بيني وبين عشتروت ما صنع الحداد

عمي ود القصيّر – عليه رحمة الله – كان رجلا غنيا ،، تزوج على أم أولاده ، ودخل على زوجة جديدة لا تشبه أهلنا ،، كانت الزوجة الجديدة لعمي ود القصيّر تنتمي لأهلنا بشرق الجزيرة ، وقد جاءهم مشروع الجزيرة قبلنا بسنين ، وكانوا أقرب إلى مدني وأقرب إلى بركات وبالتالي هم أقرب إلى المراكز المتحضرة ، لذا كانت زوجة عمي ود القصيّر أجمل من نساء قريتنا ، وهندامها أكثر وسامة ورقة ، وكانت تبدو كنساء المدينة في زينتها ،، وعمي ود القصيّر كان رجلا منا بالرغم من الغنى الذي أصابه ،، بمعنى أنه ينتمي إلينا اجتماعيا وثقافيا ،، فكان يتدثر با ( التوب ) ويميل إلى لبس العراقي الوافر ،، ويحدّر الطاقية ، ويبدو جزلانه ممتلئا بالقروش حتى من خارج العراق ، ويركب في تندة لوريه الهوستن ،، وإذا ذهب لحواشته فهو يركب حمارا أسود طويل الأرجل ، سريع الخطو ، عالي الهمة ،،
قال عبد القادر ولد عمي ود القصيّر أن أباه كانت له عادة لم يتخلى عنها طوال حياته ،، وهي أنه كان يأكل اللحم البايت مع شاي الصباح ،، وأراد عبد القادر أن يكتشف هل الزوجة الجديدة هزمت هذه العادة لدى والده ، أم أن والده استمر على عادته غير آبه بالثقافة الغذائية للزوجة الجديدة ،، فدبر مكيدة ، وهي أنه نوي أن يصحو من نومه باكرا ، ويمر أمام غرفة والده وزوجته الجديدة وكأنه يتجه صوب الحمّام ، مع إحداث صوت واضح ، يلفت به انتباه والده .
ولما أصبح الصباح انطلق عبد القادر لينفذ المكيدة ،، ولما مر أمام الغرفة وحمحم بصوت واضح ،، ناداه عمي ود القصيّر :
منو ؟
أنا عبد القادر يابا .
عبد القادر ؟
آآي ..
تعال أكل ليك لحم ..
قال عبد القادر : فانفرجت أساريري وعرفت أن الوالد لا يزال بخير ..

كل أهلي يحبون اللحم ، يأكلونه نيئا ، مشويا ، مسلوقا ، ومحمرا ،، يعرفون أجزاء اللحم وهي مقطعة ، يقولون لك ، هذه القطعة من الورك ، وهذه من الليد ، وهذه من الشرشوف ، وتلك من المخروقة ، وهذه من الرقبة ، وهذه من الكتف ، وتلك من الظهر ، وبالطبع فإن الأضلاع ، والأجزاء الداخلية كلها معروفة ،، عرف أهلي أكل الكوارع باكرا ،، وكانوا يأكلون كوارع الغنم مشوية ،، وغير لحم المواشي فهم يأكلون الطيور بأنواعها ، ويأكلون الأرانب البرية ، وبعضهم يأكل حيوانات لا داعي لذكرها هنا ،،
في السبعينات وما قبلها ، وقبل أن يفعل المعتوه نميري فعلته تلك ، كانت عندنا إنداية ضخمة ،، أعتقد أنها أكبر إنداية بالجزيرة ،، وكان الزمن سمحا ، والمريسة رخيصة ،، يمكنك أن تخرج من الإنداية ممتلئ البطن ولم تدفع خمسة قروش ،، كانت هذه الإنداية لوحدها تأكل نصف المواشي التي تذبح في الجزارة ،، وهي ليست جزارة صغيرة ،، كانت تذبح في كل يوم من يومي السوق حوالي عشرة من البقر ، وثلاثة أو أربعة من الإبل ، وحوالي خمسة عشر من الغنم بنوعيها ،، هذا غير السمك ، والدجاج البلدي ، ، ويحق لأهلي أن يحبوا اللحم ، فاللحم عندنا لحم بلدي ، ترعى مواشيه رعيا طبيعيا ، وهي مواشي مأصلة ومفصلة ،، نحتفظ بشجرة عائلتها منذ الأزل ،،
نشأت كأهلي تماما ،، أحب اللحم حبا جما ،، آكله كيفما اتفق ، وفي أي وقت ، كل اللحم عندي لحم ،، الفرق فقط في طريقة طهيه أو تقديمه ، يمكنني أن آكل اللحم صباحا أو مساء ، أو منتصف النهار ،،
نعود لعشتروت :
قالت زوجتي :
أهلك يشوون اللحم من غير أن يضيفوا عليه بهارات ،، فقط يضيفون الملح وشوية ليمون بعد أن يتم شوي اللحم ،، لكن لحمهم ليست به زفارة ، ولا رائحته متغيرة ،،
قلت : سبحان الله ..
حاورتني عشتروت عدة مرات ، وهي تراني لا أستجيب لدعوتها لي إلى مائدة الحب ،،
قلت لها : إن بيني وبينك ما صنع الحداد ،،
قالت : أتريد أن تقتلني وأنا الآلهة ؟؟
قلت : معاذ الله أن أقتل إلها ،، وكيف أقتل آلهة الحب ؟؟
قالت : إذن ماذا تريد بما صنع الحداد ؟؟
قلت : وهل الحداد لا يصنع شيئا إلا أدوات القتل ؟؟
قالت : ماذا تقصد ؟؟
قلت : أريد كانونا ، وأسياخا ، وشواية ، وماشّة ، وسكينا لا تصلح للقتل ، أريدها فقط أن تكون صالحة لتقطيع اللحم والبصل ،،
قالت : أفصح أكثر ، فأنا لست آلهة الغذاء ، أنا آلهة الحب !!
قلت أريد من حبيبتي أن تجلس أمامي ، لا يفصل بيننا إلا كانون ، وعدّة ، ولحم متبل ، وبصل مشقق ، وآخر معد للشوي مع اللحم ،، فنجلس كما نشتهي ، وندخل أيدينا في إناء اللحم ، وتتشابك أصابعنا ، وينغسل طعمها فيذوب في داخل قطع اللحم ، فيزيدها طعامة ،، ونحشر لبعضنا قطع اللحم المشوية حشرا في أفواهنا ، فتكوينا حرارة نارها ، وحرارة شطتها ،، وتفوح رائحة البصل ، لتختلط برائحة الحب ، ورائحة اللحم ، ورائحة عرقنا الذي يتصبب فوق نار الكانون ،،
قالت عشتروت :
سآتيك بحبيبتك التي تود ،، لكنك ستظل تؤثر اللحم أكثر من حبك لتلك الحبيبة ، حتى يأتيك القاوت ،، أو يصاب اللحم بجنون البقر أو أنفلونزا الطيور ،،
وقد كان ......

ود قاسم

لقد فاحت رائحة الشواء من هذا البوست ، حتى كدت في هذا الصباح أن أجاري عمك و أطلب لحما من البوفيه مع كباية شاى في المكتب.

( فنجلس كما نشتهي ، وندخل أيدينا في إناء اللحم ، وتتشابك أصابعنا ، وينغسل طعمها فيذوب في داخل قطع اللحم ، فيزيدها طعامة ،، )

و من الأيادي ما تصنع من ( التركين ) شربات

قريبى ود قاسم

قلت لى ناسنا خبرة فى اللحم
ياحليل اللحم المجاور العضم

قالو فى واحد من ناس الموليح عنده بقرات ..تسلط عليه حرامى سرق منهن اربعة ولم يجد لهن خبر
مشى فتح بلاغ فى نقطة امبدة ..فقال للعساكر انا بعرف الحرامى ..اجر ليه بكسى وبقى يحوم فى السلخانات الى ان وصل زنكى بحرى فوجد اللحمة معلقة قام قال دى لحمة بقراتى..لما العسكرى اتحير من كلامه ..عموما خمو اللحم دال بكومر البوليس وبعد ضغوط من التحريات ..قدروا يصلو للحرامى ومازالت هنالك اثنين منهن على قيد الحياة...فسالوه انت كيف عرفت اللحم دا..قال دا لحمه بقراتى وهن بنات بقرة واحدة
شنو لك...فى مندى مطاعم السعيد فى الخالدية...بس دا غالى شوية... ريش مطعم النيل بتكون احسن
معزوم معى بس غفل لى ام وضاح يوم كدا
وتسلم ياطيب

الباشمهندس أبوقوتة
نعم هؤلاء هم أهلنا ، يعرفون مواشيهم ، يعرفون مرضها ، وعلاجها ، ومواسم تزاوجها ، وكية اللبن الذي تحلبه ،،
أمي تهتم بتربية الماعز من قبل أن أولد ، ولديها منه كثير ، وقدرايتها أكثر من مرة تبكي على عنز ماتت ، وتفرح بأخرى ولدت ، وتبيع الذكور من المواليد وتوزع عائدها بمنتهى الأريحية على بناتها ، وتكتب لي خطاباتصف فيه المحل وتطلب العون في شراء أعلاف لغنمها ،، وعندما أمضي جزءا من الإجازة معهم تذبح أكثر من مرة ،، وهذا لحم يا باشمهندس لم أذق مثله ،، فقد أكلنا لحوما من بلاد شتى ، لكن ما في زي لحمنا ،،
وكانون أمي كانون ضخم يأخذ في بطنه نصف شوال فحم ،، وتحت شجرات الظل يمكنك أن تنفذ كامل العملية ، ذبح ، سلخ ، تقطيع ، تكسير ن شوي ، نجاض ،، كل هذا والظل لا يزال موجودا ..
واحسرتاه على أيام تصعب إعادتها ..

الغالي أبو جهينة
أم طلال ترغب في أن تدس لي سندويتش في حقيبة المكتب ، لكني أرفض ذلك ، ليس زهدا في السندويتش ، لكن زهدا في نوعيته ، هي تتحدث عن ساندويتش جبنة ، مربة ، عسل ، وما شابهه ، وأنا أريد لحما ولا شئ غير اللحم ،، وعندما أقول أنني أريد لحما ،، تقول : يا أخي معقول ، إنت داير الجيران يقولوا علينا سحاحير ،، لحم من صباح الرحمن ؟؟
يا حليل ناس أمي ،، ما كانوا بيخجلوا من تسخين اللحم فوق نار الشاي وتقديمه صبحا لأزواجهن ،،
يا ترى هل الأزواج كانوا مختلفين ، أم أن الزوجات كنّ مختلفات ؟؟ أم كلاهما ؟؟
والله يا أبوجهينة مشتهي لي جلسة شواء في البر ..

لك ذاك يا أبو طلال..
فلتكن رحلة إلى البر ،، دعنا نخطط من الآن.

حب اللحمة و الشواء متأصل في كثير من القبائل السودانية.
عندنا واحدة قريبتنا ( أمد الله في أيامها ) ،، سمعتها ذات مرة تقول لإبنتها : ناوليني عضمة ماكنة من الحلة أكدها عشان عندي صداع.

نسايبي البطاحين بأم عضام بالجزيرة فنانين في اللحم و الشواء. ذات مرة وصلت أم عضام صباحا حوالي الساعة الخامسة صباحا و أنا أرغب في نومة الحوش ،، فما كان من أحد نسايبي إلا ذبح خروفا حنيذا و علقه على الشجرة و في لحظات كانت المرارة ثم تصاعدت ألسنة الدخاخين تعلن عن بدء الشواء ،، فنسيت النوم و جلسنا ننهش اللحم حتى موعد الإفطار و تواصل النهش حتى وقت الغداء.

أرقد لحمة ،، عفوا عافية

Quote: أريد كانونا ، وأسياخا ، وشواية ، وماشّة ، وسكينا لا تصلح للقتل ، أريدها فقط أن تكون صالحة لتقطيع اللحم والبصل

ما أجمل هذا الحلم الحديدى .. يمنعنا هذا ال Fire Alarm الملعون من تحقيقه ..

علي الحلاوي
إنت زولي مية في المية ،، انسى كل أجهزة إنذار الحريق واخرج خارج المدينة وخد لك جلسة في مكان نظيف وخت كانونك وورينا شطارتك ..

أبوجهينة الهمام
أعتقد أن الماشية في عموم الجزيرة من النوعية الجيدة ، ويتوفر لها مرعى طيب ، لذا تجد طعم اللحم مختلف تماما ،، وتجد الناس متلهفين لأكله ،، وأعرف أن ذلك موجود في قرى الجزيرة ،، ولا يوجد عندهم وقت لأكل اللحم ووقت آخر لا يأكلون فيه اللحم ،، هم يأكلونه متى ما توفر ،، ويوفرونه متى ما أرادوا ،،
ليلة الشواء ببر الرياض ستقوم بإذن الله ،، يفضل أن تكون مع البورداب ،، تتبعها بطيخة من اختيار حمزاوي ,,,

ود قاسم الحبوب..

مثلك أحب ما جاور العظم وأذيد عليك بأني (أكد) العضم زاتو..
عام 1984 وفي أجازة عدت يا صديقي من مصر للسودان وقد (تكوفرت) مصاريني من أكل العدس
والبيض والدواجن الفاسدة ..وكان من حسن توقيتي أن وصلت في ليلة عيد الأضحي
ذبح الخروف المدوعل وأخوك فنان (الجلد) نضيف ..رحم الله الحاجة علوية والدتنا وضعت اللحم
في الصاج (الماكن) وتوسطت أنا الأسرة الوالد عليه الرحمة ومجموعة من إخوتي وأهلي وأخوك (الشفقة) حاصلة
أشيل وأحتل -الحتيل- (للمستشرقين) هو أخذ اللحمة وهي بعد علي النار..أثناء تقليب اللحم إذا (بعضم) يسقط في الأرض
ولنا قطة أليفة-كسميرة في كتاب الأولية- إذا بها تخطف العضم وتجري وهو لسخونته يسقط منها ولعنادها تعود لتعض عليه
وأجري أنا خلفها (بس .. بس..بس) يقول الوالد عليه الرحمة : بسم الله.. قول بسم الله يا زول إنت سعرت الخير راقد وباكر برضو نضبح ليك..
كانت أيام..وللحم الخروف البلدي مذاقه المميز ، نأكل اللحم هنا ولا نستطعمه (زفر) وطعمه كفول الصوية
يربون البهائم ويسمدون لها الحشائش بالكيماويات وتأكل خرافنا وبهائمنا ما طاب من مرعي و (موشوك)
أما شية الجمر فقد صارت (باربيكيو) ليضيع مع الباربي والكيو طعم اللمة الحلوة ورائحة الشواء و(الأتي)
وحليلك إنت يا ود قاسم...

خالد ود الحاج

Quote: وحليلك إنت يا ود قاسم...

أنا بدون ما يقولوا لي يا حليلك ببكي ،،
سيرة الحاجة والحاج - الله يرحمهم - والصاج والحتيل والكديسة ، دي سيرة بتخقنني عديل كده ،، والله يا خالد الغربة دي فعلا جابت لينا السعر والشفقة وانسلعنا عديل ، وبقينا نمشي لأهلنا وشكلنا مذهللين ،، والناس هناك مترحمنة ومبسوطة ، يكملوا ضل الضحى ويشربوا الجبنة تحت ضل الشدرة ، ويتونسوا ويجيبوا سيرة البحر ولا هم سائلين في زول ،،
الله يدينا العافية ويردنا سالمين غانمين ..