8.
أنقطعت عني المصاريف ... والأحزان تتري مابين تصرف خالي وعبارات جدتي وأمي القاسية فبدات مرحلة أخرى من الكفاح لبناء نفسي.
- ذات يوم وعبد الله يكافح لبناء نفسه وتوفير مالاً يوائم رغبته في مواصلة الدراسة تعرف على شاب سوداني ... يصفه لنا بشعره الغزير الناعم وتسريحته الأفرو "بوب" ... وهو الذي قاد عبد الله ما بين العمل في النقاشة والتجارة على الرصيف في اصناف مختلفة كالفنايل ونوع آخر من الملابس الخفيفة وانواع من التبغ ... ومن خلال عمله مع إبن بلده هذا ... تعرف على الكثير من مهاجري المغرب العربي ... وفي ذات يوم وهم يحملان بضاعتهما التي أحضرها صديقه السوداني وبرفقة مغربي لاحظ عبد الله أن الشخصين كانا حريصين على تسليمه كل الكمية والإنشغال بحالهما في أمور أخرى لم يفهما هو ... فجأة رأي عبد الله صديقيه يلوزان بالفرار وهو قائم في مكانه بكل براءة - براءة الواثق من نفسه بأنه لم يرتكب أي خطأ يذكر ...تنفس بعمق اكثر من مرة, قبل أن يفتح عينيه, تجمد في مكانه، ووجد نفسه محاصرا بنظرات الذهول من قبل أفراد الشرطة .... وتم أسره بقيد يديه وتكبيله بالكلبشات وقيد إلى ردفات المحكمة ليعتقل ويبدا معه التحقيق ... ووجد أن الأسئلة للمحققين تنحصر في مدى معرفته بالحشيش ... ولماذا يبع هذا النوع من التبغ .... فكان من شدة دهشته متسمراً في مكانه .. وتحجرت الدموع في عينيه وعجز لسانه عن ان ينطلق بكلمة أو أن يجيب عن عوالم لم يسمع بها فهو سليل أسرة متمسكة دينيا وحريصة على تعاليمها المسيحية ... واخيرا فهم ان هذا النوع من التبع يخلط بالحشيش ... حكم القاضي عليه بسنة كاملة ... وحسب افادته لنا أن سنة السجن تسعة اشهر ولكن افرج عنه دون الستة أشهر بقليل نظراً لحسن خلقه وحسن سلوكه داخل السجن.
تسكع هنالك عبد الله كثيراً وكافح كثيرا للعمل وجمع مالاً وضاقت به الحياة بما رحبت، وما بين التسكع والتحسر على حاله واستغرابه لتصاريف الزمان الذي حكم عليه أن يهان في دار ليست داره ... راودت فكره المرهف ... وعاطفته الجياشة أن يبحث عن اباه "محمد عمر" وهو يناجي نفسه في وحدته وحينما يسير متسكعا تحت أضواء شوارع مدريد وصخب أزيز إطارات السيارات التي لا تسمع أزيز مكناتها هنالك ... ولكن تسمع صخب احتكاك إطاراتها على الاسفلت .. يناجي عبد الله نفسه دوماً (يا والدي كن صديقي فأنا في ضيقِ وفي محنة من حالي ِ .. كن صاحبي يا صاحب القلب الحنون الصافي الحاني.. فأنا إذا ما تهت بين الناس في الطرقات والمدنِ.. وذاب من تحتي الطريق وتاه مني عنواني فمن لي سواك). ولسان حاله ينشد أبيات لشاعرنجهله ويحكي عن حاله :
يا والدي يا صاحبي في الضيقِ والمحن ِ ..
يا صاحب القلب الحنون الصافي الحاني..
إذا ما تهت بين الناس في الطرقات والمدنِ..
وذاب من تحتي الطريق وتاه مني عنواني..
وتخلى عني الصحب ، وناح القلب بالشجن..
وهان الحب يا أبتي على القاصيِ والداني ..
رأيت دمعك الطاهر ، يغلف عينك الحزن..
أتبكي يا أبي تباً أنا المسئول والجاني..
فداك العمري يا عمري أهذا دمع أم مزنِ ..
أيوجد في الحياة حبً كهذا الحب إنساني ..
وإذا لابد من وجعٍ ، وإذا لابد من حزنِ
أمات الله أحزانك ، وأحيى فيا أحزاني ..
وهاهو عبد الله ينتظر الفرصة السانحة لذلك وقد كان .... وهو لا يعلم شيئا يدله لوالده غير أنه يسكن في مدينة تدعى عطبرة (بلد الحديد والنار).
هيأ عبد الله حاله وأولى المحطات التي أنتقل إليها في إسبانيا هي مصر ... واقام في القاهرة برهة من الزمن (هدفه وهاجسه أن يجيد اللغة) العربية ... هنالك حيث التقى مجموعة من الأفارقة تعمل هنالك رفقة رجل مصري يمتلك صالة ديسكو يأتي إليه الرواد من الأفارقة ومتسكعي السواح الأوربيون الذين يحبون الأماكن المتواضعة ولا تخلو هذ الصالات من الزوار السودانيين كذلك. .... راقت لعبد الله فكرة العمل والتي كانت له فاتحة خير من ناحية أخرى وفتحت له آفاقاً أرحب ....
يتبع .....
ملاحظة:أعتقد أن السرد قد بلغ خيطا يمكن القارئ الذي التقى يوما ما بأخي عبد الله من معرفته ... حيث أنني أنقل هذه الفقرات وفقا لما سمعت وبترتيب وفقاً لنصوص أخترتها من عندي دون تغيير ... قمن يعرف عن عبد الله شيئاً أو سمع به فليراسلني عبر هذا الايميل:
[email protected]