|
بغـاء بـرئ
|
من مذكرات قديمة منشورة في بيتنا الحبيب عند اولاد البيت
بغاء برئ
مستوحاة من قصة حقيقية ، من حكاية اعتيادية..مألوفة لدرجة السذاجة..عادية لدرجة البكاء..بسيطة الى حد النسيان. 1
الشتاء
كنت جالساً على الأرض في ركن من ساحة الجامعة أحدق في اللا شئ ، وربما كنت انظر للثنائيات والمجموعات التي تمر من أمامي وربما في الشجر وربما في كتاب أو رباط الحذاء أو أي شئ آخر ، هكذا كنت شتاءاً أنا ، دائم التأمل بحكمة أحياناً وببلاهة أحياناً أخرى. تثور دواخلي مع أول نسمة شتاء ولا تهدأ ، يتحرك أعمق جزء في نفسي كان يبيت بياته الصيفي ويبدأ بحثه في الذاكرة ، يفتش عن التفاصيل في المشاهدات وعن معاني الأشياء. لم أفهم علاقتي قط بالشتاء بكل تلك القوة النفسية التي يأتي بها الي ، هل أحب الشتاء لأنه يرسلني الى تلك القمم متأملاً من الأعلى رافضاً كل حماقات الجسد وحركاته الساذجة لاتحول الى راهب متأمل يفلسف الكون من حوله. فصل كبقية الفصول وأيامه بنفس الحوادث والحقائق ولكن هكذا أنا شتاءاً..خاملاً متأملاً أسمع ولا أتحدث ، أقرأ ولا أكتب أجلس ولا أركض.ان تحدثت الى أحمد فلأن أحمد هو صديقي وأحبه ومشاكله تهمني ويجب أن تحل وبكل التفاصيل ، وجدالي مع صفاء وخالد يصير عميقاً ، وان دخنت "سجارة" فقد دخنتها بتمرد ونفثت دخانها بألف معنى ومعنى ، والقصيدة تصبح قصيدة والرواية تصبح رواية والليل ليل والشباك هو شباك والرياح هي كذلك وأمي وسريري والغطاء وكوب الشاي ، الموسيقى موسيقى وكل التفاصيل هي ذاتها بكامل تفاصيلها ، وفي الجامعة هي أكثر بريقاً من الساحة الى القاعات الى ركني هذا ، إن أحببت احدى الفتيات فلن تكفيني بقية حياتي لاحكي عن لواعج قلبي واحاسيسي الملتاعة وعيوني الساهرة ، الجنون هو أني في أيام أخرى وفي فصل آخر أكون أنا أنا ، أتحدث الى أحمد لأنه أحمد أو لأنه لابد من حديث "ومشاكلك تافهة يا أحمد" ربما ، وتلك الفتاة كانت مجرد فتاة واعتقد أني أحبها وربما لا. والسيجار مجرد عادة ضارة وقلة أدب .. كنت أعرف معظم زملائي في الكلية ومشاهير الكليات الأخرى أيضاً ، ولكني حصرت علاقتي في اثنين فقط ، رغم أني كنت أحب نموذج "الموهومين الفاهمين" كما كنا نسميهم أنا وأحمد وصفاء ، كنت أحب الاستماع لحديثهم المتمرد الذي يشبه طريقتهم في لفّ شعر رأسهم بالأصابع وملابسهم المجعدة وهناك طريقة ذكرهم لاسماء الثورات والشخصيات التاريخية الأجنبية الكثيرة التي يحفظونها ليقولوها في وجهك بكثير من الفذلكة ، وربما وجدوا في شخصي المنافق مستمع جيد رغم اني لا اركز كثيراً في حديثهم ولم أقرأ كتاباً واحداً من الكتب الكثيرة التي أغدقوا علي بها. الجامعة والقصص حول الأساتذة والطلاب السياسيين الذين يأتون من كواكب أخرى غير الذي نعيش فيه ، أيام الامتحانات ، والعلاقات العاطفية والأسرار التي يجمع أخبارها أحمد طوال النهار ليحكيها لي عندما نعود ، موضوعه المحبب وقد كان يؤمن بأنه خبير في هذا المجال. كان يتحدث عن تلك الجميلة التي رفضت عدوه اللدود وتلك المسكينة التي يخدعها فلان وذلك المأفون المسمى فلان ولأنه ابن ثري مشهور و..... و"ندى" الفتاة التي نخاف. وكنا نخاف "ندى" فعلاً ونرتعب.
كنت في جلستي تلك متأملاً عندما شعرت بظل فوق رأسي حين رفعت رأسي وتفاجأت.. مالذي أتى بـ "ندى" هنا!!!
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: بغـاء بـرئ (Re: محمد يوسف الزين)
|
2
ندى
-ازيك. (قالت ندى) -وعليكم السلام (قلتها وأنا أقف متلفتاً حولي في رعب) -فاضي انت؟ (قالتها وهي تجلس بعد السلام على الارض تماماً حيث كنت أجلس على النجيل) -مافي مشكلة (أخرجت بعض الأوراق وهي تقول) - ممكن تساعدني في "البحث" دا لو ما عندك مشكلة ولو مافيها تعب. تناولت الورق وأنا أتلفت انظر للناس . نظرت اليها وكل ما كنت أفكر فيه كيف أهرب من هذا الموقف. ندى شخصياً تجلس معي وفي هذا الركن النائي والطامة أننا وحدنا ولا أحد معنا. أخذت أقلب في الأوراق بقليل من التركيز وفهمت منها أن بحثها يحتاج الى بعض الرسومات والترتيب وبما أني أسبقها في الدفعة أفهم لماذا جائتني وربما سألتني لأن ليس لديها أحد ، وندى فعلاً كانت بلا أحد ، كانت بلا أصدقاء الا صديقة واحدة لا نعرف عنها شيئاً سوى أنها صديقة ندى وشهرتها بشهرة ندى ، كانت خارج مخططات الشباب الاغوائية ، بل كانت بدون زملاء بمعنى الزمالة ، "ندى" باختصاركانت..منبوذة. جائتني لتجلس معي ولو حتى بموضوع "بحث" وأفسحت لها برغم تحذيرات أحمد وبرغم حديث كل زميلاتي عن كرههم لها ، وبرغم اني أعرف أن كل من تودد اليها خسر احترام الجميع والجميع هنا هو الفتيات طبعاً وهو كل ما كان يهمنا في ذلك العمر الأحمق ، جائت وجلست بجواري بكل عطرها وملابسها الضيقة الذي تظهر كل مفاتنها وشفاهها الحمراء وعلكتها التي تلوكها ، جائت بكل جمالها وصوتها الداعر ولحمها الأبيض ، جائتني...شتاءً.
رفعت عيني من الورق لأخبرها بأني سآخذه معي وأحاول أن أعيد صياغته وإن شاءالله سـ.... وكنسمة هادئة وقاتلة قالت بصوت هامس.."كويس"... كأنّ ماءً مثلجاً نزل على رأسي بعد سماعي لذلك الصوت. دوماً كانت تبدو لي "مقززة" رغم وجهها الطفولي الجميل وطريقتها في مضغ "اللبان" ووجهها الملئ بالمساحيق وعرضها لجسمها بتلك الطريقة المستفزة كل ذلك جعل منها كائناً "مقززاً" عندي ، قابلتها كثيراً أمام الناس ولكني لم أقترب منها أبداً هذه المسافة.وأنا أكاد أسمع صوت أنفاسها ثم هذا الحديث الهامس!!!. بدأت أتتأتأ في الكلام وأنا أبحث عنه وإذا بها تضحك ضحكة بصوت عالي تفاجأت بها ولكن أعادتني لرشدي فوقفت وحييتها على أن ألتقي بها غداً وانتزعت يدي بسرعة من يدها التي كانت كقطعة من جحيم. جلست ثم بدأت البحث عن أحمد الى أن وجدته ، فحكيت له كيف أن "ندى" جائت وطلبت مني أن أساعدها في "بحث" ، واندهشت لعدم اندهاش أحمد وقال أن الموضوع "عادي". عادي؟! أليس أنت من قلت لي أياك وندى؟ هل كنت أنا من يضخم الحدث! هل أعطيته أكثر مما يستحق! كيف وندى هذه... جلست مع صفاء ولم أحك لها أني تفاجأت بندى اليوم وأني تفاجأت أكثر بأني لم أرفض مشروع صداقة عليه ما عليه وبكل قناعاتي عن ندى ومثلها ، ولكن سألت صفاء عنها..مجرد سؤال برئ بدافع الفضول هكذا قلته ، ورجوتها أن تحكي لي بداعي الفضول أو هكذا ادعيت . صفاء ذات العقل والصديق الواعي ولشدة دهشتي وجدتها تعرف ندى حتى أنها تعرفها أكثر من اللازم وقالت أنها كانت تسكن جوارهم بالحي وهي زميلة في المدرسة أيضاً.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بغـاء بـرئ (Re: محمد يوسف الزين)
|
3
ندى
كانت كل ما تفعله هذه الفتاة..بجميع تفاصيلها..مشيتها وضحكتها ، شكلها..كلها ، كانت عنوان إثارة ولكن بوجهه السخيف الخالي من كل ما هو جميل.وزاد عليه أنها كانت تتعمد الوقاحة في كثير من الأحيان ، تتعمد التصرفان الغبية واحراج الناس ، كانت متفردة تماماً بذلك السفور المستفز ، والخطيئة كانت داخل الحرم الجامعي مخفاة كحال كل المدينة التي تعرف كيف تخفي خطيئتها ، خطيئة المدينة التي تُسب بالنهار ، المدينة التي تخفي الرغبات خلف الأبواب المغلقة والزجاج المظلل لتعود وتفتش عنها ليلاً في الشوارع ، لماذا لا تملك فن الاختباء والتجمل لماذا هي تقف في المسرح لتعلن انها باغية ، وندى لم تكن منبوذة لذلك السبب فقط فهناك الكثير من الفتيات اللاتي يتبعن طريق الغواية وهن معروفات برغم الاقنعة التي يلبسنها ولكن لندى قصة أخرى. ندى كانت من تلك البيئة بكل معالمها الواضحة كانت ابنة "مومس". أمها شديدة الشهرة في المدينة ، يعرفها الأصحاء قبل المرضى وأي مرض يحملون ، ولدت ندى في بيت تعرفه جميع أنواع السيارات وفتيات الليل وبين الحفلات الراقصة والسيارات والمخمورين ربيت ندى ، كانت تغدق عليها أمها هي وأخيها ولا تحرمهم من شئ ، وأمها كانت تملك المال لدرجة الثراء بعكس مديرات البيوت اللاتي لا يزددن الا فقراً ، كانت أعلى مستوىً من مثيلاتها ، وعندما كبرت ندى رفضت هذا العالم وهذا الواقع ..رفضت كل شئ حتى أمها ، كانت دائمة الهروب..دائمة الرفض ، دائمة الاحتجاج ، وفي النهاية أصبحت دائمة الصمت الى أن أصبحت دائمة الفجور ، كانت تذهب للمدرسة قبل كل الفتيات وآخرهن ذهاباً الى البيت..كانت ندى شديدة الانزواء في طفولتها ، والحق أن أمها حاولت أن تبعدها بقدر الامكان أيضاً ولكن ماذا تفعل وهي تعيش مع فتيات يسكنّ معها في المنزل وأي واحدة منهن حكاية كاملة ، احداهن هربت من منزلها وأخرى أدمنت الخمر والحشيش وأخرى كانت في السجن وأخرى بائسة لدرجة البؤس وأخرى ضاحكة لدرجة الضحك ، كبرت ولم تعد طفلة تصدق ببراءة الطفولة أن هذا هو العالم ، وهكذا كل البيوت ، دفنت ندى نفسها في عالمها الخاص وتعودت أن تكون منبوذة بسبب أمها ورفضت المتاح من الصداقة من ذات البيئة ، راحت تفتش عن أبيها الذي طلق أمها وهي طفلة صغيرة وقالوا لها أنه توفي ولا أهل له ، ورغم أن امها طردت الفتيات من المنزل أخيراً ولم يعد أحد يأت الا أن أمها ما زالت تعمل هذا لا شك فيه وكثيراً ما تراها تتكلم بالهاتف تدير ما كانت تديره مواصلة في ذات الوظيفة التي قضت فيها نصف حياتها ، رفضت ندى كثيراً ، ليس لأن هذا خطأ وليس لأنها تبحث عن الفضيلة وليس لأنها تكره هذا العالم ولكن لأنها فقط من دفع ثمن أمها وتقيأها الناس ولفظوها بعيداً ، تعبت ندى من الهروب ، أسقطها التعب وآن أوان القرار ، وقد كان ، لتكون سلعة أيضاً وجزءاً أصيلاً من بضاعة أمها الرائجة..ليس لأن أمها تريد أن تجرها لذات العالم ولكن لان هذه هي خيارات الحياة الوحيدة التي كانت لهذه الروح المتعبة ، جسد مراهق وروح ضائعة كانت ، أعطت ندى نفسها ولم تبع ، لم تحتاج الى المال أبداً ولا للاضواء ، ولكن ندى باعت نفسها وبارخص الأثمان وبعيداً عن أمها لدرجة الكذب ، يا للسخرية ، تكذب على أمها لتعيش حياة الليل مع أصدقاء آخرون..مع مديرات آخريات وربما مع العبث الغير مرتب كما تحب أن ترتب أمها ، وأمها تداري عليها وترفض أن تكون ابنتها معروضة ، ومع ذلك وقعت ندى ، وكانت في سفورها تعبر عن كرهها لكل العالم ، ما دام الناس لم يقبلوا ندى الفتاة صاحبة الوجه الطفولي الجميل لخطأ أمها. كل زميلاتها في المدرسة كن يسكتن عندما تمر ، لم تنل يوماً جائزة في المدرسة ولا تصفيق ولا حتى عقاب ، وفي كل يوم تمني نفسها بأن الناس سينسوا ابنة من هي وأن يوماً ما ستنهض من الفراش وتجد نفسها كباقي الخلق ، تُحب وتُكره تُصادق وتُبعد ، تُجاور وتُفارق ،ولكن لا تُلفظ كشئ كريه ، كانت في قمة التهميش وفي قمة الشهرة في نفس الوقت ، وكانت المادة المفضلة للالسن في الخفاء ، فسحقاً للناس وهي سترد لهم كرههم كما يجب. لن تكذب لدرجة الصداع ولن تنافق لدرجة الغثيان ، ستكون سافرة واضحة كالشمس وليلعنها من يريد. كرهها العالم أكثر وتحرش بها أسوأ خلق الله وسمعت كل بذئ ومهين ، ولكن أتخذت قرارها ولن تتزين بزينة ليست من بيئتها وعالمها ، أصبح أخوها فناناً يغني في الحفلات ، وله أصدقاء ، ضائع أيضاً ولكن لم يُكره كما كرهها الناس ، لعله كان مكروهاً يوماً ما ونسي ، ولعله لم يُكره. لم تفهم هذه المعادلة. هل لأنها أنثى؟ ، أليست هي أمه أيضاً؟! هي أيضاً أصبح لها صديقات كُثر ، صديقات جدد كثيرات لحد الدوار..وأصدقاء. وأخيراً أصبحت غير مرغوبة أيضاً كما كانت حين بدأت تمردها على رغبة أمها وليس على عالمها ، لماذا وهي الآن جزء من المدينة بعد منتصف ليلها. لم تعرف الإجابة ولم تصدق ، كيف وهي أجمل من أكثرهن ، ان كان عليها أن ترتدي ثوب عفيف كاذب ليكون التعري أجمل وأشهى فلن تفعل وسحقاً ثانية لكل الناس ، لن تعطي جسدها لأي أحد ولن تتجمل أيضاً بأي عفة ولن تعود أيضاً لما اختارت وجربته وستلفظ كل من رفضها ، وبين كل هذا ظلت أمها كما هي. وندى تحولت كثيراً وأي تحول.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: بغـاء بـرئ (Re: محمد يوسف الزين)
|
عارف يا محمد (عابد) مشكلتك الوحيده هنا شنو !!
Quote: تاريخ التسجيل: 08-02-2008 مجموع المشاركات: 116 |
الصخره دي كبيره شديد .. براك ما بتحفرا ..
| |
|
|
|
|
|
|
|