القادمون مع الرياح الشمالية

القادمون مع الرياح الشمالية


06-02-2003, 08:59 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=17&msg=1078871332&rn=0


Post: #1
Title: القادمون مع الرياح الشمالية
Author: ودقاسم
Date: 06-02-2003, 08:59 AM

القادمون مع الرياح الشمالية

القادمون مع الرياح الشمالية يملئون الطرقات ، أوراق السندوتشات و العلب الفارغة تتناثر في كل مكان ، ففي مثل هذا الموسم يكثر الناس ويفرحون لدرجة الإتساخ . المتسولون ، الباعة المتجولون ، الجالسون على الأرصفة ، كل هذه مظاهر مألوفة في هذا الموسم . عمال النظافة على كثرتهم لا يستطيعون ملاحقة أوراق السندوتشات . تختلط الأسواق بعضها ببعض ، حاجيات النساء جنبا إلى جنب مع حاجيات الرجال ، الأطعمة تباع إلى جانب الملابس ، الساعات تختلط بالبقالة و الخردوات . يختلط الباعة المتجولون بباعة الأرصفة فتمتلئ بهم جميعا مداخل الأسواق ، وواجهات المساجد وفرندات المحلات الراقية . الأصوات تختلط ببعضها ، يرتفع صوت وينخفض آخر . أصوات سيارات الإسعاف ، المطافئ ، سيارات البلدية ، صوت الرجل ، صوت المرأة ، صوت طفل يبكي ، بائع ينادي على بضاعته . الضحك ، المجادلة ، وقع الأقدام وصراخ الأطفال . الكل يشق طريقه دون أن يفسح مجالا للآخر . يحاول الجميع توحيد اللغة . لغة أهل البلد هي لغة التخاطب ، لكن أكثر القادمين مع الرياح الشمالية لا يجيدونها ويفشلون في فهمها ، فيحدث الخلط ببين لغتين أو أكثر ، و يكون للإشارة نصيب الأسد في سد الفجوات بين الكلمات و الهمهمات .
تتداخل روائح الأطعمة فتكون في مجموعها رائحة ليست بشهية تجعلك تبتعد عن الأكل وتزداد بعد عن المطاعم ، لكن رغما عن ذلك فإن المطاعم مزدحمة لدرجة أنك لن تجد مقعدا إذا أقنعت نفسك بالأكل فيها . أسواق العملات تنتشر في كل مكان فتكثر أشكال العملات وتتعدد أسماؤها حتى أن الباعة يجدون أنفسهم في حيرة أمام الكثير منها .
الموسم لا يعوض فالجميع يريد أن يبيع أكبر قدر من البضائع . صراع قاتل بين العرض والطلب والضحية دائما هذا القادم مع الرياح الشمالية ، نفس البضاعة من نفس المصدر سعرها هنا عشرة وحدات ، ثم تسير لبضعة أمتار لتفاجأ بها بخمسة وحدات . الجميع يبيع ، والجميع يشتري . هذه مناسبة قيمة وستبقى في الذاكرة ما عاشت تلك الذاكرة ، و السعر لا يهم كثيرا لأن التسوق لدى هؤلاء ليس عادة يومية فهي أيام معدودات . موسم و سينتهي .
ينسى الناس أين هم ولم جاءوا . ينتبه الجميع لصوت آت من بعيد يعيد إليهم ذاكرتهم ، يذكرهم فينتبهون . تزدحم الحمامات الشعبية بالناس ، تقابلك حرارة أنفاسهم عند المدخل . سحنات مختلفة ، لغات مختلفة وأزياء مختلفة . بعضهم رقيق تحملك رقته على احترامه ، وبعضهم غليظ لا تملك إلا أن تشمئز منه و تحتقره علنا أو في نفسك و هذا أضعف الإيمان .
تتجه الشمس بسرعة نحو الأفق الغربي ، والرياح ما زالت شمالية ، والموسم في أوجه . تضاء مصابيح الشوارع على رؤوس الناس فلا يصل الضوء إلى الأرض . ترى الغبار يتطاير من فوق رؤوسهم ، والجميع منهمكون في البيع و الشراء و ما يتبعهما من عرض و صياح ومجادلة . الليل أكثر ازدحاما من النهار والناس أكثر نشاطا و خفة . تتسارع خطى الليل نحو منتصفه ويبدأ الباعة و المشترين في الانصراف . إيذانا بانتهاء اليوم استعدادا لليوم القادم . يذهب أهل البلد إلى بيوتهم ، والقادمون مع الرياح الشمالية بعضهم يفترش الطرقات و بعضهم ينام على مقاعد المقاهي ، وقليل منهم يتوجه نحو الفنادق و الشقق المفروشة . لكن لا فرق فالجميع يقضون هذا الموسم هنا .............موسم الرياح الشمالية .