نهائية عن بقية الأراضي السودانية، بصورة تهدد وحدة السودان مستقبلاً. إن ما طبق من إستراتيجية أمنية جديدة لحماية النظام في واقعة أمدرمان أدى إلى تفكيك الربط المحكم بين الحكومة "النظام" والدولة، وهو ربط خبيث سعت أجهزة الأمن لتحقيقه عبر حقبة طويلة من السنوات. وقامت تلك الإستراتيجية على أساس إبعاد المدافع الوطني National Defender أي القوات المسلحة من القيام بواجباتها الأساسية، و الاعتماد على الأجهزة الأمنية والشرطية والقوات الخاصة في التصدي للهجوم، تماما كما يحدث في دارفور، مما وضع الجيش القومي في موضع لا يقل عن السخرية والتعاسة. وكما هو معلوم اتخذ المجلس الرئاسي للإنقاذ قراره "بسحب الثقة" من القوات المسلحة وإبعادها عن مسرحها الطبيعي، ليس لعيب أو نقص ذاتي فيها وفي قدراتها، في حماية المواطنين والعاصمة التي تحتضن رئاستها، وإنما استناداً على حقيقة مهمة للغاية وهي أن أبناء كردفان ودارفور وجنوب السودان يشكلون أغلبية جنودها، لذلك لم يثق فيها الرئيس البشير ومستشاريه المقربين في أهم واخطر العمليات وهي الدفاع عن العاصمة. وشكل قرار تهميش الجيش هذا إساءة بالغة للقوات المسلحة واليونيفورم الكاكي بصفة عامة وهو شيء لا يمكن أن يمر بسلام داخل القوات المسلحة ومؤسساتها.
وقد أدى تحييد الجيش وإبعاده عن القيام بدوره الطبيعي إلى إحداث فراغ امني كبير ساعد القوات الغازية على التغلغل في العمق، مما أثر على العمق الاستراتيجي الأمني ليس السوداني فحسب بل لوادي النيل بأكمله، بصورة أقلقت مصر، خاصة أن هنالك دعاوى تتهم تشاد بالمشاركة في إعداد ودعم القوات الغازية مما يدخلها كعامل مؤثر في أمن وادي النيل، بحسب بعض الجهات البحثية في القاهرة.
كذلك اثبت الصراع الاثنوسياسي هشاشة المركز السوداني حيث تستطيع مجموعة قبلية واحدة "الزغاوة" تهديد السلطة بصورة مستمرة. ويؤكد ذلك خوف الحكومة واندفاعها في بناء سد ترابي أو مائي لحماية البوابة الغربية للعاصمة من خطر عملية مشابهة حيث أرست حركة العدل والمساواة نموذجاً وسابقة قد تتكرر مثل ما يحدث في تشاد والكونغو وبعض الدول الإفريقية.
الجيش القومي باعتباره احد أركان الدولة، لا تنحصر واجباته في حماية وحدة البلاد وسلامة أراضيها ومواطنيها فحسب، بل حماية حكومة الوحدة الوطنية أيضا والحفاظ على اتفاقية السلام ومكتسباتها إلى يوليو 2011 موعد تقرير المصير. لذلك يمكن قراءة غزوة امدرمان على أنها شكلت تهديدا مباشراً لاتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) والمكتسبات التي حققتها للجنوب.
هذا يعني أن عملية أم درمان يمكن النظر إليها باعتبارها مهدداً لكيان الدولة برمته وليس مجرد عملية ثورية أو محاولة انقلابية تستهدف السلطة، طالما أن الجيش لم يشارك فيها ولا يستطيع الدخول معها في معارك. وفي هذا السياق يمكن فهم وتبرير الإدانات الواسعة التي جاءت من مختلف القوى السياسية الكبرى ، فالحركة الشعبية نفسها التي لا تخفي تأييدها لحركات دارفور أدانت العملية لأنها تدرك مخاطرها عليها وعلى عملية السلام.
بالنسبة للوضع في منطقة أبيي الغنية بالنفط تزداد احتمالات عودة القتال الذي نشب في مايو الماضي بين الشمال والجنوب و راح ضحيته المئات من القتلى واحدث دمارا شاملا بالمدينة، حيث شهد هذا الأسبوع تجدداً لهذه الأنشطة الحربية ومظاهر العسكرة مرة أخرى. وتشير التقارير الحديثة إلى سباق محموم في التسلح بين الشمال والجنوب، وتزايد في الحشود العسكرية على الحدود في المنطقة، مما يعني دفع المنطقة نحو الهاوية وحرب جديدة وشيكة الوقوع، وذلك رغم الاتفاق على آلية التحكيم الدولي لحل نزاع أيلولة المنطقة و نفطها بين الشمال و للجنوب.
وتشهد أبيي الآن فراغاً إدارياً وامنياً، وأصبحت مثل البركان تغلي ويمكن أن تنفجر في أي وقت وتفجر معها اتفاق السلام بين الشمال والجنوب. وتلوح في الأفق سيناريوهات كثيرة وخطيرة قد تجعل الحرب بين الشمال والجنوب قدراً أبدياً حتى لو انفصل الجنوب، بصورة تهدد كيان الدولة السودانية.
وأخيرا، شكل توجيه الاتهام للرئيس البشير بواسطة المحكمة الجنائية الدولية تهديدا آخر لأحد أهم أركان الدولة وهو "السلطة"، باعتبار أن الرئيس هو رمز للسلطة وسيادة الدولة، وهذه مسألة بدأت أثارها تلوح في الأفق بوضوح في اهتزاز صورة الدولة السودانية وتدني سمعتها دولياً، باعتبارها "مذنبة" كما يرى البعض، وفي رفض الكثير من الدول والمنظمات الدولية التعامل معها أو استضافة رئيسها أو استقباله، مصحوبة بتدني مريع في مستوى "الرئاسة" وهيبتها المفترضة، وانعكاسات كل ذلك على أداء الرئيس نفسه، مما يوحي بأن عهده قد ولّى إلى غير رجعة. مثلما أحدثت غزوة امدرمان صراعاً بين الأجهزة الأمنية والشرطية والجيش حول من تكون له اليد العليا في حماية البلاد، تسبب موضوع اتهام الرئيس البشير بواسطة المحكمة الجنائية الدولية في إحداث الانقسامات وتعميقها داخل المنظومة الحاكمة، وخلق بؤر صراع متعددة تحوم حول السلطة، مما يهدد باحتكاك هذه القوى المختلفة قريباً، بصورة قد تؤدي إلى حدوث فراغ أو غياب تام في السلطة بين ليلة وضحاها، مثلما حدث في الصومال.
هذه الأحداث جميعاً وضعت الأحزاب السياسية وباقي المجتمع المدني ومؤسساته في وضع هامشي وتم تحييدها من الصراع السوداني بصورة مخلة عطلت فئات أساسية من المجتمع ونخبه وألجمتها عن التعبير والمشاركة والمجاهرة باتخاذ موقف وطني معين أو خلافه، كما شلت قدرتها في الحركة السياسية المطلوبة للخروج من أزمات البلاد. إضافة إلى ذلك أفرزت اتفاقيات السلام وضعاً غريباً وشاذاً وهو سماحها لعدد كبير من الجيوش والمليشيات وقوى الحراسة المسلحة بالتواجد بصورة شرعية في العاصمة وبعض المدن، بصورة جعلت من اتفاقيات السلام مهدداً آخرا للسلام نفسه. فلم تعد القوات المسلحة هي الجهة الوحيدة التي تحتكر السلاح، فهناك الجيش الشعبي لتحرير السودان، وهو جيش قوي له خبرة طويلة في القتال ومسلح بصورة جيدة، والمليشيات المشتركة، بالإضافة إلى جيوش الحركات المسلحة العديدة. هذا التعدد في الجيوش يعني انعدام ثقة جميع الأطراف المتصارعة وعدم اتفاقها على جيش قومي واحد، مما يتنافى مع سمات الدول الحديثة، ويعني انعدام احد مكوناتها وهي جيش قومي واحد موثوق به، قادر على حماية امن المواطن وارض الوطن.
لهذه الأسباب مجتمعة، وللإرث التاريخي الطويل المثقل بالحروب وانعدام العدالة، أصبح مركز الدولة السودانية منهكاً وضعيفاً ورخواً غير متماسكاً، وغير متجانساً وغير مترابطاً، لأنه ظل مشغولاً بقضيتين وحيدتين فقط هما: الحرب والسلام التي طال أمدها في السودان لأكثر من نصف قرن، وفشل في إحراز أي تقدم أو نجاح في كليهما حتى اليوم.
ولهذا السبب بالتحديد أصبح "التركيز الوطني" للمركز السوداني مشتتاً، واهتماماته وأولوياته الوطنية في معظم الأحوال يصعب الإمساك بها أو تعريفها. فمثلا نجد أن المعتدلين في قضايا الحرب والسلام ليسوا معتدلين في قضايا إجراء إصلاحات في جهاز الدولة وإعادة هيكلته على أسس عادلة. كذلك نجد أصوات المعتدلين المطالبين بالإصلاحات الديمقراطية خافتة أو تم إخراسها، وأدت هذه المواقف المتقاطعة والمتناقضة إلى نخر بؤرة مركز الدولة بصورة تهدد بقائه. نقصد المركز السوداني بكل مكوناته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بما يشمل جميع المكونات العرقية والاثنية له.
أثبتت هذه الأحداث مجتمعة أن الشعب السوداني يواجه خيارات صعبة للغاية وخطراً محدق يتمثل في المزيد من الحروب والدماء والتفكك وانهيار الدولة بصورة نهائية. لذلك لابد من أن تسود المواقف المعتدلة في جميع النواحي حتى نضمن بقاء مركز الدولة متماسكاً.
للخروج من هذه الأزمات تحاول الحكومة أن تروج بين الناس بأن "الحل الوحيد" يكمن في دعم موقف البشير في مواجهة المجتمع الدولي ومحكمته، وتسعى لفرض هذا الموقف بين الأحزاب بالترغيب أو الترهيب، وتحاول تمرير هذا الخيار باعتباره الوحيد "لإنقاذ السودان" و "الضامن الوحيد" لتنفيذ اتفاقيات السلام. وهذا التصور خاطئ لأسباب كثيرة من بينها أن نظام البشير هو الذي تسبب في هذه الحروب واستعارها وانتهاكات حقوق الإنسان، فمن كان سبباً في انقسام السودان وتعريضه لخطر الزوال لن يكون سبباً وضامناً لبقائه. كما يكذب هذه المقولة أن موت دكتور جون قرنق المفاجئ لم يؤدي لانهيار اتفاقية السلام أو موتها.
بالطبع ليس ما تفرضه الحكومة هو الخيار الوحيد، فهناك خيارات وحلول كثيرة للخروج من هذه الأزمات الخانقة، من بينها تنحي حكومة الإنقاذ كلية عن السلطة وإرجاع الأمور للشعب السوداني ليقرر فيها بمجرد صدور أمر بالقبض على الرئيس البشير، وتسليم السلطة لحكومة قومية فورية انتقالية، لتسيير البلاد يكون من أول مهامها إجراء الانتخابات الحرة النزيهة في موعدها المحدد قبل حلول يوليو 2009.
أما الخيار الثاني في حالة تأخر صدور القرار مع استمرار وجود شبحه في الأفق وبقاء التهم الجنائية الدولية، واستمرار الحكومة، فيكمن في الالتزام القاطع من حكومة الإنقاذ بإجراء الانتخابات وتنفيذ حق تقرير المصير في موعديهما المحددين، لأن فيهما مخرجاً آمناً وناعماً لأهل الإنقاذ، وصيانة لما تبقى من دولة السودان. و يجب ألا يكون هدف الحكومة من الانتخابات هو إضفاء الشرعية القانونية للنظام أو الرئيس البشير، فالنظام قد فقد شرعيته بتعريضه بقاء الدولة السودانية للخطر، والرئيس صدر ضده فيتو دولي يمنع ترشيحه مرة أخرى للرئاسة في الانتخابات القادمة.
سيكون الربع الأول من العام القادم هو الأهم والحاسم في تاريخ السودان الحديث، فإما أن تجرى انتخابات حرة ونزيهة تضع نهاية لحكم الإنقاذ الوطني أو يدخل السودان في مرحلة هي الأسوأ في تاريخه حيث يهدد بالانشطار والتمزق والصوملة. إن استمرار الإنقاذ في حكم السودان يعني استمرار سياسات التفرقة والانقسام وعدم الاستقرار. إن إجراء الانتخابات الحرة النزيهة والعادلة وإجراء الاستفتاء حول تقرير المصير للجنوب هما اقصر الطرق المتاحة الآن للحفاظ على وحدة السودان وبقائه.
|
Post: #2
Title: Re: مهددات بقاء الدولة السودانية ...الانتخابات وتقرير المصير اقصر الطرق
Author: ابراهيم على ابراهيم المحامى
Date: 12-30-2008, 10:49 PM
Parent: #1
up
|
Post: #3
Title: Re: مهددات بقاء الدولة السودانية ...الانتخابات وتقرير المصير اقصر الطرق
Author: ابراهيم على ابراهيم المحامى
Date: 01-02-2009, 02:44 AM
Parent: #1
up
|
Post: #4
Title: Re: مهددات بقاء الدولة السودانية ...الانتخابات وتقرير المصير اقصر الطرق
Author: ابراهيم على ابراهيم المحامى
Date: 01-04-2009, 02:20 AM
Parent: #3
up
|
Post: #5
Title: Re: مهددات بقاء الدولة السودانية ...الانتخابات وتقرير المصير اقصر الطرق
Author: ابراهيم على ابراهيم المحامى
Date: 01-05-2009, 05:31 AM
Parent: #3
إجراء الانتخابات الحرة النزيهة والعادلة وإجراء الاستفتاء حول تقرير المصير للجنوب هما اقصر الطرق المتاحة الآن للحفاظ على وحدة السودان وبقائه
|
|