مرثاة ..أسامة فرحات في الذكري الأولي لوفاة (عز الرجال ) عزت فرحات

عزّ الرجال
(إلى عزت فرحات)

زيّ الأماني لما يطفيها المُحالْ
والبرّ تغتاله الغيومْ
زيّ انسحاب الحلم لحظة الاكتمالْ
. . . .
غاب الحبيبْ
ومعاه تغيب كلّ المعاني
اللي انحرمت أشوفها تاني:
إزاي تلاقي كتف غالي
يسندك لمّا تميل وتعوز تقوم
نسمة تهفهف ع الجبين
تمسح تعاريج الهموم
شجرة تداريك في ظلّها الوارف
تندّيك بالأمان
ساعة ما تنوي تشتكي وجع الزمان
تلقى العينين المليانين حُبّ وحنان
صِغروا وهمّا بيحضنوا متبسّمين
صورتك
تقوم تنسى الشجون
. . . .
اتيتِمِتْ بعدك حاجاتْ
تغرسها تسقيها محبّة تشوفها تكبر حبّة حبّة
الوجد ياخدك من سُكاتْ
ويغرّقك موج الفرح
تخفي المدامع في العيون
من رقّتك احسب ساعاتْ
انّك صَغَيْرون طفلْ شافعْ
انقهر لو ينجرح
تدخل القلب ببساطة تمتلك منه المجامع
. . . .
- وانت سامع !
كنت محتاجك بشدّة
إني اجيلك في السودان
ناخد وندّي
وافتكر وعدك ف آخر مرّة شُفتك يا حبيبْ
جسم ناحل وانت بتدّاري الآلام:
"أجّل الرحلة قَريبْ
ربنا ياخد بيدّي
نعدّي على كل المنازل
مشتاقين لك من زمان"
. . . .
يا سلام . . في حدّ زيّك
يا قومندان(1)
وانت موش عاوز تسلّم
في الميدان
تنهزم في الحرب للداء اللعينْ
زيّ عادتك وانت بتقودنا أمّا نمشّي
تجري بالخطوة السريعة تمدّ وتمرجح إيديك
عارف الأرض اللي تحتك موش بتاعتك
راح تسيبها وتبقى طاير
والا خايف خطوتك فوقها تشدّكْ للصغاير
. . . .
والحقيقة لا نكابر
كل خطوة علّمت فينا وسقيتنا
روحك الوثّابة ترنيمة سماح
بيننا تتغنّى ما تحتاجش لمنابر
. . . .
والسماح منّك يا خويا
أصل أنا اتأخرّت عنّك والكتافْ
فاتها يومها تحملك وقت الوداع
واما جيتْ
التقيتك في العيونْ
اللي صَدّاها الفراقْ
في الأيادي تشدّ ع الزندين بلهفة
في العناقْ
من لوعة النَفَس اللي يلهج تَمْتَمَةْ
موش قادرة تتحوّل كلامْ
. . . .
بعد التعازي في الختامْ
والعين عصيّة
خليوا الكراسي واحتدام الوَحْشَة كان
طابق عليّا
. . . .
افردي وحلّي الضفاير يا صبيْة
امسحي الحنّة وزيلي الكحل يا خيّة
وألوان الزينات
- مين اللي مات ؟
زين البلاد
هو الِسِنادْ
طول عمره شايل كلّ الاحمال التِقال
- مين اللي مات ؟
عِزّ الرجالْ
كان العمادْ اللي في حماه
تلقى العِيالْ
الأهلْ والصحبة المديدةْ
يهيموا في النَفْحَاتْ
. . . .
"القول عليك يا صاحب الجودة
حجر الحدود ما تقلعك موجة
القول عليك يا صاحب المقدار
حجر الحدود ما يقلعك تيار"(2)
. . . .
يحزن عليك
الزهر مصلوب ع السياج
ويّا النخيل عريان(3)
والبُرش مشتاق سجدتك
تحت اللمون بينوح:
"فين المصلّي اللي ييجي يروح"(4)
. . . .
مستنيّاك القعده ف المَصْطَبةْ
وألبوم الطوابع والصور
أوراقك المترتبة
الذكريات المرّة والحلوّة
الحكاياتْ الطفولةْ والبلدْ
الساقيةْ والبيت الكبير
والنيل في أحضان الجُزرْ
بالمختصر
لسّه الشدايدْ محتاجاكْ
عايزاك وعايزه وقفتك
طول ما الولاة
قدحوا الزناد بين العباد
والدمّ طال كلّ الحدود
طول ما السدودْ
بتمزّع الجسد العليل
وبتستبيح النيل(5)
طول ما البلاد ضاقت على ولادها
وقسمّها الطغاة
بين مين ومين
جَلاّبة والا محرومين
. . . .
كان الجميع متطمّنين متأكّدين
وقت النزال
لمّا الوطن يحتاج رجال
من غير جدال
نلقاك في أول صفّ سابق
من هنا
دوغري اصطفاك الموت
وخبّاك عنّنا بسرعة قوام
زي ومضة برق
شعّت في الظلام
زيّ لمحة عين
يداهمهما المنام
كان ودّنا يخلف معاده
لسّه ما شبعناش كلام
هوّا الكلام ويّاك بيخلص
دا للي بيننا ما ينتهيش
وطريقك المفروش لنا
ماشيين عليه وانتَ الدليلْ
. . . .
وادي الأحبّه اتجمّعوا ف ذكري الرحيلْ
نغزل لك البُشرى بألوان الأصيلْ
تسري مع النيل الحزينْ
ينسى الكَدَرْ
يتهزّ من طيفها النخيل
وتحصلّك وسط الملايكه في السَمَرْ
إن الجميع باقيين على العهد النبيل
نَفَر نَفَر مستنيين متأمّلين
البسمه تتجلّى ف عينيك
ونشوفها على وجه القمرْ
مايو 2008
شعر: أسامة فرحات
إشارات:
(1) قومندان: رتبة عسكرية لدي العثمانيين وتعني القائد، نسبة إلى كون الراحل ضابط سابق بالجيش السوداني.
(2) من المأثور الشعبي للتعديد (العديد) في النجوع والقرى المصرية.
(3) إشارة إلى النخيل الملكي المحيط بسياج منزل الراحل.
(4) مثال آخر من المأثور الشعبي للتعديد.
(5) إشارة إلى السدود التي أقيمت على النيل وأدت إلى غرق منطقة النوبة وتهجير أهلها وآخرها سدي دال وكجبار المزمع إقامتهما واللذين سيؤديان إلى غرق مناطق السكوت والمحس.

عزت فرحات ..رحمه الله ..واحد من جيل العظماء مات واقفا أمام القضية النوبية .. مؤسس للعمل والنادي النوبي بالخرطوم ....