Post: #1
Title: أوباما: برق عبادى خاتى القول
Author: Muhammad Elamin
Date: 11-08-2008, 05:59 PM
أوباما: برق عبادى خاتى القول محمود عثمان رزق لم يكن أحد من السياسيين ولا المختصين فى الشأن الإجتماعى والسياسي الأمريكى - من ألامريكان أو غيرهم - يتوقع أن يصل رجلا أسودا لعتبة البيت الأبيض فى بداية القرن الواحد وعشرين. وحتى قادة حركة النضال من أجل الحقوق المدنية من السود أنفسهم كأمثال جيسى جاكسون وقفوا مدهوشين وأعينهم تفيض بدموع الفرح لا يصدقون ما حدث!! وحتى البيض الذين صوتوا له وقفوا مدهوشين أيضا وكأنّ التغيير لم يتم على أيديهم كلاعب أساسى. وإن دلّ هذا الإندهاش على شئ إنّما يدل على عمق المشكلة الإجتماعية التى كان يعانى منها المجتمع الأمريكى. وأنا شخصيا لم أكن أتوقع فوز أوباما لمعرفتى التامة بالمجتمع الأمريكى وعقليته التى لم تكن مستعدة لوقت قريب جدا لقبول أربعة أشياء هى:
1- انتخاب رئيس أسود
2- إنتخاب رئيس يهودى
3- إنتخاب إمرأة للرئاسة
4- إنتخاب رئيس كاثوليكى (وقد كان كندى هو الرئيس الكاثوليكى الوحيد وقد قتل)
.وعدم إستعداد قبول المجتمع الأمريكى لتلك الأقليات الأربع لا يعنى أنّه لم يكن يشهد تطورا وانفتاحا كبيرا فى عقليته وفكره ونظرته تجاههم وتجاه القضايا المماثلة فى دول العالم الأخرى . لا، لقد شهدنا تغيير العقلية الأمريكة ولمسناها عن قرب فى وقوفها ومساندتها للسود فى جنوب أفريقيا ضد النظام العنصرى آنذاك. فما زلنا نذكر هبة الشعب الأمريكى فى إنتفاضة شعبية مشهودة طالبت فيها الرئيس الأمريكى بسحب إستثمارات بلاده من جنوب أفريقيا. وبالفعل قد أستجاب الرئيس للطلب وبدأ النظام العنصرى إثرها يضعف ويترنح حتى إنهار تماما. وقد كانت نتيجة ذلك الإنهيار هى وصول رجل أسود لسدة الحكم لأول مرة فى تاريخ جنوب أفريقيا و كان الرجل هو الرئيس ولسون مانديلا. إذا فقد مرّ الشعب الأمريكى بهذه التجربة من قبل ومارسها بعيدا عن حدوده إلا أنّه لم يكن مستعدا لنقلها لبلاده ولم يكن مستعدا ليقول : "البغلة فى الإبريق" .
ولكن عالم السياسة والإنسان عالم عجيب ومليئ بالمعجزات والمفاجأآت. وكثير من الناس كان يرى أن مجرد وصول السيدّ أوباما للمرحلة الأخيرة من المنافساة الإنتخابية يعدّ فى حد ذاته إنتصارا وخطوة كبيرة جدا نحو تغيير التاريخ يوما ما. ولكن بالرغم من الجهد الشجاع والكبير والذكى الذى بذله السيّد أوباما إلا أنه لا يسعنا إلا أن نقول إنّ الأزمة المالية على وجه الخصوص لعبت دورا كبيرا جدا فى جعل الناخب الأمريكى يفكر أكثر من مرة فى مستقبل بلاده. ويبدو أنّ الناخب الأمريكى وصل لقناعة قوية مفادها أنّ الطريقة التى إنتهجتها إدارة الرئيس جورج بوش فى إدارة ملف السياسة الخارجية للولايات المتحدة سيقود البلاد للهاوية لا محالة، وقد رأوا آثار تلك السياسة بينة فى وجه الإقتصاد الأمريكى الذى ظهر عليه الإرهاق والشحوب بسبب الإنفاق العسكرى الباهظ.
ولهذا يجب ألا ينظر لهذه الإنتخابات على أنّها نضوج فكرى طبيعى تام وصل إليه الأمريكيون لتغيير واقعهم الإجتماعى والسياسى وكان أوباما أول من مدّ يده وقطف ثماره . إن نضوجا مثل هذا يقاس فى الأوقات التى لا تمر فيها البلاد بأزمات مالية وسياسية وعسكرية ويكون الجو العام جيّدا، ففى تلك الأجواء إن إختار الشعب الأمريكى رجلا أسودا أو يهوديا أو إمرأة فسيكون ذلك تحول لا مراء فيه.
وكما ذكرت آنفا، لا أحد ينكر أو يشكك فى وجود تحول فى العقلية الأمريكية ولكن هذا التحول يسير بسرعة متوسطة و ليس بكاف لوضع رئيس أسود فى البيت الأبيض فى الوقت الحالى وسوف نرى صدق هذا التحول- إن وجد- فى الدورات الإنتخابية القادمة لأنّ الحدث قد يكون ظاهرة و الظاهرة قد لا تتكرر. فلهذا نقول إنّ اوباما وصل للحكم بسبب الظروف الإقتصادية السيئة أولا، ثم عوامل التغيير الإجتماعية.
وبغض النظر عن الأسباب التى أوصلته للحكم وكونه ظاهرة أو رياح تغيير حقيقية ففى فوزه إشارة "برق عبادى" لتغيير مناخ السياسة فى بقية دول العالم وإن تراجعت أمريكا –لا قدر الله - عن خطوتها هذه التى قد تولّد حركة نازية عنصرية جديدة. وكما أنّ الأزمة فى أسواق المال الأمريكية أخذت العالم على غرة و أثّرت عليه وجعلت كل دولة ترتب بيتها الداخلى ، فقد جاء إنتخاب أوباما كمفاجأة سياسية وحدث غير متوقع ، وسوف يغير هذا الحدث مجرى التاريخ و معه سوق السياسة فى كثير من بلدان العالم. وسيشمل التغيير إرادة الشعوب ومعها مناهج المعارضة للنظم السياسة فى العالم الثالث أيضا.
وعشمى أنّ يستغل السود الفرصة التى وجدوها بفوز أوباما ولا يتركوها تضيع من بين أيديهم وفيهم كثير من السياسيين المحنكين، وكثير من رجال القانون والإقتصاد الذين إذا ناصروه وآزروه لإخراج البلاد من أزماتها الإقتصادية والسياسية والعسكرية، سوف ينجحون تلقائيا فى إزالة ما تبقى من حواجز فى درب التطبيع الإجتماعى من أجل ميلاد مجتمع أمريكى ديمقراطى جديد ينظر للعالم بنظرة مختلفة وينظر إليه العالم بنظرة مختلفة أيضا.
|
|