السبت 1 نوفمبر 2008م اليوبيل الفضي لمدرسة الشيخ نائل الابتدائية بقرية النوبة

تحتفل قرى النوبة والجزيرة إسلانج (شمال أمدرمان) منذ أربعة أيام باليوبيل الذهبي
لمدرسة الشيخ نائل الابتدائية (للبنين) بعيدها الخمسين (فتاة في الخمسين من عمرها)
واليوم سيكون الاحتفال النهائي لهذه التظاهرة التي تصدى لها خريجي المدرسة ..

وقد حضر مربي الأجيال الأديب الأريب الأستاذ / محمد عمر الركاب(من توتي) قبل أربعة أيام
للمشاركة وأسرته وأحفاده في هذا الاحتفال الضخم الذي سيحضره وزير التربية والتعليم
وعدد من المسؤولين وينقله التلفزيون والإذاعة، والجدير بالذكر أن الأستاذ الركاب
هو أول ناظر أفتتح المدرسة.. وسأحدثكم عبر هذا الخيط عن محمد عمر الركاب وعن دور
هذه المدرسة في نهضة المنطقة وعن النساء العظيمات اللائي كن يبعن لنا الطعمية واللقيمات
والفطور وعن النوادر التي كانت تحدث .. وعن الشيخ / نائل محمد نائل (معلم) توفى
1948م والذي حملت هذه المدرسة أسمه.

سأحدثكم عن دور هذه المدرسة التي سمح فيها للبنات بتلقي التعليم مع الأولاد رغم
أنها مدرسة للبنين .. وعن دورها في محو أمية وتثقيف المجتمع ..

يقود هذا العمل مجلس آباء برئاسة الدكتور / سيف الدين الطيب الأمين – وكوكبة
من أبناء القريتين (النوبة/إسلانج) غالبهم من خريجي المدرسة بكفاءة واقتدار .. ونواصل

الشيخ نائل الذي سميت المدرسة بإسمه هو نائل محمد
نائل معلم طاف على المدراس الإبتدائية في بورتسودان
والدامر والجيلي وبعض مدارس العاصمة وتلقى العلم
على يديه كثير من قيادات الحركة الوطنية وهو مـن
الجزيرة إسلانج وانتقل منها للإقامة بأسرته بقريـة
النوبة منذ العام 1918م حتى وفاته يرحمه الله، وقد
عرف عنه التدين والاستقامة وكراهيته للمستعمريــن
الإنجليز الأمر الذي أثر على وضعه كمعلم مغضوب عليه
من السلطات .. وقد كتب في إحدى قصائده:

أراني كثير الهم في غير ما يجدي
لقد عاقني الحظ السقيم عن المجد
فإن أك غير موفق في مهنتــــــي
فإن يداي بالمكارم قد تفـــــدي
أحب الآيامى واليتامي ومن تكـــن
به عاهة ذاك الذي مكرم عنــــدي
ولكن ذا المال المصعر خــــــده
فليس له مني سوى الهجر والصـــد
لأني بحمد الله أمسيت قانعـــــــا
فلا أبتذل نفسي إلى سافل وغــــد
وإن قيل لي طاطيء لرأسك مــــرة
ونعطيك ما تصبو إليه من المجــد
لقلت لهم خلو سبيـــلي فإننـــي
أبي يرى عيش المهانـــة لا يجـدي
وإني لمن قوم أباة عرفتهــــــم
وآليت أن أسلك طريقهم وحـــــدي

جاءت المدرسة كنسمة لتخلق حالة من الحيوية
والتغيير في حياة أهلنا التي كانت زراعــة
وماشية وأغنام.

لم تكن هناك مدرسة أو شفخانة أو نقطة غيار
ونحن على مرمى 27 كيلو متر من العاصمة ..
ونغني دائماً (نبقى درقة وطني العزيز)، ونشرب
الموية التي تنتشلها أمهاتنا فجرا من البئر
ونولع باللمبة بليص (الجاز والخيط) .. كانت
المدرسة برنامجاً جديداً للإنضباط واللبس النضيف
والامل الذي إنفتح على المستقبل لا يغير فــي
الأمر أن المدرسة بدأت عندما بدأت في منــزل
الرشيد نائل المحامي (إبن الشيخ المعلم نائل)
الذي تبرع بمنزله (الطيني) المكون من العديد
من الغرف ليستخدم كمدرسة حيث كان يسكــــــن
بالعاصمة.. وكان التلاميذ في البداية يجلسـون
على الأرض وأمامهم معلم يلبس رداء كاكي وقميص
أبيض ويحلق كاريه مش صلعه كحال تلاميذو، حيـث
لم تكن قد انتشرت بعد ثقافة الحلاقة والتصفيف.

وكان بعض الافراد من النوبة والجزيرة إسلانــج
يقومون بدور مجلس الاباء لتلك المنارة المعرفية
التي كانت في قريتنا بؤرة ضوء مثل تعليـــــم
البنات في رفاعه في بداية القرن على يد الشيخ
بابكر بدري.

الرسالة وحليتي كانتا أول النساء اللائي يبعن
الفطور للتلاميذ ثم نفيسة ثم البتول .. يحملـن
القفاف على رؤوسهن في الصباح الباكر ويتوجهن
صوب المدرسة ويجلسن عند جدار السور وقبل الجرس
الصباحي يبعن اللقيمات والطعمية وفي حصة الفطور
يبعن سندوتشات الفول والطعمية، ولم يكن يردن
أحدا من التلاميذ خائباً، لأن غالبهم كانوا يأتون
للمدرسة بأيديهم الخالية فثقافة المصاريف لم
تكن قد سادت بعد، قليل من الاولاد ياتي ومعه
تعريفه أو قرش والبقية يطلبون لوجه الله طلبا
للرزق، وكانوا يجدون حبة طعمية أو قطعة رغيف
طازه فقد افتتح فرن في ذلك العهد وكان للرغيف
رائحة شهية في ذلك الزمن الوريف.

كان بالمدرسة عدد من (التيمان) وكان تشابههم
يسهل عليهم الاستدانة من بائعات الفطور والتحايل
على السداد لعدم قدرة البائعات على استعادة حقهن
فكل يرمي الامر على التوم التاني!

أدناه إيميل من الأخ نائل محمد نائل عضو اللجنة
المسؤولة عن الاعداد للإحتفال وصلني قبل عدة أيام:

التحايا الأخوية أخي محمد -كل الخطوات تسير بصورة لا بأس بها .
تمت مقابلة وزير التربية والتعليم بالولاية والتزم بدعم
اليوبيل وإجلاس التلاميذبنسبة 30% وعمل مراحيض حديثة جديدة .
- مقابلة والي الخرطوم في اليومين القادمين .-بدأ العمل
في تشييد مسرح المدرسة .- بدأ وصول التبرعات على رقم
الحساب الخاص باليوبيل.- شرعنا في تنفيذ لافتة كبيرة للمدرسة
سيتم تثبيتها في الأيام القادمة .- تشتمل أيام الاحتفال على
معارض تراث وثقافة وشخصيات وليالي شعريةوندوات وطمبور
ونشاط رياضي واليوم الختامي تكريم وقراءات ومداخلات.
سنوافيكم بالمستجدات أولاً بأول .تقبّل تحايا الجميع ودمتم
في حفظ اللّه

لم يكن دخول المدرسة بشهادات ميلاد .. كلو تسنين
فكل النساء كان يتم توليدهن بواسطة الدايات
المحليات، لم يكن احد يهتم بأن يسجل مولوده في
سجل يثبت أن شعب السودان قد زاد واحدا أو واحدة

ورب ضارة نافعة فقد تم إستخراج شهادات تسنين
لأطفال أعمارهم تزيد عن السبعة بأربع أو خمسة
سنوات ودخلوا المدرسة وهم كبار وبعضهم تعلم
ونجح وساهم في إفادة أسرته والمجتمع رغم دخوله
في المدرسة بعد سنوات من العمر المفترض أن
يلتحق فيه بالمدرسة.

كان يوم أمس السبت 1 نوفمبر اليومي الختامي
للإحتفالات .. رفعت صور المكرمين خفير المدرسة
بائعات الفطور مدراء المدرسة طول خمسين عاما
بعض المعلمين والمعلمات بعض الأفراد الذيــن
كان لهم مساهمات .. وحضر خريجوها (عمال
مزارعين - جنود - تجار - أطباء - مهندسين -
أساتذة جامعات - مسؤولين حكوميين) جاءوا كلهم
بشتى مشاربهم وجلسوا في صعيد واحد في لحظة
وفاء نادرة لهذه البورة المعرفية التي تستحق
كل التقدير.

وتم إتخاذ قرارات كبيرة سنوردها تباعاً

لم أستلم التفاصيل ولكني تأكدت أن التبرعات للمدرسة
قد بلغت الـ ثلاثمائة مليون جنيه وحوش جديد ودورات
مياه حديثة وتبرع أحد الأفراد بمكتبة إلكترونية،

تستحق أن تبنى على أحسن طراز فقد قدمت المعرفة
لخمسين عاماًلأجيال كانت ستحرمها