رسالة للبحر الأحمر

من الشهداء . . . لا تصافح !!


عندما تلعب المصالح الحزبية، والمكاسب السياسية دورها تضيع دماء الأبرياء تحت وطأة أقدامهم وهم يتصاعدون على سلالم القصر، وبين أكفّهم وهم يلهجون في التصفيق على توقيع اتفاقية السلام. وأيّ سلام! إن هذه الصورة لهي صورة مُقززة لواقع سياسي سوداني يندى له الجبين. صورة تُجسد بكل جلاء تلك البيعة التي اشترى فيها دُعاة الديمقراطية وواجهاتها دماء الشهداء الأشراف بثمنٍ بخس. إنها صورة لأرواح أولئك الشهداء وهم يُشيرون بأصابعهم - التي تتقاطر منها الدماء – إلى أولئك المبتسمين في وجه القتلة. تسيل من أشذاقهم الدماء، وتلتصق بجلودهم وصمة التاريخ التي لا تُمحى.

وها نحن الآن ليس لنا إلاّ من تبقى من رذاذ النشيد الوطني. وأشعار الثورة التي أطفأها الديمقراطيون باسمنا دون وجه حق. رفعوا أيديهم مصافحين لنفس العصابة التي كُنّا قبل عام ننقش أسماؤهم على صدورنا كي لا ننساهم حتى يأتي وقت الثأر. ولكن يبدو أنّ من وضع يده في الماء البارد، لا يعرف طعم لهيب النار المحرقة. هل خُدعنا، أم يطلبون منّا أن نركن إلى النسيان. أن نقفل بوابات الموت التي تنطلق منها أصوات الشهداء مُطالبة بالثأر. ومن هم أولئك الشهداء؟ هم أنفسهم الذين كانوا في يومٍ ما لافتةً لشعاراتهم الرنّانة. هم أنفسهم الذين كانوا وقوداً لمعاركهم السياسية فوق أجسادنا نحن. هم أنفسهم من رفعوا صورهم وجسّدوها رمزاً للحرية والديمقراطية.

كيف تصالحَ رجالات التجمع الوطني الديمقراطي وجيش تحرير السودان مع حكومة الإنقاذ؟ كيف – في لحظة – مسحوا من ذاكراتهم العشوائية جداول الدماء الساخنة لشهداء الأرض والديمقراطية؟ كيف تناسوا – في لُجّة التصفيق – هتافات الأحرار منادين بسقوط الحكومة، وقيام الديمقراطية؟ كيف راهنوا على عذاباتنا بهذه الحبكة المُخجلة بكل سهولة؟ لقد سقطت كل الوجوه الزائفة، وتبددت أحلام الذين تحمّلوا سياط التعذيب، وإهانات العساكر، ومساخر رجال الأمن. أولئك الذين داسوا بأقدامهم الحافية على طرقات الخرطوم والسوق العربي جرياً تلاحقهم عربات البوليس. أولئك الذين ترمّدت أعينهم بهراوات شرطة مكافحة الشغب، والذين تركوا صفوف الدراسة ليقفوا على سلالم كبري جامعة الخرطوم المعلّق هاتفين ( لا تعليم في وضع أليم ). أولئك الذين نشفت أصواتهم في حناجرهم وهم يُرددون:



سفّاح ..

وما بفهم ..

خلاف لغة السلاح ..

بالدم بدا

وبالدم حتشرق يا صباح

...............

...................

شقيش تقبّل يا خسيس

وين تمش

تلقى ناس طالباك جنا

صاحبات أسيّة مصبّرالك ..

كم سنة


هل يُطالبوننا الآن بأن ننسى؟ وبأن نكفر – بعد إيماننا – بكل ما حاربنا من أجله؟ من اجل ماذا؟ ولمصلحة من؟ أين الحساب الذي توعدنا به أولئك القتلة؟ أم كلام الليل يمحوه النهار. وكلام النضال تمحوه زهوة الوقوف على منابر القصر الجمهوري ومقاعد البرلمان!! هل نسينا القرشي، والتايه، ومحمد عبد السلام بابكر وجراح الثوّار في انتفاضة أغسطس 98 ، بل هل نسينا المائة والثلاثين الذين ماتوا برصاص العساكر في مجزرة العيلفون في أبريل 98 وماذا عن الغرقى؟ ماذا عن الذين ما تزال أجسادهم الطاهرة في مكانٍ ما لا يعرفه أحد. أيضيع كل هذا؟ أتضيع كل تلك النداءات تحت ضجّة التصفيق؟

إني أطالب باسم جميع الشهداء بأن يُحاسب هؤلاء القتلة أولاً قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وقبل مدّ اليد لتوقيع أي اتفاق. إنّ أي اتفاق قبل المحاسبة لهو اتفاق باطل . . . باطل . . . باطل. ولا نامت أعين الجبناء الذين باعوا دم الشهيد بمقاعد في البرلمان.

القصاص . . . القصاص

up