Post: #1
Title: الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
Author: munswor almophtah
Date: 02-04-2011, 12:02 PM
Parent: #0
الصفحة الرئيسية منبر الرأي د.عبد الله علي ابراهيم الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم الجمعة, 04 شباط/فبراير 2011 05:56
عرض نقدي لكتاب الخاتم عدلان (آن أوان التغيير) (1994)
1 كتب الخاتم “آن آوان التغير" ( فرغ منه في1991) عن وجوب أن يغير الحزب الشيوعي ما بنفسه ونشرها في طبعة ثانية في فبراير 1994 في "الشيوعي"، مجلة الحزب الشيوعي السوداني النظرية. وهو تغيير أزف في نظر الخاتم من جهة انحطاط نظم الاشتراكية التي تركت عصر البطولة من خلفها وتحولت بأحزابها إلى بديل للطبقة العاملة التي جاءت باسمها إلى الحكم فأذاقتها الويل. ولم يكن فساد الماركسية ووجوب التخلص منها هو شاغله بصورة منهجية. بل جاء إلى إبطال الماركسية من جهة قعود حزبه دون بلوغ مراق كان قد التزم به. فهذا الفشل هو الذي قاد الخاتم ليقول بصورة عامة "إن السير بالطريقة القديمة لم يعد ممكناً. فالإيدوجية القديمة (الماركسية) لم تعد ملهماً للأجيال الجديدة ولا مفجراً لطاقاتها ولا جامعاً لقوى التغيير" (صفحة 12). ليس مهماً كيف جاء الخاتم إلى نقض الماركسية. ولكنه متى انشغل بالأمر وقعت عليه تبعة أن ينقضها وجهاً لوجه، نصاً وممارسة، كما هي السنة المتبعة. ولذا نستغرب كيف أبطل الخاتم نظرية خدمها طويلاً أكثر عمره القصير بغير ذكر نص ماركسي واحد سوى إشارة عرجاء لماركس عن نبل البروليتاريا لم يحسن حتى توثيقها. ولم ير غضاضة بالاستعانة بكتاب لمبطل كبير للماركسية هو ألان توفلر "تحول القوة" ( Power Shift). ولم يزد عليه كمرجع على الماركسية أو لها على طول كتابه الذي بلغ 110 صفحة. لم نأت بالضمور المرجعي المطلق لكتاب الخاتم جزافاً. فالتخلي عن عقيدة كالماركسية لمن التزمها كالخاتم مسؤولية لم ينهض بها على وجهها الحق. ولم يسعفه دون إطراح الماركسية، جملة وتفصيلاً، لا ذهنه الفلسفي وتدريبه الذي زكاه ليتفرغ مثقفاً في الحزب ولا خدمته الطويلة الممتازة في صفوف حزب ظل حسن الظن به حتى خرج عليه في 1993. وسنرى أنه تعامل بغير قليل من الإهمال مع هذه المسؤولية تجاه ماركس التي أحسن وصفها جاك دريدا الفيلسوف الفرنسي والماركسي الذي انقطع عنها دهراً. فقد صدر له في 1994 كتابه "شبح ماركس" في نفس الوقت الذي ظهر كتاب الخاتم في مجلة “الشيوعي”. وأول أبواب هذه المسؤولية لدى دريدا هو أن يكف المثقف عن إعادة اختراع العجلة. فالعقائد التي أبطلت الماركسية في الثمانينات وما بعدها، ورتبت نفسها لتجاوزها، لم تأت بما لم تسبق إليه. ف"نهاية الماركسية"، التي يقول بها فوكوياما صاحب كتاب "نهاية التاريخ"، عند دريدا "قديمة". ولكن نفراً كثيراً من قراء فاكوياما، أو مستهلكيه، أو حتى فاكوياما نفسه، لا يعرف قِدم بضاعة التكهن ب"نهاية" هذا او ذاك من الأمر: "نهاية التاريخ"، "نهاية الماركسية" "نهاية الفلسفة"، "نهاية الإنسان" وهلمجرا. وقال دريدا إنهم مضغوا ذلك شباباًً في الخمسينات. ولذا فإعادة القول عن نهاية هذا الأمر أو ذاك هو حديث خرافة عنده وعند جيله. أما الذين ينتشون بهذه الخرافة بفرح شبابي غرير فيبدون كمن جاء متأخراً إلى الحفل أو كمن يريد ما يزال أخذ آخر قاطرة في حين بارحت تلك القاطرة المحطة: يبدو كمن تأخر حتى عن نهاية التاريخ (شبح ماركس 14-15). أما الباب الاخر والمهم في المسؤولية تجاه ماركس وهو أنه لا نهاية له. ولا نقول ذلك لصلاحه في كل زمان ومكان. فحقيقة الأمر أننا لا نتعامل مع الماركسية معرفة بالألف واللام بل مع ماركسيات. فالخاتم نفسه لم ير غضاضة في أن تنفتح فلسفة الحزب الشيوعي السوداني، الذي رنا إليه في كتابه، على نظر كثير آخر من بينه الماركسية. فالماركسية تقليد فلسفي لا "ينتهي". ويقول دريدا: "سيظل من الخطأ أن لا نقرأ ماركس أو نعيد قراءته ومناقشة أفكاره . . . وسيكون الإضراب عنه أكثر فأكثر خطأ وفشلاً في المسؤلية النظرية والفلسفية. وسنتذرع لاستدبارنا مسوؤليتنا حيال قراءة ماركس لأنه لن نوفق إلى سبب وجيه لذلك الإضراب بخاصة في الوقت الذي تخلص لنا نصوص الرجل من غوغاء التنطع والأيدلوجية التي تشبثت به طويلاً حتى تلاشت (الدول، الأحزاب، الخلابا، النقابات ومواقع الإنتاج العقائدي الأخرى). فليس ثمة مستقبل بغير تحمل هذه المسؤولية. ليس بغير ماركس: فبغيره يسقط المستقبل. لن يكون هناك مستقبلاً بغير ذكرى الرجل وإرثه. لن يكون ذلك المستقبل بغير ماركس ما، بغير ذكائه، وبغير واحدة من أرواحه على الأقل . . . هناك أكثر من ماركس واحد، يجب أن يكون هناك أكثر من ماركس واحد" (شبح ماركس 13) 2
سنلقي في الجزء التالي أضواء على أفكار الخاتم عن منزلة الحزب الشيوعي والنواقص التي أخذها عليه التي جاءته من باب تمسكه بالماركسية. فمن رأيه أن حزبه الشيوعي ليس بمنأى عن الانحطاط الذي ضرب أحزاباً مثيلة وسابقة ومتمكنة في المعسكر الاشتراكي. فليس يسلم حزب السودان من ذلك لدعواه أنه حزب مختلف متجذر في مأثرة وطنه أوأنه حزب "عبد الخالق والشفيع". وقال إن حزبه كان لن يصمد أيضاً متى وضعته الظروف في وضع الأحزاب الشيوعية الحاكمة الظالمة. فقد بدت عليه مظاهر الشيخوخة أيضاً. فنظمه الداخلية "عفا عليها الزمن والديمقراطية يجب أن تدخل من جمبع النوافذ والأبواب، كما ان الوجوه يجب أن تجدد". وميز حزبه مع ذلك بأنه حامل لجينات الخلاص من تاريخه متى ما شرعنا في الإصلاح بعزيمة وقوة (9-11). عرض الخاتم لتأريخ موجز للحزب خلص منه إلى أنه كان "جزءا أصيلاً من نضال الشعب السوداني . . . لم يكن نبتاً شيطانياً ولا كياناً مصطنعاً ولا مقولة ملفقة، بل استدعاه الواقع: استدعته المهام الوطنية التي كانت مطروحة أمام الشعب والتناقضات المستعصية التي كانت تنتظر الحل والآمال المشروعة في الديمقراطية والاشتراكية، التي لم يتحرك بها وجدان الشعب السوداني فحسب، بل انداحت دوائرها لتغطي كل القارات، وتأخذ بشغاف أفئدة الشعوب". (19-20). بل تخطى الحزب "مستوى النضال السياسي المباشر إلى مستويات الفكر النظري والخلق الفني والأدبي والثقافي". وكتب عبد الخالق عن النظرية التي تنسق الوجدان وتفسر ظواهر الوجود وتعطي الإنسانية رسالة نبيلة في الحياة" (20). ونسب هذه المهارة السياسية والفكرية إلى الماركسية ونظرتها الطبقية. وميز الشوعيين لتمسكهم بالتحليل الطبقي برغم قول القائلين لهم بفساده لأن الطبقات لم تولد في السودان أو لعدم صلاحية المعيار الطبقي في الحكم على المواقف الاقتصادية والاجتماعية. وميز الخاتم بشكل خاص وثيقة المؤتمر الرابع "الماركسية وقضايا الثورة السودانية" (1967) التي حاولت إنهاء "غربة الماركسية" بجعلها جزء من نسيج السودانين الثقافي الحي (21). ولكن الخاتم لا يحاسب الحزب بالمتحقق من مشروعاته فحسب بل بما التزم به منها ولم تتحقق. وتساءل إن كانت ما تزال قابلة للتحقيق في ظروف عالمية عاصفة وتطورات متلاحقة لا سبيل للتغاضي عنها ثم نواصل السير كما كنا (24-25).ومن المشروعات المركزية للشوعيين التي لم تتحقق هو "تحويل الحزب إلى قوة إجتماعية كبرى" الذي تبناه المؤتمر الثالث في 1956. ورد ذلك إلى: (1) القمع الشرس الذي وقع عليه من النظم العسكرية وغيرها، (2)تعقد تركيبة المجتمع الذي يغلب فيه القطاع التقليدي بنظمه القبلية والطائفية والعرقية، (3) "غربة الماركسية": فالماركسية موقف فلسفي من الوجود عَزَّ على متناول الأغلبية الساحقة من شعبنا وأنه لطموح "غير عقلاني أن تحاول بناء حزب من الفلاسفة في بلد أمي" (22-23). ثم عرض لما يمكن تسميته لإلحاد الشيوعية وكيف سَهَّل لاعداء الحزب "إنشاء جدار أصم بينه وبين أغلبية الشعب". (33-34). وتذكر عرضاً عدم اتساق الخاتم هنا الذي ساغ له القول بهذه الغربة عن الماركسية في حين أطراها بجعل الشيوعيين يقتربون من واقعهم ويصوغون استنتاجاتهم بنظر دقيق فيه برغم النقائص ( 66) بل ونسب إزدهار الحزب إلى الماركسية وإلى تمسكه بطليعية الطبقة العاملة في نشأته الأولى في الأربعينات رغم نصح الناصحين بغير ذلك. ويرى الخاتم في برنامج الحزب عقبة كأداء حالت دونه والتحول إلى حزب جماهيري. ونظر إلى ذلك البرنامج من زاوية فريدة. فطبيعة البرنامج نفسها منفرة. فهو برنامج مترابط الحلقات لأنه ثلاثة في واحد. فهو يهدف إلى إقامة الحكم الوطني الديمقراطي فالاشتراكية فالشيوعية. وسمى هذا التثليث بالدعوة للإنتماء للحاضر وكل المستقبل. فيتعذر على المرء بهذا التثليث البرنامجي أن يختار حلقة دون الحلقتين الأخريتين. فهو إن اقتنع ببرنامج المرحلة الوطنية الديمقراطية فلن يصبح عضواً فيه لأنه لم يستنفد البرامج اللاحقة في الاشتراكية والشيوعية. فإن غرّب الدينٌ الحزبَ عن الريف فإن "لزوم ما يلزم" البرنامجي (أن تكون شيوعياً غصباً بمقتضى برنامج الحزب مترابط الحلقات) أبعد الحزب من قطاع واسع من جماهير القطاع الحديث. فلو اقتصر الحزب على مرحلة واحدة (بالطبع هي المرحلة الوطنية الديمقراطية) لأعفى هذا الجيل من التورط في مستقبل سيكون له أهله وخياراتهم. ومن جهة أخرى سيقل الإقبال على الحزب متى وصف نفسه بحزب الطبقة العاملة لأنه كمن يدعو الفئات الاجتماعية الأخرى بالانتحار الطبقي قبل دخوله. وبالطبع فمثل هذا الانتحار نبل لا يقوى عليه إلا القليل. ولهذا تناقص نفر الحزب الشيوعي. وعرَّج الخاتم من هنا إلى نقد عريض للماركسية استعان فيه بتوفلر ليقول إن الصراع الطبقي في عصر رأسمالية الثورة التكنولجية و نبوءة الماركسية باشتداد الاستقطاب بين البرجوازية والبروليتاريا باطلة. وسنعود لذلك حين نضع الخاتم موضعه في السياق الكبير للنظريات التي قضت بنهاية الماركسية. وقصور الحزب عند الخاتم براني وجواني. فمصاعب الحزب مع الماركسية ومجتمعه في نظره عوامل "ذات طابع خارجي براني" في تعويق نمو الحزب. وعرج بعد ذلك إلى العوامل الجوانية في مباديء تنظيمه. وسنرى أن هذه العوامل الجوانية مست الماركسية (أو تفريعاتها اللينينة) أيضاً. و هذه العوامل الجوانية هي: 1- تمسك الحزب بالمركزية الديمقراطية التي عَقٌمت بها حياة الحزب الداخلية لضيقها بالخلاف وبرمها باستقلال الأعضاء ونمو شخصياتهم المستقلة وجعلت الطاعة المطلقة لازمة في كادره وشرطاً للترقي. وشاخت بذلك هيئات الحزب القيادية باكراً. وقال إن المبدأ، المركزية الديمقراطية، لينيني ناسب أوضاع الإمبراطورية الروسية ومستوى الثقافة التنظيمية فيها وليس ماركسياً (46-47) 2- تهيب الحزب من بناء مركزية قومية للجبهة الوطنية الديمقراطية. وخطَّأ الخاتم الحزب لامتناعه عن بناء تنظيم وطني للجبهة بذريعة أنه سيكون بناء فطيراً عمودياً مستعجلاً لا يرعى انبثاقات مكونات الجبهة القاعدية التي تنضج بصورة متفاوتة بين الجماهير. وقال إن غيبة المركز عن هذه المكونات أدى إلى أن يفوض الحزب الشيوعي نفسه ليكون هو ذلك المركز يحمل منظمات الجبهة القاعدية حملاً لتتبني سياساته ومواقفه الوطنية. وأدخل ذلك المثقف الديمقراطي، الذي ينتمي عن طريق منظمته المهنية أو غيرها لجبهة لا مركز لها، في أزمة لأنه ينفذ ما لم يكن له الفضل في التفكير فيه وبه.ولأنه لم ينشأ مركز لقوى الجبهة الديمقراطية سَاسَهم الحزب ب "الفراكشنات" (خلايا للشيوعيين تنسق نشاطهم في المنظمات الديمقراطية) التي صارت قيادة غير مرئية للجبهة. وأعطى ذلك الشيوعيين حقاً إضافياً في تنظيم الجبهة الوطنية الديمقراطية. وكردة فعل لذلك قام الطلاب الديمقراطيون في السبعينات بإنشاء تنظيم خاص بهم في جامعة الخرطوم سموه "الجناح الديمقراطي" لفرز كومهم عن حلفائهم الشيوعيين. ورغم الحيوية التي رفد بها هذا الجناح أعضاءه في عمل الجبهة الديمقراطية إلا أنها حيوية اتصفت بسلحفائية في تنظيم ذي رأسين (65-72). 3- حصاد الحزب المتواضع من النفوذ وسط العمال والمزارعين: وقال هنا إن دور العمال تراجع منذ ضربة الحزب بعد انقلاب يوليو 1971 الذي ترافق معه إغلاق كثير من المصانع وتشريد العمال والانهيار الاقتصادي المريع. وخلال عقدين باءت بالفشل "مجهودات الحزب لإيقاظ الطبقة العاملة من سٌباتها". وهذا يمكن في قوله أن يتغير بجهد مثابر ولكن في إطار تراجع الحزب عن دور الطبقة العاملة الرائد النصي في الماركسية. والوضع بين المزارعين في قول الخاتم شبيه بالعمال. بل عزلة الحزب عن القطاع التقليدي برمته بارزة مع أنه يضم أكثر من سبعين في المائة من سكان البلاد، وظل هذا القطاع بوجه عام مغلقاً أمام الحزب الشيوعي، بما في ذلك جنوب البلاد الذي كان الحزب من أوائل الأحزاب التي نشطت فيه، وطرحت رؤية صائبة لحل قضاياه الأساسية (73-74). 4- سوء أدب الحزب مع المثقفين. قال الخاتم إنه كان للمثقفين دور كبير في بواكير نشاط الحزب ثم اضمحل ذلك الدور في عقديّ الثمانين والتسعين للتحولات التي طرأت على أحوال أفراد منهم (الوظيفة، الارتباط بالدكتاتوريات). أما بالنسبة لأغلبية المثقفين فابتعادهم عن الحزب راجع إلى أسباب متعلقة بالحزب. فقد تواضع على تصنيفهم كبرجوازية صغيرة مع الشناعات المرافقة لذلك التوصيف من نقص في الثورية وتذبذب. وهي طبيعة تقول بها الماركسية في الطبقة المتأرجحة بين العمال والبرجوازية بالنظر إلى وضعها في عملية الانتاج بين الجماعتين. وعليه صار وضع المثقفين في الحزب غير مريح " فهم دائماً في وضع الدفاع عن النفس". وقتلت مسلمات الحزب عنهم هذا الفعالية الحرة للمثقف. فنشاطهم في نظر الحزب ليس غير مرغوب فيه فحسب بل هو عٌصَابي نفساني. "فآثر بعضهم الابتعاد عن الحزب وآثر آخرون الخروج عن صفوفه، وبقي آخرون يضطلعون بأدوار تحدد لهم" ووجه نقده لإتهامات طالت المثقف في ما بعد هزيمة ثورة 1924 في "لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي" ( 1962-1965 ( لأستاذنا عبد الخالق محجوب. فقد نعى عليهم هروعهم للمكاسب الشخصية فصاروا رصيداً للمستعمر وانحصر نشاطهم في أندية الخريجين. ولم ير الخاتم بأساً في تَعَلق المثقف بوظيفيته ولا في الانضمام إلى جمعية أدبية. وهي الجمعيات التي ترعرعت فيها فكرة مؤتمر الخريجين وغذت مجلات تلك الفترة بالفكر (77-79). وقال إن ذلك الحكم لم يكن مطلقاً بل انحصر في فترة العشرينات. والتفت إلى ما جاء في وثيقة "قضايا ما بعد المؤتمر" (1968) التي اشترطت شروطاً إيجابية لجذب المثقفين التي علق عليها "أهمية كبيرة". فقال: وذلك بوضعهم في المكان المناسب داخل الحزب، وفتح المجال لتوليهم المسئوليات القيادية حسب مقدرتهم، وعدم إخضاع ذلك للعمر الحزبي، أو سجل التضحيات وبمنع طغيان النشاط السياسي على النشاط الفكري والثقافي بالنسبة لهم . وبالتطبيق السليم للمركزية الديمقراطية لضمان الحرية الفكرية. وبحيث تترك آراء وانتقادات المثقفين أثرها في تطور الحزب واتخاذ قراراته ورسم سياساته. وذلك لأن حركة التثقيف والثقافة لا يمكن أن تنمو في جو تصادر فيه حرية النقد وتصادر فيه حرية التفكير (79-80). وقال إن ما نادى به عبد الخالق أعلاه لم يتحقق. فالهجمة الشرسة على الحزب لم تسمح لوظائفه الثقافية بالاتساع ولم تسمح للديمقراطية داخله أن تزدهر. فلم يستقطب جماعة من المثقفين في العقدين الأخيرين. "والذين بقوا داخله أو التحقوا بصفوفه لم يجدوا المكان اللائق بمقدراتهم ولا المناخ المفجر لطاقاتهم الفكرية".فالمركزية الصارمة استبعدتهم من مركز القرار لأنهم كانوا في مؤسسات حزبية لا تتمتع بسلطة يؤبه لها في رسم الخط السياسي العام للحزب. ووقعت الأعباء الفكرية بالنتيجة على السكرتير العام للحزب يعينه بالكاد واحد أو اثنين من الكادر وانحصر دور الآخرين في التلقي والمباركة والتلقين "وظهرت طبقة طفيلية فكرية معتمدة بالكامل على إنتاج السكرتير العام" فصارت تضيق بكل إجتهاد آخر لا يحمل اسم السكرتير وترى فيه مروقاً (80-81).. ونبه الخاتم بصدد قعود الحزب عن بلوغ مراميه إلى سبق عبد الخالق في التنبيه إلى "بدائية في الأداء والتنفيذ" وأن الحزب إن لم يغير ما بنفسه "فسوف يصبح تنظيماً بدائياً ومتخلفاً، ولا يكون في مقدمة الأحداث بل خلفها". ويرى الخاتم أنه آن أن يجد المثقف مكانه الرحب في قيادة حزبه. ولن يحدث هذا إن لم نكف من طلبنا عليه أن يتحول ليكون هوية نقيضة بل "المطلوب منه فقط أن يكون أميناً لعلمه ولذاته ولشعبه ولوطنه والانسانية والعصر الذي يعيش فيه". وعاب على الحزب أنه لم يصدر خلال عقدين سياسة متكاملة حول المثقفين (82).
3 تلازم عند كل منكريّ الماركسية القول بنهايتها بسبب بطلان أطروحتها في الصراع الطبقي في النظام الرأسمالي. ونقطة التركيز في إنكارهم هي فساد ما علقته النظرية من أمل على البرليتاريا في تحقيق مجتمع للاشتراكية أو الشيوعية. ولم يترك الخاتم مجالاً لمجتهد حول منطلقه في بطلان الماركسية بعد استشهاده بتوفلر. وهو منظر معروف لنهاية الماركسية على حيثيات الثورة المعلوماتية والتكنولجية المعاصرة. وأعاد الخاتم أقوال توفلر بحذافيرها كما سنرى. ولكننا سنعرض أولاً لاجتهادات خاصة للخاتم حول بطلان رهن المستقبل بالطبقة العاملة. من رأي الخاتم أن رهن المستقبل بالطبقة العاملة من أضغاث ماركس الشاب. فقد كان افتتن في شبابه بنبل هذه الطبقة افتتناناً لم يتجاوزه وقد تقدم به العمر الكفيل بتبديد نزوات الشباب. وقاريء كتابات الخاتم حتى غير المدقق سيجده يكرر أن من لم يعتنق الماركسية شاباً خاطيء ومن تجاوز الشباب وما زال عَلِقاً بها خاطيء كبير. قال في معرض نبل ماركس الشاب: ولعله سيكون من المفيد أن نتذكر أن تعلق ماركس بالبروليتاريا في أساسه كان تعلقاً رومانسياً لفتى لم يتعد العشرين إلا قليلاً عندما كان يبحث عن العدالة المطلقة. فاستعار من دون أن يعي مفهوم المسيح المخلص، وأصبغه على طبقة أثارت شفقته واستفز شقاؤها حسه العميق بالعدالة. وقد ظل ماركس في سنيّ نضجه وشيخوخته أميناً امانة مدهشة لمشروع كان صاغه في صباه. إن الذي يقرأ نصوصه حول العمال الفرنسيين والعمال المهاجرين الألمان "الذين يشع نبلهم من أجسادهم" سيدرك بسهولة ما نرمي إليه. وإن المطلع على أعمال ماركس لن يجد في ترشيحه البروليتاريا لقيادة التاريخ الإنساني سوى أسباب واهية (صفحة 43) وهذا شطح من عدة جوانب لا بينة له في سيرة ماركس. فقد صبغ الخاتم ماركس بسذاجة عاطفية لم يسبقها إليه الخبراء في سيرة الرجل. فقد وصفه إزايا برلين، الأكاديمي البريطاني، بأنه رجل منقطع بصورة غير عادية عن البيئة التي حوله. فالذي ليس مطبوعاً في مجلة أو كتاب كأن لم يكن. وإنه ظل حتى وفاته غير ملق بالاً بصورة كبيرة لنوعية الحياة من حوله ولا لخلفياتها الطبيعية أو الاجتماعية. فقد خلت طبيعته من العاطفية بل هي طبيعة مَثلوجة إن أردنا الدقة. فللبيئة من حولها تأثير يكاد لا يذكر . . . فهو كاره لكل شغف وبالذات ذلك الذي يتغذى بالعبارات البطولية. كان ماركس، والقول ما يزال لبرلين، لا يطيق البسالة بغير نظر والولاء بغير بصر. وليس أدل على ذلك من حكايته مع الداعية الاشتراكي وليهام ويتلينق، الترزي، الذي دعا إلى حسم الصراع الطبقي بالإرهاب. وكان الرجل خطيباً مؤثراً على العامة. ويقال إنه التقى بماركس الذي طلب منه أن ينوره بما ينوي فعله للطبقة العاملة. ومن بين ما قاله الداعية إن نقد أوضاعها بالكتابة بعيداً عن عالم شقوتها غير مجد. وواضح أن الرجل من العمليين الذين يعتقدون أن شقاء الجماعة البين هو كل ما يحتاجه الرجل العطوف للنضال من أجلها. وليس هذا مزاج ماركس ولا فكره. فخبط ماركس على المنضدة وصرخ فيه " لم يخدم الجهل أحداً أبداً". وانفض اللقاء ولم يجتمعا معاً مرة ثانية (برلين 92). لم تكن البروليتاريا على رادر ماركس (الذي عاش بين 1818-1883) إلا بعد خمس سنوات من تأرخة الخاتم. وليس المهم هنا سن ماركس بل الأشراط التاريخية والفلسفية التي توصل فيها إلى خطر البروليتاريا في التاريخ. فلم يكن ماركس شيوعياً حتى تهجيره من وطنه المانيا إلى باريس في 1843 لنقده الاستبداد القيصري بقوة في مجلة أصدرها. فقبلها ما عرف سبيلاً للشيوعية. بل جعل الغرض من المجلة، التي قرر معاودة إصدارها في باريس، المدينة التي سماها "الجامعة القديمة للفلسفة" أن تنأى عن التماهي مع أياً من التنطعات الجذرية وذكر منها الشيوعية بالذات لقصورها وتعبيرها عن جانب واحد من جوانب الواقع الإنساني. وكان الهدف من المجلة أن تعين المتنطعين على استيضاح أفكارهم. ولكنه سرعان ما وجد نفسه يحث الخطى إلى الشيوعية. ومن دلائل ذلك نشره مقاله عن هيغل بالمجلة جنح نحو الشيوعية فيها حتى أغضب ممول الجريدة الليبرالي اليوتوبي-الخيالي. وفي ذلك المقال اكتشف ماركس البروليتاريا كالقوة التي ستحل النظام الاجتماعي القائم ومحررة البشرية من أسقامها (بادوفر 173 ). نمى ماركس في سنوات المنفى في باريس (بين سنوات 1843 و 1849 داخلاً خارجاً) مفهومه للمادية التاريخية في خضم التيارات الفكرية والمؤثرات العاجة بالمدينة موئل المفكرين الأوربيين الثورييين. وخلافاً لقول الخاتم فإنه تخلص من الرومانسية الهيغلية يوم اكتشافه للبروليتاريا كقوة لبناء المجتمع الجديد. فقرأ الاقتصاديين مثل سميث وريكاردو ووجد أسلوبهم صاف وبارد وغير مؤجج بالعاطفة مما لا يقارن ببلاغية وعاطفية الألمان المزجاة. وجذبه للاقتصاديين مزيج من المكر العملي وتركيزهم على التحري الإمبريقي بالفرضيات العامة الحاذقة. وقوى ذلك ميله الطبيعي لتفادي كل أشكال الرومانسية والقبول بالتفسير الطبيعوي للظواهر وحده لا غيره مما يمكن إثباته بدليل من الملاحظة العلمية. وخلَّصه الاقتصاديون الإنجليز والاشتراكيون الفرنسيون بالتدريج من ركام غيوم الهيجلية. فآخى بين هيغل والاقتصاد السياسي الذي استولى على فؤاده في باريس. فأعطى مفهوم التغريب الهيغلي الفلسفي المجرد معنى جديداً ربطه بالعالم المادي وبخاصة عالم الشعور الإنساني والفعل الإنساني. وجاء بمفهوم "تغريب العمل" في النظام الرأسمالي وهو تغريب العامل عن ما ينتجه في الصناعة للآخرين (بادروفر 191) . جاء ماركس للعمال بمقتضى النظر للتاريخ الذي وضع سره في الطبقة العاملة كالطبقة التقدمية للإنسانية الجديدة في العصر الرأسمالي. وهذا ما دفعه ليكون سيء الظن بالفرنسي الاشتراكي الفوضوي ببيير-جوزيف برودن. فقد وجده أخلاقياً أكثر منه تاريخياً. فمواقفه قبولاًً ونقداً للظواهر بناها على معايير أخلاقية مطلقة وجَهِل تماماً اعتبار الأهمية التاريخية للنظم والمؤسسات. ونقد ماركس كتابه "فلسفة البؤس" بغير رحمة لأنه، كما قال، مضلل. فمن بين مائة عامل قرأوه ربما تجاوز عشرة منه أفكاره ولكن التسعين الباقين سيعمهون في ضلاله. وقال لاحقاًً في وجوب نقد مثل برودون لإنه إذا تركت الخطأ بغير فضح فإنك إنما تشجع التبذل الفكري أو الخنا. ومن فرط "لا رومانسية" ماركس أن أواصر صداقته لفردريك إنجلز التي نوه بها الخاتم تنويهاً خاصاً، انعقدت انتصاراً للنهج العلمي والعقلي. فرد سول بادوفر، مؤلف ترجمة عصماء عن ماركس، صداقته مضرب الأمثال مع إنجلز إلى مقتهما معاً للرومانسيات. كان ماركس أعجب بمقال لإنجلز نشره في مجلته عرض فيه لتطور الرأسمالية من الميركنتالية إلى نظام المصنع في انجلترا. ثم استمد من كتاب إنجلز عن أوضاع الطبقة العاملة في بيريطانيا علماً غزيراً. ووجد ماركس الجاهل بالشأن في شغل صديقه دراسة مبادرة ملموسة لواقع ملموس هو تطور النظم والمؤسسات الرأسمالية. وفي لقاء الرجلين (28 أغسطس إلى 6 سبتمبر 1844) تطارحا افكارهما ووجدا أنهما متطابقان في نظرتهما للأشياء وقررا التناصر في خدمة الشيوعية (بادوفر 184). تحول ماركس إلى الشيوعية بتداخله مع العمال في باريس. وقد عرّفه بهم جماعة من حلقة منعقدة حول موسيس هيس، المعجب بماركس. وكذلك أقامت بباريس جماعة عمالية وصنائعية من الألمان احتكرت صناعة الأحذية وسادت فيها اتجاهات شيوعية قوية. وتعرف ماركس على منظمة شيوعية وسطها اسمها تحالف العدالة وتركت أثراً قوياً عليه. بل نجده نظم الدولية الشيوعية الأولى في 1864 على هيكلها التنظيمي (بادوفر 177-178). من جهة أخرى كان الصراع الطبقي مٌلقَى على أرض باريس ليراه الغادي والرائح. فذكرى ثورة 1789 كانت ما تزال عابقة فيها تلهج بها البرجوازية والعمال معاً. لهجت بها البرجوازية لأن الثورة مكنت لها فأمسكت بمقاليد البلد تحت لويس فليبي. وتتذكرها البروليتاريا الغبينة بالهزيمة أيضاً. وقال بادوفر : "كان التباين الطبقي في باريس ,واضحاً وحاداً ولا تنازل لطرف عنه. ولم يكن ماركس بجاجة لاختراع الصراع الطبقي أو تصوره. يكفيه من ذلك أن يدير النظر في ما حوله". (بادوفر 177). وفي مناخ هذه الزمالة المبتكرة قال ماركس بنبل عمال باريس الذي أخذه الخاتم عليه ونسبه لرومانسية الشباب. قال ماركس: الزمالة بين أولئك العمال ليست شعاراً ولكنها الحقيقة ويشع النبل من وجوهم التي أيبسها العمل . . . وعليك أن تحضر واحداً من اجتماعاتهم لتقف على ال(.........)اجة والنبل العذريين اللذين تنتجهما لقاءات أولئك العمال" ( بادروفر 183). ولا سبب عندي لربط الزمالة ونبلها بالشباب. فهي مطلوبة في كل كدح وضمانة نجاحه. وربما عزت في الكبر ولكن ماركس تحلى بها في كبره. علماً بأن الخاتم نفسه لا يبدو أنه يعترض على نبل الزمالة. فقد جاء في موضع آخر من كتابه بالبشريات التي قدحتها الماركسية في العقول والقلوب والأجساد. فقال إن ماركس وإنجلز رسما مشروعاً لشبحهما الذي طارد أوربا العجوز"، الشوعية، بما جذب إليه "أكثر العقول إستنارة، وأكثر المناضلين شرفاً وحماسة، وقد تفجرت في صدور الرجال والنساء احلام، وأمتلأت آفاقهم باحتمالات نبيلة وخيرة، كفيلة باجتياح السماء" (صفحة 1). وزاد بأنه نشأت لتحقيق هذه المطامح "أخويات بشرية لم تكن أقل من تلك الأخويات التي حققها الأنبياء وسط أتباعهم". وقال إن نضال القوى التي تجيشت للمهمة اتسم "بالبطولة وبالشجاعة الفائقة، وبنكران الذات، والإزدراء بالمنفعة الشخصية، والاستهانة بالمصاعب والأخطار" (صفحة 2). ولم يكن هؤلاء الذين نبلت زمالتهم كلهم من الشباب بالطبع.
4 ونريد في ما تبقى من هذه الدراسة مناقشة الخاتم في حيثياته التي إطرح الماركسية على ضوئها. وسنتسعين هنا بشكل رئيسي بكتاب "ماركس الإسفيري" للدكتور نيك داير-وزيفورد الصادر في 1999 عن جامعة إلينوي للنشر. فبه سنضع الخاتم في وضعه اللائق من مبطلي الماركسية ومدارسهم وحججهم. وسَنٌعَرِف بفكر توفلر، الذي اقتدى به الخاتم بصورة مطلقة، في سياق هؤلاء المنظرين لنفهم بصورة أقضل فكرة الخاتم في تخطي الماركسية. من جهة أخرى سنرد على الخاتم في قوله إن ماركس لم يعتبر الثورة التكنولجية المعلوماتية التي ألفت بين رأس المال والبروليتاريا فطفت فتيلة الصراع الطبقي. ثم نعرض لبعض الماركسيين المعاصرين الذين واجهوا تحدي "نهاية الماركسية" الذي يروج له منظرو الثورة التكنولجية. ونوجز هنا بسرعة غرض داير-وزيفورد من كتابه ليتابع القاريء أفكاره التي عليها اعتمادنا هنا. أراد المؤلف بكتابه المحاجة كيف أن عصر المعلوماتية الجديدة (كمبيوتر، اتصالات، هندسة وراثية)، خلافاً لقول القائل إنه تجاوز الخصام التاريخي بين رأس المال والعمل، يشكل حالياً آخر المعارك في المواجهة بين الخصمين. وكيف أن التكنولجيا المتقدمة قد جرى تشكيلها لتسليع (من سلعة) عام غير في مسبوق في عالميته. فخرج بكتابه لبيان كيف أنه، خلافاً لمراد من تواضعوا على هذه التكنولوجيا بقصد كسر شوكة الطبقة العالمة،وللغرابة، سيخرج من كنفها للوجود قوى تنتج مستقبلاً مغايراً قائماً على تشارك الثروة هو شيوعية القرن الحادي والعشرين (صفحة 2).
صنّف داير-وزيفورد المدارس الفكرية القائلة بنهاية الماركسية وقال إنها الليبرالية الجديدة والتوفلرية. وشرح منطلقها ومرماها كما يلي: 1-الليبرالية الجديدة: وهي ردة فعل على الليبرالية الاجتماعية التي اعتقدت في دور للدولة في إحلال العدل الاجتماعي وأفضل تمثيل له الرئيس ريغان ومارقرت تاتشر اللذان حاولا سحب الدولة من "التطفل" على المجتمع. ومن باطنها خرجت دعوة فوكاياما عن "نهاية لتاريخ" التي قوامها أن الماركسية قصرت دون استيعاب ثورة المعلومات. فتهافت الاتحاد السوفياتي راجع إلى تنكبه ثورة المعلومات وهو تنكب دفعته إليه نواقص كامنة في الماركسية وعلل. أما الرأسمالية فقد أنجاها أنها استصحبت هذه الثورة لذا توجت التطور البشري بصورة خاتمة. وجاء نقد فوكاياما للماركسية بحليف غير متوقع لها هو الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا كما رأينا. وسبق لنا عرض مقولة دريدا عن "شبح ماركس" واستعيد أكثره هنا من على لسان داير-وزيفورد طلباً للتوسعة في مسألة ربما كانت جديدة على أكثرنا. نقد دريدا فرضية نهاية التاريخ القائلة بأن تهافت اشتراكية الدولة في آخر العقد الثمانين من القرن الماضي استأصل "الشبح" الثوري" (الماركسية) الذي لاحق رأس المال لحقب طويلة. وأحيا دريدا بذلك فهماً مستقراً في بعض الدوائر مفاده أن الماركسية ليست جسداً جامعاً للفكر ولكنها اشتملت على عديد النسخ المتداخلة والتي بينها تناقضات جذرية. وتحدى دريدا كل قائل أن التقليد البلشفي السوفيتي قد استنفد مأثرة الماركسية. فخلافاً للزاعمين أن الماركسية قد ولى عهدها بعصر المعلومات فإن أهميتها لن تتضح بصورة كاملة إلا حين نأخذ في الحسبان بعض التطورات المعلوماتية (العولمة، طغيان الوسائط) التي أتى عليها ماركس بنصوص شددت على الكوكبية وأتمتة الإنتاج. فدريدا يتحدث لا عن ماركسية وإنما عن ماركسيات. فقد كتب ماركس أشياء مختلفة في أوقات مختلفة وليس كلها سوية أو أن كلها يصلح لينتظم في أنساق تامة ومختلفة. وأخذ الناس جمل ماركس في سياق تطور الماركسية التاريخي وأصعدوا بها واسفلوا وصبوها في طيف من أشكال شتى وفي أحوال كثيرة متشاكسة. فبعيداً عن الزعم بموت الماركسية، في قول دريدا، التبعة الآن أن نرى من فرجة تهافت البلشفية فضاء تينع فيه فروع مصمتة من شجرة نسب الماركسية وتزدهر (4-6). 2-التوفلرية: عائدة إلى الآن توفلر الذي اشتهر بالتنظير لثورة المعلوماتية والاتصالات التي تخطت الماركسية وقتلتها. سبقت التوفلرية، ثورة المعلومات، نظرية ما بعد المجتمع الصناعي. والأخيرة تتحدث عن طبقة تكنوقراطية في المجتمع ما بعد الصناعي تراوح في التوتر القائم بين راس المال والعمال. ولكن ثورة المعلوماتية ذهبت إلى القول إلى أن الكمبيوتر ومتعلقاته نَقَض نظرية ماركس وألف بين العمل ورأس المال فصارا بفضل وفرة المجتمع ما بعد الصناعي إخوانا. ولا ينكر منظروّ ثورة المعلوماتية ماركس وإنما يستدركونه بملاحقة كر الزمن الذي فاته. فهم يأخذون بمنطقه ذاته ولكنه يبلغون به غايات ما طرأت له. فبالنظر إلى نظريته عن تطور وسائل الإنتاج يقولون إنه إذا أعطتنا طواحين الهواء النظام الإقطاعي وأعطتنا الآلة البخارية الرأسمالية الصناعية فلا بد من قبول أن الكومبيوتر سيعطينا المجتمع المعلوماتي. فعليه فهم على نهج ماركس ماديون تاريخيون التاريخ عندهم تطوري جدلي. وليس بين دعاة نظرية المعلوماتية من أمعن فيها التنظير مثل توفلر الذي تخلى عن ماركسيته سقماً من الإستالينية وعِزة برفاه المجتمع الأمريكي ووفرة حياته. وغدا توفلر ناقضاَ لا يريم لفكرة ماركس من فوق مفهوم ماركس نفسه للتاريخ. فتجد مطابقة بين موجاته التاريخية الثلاث: الزراعية ثم الصناعية فالمعلوماتية وبين موجات ماركس الثلاث: الإقطاعية فالراسمالية فالشيوعية. الفرق أن موجة المعلوماتية، بحسب توفلر، لا تتحقق بالصراع الطبقي. فلن يتخلل تحقيقها صراع طبقي، أو استغلال للعمال، أو تغريب، أو تركيز للثروة ومركزة لها، أو مكننة لا إنسانية.فكل ذلك من عقابيل المرحلة الثانية، الراسمالية الصناعية، التي هي سمة الماركسية. فالتكنولجيا وحدها ستتكفل بتحقيق المعلوماتية التي ستبسط المجتمع اللاطبقي والعمل الذي لا يٌغَرِب العمال، وتتلاشي فيه الملكية الفردية. ويرى توفلر أن قصور الماركسية عن اللحاق بالمعلوماتية علة فيها. فمادية ماركس قائمة على معارضة بين عالم الأشياء الفيزيائي الحسي، ساحة الإنتاج، وعالم الأفكار الأثيري المجرد. وهذه المعارضة هي التي تلتبس مجاز ماركس الزائط "القاعدة-والبناء الفوقي". ومفاده أن المعلومات والفن والثقافة والنظريات وغيرها من منتجات العقل غير المحسوسة هي جزء محض من "البناء الفوقي" الذي يٌحَلق فوق الأساس المادي للمجتمع. ومع أنه من المتفق عليه أنه يغذي واحدهما الآخر إلا أن القاعدة، حسب ماركس، هي التي تتحكم في البناء الفوقي وليس العكس. وهذه الإزدواجية هي التي تعمي الماركسية عن القيمة الإنتاجية للأفكار والعوالم الرمزية. فمن رأي توفلر أن المعرفة هي التي تََقطٌر قطار الاقتصاد لا العكس. فإذا كان ماركس بمعارضته البناء الفوقي -القاعدة (واختياره للقاعدة كالمسبب للبناء الفوقي) قد جعل هيغل (الذي يقدم الفكرة على القاعدة المادية) يقف ، في قول ماركس نفسه، على رأسه فالمعلوماتية، بإعلاء الفكر، قد جعلت ماركس يقف على رأسه، أي في الوضع الخطأ. ما استنكره توفلر على الماركسية هو قولها بأن الخلاص الثوري في طبقة البروليتاريا. فمن رأيه إن ما حفز العمال للثورة ليس ملكية الرأسماليين لوسائل الإنتاج بل التكنولجيا المتخلفة لعصر المداخن التي أرهقت العمال فثاروا. فهو يقول بأن الماركسية تٌعلي من قدر العمال الجٌهم ذووي العضلات المشدودة في مصانع الحديد. ولكن كتل العمال تلك تتبخر الآن. فاقتصاد المعلومات يلغي المصنع وبالمرة العمال الذين عهدت لهم الماركسية بمهمة الثورة.ويتخذ "وداع العمال" في نظرية المعلوماتية وجهان: أ-الأتمتة (بما يصير العمل كله رهن الالآت) ستحوجنا إلى عمال أقل فأقل مما يضعف حجم العمالة، ب- لن يقود هذا بالضرورة إلى التبطل. فالأتمتة ستفتح جبهات جديدة لتشغيل العمال في حقول الكنولوجيا العليا وحقول للصناعة تطغى فيها المعلوماتية. وهي أشغال أفضل لن يعاني بها العمال من التغريب. فالحاسوب خلق آلي آخر يستبدل شقوة العمل اليدوي بصحو العمل الذهني وتنحل به هرميات المصنع التقليدي وتسترد للعامل كينونته فيرضى بما يقوم به من عمل. ويفترق رواد ثورة المعلوماتية حول ما هم بصدده: هل مجتمعهم الموصوف تجاوز للرأسمالية أم أنه مجرد مجتمع لرأسمالية متطورة. فجماعة "ما بعد الرأسمالية" منهم يقولون إن تكنولوجيا المعلومات وفيضها سيؤدي إلى انحلال قبضة العلاقات الرأسمالية وتوؤل فيه الملكية إلى العمال والمواطنين. فالمصادر التي ستوفرها ثورة المعلومات ستلغي تبادل السلع وسنكون بإزاء مجتمع إلكتروني لاطبقي. وكان لتوفلر موقفان. بدأ "ما بعد رأسمالياً" يرنو لمجتمع يتجاوز الرأسمالية ثم تحول إلى الاعتقاد بأن ثورة التكنوولجيا ستقتصر على "أنسنة" الرأسمالية. في موقفه الاول قال إن عامل مجتمع ثورة المعلومات، خلافاً لعامل ماركس الصناعي الذي تملك النذر من أدوات الإنتاج، يمتلك شفرة الإنتاج في ذهنه. وعليه فهو يحتفظ في رأسه بالرموز التي يتكاثر بها رأس المال. وعليه فهو "يمتلك نصيباً هاماً وغير قابل للإحلال من وسائل الإنتاج". وهنا تسقط نظرية ماركس للصراع الطبقي. فالنزاع الطبقي في مجتمع توفلر المتصور لن يتبخر فحسب بل سيصبح الفصل بين العمال والإدارة مستحيلاً. وستحل محل النزاع خلقية مشتركة من المساهمة والمهنية يغذيها اقتسام الأرباح، وفرص الحصول على أسهم في المنشأة، والميزات النوعية لبيئة العمل. سيكون هناك عملاً بلا طبقة عاملة لأن الطبقة، كهوية جماعية قائمة على التباغض في الإنتاج، ستنحل. أما الداعون لرأسمالية أحسن، وهو الموقف الذي تبناه توفلر بآخرة، فهم يقولون إن تكنولوجيا المعلومات ستأتي بوفرة ترسي رأسمالية رحيمة. ومع اختلاف المدرستين فهما متفقان في أن مفهوم ماركس للثورة والصراع الطبقي قد بطل (26-30).
5 أضع في هذا القسم من البحث الخاتم في سياق مبطليّ الماركسية. وهو بالطبع توفلري كما شهد بنفسه وكما سنترك للقاريء استنتاجه (أو دحضه) من قراءة تخريده للماركسية بعد أن وقفنا على آراء توفلر في نفس الموضوع . وحرصت على المجيء بأكثر ما جاء به الخاتم بخصوص فساد الماركسية في مبحث كهذا لأنني لا أعرف مقدار ذيوع كتابه "آن أوان التغيير". دلف الخاتم إلى تعطيل الماركسية من باب نقده لقصور حزبه كما رأينا ومن ذلك تبنيه الماركسية فلسفة ما يزال. فقال إن الحزب يدعو إلى أنه حزب الطبقة العاملة منحاز لمصالحها في وقت لا تنحاز الطبقة نفسها لمصالحها وفكرها. فمثل هذه الدعوة ربما نجحت لو صدقت "النبوءة الماركسية الأساسية حول الاستقطاب الاجتماعي الشامل بين البروليتاريا من جانب، والبرجوازية من الجانب الآخر. ذلك الاستقطاب الذي لا تجد إزاءه الطبقات الوسيطة سوى الانحياز إلى هذا الجانب أو ذاك". وبقفزة طويلة للأمام إلى أوضاع صناعية وطبقية في الرأسمالية المتقدمة، وعلى بينتها، قال الخاتم قال إن هذا الاستقطاب لم يحدث. ولبيان ذلك لجأ إلى توفلر، أحد ابرز المنقلبين على الماركسية وناشر بطلانها بالنظر إلى الثورة المعلوماتية كما رأينا، وكتابه "تحول الشوكة" (Power Shift). قال الخاتم ناظراً لتوفلر إن الطبقات التي تناقصت لعهدنا هي البروليتاريا والبرجوازية لتنامي الطبقات الوسطى وعلى حساب البروليتاريا أساساً. فهذه الطبقات أصبحت تشكل الأغلبية الساحقة في كل المجتمعات الرأسمالية المتقدمة. فالثورة العلمية والتكنولجية همَّشت البروليتاريا فصار عددها يتراوح بين 10 و15 % من السكان. وزاد بقوله إن انتاج الثروة القومية قد تحول "بصورة حاسمة من اليد إلى الدماغ. وأصبحت المعرفة والمعلومة والفكرة والتصميمات الذهنية هي أداة الإنتاج الأساسية". وتملٌك هذه الخزائن المعرفية الجديدة، بصورة حصرية، الطبقات والفئات الجديدة التي ولدتها الثورة العلمية وأهلتها وحدها دون غيرها لقيادة المجتمع. وسمى توفلر هذه القوى الجديدة ب"الكمومنتاريا" (من "كومنت" تعليق comment أي التي بيدها القلم الفصيحة) تلك "التي تمتلك وسائل إنتاجها بامتلاكها للمعرفة، وهي أدوات إنتاج لا تستطيع البرجوازية نفسها أن تجردها منها. وهذه ظاهرة جديدة لم يعرفها ماركس ولم ينظر لها" (37-38). ثم نجد الخاتم يوالي نظرية الثورة المعلوماتية في قولها بنفي الصراع الطبقي من المجتمع المعلوماتي. فقد انتهى مجتمع المعلوماتية إلى سلام طبقي بفضل المساومة التاريخية التي تنزلت عندها البرجوازية بعد الحرب العالمية الثانية، وهي البرجوازية التي يصفها منظرو ثورة المعلوماتية ببرجوازية "ما بعد الفوردية". ويعنون ب"فورد" هنا صانع السيارات الأمريكي الأشهر الذي يعتقد أولئك المنظرون أن ما بعد الرأسمالية قد تجاوزات مصنعه الكلاسيكي الذي شهد مواجهات العمال ورأس المال. فبفضل المساومة المذكورة بين العمال والبرجوازية أصبحت البرجوازية أكثر ديمقراطية عن طريق إشراك العاملين في رسم أهداف الإنتاج وفي ملكية وسائل الإنتاج بأقدار متفاوتة. ووقع ذلك في سياق تنامي خلق ديمقراطي تسرب إلى خلايا المجتمع ترسخت به حقوق ديمقراطية وضمانات اجتماعية. وقيدت الأعراف الاجتماعية المبتكرة سيادة البرجوازية على العملية الإنتاجية والمجتمع. وقال الخاتم إن هذه البروليتاريا، التي لم تنشأ عندنا في السودان أصلاً، مكتوب عليها الاضمحلال (متى جئنا لها) أسوة بالدول الصناعية التقليدية "التي ربطت إنتاج القيمة الزائدة بالانتاج اليدوي أساساً، والاتجاه إلى التغليب التدريجي للانتاج الفكري المستند على المعرفة والمعلومة والوسائل التكنولوجية الحديثة. و"سنحرق مرحلة" الإنتاج القائم على العمل اليدوي" في السودان لأنه "ليس مكتوباً على مجتمعاتنا أن تترسم خطى المجتمعات المتقدمة وقع الحافر على الحافر". فسنبلغ بالطائرة ما بلغته هي بالقطار. وطالما ستضمحل البروليتاريا عندنا، أو هي لن تنشأ أصلاً عندنا نشأتها الأولى، فأولى بالحزب الشيوعي، الذي يرتكز على عقيدة أن الطبقة العاملة هي القوة القائدة في المجتمع، أن يركب "طائرة التاريخ" إلى المجتمع ما بعد الصناعي الذي لم تعد فيه هذه الطبقة سوى جزء من المنتجين لا أعظمهم (40-41). ثم يعرج الخاتم على الطبقة العاملة كما هي عليه في السودان حالياً. ويدعو للكف عن التعامل معها "كمقولة ذهنية خيالية وكستودع خيالي لكل ما هو خير ونبيل والتعامل معها كما هي في الواقع" ونحدد مكانها بمعطيات موضوعية ومقدمات الحقيقة. ومن هذه المقدمات أن هذه الطبقة "ضيئلة الوزن بالقياس إلى مجموع السكان وهي محصورة في قطاع حديث محدود وهي غير نقية في تكوينها الطبقي لأن عدداً كبيراً من أبنائها يجمع بين الانخراط في العمل المأجور والاحتفاظ بالملكية الصغيرة". وهي غير مستقرة بالنظر إلى موجات العمال الموسميين الذين يرواحون بينها وبين الريف. وتوصل الخاتم من ذلك إلى أن موقع الطبقة العاملة في الإنتاج ليس المحدد الوحيد لإيدلوجيتها حتى بقولنا جدلاً أن الأيدلوجية تابعة لموقع الجماعة من الإنتاج. وبناء على ذلك يزعم الخاتم صعوبة الحديث عن إيدلوجية للطبقة العاملة السودانية "إلا إذا تعاطينا مع التلفيق وحددنا بصورة مسبقة وتحكمية أن الماركسية اللينينة هي تلك الأيدلوجية وأن على الطبقة العاملة أن تتيبناها رغم أنفها. وهذه وصاية لا تستقيم مع تنامي الوعي الديمقراطي" (41-42). ومن تلك المقدمات التي جاء بها الخاتم ليطعن في تمييز الحزب الشيوعي لقيادة الطبقة العاملة تشخيصه للتناقضات في المجتمع. فالتناقض الأساسي ليس بين الطبقة العاملة والبرجوازية "بل هو التناقض بين المجتمع ككل والشرائح الطفيلية السائدة والحاكمة، بين المجتمع ككل والتخلف، بين المجتمع ككل ودوائر الاستغلال الإمبريالي " وستلعب الطبقة العاملة هنا دوراً لن تكون له الغلبة لضآلة وزنها السياسي والاقتصادي والثقافي والبشري. وغالباً ما يذهب هذا الدور المقدم "إلى الفئات المرتبطة بالثورة العلمية والتكنولوجية من المثقفين والفنيين والتقنيين والطلاب". وسيتجه نضال هذه الجماعات الغالبة ضد دعاة الديكتاتورية من كل شاكلة ولون بما في ذلك دعاة "ديكتاتورية البروليتاريا". ويقر الخاتم بدور هام للطبقة العاملة في السودان في هذا النضال. فهي ذات "أرث مجيد" فيه ولكن الزعم بأنها "وحدها تملك المفاتيح السحرية للابواب المفضية إلى التحرر الإنساني الشامل، زعم لم يؤكده الواقع، ولم يشهد له التاريخ" (42-43) ويعرج الخاتم من هنا إلى ماركس. فيرى أن ما أضر بالحزب هو تمسكه بهوية الحزب البروليتارية وكدحه ل"ترقية تكوينه البروليتاري". قساقه هذا التمسك إلى ضيق في الاهتمامات "وغذى روح الانتظار الحالم لتلك اللحظة التي تنمو وتنضج وتسود فيها الطبقة العاملة. وقد أدى ذلك إلى غربة الشيوعيين عن واقعهم غير البروليتاري أساساً. فأعرضوا عن الانخراط اليومي الحميم في معرفة الواقع وتوجيهه وفق منطقه الخاص وليس وفق تصورات ذهنية غير واقعية". وسلب التركيز على البروليتاريا الحزب من الحساسية "تجاه الفئات والطبقات الأخرى. وأنشأ جداراً من الاستعلاء والغربة بين الحزب وبين العناصر الراغبة في الانضمام إليه من تلك الفئات والطبقات." كما أدى طلبه (النقاء البروليتاري) إلى التعصب واحتقار الرأي الآخر بما يقرب من التخوين لاتهامه بأنه فكر غريب عن إيدلوجية الطبقة العاملة". ونٌشرت بذلك محاذير الخروج عن "ملة البروليتاريا" جواً فكرياً حانقاً في الحزب عطل خلاف الرأي وأخرس حرية التعبير وفرض لغة مؤممة للحديث لا مجال فيها للخطاب الخاص. ونشأ حراس أشداء ل "ملة البروليتاريا" هم قساوسة في خطر سوسولف الروسي. وهكذا خرَّجت الأحزاب الشيوعية روبوتات بدلاً عن الأفراد ذوي صوت الخاص. وربما لم يحدث هذا بكامله في جميع الأحزاب "ولكنه اتجاه قوي لا يستطيع أن ينكره أحد" (44-45). نجحت الرأسمالية في رأي الخاتم في عقد مساومة تاريخية بينها والمنتجين كسبت به بعداً اجتماعياً تصور المنظرون الباكرون أنها غير قادرة على تحقيقه. فالربح، هذا الدافع الأزلي للانتاج الرأسمالي، "لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تنازلات حقيقة للمنتجين. وصارت العملية الانتاجية أكثر ديمقراطية بما لا يقاس. إذ دخل المنتجون والإداريون والتقنيون والمستهلكون في تحديد أهدافها، وفي كيفية الوصول إلى هذا الأهداف، جنباً إلى جنب مع مالكي وسائل الإنتاج." وظهرت فئة الحرفيين الجدد الذين يبيعون منتجاتهم وليس قوة عملهم من المهندسين والمصممين والفنانين والمبدعين وصانعي الموضة ونجوم الرياضو البدنية والذهنية إلخ." ارتبطوا بالثورة العلمية التكنولجية (91-92). ويزكي الخاتم الصفوة التكنولجية لقيادة مجتمع المصالحة بين الرأسمال والمنتجين. فمع رأيه في وجوب تجييش قوى الشعب كلها للنهضة لتجاوز التخلف إلا أنه يرهن القيادة المأمولة إلى المثقفين الذين ارتبطوا بالثورة العلمية. فهي الفئة "القادرة على استيعاب العملية الاجتماعية في كلياتها والمنخرطة في أرقى العلاقات الانتاجية والتي سيتعاظم نصيبها في انتاج الثروة القومية باستمرار. وهي القادرة على قيادة المجتمع وتسيير وسائل التوجيه والاتصال، وتفجير منابع الطاقة بكل اشكالها والتي لا يمكن لمجتمع معاصر أن يحلم بالتقدم بدون تفجيرها". وهو ينفي أن قوله بما تقدم "نظرية جديدة للصفوة" لأن المراد منه مجرد استيعاب متواضع لطبيعة عصرنا وإلمام بسيط بقواه المنتجة. ويركز الخاتم على "المثقف الشعبي الديمقراطي، المزود برسالة وطنية جامعة، الشاحذ ذهنه لمواجهة التحديات الكبيرة" وهو لايرى أن المثقفين عندنا مؤهلين لذلك الدور إلا بعد تغيير أنفسهم(93-94). وربما لم تكن أشراط الخاتم للمثقف الشعبي مما ينطبق على مثقف صفوة الثورة المعلوماتية. فقد بدا لي وكأنه هو نفس المثقف الذي طمع الشيوعيون في استنباته طويلاً ولم يوفقوا. وزاد الخاتم بأن الدور الذي رسمه للمثقفين لا يقلل من أدوار الطبقات والفئات الأخرى. ولكن المثقفين قطاع ديمقراطي يدخل إليه الأفراد من كل الطبقات. وسيخضع دوره القيادي لأعراف المجتمع وإرادته. وينتهي الخاتم برسم المثقفين قادة لهذا المجتمع بقوله "وهذا يرشحهم لدور وطني قيادي ويجعلهم مجسدين لوحدة المجتمع" (95-96). وهو يدعو إلى استيعاب للمثقفين الأكفاء "دون تصورات إيدلوجية مسبقة" مستفيدين من كل الإرث الفكري الإيجابي "في العالم ومنها وعلى رأسها الماركسية وما حققته من منهج علمي في الاقتراب من الواقع، وما كشفته من حقائق إجتماعية واقتصادية وثقافية لا يستطيع أي مفكر جاد أن يتجاهلها . . " وميز في الماركسية انطلاقها في النشاط النظري أو العملي من "دراسة المنطق الملموس للواقع الملموس" (102). وعليه فالحزب الذي يدعو إليه الخاتم فوق هذه المقدمات هو حزب القوى الحية في المجتمع (منتجين بالدماغ واليد، رأسماليين مرتبطين بالانتاج والوطن، أقليات قومية ودينية وثقافية) يجبه التخلف. وعليه فهو ليس "الحزب الشيوعي" لأنه "لا يتبنى موقفاً إيدلوجياً متكاملاً إزاء الكون، ولا يبشر بمرحلة معينة يتوقف عندها المجتمع البشري، ولا يرمي إلى صياغة المجتمع وفق مخطط نظري شمولي. إنه حزب للعدالة الاجتماعبة التي هي مقولة عامة مفتوحة (105-106). وهو حزب سيخرج من حزب شيوعي قرر الانتحار. فهو يدعو إلى عقد المؤتمر الخامس وحل الحزب الشيوعي وتكوين لجنة تمهيدية من الشيوعيين السابقين وعناصر ديمقراطية مؤثرة وشخصيات وطنية مثقفة ومناضلة وممثلين للأقليات العرقية والثقافية لوضع برنامج الحزب الجديد ولوائحه (108).
6 اختار الخاتم كما رأينا أن يخلع الماركسية حين بدا له تراخيها عن تطور التكنولوجيا ومجتمعها الجديد. وسنعرض هنا لماركسيين عضوا على الماركسية بالنواجذ وجابهوا بها تحدي الثورة التكنولجية. ومنهم من أحسن ومنهم من أساء. ونبدأ بمقدمة عن أفكار ماركس نفسه عن الثورة العلمية والكنولجية وجدلها في عصره. من رأي داير-وزيفورد أن مزاعم منظريّ الثورة التكنولوجية وبطلان الصراع الطبقي هي خمر جديدة في قناني قديمة. فأرجع فكرة من قالوا بأن ثورة المعلومات ستلغي الصراع الطبقي في الرأسمالية إلى منظرين من عصر ماركس نفسه. ففيه كتب شارلس بابيج مؤلفاً عن اقتصاد الألات والصناعات في 1835. وبحث فيه عن سبل أتمتة العمل (الذهني والجسدي) للتقليل من وزن العامل البشري في الإنتاج، بل والتخلص منه نهائياً. فقد كدَّر الصناعيين الذين نظروا إليه كمصدر خروج عن الضبط والربط والخلل والخطر. ومن رأي بابيج أنه ستقوم على تعبئة الموارد النظرية لخدمة الصناعة "طبقة جديدة من محللي إدارة الأعمال". قرأ ماركس كتاب معاصره بابييج. ولم ير في فكرته سوى استراتيجية أخرى للتخلص من الصراع الطبقي. وكان من رأي ماركس أن استخدام الآلات في الصناعة هي من حيل البرجوازية لإخضاع البروليتاريا المتمردة. ولمّح لبابيج في فصله "الالآت والصناعة الثقيلة" من كتاب رأس المال بوصفه للصراع الطبقي كواقعة بين العامل والماكينة. ونظر ماركس في ما كتبه أحد أنصار بابيج القائل "حينما يوظف رأس المال العلم لخدمته فإن ذلك يكسر شوكة العامل ويؤدبه". وعلق ماركس أنه بالوسع كتابة تاريخ مٌكَمل عن الاختراعات التي تمت منذ 1830 لغرض وحيد هو تزويد رأس المال بسلاح ضد ثورة الطبقة العاملة. فهو يرى أن العلم ومنتوجاته مشروع إنساني جماعي استأثرت بثمرته "جماعة من النوع الرديء من راسماليّ النقد" (3) وقف ماركس على هذا التوتر بين الطبيعة الجماعية للتطور التقني العلمي واستئثار رأس المال به في مذكراته لكتابه رأس المال. وتنبأ ماركس بأن خلق الثروة الحقة سيعتمد أكثر فأكثر على الحالة العامة للعلوم وتقدم التكنولجيا لا على الوقت المبذول في العمل أو كمية العمل المبذول. وسيكون العامل المفتاحي في الإنتاج هو المعرفة الاجتماعية اللازمة للابتداع العلمي التكنولوجي. وسمى ذلك "الذهن العام" (general intellect). وهو ذهن يقوم على نظامين تكنولوجيين سيميزانه عما سواه متى بلغا أشدهما: 1-الآلات التي تنبأ ماركس بأنها ستستأصل العمال من المصنع، 2-وشبكة دولية من المواصلات والاتصالات تَصِل السوق العالمي بعضه ببعض. وهذا حلم الرأسمالي وغايته. ولكنه حلم تنخر فيه من غير أن يدري حقيقة أخرى. فمتى أطلق رأس المال عنان قوى المعرفة التكنولجية والتعاون الاجتماعي فإنه إنما يبذر بذرة تضعضع حكمه. فالأتمتة، بسبب تخفيضها المبالغ فيه للحاجة للعمال، ستهدم علاقة الأجور التي هي ركن ركين في الرأسمالية. فكلما أزداد تطبيق العلم التكنولوجي في الانتاج سيصعب ربط الدخول بالوظائف واحتواء الإبداعية في حيز صور السلعة. ففي عهد الذهن العام إذاً يعمل رأس المال نحو تحلله كصورة من صور الانتاج الغالب. ويخلص الكاتب إلى أن كل من بابيج وماركس من أنبياء مجتمع ثورة المعلومات الحالي. وخلاف الرجلين راكز في أن الأول يعتقد في التمكن العلمي التكنولجي لعلاقات السوق بينما يرى الثاني تحلل هذه القاعدة. ومع فارق الزمن بينا وبينهما فتفكراتهما القديمة تبدو معاصرة في الذي نراه في القول الرائج الآن بموت الماركسية بالنظر إلى هجوم عصر ثورة المعلومات الذي لم تتحسب له (4). وعرض المؤلف في فصل كتابه الثالث لفكرة أن الماركسية إنما هي ماركسيات لا ماركسية واحدة. وفيه تطرق أولاً لما كتبه ماركس عن التكنولوجيا ثم عرض لكيف استفاد منها ماركسيون في صراعهم الفكري ضد ثورة المعلوماتية ومقابلة تحدي نظريات القائلين بموت الماركسية. فيقول الكاتب إن ماركس مثلنا جميعاً متعدد. وقال الرجل عن التكنولوجيا أشياء مما يصعب مواقعة بعضها على بعض أو مما يمكن مواقعته ولكن بصور مختلفة وربما بصور جذرية في خلافها. ونشأت من جراء ذلك ثلاث مدارس ماركسية تصدت لتثبيت الماركسية من حيث أرادت ثورة المعلوماتية خلعها وهي: 1-الاشتراكية العلمية 2-اللودية الجديدة 3-ما بعد الفوردية والكاتب يعتقد أن أصحاب هذه المدارس جميعاً لم يحسنوا الاستجابة لتحدي ثورة المعلومات. ففي ماركس نسب إلى ثورة المعلومات بقوله: الطاحونة الهوائية جاءتنا بالإقطاعية وآلة البخار بالراسمالية الصناعي. هذه التحكمية التكنولوجية ليست كماً مهملاً في فكر ماركس. فهو القائل في مقدمة كتابه (المساهمة لنقد الاقتصاد السياسي): "يدخل الناس في الإنتاج الاجتماعي لحياتهم في علاقات إنتاج محددة مستقلة عن إرادتهم، علاقات تتطابق مع مرحلة محددة من تطور قوى إنتاجهم المادية" ويضيف أنه في طور من تطور الناس "تدخل القوى الإنتاجية المادية للمجتمع في نزاع مع علاقات الإنتاج السائدة" وتتحول هذه العلاقات من مٌعين لتطور قوى الإنتاج إلى قيد يثقل على تطورها. وهنا منشأ الثورة الاجتماعية, واضح هنا في قول ماركس أن القوي الإنتاجية هي تكنولوجية بينما علاقات الإنتاج إجتماعية. وللأولى سبق على الثانية. ورد داير-وزيفورد هذه الفكرة إلى أثر إنجلز على ماركس. فألهمت ماركسيين مثل نيكولاي بوخارين الذي فهم أن التطور التكنولوجي طاقة مستقلة، محركة للتاريخ، تهدم قواها الإنتاجية المطردة أشكال الملكية المتخلفة في مسار قاصد لنصر الاشتراكية. ولكن لماركس عبارات أخرى تعدل بل تنقض هذا الفهم الميكانيكي للتاريخ. ففي رأس المال يحكي عن رأسمالية، ولسيطرتها على مواقع العمل والمجتمع، تحول وسائل الإنتاج بتعميقها. ويصور ماركس حدوث ذلك في درجات متفاوتة متلاحقة منا التضمينات. في الفترة الأولى يفرض رأس المال العمل المأجور على أنماط أقدم موروثة من عهد الإنتاج الحرفي. وفي الطور الثاني يعيد رأس المال تنظيم العمل فيطبق العلم في الصناعة فيفشو الإبتداع التقني ويتصل بلا توقف، ويصبح الاستغلال، لا في تمديد ساعات العمل، بل في التكثيف النسبي للإنتاجية. ويقع هنا استبدال العمل العضلي بالعمل بالآلات. وما يدفع الرأسمالي لذلك هو أنه يريد تعظيم سيطرته على القوى العاملة بتجريد الحرفيين من مهاراتهم وتوسيع مستودع جيش العاطلين. وهنا يعكس ماركس آية روايته الميكانيكية التحكمية آنفة الذكر (طاحونة الهواء أعطتنا الإقطاعية إلخ) . فالذي يدفع بالآلة ويزكيها هو نازع الرأسمالي للتحكم بالقوى العاملة (وهو عامل اجتماعي) وليس العكس. وخرجت من هذه الماركسية الأخرى قراءة للماركسي جورج لوكاش تصر على أن الآلات ما هي إلا لحظة في حياة قوى الإنتاج التي يخضع تشكيلها نفسه للشوكة الاجتماعية. ماركس حمَّال أوجه في نظرته للتكنولوجيا والإنسان. فيمكن النظر إليه كمنظر رائد ل "النظم التقنية الاجتماعية" للعلاقة المعقدة التي أقامها أعلاه بين "الاجتماعي" و"التكنولوجي". ولكنه في أحوال أخرى يكون "لودياً جديداً" مصاباً بالتكنوفوبيا (أي كراهة الكنولوجيا). ونعني باللودية الجديدة مدرسة من المفكرين ناقدة للتكنولوجيا وآثارها على الفرد والمجتمع. وقد أخذت اسمها من لودية القرن التاسع عشر التي احتج فيها حرفيون صنائعية في بريطانيا ضد استخدام الآلات التي جاءت مع الثورة الصناعية بل وسعوا لتهشيمها لأنه رمت بهم في البطالة وقطعت رزقهم. فقد حفلت كتابات ماركس أيضاً بتصاوير من قرنه التاسعشري دالة على بغض التكنولوجيا. وفيها نجد آلة البخار تصادم العامل كتجسيد بليغ لرأس المال. فالآلة بذلك نظام متقن لتعذيب العامل. فتكنوفوبيا ماركس تظهر في قوله بأن كل مخترعاتنا وتقدمنا تبدو وكأنها تنتهي إلى تزويد القوى المادية بحياة فكرية بينما تشل الحياة الإنسانية وتجعلها قوة مادية. وهذ الغضبة من الالات تظهره ك "اللودي الجديد" الذي ألمحنا إليه أعلاه. ولكن تجد ماركس في مواضع أخرى يتحدث في نفس الوقت عن الوعد التحريري للآلات. قال في كتابه رأس المال إن الصناعة الحديثة تحول نفسها وتغيرها "بواسطة الالآت والعمليات الكيمائية وغيرها" وبفعلها هذا تٌهًجِر كتلاً من العمال ورأس المال من قطاع صناعي إلى آخر". وهو يرى في هذه المرونة والتغير هجمة على العامل تنزع الطمأنينية من نفسه. ولكنه يرى من الجانب الآخر في هذا الإبتداع حسنة. فهو يهدم التخصص الضيق الذي مَيَّز الصناعة الحرفية بجعله التباين في العمل شِرعة تؤهل العامل ليعمل في العديد من أنواع الشغل. وهنا نرى ماركس آخر مأخوذاً بالإمكانيات التقدمية لعلاقة الماكينة والإنسان. مثلاً: كيف نظر ماركس إلى تقدم تقنية الاتصال في عصره من تلغراف وبواخر وسكك حديد؟ هي عنده أدوات لا محيص عنها لتطوير انتاج المصنع ولخلق السوق العالمي وثمرة لتثوير رأس المال الذي لا يني لوسائل الإنتاج. فهذه التقنيات هي التي تضطر البرجوازية لتضرب في أنحاء سطح المعمورة لتنسرب في كل مكان وتقيم العلائق في كل فضاء. فهذه الوسائط التقنية في نظره أخطبوط يمدد من نظام سيطرة رأس المال. وفي عبارة له سبق بها عولمتنا قال: كل تطور في وسائل القوى الجديدة هو في نفس الوقت سلاح ضد العمال. فكل تحسين في وسائل المواصلات هو مكون هام في أتمتة السوق العالمي" تحيل التبادل النقدي قوة تبدو أنها تقف بوجه أي إمكانية للتحول الإنساني أو للتدخل الإنساني من فرط عملياتها الموضوعية غير الشخصية التي لا تني". وهذه عبارات جعلت ماركسيين كثيرين يركزون على التأثير الهيمني للوسائط الرأسمالية في صناعة المعلومات كما سنرى بالذات عند مدرسة فرانكفورت وثورة طلاب الستينات التي انتظمت حول أفكار هربيرت ماركوز . ومن جهة أخرى نظر ماركس إلى الإمكانية التي وفرتها ثورة اتصالات القرن التاسع عشر (التلغراف، البريد المتسارع) لهدم الحواجز الريفية والقومية وتدويل البروليتاريا. وسبق ماركس وإنجلز شعار "يا عمال العالم اتحدوا" في المانفستو بقولهم إنه قابل للتحقيق لظرف" تحسن وسائل الاتصالات التي خلقتها الصناعة الحديثة ووشجت ما بين العمال في مواضعهم المختلفة". ولهذا قالا بأن البرجوازية، وهي التي خلقت هذه البئية من التآخي العمالي، قد شحذت "الأسلحة التي ستقضي عليها" في الوقت الذي جاءت لمسرح التاريخ "بالرجال الذين سيمتشقون هذه الأسلحة، الطبقة العاملة الحديثة، البروليتاريا". وأهتبل ماركس هذه السانحة للدعوة لنظريتهما على نطاق اسع. فسعى مع إنجلز للتسلل، عير وكالة أنباء سويسرية ، إلى وكالات أنباء عالمية في بروكسل، لبث أفكارهما على نطاق واسع. وقال الكاتب معلقاً إن هذا لن يجعل ماركس "هاكر" بالمعنى الحرفي ولكنه يشف عن تعلقه بإمكانيات ثورة الاتصالات في عصره. واضح أن كتابات ماركس عن الآلة تأرجحت بين قطبين. الأول هو أن التكنولوجيا هي أداة لتمكين الرأسمالية ولتعزير استغلاها واعتقال العالم في التبادل السلعي. أما القطب الثاني فهو أنها قاعدة للحرية من العوز وللتداخل الاجتماعي اللذان هما بمثابة تمهيد للمجتمع الشيوعي. ومن إتبع ماركس جنح إلى قطب دون آخر أو راوح بينهما (39-42). وبعد هذه المقدمة المفيدة نظر الكاتب إلى الثلاث مدارس الماركسية التي نازلت مدرسة ثورة المعلوماتية (التي قضت بنهاية الماركسية) وعرض لاستجابتها لتحدي تلك الثورة وعلاقة التكنولجي والثورة. وسنعالج أدناه كل منها ونتعرف على كيف لاقت التحدي ومدى نجاحها من إخفاقها.
1-الاشتراكية العلمية: ركزت على مقولة ماركس عن التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقاته. وعليه رأت التاريخ مدفوعاً في سيره بقوانين نافذة تجاه الاشتراكية (42). وتمثلت هذه المدرسة بأجلى صورها في كتاب إرنست ماندل "الرأسمالية المعاصرة-المتأخرة) (1968). وفيه يرد على بشائر دعاة إلغاء الماركسية بالنظر إلى ثورة المعلومات التي كان نجمها آنذاك دانيل بل بكتابه (قدوم مجتمع ما بعد الصناعي)(1973). وكان دافعهم لنقض الماركسية هو ما بدا لهم من قوة السبرنيطيقا وتنامي أهمية التخطيط والتعليم وتنامي "قاعدة المعرفة" التي يقوم عليها التطور الاقتصادي. وتمسك ماندل بماركسية ماركس. وقسّم المجتمع الراسمالي في الغرب إلى رأسماليات: رأسمالية السوق وتكنولجيا الآلة البخارية، فرأسمالية الاحتكار وآلتها كهربائية واحتراقية، فالرأسمالية المتأخرة وآلتها الكمبيوتر والذرة. وكل تحول في الرأسمالية يجلب مزيداً من الربح للرأسماليين (43). ويصف ماندل الرأسمالية المتأخرة بتزايد وتيرة الأتمتة وإحلال نظم السبرنيطقيا محل العمال. ويترتب على ذلك أمور1- يتحول العمل الحي من معالجة مواد خامة حقيقية إلى وظائف تحضيرية وإشرافية، 2-تقع تطورات مبتكرة في تنظيم الأبحاث والتعليم الجامعي، 3-تسارع في الإنتاج وضغوط لإحداث ضبط أفضل للتفريدة inventory وأبحاث السوق وإدارة سوق الطلب وزيادة الاستثمار في نظم تكنولوجية سرعان ما يجري استبدالها بأخرى أفضل. وستٌملى هذه القسمات على الرأسمالية المتأخرة ضرورة تنظيم أدق للإنتاج لا يقتصر على المنشأة بل يشمل الاقتصاد بأسره. وسيقود هذا جميعه إلى تدخل الدولة في الاقتصاد. ولن يغير هذا كله من الغريزة الأم للرأسمالية وهو الحفاظ على نسبة الربح. وهكذا واجه ماندل طلائع نظرية مجتمع ما بعد الرأسمالية. ورفض فكرتها القائلة بأن المركزية الاقتصادية الناشئة للعلم والمعرفة التكنولجية هي من علائم مرحلة جديدة في التاريخ. قال: "إنه خلافاً لزعم الرأسمالية المتأخرة من أنها تمثل مجتمعاً ما بعد صناعي تبدو كالفترة التي (تصنعت) فيها كل فروع الاقتصاد للمرة الأولى". وقال بأن الاعتقاد في فحولة التكنولوجيا هو الشكل المخصوص من إيدولوجية البرجوازية في الرأسمالية المتأخرة. وهي "نظرية تزعم أن بوسع النظام الاجتاعي القائم، وبالتدريج، أن يستأصل شأفة بؤر الأزمات وأن يجد حلاً "تكنيكياً" لكل تناقضاته، وأن يدمج فيه كل الطبقات الثائرة ،ويتفادى التفجر الثوري". وانتهى ماندل إلى وصف الزعم بأن الإبتداع في التكنولوجيا سيعين الرأسمالية لتخطي أزماتها المزمنة بالضحالة. فعلى العكس، قال مندل، إن تلك الإبتداعات ستسوقها حتف أنفها إلى الهلاك الحتمي (43-44). 2- - مدرسة التكنولجيا كإخضاع. تعود فكرة التكنولجيا كقيد إلى مدرسة فرانكفورت (ماكس هوركهيمر وثيودور برونو وهربرت ماركوز) ومفادها أن عقلانية التكنولوجيا خدمت التحرر الإنساني في ما سبق ولكنها صارت الآن ظالمة. وتعاصرت هذه المدرسة التكنولجية في الستينات مع مدرسة الاشتراكية العلمية المشروحة أعلاه. وروادها ماركسيون من أوربا وأمريكا استدعوا الجانب البغيض للتكنولوجيا من ماركس ناظرين إلى سوءة التكنولوجيا في عصرهم من استخدام قنابل النابالم، ووحشة خط التجميع (أسمبلي لاين) في المصانع، ومحطات التوليد الذري. وبدا لهم من عنفوان هذه الأدوات التكنولوجية وقهرها أنها تٌقَوى رأس المال بدلاً من إضعافه. فلم يصح عندهم بالتالي أن قوى الإنتاج الجديدة ستنشق عن وسائل الإنتاج وتحقق الاشتراكية. خلافاً لذلك بدا لهم أن قوى الإنتاج قد حصرتها علاقات الإنتاج التي رتبها الراسماليون لتمكين أنفسهم. وصار رأس المال المدجج بالتكنولوجيا بالنتيجة من المنعة بما مكنه من صناعة "الإنسان أحادي الجانب" في قول ماركوس. واتخذت المدرسة مسارين. ركز أحدهما على مجريات العمل والآخر على اكتشاف الوسائط الجماهيرية (48-49). وخلص المسار الأول إلى أن استخدام رأس المال للتكنولوجيا في الصناعة هو ضد الإنسانية في جوهره وناشيء من تصور مفاده ألا حاجة للناس لإحداث التقدم.ويرى مسار الوسائط أن استخدام التكنولجيا يستهدف فرض "ثقافة الصناعة" التي تروج لمنشآت التسلية والإعلان مستنبطة حاجات زائفة في الناس لبضائع يشترونها فيأمنون لها ويلتذون فتٌبطِل فيهم التمرد والإنشقاق وتٌمكن للنظام السائد وتحميه. ومن هؤلاء الماركسيين الناقمين على "ثقافة الصناعة" هربرت شيللر الذي قال إن الاستبشار بثورة المعلومات باطل. فما نراه من مجتمعها المزعوم مجرد مجتمع تستأثر المؤسسة الرأسمالية به بما تذيعه من معلومات وليس مجتمعاً تخطينا فيه الرأسمال إلى مجتمع كوني من أفراد إنسانيتهم معصومة تخدمهم الإكترونيات. ولا يرى أهل المدرسة غضاضة في الرجوع بموقفهم إلى تقليد اللوديون القدامي الذين حاربوا الاستغلال الراسمالي في القرن التاسع عشر بتهشيم الآلة التي استعبدهم المستغلون لها. فشيللر وصحبه هم لوديو ثورة المعلومات. وبلغوا من ذلك أن قال أحدهم إن جوهر مسألة التكنولوجيا الآن أن هناك حرب اجتماعية (بين العمال ورأس المال) ولكن جانباً واحداً منها هو المسلح. وأضاف "إذا بدأ العمال صراعهم بتهشيم الآلات في معادنها لأنها أداة استغلالهم فمسؤولية المثقفين الآن أن يبدأوا بغير تلفت هشم الماكينات الفكرية للاستغلال . وكان ماركس قد تعاطف مع اللوديين. ولكنه قال لقد مضى بعض الوقت حتى تمكن العمال من التفريق بين الماكينة وبين استخدامها بواسطة رأس المال لإستغلالهم. وبهذا الوعي انتقلوا بالتهشيم من الآلة المادية للإنتاج إلى هدم نوع المجتمع الذي يوظف هذه الآلات (50-54) 3-ما بعد الفوردية (من هنري فورد صاحب مصانع السيارت الأمريكي الشهير). وهي دعوة لرأسمالية عاقبة للفوردية الذي هو مصطلح في رأسمالية التراكم المٌمَيزة للرأسمالية الصناعية لمنتصف الخمسينات من القرن العشرين. فهي نظام شامل للتنظيم الاجتماعي يقوم فيه الإنتاج على مصانع خطوط التجميع ، وسوق استهلاكي جماهيري مشراه بضائع منمطة، ويتمتع باستقرار كينزي (عائد إلى جون كينزي 1883-1946) لدورة المال والأعمال (بيزنس). وكان عصر الفوردية الذهبي في ما بعد الحرب العالمية الثانية. وأخذت ما بعد الفوردية مساراً مختلفاً عن اللودية الجديدة والاشتراكية العلمية. فهي على خلاف اللودية الجديدة متفائلة بالطاقة التحريرية للتكنولوجيا الجديدة. ولكنها خلافاً للاشتراكية العلمية لا تنتظر من هذه التكنولجيا أن تنصر الاشتراكية بل إصلاح ذات بين العمال ورأس المال. وهي بهذا خطاب يقرب الماركسية كثيراً من تحليلات الأكاديميين الليبراليين ومستشاري الإدارة ومنظريّ مجتمع المعلومة (55-56). ونشأت مدرسة الفوردية الجديدة من تحليل الأزمة التي استحكمت بالفوردية في الستينات والسبعبنات فابطلتها. وتولت "مدرسة الرقيوليشن (الضوابطية)" الفرنسية التنظير لتلك الأزمة والمخارج منها. فمن أسباب الأزمة في رأيها تشبع سوق الفوردية الجماهيري، وضيق العمال ببيئة الورش، وتفاقم تكلفة دولة الرفاه، وتغيرات في صور المنافسة العالمية. ويقول الانضباطيون في محنة الفوردية إنه منذ منتصف السبعينات تهافت نظامها للتراكم الفوري الناجح من قبل وتدنى الربح فتوالت فترات من الشك والتفكك وإعادة بناء للاقتصاد العالمي ما تزال جارية. وتساءل منظرو الضوابطية عن ماذا بعد الفوردية. ومع تباين الإجابات اتفق للمنظرين أن ما بعدها سيشمل إدخال تكنولوجيا جديدة تغير في وتائر الصناعي. وتكهن المفكر ميشل أقليتا بأنه ستحل بنا فوردية جديدة تستبدل خط التجميع الإنتاجي بنظام حاسوبي مؤسس على مبادي المعلوماتية. ولم يتفاءل أقليتا بهذا التحول لأنه سيضاعف من مطلوبات العمل ويستغني عن المهارة ويطبع المجتمع عامة باتجاهات شمولية تحكمية. واتجه منظرون بالفوردية الجديدة إلى مذهبين. فمنهم من اخذها بنبرتها المتشائمة بينما تفاءل آخرون بها وبنوا على ذلك. وممن تفاءلوا مايكل بيو وسارلز سابل. وهم من غير الماركسيين الذين تقاطعت أفكارهم مع مدرسة الإنضباطية الماركسية التي نظَّرت للفوردية الجديدة. فإطار التكنولوجيا ما بعد الفوردي، في نظر بيو وسبل، سيعيد إلى العمل نعمة النظر والتعلم والتنوع الذي فقده بتمكن الآلة الميكانيكية في فترة الفوردية وخلاصة قول بيو وسبل إن هذا الإنعاش التكنولوجي في مصانع ما بعد الفوردية سيزيل التباغض من موقع الإنتاج الراسمالي ويعلى من قيمة التعاون بين الإدارة والعمال. وصارت ما بعد الفوردية في طبعة بيو وسابل صناعة أكاديمية لرواجها بين اساتذة الجامعات (56-57) لا اعتراض لداير-وزيفورد على الفوردية الجديدة من حيث قوة تحليلها لحقائق مبتكرة في الثقافة والأقتصاد في الرأسمالية المعاصرة. فهي أفضل نظراً من نقادها الماركسيين العقائديين. بل طرقت باباً من كتابات ماركس عن الرأسمالية كتجربة غير جامدة أهملها عقائدة الماركسيين. ولكن لا يعني توفيق الفوردية الجديدة في طرق مرونة الرأسمالية إعفاءها من المؤاخذة لتضعيفها التناقض في الرأسمالية. ففي حماسة منظريها ل" الزمن الجديد" للرأسمالية نسيوا "الأعداء القدامى". فركزوا على احتياجات التنظيم الموفق لرأس المال للمجتمع وغضوا الطرف عن العمال الذين نازعوه سلطانه (59). فأعتنوا بنمو رأس المال وتلاؤمه مع بيئاته المستجدة لا بالصراع الطبقي. وقد ألجأهم ً تهافت اليسار في الثمانينات إلى قبول حيوية الرأسمالية قبولاً كفوا به عن التفكير في مصرعها كما راهنت الاشتراكية العلمية بذلك. فلم يعدوا ينتظرون ميلاد نظام جديد بل قنعوا من غنيمته برأسمالية ذات تجليات مرنة وبالصفقة التي ستعقدها مع العمال فينحل الصراع الطبقي. فالنظرية لا تصوب نظرها للعمال الذين يمكن لهم استخدام سعة تجديد الرأسمالية وآلياتها لتداول الثورة لا البضائع. وسمى ناقد للفوردية الجديدة منظريها ب"بيع المستقبل رهنا" . فالمنزل متى أفلس صاحبه يباع بثمن يحل دين الدائن وغالباً ما كان ثمن البيع بخساً (61). ونظرا لتعقد هذا الباب وغرابة أطواره في المسميات أترجم هنا تلخيص الكاتب له. قال: رأينا في الفصل كيف استجابت مدارس ماركسية بطرق متباينة لتحدي ثورة المعلوماتية. وهذا التباين مردود إلى كتابات ماركس المعقدة عن التكنولوجيا. فكل أخذ ناحية من فكرة ماركس عن التكنولوجيا والمجتمع واشتغلها مخالفاً آخرين. فالاشتراكية العلمية تنبؤوية رأت في تداخل قوي الإنتاج وعلاقاته طريقاً سالكاً مؤكداً لقيام الاشتراكية. بينما رأت مدرسة التكنولوجيا الإخضاعية أن التكنولجيا تمكن للراسمالية. وعالج الفورديون الجدد تطور التكنولجيا كفرصة لأنسنة العمل وتجاوز صور استغلاله الموروثة. وتعاني هذه النظريات من نواقص كبيرة. فالاشتراكية العلمية سحبت المكر البشري من المعادلة وأحلت محله آليات تقود بصورة أتومتيكية إلى الاشتراكية. وأما مدرسة التكنولجيا الإخضاعية فردت الفاعلية للمكر الإنساني إلا أنها لم تخرج به من نطاق الاستغلال بما يملي عليه تهشيم التكتولوجيا. أما الفوردية الجديدة فقد امتصت عقائد منظري ثورة التكنولوجيا وتتازلت عن تبعة نقد رأس المال بل بايعته على منطقه في المرونة والتطور. وخرجت كل هذه المدراس من الماركسية بطريق أو آخر. فلم يبق حجر على حر في بناء الاشتراكية العلمية المتفائل بمستقبل الاشتراكية بعد تهافت نظمها في آخر الثمانينات. واكتنف مدرسة الأخضاع التكنولجي اليأس. وتحالفت ما بعد الفوردية مع مدارس ما بعد الماركسية التي زعمت تخطي تباغض رأس المال والطبقة العاملة. وهذا العرض صالح مبوجه هام رأينا فيه كيف أمرضت ثورة المعلوماتية الماركسية مرضاً عضالاً (60-61).
7 لم تنفد جعبة الماركسية من سهام تتصدى بها لتحدي ثورة المعلوماتية. فالكاتب بعرض في الفصل التاسع إلى مدرسة ماركسية إيطالية فرنسية معاصرة ارتبطت باسم مجلة "فيوتر أنتريو" الفرنسية التي صارت "ملتيود" في 2000 . وهي مزج للمدرسة "العٌمالية-الأتمتة" الإيطالية مع شاغل فرنسي بالماركسية والتكنولوجيا في ستينات وسبعينات القرن الماضي. فالعٌمالية الإيطالية جعلت الطبقة العاملة مرتكزاً لبعثها الفكري. ولما أضطر أنطونيو نقري، نجم العٌمالية، اللجوء إلى فرنسا تشكلت نظرية مزجت عمالية إيطاليا بشاغل مباحث الثورة التكنولوجية الفرنسية وجعلت مجلة فيوتر أنتريو منبرها النظري. وضمت إلى جانب شيوخ ماركسيين مثل نقري شباب مثل مايكل هاردت ومورزيو لازارتو . ومن رأي داير-وزيفورد أنها المدرسة الماركسية الأقرب إلى الإصابة في الاستجابة لتحدي الثورة التكنولجية. واسطة عقد المدرسة هو مفهوم "العقل أو الذهن العام". وجاء ماركس بالمفهوم في كتابه "خطوط عامة لنقد الاقتصاد السياسي" (1939) في باب من الكتاب عنوانه "شذرات عن الآلة". في هذا الباب ترك ماركس تأكيده المعروف لدور العمل في خلق الفائض اللازم للتقدم الاجتماعي. بدلاً عن ذلك رأى، أنه عند حد معين من تطور رأس المال، لن يعتمد خلق الثروة على انفاق وقت العمل في الإنتاج. خلافاً لذلك فخلق تلك الثروة سيعتمد على عاملين متناصرين هما الخبرة التكتولوجية، اي العمل العلمي، والتنظيم أو الترتيب الاجتماعي. وسيكون العامل الحاسم في الإنتاج "هو تطور الملكات العامة للدماغ الإنساني" أي "المعرفة الاجتماعية العامة"، "العقل الاجتماعي" وبعبارة سائغة "القوي العامة المنتجة للدماغ الإنساني". ويتمثل التعبير الأساسي لقوة الذهن العام في تصاعد أهمية الآلات، أي رأس المال الثابت في التنظيم الاجتماعي. فالطبيعة لا تصنع الآلات التي هي من صنع الذهن الإنساني معمولة باليد الإنسانية. وعليه فالآلة هي قوة المعرفة موضوعياً (مموضعة). فتطور الآلات يرينا إلى أي مدى أصبحت المعرفة العامة قوة إنتاجية مباشرة. وكذلك المدى الذي أصبحت به أوضاع عمليات الحياة الاجتماعية نفسها تحت تأثير الذهن العام وكيف صارت تتحول بسببه. وكان ماركس يقصد بإشارته للتكنولوجيا إلى الأتمتة والاتصالات التي وحَدَت السوق العالمي (219-220). ويعتقد داير-وزيفورد أن قول ماركس في "شذرات عن الالآت" نبؤوي. فهو يكاد يصف مجتمع المعلومات أو اقتصاد المعرفة المعاصر. وهو اقتصاد تتداعي فيه سائر موارد المجتمع الفكرية (في فرق العمال على بلاط المصنع، وشراكات الصناعة مع الجامعات، وغيرها) لتنتج البدائع التكنولوجية للمصانع التي يديرها الروبوت وانفلاق الجين، وشبكات الكومبيوتر الدولية. ولا يصح من ذلك أن نستنج أن الاشتراكية صارت قاب قوسين أو أدني. ما وجب التنبه له أننا نشهد في البادي إعادة تنظيم ظافرة للرأسمالية التي توظف الإبتداعات التكنولوجية المحدثة لكي تمكن لنفسها من سيطرة على الدنيا غير مسبوقة. تبقي أن نعرف ما بوسعنا أن نتعلمه من تفاؤل ماركس بالعقل العام. وهذا العلم ما أخذت مدرسة ال "فيوتر أنتريو " على عاتقها الحصول عليه. وملخص فكرتهم هو: اضطر رأس المال، مضغوطاً بصراع العمال الجماعي في الستينات والسبعينات وأزمة الفوردية، إلى اجتراح مستويات غير عادية من التكنولوجيا العالية وسلاسة الحراك العالمي. وجاءت بنا هذه التطورات إلى العقل العام" الذي قال به ماركس. ولكن هذا الزخم لم يؤد إلى هلاك الرأسمالية. ولكن ظهر بعض ما تكهن به ماركس من ذيول هذا الزخم. فقد تآكلت قاعدة العمل المأجور وتزايدت الطبيعة الاجتماعية للانتاج. ولكنها لم تأت بما يشتهي الماركسي من إهلاك الراسمالية. فقد استمر النظام كما كان في إطار للعمل المأجور والملكية الخاصة ما يزال (221). ومن رأي مدرسة الفيوتر انتريو أنه لملاقاة تحدي الثورة التكنولوجية لما بعد الفوردية وحقائقها أن نتصالح مع فكرة أن هذه الرأسمالية، التي أنقصت العمل عند محطة الإنتاج بفضل إبتداعها التكنولوجي، ستتطلب نشأة جملة من الملكات الاجتماعية والتعاون: أي رعرعة "المعرفة الاجتماعية العامة". ويبحث منظرو المدرسة جوانب هذا التكوين الذاتي للعقل العام ويسمونه "التثاقفية الشعبية". وهذه التثاقفية هي جماع المعارف-البصائر التي تسند عمليات اقتصاد التكنولوجيا العالية. وهي همة في بروليتاريا الفوردية الجديدة التي تواثقت بصورة مباشرة بعمل إتصالاتي وتكويني الحاسوب لحمته وسداه. وهذا التثاقف الجماهيري شديد الصلة ب"العمل غير المادي" الذي يَسِم الفوردية الجديدة التي تلعب المعلوماتية والاتصالات دوراً هاماً في كل مرحلة من مراحل الإنتاج. وهي مما لا يحتويه تفريق الماركسية بين القاعدة والبناء الفوقي أو الاقتصاد والثقافة. فهذا العقل مما يصعب وصفه بمصطلح الاقتصاد. ولهذا السبب نفسه (لا رغماً عنه) صار هو المكون الاساسي للإنتاج الرأسمالي في أيامنا هذه. ويبقي السؤال: إلى أي مدى سيستطيع رأس المال احتواء هذا التثاقف الجماهيري؟ وليس هذا الاحتواء صعباً بالطبع وهو حادث. ولكنه سيستدعي ممارسة درجة عالية من الرصد والتجسس. فالإدارة الرأسمالية وطائفة من المؤسسات، بما فيها المدراس، تحاول قصر استخدام المعارف المنتجة وانتشارها. والفيصل هنا الربحية التي لأجلها يحظرون الروابط والعلائق التي بوسعها أن تغير بصورة جذرية بنية حقل المعرفة. وهذا التضييق على التثاقف الجماهيري هو ما تتفاءل مدرسة الفيوتر انتريو أن يصبح مناسبة لصور جديدة من الصراع الاجتماعي (222). ومن رأي نقري ولازاراتو أن هذا الصراع سيقع في حيز "الإدارة التشاركية" التي هي سمة الذهن العام لعصرنا. ويقصدان بذلك ما تبذله الإدارة في ما بعد الفوردية ليبلغ فَضل العمال (اي ما تبقى منهم بعد الأتمتة) أقصى حدود الإنتاج بحفز إبداعيتهم ومشاركتهم ويقظتهم. فروح العامل هي المرغوب أن تتنزل في المصنع بعد الفوردي لا مجرد عضلاته. ولكن من رأيهما أن فريق عمل ما بعد الفوردية المبدع لا يختلف كثيراً عن عمال خط التجميع في مصانع الفوردية. بل ربما كان هذا الفريق أشد شمولية لأن الإدارة تستصحب ذاتية العامل وإرادته ليلجم روحه لجماً يكون به الأمر بالطاعة صادراً عن الذات وعمليات الاتصال نفسها. وهنا منشأ تناقض: فالرأسمال بحاجة إلى إبداعية العامل ولكنه يحذر من استصحابها على طول الخط وسيقلب لها ظهر المجن لأن الإنتاجية هي شاغله الأكبر (223). وقد درس لازارتو هذا التناقض بين الدعوة لإبداعية العامل بواسطة رأس المال والتملص منها في أعقاب إضرابات مصانع البيجو الفرنسية في 1989. وهي إضرابات كسرت شهر العسل الطويل بين العمل ورأس المال وذكَّرت بعمال خط التجميع في الفوردية وثورتهم. ووجد لازاراتو بوناً كبيراً بين المفروض من استعداد الشركة لسماع اقتراحات العمال لما ينبغي أن تكون عليه الإدارة وما بين تصميمها ألا تأخذ منها إلا ما يقوي الإنتاج. ووجد لازاراتو أن التراضي المزعوم بين العمال والإدارة مختلطاً بمطلب الأجر الأفضل وبتذمر من إطراد سرعة الإنتاج. وأضرب العمال وكان من بين مطالبهم أن تجعل الإدارة من حديثها عن التعاون واحترام العامل خٌلقاً صناعياً ممارساً. وكشفت دراسة في أمريكا عن أحوال العمال في مصانع ما بعد الفوردية هزء العمال من الإدارة التشاركية. فهم يسمعون بالعلاقة الجديدة مع رأس المال ولا يجدونها. فالعمال كما وجدتهم الدراسة لا يحبون شركاتهم بينما ذلك الحب هو ما قال منظرو ثورة المعلوماتية إنه لحادث. وبرز هذا التناقض في كندا حيث أضرب العمال في مصانع جنرال موتورز في 1996 مطالبين ب "تملك الوظائف" في وجه حملة لإنهاء التعاقد. وزاد العمال بأن طالبوا بيوم عمل أقصر ورفضوا تهجير مصانعهم للخارج وإلى إلزام الإدارة بتخديم أهل المنطقة التي يٌهَجَّر لها المصنع بشروط مجزية. واستمر الإضراب 22 يوماً واحتلوا مصنعاً ولقوا تأييد الرأي العام (224-225). وصور التناقض بين زعم ما بعد الفوردية بالإبداعية وتجنبها للعمال مع ذلك عديدة. فوجد منظرو الفيوتر انتريو في بعض المصانع أوضاعاً تحالف فيها العمال مع حركة الخضر للبيئة لأجل "العمل الأخضر" ولتعميمه خلال شبكة عالمية. وفي حالات أخرى نجد العمال جدوا للاستمرار في الإنتاج بكفاءة جديدة في حالات استغناء رأس المال عن العمل المأجور بدلاً من الإضراب لوقف الإنتاج. وقد يكفي هذا لنرى كيف أن العمل الجديد، العمال، يحاول توظيف نفس الطاقات الفكرية والتضامنية التي يوظفها رأس المال في فريق الإنتاج ولكن في وجهة أخرى. وكثيراً ما تقاطعت تحالفات العمل الجديد مع حركة الخضر والنساء والشعوب المقهورة. وعليه نستطيع من وجهة هذه الحركة الجديدة للعمال أن نقول إنها بديل تحت التكوين لتنظيم رأس المال للعقل الجماهيري لأغراضه. ومن رأي الفيوتر انتريو أن هذا العقل الجماهيري سينفجر بوجه رأس المال ليس لأن رأس المال سيستغني عن عمال كثيرين فحسب بل لأنه استحصل على المعارف والخبرات من ثورة المعلوماتية التي ستعينه على تدبير المجتمع على نحو مبتكر.ويسمي نقري هذه السعة المبتكرة ب" الشوكة المٌنشئة" التي تهدف سياستها الجذرية إلى إقامة "جمهورية" تتطهر من تأمر رأس المال وسلطنة الدولة. ويرى منظرو الفيوتر انتريو تجلي إمكانات هذا العقل الجماهيري في موجات الاحتجاج الاجتماعي التي انتظمت الدول الراسمالية المتقدمة في التسعينات (226). وبالطبع تعرضت فكرة "العقل الجماهيري"، الذي له ولاية الثورة والتغيير في مجتمع ما بعد الفوردية، إلى نقد دقيق. فوصف النقاد منظري العقل الجماهيري بأنهم رجال أوربيون. وعليه استبعدوا ،في تركيزهم على سيادة العمل غير المادي، الذهني، في العقل الجماهيري، النساء وعمال الجنوب، غير أوربا، الذين ظلوا يخضعون لمشاق العمل الجسدي المرهق. فمن رأي النقاد أن رأس المال ما زال يفرق بين طوائف المستخدمين ويرتبهم هرمياً. وتأتي طبقة "المحللين الرمزيين" من مهندسين وعلماء، التي هي ثمرة الثورة التكنولجية، فوق الفراشين وعمال الخدمات عامة.ممن برزوا بشكل واضح في رأسمالية ما بعد الفوردية. فالفيوتر انتريو في نظر نقادهم "صفويون" لم يفارقوا ماركسية الحزب الطليعي الذي عليه ولاية الثورة نيابة عن العمال. وكانت لمنظري الفيوتر انتريو ردودهم على نقادهم وأهمها أن التكنولجيا المتقدمة لن تترك خالفاً لا يتوسل بها إلى اغراضه.وضربوا مثلاً بفراشيّ وادي السيلكون، ذؤابة التكنولوجيا في عصرنا، في كليفورنيا الذين طَوعوا الحاسوب لتقوية حجتهم وصفهم خلال إضراب ما. وكذلك حمل الإنترنت مقاومة مناضلي الزباتيين في المكسيك والمطالبين بحق تقرير المصيرفي تيمور الشرقية. ومن رأي داير-وزيفورد أنه مهما قلنا عن اليوتر انتريو فلا بد أن نذكر لهم أنهم جاءوا بصيغة عن الصراع الطبقي في مجتمع ما بعد الفوردية الذي قال منظرو ثورة المعلوماتية إنه خلا من ذلك الصراع. وهي صيغة صالحة على حاجتها إلى مراجعة مسلماتها واستكمالها بما وصفه ماركس ب"التحري العمالي" تنهض به شبكة باحثين في دراسات متضامنة تقف على أشكال الصراع الطبقي المستجدة (231-232). وضرب الكاتب على مثل هذا التحري النافذ إلى التجليات المستحدثة للصراع الطبقي مثلاً على استصحاب رأس المال للفكر وساحاته، الجامعات، خلال العقود الماضية. فمن الملاحظ انكماش المسافة بين الصناعة والجامعة منذ الحرب العالمية الثانية حتى تبخرت فصار الأكاديميون ،وبصورة قاطعة، طرفاً في استحواذ رأس المال على الذهن العام. فقد أصبحت الأكاديمية مسرحاً لذلك الاستصحاب للعقل العام بما جعل الصناعة أكثر فكرية حتى سمت مايكروسوفت موقع إنتاجها ب"الكامبس" وهو لغة في الجامعة. والهدف من ذلك هو تحويل الهمة الأكاديمية إلى رأس مال فكري. فبين عام 1970 و1980 نجح رأس المال في "تسليع" الأكاديمية. وجرى ذلك بخلق شراكة بين الصناعة والأكاديمية تجسدت بقوة في ما عرف ب"منتزه البحوث" (Research Park) التي أصبحت معلماً هاماً في حياة جامعات ذات خطر. وفيها تمول الصناعة ما ناسبها من أبحاث على حساب البحث في المسائل الأساسية التي يمليها الشاغل الأكاديمي وحده. وتعددت صور استصحاب رأس المال للجامعة. فجاء رأس المال لها ب "ببراءة الاختراع" لإغراء علمائها بالركون إليه. ثم جاءت الصناعة في التسعينات بمفهوم "الجامعة الافتراضية" (virtual university) زودت به الجامعات بتكنولوجيا الحاسوب المتقدمة ليكون التعليم عن البعد هو الغاية المثلي. وفي هذا "تسليع" لوظيفة الجامعة التعليمية. ويقول نقاد الجامعة الافتراضية إنها مصممة لبيع وظيفتها ومنتوجها التربوي في سوق الله أكبر. مثلاً صار المدرس يبذل مادة كورسه لتعبئها شركات التعليم في أقراص مدمجة للبيع بما أفقده قبضته البيدجاجوية (التربوية) على مادة تدريسه. ومن شأن ذلك أن يجعل الاستغناء عن الاستاذ يسيراً أو أن يٌثقَل عليه بتبعات التدريس من على البعد بالإنترنت. ومع أن جدوى هذا التعليم لم تثبت بعد إلا أن الصناعة وإدارات الجامعات تتوسع فيه غير متحسبة للعواقب.وسمى ديفيد نوبل، الناقد الدقيق لتبذل الجامعة إزاء الصناعة، تلك الجامعات ب"بطواحين الدبلومات الرقمية". ومثل هذه الأحوال المتغيرة في الجامعات هي الأساس لعلاقة ناشطة جديدة بين الأكاديميين والطلاب الخوارج على تبذل الجامعة والحركات الاجتماعية المعارضة. وهذا مدخل هؤلاء ليكونوا طرفاً في الذهن الجماهيري وليقوموا ببحث القضايا ذات النفع للحركات الاجتماعية وتدريسها وكسر الحائط الرابع بين الجامعة وقادة تلك الحركات ليكونوا طرفاً في المشاركة بخبراتهم واشواقهم. ويمكن للأكاديميين الخوارج مصادرة الحاسوب، الذي أريد له تدجين العملية التربوية، من أربابه الرأسماليين لخدمة التغيير الاجتماعي. وضرب مثلاً بما جرى في ربيع 1994 الذي دخل فيه الطلاب من أصول أسبانية في جامعات ميتشغان وكلورادو ونبراسكا في إضراب عن الطعام واحتلوا بعض الجامعات. وطالبوا ببرامج تعليم جديدة ومبادرات ضد العنصرية ومقاطعة شراء العنب تضامناً مع لَقَّاطيه من ذوي الأصول الأسبانية وبناء نصب تذكاري لسيزار شافيز أول من نظم العمال الزراعيين في الستينات. وقد استخدموا الكومبيوتر في تنسيق حركتهم والتضامن معها. وجرت أيضاً في 1995 و1996 حملة رسائل إسفيرية منسقة في كندا والولايات المتحدة ضد ارتفاع تكلفة التعليم وضعف العون المالي للطلاب. وصفوة القول إن الجامعات صارت هي مركز للتعبئة السياسة الجذرية مستخدمة ذات الحاسوب الذي ارادت به الصناعة جر الجامعة إلى أغراضها (233 -236). وختم داير-ويزفورد الفصل بتأكيده بأن ثورة المعلوماتية لم ترم بالصراع الطبقي إلى سلة المهملات. ففي الجامعة، كما في المصانع، تعلم العمال والطلاب والأكاديميون حيلاً من التكنولوجيا التي سعى بها رأس المال لاستصحابهم في مشروعه لتراكم الثروة. فقد انكشف مستور ثورة المعلوماتية وبان ضحايها فتحفزوا للصراع ضدها بشفرتها نفسها. ففي الثلاثة عقود الأخيرة انكشفت عورة هذه الثورة التكنولجية: لم تبسط بركة تكنولوجياها على الناس كما أشيع وفتجمدت أجور العمال بل تدنت. وما زعموه من تمدد ساعات الفراغ للمتعة صار تزايداً في معدلات البطالة. ولم تحسن الشركات إلى "طبقة المعارف" التي قيل لنا إنها ستكون ربان سفينة المجتمع ما بعد الفوردي (236-238). وعموماً فإن يوتوبيا ما بعد الفوردية أسفر عن تزوير كبير. ولن نعلم عنه علم اليقين إذا اقتصرنا على مجرد رفع جهل الناس عن قوة رأس المال ونفاذه في المجتمع مما يمضغه كثيرون باسم الماركسية. فمتى وقفنا عند هذا المضغ فشا الهزء واليأس. فالتحدي الحق أن نضع أصبعنا على إمكانيات أن نبدل حالنا غير الحال مستلهمين ما كتبه ريموند وليامز بأن التحدي الجد للثوري هو "أن يجعل الأمل عملياً بدلاً من تسويق البراهين على حالة اليأس الراهنة". ولهذا وجد الكاتب نظرية الفيوتر انتريو صائبة لقولهها بتجدد حلقات الصراع بين العمل ورأس المال وتغيرها. فهذه النظرية ترى أن ثورة التكنولجيا نفسها، التي قيل إنها رمت بالصراع الطبقي إلى سلة التاريخ، تشكل حلقة من حلقات هذا الصراع الاجتماعي. فهي مما يفتق عنه ذهن رأس المال لتحوير نفسه وتطويرها ليستغني عن العمال ويقمعهم. وأهم من ذلك قول مدرسة الفيوتر انتريو إن حيلة راس المال باءت بالفشل. فبدلاً عن استئصال الصراع الطبقي تسرب هذا الصراع إلى آلة التكنولوجيا وتَقَوى بفنياتها التي كانت تهدف لإزهاق ذلك الصراع. .فالثورة التكنولوجية المزعومة للجم راس المال مثل الساحر الذي استجمع ب "شيخن بيخن" وسائط للإنتاج والتبادل متناهية الضخامة ولكن انقلب السحر على الساحر الذي لم يعد يقوى على السيطرة على عالمه السفلي الذي استدعاه بالرقي والتمائم (237).
الخاتمة شاغلي من تحرير هذا الكتاب ليس تخطئة الخاتم في إطراحه الماركسية. فهذا جائز دائماً وأبداً. فأنا نفسي لا أعرف عن نفسي إنتماءاً للنظرية يخولني "سلطة التكفير" فيها. وأجد في تعلقي بها في زمن الضباب هذا عزاء في قول سيمون جوات عن علاقة ليوتارد الفيلسوف الفرنسي بماركس. قال في ما تقدم إن تعلقه بنصه ليس كنظرية بل كجنون. لم أكتب ما قرأته "دفاعاً" عن الماركسية بل بحس بمسؤولية سواء اعتقدت فيها أو نفضت يدك عنها. وأعني المسؤولية أن نقبلها فوق حيثيات وأن نتركها فوق حيثيات. ووجدت عبارة دريدا المذكورة في أول البحث عن هذه المسؤولية كافية بالغرض. وحررت الكتاب لما رأيت الخاتم لم يأخذ هذه المسؤولية مأخذاً جدياً. فغادر الماركسية كالشعرة من العجينة لم يعلق به نص منها ولا اعتنى بالانتماء إلى سياق من غادروها قبله ليكون مناقشه على بينة من أمره. ووجدته يطرب للحزب الشيوعي وخياراته الماركسية والطبقية الباكرة. وهذه مسؤلية سرعان ما عاد منها ليطالب بحله ورمي طوبة الطبقة العاملة كطليعة للاشتراكية وحل الماركسية في إطار نظريات شتى. وما يلزمنا بهذه المسؤلية إن الماركسية في السودان كتقليد ثقافي هي كل ما لدينا خلال نصف قرن من الزمان وتخللت مجتمعنا من غمار الناس إلى مبدعيهم. فالرمي بها هكذا بلا دليل ولا برهان قفزة في الظلام. ولتعميق مفهوم هذه المسؤولية وجدت سيمون جوات في كتابه الجديد "ماركس عبر ما بعد البنائية" دقيقاً في هذا الخصوص. فقال إن "تخريف" الماركسية قديم. فلم تنعم الماركسية بالقبول في فرنسا مثلاً إلا ما بين 1945 و1968. والعام الأخير عام ثورة الطلاب الذي تخطى فيه الفلاسفة الجدد لما بعد البنائية ماركس وانقلبوا عليه بثأرية فظة. فتبارى هؤلاء الفلاسفة الجدد في "تخريف" ماركس وعقيدته (10). ولكن جوات انصرف عن النتيجة التي وصلوا لها ليقف على كيف قرأ هؤلاء الفلاسفة ماركس ووظفوه ونقدوه وكيف أغتنى ماركس من قراءتهم (36). فليوتارد مثلاً لم ير أن الماركسية قد قضت نحبها وتحديها الماثل هو أن تواصل المسيرة ( 38). فهو يستصفي ماركس لأنه ما يزال، بنقده للرأسمالية، وبحربه عليها، يعزز العامل الذي يتعرض ل differend وهي حالة من العقم يعجز فيها المرء عن ردة الفعل على ما ينتابه من ظلم. فالعامل يخضع لإضطهاد مزدوج في نظر ليوتارد. فهو يبيع قوة عمله للراسمالي ويٌحظَر من الوسائط التي يعبر عليها عن ظلمه (58 ). فلا يمكن تبسيط المسألة ف"إلحاد" ليوتارد عن الماركسية فتح علاقته بماركس بسبل خصيبة الخيال. فبدلاً أن يتعامل ليوتارد مع ماركس كنظرية تٌفهم وتٌطبق رغب في أن يتعامل مع ماركس ككاتب، ومؤلف مليء بالمشاعر effects , وأن يتعامل مع نصه كجنون وليس كنظرية. فهو لا يريد أن ينظر لعمل ماركس كنظام نسيق يحتاج إلى أن يٌقام على الأرض أو كعلم تحتاج فلسفته إلى إعاد تركيب. ليوتارد تعامل مع شغل ماركس كقطعة فنية تتفجر طاقتها هنا وهناك مستقلة عن تناغم الخطاب. وتنفجر مرات في تفصيل منسي ومرات في منتصف آلية مفهومية راسخة مجذرة وبينة (46). فحتى حين اتفق له أنه قد تخطى ماركس أكد مجدداً أهمية ماركس في محاولتة نقضه. أريد بهذا الكتاب أن نعرف عن الماركسية بافضل ما عرفنا عنها حتى قبل أن نستدبرها. فالماركسية، قبلتها أم رفضتها، تستدعي معان لا يكون العالم بدونها.
المراجع Isaiah Berlin, Karl Marx, 1963. Simon Choat, Marx through Post-Structuralism, 2010 Jacques Derrida, Specters of Marx, 1994 Nick Dyer-Witheford, Cycles and Circuits of Struggles in High-Technology Capitalism, 1999 Saul K. Padover, Karl Marx, 1978.
[email protected]
|
Post: #2
Title: Re: الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
Author: munswor almophtah
Date: 02-05-2011, 09:02 AM
Parent: #1
الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ...
بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
|
Post: #3
Title: Re: الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
Author: munswor almophtah
Date: 02-06-2011, 01:59 AM
Parent: #2
وين يا محمد سيد أحمد قل بسم الله هنا وأملص نعليك وأقرأ بحضور وخشوع وآتنا من لدنك ردا لا تلغرافا ولا برقيه بل عرض حال عام عن هذه الملحمه الفكريه ولك السلام وتانى تعال الفوله دى فولة الشيوعى دا وأنا ما شيوعى أنا جيت أعاين.
منصور
|
Post: #4
Title: Re: الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
Author: Tragie Mustafa
Date: 02-06-2011, 02:02 AM
Parent: #3
حمد للسلامه يا زعيم من عواصف الهكر معليش لم اعلم الا لاحقا.
مقالكم الدس ده بنجيه براحه لو الله طلق.
|
Post: #5
Title: Re: الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
Author: wadalzain
Date: 02-06-2011, 07:56 AM
Parent: #4
الحقيقة هذا جهد مفكر قرأ وأعاد انتاج ما قرأه ، اتفقت او اختلفت معه
لعبدالله على ابراهيم كتابات عميقة ونتاج جهد فكرى كتبها بروح الباحث الجاد ، هذه الكتابات تلقى عندى هوى مثلما وجدت عندى كتاباته الثقافية الاولى ومسرحياته" الجرح والغرنوق " - " السكة حديد قربت المسافات وكثيرا " ولكن بقدر ما كانت كتاباته ذات نتاج البحث ورصانة التفكير تجد هوى عندى ، انفر من كتابات له فطيرة وفى بعض الاحيان اجد هذه الكتابات الفطيرة فقيرة لا ترقى لدرجة كاتب فقير المعرفة ولا خبرة له فى دهاليز السياسة ودهاء السياسيين فمثلا كتب عند بداية الانقاذ مقالاته التى جمعها فى كتابه الارهاق الخلاق قائلا ( أمل هذه المبادرة معلق بشكل استثنائى على الفريق عمر البشير رئيس مجلس الانقاذ الوطنى ورئيس الوزراء ، ولا اقول بذلك لأننى عرفته أو عرفت خلال هذا العام افكاره عن كثب على اننى التقيت بعدد من اعضاء مجلس ثورته ووجدت فيهم موهبة للاصغاء وسعة للصدر فى الجدل ولكننى اعلق هذه المبادرة على الفريق عمر قد صدر فى مبادرته الانقلابية عن حس صادق بأزمة الحرب والسلام والمستضعفين والاغنياء فى بلادنا وبناء على تجربة شخصية حسية ربما لم تتوفر لأشرس خصومه السياسيين المدنيين فهو كضابط بقوات الشعب المسلحة قد أدار بكثافة عمليات للنصر والنزاع والهزيمة فى مفصل أزمة جنوب السودان ولا بد ان عقله وفؤاده قد اعتلج بفكرة او اخرى من افكار الخلاص الوطنى التى تساور كل مشغول بمحنة بلده ، ان الذين ينسبون انقلاب عمر البشير الى هاجس شيطانى هجست له به الجبهة الاسلامية ربما لم يحسنوا كل الاحسان الى شخصه او لانقلابه ) انظر الى هذا النص الذى كتبه عبدالله على ابراهيم فى اواخر عام 1990 والنص اعلاه الذى كتبه عن نقده لما كتبه الخاتم عدلان تجد فرقا شاسعا مثل ما قيل للشاعر بشار بن برد ، قالوا له اننا نجد لك شعرا رصينا جزلا ونجد لك ايضا مثل ربابة ربة البيت تصب الخل فى الزيت لها عشر دجاجات وديك حسن الصوت ، فالناظر لما كتبه عبدالله على ابراهيم فى تقريظ الانقاذ فى ايامها الاولى ومدح عمر البشير بمثل قوله عن الانقلابيين ( وجدت فيهم موهبة للاصغاء وسعةو للصدر فى الجدل ) وبالطبع لكل ناظر ذى عينين وعقل بسيط يعرف هل لأهل الانقاذ سعة فى الصدر للجدل وموهبة للاصغاء ام لا ، كما انه يصف عمر البشير بأنه ( اعتلج بفكرة او اخرى من افكار الخلاص الوطنى ) كما انه فى آخر نصه ينفى عن الانقلاب مرجعيته وهى الجبهة القومية الاسلامية ويصف من يقول بذلك بعدم الاحسان الى عمر البشير ، كما انك تراه مرة يصف الانقلاب بالثورة ولرة يصفه بالانقلاب دون تفريق او تعريف لمقصده من الانقلاب او الثورة ، ولذلك اندهش جدا عندما اجد له كتابة رصينه مثل ما كتبه اعلاه عن الماركسية واثرها وتعدد اطلاعه وقراءاته ولا اجد اثرا لذلك فى تحليلاته وكتاباته عن الانقاذ ، لا اقصد كتاباته وتحليلاته من الموقف الماركسى البحت بل من موقف الانسان العارف المطلع والمفكر الذى يعرف كيف يزن الامور ويقايسها ويتنبأ بمآلاتها ومعرفته ايضا بخبايا السياسة والرجال ، كما اننى اندهش ايضا من تصدير موقفه للانقاذ كأنها نتاج شخص واحد هو عمر البشير فيتحدث عنه كأنه المنقذ او المستبد العادل وهو موقف لا يصدر عن شخص جاهل ناهيك عن شخص متعلم ومفكر مثل عبدالله على ابراهيم .
قصدت من قولى اعلاه ان لعبدالله على ابراهيم كتابات بحثية جاده اتفقت او اختلفت معها اما كتاباته الفطيرة التى كتبها حول الانقاذ فهى تخصم من رصيده العلمى والفكرى ، من كل النواحى من ناحية لغتها ومن ناحية عمقها ومنطقها .
مع تحياتى
|
Post: #6
Title: Re: الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
Author: munswor almophtah
Date: 02-06-2011, 07:25 PM
Parent: #5
شكرا يا تراجى ونتمنى أن تجدى الزمن وتقرئين بمزاج هذا الموضوع الناضج فى تناوله وفى إخلااجه ولك السلام.
منصور
|
Post: #7
Title: Re: الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
Author: munswor almophtah
Date: 02-06-2011, 08:09 PM
Parent: #6
الأخ ود الزين السلام والرحمه والعافيه والشكر لك على كتابتك المسئوله وعلى رأبك المحمل بالحجج القضائيه والتى فرقت بها مستويات كتابات عبدالله على إبراهيم حيث رفعت بعضها إلى أعلى عليين وهبطت ببعضها إلى أسفل سافلين وذلك من واقع إعتقادك وواقع رؤاك المبنيه على أعتقاد راسخ لا يكتنفه أى باطل ولا يدخل عليه شك من أى نافذه ترى ما لا يتفق مع مزاجك من كتابات عبدالله ضعيف ضعف كتابات البحترى والذى يجد قبولا واستجابه فذلك رفيعا سويا سامقا عال المقام دون النظر لحرية إختيار عبدالله لخياراته التى يؤمن بها كبشر متحول متحور فدكتور عبدالله رجل منفعل بفكره متحرك وفق تنظيره بتطابق تام وليس فى حالة ثبات فاسد فإن كان كتب عن الإنقاذ ومفجرها فلا أحسب أنه على ذات الرأى فقد لغاه عمليا بطرح نفسه بديلا له فى الإنتخابات السابقه تاركا كل ما يملك وكل مصادر رزقه واقفا كلالة ينادى بوضع بديل وكلنا شاهد على ذلك أما على مستوى التنظير فكتاباته تنحت منحا آخر من الذى تعيبه عليه ولو لا أن لزم على الرد لما فعلت لأنى ربما لا أومن بما يؤمن به عبدالله وعبدالله أجدر منى وأفيد بأن يرد على تساؤلك ولكن دعنى أقول لك إنى أعجبت أيما إعجاب لمداخلتك تلك لأنك كتبتها بعقل سليم وقلب حاضر مستخدما ذات الأدوات التى يجيدها عبدالله وأنا لست على مستوى تلك الكتابه النيره للدفاع عنها فهى كتابة عن كتاب الخاتم ينقدها دكتور عبدالله وأنا زول قريعتى رائحه فعبدالله والخاتم مفكران بارعان بينهما تشابه كبير وإن بأن الإختلاف أكبر فكلاهما كانا من الركائز الأساسيه للحزب الشيوعى وكلاهما خرجا عنه بفهم ومفاهيم قننها كلاهما ودونها تنظيرا وتطييق فالشكر لك يا ود الزين وكتابتك تصنع معرفه ولك صادق السلام.
منصور
|
Post: #8
Title: Re: الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
Author: Asim Fageary
Date: 02-07-2011, 06:37 AM
Parent: #7
السلام والتحية لمنصور المفتاح
والسلام والتحية لود الزين
Quote: انظر الى هذا النص الذى كتبه عبدالله على ابراهيم فى اواخر عام 1990 والنص اعلاه الذى كتبه عن نقده لما كتبه الخاتم عدلان تجد فرقا شاسعا مثل ما قيل للشاعر بشار بن برد ، قالوا له اننا نجد لك شعرا رصينا جزلا ونجد لك ايضا مثل ربابة ربة البيت تصب الخل فى الزيت لها عشر دجاجات وديك حسن الصوت ، فالناظر لما كتبه عبدالله على ابراهيم فى تقريظ الانقاذ فى ايامها الاولى ومدح عمر البشير بمثل قوله عن الانقلابيين ( وجدت فيهم موهبة للاصغاء وسعةو للصدر فى الجدل ) وبالطبع لكل ناظر ذى عينين وعقل بسيط يعرف هل لأهل الانقاذ سعة فى الصدر للجدل وموهبة للاصغاء ام لا ، كما انه يصف عمر البشير بأنه ( اعتلج بفكرة او اخرى من افكار الخلاص الوطنى ) كما انه فى آخر نصه ينفى عن الانقلاب مرجعيته وهى الجبهة القومية الاسلامية ويصف من يقول بذلك بعدم الاحسان الى عمر البشير ، كما انك تراه مرة يصف الانقلاب بالثورة ولرة يصفه بالانقلاب دون تفريق او تعريف لمقصده من الانقلاب او الثورة ، ولذلك اندهش جدا عندما اجد له كتابة رصينه مثل ما كتبه اعلاه عن الماركسية واثرها وتعدد اطلاعه وقراءاته ولا اجد اثرا لذلك فى تحليلاته وكتاباته عن الانقاذ ، لا اقصد كتاباته وتحليلاته من الموقف الماركسى البحت بل من موقف الانسان العارف المطلع والمفكر الذى يعرف كيف يزن الامور ويقايسها ويتنبأ بمآلاتها ومعرفته ايضا بخبايا السياسة والرجال ، كما اننى اندهش ايضا من تصدير موقفه للانقاذ كأنها نتاج شخص واحد هو عمر البشير فيتحدث عنه كأنه المنقذ او المستبد العادل وهو موقف لا يصدر عن شخص جاهل ناهيك عن شخص متعلم ومفكر مثل عبدالله على ابراهيم .
|
أخوتي
ما ذكره ود الزين حديث مهم جداً ودقيق جداً وسأحاول دعمه من زوايا أخرى بصورة عامة عن كل من يكتب في أمور تهم السياسة والفكر والمجتمع
أعتقد أنه يجب على الكاتب أن يتبنى أسلوب الحياد التام وأن يكتب وهو يستهدف الوصول للحقائق حتى وإن كانت هذه الحقائق التي قد يكتشفها تتصادم مع بعض ما كان يعتقد بصحته وذلك لعل التطور المستمر الذي يعيشه الإنسان من جراء تدبره وتفكره يكون نتاجه أن ينتقد نفسه في كثير من الأحيان عند إكتشاف ما يثبت خطأ ما كان يعتقد صحته
لا أريد أن أطيل ولكن الحياد والحياد التام هو أهم ركائز الكتابة التي يجب أن يضعها كل كاتب باحث نصب عينيه وهو يكتب ويحلل ليستشف أو يميط اللثام عن الحقائق
مع تحياتي وتقديري لكليكما
عاصم فقيري
|
Post: #9
Title: Re: الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
Author: munswor almophtah
Date: 02-07-2011, 05:22 PM
Parent: #8
الأخ عاصم فقيرى لك من السلام ما يغنيك
الحيده والتجرد فى الكتابه أمر مطلوب إن كنت للآخرين أو عنهم والرسائل المحمله فى رقائق الكلام ينبغى أن تطابق مع إلتزام الكاتب الفكرى أوالعقائدى والسياسى وفقا للفتوح والتحولات التى تحدث للإنسان لا بل الثحول الجذرى الذى يحدث له كالذى حدث لمن كان فى الجاهليه ومن ثم أعتنق الإسلام فكان خطابه بحجم جاهليته فتحول ذات الخطاب بطاقة الإسلام إلى قوة أخرى فالحراك الإيجابى للذات خير من العزله غير الحميده وعلينا أن نحترم ونقدر حرية الإختيار للآخر ونتعامل معه كما هو من غير أن نجزئ تاريخ تطوره الطويل وعلينا إحتمال تحول خطابه وتنظيره وفقا لذاك وهنالك نماذج وأسماء كثيره فى حاضرنا وماضينا أسهمت حيث كانت وأسهمت حيث أتت ولك السلام والتقدير.
منصور
|
Post: #10
Title: Re: الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
Author: Abdel Aati
Date: 02-07-2011, 09:36 PM
Parent: #9
هذا المقال يحتوي على مغالطات منهجية وثغرات نظرية وتعامل لا تاريخي مع افكار الخاتم عدلان وتعتوره مسائلات اخلاقية شديدة من اهمها هو سؤال لماذا لم ينشره بحياة الخاتم والتي امتدت ل14 عاما بعد كتابة آن اوان التغيير ول11 عاما بعد خروجه من الحزب الشيوعي وتجاوزه للماركسية تماما وليس جزئيا كما في آن أوان التغيير.
عبد الله علي ابراهيم خرج من الحزب الشيوعي ولكن الحزب الشيوعي لم يخرج منه؛ وهو سلفي يتعامل مع الماركسية كما يتعامل اي مريد طريقة مع اوهامه التي لا يريد ان يتركها رغم دحض الواقع لها ورغم مناقضة حياته لها .
عبد الله علي ابراهيم يريد ان يُلبِّس ما فيه من ضعف منهجي عن التعامل النقدي مع الماركسية ومن ازمة فكرية للخاتم عدلان؛ وهيهات .
ساعود لهذا المقال بالنقد التفصيلي في ظرف شهر من تاريخه .
وحقيقة آن اوان التغيير !!
|
Post: #11
Title: Re: الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
Author: munswor almophtah
Date: 02-08-2011, 11:04 PM
Parent: #10
الأخ عادل عبدالعاطى السلام والرحمه
فيا عزيزى ما كتبه عبدالله هو نقد لكتاب بعينه للخاتم وليس بنقد للخاتم فى إطلاق محدوديته الفكريه وليس بالضروره أن يكون نقد نتاج الأشخاص فى حياتهم وإلا لما تناول أحد البحترى بدراسه ولا المتنبئ ولا إبن رشد ولا الغزالى لا بل لا أرسطو نفسه والذى شرحه للناس إبن الرشد ثم توالوا الشراح إلى أن بلغوا عاطف العراقى. وإن لم تنقد كتابات الخاتم فمن هو الأحق بذلك ومن هو أرفع قامة من عبدالله ليقدم نقدا عن نتاج الخاتم غير عبدالله فيا صديقى عادل النقد يقدم مفاتيحا أخر للقراء للولوج فى عوالم من كتب عنهم وحتى لا تكون عاما نرجو منك أن تنقد ما قاله عبدالله تحديدا عن ذلك الكتاب المحدد للخاتم حتى تقدم إضافة أنت كذلك فى ذلك الباب بعلميه وبعيدا عن أى عاطفة مدافعة عن الخاتم أو مهاجمة لدكتور عبدالله وسنظل فى إنتظار وعدك ولك الشكر والسلام.
منصور
|
Post: #12
Title: Re: الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
Author: mohmmed said ahmed
Date: 02-09-2011, 05:36 AM
Parent: #11
والله بتبالغ يا منصور
تصدر فى الاوامر اخلع نعليك واقرا بخشوع وهات رد من لدنك وما تجيب تلغراف
اوامرك كلها مرفوضة يا اخ عرب السروراب
هنا ناس الامارات بيقولو بكيفى
يعنى على كيفى ارد تلغراف ارد ايميل ما ارد بكيفى
انت اقرا لشيخك يخشوع واخلع نعليك وان شاء الله تحرق بخور ذاتو انا بكيفى
انا اتمثل مقولة على كرم الله وجهه واعرف الرجال بالحق ولا اعرف الحق بالرجال
وعندما احكم بين الخاتم وعبد الله تهمنى المواقف وليس اداعاءت التمسك بنظريات ماركس او غيره
يهمنى الموقف من الديمقراطية الموقف من استيلاء عسكر على السلطة الموقف من السلطان
من الذى ارتجف وخنع وبايع
ومن الذى مات مناضلا فى المنفى
|
Post: #13
Title: Re: الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
Author: munswor almophtah
Date: 02-10-2011, 00:55 AM
Parent: #12
يا محمد سيد أحمد إن حروف الجر تقوم مقام بعضها فعلى وب يحققان ذات الهدف فعلى عرب السروراب الإستمرار فى بكيفهم ولكن (على كيفك) دى صارت ماركه ملكا للكتيابى فلا على كيفك تطلقها بدون أقواس أما تلبيس جبة النضال للبعض وحرمانها للبعض الآخر تحت نفس الظروف فذاك إسراف فى عدم العداله وإعمال لعواطف المع والضد وهنا يبين الخلل لا مانع من سقف قناعاتك ولكن للآخر سقف آخر وثقب أكبر فى ذلك السقف فعلى كيفك يا محمد سيد أن تأتنا بتوضيح أفيد أو لا ولك ولعرب السروراب بطرفك السلام و(فى إنتظارك فى إنتظارك)
منصور
|
Post: #14
Title: Re: الخاتم عدلان: آن آوان الماركسية ... بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم
Author: Abdel Aati
Date: 02-10-2011, 07:05 PM
Parent: #11
الاخ العزيز منصور
Quote: فيا عزيزى ما كتبه عبدالله هو نقد لكتاب بعينه للخاتم وليس بنقد للخاتم فى إطلاق محدوديته الفكريه وليس بالضروره أن يكون نقد نتاج الأشخاص فى حياتهم وإلا لما تناول أحد البحترى بدراسه ولا المتنبئ ولا إبن رشد ولا الغزالى لا بل لا أرسطو نفسه والذى شرحه للناس إبن الرشد ثم توالوا الشراح إلى أن بلغوا عاطف العراقى. وإن لم تنقد كتابات الخاتم فمن هو الأحق بذلك ومن هو أرفع قامة من عبدالله ليقدم نقدا عن نتاج الخاتم غير عبدالله فيا صديقى عادل النقد يقدم مفاتيحا أخر للقراء للولوج فى عوالم من كتب عنهم وحتى لا تكون عاما نرجو منك أن تنقد ما قاله عبدالله تحديدا عن ذلك الكتاب المحدد للخاتم حتى تقدم إضافة أنت كذلك فى ذلك الباب بعلميه وبعيدا عن أى عاطفة مدافعة عن الخاتم أو مهاجمة لدكتور عبدالله وسنظل فى إنتظار وعدك ولك الشكر والسلام. |
تشكر يا سيدي وانا عند وعدي .. والخاتم ليس معصوما على النقد ولا فكره كامل متكامل لا يأتيه الباطل ؛ فالخاتم لم يكمن كالحجر وكان يخطيئ ويصيب ويتطور كل يوم بل قل (كل يوم هو في شأن ) من شؤون النبل والبحث عن الحقيقة
فقط ملاحظتي ان عبد الله علي ابراهيم لم يرد على نقد الخاتم له في حياته ؛ ولم ينتقد اطروحات الخاتم في حياته وما كان بقادر .. ويتناوله الان بعد مماته حول مساهمة كتبت قبل عشرين عاما ويفعل ذلك بعد 6 سنوات من موت الخاتم؛ فوق ان تلك المساهمة لم تكن هي الكلمة الاخيرة للخاتم في شان الماركسية ( او الماركسيات التي يزعمها عبد الله ثم لا يقول لنا ايها يتبناها ) .
عموما سنرجع لهذا التخليط الذي يختلط فيه الشخصي بالعام واوهام الشباب مع تخلف الشيخوخة في ردنا على عبد الله علي ابراهيم
|
Post: #15
Title: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تخليطات عبد الله علي ابراهيم ؟
Author: Abdel Aati
Date: 02-10-2011, 07:34 PM
Parent: #14
محاضرات د. عبد الله علي إبراهيم
الخاتم عدلان
أحب أولا أن أعبر عن شكري الجزيل للأخ عبد المنعم عجب الفيا، على وضعه لفكر صديقنا الدكتور عبد الله علي إبراهيم، في بؤرة الضوء، سواء محاضرته في أبوظبي التي نشرها عجب الفيا في هذا الموقع بعد نيل موافقة المحاضر على سلامة النص، وهو تقليد حميد اقتضته الأمانة ، أو ورقته بعنوان تحالف الهاربيين حول «مدرسة» الغابة والصحراء، أو كتاباته اليومية في الصحف السودانية. وبالطبع فإنني أوافقه على المجرى العام لحجته الراجحة كما يتضح من مداخلتي الحالية.
وأبدأ بأن هناك إختلال أعتبره جوهريا في نقاش أفكار عبد الله على إبراهيم، هو غياب الرجل نفسه عن ساحة الحوار. وهو غياب بغير حجة على ما أعتقد، لأن عبد الله، حسب ما ذكر في هذه المحاضرة وفي مواضع غيرها، مطلع على ما يدور في الإنترنت، وخاصة حول أفكاره وآرائه، وقد شاء مرة أن يرد عليها بصورة غير مباشرة في موضع غير موضعها. غياب عبد الله عن المحاورة يشعر بعض المشاركين فيها أنهم ربما يخرقون قواعد « الفروسية الفكرية» إذ ينازلون رجلا لا ينافح عن نفسه بما يملك من العدة والعتاد، بل ربما يشعر آخرون بأنه ألقى سلاحه وهرب من ميدان المعركة كليا. وهذا الغياب نفسه هو الذي دفع آخرين، لا يتفقون تماما مع عبد الله، إلى تبني قضيته، وربما بحماس أكثر من حماس صاحبها نفسه، وهذا يجلب التشويش أكثر مما يحقق الوضوح الذي هو بغية الجميع. وقد وصفت نصوصه بأوصاف ربما توحي إلى البعض بأنهم غير مؤهلين بصورة ما لمناقشتها، وتحت مثل هذه الأوصاف ترقد أنواع من المجاملة أو الغفلة، بل حتى المبالغة والتخويف، لا يبررها لعبد الله، ماضيه أو حاضره.
من أجل تلافي هذا الخلل الذي أشرت إليه أرجو أن نوجه الدعوة لعبد الله أن يشارك في التوضيح والشرح والرد، والدفاع، عما طرحه هنا من آراء، حتى نصل إلى نتيجة ما، بضمير مرتاح وشعور وافر باللياقة الفكرية.
|
Post: #16
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تخليطات عبد الله علي ابراهيم ؟
Author: Abdel Aati
Date: 02-10-2011, 07:35 PM
Parent: #15
ويواصل الخاتم:
النص المقدم هنا يصعب أن يطلق عليه مصطلح المحاضرة، فهو ينطوي على إهمال كبير وارتجال فتك بالإبانة فتكا غير رحيم، كما به من التهافت من حيث البناء المنطقي ما قل أن نجده حتى في نصوص العوام. وهي أمور يمكن إقامة الدليل عليها بالإقتطاف المباشر من النص المبذول بين يدينا، والذي تشهد كل عبارة فيه تقريبا على ما نقول. وربما يغريني توفر مثل هذه الأمثلة بكثرة جالبة للملل، على تتبعها وإبرازها، ولكني لا أريد أن أسير في هذا الطريق. أولا لأن فطنة القراء لا تحوجني إليه، وثانيا لأنني مهتم بالمفهومي في نص عبد الله، حتى وإن توارى تحت عويش من الكلام، أكثر من طريقته في التعبير عنه. ولن أتعرض للتعبير إلا في إطار ما أراه فضحا للمفهوم الثاوي تحت طياته.
أستطيع أن ألخص أهداف محاضرة عبد الله، مع تحفظي حول الإسم، فيما يلي: نحن في السودان الشمالي ننتمي إلى الثقافة العربية الإسلامية، وهي سوية يمتنع معها التمييز بين أي شمالي أو آخر، سواء كان يساريا أو يمينيا، حاكما أو معارضا، غنيا أو فقيرا، مجاهدا من أجل المشروع الحضاري، أو مناضلا من أجل السلام، مشردا عن الوطن أو ناهبا لثرواته، قاهرا لشعبه أو خارجا ضد ذلك القهر، داعية للدولة الدينية أو مناديا بالدولة العلمانية. كلنا سواء: إذا ارتكب قادة الحكومات المتعاقبة، الديكتاتورية اوالديمقراطية، أخطاء قاتلة في حق الوطن، فإننا نكون كلنا قد ارتكبنا تلك الخطايا حتى وإن كانت ضدنا. إذا شن عبود والصادق المهدي وعمر البشير الحرب ضد الجنوبيين فإننا نكون كلنا قد شننا تلك الحرب حتى وإن عارضناها. أيادينا ملطخة بالدماء حتى وإن لم يطرأ لنا يوما أن نقتل احدا ولو في الأحلام. وعقابنا جميعا واحد لأننا مشتركون كلنا في الجريمة وبنفس المستوى. ولذلك فإن مصلحتنا الشخصية، مصلحة كل واحد منا هي ألا يطالب بعقاب أحد لأنه ارتكب ذنبا في الجنوب لأن العقاب سيطالنا جميعا.
يقول عبد الله في تسويقه لفكرته السابقة: « أصبحت السياسة تتكلم عن قطاع عريض، تتكلم الآن مش عن حزب كذا وحزب كذا، ومن أخطأ في حق الجنوب. وإنما بتتكلم عن قطاع، عن « ريس»، عن عنصر، ودا مهم لأنو دي الوقت بداية دخول فكرة الريس، العنصر، يعني في تناولنا وفي نظرنا الثقافي والسياسي، يعني نحن كنا بنتكلم عن والله الخطة بتاعت الجمهوريين هي كانت أفضل عن الجنوب وإنو مثلا اليسار كان أحنى بالجنوب، اليسار الشمالي، والجمهوريين الشماليين. لكن السيد الصادق والنظر العام دي الوقت يقول نحن الشمال السوداني، تتعدد اللافتات والشمال السوداني واحد. ودا مهم لأنو نحن دي الوقت بنتكلم عن ريس، كمدخل لدراسة التعقيد الجاري في السودان ودا بزيل المزاعم الخاصة للجماعات السياسية الشمالية من اليمين إلى اليسار إلى الوسط على أنها هي الفرقة الناجية في مسألة الجنوب: أنا أحسن من ديل، أنا كنت قدمت الفكرة الفلانية والموقف الفلاني وكذا وكذا.»
الفكرة الثانية المرتبطة بهذه هي أن ما قامت به الجبهة الإسلامية في الجنوب ليس أسوأ مما قامت به كل الأحزاب الأخرى وأن عذرها في ذلك هو الشفرة الثقافية المركبة فينا جميعا، وحقيقة أن القومية العربية الإسلامية خلقت وطنا أكبر منها وحررته بطريقة خرقاء ومأزومة.
|
Post: #17
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تخليطات عبد الله علي ابراهيم ؟
Author: Abdel Aati
Date: 02-10-2011, 07:36 PM
Parent: #16
يتبع من كون القومية العربية الإسلامية خلقت وطنا أكبر منها، وبصورة منطقية، أن تصغر وطنها ليتطابق مع ذاتها، وأن تترك ما عداه لمن لا ينتمي إليها، وهي دعوة إلى الإنفصال، يشارك عبد الله فيها عتاة العروبيين الإسلاميين وغلاتهم. بعد أن يتساوى الوطن مع القومية العربية الإسلامية فإن الدعوة موجهة لنا جميعا لدخول برج الإنقاذ حتى وإن كنا نكرهه لأن دخوله يعني أننا لن نراه.
وإذا كانت هذه هي القضايا الاساسية التي طرحها عبد الله في هذه المحاضرة، فما هي علاقتها بالثقافة؟
الإجابة على هذا السؤال تدخلني إلى تكتيكات عبد الله في تسويق افكاره، وفي الإيحاء للكثيرين، من خلال هذه التكتيكات، وكما ظهر في تقديم الأخ محمد عبد القادر سبيل، بأنه عالم لا يشق له غبار، وأنه مؤلف للنصوص الكبيرة، وأنه علم من أعلام التنوير في بلادنا. وهي اوصاف تجانب حقيقة عبد الله مجانبة تكاد أن تكون كلية، وخاصة بعد أن سبق عليه كتاب الإنقاذ وزلزله نداؤها من ابواب الجحيم، وهو أمر سأوضحه في نهاية هذه المساهمة.
التكتيك الأول: إخفاء الموقف السياسي المباشر في طيات الرطانة الثقافية، التي غالبا ما تكون خالية كليا من المعنى. فعندما أراد عبد الله أن ينفي حجج المعارضة السودانية في إدانة الإنقاذ لأجندتها العروبية الإسلامية الأصولية قال: « دا ما صحيح، الصحيح هو أنو نظام الإنقاذ مستل من شفرة في الثقافة ومن مستودع في الثقافة ومن دلالات في اللغة ومن دلالات في الثقافة بحيث إنو لربما كان الأخير في زمانه ولكن جاء بما لم تستطعه الأوائل من حيث البشاعة « ضحكة» لكن البشاعة، إذا شئت إنه في بشاعة أو أنو في عنف، أو في، هو مستل من شفرة أساسية وهذه الشفرة الأساسية زيادة على الثقافة العامة التي درجنا عليها، لكن تأسست بشكل أساسي في فترة الحركة الوطنية.»
فهذا الحديث المكتسي جلال الثقافة خاو تماما من المعنى. فما معنى أن يكون الإنقلاب العسكري الذي نفذته الجبهة الإسلامية عن طريق التأمر يوم 30 يونيو، مستلا من شفرة ثقافية عربية أو غير عربية؟ الشفرة الوحيدة في إنقلاب الإنقاذ هي «سر الليل» الذي استخدمه الإنقلابيون في تلك الساعات الأولى من الصباح، وهي شفرة فشل في حلها أحمد قاسم فلقي حتفه صباح ذلك اليوم، رغم ما يحمله، حسب عبدالله، من شفرة ثقافية عربية أسلامية أصيلة. وهل يمكن الحديث عن شفرة ثقافية، كما نتحدث مثلا عن شفرة جينية؟ هل إندغمت الثقافة في مفاهيم عبد الله الحديثة جدا في البيولوجيا؟ ومن كان يملك تلك الشفرة: الترابي مجدد العصر، الذي هجره المفتونون به عندما فقد السلطة، أم علي عثمان الذي أكتشف البعض قرابتهم معه بعد أن آلت إليه الأمور؟ وهل الشفرة الثقافية العربية الإسلامية واحدة؟ بحيث يتساوى فيها محمود محمد طه وقاتلوه؟ هل كل مسلم هو بالضرورة أخ مسلم؟ ما هذا الحديث الفج عن الشفرات الثقافية، بينما المقصود معنى سياسي واضح هو الدفاع عن الإنقاذ وجرائمها.
|
Post: #18
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تخليطات عبد الله علي ابراهيم ؟
Author: Abdel Aati
Date: 02-10-2011, 07:37 PM
Parent: #17
لا يستخدم عبد الله الثقافة وحدها في الدفاع عن آرائه السياسية، بل يستخدم كذلك الهراء المحض. وأنا استخدم كلمة «الهراء» هنا، بالمعنى الذي استخدمها به أحمد بن الحسين، عندما فسر الهراء بأنه : « الكلام بلا معاني»: ولولا كونكم في الناس كانوا "هراء كالكلام بلا معاني"
. فلنستمع لعبد الله مرة أخرى وهو يحاول أن يدمغنا جميعا بما أقترفه نظام الجبهة الإسلامية من خطايا في حقنا، وأقصد نحن كجنوبيين وشماليين: « نحن كلنا إذا كنا سودانيين شماليين في هذا اللقاء، لنا إشكال في شفرة ثقافتنا، وفي رموز ودلالات لغتنا وفي شحناتها التاريخية وفي علاقاتها التاريخية بحيث أنه يصبح مفهوم الفريق الناجي ضئيل جدا. وبحيث تكون التبعة والذنب والخطأ هو الخيط الذي يصل بين الجماعات الشمالية كلها.» ولاحظ هنا أن الإستنتاج السياسي، وهو تجريم الجميع، واضح جدا ومقيل بلغة لا لبس فيها ولا غموض، لغة سياسية صافية، أما المبررات فهي الهراء المحض الذي لا معنى محددا له، والذي يلوذ بالشفرات والرموز والدلالات والشحنات.
لقد تساءلت بيني وبين نفسي: هل أنا مسؤول عن الجرائم التي حاقت بأهلي في الجنوب؟ هل ساهمت فعلا في قهرهم؟ بل هل توانيت في استخدام كل ما أملك من طاقات للدفاع عنهم من مواقعي؟ وأجبت بضمير مرتاح: أنني لست مذنبا. صادقت الجنوبيين والجنوبيات منذ نعومة أظفاري، لم أشعر بتفوق عليهم، وإن شعرت بتفوق الكثيرين منهم عليّ، ولم أحتج في ذلك إلى جهد كبير، لأنني تحررت من أوهام التفوق العرقي وأنا لم أشب بعد عن الطوق، في عام 1969 اقترحت في أتحاد طلاب جامعة الخرطوم أن نبعث لجنة لتقصي الحقائق في الجرائم التي ارتكبت ف الجنوب عامي 1965 و1966، وذهبنا في وفد من أربعة أعضاء في اللجنة التنفيذية، هم أبدون أقاو، وحاتم بابكر، وعبد الله حميدة وشخصي، وحققنا في جرائم الملكية في جوبا، وفي مذبحة العرس في واو، وهددنا مدير المديرية الإستوائية، يوسف محمد سعيد، بالسجن لأننا رفضنا لغته المسيئة ومفاهيمه النازية، وتضامنا مع صديقنا ورفيقنا أبدون أقاو، ضد تهجمه الشخصي. وعندما عدنا إلى الخرطوم عرضنا الحقائق الدامغة في مؤتمر صحافي غطته كل الصحف في اليوم التالي، وأصدرنا إدانتنا الدامغة للجيش السوداني و قيادته السياسية. وكنا نسعى إلى المواصلة لولا قيام إنقلاب مايو بعد ذلك بأقل من أسبوع. وفي 1970 ذهبت ضمن مجموعة كبيرة من أعضاء جمعيتي الثقافة الوطنية والفكر التقدمي إلى جوبا وواو وملكال، وعشنا مع الناس واقمنا الفصول للطلاب والاسواق الخيرية لصالحهم وحلقات محو الأمية للكبار، وساعدنا النساء والعمال على التنظيم وخرجنا من كل ذلك بصداقات باقية حتى نهاية العمر. صادقت أخوتي الجنوبيين في الجامعة، وصار «بيتر نيوت كوك» أعز أصدقائي وأعتبره عالما، ديمقراطيا، مثقفا، وقانونيا ضليعا، ضمن مثقفين وعلماء كثر يعج بهم هذا السودان. أيدت نضال الحركة الشعبية لتحرير السودان منذ أن إنشئت، وأشدت ببرنامجها ودافعت عنها في جميع المنابر دفاع من لا يلوك كلماته أو يخشي في نصرة الحق لومة لائم. وناديت في رفق من يفهم ظروفها، والتعقيدات المحيطة بها، والشروط التاريخية التي لا تملك منها فكاكا، وليس المتحامل عليها من مواقع التآمر السياسي مع الطغاة الأصوليين، إلى تحولها إلى حزب سياسي من حلفا إلى نمولي كما يعبر قادتهأ، واقمت مع هؤلاء القادة أنفسهم ومع أسرهم علاقات حميمة وقوية.
|
Post: #19
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تخليطات عبد الله علي ابراهيم ؟
Author: Abdel Aati
Date: 02-10-2011, 07:38 PM
Parent: #18
كيف إذن يحملني عبد الله علي إبراهيم بدوافع تواطئه المذموم مع الجبهة الإسلامية الخطايا التي ارتكبها القتلة والمجرمون والمهووسون في نظام الإنقاذ أو خارجه؟ وقد تحدثت عن نفسي هنا، ليس لتفرد موقفي أو شخصي، بل لإعطاء مثال محدد لا يستطيع عبد الله أو غيره أن ينازعني عليه. مع علمي أن موقفي هذا هو الموقف المشترك، وإن اختلفت التفاصيل، لمئات الآلاف من أبناء وبنات وطننا الكبير الذين لا يكنون لأخوتهم الجنوبيين سوى الإعزاز. وليس سرا أن عشرات الآلاف من أبناء وبنات الشمال قاتلوا في صفوف الحركة الشعبية طوال هذه السنين، وبلغوا في ذلك شأوا لم نبلغه.
هل معنى ذلك أن « الثقافة العربية الإسلامية» وحتى في أكثر صيغها رقيا، خالية من النزعات الإستعلائية، المحقرة للآخر والمقصية له من مجال الكرامة، أو حتى من مسرح الحياة نفسها؟ طبعا لا. ولكن القول بأننا جميعا مشتركون في هذه المفاهيم الحاطة من قدر الإنسان وكرامته، هو القول المرفوض والمردود في تهجمات عبد الله الغليظة علينا جميعا. شخصيا، لا أحمل من هذه النزعات شيئا كثيرا أو قليلا، بل سخرت عمري حتى الآن لمحاربتها ودفعت مستحقات موقفي. وهنا أيضا لا أتحدث عن تفرد شخصي، بل أريد أن أقيم الحجة على عبد الله بصلابة لا يستطيع أن يتخطاها أو يلتف حولها، وأعلم في نفس الوقت أن مئات الآلاف من أبناء السودان وبناته يحملون الموقف ذاته، ومنهم من يعبر عنه بعمق أكثر مما أستطيع، ويدفع مستحقاته بتحمل أقدار من الظلم لم تطالني بنفس الدرجة. كما أعرف أيضا أن عبد الله سار في هذا الطريق لبعض الوقت، وهاهو قد سبق عليه كتاب الإنقاذ، فتنكب ذلك الطريق، وصار يقبل من الثقافة العربية نفسها أكثر جوانبها معاداة للديمقراطية والإستنارة، وتغييبا للإنسان.
ليس صدفة أن عبد الله يتحدث عن شفرة ثقافية، غير عابئ بالخلط بين العلوم والتخصصات والفلسفات. فغرضه من ذلك تحقيق سوية غير متمايزة من الشماليين جميعا، ليسوقهم، بالتخليط والتشويش، وبالإبتزاز الصريح المستند إلى الجدار القمعي الحاكم في السودان، والمعتمد في المدى البعيد على مستودعات التجهيل التي أشاعتها الإنقاذ، إلى خطيئة واحدة، وثقافة واحدة ، وتاريخ غفل من الفعلة، وجرائم غاب مرتكبوها في سديم الشفرات. ولا يجد عبد الله صعوبة في كل ذلك، نتيجة للتشويش الفكري الذي يعاني منه هو شخصيا، لإفتقاره للأدوات الدقيقة التي تصنف المفاهيم وتحدد الدلالات وتزيل التناقضات.
|
Post: #20
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تخليطات عبد الله علي ابراهيم ؟
Author: Abdel Aati
Date: 02-10-2011, 07:39 PM
Parent: #19
ماهي هذه الشفرة الثقافية يا ترى؟ ما هي طبيعتها؟ كيف نفك رموزها ومن يملك تلك الرموز؟ أيملكها حسن عبد الله الترابي أم علي عثمان محمد طه أم البشير؟ أم يملكها عبد الله شخصيا ولا يريد أن يجود علينا بأسرارها؟ أمن ضمنها الأصولية الإسلامية والدولة الدينية، والحرب الممتدة، والتطهير العرقي والإسترقاق، وإضطهاد النساء والبتر والقطع والصلب والخلافة عن الله؟ أمن ضمنها الطغيان والدكتاتورية؟ أمن ضمنها النهب الإقتصادي والأثرة والأنانية والشراهة التي تغطي عوراتها بالنصوص المقدسة؟ أمن ضمنها تقسيم البلاد إلى حاكورات يملكها أهل الإنقاذ فيسدون أبواب الرزق على كل من عداهم من أهل هذه البلاد؟ أية شفرة يتحدث عنها عبد الله؟
يسهل على عبد الله أن يتحدث عن سوية غير متميزة، لأنه يعتقد أنه يمكن حتى الآن، أن نتحدث عن المجتمع، وهو هنا المجموعة الشمالية العربية المسلمة، في تصنيف عبد الله، وكأنها «جوهر» مستقل عن خصائصه! وهو في ذلك يتخطى إلى الوراء، وفي قفزات نكوصية مذهلة، إرث أكثر من ألفي عام من المنطق الفلسفي والعلمي، وتلك نقطة سنعود إليها في غير هذا السياق.
يهمني أن أقول هنا، أنني، ولإنتمائي لشعبي، لا أنتمي لمقولة عبد الله الذهنية حول «الجماعة العربية المسلمة»، بل أنتمي لهوية أوسع هي الشعب السوداني، المتمايز قوميا ونوعيا وطبقيا ودينيا وثقافيا، والذي يشد عراه مع ذلك إنتماء جامع إلى وطن واحد، نحاول أن نوسعه ليشمل الجميع ويحتفي بالجميع. المقولة الذهنية الخاصة بعبد الله، تقوم على فكرة هجرتها البشرية حاليا، هي فكرة النقاء العرقي، بل إن كل قرون إستشعار المخاطر المحدقة، تستيقظ وتدق أجراسها عندما تسمع من يردد هذه الفكرة التي تترتب عنها مناهج في التفكير أورثت البشرية اضرارا فادحة. وقد دفعنا ثمنها في السودان، قبل أن تجيئ حكومة الإنقاذ، ولكن حكومة الإنقاذ حملتها إلى نهاياتها الأكثر دموية وعنفا. وإن أي تحليل يحاول أن يطمس الحدود بين الإنقاذ وما عداها، ويساوي بينها وبين من سبقها، أو حتى يساوي بينها وبين من يحمل هذه الافكار نفسها ولكنه لم يشأ أن يطبقها أو لم يجد وسيلة لتطبيقيها، لهو تحليل معطوب ومتنكب للصواب. ولذلك فإن وضع عبد الله الطيب، أو الطيب صالح على سبيل المثال، في نفس معسكر الترابي والبشير، وإن حمل الرجلان بأقدار متفاوتة مفاهيم عروبية ذاهلة عن حقيقة شعبهما ونفسيهما، من الأخطاء المنهجية الكبيرة التي تورط فيها البعض دون أن يستبينوا الخطل فيما يزعمون.
|
Post: #21
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تخليطات عبد الله علي ابراهيم ؟
Author: Abdel Aati
Date: 02-10-2011, 07:40 PM
Parent: #20
إنتمائي للسودان كهوية جامعة لا ينفي بل يغذي، الإنتماء لهويات أصغر، شريطة ألا تتعارض تلك الإنتماءات، أو تلك الهويات الأصغر، مع المباديء الجامعة للجماعة السودانية، الشمالية الجنوبية الشرقية الغربية الوسطية، وهي مبادئ المساواة والعدالة والرفاه والكرامة والحقوق الإنسانية المملوكة ملكية جماعية. أي أنها لا تتعارض مع الإسلام المستنير، بل تتقف مع جوهره الخير الداعي للحرية، والمتصالح مع العلمانية، وحقوق الإنسان وكرامته. وما العلمانية سوى إدارة الناس لشؤون دنياهم بعيدا عن أي كهنوت. وهي بهذا المعنى حركة مجتمعات لا محيد عنها ولا مهرب منها، طالما أن المجتمعات تسير دون هوادة في إتجاه الإمساك بمصائرها، وإقامة بنائها على أساس من العدل والرشد. وهذا قول يحتاج إلى تفصيل لا يتسع له المقام الحالي. كما لا تتعارض مع المسيحية أو الديانات العريقة المبجلة للطبيعة او للجوهر الإنساني، ولا تتعارض مع علوية الإنسان من حيث هو إنسان، بل تمتد بهذه العلوية إلى آفاق أكثر رحابة باستمرار.
وتتسع الهوية السودانية الجامعة لكل الهويات العرقية الأصغر، ومنها الهوية العربية بخصائصها السودانية التي وصفناها. أقول السودانية، وأعتبرها مركز جملتي، لأن الأوطان تصبغ خصائصها وتعطي إسمها لكل الجماعات الوافدة عليها، وحتى وإن كانت وفادتهم تدشينا لعهد جهد جديد، ومرحلة تاريخية متطورة. وهي تعطيهم إسمها، وسماتها، وخيراتها، وتفرض عليهم واجبات حمايتها، وتصوغهم وفق قوانين اجتماعها، في نفس الوقت الذي تتسع لمواهبهم وثقافاتهم وألسنتهم وأديانهم أو تتبناها. وهذا أيضا يحتاج إلى تفصيل لا يتسع له المقام الحالي. ولا ترفض الهوية السودانية الجامعة بالطبع، اللغة العربية، ولكنها لا ترفض كذلك اللغات الأخرى بل تحتفي بها. ونسبة لحاجة الجماعة الموحدة في الوطن إلى لغة مشتركة، فنحن نرشح اللغة العربية لتكون ذلك الوسيط، على أن تتطور هي نفسها لتكون لغة عالمية، علمانية لا يشعر المتحدث بها أنه ملزم، لهذا السبب، بالإيمان بدين غير دينه. أي فك الإرتباط الأيديولوجي بين اللغة والمكونات الثقافية الخاصة بجماعة في الوطن دون سواها، وتوسيع القطاع العلماني في التعبير بطابعه الإنساني الشامل، المتمايز عن الخطاب الديني الأصولي، الذي يحاول في كل مناسبة أن يستر ضعفه ويخفي تهافت منطقه، بالتحصن والتسلح والتصفح، بالنصوص المقدسة التي يحرفها عن مواضعها ويستغلها في استدامة أنماط تفكيره وإحكام أدوات سيطرته على العقول. وهو ما فعلته كل اللغات المتطورة في العصر الحالي، دون أن تكون عاجزة بالطبع عن التعبير عن القيم الدينية لمن يريد أن يعبر عن تلك القيم.
ويتبع ذلك رفع الحرج، التأصيلي، الذي ابتليت به اللغة العربية على أيدي بعض ممثليها من حراس القديم، والمتمثل في تحفظها في الأخذ من اللغات السودانية الأخرى، من نيلية وحامية ونوبية بدويت، ومن الدارجة السودانية وترقية تعابيرها ورفعها كل يوم إلى مصاف اللغة الفصحى، كما ترفع الفرق الكروية التي تتميز في أدائها إلى المستويات الممتازة، باعتبار هذه اللغات هي المستودع الذي لا تنضب مياهه للتعبير اللغوي المعاصر والمتطور والذكي والطريف. وباعتبار قربها من الوجدان الشعبي ومقدرتها على التعبير عن أدق خلجاته. ويمتد رفع الحرج إلى الأخذ من اللغات العالمية كل ما تحتاج |ليه لغتنا لتكون بالفعل لغة للعلوم والفلسفة والإزدهار الأدبي والثقافي. ونخص هنا اللغة الإنجليزية، مذكرين بما حدث لهذه الأخيرة نفسها في بداية النهضة الصناعية، إذ تمثلت في ظرف عدة سنوات أكثر من عشرة ألاف كلمة من اللغة الفرنسية التي كانت أكثر تطورا منها، ليس في مجال اللاهوت، بل من حيث قابليتها للتعبير عن النهضة العلمية الكاسحة التي شهدتها بريطانيا في ذلك الوقت. ولا يساعد على تطور اللغة العربية في هذا الإتجاه، خطاب المهووسين من الأصوليين، الذين يريدون أن يوحوا في كل ما يكتبون بأن إجادة اللغة العربية مرتبطة باعتناق الإسلام. كما لا يساعد فيه ما يوغل فيه بعض اليساريين السابقين، من إبداء طقوس تدينهم في كل حرف يكتبونه، تملقا للمهووسين. وليربأ هؤلاء بإيمانهم من هذا الإستخدام غير الوقور. وهم على كل حال لن ينالوا رضا الأصولين ولن يأمنوا شرهم عن هذا الطريق. فأنت لا تأمن شر الإنقاذيين إلا بالإذعان لهم، إذعانا كليا، أو النهوض في وجوههم وكسر شوكتهم. فهم يفضلون الإذعان على الإيمان، في حالة التخيير بين هذا وذاك. وهم ليسوا وحدهم في ذلك، فجنود إبن العاص كانت تصد أفواج الفلاحين المصريين عن دخول الدين الجديد، لأنهم حينها لن يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون، والصغار هو الإذعان كما تعلمون. نرشح اللغة العربية، ونعتقد أنها يمكن أن تقوم بهذا الدور، دون استبعاد لأية لغة أخرى، وتجيئ المسألة كاقتراح لأن المجال مفتوح أمام تنافس لغوي لا يمكن حسم نتيجته بصورة مسبقة. وهذه أيضا من أمهات القضايا التي لا بد أن يدور حولها الحوار المفتوح والمثقف.
|
Post: #22
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تخليطات عبد الله علي ابراهيم ؟
Author: Abdel Aati
Date: 02-10-2011, 07:41 PM
Parent: #21
« الجماعة العربية الإسلامية »، التي يتحدث عنها عبد الله علي إبراهيم، هي جماعة عربية نقية العروبة، لم تخالطها دماء زنجية أو حامية، ربما لأن الجماعة العربية الإسلامية التي جاءت إلى السودان، أبادت شعبه الأصلي، من بناة الحضارات القديمة، الذين تمتد جذورهم إلى ما وراء التاريخ، والذين اختلطوا بهذه لأرض، يأخذون سيماءها وتأخذ سيماءهم، ويغيرونها بالفعل المديد، وتمتد فيهم وتخالط منهم الدماء. ربما أبادتهم القبائل العربية الباحثة عن الأرض والفضاء والماء والمرعى، والضائقة بمن لا ينتمون إلى شفرتها الجينية من الشعوب.« يسميها عبد الله الشفرة الثقافية» ربما ابادتهم هذه القبائل، لأننا لا نجد عند عبد الله تفسيرا لمقولته الذاهلة، حول النقاء العرقي لهذه القبائل، وحول أختفاء هذه الشعوب التي صارت أثرا بعد عين. إن أقل إتهام نوجهه لعبد الله هنا، هو أنه ذاهل كليا عن النتائج المترتبة على مقولته، وأنه عن طريق الخرق " بفتح الخاء والراء" الفكري القليل المثال أزال شعبا كاملا من الوجود دون أن يشعر أنه مطالب بأن يقول شيئا، ولو قليلا، عن هذه الصور التوراتية لزوال الشعوب. فهل جاءت القبائل العربية بنظرية عرفناها بعد ذلك عند اليهود، وهي قصة شعب بلا أرض، يبحث عن أرض بلا شعب؟ ولكن التاريخ والحقيقة أكثر حكمة من عبدالله، وأحكم منه كذلك جميع المؤرخين وعلماء الأنثربولوجيا والآثار، الذين قالوا، وأطنبوا في القول، أن الجماعات العربية الوافدة إلى السودان اختلطت بشعبه، وأن اختلاطها قد أذاب العنصرين في هوية جديدة، لا يمكن أن نسميها عربية خالصة إلا بمصادرة غافلة عن الحقيقة والواقع، ولا نفعل ذلك إلا لأننا نحقر جزء أصيلا من مكونات الهوية الجديدة، مما يفتح الأبواب لانفصامات النفس وفساد الوجدان وخلل العقل. ولا أحب أن أوحي من قريب أو بعيد، بأن عملية الإختلاط هذه شملت الجميع من العنصرين، بل لا أستطيع أن أحدد لها نسبا كمية دقيقة. كما لا أحب أن أتبع المنهج الشيلوخي في تقسيم الإنسان إلى أرطال من اللحم أو أوقيات من الدم، أضع لها قيما متفاوتة كما يفعل القصابون. ولكني اقول باطمئنان أن هذا الإختلاط وإن لم يشمل أغلبية العناصر السودانية العريقة، فإنه شمل الاغلبية العربية الوافدة، ودون أن يحط من شأن هؤلاء أو يعلي من أقدار أولئك. وهذه هي الحقيقة الهامة فعلا، وهي وحدها كافية لدحض مقولة عبد الله عن النقاء العرقي العربي.
والجماعة العربية المسلمة، في تعريف عبد الله، أصولية العقيدة محكومة بالشريعة الإسلامية في اقصى صورها بعدا عن العصر، وهي دعوة دعا إليها عبد الله مرارا وتكرارا، وطالب الآخرين بالإنتماء إليها. والجماعة العربية الإسلامية إنقاذية الإنتماء السياسي، منكفئة على ذاتها، رافضة للآخرين، كارهة للتعددية بكل أشكالها وألوانها. إنها سوية أيديولوجية غير متمايزة، مقولة ذهنية في ذهن مرهق مكدود، ذاهل عن العصر. أقول لعبد الله ولأمثال عبد الله، إنني شخصيا لا انتمي إلى هذه المقولة الذهنية. فليكف عن تصنيفي على هذا الأساس. إنني أنفي عن نفسي فكرة النقاء العرقي، بل تجري في عروقي دماء الأقوام السودانية العريقة، كما تجري في عروقي دماء عربية لا أنكرها ولا أتيه بها على الآخرين. وعندما أتحدث عن الدماء فإنني أتحدث بكثير من المجاز، لأن الموضوع الوراثة يتعلق بالحامض النووي، وبالمورّثات عموما، والتي تعطي الفرد خصائصه الجسدية، ومصطلح الدم، كمحدد للهوية، مثله مثل مصطلح القلب كمكمن للعواطف، مصطلح مجازي تخطته العلوم. ولا فرق بين دماء عربية أو زنجية، حامية أو سامية، ملكية أو عامية. كما يمكن للإنسان أن يغير دمه كليا ولا تتغير هويته في قليل أو كثير، وهو أمر يحدث أمام أعيننا كل يوم. ولا يقتصر الأمر على الذين يغيرون دماءهم لأمراض تصيبهم، بل إن الناس جميعا تتغير دماؤهم كليا أو جزئيا عدة مرات في العام الواحد. وقد آن لنا أن نتحرر من جهالاتنا "الدموية"! الدم حامل للحمض النووي ولكنه متمايز عنه تمايزا كليا. وإذا كان الأمر لا يتعلق بدماء نقية أو ملوثة، نحسها تجري في عروقنا، بل يتعلق بشفرة جينية، تكاد أن تكون، من فرط دقتها، مفهوما رياضيا، فإن جوهر المسألة يصبح هو قبولنا لأنفسنا وتأمل ذواتنا في مرايانا الخاصة، وليس النظر إليها بمرايا الآخرين. حينها سنكتشف كم هي جميلة هذه الهوية السودانية، وكم هي متمايزة عن الآخرين في نفس الوقت. ولكن مرايانا نفسها تحتاج إلى التطوير والصقل، لترى تلك القوى الهاجعة في بطن هذه الأم الرؤوم المعطاءة، "المملوءة الساقين أطفالا خلاسيين." وحينها سيكتشف السودانيون أن ما يطلبونه، أي يبحثون عنه، " قد تركوه ببسطام" كما نقل عبد الحي عن فتوحات إبن عربي المكية. فقد تميز السودانيون في كل أرض حلوا بها، لأنهم يملكون طاقة التميز والفوت، عندما يتعلق الأمر بالخصائص الجوهرية في الإنسان، أي علمه، وعمله، وأخلاقه وكرامته. أي لم يكن أكثرهم تفوقا، بالضرورة، أولئك الذين يحملون سمات خارجية أقرب إلى تلك المجتمعات الجديدة التي حلوا بها. ومن يتأمل هذا الأمر يعود إلى ذاته راضيا عنها مرضيا.
أتحدث عن نفسي في قضية الهوية، لدوافع ذكرتها تتعلق بالإختيار، وهذا زمن الخيارات الحاسمة، ولكني أعتقد أن ما أقوله عن نفسي ينطبق بصورة أو أخرى، وبهذه الدرجة أو تلك على كل هؤلاء المتحاورين حول الهوية، ومنهم عبد الله علي إبراهيم، كما ينطبق على زعمائنا جميعا دون استثناء. ينطبق على الشريف زين العابدين الهندي، الذي قال أننا جئنا إلى هنا وتزوجنا الإفريقيات، ومن هنا جاءتنا هذه "الشناة"، في مناسبة حضرتها شخصيا، وفي قول أورده صديقي الباقر العفيف الذي تناول الهوية وكتب عنها ما لم يكتبه سواه، وحلل كلمات الهندي بما لا يحتمل الزيادة، كما تنطبق على أحمد الميرغني، وعلى أخيه محمد عثمان، وعلى الصادق المهدي، وعلى حسن عبد الله الترابي، وعلى محمد إبراهيم نقد وعلى عثمان محمد طه وغير هؤلاء. وقد طالبت هؤلاء جميعا، بأن يبرزوا " أشجار نسبهم" السودانية الحقيقية، التي يخفونها كما يخفي المرء عورته، كما ابرزوا من قبل أشجار نسبهم العربية المؤسطرة والمتخيلة، لأنهم إن فعلوا ذلك، فإنما يقدمون لأهلهم خدمة جليلة، تفتح لهم الطريق إلى التصالح مع أنفسهم، وإطراح الأوهام التي تضر ولا تفيد، عن أصلهم المتميز والمتفوق.
|
Post: #23
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تخليطات عبد الله علي ابراهيم ؟
Author: Abdel Aati
Date: 02-10-2011, 07:42 PM
Parent: #22
ثم يصل عبدالله بعد ذلك إلى قمة محاضرته، وهي في نفس الوقت قاعها، وهي دعوة الجميع إلى دخول برج الإنقاذ. يقول: « في هذا الصدد أري إنو يجب أن نعترف أننا كلنا ننتمي إلى النظم السيئة، مش النظم السياسية. ننتمي إلى الشفرة الثقافية الموصوفة بالسوء. بقول كان البروفسور إدوارد سعيد ضرب مثل، وأنا أستعين بيهو هنا، قال إنو في كاتب فرنسي كان يكره برج أيفل جدا، لا يطيق رؤية برج إيفل، وكان حله لما يضيق به الضيق النهائي، ويصبح برج إيفل بالنسبة له شبح وكذا، يصعد البرج ويجلس في مطعم البرج ويأكل. قيل له: ليه. قال، لانو تلك اللحظة الوحيدة التي لا أرى فيها البرج «ضحكة». فيا أخوانا نظام الإنقاذ أنا بصفه بأنه برج أيفل لينا « ضحكة ». لا نطيقه، مزعج، كلنا عندنا مواقف حتى أنصاره « ضحكة ».»
دعوة عبد الله هنا هي أن ندخل برج الإنقاذ « ونأكل» منه حتى لا نراه. وهو يستعين على دعوته هذه، بالأمثلة، ويعاني في طرحها حرجا عظيما تنوء به الجبال، تظهره الضحكات العصبية المستوحشة، وتظهره العبارة المتهالكة، المستعصية على الفهم، ويظهره تداخل الكلام بعضه في بعض، و الزوغان في نهاية العبارة من معناها الواضح الصريح. ما الذي يجبر عبد الله على كل هذا العناء وهو المشفق على الجميع من الإرهاق؟
ودعونا هنا نناقش المثال الذي أورده عبد الله، وهو يقع في مجال المجاز، وإذا كانت لعبد الله مساهمة متميزة فهي في مجال المجاز وحده وليس سواه. رجل وحيد، غريب الأطوار، يكره برج إيفل، وليس غريبا أن يكون الرجل وحيدا وغريب الأطوار، لأن من يكره إنجازا حضاريا مثل برج إيفل يجب أن يكون كذلك. فهو يكره إنجازا حضاريا يمثل مصدر فخر للشعب الذي شيده، وتفخر به البشرية في عمومها لأن من عاداتها أن تفخر بمثل هذه الإنجازات. هذا الرجل يعتقد أن برج إيفل هو مظهره الخارجي وحده، أي هذا الإمتداد الفولاذي الذي يشق عنان السماء، وليس باطنه، بما فيه من عجائب هندسية ورؤية ساحرة، وأماكن للترويح عن النفس من ضمنها المطاعم التي يأكل فيها ذلك الرجل. رجل يجهل حقيقة يدركها كل الناس وليس السواح وحدهم، وهي أنك عندما تدخل برج إيفل فإنما تراه بصورة أفضل، بل يعتقد أنك إذ تدخله لن تراه. ما الذي يقابل هذا الرجل عندما يتعلق الأمر بمن يكرهون الإنقاذ؟ وما الذي يقابل برج إيفل عندما يتعلق الأمر ببنائها الداخلي؟
إن حقائق الواقع الماثلة تقول أن الاغلبية الساحقة من شعب السودان تكره الإنقاذ، لأسباب أقوى بكثير من تلك الأسباب التي تحمل بعض الشعوب على كراهية حكوماتها. والاغلبية الساحقة إن كرهت نظاما سياسيا فإنما تسقطه ولا تدخله. وهذا هو الطريق الذي يسير فيه شعب السودان حاليا، بعد أن ساعدته الحركة الشعبية لتحرير السودان على قطع نصف الطريق. ومهما تغيرت الأساليب فإن الغاية واحدة، وهو إسقاط نظام الإنقاذ وتفكيكه طوبة طوبة، طال الزمن أم قصر. ولكن ذلك سيحدث عن طريق صعود الشعب السوداني مراقي جديدة في التمسك بحريته وحقوقه، وامتلاكه أدوات جديدة، سلمية في غالبها. وهذا أمر طبيعي فالإنقاذ بكل ما تمثله من فكر وممارسات عملية ليست سوى بثور علقت بهذا الجسم الجميل وهي لا شك زائلة. وهذا من طبائع الأشياء لأن الشعب الفرنسي، وليس ذلك الرجل الغريب الأطوار، إذا كره برج إيفل، فإنه سيقتلعه من " الجذور"، ليزيل الأذى عن خط باريس السماوي. ومن الناحية الأخرى، هل يمكن المقارنة بين الإنجاز الحضاري المتمثل في برج إيفل، و"المشروع الحضاري" المتمثل في الإنقاذ؟ ندخل برج إيفل فنأكل الفروي دوميغ، والكوت دو بوف،والفياند سينيان، وبعضنا يأكل شكروت الألزاس، وما يصاحبها من الأ######## والنبيذ المعتق.
|
Post: #24
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تخليطات عبد الله علي ابراهيم ؟
Author: Abdel Aati
Date: 02-10-2011, 07:43 PM
Parent: #23
فماذا نأكل عندما ندخل الإنقاذ؟ عبد الله نفسه يعطينا مثالا عمليا على ما يمكن أن نأكله، فمن ضمنه الدعوة الصريحة إلى الباطل الصريح ومن على رؤوس البيوت، وخيانة المثقف لواجبات التنوير وإستخذاؤه للطغاة، فقط لأنهم طغوا. وهو طريق لم يختره أولئك الفتية الذين حاضرهم عبد الله في أبي ظبي، أو نشر عليهم افكاره في السودان وفي بلدان الشتات. خيانة النفس، إذن، والتنكر لرسالة المثقف ، هي أفضل وجبة يمكن أن تقدمها إلينا الإنقاذ. ولكن ليس ذلك بالنسبة لها سوى "المقبلات". إذ تجيئ بعد ذلك الوجبة الرئيسة وهي مشاركتها في خطاياها جميعا، المكسوة بالقمع والمتوجة بالإبادة الجماعية للاقوام والشعوب، أما " التحلية" فهي إقامة الرفاه المادي للقلة الغليظة الحس، على خلفية من الإفقار المطلق لشعب كريم. "ثم ثانيا" كما يقول أحد أصدقائي وهو يطرح نقطته الخامسة: إذا كان ذلك الرجل يأكل في برج إيفل ويذهب إلى بيته، فهل يمكن الأكل في برج الإنقاذ والخروج منها بعد ذلك، وكل ليلة؟
أقول لصديقي عبد الله: دعوتك مرفوضة يا " أخا العرب"، لأنه مهما بلغ حب الناس لك، فإنه لا يبلغ مبلغا يجعلهم يختانون أنفسهم. فهم لم يحبوك على باطل، بل أحبوك على حق. فهل تسير وحدك في دربك الموحش؟ هل تواصل وحدك " رحلة بائسة"؟ هل تتوغل وحدك في صحراء الإنقاذ؟ هل تخوض وحدك في وحلها؟ وهل صار حتما مقضيا أن تقطع رحلة الألف ميل وقد بدأت بخطوة واحدة؟ الخيار خيارك يا عبد اللهّ. وأقول "وحدك" مشيرا إلى وحشتك في قطيع من الذئاب، وليس إلى خلو المكان من الآخرين، ومنوها بمجدك الذي بنيته على بسط ثوب الإستنارة عندما كتبت عن " الناس والكراسي" مذكرا اللبراليين الذين تعثرت ألسنتهم عن إدانة العدوان البربري على تراث الشعب، الذي قامت به عام 1968 هذه الفئة نفسها التي تدعو الناس إلى دخول برجها اليوم، بتلك اللحظات التي تعثرت فيها أرجلهم في باحات الرقص والمخاصرة في جامعات الغرب، وبذلك الفرح الخجول الذي لا يريدون أن يدفعوا مقابله شيئا.
سألت في موقع سابق من هذا المقال عما يجبر عبد الله على مثل هذا المآل، وعما يدفعه إلى تحمل هذا الحرج الكبير. ولو وضع عبد الله في موضع يجبره على الإجابة على مثل هذا السؤال، لتعلق أيضا بمقولة ثقافية ما ، غالبا ما تكون خالية من المعنى. وكما أوضحت أن دوافع عبد الله سياسية بحتة، مكسوة بجلال كاذب ومغشوش، فإني أقول أن بداية التحول الفكري لعبد الله، كانت سياسية أيضا، أو قل أنها كانت سياسية نفسية. وهي تتعلق تحديدا بموقفه من الإنقلاب العسكري الذي حدث صبيحة الثلاثين من يونيو 1989. موقف عبد الله كديمقراطي، وموقفه كعلماني، وموقفه كتقدمي، كان يملي عليه، كما أملى علينا جميعا، أن يرفض ذلك الإنقلاب، حتى ولو لم يكن قادرا على مقاومته. هذا الموقف لم يستطعه عبد الله، ليس لأنه كان طامعا في منصب أو مال أو جاه، ولكن لأنه لم يجد في ذاته قوى وطاقة كافية تسنده ليقف ذلك الموقف. ولذلك عندما دعته السلطة الإنقاذية المغتصبة، إلى المساهمة في إعطائها شرعية أمام الشعب، وخاصة من مثقف تقدمي مثله، له كل هذه الشنة والرنة، فإن عبد الله لم يستطع سوى أن يلبي النداء، وشارك في "مؤتمر الحوار الوطني" وشاهده الناس جميعا، وعلى وجهه ذلك الحرج الأسطوري، وهو يقبل الإنقاذ كبديل للديمقراطية، ويقبل النكوص كبديل للتقدم والتنوير والإنفتاح. تلك خطيئة لم يفق منها عبد الله بعد ذلك، مع أن الطرق كانت أمامه مفتوحة لإنقاذ النفس من "الإنقاذ". عندما خرج عبد الله من السودان، كان يمكن أن يوضح أن موقفه نتج عن غريزة حب البقاء، وهي غريزة مركبة في الناس جميعا، ولكنهم يتعاملون معها بطرق مختلفة، تتراوح بين البطولة والتقية والمخاتلة وتصل إلى قبول الموت المعنوي إنقاذا للجسد. وكان يمكنه أن يعتذر إعتذارا خفيفا، ويواصل الدعوة إلى ما كان يدعو إليه قبل الإنقاذ. ولكن عبد الله لا يجيد الإعتذار، بل لا يقبله حتى وإن كان مستحقا، كما قال في محاضرته هذه، ولذلك اختار أن يحول الموقف الناتج عن ارتخاء الركب، إلى موقف فكري شامل ومحيط. وذاك لعمري اختيار بئيس.
|
Post: #25
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تخليطات عبد الله علي ابراهيم ؟
Author: Abdel Aati
Date: 02-10-2011, 07:44 PM
Parent: #24
في نفس الوقت الذي نشرت فيه محاضرة عبد الله، كنت أعيد قراءة سيرة سقراط، كما جاءت في محاورات أفلاطون، وخاصة كتاب "الإعتذار": أبولوجيا. صعقتني المفارقة بين هذا وذاك. فهذا الرجل الذي عاش قبل ألفين وخمسمائة عام لديه ما يقوله لنا حتى اليوم. فعندما قالت عرافة دلفي، وهي إلهة في ذلك الزمان، وناطقة باسم الآلهة وخاصة زيوس، أنه ليس بين البشر من هو أكثر حكمة من سقراط، حار سقراط حيرة شديدة في هذا الأمر. فهو يعلم أنه لا ينطوي على قدر يؤبه له من الحكمة أو المعرفة، ولكنه يعلم في نفس الوقت أن الآلهة لا تكذب، ولم تغب عن فطنته بالطبع أن شهادة الآلهة لم تكن فقط في صالحه، بل تتوجه حكيما على كل البشر. لم يقبل سقراط، لما ركب فيه من هذا العناد البشري المتطاول، حكم الآلهة، لا من حيث قداسته وتنزهه عن الكذب، ولا من حيث أنه جاء في صالحه وحده دوه سواه. فصار يزور أولئك الذين اتصفوا بالحكمة، من حكام ومفكرين وشعراء وأدباء، فاكتشف لدهشته أنه أكثر حكمة من هؤلاء جميعا، لأنه كان يسألهم عما اشتهروا بإتقانه والتخصص فيه، ويظهر لهم من خلال إجاباتهم وبتلك الماكينة العقلية الهائلة التي كان يملكها، أنهم لا يعرفون، معرفة حقة، ما يدعون أنهم يعرفون. وتوصل إلى أنه أكثر حكمة منهم، لسبب بسيط جدا، وهو أنه يعرف أن معرفته متواضعة، وأن الكون لم يكشف له إلا شيئا قليلا من أسراره، وأن عليه أن يمضي دون هوادة في الإستزادة من المعرفة، بينما تربع هؤلاء على حصاة من المعرفة ظنوها جبالا شوامخ.
وقال سقراط وهو يشرح ما توصل إليه من علاقة بين المتعالمين الذين يدعون معرفة ما لا يعرفون، والناس العاديين المتواضعين رغم معارفهم وحكمتهم: "أثناء بحثي في خدمة الإله، وجدت أن أولئك الأكثر شهرة والأكثر ذيوعا في الصيت، هم في الغالب الأكثر نقصا، بينما أولئك الذين يعتبرون أقل شأنا هم الأكثر معرفة. ( ترجمة غير رسمية). "رحلة " عبد الله القاسية من بداية محاضرته وحتى نهايتها أثبتت شيئا عكسيا تماما لمسيرة سقراط. فقد وضح أن هذا المفكر الوحيد في السودان، إن كان في السودان مفكر، كما قال مقدمه الكريم، هو الأكثر جهلا بموضوعه من جميع الذين كان يحاضرهم. ولا شك أنهم كانوا يمدون أرجلهم قليلا قليلا، كما فعل أبو حنيفة، كلما أوغل المحاضر في باطله وهرائه، حتى مدوها عن آخرها في نهاية المحاضرة، هذا إذا لم يفكر بعضهم في إطلاقها للريح. وأكاد أرى صديقي محمد الحسن محيسي، المتبحر في كثير من ضروب المعرفة، وهو يفعل ذلك تحديدا. وأحصر المقارنة مع سقراط هنا فقط، فالمقام لا يسمح بالحديث عن محاكمته وموته.
وأخيرا، دخل عبد الله في قلوب وخرج من قلوب، وهو بينما يستطيب الدخول فإنه يكره الخروج، ويحاول جهده الجمع بين هذا وذاك، ولا يعتقد ذلك ممكنا إلا لأنه لا يضع للمنطق في تفكيره ورغباته، وزنا كبيرا. وهو يعتقد أنه بالقاء بعض الملاحظات العابرة، لصالح جمهوره القديم، يمكنه أن يكسب هؤلاء وأولئك في نفس الوقت. أنظر إلى إشارته إلى موت جوزيف قرنق "الباسل"، مع أن محاضرته تلزمه أن يقول أن جوزيف قرنق مات من أجل قضية ليست قضيته، مات من أجل جماعة شمالية عربية مسلمة لا ينتمي إليها، مات من أجل وطن يضع عبد الله يده حاليا في أيادي من يريدون تمزيقه، وتقليصه ليكون في حجم مقدراتهم على القهر والتنكيل والسيطرة. أقول لصديقي عبد الله، خيارك الحالي يمكن ألا يكون نهائيا، إذا التفت قليلا إلى الوراء لترى أن مطارديك أصابهم الإعياء و " و الإرهاق غير الخلاق"، وبالرغم من أنهم لم يكفوا عن المطاردة إلا أن الصمود في وجههم ممكن وميسور، وقد استطاعه كثيرون لم يدقوا الطبول إعلانا عن صمود، فكيف تدق الطبول إعلانا عن هروب؟
الخاتم عدلان
نقلا عن: http://www.kacesudan.org/article_page_view_a.php?article_id=20&page_id=1
|
Post: #26
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تخليطات عبد الله علي ابراهيم ؟
Author: Abdel Aati
Date: 02-10-2011, 07:47 PM
Parent: #25
Quote: في نفس الوقت الذي نشرت فيه محاضرة عبد الله، كنت أعيد قراءة سيرة سقراط، كما جاءت في محاورات أفلاطون، وخاصة كتاب "الإعتذار": أبولوجيا. صعقتني المفارقة بين هذا وذاك. فهذا الرجل الذي عاش قبل ألفين وخمسمائة عام لديه ما يقوله لنا حتى اليوم. فعندما قالت عرافة دلفي، وهي إلهة في ذلك الزمان، وناطقة باسم الآلهة وخاصة زيوس، أنه ليس بين البشر من هو أكثر حكمة من سقراط، حار سقراط حيرة شديدة في هذا الأمر. فهو يعلم أنه لا ينطوي على قدر يؤبه له من الحكمة أو المعرفة، ولكنه يعلم في نفس الوقت أن الآلهة لا تكذب، ولم تغب عن فطنته بالطبع أن شهادة الآلهة لم تكن فقط في صالحه، بل تتوجه حكيما على كل البشر. لم يقبل سقراط، لما ركب فيه من هذا العناد البشري المتطاول، حكم الآلهة، لا من حيث قداسته وتنزهه عن الكذب، ولا من حيث أنه جاء في صالحه وحده دوه سواه. فصار يزور أولئك الذين اتصفوا بالحكمة، من حكام ومفكرين وشعراء وأدباء، فاكتشف لدهشته أنه أكثر حكمة من هؤلاء جميعا، لأنه كان يسألهم عما اشتهروا بإتقانه والتخصص فيه، ويظهر لهم من خلال إجاباتهم وبتلك الماكينة العقلية الهائلة التي كان يملكها، أنهم لا يعرفون، معرفة حقة، ما يدعون أنهم يعرفون. وتوصل إلى أنه أكثر حكمة منهم، لسبب بسيط جدا، وهو أنه يعرف أن معرفته متواضعة، وأن الكون لم يكشف له إلا شيئا قليلا من أسراره، وأن عليه أن يمضي دون هوادة في الإستزادة من المعرفة، بينما تربع هؤلاء على حصاة من المعرفة ظنوها جبالا شوامخ.
وقال سقراط وهو يشرح ما توصل إليه من علاقة بين المتعالمين الذين يدعون معرفة ما لا يعرفون، والناس العاديين المتواضعين رغم معارفهم وحكمتهم: "أثناء بحثي في خدمة الإله، وجدت أن أولئك الأكثر شهرة والأكثر ذيوعا في الصيت، هم في الغالب الأكثر نقصا، بينما أولئك الذين يعتبرون أقل شأنا هم الأكثر معرفة. ( ترجمة غير رسمية). "رحلة " عبد الله القاسية من بداية محاضرته وحتى نهايتها أثبتت شيئا عكسيا تماما لمسيرة سقراط. فقد وضح أن هذا المفكر الوحيد في السودان، إن كان في السودان مفكر، كما قال مقدمه الكريم، هو الأكثر جهلا بموضوعه من جميع الذين كان يحاضرهم. ولا شك أنهم كانوا يمدون أرجلهم قليلا قليلا، كما فعل أبو حنيفة، كلما أوغل المحاضر في باطله وهرائه، حتى مدوها عن آخرها في نهاية المحاضرة، هذا إذا لم يفكر بعضهم في إطلاقها للريح. وأكاد أرى صديقي محمد الحسن محيسي، المتبحر في كثير من ضروب المعرفة، وهو يفعل ذلك تحديدا. وأحصر المقارنة مع سقراط هنا فقط، فالمقام لا يسمح بالحديث عن محاكمته وموته.
وأخيرا، دخل عبد الله في قلوب وخرج من قلوب، وهو بينما يستطيب الدخول فإنه يكره الخروج، ويحاول جهده الجمع بين هذا وذاك، ولا يعتقد ذلك ممكنا إلا لأنه لا يضع للمنطق في تفكيره ورغباته، وزنا كبيرا. وهو يعتقد أنه بالقاء بعض الملاحظات العابرة، لصالح جمهوره القديم، يمكنه أن يكسب هؤلاء وأولئك في نفس الوقت. أنظر إلى إشارته إلى موت جوزيف قرنق "الباسل"، مع أن محاضرته تلزمه أن يقول أن جوزيف قرنق مات من أجل قضية ليست قضيته، مات من أجل جماعة شمالية عربية مسلمة لا ينتمي إليها، مات من أجل وطن يضع عبد الله يده حاليا في أيادي من يريدون تمزيقه، وتقليصه ليكون في حجم مقدراتهم على القهر والتنكيل والسيطرة. أقول لصديقي عبد الله، خيارك الحالي يمكن ألا يكون نهائيا، إذا التفت قليلا إلى الوراء لترى أن مطارديك أصابهم الإعياء و " و الإرهاق غير الخلاق"، وبالرغم من أنهم لم يكفوا عن المطاردة إلا أن الصمود في وجههم ممكن وميسور، وقد استطاعه كثيرون لم يدقوا الطبول إعلانا عن صمود، فكيف تدق الطبول إعلانا عن هروب؟ |
|
Post: #27
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تخليطات عبد الله علي ابراهيم ؟
Author: Abdel Aati
Date: 02-10-2011, 07:54 PM
Parent: #26
دخل عبد الله علي ابراهيم قلبي؛ في ذات يوم من عام 1983 ؛ وكنا قد التقيناه في نادي الشاطيء بعطبرة؛ في لقاء اعد له الصديق عبد الله القطي . وكان اللقاء يجمع بين شباب طاشري وعشريني ؛ وبين عبد الله . ورغم اننا كنا وقتها نتمتع بالكثير من الحماس الثوري؛ الذي القي رزازه على عبد الله؛ وتجنبه بهدوء؛ فانه قد دخل قلبي بما رأيت فيه من تواضع وقدرة على الحوار وسماع للآخر؛ او هكذا ظننت.
مرت منذ ذلك الوقت مياه كثيرة تحت الجسر ؛ وكنت طول الوقت احمل ذلك الود للرجل؛ المختلط بالاحترام لنشاطه الفكري؛ رغم عدم الاتفاق معه فقي هذه القضية او تلك . اقول هنا ان خلا ف الرجل مع اصدقائي الجمهوريين؛ وهجومهم الكاسح عليه؛ لم يخرجه من قلبي؛ ولا مساجلات الخاتم عدلان له ؛ مع ما للخاتم من مكانة في عقلي وقلبي؛ لم تخرجه من مكانه ذاك . ولكن بمقال واحد هو المقال اعلاه؛ والذي ارتكب فيه عبد الله الموبقتين: الاولى الدفاع عن نظرية شمولية كانت السبب في قتل الملايين؛ والثانية تهجمه على الرجل الاكثر اخلاقا ومصداقية وشجاعة في تاريخنا الاحدث؛ وهو الخاتم عدلان؛ وبهذا الشكل المخجل الذي يصفي الحسابات تحت اسم العلم ومن وراء المراجع الميتة ؛ قد اخرجه من قلبي تماما؛ ونزع الغشاوة عن عيني ؛ فسبحان الزمان مغير الاحوال والرجال؛ وسبحان الانسان يرفع نفسه بفعلة الى اعلى القمم؛ ثم ينزل بها باخرى الى قاع السفوح .
|
Post: #28
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: Abdel Aati
Date: 02-10-2011, 07:59 PM
Parent: #27
بين الدكتور عبد الله على إبراهيم، والأستاذ الشهيد عبد الخالق محجوب
الخاتم عدلان
لا يكتفي الدكتور عبد الله علي إبراهيم، بأقل من الإعدام المعنوي لليسار، ممثلا في واحد من أوضأ رموزه: الأستاذ الشهيد عبد الخالق محجوب. ومن خلال إشارات مبثوثة في عدد لا يحصى من المقالات، يحاول عبد الله على إبراهيم أن يمدح عبد الخالق محجوب بأن ينسب إليه قيما ومواقف لم تكن حياة الشهيد وموته، إلا نفيا ودحضا لها. وإذا كان ما حدث لعبد الخالق محجوب صبيحة الثامن والعشرين من يوليو 1971، إعداما جسديا إجراميا نفذه حاكم معتوه، فإن رد فعل عبد الخالق عليه، قد مثل الدرجة العليا من التسامي الفردي، والبطولة الإنسانية، والشجاعة العقلية، التي ألهمت أجيالا من الشعراء والرسامين والمبدعين، بقدر ما ألهمت المناضلين في كل الدروب. ومصدر الإلهام هنا لم بكن تلك الوقفة الأسطورية وحدها، بل كانت السيرة كلها، والقيم التي أضاءت تلك السيرة، والتي لم يزدها الإعدام الجسدي إلا جلاء. أي أن عبد الخالق محجوب، لم يعد منذ تلك المأثرة الباهرة التي خطها بموته، سوى تلك القيم التي عاش من أجلها، وجاد بروحه ودمائه لإضاءتها وسقياها. وهو قد قال لنا بفعله ذاك: جسدي فداء لفكري، دمي زيت لقيمي، عبوري ثمن لبقاء معناي. فإذا أتي من ينسب لعبد الخالق قيما ومواقف نقيضة لما كان يؤمن به، ويرفعها علما على ذكراه، مع كل آيات التمجيد الزائفة وحسرات الفراق المفتعلة، فإنه يحاول إتيان جريمة أفظع من القتل الجسدي، وهي قتل المعنى. وهذا هو ما ظل يمارسه عبد الله علي إبراهيم منذ أن زلزلته الإنقاذ بحضورها الرهيب، وخلعت فؤاده وكسرت جبارته.
في كتابه عن الترابي كزعيم للتجديد الإسلامي في السودان، وعن إمكانية حكم البلاد بواسطة فئة القضاة الشرعيين، يورد عبد الله علي إبراهيم الإهداء التالي: " إلى أستاذنا المرحوم عبد الخالق محجوب كنا قد إئتمرنا أو " تآمرنا" على شيئ من هذا الكتاب في فترة من الزمان عند منتصف ستينات القرن الماضي. واستعجلت أنت تخطو وئيدا شجاعا في السكة الخطرة. أو أبطأت أنا. وهذا بعض كسبي من " المحضر السابق" صدقة جارية لروحك السمح العذب، يا أيها الرجل الوسيم." ألاحظ عرضا هنا إستخدام عبد الله على إبراهيم، في إهداء يوجهه إلى عبد الخالق محجوب، لمصطلحين أساسيين في فكر حسن عبد الله الترابي، هما مصطلح الإئتمار، الذي يفضله الترابي لمعناه المزدوج، الظاهر المتعلق بعقد المؤتمرات، والخفي الذي يعني التآمر، فالترابي يعشق مثل هذه المصطلحات ويهيم بها هياما لا فطام منه. ومصطلح "الكسب"، الذي يصور العمل السياسي والفكري، ليس كعطاء يجود به المرء طوعا على الآخرين، بل ككسب يأخذه الفرد عنوة من الجماعة، ويأخذه الحزب غصبا من المجتمع. وأتجاوز عن ظاهرة ذلك المستعجل الذي " يخطو وئيدا"، في مزاوجة مستحيلة بين نوعين من المشي، وأنفذ إلى جوهر فكرة عبد الله، وهي إشراك عبد الخالق في تأليف كتاب لم يكن ليتردد في إستنكار كل مقولة أساسية وردت فيه، ودحضها بحزم فكري عرفه عنه عبد الله قبل سواه. والدليل الذي يسوقه عبد الله على إشتراك عبد الخالق معه في فكرة هذا الكتاب، هو تآمر سري، بينه وبين عبد الخالق. وهي فكرة ليست كاذبة فحسب، بل هي غبية كذلك.
|
Post: #29
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: Abdel Aati
Date: 02-10-2011, 08:01 PM
Parent: #28
لقد أتهم عبد الخالق محجوب بالتآمر في أشياء كثيرة، في مراحل مختلفة من حياته، من مؤامرة الشيوعية الكبرى، وحتى مؤامرة الإنقلاب العسكري. وكانت الإتهامات ذات طابع سياسي واضح، لأن عبد الخالق كان قائدا سياسيا فذا، من أخمص قدميه إلى شعر رأسه. ولكن أحدا لم يتهم عبد الخالق بمؤامرة فكرية. في مسائل الفكر كان عبد الخالق واضحا كالشمس. بل كان يوصي الشيوعيين بأن يكونوا واضحين فكريا مثله، وألا ينحشروا في مواقع الدفاع، حتى لا يتهموا بالإنتهازية. فكيف يمكن لرجل هذا شأنه أن يتآمر مع عبد الله على أفكار هابطة مثل تولية شؤون الدستور والحكم لفئة القضاة الشرعيين، إذا كان ذلك هو الجزء من الكتاب موضوع التآمر، أو تنصيب الترابي زعيما للتجديد الديني، إذا كان موضوع التآمر هو الجزء الثاني من الكتاب؟ وكيف يمكن لعبد الخالق أن يتآمر على كل تاريخه الفكري؟
التآمر المشار إليه هنا، لا يعني سوى أن عبد الله، وقد سار في الدروب الموحشة، بدلا عن "السكة الخطرة"، يريد أن يدعي أنه يفعل ذلك وهو في صحبة رفيعة، كما يريد أن يتأبط ذراع عبد الخالق إلى قبره المعنوي، الذي أعده بدافع الكراهية العميقة التي تسمي نفسها حبا خالدا. وسأوضح ما أجملته هنا عندما أتناول في مقالات قادمة، كتاب عبد الله المدوّن بمداد التهافت المنطقي والمرجّب بعمد الحجج الخاوية.
وما أجمله عبد الله هنا في كلمة إهدائه المسمومة، فصله شيئا ما في مقدمته لكتاب عبد الخالق: أفكار حول فلسفة الإخوان المسلمين الذي كتبه الشهيد أواخر الستينات. ولأن الرسالة التي حددها عبد الله علي إبراهيم لنفسه، إزاء عبد الخالق، لا يمكن أن تكون مستقيمة، وإلا كشفت نفسها للدحض المباشر، فإن إلتواءها قد ظهر هنا بأجلى ما يكون الظهور. إن عبد الله إذ يقدم لكتاب، ينتقد دون رحمة، وباستقامة فكرية عظيمة، عرفت عن الشهيد، أفكار الإخوان المسلمين، لا يورد حرفا واحدا، أو فكرة واحدة من الكتاب الذي بين يدي القاريئ، بل يلجأ إلى نسبة أفكار نقيضة لما ورد في الكتاب إلى مؤلفه، بإعتماد مراجع أخرى ليست بين يدي القارئ ولا يؤمل أن يحصل عليها حتى إذا شاء! والأخبار غير السارة بالنسبة لعبد الله، إننا حصلنا على بعضها، ونعمل على الحصول على الأخريات ولو طال السفر، فليكفهر وجهه ما شاء له الإكفهرار!
|
Post: #30
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: Abdel Aati
Date: 02-10-2011, 08:01 PM
Parent: #29
يقول عبد الله علي إبراهيم أن عبد الخالق محجوب، لم يكن معترضا على دعوة الدستور الإسلامي، عند ظهورها، بل كان محبذا لتلك الفكرة، منشرحا إزاءها، ومحتفيا بها. وربما يكون رد فعل كثير من القراء، وهم يطالعون هذه الدعوة الغليظة، أنني أتجنى على الرجل، وأرجمه بالغيب، وأتهمه بما لا يمكن أن يكون قد صدر عنه. ولا أستطيع أن أرد على هؤلاء إلا بكلمات عبد الله علي إبراهيم نفسه الواردة في مقدمته تلك لكتاب عبد الخالق. يقول في صفحة 11 ما يلي: " ويذكر الشيء بالشيئ، فأريحية عبد الخالق الفكرية حيال مشروعية، بل وسداد الدعوة إلى الدستور الإسلامي قديمة. فقد تقبل هذه الدعوى بطيب خاطر في كتابات باكرة له بجريدة الميدان عام 1957، والدعوى إلى مثل هذا الدستور في طفولته بعد" (الدعوى بدلا عن الدعوة وطفولته بدلا عن طفولتها، نقلتها كما وردت في الأصل.)
ولكن التأييد المزعوم للدستور الإسلامي، المنسوب لعبد الخالق محجوب، وإيمانه ليس فقط بمشروعية الدعوة، بل بسدادها، لا يتوقف على مقال نشر عام 1957 عندما كان عمر عبد الخالق 30 عاما، بل يمتد معه في دعوى عبد الله حتى مماته على ما يبدو، يقول على ص 13 من مقدمته: " وعليه لم يكن عبد الخالق في عام 1958م، كما لم يكن في عام 1965 م، ممن أستثقل أو إستفظع أو إسترجع –أي جعلها رجعية باطلاق- الدعوة إلى الدستور الإسلامي، بل كان أكبر همه فحص إن كانت الدعوة إليه قد جاءت من باب المواتاة السياسية أم أنها صدرت عن إنشغال سياسي محيط بالخطر الوطني والحضاري بالإستعمار، الخصم الأكبر، وعن عزيمة كتأمين السيادة الوطنية على أساس من العدل الإجتماعي. والدليل على رحابة صدر عبد الخالق لخطاب الدستور الإسلامي هو تنبيهه إلى أن المناقشات التي جرت حول وجوب تطبيقه في ما بعد ثورة أكتوبر 1964م " ولدت وعيا بين الناس لا سبيل إلى إنكاره ولفتت الإنتباه لأول مرة في بلدنا للنظر للدين من زاوية المؤثرات والتقدم الذي أصاب الإنسان في القرن العشرين."
وربما يكون روع القاريئ قد هدأ حاليا، بعد أن وقف من عبارات عبد الله، على أنني لم أنسب إليه ما لم يقله. فالعبارات رغم حظها الضئيل من الإبانة، ورغم ما فيها من اللغو والعويش، إلا أنها توضح موقف صاحبها بصورة كافية. إذن كان عبد الخالق محجوب منشرحا لدعوة الدستور الإسلامي، محتفيا بها، غير منكر ولا "مسترجع" لها. كل إعتراضات عبد الخالق محجوب، إنطوت على اعتبارات ثانوية، مثل أنها طرحت في غير محلها، وأنها لم تتشرب بصورة كافية بعداء الإستعمار، كما أنه لم يكن واثقا من أنها "صدرت عن إنشغال سياسي محيط بالخطر الوطني والحضاري بالإستعمار، الخصم الأكبر" أو كما قال!
|
Post: #31
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: Abdel Aati
Date: 02-10-2011, 08:03 PM
Parent: #30
هنا أيضا، يريد عبد الله علي إبرهيم، في مسيرته الهابطة، أن يقنع الناس أنه يسير في صحبة راقية. وهنا أيضا يحاول أن يسوق عبد الخالق محجوب إلى قبره المعنوي، بعد أن تكفل الآخرون بقتله الجسدي. والواقع أن عبد الخالق لم يكن في أية لحظة من لحظات حياته المدونة، من دعاة الدستور الإسلامي، سواء بتوضيحاتها أو بدون توضيحاتها. بل كان خصما لدودا، ومجادلا عميقا عارفا، ضد ذلك الدستور وتلك الدولة، وما كتابه هذا الذي يقدم له عبد الله علي إبراهيم، ولا يذكره بكلمة واحدة، سوى شهادة دامغة على ما نقول. مواقف عبد الخالق محجوب في المعركة الممتدة ضد الدستور الإسلامي معروفة وموثقة، وخطبه داخل الجمعية التأسيسية عندما كان نائبا من نوابها معروفة للجميع، تسميته لتلك الدعوة بالمشبوهة والرجعية معروفة كذلك، ويعرفها عبد الله علي إبراهيم أكثر من سواه. وهذه كلها شواهد سنوردها ونفصل أمرها.
ولكنا هنا نكتفي بالدحض المنطقي لمقولات عبد الله علي إبراهيم المتهافتة حول موقف عبد الخالق محجوب. فإذا كانت الرواية التي أعتمدها عبد الله لتلك المقالة التي نشرها عبد الخالق صحيحة، وليس لدي ذرة من الثقة في أمانة عبد الله، فإن جوهر حجة عبد الخالق هي أن المعركة في ذلك الوقت، كانت هي الوحدة ضد هجمة الإستعمار، وليست الفرقة حول الدساتير. هذا لا يعني أن عبد الخالق كان يؤيد الدستور الإسلامي، بل كان يرى أن من يطرحونه إنما يريدون خلط الأوراق، والهروب من المعركة الماثلة إلى معارك أخرى سيأتي أوانها. فلنحارب الإستعمار جميعا كسودانيين، ثم نتعارك بعد ذلك حول الدساتير. وهذا موقف لا أستبعد أن يكون عبد الخالق قد وقفه بناء على التحليل الماركسي في التناقضات الأساسية والثانوية، المعروفة لدى عبد الله دون ريب. وبمعنى أوضح إذا كان عبد الخالق يدعو إلى دستور علماني، وقد كان يدعو إليه حتى إستشهاده، وهو بعض من معانيه الباقية، فإنه يقول دعونا نعرض حاليا عن طرح الدساتير، ودعونا نتوحد ضد الإستعمار وأذناب الإستعمار، وبعد أن نزيح ذلك الخطر فليطرح كل منا دستوره، وفي هذه الحالة فإنني سأعترض على دستوركم الإسلامي، طارحا دستورا علمانيا مستقيما. هذا كل ما يمكن أن يستشفه المحلل الأمين من مواقف عبد الخالق محجوب.
المهم أن عبد الخالق محجوب لو كان يدعو إلى الدستور الإسلامي، فإن معانيه كلها تكون قد جفت تقريبا، بقيام الدولة الإنقاذية الأصولية التي ألتحق عبد الله بخدمتها الفكرية، من مواقع الإلتواء والخفاء الشديد والنكران. وإذا كان ذلك مبتغى عبد الخالق، فإن إعدامه المعنوي يكون قد إكتمل. فكيف يمكن أن يكون عبد الخالق داعية للإشتراكية والعدالة والعلمانية والشيوعية، إذا كانت أحلامه تنتهي عند عتبة الدولة الدينية؟ ولست مندهشا لمحاولات عبد الله إعدام عبد الخالق معنويا، لأن ذلك يمثل بالنسبة إليه حاجة نفسية قاهرة. فهو لم يكن ليقدم على مثل تلك المحاولة لولا أنه اختار الإعدام المعنوي لذاته أولا، في مواجهته لأخطار لم يكن من ضمنها الموت. وذلك على النقيض تماما من عبد الخالق محجوب الذي اختار الفناء الجسدي، والبقاء المعنوي، وهو عارف تماما بتبعات خياره.
ولا يكتفي عبد الله بمقالات مجهولة كتبت عام 1957، بل يورد وثيقة قضايا ما بعد المؤتمر كشاهد على أطروحته. وهذا ما سنعالجه في حلقة مقبلة.
الخاتم عدلان
نقلا عن : http://www.kacesudan.org/article_page_view_a.php?article_id=3&page_id=1
|
Post: #32
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: Abdel Aati
Date: 02-10-2011, 08:12 PM
Parent: #31
كتب اخونا جميل الدواخل طيب القلب سمح السرائر منصور المفتاح :
Quote: فعبدالله والخاتم مفكران بارعان بينهما تشابه كبير وإن بأن الإختلاف أكبر فكلاهما كانا من الركائز الأساسيه للحزب الشيوعى وكلاهما خرجا عنه بفهم ومفاهيم قننها كلاهما ودونها تنظيرا وتطييق |
شتان وشتان وشتان .
|
Post: #33
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 02-10-2011, 10:32 PM
Parent: #32
الأخ عادل عبدالعاطى السلام ورحمة الله عليك والأسره وحسنا أبنت أسباب ودك وإحترامك لعبدالله على إبراهيم وأسباب إختلافك معه والذى تحسبه فى تناول الخاتم بعد مماته وتناول كتابه المبذول منذ أكثر من عقدين وحسنا أن أتيت بتصحيف الفيا للخاتم وما كتبه الخاتم عن عبدالله على إبراهيم وعبدالخالق المحجوب وكل ذلك يرتبط آرتباطا كبيرا بالموضوع المطروح وهو رأى عبدالله فى إحدى إصدارات الخاتم لا بل حسنا جدا أن ينفعل عادل عبدالعاطى إبن عطبره رافعا سبابته رافضا ما أتى به عبدالله من أراء فى الأراء التى قال بها الخاتم آنفا وهنا أشير إلى الكتاب المحدد الذى تناوله عبدالله بالنقد العلمى معليا شأن ما يستحق التمجيد وخافضا لما لا يراه كذلك فهو رأيه ولسنا بملزمين أن نوافقه عليه ولكن ملزمين بقبول ما طرحه من أراء من إتاحة حرية التعبير التى جمعتنا بعبدالله والخاتم والفيا وعبدالخالق وود الزين ومحمد سيد أحمد فى هذا التقديم المفيد. عزيزنا عادل تشكر على ما أتيت به مضيفا وموضحا ونتمنى أن تواصل بعد قراءه متأنيه لما كتبه عبدالله عن كتاب الخاتم موضحا لأسباب إختلافك فيها ولك الشكر والسلام.
منصور
|
Post: #34
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: عبداللطيف حسن علي
Date: 02-10-2011, 11:05 PM
Parent: #33
Quote: شكرا يا تراجى ونتمنى أن تجدى الزمن وتقرئين بمزاج هذا الموضوع الناضج فى تناوله وفى إخلااجه ولك السلام.
منصور |
مثال اول
|
Post: #35
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 02-11-2011, 02:08 AM
Parent: #34
الأخ عبداللطيف حسن علي
السلام والرحمه وشكرا على ملاحظاتك الذكيه خارج الموضوع أما ما أخطأنا فيه كما نفعل دائماهى كلمة إخراج ولربما وجود لام الألف بالقرب من الراء ومثل ذلك لنا الكثير الذى نعتذر لفعله.
منصور
|
Post: #36
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 02-11-2011, 02:16 AM
Parent: #35
مثال
ومثالك الأول تلك تسمح لأبى حنيفه أن يمد كلتا رجليه وإن أردت من مثل تلك الهنات فأخشى عليك من أعد.
ولك ثانية السلام ولكل آل الحاره الأولى من آل الجمل وآل شيخ أبوزيد وآل محمود محمد طه وآل النصرى والمطبعجى وكل أنصار ود نوباوى وكل الكوارته وعفون عنك من القلب.
منصور
|
Post: #37
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-11-2011, 09:17 AM
Parent: #36
نقتبس عبارة مما ختم به البروفيسور عبدالله كتابه النقدي :
Quote: أريد بهذا الكتاب أن نعرف عن الماركسية بأفضل ما عرفنا عنها حتى قبل أن سنتدبرها. فالماركسية، قبلتها أم رفضتها، تستدعي معان لا يكون العالم بدونها. |
قول على أطروحات بروفيسور عبد الله وأطروحات دكتور الخاتم (1) من الصعب على من يقرأ كتاب رد البروفيسور عبد الله علي إبراهيم على سفر الدكتور الخاتم عدلان ألا يشيد بهذا الرقي المعرفي ، والمناهج المؤسسة لدي الطرفين . وميّزة الأسفار أنها عُرضة للتحليل والدراسة والنقد ، بالمراجع وبالدراسات المقارنة ، وبالمراجع التي تناولت الموضوع ، ولم يمنع الحاجز الزمني لمرور قرن وأكثر على انجاز ماركس ، وهو الذي عني البروفيسور عبد الله بالحديث المستفيض عنه ، دون الولوج لأزمة الحزب الشيوعي السوداني ، وأزمات الأحزاب الشيوعية في المناطق المجاورة . يحتاج المرء الرجوع للأسفار قبل الإضافة على ما تفضل به الراحل الدكتور الخاتم والبروفيسور عبد الله علي إبراهيم ، للتوثيق الذي أورده البروفيسور ، والذي في حاجة لمراجعة الأسفار لانتزاع الأفكار الأساسية أو المرتكزات الفكرية حول الخلاف بين ماركس ، وبين مُجايليه من الفلاسفة ، وخروجه المُبين منذ أن كان ضمن " الشباب الهيغلي " في بواكر حياته الفكرية الحافلة ، وكتابة الخاتم عنه . ولكن الذاكرة وحدها لن تُرضي القارئ ، ولن نكون دون المُتوقع منا عندما نُدلي بدلونا ، ولكن نترك رؤوس أقلام تمهد للقاء لاحق يتم من بعد الاستذكار كما أسلفنا :
(1) إني أرى انتزاع الحديث عن ماركس ، يفي ببعض ما تفضل به الدكتور الخاتم في سفره المذكور ، وليس لزاماً على البروفيسور عبد الله أن يتناول كل ما ورد ، وقد خص بدراسته ( ماركس في سِفر الدكتور الخاتم ، ونقده مع إغفال كامل لتراث ماركس الفكري والمعرفي ، دون ما كان منتظراً من باحث كالخاتم قضى الكثير من عمره ملاحقاً للمعرفة الفلسفية والسياسية والاجتماعية قراءة وممارسة ) . (2) لم يتم تناول إنجاز ماركس من قِبل البروفيسور عبد الله عن " المادية الجدلية " وهو الإنجاز الباهر المشترك لكارل ماركس وفريدريك أنجلز !. (3) لم يتم تناول أحلام "البيان الشيوعي "!. (4) لم يتم تناول الفروق بين إنجاز ماركس الفكري ، والحركة البلشفية في 1917م ، وابتداع مرحلة " الثورة الوطنية الديمقراطية " التي بررت القفز على مرحلة الاشتراكية دون روافعها النظرية التي أسس لها الفكر الماركسي ، كما تم في الإتحاد السوفيتي السابق بواسطة زعيم البلاشفة " لينين " ، وكامل تجارب الدول المسماة " الاشتراكية"، دون مرورها الطبيعي وفق رؤى ماركس . (5) لم يتم تناول التعقيد الأساس الذي بموجبه قام كارل ماركس بإجلاس " الهيغلية " في مقعدها ، وإعادة المقولة الكبرى للمادية الديالكتيكية ( إن الوعي يأتي من تطور المادة ) وليس سابقاً لها ، وهي المقولة الفكرية الرئيسة التي جعلت التناقض الأساس بين المعتقدات الدينية ذات الطبيعة الاجتماعية من أمثال السودان عبر تاريخه الطويل ، عُرضة للأزمة الرئيسة التي مرت وأدت لحل الحزب الشيوعي في ستينات القرن الماضي . والتي أراها من مكونات البنية التحتية الفكرية الأساس و التي جعلت هذا الفكر مميزاً ، ولم تزل تلك الأسس ثابتة الأركان ، وهي تتناقض مع الفكر الديني ( إن الوعي هو سابق على المادة ، وإن الله وهو الوعي الأكبر و هو الذي خلق المادة ) . هذا أراه الأساس الذي جعل من أيقونة معهد المعلمين العالي و"شوقي " و"حادث الإفك" تنهض من ركام التناقضات غير الأساسية بين فكر المجتمع لدينا وأسس فكر الحزب الشيوعي السوداني،الذي هرب منه عبد الله علي إبراهيم في 1978 م وهرب منه الخاتم عدلان في 1993 ، دون أن يقوما بالتغيير من الداخل !. (6) لقد خاض " الحزب الشيوعي " صراعاً في الستينات وتزلزلت القيم الدستورية والقانونية حين تم حلّ الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان ، وانتفض كثيرون من المنتمين إليه بضرورة إعادة النظر في الأساس الفكري ، على ضوء الوقائع على الأرض وليس لمكر الأحزاب التقليدية إلا إشعال فتيل الأزمة ، وهو أساس فكري لتناقض الرؤية الفكرية حول أسبقية الوعي على المادة أو العكس . وأن الحزب إن لم يتنازل عن التأسيس الفكري المغاير فلن يجد له أرضاً للممارسة السياسية ، بل لمؤسسة فكرية خارج الصراع السياسي المعقد في المجتمع الذي يرغب الحزب الشيوعي و جميع الذين يعتقدون بأن الوعي نتاج للمادة ، والاستثناء في ذلك هو الخروج من المطب " بالكذب " أو بطلاق الفكرة وبترها من أجندة الحزب الشيوعي ، وإعادة هيكلة اسم الحزب ومحتواه . (7) إن الأحزاب التي يقف فكرها بعيداً يحلّق في سماوات المجتمع ، هي السبب الرئيس من جعل قادته كهولا ، يتخفون من كهف إلى آخر ، يهجرون الحياة الاجتماعية الطبيعية ، والذين أصفهم بـتماثيل ( الشهداء الأحياء ) : " محمد إبراهيم نقد " و " التجاني الطيب " و " سليمان حامد " وثلة من الذين قضوا حياتهم في أديرة الحزب والتشرد والاختفاء ، ولم يتمكنوا منذ أربعينات القرن الماضي إلا أن يخسروا أرضيتهم الجماهيرية صبح كل يوم جديد . (8) لم يتم إنجاز متقدم في فهم " تسونامي " حل الحزب الشيوعي في ستينات القرن الماضي .وحين نادى " عبد الخالق محجوب " بضرورة دراسة الدين وأثره في المجتمع ، ودراسة جدوى وجود حزب شيوعي في بيئة وتربة غير مؤهلة ، وكنت أرى فكرته صائبة بدراسة التعقيد الاجتماعي والديني والعرقي والثقافي في المجتمع السوداني ، وأن الحراك السياسي لم يتم تأسيس فكره أو بلورة رؤيا متقدمة له في تجانس الفكر الفلسفي والفكر السياسي . رفض حزبه في ذلك الزمان الفكرة بدعوى حاجة الحزب إليه في ميدان أهم وأخطر ، رغم أن البنية التحتية للفكر أراها أهم من الكسب السياسي المؤقت ، والذي جاءت نتائجه التاريخية تراجعاً ، وانقساماً . وخاض الحزب معارك الكسب السياسي ، وترك أمر الفكر ، حتى تجد شباب المنتمين للحزب في الجامعات ينهزمون عند أول رد فعل للعبارة المحببة من الإسلاميين ( تحدث ماركس عن الدين وعن أفيون الشعوب ) !!، وتلك هي " أزمة الفكر في قمة هرمها " . في زمن كان الحزب من مؤسسي الحداثة . (9) لقد وصل السعي للكسب السياسي إلى قمته ، حين أخفى سكرتير الحزب الشيوعي " عبد الخالق محجوب" معرفته أمر انقلاب 19 يوليو 1971 ، وجاء هوى الشيوعيين العسكريين ( البلانكيين ) أي الذين يؤمنون بأن التغيير يأتي من أعلى هرم السلطة ، وهذا مسلك طبيعي لمن يرى الكسب السياسي هو الإستراتيجية ، وأن أمر الفكر هو همّ ثانوي ، وأرى ذاك المنهاج هو الذي أقعد الحزب ولم تزل أزمته إلى اليوم تمسك بخناق الحادبين عليه ، في حين هرب من ذلك الواجب ( بروفيسور عبد الله ) و( دكتور الخاتم )!!. (10) قرأت نص " الاشتراكية العلمية " ، وهو مصطلح يتعين إعادة النظر فيه ، فالفكرة الفلسفية ليست قابلة لهذا القطع " بالعلمية " ، وأراها محاولة ماكرة لإضفاء صفة العلمية على الرؤى الفلسفية . (11) وماذا تفعل شهرزاد عند الصباح ؟
* ( الشكر الجزيل للحبيب المنصور على النقل من مدونة سودانايل ، والشكر موصول لصديقنا بروفيسور عبد الله ، وربما نواصل بعد الاستذكار )
*
|
Post: #38
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-11-2011, 09:44 AM
Parent: #37
http://sudaneseonline.com/forum/viewtopic.php?t=1207&high...aaa26eea4dabb4e51176
ملفنا في مدونة : سودان فور أول
شوقي و معهد المعلمين ( 1965م ) و شفرة إطلاق العُنف الديني
كان جدي لوالدتي قد درس بمعهد أم درمان العلمي كطالب غير منتظم بسبب كبر سنه في الخمسينات ، وظل يُلاحق علوم العربية والدين الإسلامي على مناهج الأزهر . تعودت أراه يتلقى دروسه ، ويُعلم ، لم يقعده سوى ضعف النظر حتى رحيله في سبعينات القرن الماضي . كان حُجة يأتيه العامة والخاصة يسألون ما غمض عليهم من أمور دينهم من الفقه وغيره . دخل مسجد الشيخ حمد النيل ذات جمعة من بعد ندوة معهد المعلمين العالي وتداعياتها بأيام . بعد الصلاة وقف رافعاً صوته لأول مرة للجمع طالباً الانتظار .وقف أمام الجمع وبدأ سرد حادث الإفك بوهج الدين ، يُطعم السرد بآي من الذكر الحكيم ومن أسانيد السنة النبوية ، والرواية الدينية. يحكي بأريج السرد وحِلي الخطابة الباسقة فسرق البُكاء من الأعين . بعد الخُطبة المؤثرة ، كفكف الشيخ أدمعه وغادر لمنزله . من بعد الخطبة العصماء انطلق جمع غفير من المُصلين في تظاهرة من المسجد المُطل على شارع الأربعين إلى سوق أم درمان !.
مؤشرات : 1/ لا يشبه الماضي الحاضر ، ولكن القضايا العالقة منذ الماضي بدون حل ستظل تنتظر . لم تأخذ مُداخلة الطالب السابق بمعهد المعلمين (شوقي محمد علي ) نصيبها الذي تستحق من الدراسة . وتقصي رحلة الرأي من على منبرٍ عام ثم تداعي الأحداث ، من مكرٍ سياسي يحسبه البعض للقضاء على الحزب الشيوعي في ذلك الزمان ، أم هي دُنيا تمتلئ بالأعاجيب والغرائب . نحن نعلم جميعاً من ولغ هذا المستنقع وأمسك بأدواته وأدارها لمصلحته ، ونعلم أيضاً من وجد من الحدث خدمة لأغراضه ، ونعلم من سار في الدرب على غير هُدى ، و نعلم من وجد ضالته في القضاء على حزب مُنافس كان له دوراً كبير الشأن في ذلك الزمان ، اختلفنا نحن مع ذاك الحزب أم اتفقنا ، وغرز المدية في صدره . 2/ كتب الدكتور عبد الله علي إبراهيم عن تلك الفترة وفق رؤاه في مقال له بصحيفة سودانايل السماوية ، وبين أن لسكرتير الحزب السيد عبد الخالق محجوب رأي هو أن يقوم الحزب بدراسة مُستفيضة للحدث وللدين ولثقل العقيدة في وجدان من أخذتهم لوثة العنف ضد الحزب الشيوعي ، وأن الأمر يحتاج لدراسة الدين وبالتفصيل، بغض النظر عن وعي من ألبوا العامة أو من أطلقوا الفتوة ، وتخيروا حزباً بعينه ليكون كبشاً للفداء . وذكر الدكتور عبد الله أن سكرتير الحزب قد رأى أن يتفرغ لتلك الدراسة ، لكن كان للحزب رأياً من أنه في حاجة له في مهام أخرى . 3/ كتب الدكتور الخاتم عدلان مقالاً عاتباً لما رآه في مقال الدكتور عبد الله على إبراهيم من وصف لأسلمة مُبطنة لنظرة عبد الخالق محجوب لتلك المسألة ، والمقال موجود في المنتدى العام لسوادنيزأونلاين ، وخلاف عبد الله والخاتم أو اتفاقهما لن يُنسينا أن الأمر برمته في حاجة لدراسة مستفيضة لم تزل تنتظر !. 5/ نتلمس جهد المُتابعين لرفد هذا المقال بتلك الكتابات أو ما نُشر من أدبيات الحزب ، حتى لا يُصبح حديثي هُنا نقلاً فلكلورياً ، يُخل بأدب النقل و طرائق الاستشهاد . فقد حاولت انتـزاع ما أراه اللُب من المقالين ، وقد حصلت على لقاء أجرته صحيفة السوداني الدولية مع السيد / شوقي محمد علي ، صاحب الشُهرة التاريخية ، بعد أكثر من أربعين عاماً من الصمت المُطبق ، وقد نقلته سودانيزأونلاين ، يجد المتتبع وصله في نهاية المقال . 6/ أعلم أن لكل من الدكتور عبد الله علي إبراهيم والدكتور الخاتم عدلان وللسيد شوقي محمد علي رؤاه حول الحياة والسياسة والفكر ، وربما يكون لتلك الرؤى كثير أثر فيما تفضلوا جميعاً ببثه للإعلام ، رأياً كان أم غيره. ربما كان لشوقي حديث قصير في قصة حادث الإفك الدينية والتاريخية ، لا ترقى لكتابة الدكتور صادق جلال العظم في نقد الفكر الديني أو لرواية آيات شيطانية للكاتب سلمان رُشدي أو لكافة ما نُشر من كتب وأسفار أو رسوم أيقظت من بيده مفتاح شفرة ( الفتوى ) عنفاً دينياً عمّ كل أرجاء المعمورة . منهم من مات في تلك المعارك والتظاهرات وهو لم يقرأ ، بل ولا يعرف حتى القراءة !!. استشرى في صدور العامة لهباً وحدث ما حدث ! . 7/ إنني لست بصدد استدعاء ملفات التاريخ لنؤرخ للحدث ، أو لرصد ما كُتب وتجميعه ، بقدر ما أرى أن الأمر لم يجد حقه من الدراسة ، وأرى أيضاً أن لأصحاب علوم النفس البشرية رأي فخيم حول مسألة الشفرة التي أطلقت كل هذا العنف الذي هز أركان حزب عريق ، ووصمته بالكُفر الصراح ، وحاول أعداؤه التاريخيين ولم يتوقف سعيهم في كل سانحة لقتله أو لتجفيف عضويته على أقل تقدير . وبما أن أمر المسألة الدينية ودراستها لم يزل مُعلقاً ينتظر و لم يرد الأمر وفق ما نبتغي لا في الأدبيات ولا في الدراسات ، بل انصب جُلّ الأمر على المكر والمكيدة السياسية ، وخرق الدستور في ظل مُجتمع رعوي لا تضبطه القوانين ، ولا يعرف من الدساتير والنظم الديمقراطية إلا اسمها ! . لم يزل الأمر وفق ما أرى ينتظر الدراسة ، من ذاك الحزب الذي مسه الضرر التاريخي ، بل و من كل الذين يتلمسون للإنسان حقوقاً ، يتعين نُصرتها ليس بالمقاومة السياسية وحدها ، بل بالمقاومة الفكرية وما تُؤسسه من كشف وتعرية أحابيل مؤسسة الجهل النشط ، وما تُمسك به من مفاتيح وشفرات العنف الديني لدى العامة . 8/ ورد على هذا الرباط في سودانيزأونلاين و المنقول عن صحيفة السوداني الدولية مقابلة تمت مع السيد/ شوقي محمد علي والتي أورد فيها أنه لم يكن ينتمي للحزب الشيوعي عندما أقيمت ندوة معهد المعلمين العالي ذائعة الصيت ، ثم حكى بعضاً عن انتماءاته للحزب الشيوعي القيادة الثورية الذي انفصل عن الحزب الشيوعي السوداني في الستينات ، ثم انتمائه الأخير للحركة الشعبية :
عبد الله الشقليني 01/11/2006 م ______________________
الفتوى : مفتاح العاصفة الدينية
الفتوى ومصادرها في الذكر الحكيم :
1/ {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً }النساء127
2/ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }النساء176
3/ {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ }يوسف43
4/ {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ }النمل32
الفتوى في اللغة :
: أًفتى في المسألة : أَبان الحُكم فيها تَفاتَى : اتَّخذ سبيل الفتوَّة استَفتاهُ : سأله رأيه في مسألةٍ الفتوى : الجواب عما يُشكِلُ من المسائل الشرعية أو القانونية . فَتاو ، و فتاوَى ، ودار الفتوى : مكان الفتوى . الفُتْيَا : الفَتوى المُفتي : مَنْ يتصدى للفتوى بين الناس . والمُفتي : فقيه تُعينه الدولة ليجيب عما يشكل من المسائل الشرعية .
موضوعات للنظر :
1. تغلغل العقيدة كمحبة في وجدان العامة ، وأسس تثبيتها في الأنفُس .
2. صمدية المعتقدات ، وإبهامها في الأذهان .
3. عدم قابلية المعتقدات على التشكيك أو التغيير ، بل تظل ثابتة لقداستها .
4. هُلامية العقيدة في أذهان العامة ، والاعتقاد بأن تفاصيل العقيدة لا يُدركها العامة ( تحتاج دراسة من مُختصين ) حسب ما يرى العامة .
5. دخول الرسول رحابة القداسة ، رغم ورود النص القُرآني :
أ ـ { َقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً{7} أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَّسْحُوراً{8} انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً{9} تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً{10}: سورة الفرقان . ب ـ {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ }آل عمران144
6. دخول الصحابة رحابة القداسة ، وكذلك التابعين ، ومن بعدهم الناقلين عنهم .
7. مُدرسي العلوم الدينية في الأرياف منذ تاريخ طويل ، وما ارتبط تدريسهم بالعلاج الشعبي والإفتاء ، وصعودهم منصة التقديس عند العامة ، واختلاط ذلك بالطب الشعبي ، وتنظيم حياة المجتمع منذ تاريخ قديم .
عبد الله الشقليني 04/11/2006 م
*
|
Post: #39
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-11-2011, 09:50 AM
Parent: #38
استجابة لرغبة nuba
.
|
Post: #40
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: عبداللطيف حسن علي
Date: 02-11-2011, 09:54 AM
Parent: #38
شكرا يامنصور علي طلتك بهناك ، كنت انوي مداخلة
دعولة بس لم اوفق ، وحاجيك لاحقا يادفعة
|
Post: #41
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: بهاء بكري
Date: 02-11-2011, 10:06 AM
Parent: #38
Quote: وأبدأ بأن هناك إختلال أعتبره جوهريا في نقاش أفكار عبد الله على إبراهيم، هو غياب الرجل نفسه عن ساحة الحوار. وهو غياب بغير حجة على ما أعتقد، لأن عبد الله، حسب ما ذكر في هذه المحاضرة وفي مواضع غيرها، مطلع على ما يدور في الإنترنت، وخاصة حول أفكاره وآرائه، وقد شاء مرة أن يرد عليها بصورة غير مباشرة في موضع غير موضعها. غياب عبد الله عن المحاورة يشعر بعض المشاركين فيها أنهم ربما يخرقون قواعد « الفروسية الفكرية» إذ ينازلون رجلا لا ينافح عن نفسه بما يملك من العدة والعتاد، بل ربما يشعر آخرون بأنه ألقى سلاحه وهرب من ميدان المعركة كليا. وهذا الغياب نفسه هو الذي دفع آخرين، لا يتفقون تماما مع عبد الله، إلى تبني قضيته، وربما بحماس أكثر من حماس صاحبها نفسه، وهذا يجلب التشويش أكثر مما يحقق الوضوح الذي هو بغية الجميع. وقد وصفت نصوصه بأوصاف ربما توحي إلى البعض بأنهم غير مؤهلين بصورة ما لمناقشتها، وتحت مثل هذه الأوصاف ترقد أنواع من المجاملة أو الغفلة، بل حتى المبالغة والتخويف، لا يبررها لعبد الله، ماضيه أو حاضره.
من أجل تلافي هذا الخلل الذي أشرت إليه أرجو أن نوجه الدعوة لعبد الله أن يشارك في التوضيح والشرح والرد، والدفاع، عما طرحه هنا من آراء، حتى نصل إلى نتيجة ما، بضمير مرتاح وشعور وافر باللياقة الفكرية.
|
شكرا منصور وعادل
|
Post: #42
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: Abdel Aati
Date: 02-11-2011, 10:24 AM
Parent: #33
اخونا الجميل منصور المفتاح ..
لم يكن إتياني بمقالات الراحل العظيم الخاتم عدلان في نقد بعض آراء عبد الله علي ابراهيم من باب الاعتباط ؛ أو من باب الشيء بالشيء يُذكر؛ ولا من باب الرد على عبد الله بمقالات الخاتم. فذلك كان مقام وهنا مقام آخر . ولكن من باب تبيان الاختلاف بين معدن الرجلين وتوجهاتهما ومنهجهما . فالخاتم عدلان لم يكن ينتقد الاموات من الناس؛ بل كان ينتقد الاحياء منهم ؛ وقد فعل في نقده للانقاذ والترابي والصادق والميرغني وعبد الله علي ابراهيم والحركة الشعبية الخ . لم نره ينقد ميتاً قط ؛ وانما كان يرثيهم . وليس ذلك لموقف تقليدي من نوع ((أذكروا محاسن موتاكم)) ؛ وانما لموقف اخلاقي يكمن في معرفة ان الميت ليست له القدرة على الرد ؛ فشتان ما بين ينتقد الاحياء ثم لا نجد لهم عليه ردا؛ ومن يرد على الاموات وقت ان عجز عن الرد عليهم أحياء .
والموقف الاخلاقي عندنا أهم من الموقف السياسي او الفكري. الا ترى كيف انتقدنا حركة حق والاستاذ محمد سليمان (على ما هما في القلب والعقل ) عندما شعرنا ان هناك اهتزازا في الموقف الاخلاقي لهما من قضية بعينها (التحالف او التعاون مع الترابي) . الا ترى للخاتم لا يكتب عن الراحلين الا حسنا ؟؟ فعل ذلك عند موت عمر نور الدائم وسليمان ميلاد وغيرهم كثير . ولو مات عبد الله علي ابراهيم قبله لكتب فيه رثاءا جميلا ؛ لا نقدا لوثيقة كتبها ىقبل عشرين عاما ؛ لذلك قلنا لك شتان وشتان وشتان .
عند عبد الله علي ابراهيم - مثل كل متأكدم- فأن المرجعية له هي الكتب والاضابير ؛ لا الناس والحياة .. وعند الخاتم عدلان فان المرجعية الاولى هي احتياجات الناس وهي حكم الضمير . نرى اعلاه في مقارنة بسيطة بين نمطي الكتابة ال ع ع ابراهيمية والخاتمية ( اذا جاز التعبير) الفرق ساطعا : فعبد الله علي ابراهيم يلبس مسوح الباحثين ليثبت هرطقات ماركس ولينين اللاعلمية (في الظاهر) وهو في الباطن يريد تصفية الحساب مع الخاتم؛ متعللا بكتب ولائكاً لشعارات بالية . بينما الخاتم لا يدعي ولا يتعنظز ولا يحيلنا للمراجع في المكتبات وانما يقول ما يراه بوضوح وصدق؛ ولا يدعي حيادية كاذبة لا تكون وانما يضرب نفسه كمثال ويذهب لمواقف عبد الله المترددة والمتناقضة فينقدها بصدق ووضوح ؛ وكأن لسان حاله يقول ( لا خائفا ان صوتي مشنقة للطغاة جميعا ولا نادما ان روحي مثقلة بالغضب ) .
ولقد انتبه الخاتم بما فيه من عبقرية ومن وضوح لهذه النقطة حين كتب ((وأبدأ بأن هناك إختلال أعتبره جوهريا في نقاش أفكار عبد الله على إبراهيم، هو غياب الرجل نفسه عن ساحة الحوار. وهو غياب بغير حجة على ما أعتقد، لأن عبد الله، حسب ما ذكر في هذه المحاضرة وفي مواضع غيرها، مطلع على ما يدور في الإنترنت، وخاصة حول أفكاره وآرائه، وقد شاء مرة أن يرد عليها بصورة غير مباشرة في موضع غير موضعها. غياب عبد الله عن المحاورة يشعر بعض المشاركين فيها أنهم ربما يخرقون قواعد « الفروسية الفكرية» إذ ينازلون رجلا لا ينافح عن نفسه بما يملك من العدة والعتاد، بل ربما يشعر آخرون بأنه ألقى سلاحه وهرب من ميدان المعركة كليا. وهذا الغياب نفسه هو الذي دفع آخرين، لا يتفقون تماما مع عبد الله، إلى تبني قضيته، وربما بحماس أكثر من حماس صاحبها نفسه، وهذا يجلب التشويش أكثر مما يحقق الوضوح الذي هو بغية الجميع. وقد وصفت نصوصه بأوصاف ربما توحي إلى البعض بأنهم غير مؤهلين بصورة ما لمناقشتها، وتحت مثل هذه الأوصاف ترقد أنواع من المجاملة أو الغفلة، بل حتى المبالغة والتخويف، لا يبررها لعبد الله، ماضيه أو حاضره. ))
ولقد كان الخاتم فارسا من فرسان النزال الفكري؛ وما كان يتهرب من الحوار والصراع قط ؛ وكان انسانا حرا يصح فيه قول الاستاذ محمود ( الانسان الحر يفكر كما يريد ويقول ما يفكر ويفعل ما يقول ؛ ثم لا يكون من ذلك الا الخير ) . لكن بعض فرسان هذا الزمان يهربون من النزال عندما توجه اليهم الدعوة لخوضه؛ ثم يعودون له كيما يواجهون خصما ميتاً .
فشتان وشتان وشتان .
|
Post: #43
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: بهاء بكري
Date: 02-11-2011, 10:35 AM
Parent: #42
سلام ياعادل ايضا استنطق الدكتور عبدالله علي ابراهيم البروف محمد عمر بشير من قبرة ليبرر التحاقة بالسلطة
|
Post: #47
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: Abdel Aati
Date: 02-11-2011, 11:12 AM
Parent: #43
سلام يا بهاء :
Quote: ايضا استنطق الدكتور عبدالله علي ابراهيم البروف محمد عمر بشير من قبرة ليبرر التحاقة بالسلطة |
هذا هو ديدن عبد الله علي ابراهيم : * يقول عبد الخالق محجوب ما لم يقله دفاعا عن تصالحاته مع الفكر السلفي ومواقف الترابي * يستنطق لبروف محمد عمر بشير من قبرة ليبرر التحاقة بالسلطة * يرد على الخاتم بعد عشرين عاما ليعيد تسويق اوهامه القديمة ولينال من الخاتم الذي عجز عن منازلته حيا .
بشرى له فقد كسب خصوما جددا .
|
Post: #44
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: mohmmed said ahmed
Date: 02-11-2011, 10:41 AM
Parent: #42
عندما كتب الخاتم مقاله ونشر فى صحيفة الاضواء كان رد فعل عبد الله غريبا لم يقم بالرد قال انه سسيقاضى الصحيفة ورفض اجراء حوار مع صحفى يعمل بالاضواء بسبب غضبه على نشر الصحيفة لمقال الخاتم
وبعد 6 سنوات على رحيل الخاتم يرد كعادته عبد الله يرفع راية ويحارب معركته لاجندة راية اخرى
|
Post: #46
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: Abdel Aati
Date: 02-11-2011, 11:08 AM
Parent: #44
محمد سيد احمد سلامات
Quote: عندما كتب الخاتم مقاله ونشر فى صحيفة الاضواء كان رد فعل عبد الله غريبا لم يقم بالرد قال انه سسيقاضى الصحيفة ورفض اجراء حوار مع صحفى يعمل بالاضواء بسبب غضبه على نشر الصحيفة لمقال الخاتم
|
لووول ؛ وموبااااااااااااااالغة عديل
هو كتب ما كتب عن منصور خالد وعن غيره وما عايز زول يكتب عنو ؟ هل البديل عن الحوار هو مقاضاة الصحيفة ؟؟
اها انا حاشوف لي صحيفة انشر فيها ردي عليهو نشوفو كمان حيفتح عليها قضية
ما ابخس ذلك كله !
|
Post: #45
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: Abdel Aati
Date: 02-11-2011, 10:50 AM
Parent: #42
سنعود ؛ يا استاذي منصور المفتاح ؛ لكتابة ع ع ابراهيم البائسة والمتناقضة اعلاه لننقدها فقرة فقرة وكلمة كلمة .. وأقول بائسة لأنها تريد ان تدافع عن اكذوبة ملأت العالم دما وجماجما؛ ولأنها تريد علمنة وهم لا يستطيع عبد الله علي ابراهيم الخروج من اساره ؛ وتبناه - كما ماركس - على صباه؛ ولا يستطيع ان يتحرر من اساره على شيخوخته؛ وكأنه لم يقرأ قول بولس الرسول (( لَمَّا كُنْتُ طِفْلاً كَطِفْلٍ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ وَكَطِفْلٍ كُنْتُ أَفْطَنُ وَكَطِفْلٍ كُنْتُ أَفْتَكِرُ. وَلَكِنْ لَمَّا صِرْتُ رَجُلاً أَبْطَلْتُ مَا لِلطِّفْلِ.)) - وهو لذلك لا يستطيع ان يفهم من قعوا قلوبهم مزقا على مذبح الفكر ومن ابطلوا ما للطفل (على ما في احلام الطفل من جمال ومن خيال) من أمثال الخاتم وغير الخاتم. وأقول متناقضة لأنه يريد ان يدافع عن الماركسية (هكذا وحاف وفي كلياتها) في نفس الوقت الذي يزعم فيه بوجود ماركسيات عدة؛ دون ان يحدد لأي واحدة منها يدعونا وأي واحدة منها يتبناها؛ ولن يستطع لأن الأصل واحد وان تعددت الفروع.
سنعود لنرد على ع ع ابراهيم؛ ووعد الحر دين عليه. ليس دفاعا عن الخاتم وانما دفاعا عن الحقيقة. وليس انتماءا لتقليد - كما يفعل عبد الله الماركسي ويعنعن لنا عن شيوخه الماركسيبين -؛ وانما تجديدا وعنعنة عن الواقع الحي الذي لا يموت . ذلك ان الواقع اخضر وشجرة الحياة خضراء ؛ بينما النظرية رمادية كما قال جوته وليس أحد شيوخ الماركسيين كما يزعمون؛ وقيل ايضا ان النظرية تصبح سوداء كالموت مرات؛ وحمراء كالدم؛ عندما تكون شمولية وعندما يكون فيها ما يؤدي من بعد لموت الشعوب.
سنرد على كل هذا ؛ رغم انم ادواتنا الفكرية ليست كأدوات الخاتم؛ ورغم ان الخاتم كان سيرد بشكل أفضل بما لا يُقاس . وفي ردنا لن نحصر انفسنا في مقالة عبد الله اعلاه ولا في كتيب الخاتم المذكور اعلاه ؛ كما تطلب يا عزيزي المفتاح ؛ فما نحن باكاديميين ولا نحن في فصل دراسي ؛ حتى نتقيد بمسوح العلماء المزعومين؛ ونحصر انفسنا في مجادلات نظرية شكلية ؛ وانما هذه اشياء تتعلق بحيوات البشر ؛ ويجب مواجهتها في كلياتها. وسنستخدم نفس المنهج الذي كان يستخدمه الخاتم في كتاباته؛ اي ربط قضايا الفكر بقضايا الحياة؛ وربط الموقف الفكري بالسياسي والبحث عن المصداقية الاخلاقية والتماسك وتطابق القول والفعل؛ وسيظهر ع ع ابراهيم خاسرا كبيرا من بعد ؛ وسيتمنى لو لم يكن قد كتب ما كتب..
ول ع ع ابراهيم من بعد ان يرد علينا او ينتظر موتنا حتى يكتب بعد عشرين عاما منه . ولكن في حياتنا لن ندع للتزييف من سبيل ؛ ولن ندع الفيرسات العقلية التي ينشرها امثال عبد الله علي ابراهيم ان تنتشر وسط الشباب والجيل الجديد؛ لأنه يكفي تماما ما احدثته من دمار في الاجيال السابقة ؛ من امثال عبد الله وامثاله؛ حتى جعلتهم على ما هم عليه من الضعف والتناقض والاهتزاز الذي لا يقود للافضل كما نظرية الجدل؛ وانما للأسؤا في كل صبح جديد.
|
Post: #48
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: Abdel Aati
Date: 02-11-2011, 11:26 AM
Parent: #45
كتب الاخ محمد سيد أحمد
Quote: انا اتمثل مقولة على كرم الله وجهه واعرف الرجال بالحق ولا اعرف الحق بالرجال
وعندما احكم بين الخاتم وعبد الله تهمنى المواقف وليس اداعاءت التمسك بنظريات ماركس او غيره
يهمنى الموقف من الديمقراطية الموقف من استيلاء عسكر على السلطة الموقف من السلطان
من الذى ارتجف وخنع وبايع
ومن الذى مات مناضلا فى المنفى |
الاخ محمد سيد أحمد شيوعي - والخاتم تخلى عن الشيوعيىة الاخ محمد سيد أحمد ربما كان ماركسيا - والخاتم قد انتقد الماركسية
ولكن محمد سيد أحمد مع ذلك يحترم الخاتم لأنه يحترم الاستقامة والصدق مع النفس ؛ وليس ادعاءات من كل يوم هم في شأن من التناقض وتقلب المواقف ذات اليمين وذات اليمين المتلفح باليسار
|
Post: #49
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 02-11-2011, 11:01 PM
Parent: #48
الأخ منصور عبدالله المفتاح تحية طيبة وبعد أنا لا أملك ما يدخلني على بيت بكري أبوبكر وإن كنت من المتابعين بإنتظام وشدني ما تفرع عنه وضعك لنقد د.عبدالله على إبراهيم لكتاب الخاتم عدلان في المنبر، أنا شخصياً من المهتمين بمساهمات دكتور عبدالله على إبراهيم وجهده في الشأن العام السوداني لكن يبدو لي إن لوثة تغشانا نحن السودانيين قد أطبقت على الدكتور بمثلما حدث للكثيرين منا! فأراه كأمنا هاجر ما بين صفا الماركسية و مروة العروبة المتأسلمة. حتماً أنا بصدد قراءة متأنية لنقد د.عبدالله لكتاب الخاتم، على الأقل لمحاولة إستيعاب العقل السوداني "الإستناري!!". مرفق مقال كنت قد كتبته قبل أيام وتركته جانباً تقديراً لهبة شباب السودان، أرى أنه قد يفيد في هذا النقاش الدائر ولعل د.عبد الله يوضح لنا ما خفي عنا..! لعلّ! د.عوض محمد أحمد لندن في 11/02/2011م
د.عبدالله على إبراهيم! هل هي معارك الصفوة أم مخاضٌ للجديد المثير؟ تقديم، الكتابة عن الدكتور عبدالله على إبراهيم تدخل من لا يود! في متاهات قد يكون هو في غنى عنها، ولكن ليس مما لابد منه! من حرجٍ. بالرغم من أنه يحق لنا أن نضع كتابات الدكتور في ميزان العارف بأمور بلده والساعي لصلاحه!، غير أنه نهج في الفترة الأخيرة، ولنكون أكثر مصداقية، منذ سعيه ذاك للترشيح لمنصب كبير البلد! والدكتور غارقٌ في معارك مع كل من يخطو بلطف نحو جنوب السودان وكأنا جنوب السودان قد أختزله الدكتور فيما يعافه ويثير إشمئزازه! نعني الدكتور الآخر منصور خالد!!. صوب دكتور عبدالله سهامه نحو الحركة الشعبية ككل وحملها ما حملها! ونحسب ذلك في باب الدعوة لصلاح الحال وليس من باب الدعابة أو الدعاية السياسية، وحمل على مرشحها ياسر عرمان ونحسب ذلك أيضاً في باب السعي لأن يمهد طريقه لذاك المنصب المحسوم سلفاً من عند قضاه لاهاي وهم لا يصوتون. وقد تكون تلك الغصة التي فرقت بين قاطني بلاد العم سام " بحسب ما كان ودون الدخول في ملاسنات حول ما كان لهذا أو ذاك من عمل! " تلك الغصة هي ما جعلت النار تستعر بين الدكتورين ولعل "وبعض الظن أثمٌ" لعل الدكتور منصور له يدٌ في موقف الحركة الشعبية من ترشيح دكتور عبدالله لذاك المنصب وبروز عرمان مرشحاً لها!!. قد نجد العذر لهذا أو ذاك وإن نفوا أن يكون هذا طبعهم، وكلا الدكتورين ينهل من هذا الفيض العروبي الذي أغرقنا وأضاع منا ثلث بلادنا، وإن كنا لا ندري أين سيغمد الدكتور منصور سيوفه العربية! إلا أن دكتور عبد الله كأن به قد عنى له مغادرة الجنوب أن الوقت قد حان للإستعراب والتغني بنسلنا البدوي!!. في عقلنا الهائم بين عروبةٍ وأفرقةٍ " ونحن هنا نحمل على ظهورنا بساطة أهل السودان ( طيب خلقهم أو سذاجتهم لا يفرق!) " نتوجس من أن هذا التغني! يوقع الدكتور عبدالله في أتون الحلف الإسلاموي بمعية عُراباه حمدي وخال الريس!! وقد لا يكون هذا مبتغى الدكتور عبدالله! لكن عليه أن يأخذنا على قدر عقولنا !!!. معارك الصفوة، فتح دكتور عبدالله نيرانه على قبائل اليسار وفي ذهنه قربها من الحركة الشعبية تلك التي تأوي ذاك المنصور لهم! والمكسور!! لدى الدكتور عبدالله!. وإن كانت إنطلاقته دوماً تتكئ على جنسنا المفارق وثقافتنا المغايرة لأهل الجنوب في عرفه!!، وكأنا به قد وحد صحارى السودان بعد أن لفظت غاباتها!. وهو يعلم بأكثر مما لنا! بأن ما تبقى من هذا المسخ الممزق لا يشكل بوادي قفراً يمكن أن نسوق فيها نوقنا!، فهناك أرض الجبل! التي يقطنها أناسٌ أن رأوا الجمل العربي لإلتمسوا ملجأً!! خوفاً من تشدق لسانٍ وحمية إستعرابية تعامل البشر كالدواب!، وجبال السودان كثرً، من أقصى غربنا في جبل مره ومروراً بجبال النوبة والأنقسنا ووصولاً لجبال الساحل البجاوية، وهناك نيلٌ لم يعهده عرباً عاربة أو مستعربة في مواطنهم الغابرة!، ومن سكانه من يعجز لسانه نطق الحرف العربي ويستسهل النهج الروحي!!. و لم يرتكن الدكتور لصحرائه فقط بل عكف على إستدعاء رموز اليسار لمناطحة من لا يروق له فعله من قبائل اليسار الواردة نبع السياسة السودانية!!، فهو دوماً في إستحضار معلمه "عبدالخالق محجوب" الذي ترك الدكتور داره وما زال يشدو بأيام مضت لم ينسى ذكراها!، ويستحضر آخرين مازالوا في "بيت راشد" وكأنا به في محاولة لإشعال نيران فتنةٍ قد خبئت!!. في هذه المرة وجه الدكتور عبدالله سهامه نحو دكتور آخر! هو دكتور الشفيع خضر!! الذي خرق في عرفه جداراً يجب أن يظل صلداً لا تقربه العرب عاربة أم مستعربة! وهو التقرب لذاك "المسخ الجنوبي" الذي لا هم له سوى تحطيم دارنا أو ما تبقى من دارنا التي إقتطعتها لنا هذه الإنقاذ المستعربة إسلامياً!!. وفي سانحةٍ أخرى توجه نحو الحاج وراق نافراً مما يكتب لا لشئ سوى توددٌ أحسه منه تجاه أهل الجنوب وحركتهم الشعبية مما بعث ضجره و إشمئزازه!!، وكأنا بغثاء خال الريس يجلب الطمأنينة والنوم في مهاجع الدكتور وبوادي السودان التي إفترضوا أن "إنقطعت فيها الأضان الزرقا"، ويا لبياض وجوه العرب المستعربة المتأسلمة في هذا السود.. آن!!. ما الذي يدعونا له الدكتور عبدالله! هل دعوة لأن نجمع ونصطف في مقابل الجنوب لأنه جنوب؟، وهل كان الدكتور يتوقع أن يفوز في إنتخابات رئاسية ليحكم بلاد السودان التي كانت! وهو يضمر ما يضمر لكل من يقطن ذاك المكان القابع في ذيل البلاد جغرافياً، عرقياً ومعاشياً!!؟، وهل الدكتور عبدالله "العارف بالسودان قديمه وحديثه" كان يخامره أدنى آمل في أن يحكم السودان بقبضة إسلاموية عروبية!؟. وأن كان هو كذلك! فما هو ذاك الذي يحمله من بغضٍ تجاه المؤتمر الوطني وسيادة المشير البشير! حتى يواجهه في معركة المعارك التي حتى في جزئيتها تلك لم يسمح له أهل المؤتمر الوطني أن يكمل فصولها المعدة سلفاً!!. دعوة للجديد المثير، دكتور الشفيع خضر وأستاذ الحاج وراق حين يخاطبون أهل الجنوب هم حتماً يخاطبونهم من موقعٍ تركه الدكتور عبدالله ولا أظن بأنه نادم على ذلك!، فعلام محاسبتهما بإسترجاع ماضٍ آفل في عرفه!!، أما إن كان كل ذاك من وحي عروبي إسلاموي! فهل يسمح لي الدكتور أن أضيف لهذا الوحي ما يخرج القارئ والمستمع من وحل الإنقاذ وزبانيتها!، وبخاصة هناك على الباب من يطرق قادماً من ذات الطريق!. أعني أن تكون دعوةً لعروبةٍ أسلامويةٍ أستناريةٍ!!، وأن جهد مفكروها في تواصل وشباب صحاري السودان، فأجزم " وأعوذ بجزم معزة المتكبر" بأن يكون لها موقعاً في خارطة السياسية السودانية! أو في هذا الفتق الذي خلفته لنا الإنقاذ!!. وفي سبيل عملٍ يتجاوز التنظير الذي كثر مبدعوه هذه الأيام! لما لا تكون هناك دعوة تشمل الدعاة جميعاً!. ومرة أخرى أجزم" على إستحياء" بأن لو تشارك الدكتور عبدالله من جانب العروبة الإسلاموية الحديثة! والأستاذ عبد العزيز الصاوي من جانب العروبة المستنيرة!! والصاوي قد يستطع أن يشد لنا الدكتور حيدر علي إبراهيم فهما في الإستنارة صنوان ولا بأس من تلاقح بين عروبة وماركسية يرى د.حيدر أنها لم تحط جناحيها على السودان!!!. إن توحدت هذه الملل في بوتقةِ توجه واحد! فنبصم بالعشرة!! إنهم لرابحون وحينها فعلى دكتور الشفيع خضر وأستاذ الحاج وراق أن يبحثوا لهم عن منافي في تلك الغابات التي غادرتنا بسبب عومل التعرية العروبية والإسلاموية ولربما نضيف لها الإستنارية!. ملحوظة: يا حسرة! شباب صحارى السودان " بدوان! العروبة المتأسلمة" لا يتمثلون خارج مثلث حمدي - خال الريس وحتى في هذا المثلث التعيس لا يستطيعون أن يقطعوا منه الأضان الزرقا!!. تحذير: الحذر ثم الحذر من خال الريس " شايل قرعتو ولافي" فهاهو يغازل الدكتور عبدالله!، ربما سعياً لتزاوج أصوليةٍ إسلاميةٍ وعروبة صحارى لم تكمل العدة بعد!!. خبر هام وإن لم يكن أكيد: يقال في مجالس الصفوة أن د.منصور خالد "ململماً أغراضه" قد قطع دابر التواصل مع المشير البشير! في زمانٍ مضى فعلها مع المشير نميري "وما تشوف عينك إلا النميري راح في حق الله!!". د.عوض محمد أحمد لندن في 04/02/2011م
|
Post: #50
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-12-2011, 07:25 PM
Parent: #49
.
|
Post: #51
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 02-13-2011, 00:22 AM
Parent: #50
أستاذى الحاضر دوما فى المشهد الثقافى أخى عبدالله الشقلينى السلام ورحمة الله عليك وما عدمناك أبدا وأنت دوما متقدما للصفوف ببذلك المتميز وأحسبك من الذين يقدمون معرفة للناس عبر هذا المنبر فى آنية من فضه\ تدنى بقطوفها للناس بلا من ولا لأ أذى الشكر لك ألافا ألاف ولك السلام.
منصور
|
Post: #52
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 02-13-2011, 00:40 AM
Parent: #51
الأخ عادل عبدالعاطى السلام والرحمه تشكر على كل التداخل وكل الطرح حتى تأتى بنفدك لما كتبه عبدالله عن كتاب الخاتم ليستقيم الحوار ويجرى نهر البوست فى مجراه المستقيم.
منصور
|
Post: #53
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-13-2011, 03:37 AM
Parent: #52
الأكرم : الأستاذ / منصور تحيات زاكيات لك ، و كذلك لأضيافك الأفاضل
حول توجيه الملف لكي تكون الثمرة أجود أرى أن ينتبه الأحباء الأفاضل أن يكون الملف حول ما ورد عن الماركسية في سِفر الخاتم ، ورأي عبد الله حول إفادة الخاتم حول " كارل ماركس " وهو المحور الأساس الذي يكون الحوار فيه أقيم ، فهنالك الكثيرون ينتظرون نوافذ الحوار الجاد والمثمر ، ولست أرى أن ملفات عبدالله الأخرى تُغني الملف ، بل أراها تذهب بعيداً ، وتترك أس الحوار ( حول ماركس ) ، هذا مع التأكيد على حرية الآخرين في كتابة ما يشاءون .
*
|
Post: #54
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: Mohamed Abdelgaleel
Date: 02-13-2011, 08:15 AM
Parent: #53
المنصور يا صديق الزمان الأول .. التحايا القلبية ليك وزوار خيطك اليحاول نقل المنبر من الظلمات إلى النور وقد حان أوان النور الأبلج وأمامنا تونس وميدان التحرير بقاهرة الظالمين وغيرهما من مدن تخمرت حتى لتكاد تفور.
لا بد من وقفة حول الموضوع الهام والشائك الذي انتخبته لإشعال حوار جدي في المنبر من خلال ما طرحه د. عبدالله علي إبراهيم مهوما بين الثقافات بلغة عالية لا يقلل من أهمية ذلك الانتقائية في اختيار المدارس الفكرية التي طرح خطوطها العامة في دراسته لتأتي على حساب موضوعية التناول وتحدد هدف الكاتب وتؤشر للنتائج التي قرر أن يوصل إليها القاريء منذ البداية.
سأتابع معكم وأرجو أن أتمكن من العودة بمداخلة أوفى.
كما أؤكد على فكرة الأخ عبدالله الشقليني
ن يكون الملف حول ما ورد عن الماركسية في سِفر الخاتم ، ورأي عبد الله حول إفادة الخاتم حول " كارل ماركس "
ليكون أفيد لو سمح الزملاء
|
Post: #55
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: بدر الدين احمد موسى
Date: 02-13-2011, 10:32 AM
Parent: #54
المفتاح
سلامات
وتحية للاستاذة: عبدالله الشقليني, ومحمد سيد احمد, وود الزين ,وعاصم فقيري.
حقيقة تشاغلت عن هذا البوست وقد راودتني نفسي كثيرا بالتداخل وقاومتها لكن انتصرت الامارة.
لا شك ان مقال د عبدالله ابراهيم مقال اكثر من وافي ولا اعتقد ان مواقف دكتور عبدالله تنقص من قيمة المقال المعرفية فله التحية.
انا التقيت المرحوم الخاتم عدلان مرة واحدة وقد كان حفزني المرحوم حسن عطية ان اذهب معه لحضور ندوة اقامها الخاتم من اجل حشد الشيوعيين والديمقراطيين خلف مبادرة الحزب للسلام في ثمانينيات القرن الماضي, وقد اخبرني بان المتحدث خطير جدا-وهو تعبير يكثر الزملاء استعماله للتعبير عن الاعجاب فيقولون قصة خطيرة وكتاب خطير وهكذا- وقد احبطت ايما احباط من ضعف الاعداد والتقديم للندوة! وخرجت مستاءا لانه في تقديري كان الافيد ان نفعل اي شئ اخر بدل حضور تلك الندوة! مرت الايام واتاني زميل صديق واخبرني بان هنالك ورقة خطيرة جدا تتداول بين عدد محدود جدا من الزملاء وقد كتبها الخاتم عدلان واني استطيع الاطلاع عليها اذا اردت.كان ذلك في النصف الاول للتسعينات. كانت تلك ورقة ان اوان التغيير. قراتها وكانت بخط اليد-اظن خط الخاتم- وتناقشنا حولها اياما. وكان رايي انها ضعيفة المحتوى, وانها اعلان عن الخروج على الحزب, ودعوة لتكوين حزب اخر. واخبرت الزميل ان ما قاله الخاتم عن الماركسية ينم عن ضعف خطير في فهمها, او ابتسار متعمد لان له غرض وهو القضاء على الحزب, وتكوين حزب يتسنم هو فيه القيادة. وذكرت له حادثة ندوة مبادرة السلام واني منذ تلك الليلة ناقشت عدد من الزملا ومن بينهم المرحوم حسن عطية وابراهيم فتح الرحمن وابنت لهم رايي في الضعف النظري الذي بدا به الخاتم ليلتها. طبعا في كلتا الحالتين نابني ما نابني من التقريع, من انني حرس قديم و غيره من التهم التي يعرفها الكثيرون. في نهاية التسعينات وبداية الالفية الثالثة, انضممت لمجموعة درب الانتفاضة, وهي مجموعة مراسلة بالايميل. وقد سنحت لي الفرصة للتعبير عن رايي في الخاتم- وقد كان المرحوم الخاتم عضوا فيها- في معرض المقارنة بين الخاتم والحاج وراق. ابديت رايي بان الخاتم ضعيف نظريا وفي الممارسة- وضربت مثلا بجريدة الشبيبة التي كان يراس تحريرها وقد كانت فقيرة من حيث المحتوى والاعداد والاخراج- وقلت ان الحاج وراق يتفوق عليه بما لا يقاس, وكما هو متوقع انبرى للدفاع عنه زملاء من بينهم: صدقي كبلو ,وعدلان عبدالعزيز و سكت الخاتم ولم يرد على ابدا الي ان توفى الي رحمة الله. سقت كل ذلك لتاكيد رايي في ورقة -الان يسميها البعض سفرا- ان اوان التغيير وهو قديم منذ النصف الاول من التسعينات . ليس ذلك فحسب فقد كنت بدات في كتابة نقد للورقة الصيف قبل الفائت, وناقشت زميل في ذلك, وشجعني. ولكني تخليت عن الفكرة لان الخاتم لم يعد بيننا. ولم يعجب ذلك الزميل وطلب عضوية سودانيز مخصوص ليفعل ذلك وهو الان عضو, واتمنى ان يدلو بدلوه الان.
لتلخيص رايي في ان اوان التغيير وربما اتوسع في الشرح حسب مسار النقاش: 1- الخاتم لم يكن امينا -على المستوى الاكاديمي لانه فيلسوف بالدراسة- في نقد الماركسية او انه لم يكن يعرف قدرها.وهذا ما اثبته كاتب المقال موضوع هذا البوست. 2- الزلزال الذي حدث في الاتحاد السوفيتي واوربا الشرقية- وان كان عظيما- لكن كان واجب اللحظة حينها التصدي للتحدي النظري الذي واجه كل الماركسيين في العالم, وليس الهروب وتبني اراء الليبرالية الاوربية والتي اثبتت خطاها, والان نحن نعيش في ازمة للراسمالية تطاولت, و الان هم يراجعون مواقفهم ويعيدون قراءة ماركس وانجلز لفهم حجم الخطا. لكن الخاتم هرب من التحدي القيادي-النظري, لاستكانة قبول الهزيمة والتخلي عما ظل يتبناه ويدافع عنه طيلة حياته. 3- هم الخاتم كان الوصول السريع لمنصب قيادي يكون هو فيه الواحد الاحد. وذلك يجعلنا نتسائل عن جدية ما صرح به عن الستالينية وعبادة الفرد, وقد راينا التطاحن بينه وبين الحاج وراق الذي انتهى بتقسيم حركتهما. 4- الليبرالية الاقتصادية و دورانية الازمة في الراسمالية ستثبت خطا الخاتم وهذا ما حدث الان. 5- واجب التصدي لتطوير الماركسية يعني شئ واحد هو دراسة الواقع كما قال ماركس بذلك, وليس استلاف نماذج الاخرين, او الاعتماد على دور النشر الاجنبية. فعلينا ان نجلس ارضا وندرس قوانين الثورة في السودان ونتعامل مع ذلك بجدية.
--- كنت اود ان اختم براي كتبه ماركس بخصوص دور الشيوعيين وضرورة استقلاليتهم في التعامل مع الواقع. لكني فشلت في العثور على المكان الذي وضعت فيه الاقتباس, سارفعه حال العثور عليه!
|
Post: #56
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: بدر الدين احمد موسى
Date: 02-13-2011, 11:15 AM
Parent: #55
وجدتها وجدتها اتمنى ان يرى القارئ كيف راى ماركس الماركسية كعلم للثورة فماركس لا يراها تسنبط من الكتب وانما تستقرا من الواقع الماثل امامنا.
Just as the economists are the scientific representatives of the bourgeois class, so the Socialists and Communists are the theoreticians of the proletarian class. So long as the proletariat is not yet sufficiently developed to constitute itself as a class, and consequently so long as the struggle itself of the proletariat with the bourgeoisie has not yet assumed a political character, and the productive forces are not yet sufficiently developed in the bosom of the bourgeoisie itself to enable us to catch a glimpse of the material conditions necessary for the emancipation of the proletariat and for the formation of a new society, these theoreticians are merely utopians who, to meet the wants of the oppressed classes, improvise systems and go in search of a regenerating science. But in the measure that history moves forward, and with it the struggle of the proletariat assumes clearer outlines, they no longer need to seek science in their minds; they have only to take note of what is happening before their eyes and to become its mouthpiece. So long as they look for science and merely make systems, so long as they are at the beginning of the struggle, they see in poverty nothing but poverty, without seeing in it the revolutionary, subversive side, which will overthrow the old society. From this moment, science, which is a product of the historical movement, has associated itself consciously with it, has ceased to be doctrinaire and has become revolutionary.
http://www.marxists.org/archive/marx/works/1847/poverty...ilosophy/ch02.htm#s7
لاني افتقد خاصية الاقتباس والتسطير لسبب لا اعرفه, ساقتبس ادناه- من المداخلة اعلاه- ما اراه يعبر بوضوح عن رؤية ماركس للدور الجدلي بين النظرية والواقع. فماركس يرى ان نقرا واقعنا ونعبر عنه, لا ان نقرا كتب و نجتر محتواها بالحفظ. But in the measure that history moves forward, and with it the struggle of the proletariat assumes clearer outlines, they no longer need to seek science in their minds; they have only to take note of what is happening before their eyes and to become its mouthpiece. ولو فعلنا فان ماركس يبشرنا باننا نكون قد خرجنا من اطار النصوصية الي واقع العلم الثوري
From this moment, science, which is a product of the historical movement, has associated itself consciously with it, has ceased to be doctrinaire and has become revolutionary.
تلك هي الماركسية, انها علم الثورة! وفي عصر العلم, يحدثنا بعضهم ان العلم لم يعد يجدي!!
|
Post: #57
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: احمد الامين احمد
Date: 02-13-2011, 12:49 PM
Parent: #56
[ حذف للتكرار
|
Post: #58
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: احمد الامين احمد
Date: 02-13-2011, 12:50 PM
Parent: #56
Quote: وضربت مثلا بجريدة الشبيبة التي كان يراس تحريرها وقد كانت فقيرة من حيث المحتوى والاعداد والاخراج |
قبل إنقلاب الترابى/ البشير عهد صدور الشبيبة حسين خوجلى " رغم بؤسه كمصدر" كتب فى صحيفة ألوان أكثر من مرة عن تعثر صدور الشبيبة لاسباب ماليه عزاها لصراعات داخل الحزب الشيوعى بسبب ظهور خط تمرد خفى يقوده الخاتم عدلان ومن معه والغريب أن حسين خوجلى لمح أن الاستاذه المحترمه/ فاطنة احمد مع الخط المتمرد على التيار الاخر فى الحزب "نقد/ التجانى/ عزالدين/ تحديدا ....مع ملاحظة ان معظم أعضاء الجبهه الديمقراطية بمجمع السنتر تحديدا خرجوا لاحقا مع الخاتم بعد سنوات فى حركه حق .... السؤال: ضعف محتوى وإعداد وإخراج الشبيبة وقتها هل يعزى لمقدرات الخاتم كمافهمت من مداخلة الاخ بدر الدين ام بسبب عدم قبول التيار العام للحزب وقتها لخط الخاتم ومحاولة إخماد صدور الشبيبة وإضعافها وهذا تجلى على المستوى الشخصى فى العلاقة بين الخاتم والتجانى الطيب بعد بروز حق.... *********************8 الاخ عادل عبدالعاطى فى مداخلة سابقة حاول التفريق المنهجى بين الخاتم وعبدالله على إبراهيم بإعتبار الثانى متأكدم والاول ميدانى مجاله الواقع والناس حسب فهمى !!!!لكن يصعب قبول ذلك الرأى بسهولة فى المقارنه بين الرجلين فكليهما ينهلان من العلم والاكاديمية والواقع وحركة الشارع عبر مراحل...إذا سمعنا بيان خروج الخاتم عن الحزب وتاسيس حركه حق نجده ينوه بثورة العلم والمعرفة التى أنبثقت بقوة فى اواخر القرن العشرين بصورة تجعل من الصعوبة الركون إلى مايعرف بثورة البروليتاريا او قبولها وهنا يفارق الخاتم ميدان العمل الجماهيرى وربما ذلك السبب فى تقوقع حركه حق حتى الراهن وإنحصارها بين أفراد قد يكونون مجرد أصدقاء وليس حركه جماهير خلافا للحزب الشيوعى ... تنبية: لا أنتمى مطلقا للحزب الشيوعى وكذلك حق رغم أن 90 بالمئه من اصدقائى شيوعيين وحق
|
Post: #59
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: Mohamed Elnaem
Date: 02-13-2011, 04:50 PM
Parent: #58
Quote: فماركس لا يراها تسنبط من الكتب وانما تستقرا من الواقع الماثل امامنا |
يا بدر الدين .....سلام تعزيزاً لقولك . و تبياناً لمصداقية ماركس و إتساق قوله مع عمله و تاكيداً لعمق قناعته بان النقل الاعمى من الكتب و من تجارب الاخرين ليس من الماركسيه فى شئ ! و أن نظرية الثوره الإجتماعيه عند الماركسين إنما هى بنت الواقع و أشراطه القائمه. فى هذا المنحى احب دائماً الإستشهاد بقول ماركس فى ما يعرف بخطاب امستردام 1872 الذى قال فيه بخصوصيه كل مجتمع و عن ضروره سير خط الثوره وفقاً له و على حسب التشكيله الإجتماعيه و السياسيه فيه . و عندى هذا يدعم فكرة ان النظريه الثوريه عند ماركس ليست تهويماً فى المكتبات و اجتراراً لتجارب شعوب العالم .
Quote: You know that the institutions, mores, and traditions of various countries must be taken into consideration, and we do not deny that there are countries -- such as America, England, and if I were more familiar with your institutions, I would perhaps also add Holland -- where the workers can attain their goal by peaceful means. |
خصوصية كل قطر
شكراً المنصور على المقال المتميز للرجل المتميز دكتور عبد الله على ابراهيم .وفى الحقيقه كنت اترقبه و انتظره منذ زمن طويل و كنت متأكد ان دكتور عبدالله سيرد على مكتوب الخاتم طال الزمن ام قصر ...قرأت المقال مره و أظننى سأفعل اكثر من مره قبل ان اعلق عليه .
|
Post: #60
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 02-13-2011, 09:26 PM
Parent: #59
أستاذى الشقلينى لك السلام بقدر إستحقاقك علينا لا بل أكثر-الشكر لك على مطالبة المتداخلين بتناول موضوع البوست وليس تناول إنتاج عبدالله مطلقا لأن عبدالله على إبراهيم عميق شائك ومتجذر فى شتى المناحى فهو مفكر ومؤرخ وأديب وسياسى على السكين وركوب كل سروجه يرمى بمن يحاول ذلـك الضحى الأعلى وعليه تناول ما كتبه تحديدا وعرضه ونقده هو الأفيد أما التهجم عليه لا يخيفه ولا يصنع معرفه وأتمنى أن يستقيم البوست فى ذاك الإتجاه.
منصور
|
Post: #61
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: بدر الدين احمد موسى
Date: 02-13-2011, 09:38 PM
Parent: #59
الاخ احمد الامين احمد
تحايا وسلام
يا احمد انت سالت:"""""السؤال: ضعف محتوى وإعداد وإخراج الشبيبة وقتها هل يعزى لمقدرات الخاتم كمافهمت من مداخلة الاخ بدر الدين ام بسبب عدم قبول التيار العام للحزب وقتها لخط الخاتم ومحاولة إخماد صدور الشبيبة وإضعافها وهذا تجلى على المستوى الشخصى فى العلاقة بين الخاتم والتجانى الطيب بعد بروز حق...."""""
يا احمد, الشبيبة كانت نسخة من مجلة اسبوتنيك, والمدار السوفيتية, ومرات انباء موسكو نقلا بالمسطرة.اعرف ذلك لاني كنت اقراها جميعا. وكان يضجرني جدا قراءة المادة الواحدة مرتين في المجلة الاصل, ثم مرة ثانية في الشبيبة, والتي صرت اشتريها في ذلك الزمن التزاما تجاهها, اكثر من انني كنت استمتع بما فيها. فلم تعكس الشبيبة هموم الشباب في السودان وانما كانت تنقل مداولات مؤتمرات شباب موسكو والاتخاد السوفيتي و احيانا اخبار من المعسكر الشرقي وكوبا. لم يكن هناك جهد نظري لمقاربة واقع الشباب السوداني, ولا دراسات تتلمس مشاكلهم, ولا لقاءات مع قادة الشباب في المدن والاحياء. وانا اعرف ان هناك الكثير من الشباب النير -كان بعضهم بمثابة اصدقاء شخصيون-الذي كان يعمل في الشبيبة واثق في تطلعهم لانتاج مواد في مستوى قدراتهم وابداعهم, لكن, يا احمد, مثل ذلك الفشل لا يعزى الا لقيادة ضعيفة او معوقة (بكسر الواو). كلامك بانحسين خوجلي كان يلوح بوجود صراع كان يدور بين الخاتم وقيادات الحزب, وربما يكون ذلك هو سبب ضعف الشبيبة, يا احمد, هذا الكلام كان من الطبيعي ان يسوقه حسين خوجلي. لان هدف حسين خوجلي هو زرع الفتنة والشقاق في صفوف الحزب الاكثر مقاومة لخطهم في سرقة الانتفاضة. لكن, يا احمد, القيادات التي ذكرتها تملك القدرة اذا ارادت في ذلك الوقت ان توقف خط الخاتم من غير اضعاف الشبيبة, فكان في رايي من الممكن تغيير رئاسة التحرير و اعفاء الخاتم. لكن من اسميتهم ربما لم يكونوا يريدون التدخل في المهام المخولة لزميل لهم في القيادة. كما استطيع ان اتصور ان المرحوم الخاتم مستميتا للدفاع عن استقلاليته في تدبير شئون الشبيبة بحيث يرفض مشورة الاخرين, ويعتبر ان الشبيبة هي مداره الخاص, والذي لا يجب ان يتدخل فيه احد, حتى عن طريق المشورة والحرص. وسلوك المرحوم الخاتم في "حق", وسعيه ليكون الامر الناهي الوحيد فيها, يعزز, ويدعم هذا النوع من التفكير. بان الخاتم كان يتعامل مع الشبيبة كضيعته الخاصة, ففشلت . فسؤالي الان هو هل كان الخاتم ديكتاتورا في الشبيبة مما افشلها بسيادة الرؤية الاحادية? ام ان الخاتم كان "حق" منذ ذلك الزمن بمنطق حسين خوجلي?
|
Post: #62
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 02-13-2011, 10:24 PM
Parent: #61
ولك الشكر أنت الأخ بهاء بكرى ولك السلام
منصور
|
Post: #63
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 02-13-2011, 10:36 PM
Parent: #62
الشكر والسلام للدكتور عوض محمد أحمد من لندن على ما قدمه من رأى وعلى متابعته للبوست.
منصور
|
Post: #65
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 02-13-2011, 10:46 PM
Parent: #63
الأخ محمد عبدالجليل
السلام عليك أنت متابعا وقابضا لكل خيوط الهموم قبض الحواتى والنواتى لشباكه وأشرعته فى قلب عنف التيار المنحدر إلى أعلى بقوة وصلابه والسلام لكل من معك.
منصور
|
Post: #66
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 02-13-2011, 11:02 PM
Parent: #63
الأخ بدر الدين احمد موسى السلام عليك وأنت تدخل مباشرة للب الموضوع منصصا ومشيرا لعبدالله والخاتم إشارات العارف والواقف على الكثير فى أسباب تشكلهما وكذلك فى ما أبديت من مقاربة بين الخاتم ووراق وقلت رأيك الذى هو رأيك فى ما قدمه الخاتم فى إحدى الندوات بعد أن سبقته عبارات التقريظ والتمجيد لحضوره وكذلك سردك لإصدارة الشبيبه موضحا رأيك فيها فأنا لا أعرف الخاتم إلا من مذكراته فى الفلسفه البحته لدارسى الفلسفه فى كلياتها وما قدمه من إسهام هنا فى المنبر فليس لى عليه رأى أقوله ولكنى سأظل أعرفه بشغف من هم لصيقين به بشكل أو بآخر
والشكر لك والسلام
منصور
|
Post: #64
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: احمد الامين احمد
Date: 02-13-2011, 10:41 PM
Parent: #62
Quote: فسؤالي الان هو هل كان الخاتم ديكتاتورا في الشبيبة مما افشلها بسيادة الرؤية الاحادية? ام ان الخاتم كان "حق" منذ ذلك الزمن بمنطق حسين خوجلي? |
... بدر الدين سلام يبدو للأسف الشديد أن الشق الاخير من سؤالك هو الصحيح... ويبدو كذلك من تراكم الاحداث تداعيات مركز الخاتم عدلان الاخيرة بالمنبر وماشابها من أخطاء تنظيمية أن الخاتم هاجر لحق بذات الأخطاء التى تعلمها فى الحزب الشيوعى .. وفى مجمل شقى سؤالك يبدو ان خروج الخاتم من الحزب سببه خلافات شخصية عبر صراع القوى والاجيال داخل الحزب من خلال تراكم مرارات أمتدت لسنوات عليه يصعب القول ان الخاتم قد خرج عن الماركسية كمنهج تحليل للواقع بل ترك الحزب كوعاء تنظيمى رغم إدعائه ان الماركسية لم تعد تصلح كأداة للتحليل وماخلفه من كتابات يشهد بذلك ....نفس المحصلة تنطبق على عبدالله على إبراهيم إلذى لازال يستخدم حتى المفردات الماركسية وربما المصادر رغم انه فارق الحزب قبل أمد بعيد وصدق من قال أن الشيوعية لاتتخلى عمن يتخلى عنها .
|
Post: #67
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: عاطف مكاوى
Date: 02-13-2011, 11:29 PM
Parent: #64
العزيز منصور المفتاح تحياتي
وشكرا علي هذا البوست الجميل ............... وكما قال الصديق دكتور محمد النعيم نحتاج لقراءة نقد دكتور عبدالله علي ابراهيم مرات ومرات بعد أن قرأنا (آن أوان التغيير) كثيرا .... كما أنه سيكون من الصعب علينا أن نُدلي بدلونا في كتابات متخصصين بالسهولة التي نساهم بها في البوستات الأخرى.
ولكن وعلي هامش قراءة المادة الأساسية في البوست ... أجد نفسي مستمتعا جدا بما خطته أقلام الأصدقاء محمد النعيم وبدرالدين أحمد موسي و أحمد الأمين ... ومستمتع أكثر بادارتك الجيدة للبوست....
اذن فلنكن من المتابعين.
|
Post: #68
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 02-14-2011, 05:33 PM
Parent: #67
الأخ احمد الامين احمد السلام والرحمه. الكل يتابع لتحاورك والأخ بدرالدين أحمد موسى وتبيانكما المهم عن ظروف فشل الشبيبه بتكرارها الممل لغير أحداث الواقع السودانى ولما نالت من هجوم من الأستاذ حسين خوجلى والذى قال بخلاف بين الخاتم وأعضاء اللجنه المركزيه لا بل أحادية الخاتم فى إخراج تلك الإصداره ومن ثم تخليه من الحزب وتكوينه لحق ممسكا بكل خيوط حقيقتها.فالشكر والسلام لك ولبدرالدين.
منصور
|
Post: #69
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-14-2011, 09:33 PM
Parent: #68
ملف يستحق أن يكون عالياً لثقل ما تفضل به الشاركون الشكر للجميع . ونخص الأستاذ / منصور ...
|
Post: #70
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 02-15-2011, 00:25 AM
Parent: #69
محمد النعيم يا من ترى بعين ماركس بأن الثورات الإجتماعيه بنت واقعها وبنت ملابساته وليست تطبيقا لما تحويه أضابير المكتبات وصفحات الكتب مشيرا لخطاب مركس بهولنده.الشكر لك على ما أتيت به فإن التجارب الإنسانية جمعاء تستحق القراءه والمعرفه حتى لمن يود نقدها ولمن يود فحصها وتمحيصها للدفاع عنها.الشكر لك والسلام.
منصور
|
Post: #71
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-15-2011, 09:30 PM
Parent: #70
*
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=164181
آن اوان التغيير - الخاتم عدلان
طلعت الطيب الحوار المتمدن - العدد: 2570 - 2009 / 2 / 27 اعداد طلعت الطيب تلخيص لافكار الاساسية لورقة التى نشرتها مجلة الشيوعى السودانية - العدد ١٥٧ ، الطبعة الثانية فبراير ١٩٩٤ مدخل : ما الذى حدث للشيوعية ؟ للاحزاب الشيوعية ، وللشيوعيين الافراد ؟ ما الذى حدث للعالم بكامله ، كان حتى الامس ملء البصر والسمع ، واضحى اثر بعد عين ، وانهار انهيارا مأساويا يذكر المرء بالقصص القرآنى ، حيث تختفى اقوام بكاملها من على وجه البسيطة وفى لمح البصر ؟ عندما بدأ شبح الشيوعية يطارد اوروبا العجوز ، ويقلق نومها ، ويفزع اباطرتها وطغاتها ، ويجبرهم على الانخراط فى حلف مقدس ، كانت قد ولدت بالفعل ، واحتلت مكانها على مسرح التاريخ ، قوة لم يسبق لها مثيل فى عنفوانها ونبلها ، ومشروعها الانسانى الاخّاذ . ذلك المشروع الذى اراد ان يحوّل العالم ، ويجعله مكانا جديرا بانسان جديد متعدد المواهب ، والملكات ، ينمو فى جميع الاتجاهات ، ويكون شرطا لنموّه هذا ، النمو الحر لكل أخوته فى الانسانية. وعندما بدا ماركس وانجلز ، يرسمان معالم المشروع الجديد ، تخدمهما العبقرية والموهبة والذكاء ، انجذبت اليه بالفعل ، وعلى طول اوربا وعرضها ، اكثر العقول استنارة ، وأكثر المناضلين شرفا وحماسة ، وقد تفجرت فى صدور الرجال والنساء احلام وآمال ، وامتلأت آفاقهم باحتمالات نبيلة وخيرة ، كفيلة باجتياح السماء . وقد نشأت لتحقيق هذه الاحلام والامال والطموحات والاحتمالات اخويات بشرية لم تكن اقل من تلك الاخويات التى حققها الانبياء وسط اتباعهم . وقد كانت صداقة ماركس وانجلز نفسيهما ، مثالا ساطعا على ذلك ، قل ان يجود الزمان بمثلها . وقد انخرطت هذه القوى فى تغيير العالم ، وتحقيق المشروع الاشتراكى ثم الشروع بعده فى بناء المجتمع الشيوعى ، باعتبار ذلك تجسيدا لانبل القيم التى عرفتها الانسانية ، وبأعتباره حلا لأعقد الالغاز التى أنشأها التاريخ ، وتجاوز لأصعب التناقضات التى عرفتها البشرية . وقد اتسم نضال هذه القوى بالبطولة ، وبالشجاعة الفائقة ، وبنكران الذات ، والازدراء بالمنفعة الشخصيّة ، والاستهانة بالمصاعب والاخطار. ورغم الهزائم والانكسارات ، التى واجههتها فى بداية مسيرتها ، فقد تمكنت هذه القوى فى العام ١٩١٧م ، فى روسيا القيصرية من الاستيلاء على السلطة ، والشروع ببناء المجتمع الجديد. وقد تجلت فى عملية الاستيلاء على السلطة ، وفى مواجهة التدخل الخارجى ، والحرب الاهلية ، بطولات خارقة اعترف بها الاعداء قبل الاصدقاء ، وقد ظهرت اثر انتصار الثورة فى روسيا ، بوادر باهرة لاجتياح العالم بأكمله ، ولم يكن الاعتقاد بامكانية وواقعية ذلك الاجتياح وفقا على الشيوعيين وحدهم ، بل شاركتهم فيه شعوب بكاملها ، وارتعدت له فرائض البرجوازيين ووجفت قلوبهم . ولكن بعد الشروع فى معارك الاستيلاء على السلطة فى بعض البلدان اتضح ان تحقيق الحلم لم يكن بالسهولة التى تخيله بها الشيوعيون وقادتهم . وبدأ واضحا ان قوى اوروبا العجوز لم تكن تنقصها الشجاعة ولا الحمية والمكر ، ولا العنفوان المسلح ، وان وصفها بأنها قوى عجوز كان يحتوى على جرعة زائدة من البلاغة الكلامية . عندما بدأت وقائع هزيمة الثورة فى هنغاريا ، وتأجيلها فى المانيا ، واجهاضها فى بلدان اخرى تفعل فعلها وتشكل وعيا جديدا ، اضطرّ البلاشفة الى توقيع صلح برست ليتوفسك ، وقبول اقتطاع مساحات هائلة من اراضيهم لصالح المعتدين الالمان . ومن شيوعية الحرب ، وطموح التنفيذ الفورى للبرنامج الشيوعى تراجعوا الى السياسة الاقتصادية الجديدة التى يمكن ان تؤدى الى بروز فئات برجوازية صغيرة فى المستقبل ، تنافس البروليتاريا . وشيئا فشيئا حلت الوقائع الصارمة محل الاحلام المجنحة . أثناء حرب التدخل والحرب الأهلية فنى آلاف الشيوعيين ، وهلكت أقسام كاملة من البروليتاريا الصناعية ،وحلّ محلهم فلاحين أميون اجلاف ، لا يستوعبون المشاريع النظرية ولا يؤمنون بها . وأمسكت بمقاليد السلطة بيروقراطية ضخمة من قساة القلوب ، ظلت الهوة بينها وبين الشعب تتسع كل يوم . ولقد ادى ذلك الى نتائج ليس من أهدافنا حاليا الخوض في تفاصيلها ، ولا تقصى اسبابها ، وهذه الظواهر هى : * تركزت الثروات فى يد الدولة ، فأصبحت مالكة لكل شىء ، ومتصرفة مطلقة الصلاحيات فى كل خيرات المجتمع ، وكانمطلوبا منها مع ذلك ان (تشرع فى الاضمحلال ! ) ووجدت البيروقراطية ان باستطاعتها ان تتصرف بخيرات المجتمع وبمصار الناس بحرية اوسع من تلك التى كنت لدى القياصرة . فانفصلت عن الشعب ، وأمتصت رحيق حياته ، ونكّلت به . * من خلال عمليات تصفية ناشطة ، أستخدمت فيها المؤتمرات الحقيقية والمفتعلة ، تمّ القضاء على جميع الاحزاب الاخرى ، وسحق استقلال المنظمات الاجتماعية والاهلية ، وصار الحزب حزبا واحدا ، والرأى رأيا واحدا ، والتصور للماضى والحاضر والمستقبل تصورا ضحلا وبائسا يمثله ويجسده حاكم معتل العقل كان اسمه جوزيف ستالين . *حلت سياسة الهيمنة ، والضم والالحاق ، وفرض النماذج السياسية والاقتصادية ، بل النهب الواضح الفظ فى بعض الحالات ، محل السياسات القائمة على أخوية الشعوب ، وحريتها ، وحقها فى تقرير المصير . ان ذلك كله ، وغيره ، لم يحدث مرة واحدة . ولم يحدث دون مقاومة ، فعلى المستوى الاعلى للقيادات الحزبية فقد الكثيرون ارواحهم دفاعا عن المشروع الاصلى . وعلى مستوى الشعب ، ووسط جماهير الفلاحين بصفة خاصة ، سالت دماء الملايين الذين كانوا يدافعون عن أسلوب فى الحياة كانوا يرونه طبيعيا وعادلا ، خاصة بعد تمليكهم الارض بعد الثورة ، ولم يعبأ احد باقناعهم ان هناك ما هو افضل منه . هذه اللمحات العابرة ليست محاولة لتفسير ما حدث فى الاتحاد السوفيتى وغيره من البلدان الاشراكية . بل محاولة لتوضيح حقيقة فى غاية البساطة ، وهى ان اى حزب يمكن ان ينحدر من ذرى البطولة الى سفوح الانحطاط ، ويمكن ان يتحول قادته من مناضلين يقتحمون السماء ، الى حفنة من الاشرار .
فى اوائل نوفمبر١٩٨٩م عاد ايريش هونيكر من زيارة الى الاتحاد السوفيتى، حاول فيها غورباتشوف ان يقنعه باجراء اصلاحات على غرار البيروسترويكا، وقد رفض هونيكر هذا الامر باذدراء، قائلا ان نظامه لا يحتاج الى اصلاح. وعندما سئل عن سور برلين قال انه سيظل قائما خلال السنوات المائة القادمة ! ولكن بعد اقل من عشرة ايام ، اى فى نوفمبر ٨٩م، انهار سور برلين الذى كان اول سور فى التاريخ يقام، ليس لحماية الشعب من الغزاة، كما كان يحدث فى الصين واسبارطة مثلا - بل لمنع سكان الجنة الاشتراكية الالمانية من الهروب الى سعير الاستغلال الرأسمالى ! ولا نظن ان ماركس كان يمكن ان يحتمل مثل هذه السخرية القاسية. فى تشيوسلوفاكيا سير ابناء العمال والفلاحين والعلماء ، مظاهرات فى ١٧ نوفمبر ، يطالبون فيها بالاصلاحات الديمقراطية السياسية والاكاديمية. وقد حاولت الفتيات فى المظاهرة ان يستملن رجال البوليس برشقه بالازهار.ولكن القادة الشيوعيون الذين تحولوا الى تروس ضخمة فى ماكينة البيروقراطية المعزولة عن الشعب ، اجابوهم بالرصاص الحى. فى ديسمبر ١٩٨٩م القى نيكولاى شاوشيسكو خطابا استمر ست ساعات فى مؤتمر الحزب الشيوعى الرومانى ، وقوطع بالتصفيق المتواصل، والوقوف اكثر من عشر مرات ، واجيز بالاجماع. فمن يجرؤ ان يقول انه لا يرى الشمس فى رائعة النهار؟ وانتخب شاوشيسكو رئيسا مدى الحياة. وابدى القادة السوفيت وعلى رأسهم غوباتشوف ، اعجابهم الشديد بالخطاب وبصاحب الخطاب. فأرسلوا له رسالة مطوّلة بذلك ، كانوا قبلها بعامين قد انعموا عليه بوسام لينين للسلام. وقد كان الشعب الرومانى يشهد المهزلة بغضب يحرق الاجفان ويفجر البابىء. فقد تحوّل قادة الحزب الشيوعى فى نظرهم الى طفيليات جديرة بالسحق . وعندما انفجرت المظاهرات احتجاجا على نفى راهب كاثوليكى ، اندفعت السيكيوريتات ، وبأوامر من الطاغية ، تحصد جماهير الشعب بالمئات ، ولكن السيكيوريتات ، وبكل جبروتها وقوتها ، لم تستطع ان تحمى الطاغية ، و عشية اعياد الميلاد اعدم شاوشيسكو وزوجته، ولم تزرف عليهما دمعة واحدة. وفى هنغاريا ، وبلغاريا، والمانيا ، كان الشيوعيون من الحكمة بحيث استطاعوا ان ينضموا بسهولة نسبية الى الشعب ويشتركوا معه فى هدم البناء الذى اقاموه طوال سنوات حكمهم. وقبل ذلك ، فى بولندا ، وقفت الطبقة العاملة كلها ضد السلطة ، وضد الحزب ، ونظمت نفسها فى نقابة تضامن ومع ذلك لم ير الحزب انه كف عن ان يكون حزبا للطبقة العاملة، واستعان بالجيش ، الذى يبدو انه تقمصته روحا هيجيلية ، حولته الى نقيض ، فصار هو الطبقة العاملة ، بينما اصبحت الطبقة العاملة نقيضا لذاتها ! وقد كان بعض الشيوعيين يصرخ ويقول: لن نتنازل عن شبر واحد من رقعة الاشتراكية حتى ولو كان ذلك التنازل من اجل الطبقة العاملة نفسها ! ولم يكن استخدام الجيش ضد الطبقة العاملة وقفا على بولندا وحدها ، فقد استخدم ضدها فى المانيا عام ١٩٥٣م ن وفى المجر عام ١٩٥٦م ، وفى تشيكوسلوفاكيا عام ١٩٦٨م. هذا العبور من عصر البطولة الى عصر الانحطاط ، هل يخصنا نحن ، فى الحزب الشيوعى السودانى ؟ هل يمكن ان يكون مصيرنا كمصير الاخرين ؟ وهل سنشترك يوما فى قهر شعبنا وقمعه بالسلاح؟ وهل فى مآسى الاحزاب الشيوعية الاخرى ومصائرها ، شيئا نتعلمه منها؟ وهل فى استطاعتنا ان ندير ظهورنا لما حدث ، ونتعامل كأن شيئا لم يكن ؟ هذه هى بالضبط الاسئلة التى كتبت هذه الورقة للاجابة عليها . بل انها كتبت لتفادى مثل ذلك المصير الذى حلّ بغيرنا ، فثمة نغمة بدأت تتسع بأننا حزبنا من نوع خاص ، لم يعرف عبادة الفرد ، ولا حجب الرأى الاخر، ولا نفى المخالفين فى الرأى ، دع عنك اعدامهم. وما دامت المقدمات المختلفة تقود الى نتائج مختلفة ، فلا يمكن لاحد ان يتهمنا يشىء او ان يحاسبنا باحطاء غيرنا . وربما يتساءل البعض : كيف يمكن لحزب عبد الخالق محجوب ، والشفيع احمد الشيخ ، ان يصبح كحزب شاوشيسكو ؟ وليس فى نية كاتب هذه السطور ، ان يكتفى بالاجابات العاطفية ، او الجمل الرنانة المفجرة للحماس والعواطف النبيلة .
عندما ينظر المرء الان ويجيل النظر داخل الحزب الشيوعى السودانى ، فانه يرى مظاهر الشيخوخة قد دبت فى كل شىء، وتخللت خلاياه . ولكنه يرى مع ذلك امكانيات هائلة للنهوض بالاستناد الى جديد ينبت من بين الانقاض ، وحياة تتمخض عن كوم الرماد. هناك امكانيات حقيقية لبناء مشروع جديد ، عادل وخير ، ولكنه اكثر تواضعا مما كنا نحلم ونتمنى ، واكثر واقعية وراهنية ، واكثر التصاقا بالارض ، واكثر اهتماما بانسان اليوم ، وقضاياه الحقيقية، ومشاكله الطاحنة ، واماله القريبة ، منه بانسان خيالى ، لا يعدو ان يكون مقولة ذهنية ، لا ننكر جمالها ، ومقدرتها الهائلة على الجذب ، كما انها يمكن ان تتحقق فى يوم قادم من ايام الانسانية . ولكننا فقط ، فى لحظتنا هذه من الزمان ، فى بقعتنا هذه من الارض ، فى مرحلتنا هذه من تطور المجتمع ، نتركها للاجيال القادمة. فهى ، ويا للاسف الشديد ، ليست فى متناول اليد ، ليست فى مستطاعنا. كما ان الاجيال القادمة لن تتمكن من الوصول اليها الا على اساس من هذا البناء المتواضع الذى نحاول ان نقيمه لانفسنا . وفى هذا مصدر عميق للعزاء..
من نافلة القول ان الحزب السياسى،- اى حزب - لا يقيّم فى ضوء انجازاته المحققة ، بل كذلك فى ضوء الاهداف والخطط التى طرحها وسعى الى تنفيذها ، ومآل تلك الخطط فى الحاضر والمستقبل ، ومعناها وجدواها بالنسبة للناس الذين وجهت اليهم ، وقصدت الى اعادة صياغة شروط حياتهم ، وكل ذلك على خلفية من تطورات عاصفة اجتاحت هذا الكوكب من اقصاه الى اقصاه ، وقلبت الايديولوجيات والبرامج والخطط راسا على عقب. وترتب على هذا التقييم الشامل نتائج عملية تتعلق بالحزب. تتعلق بوجوده وفكره ، باسترتيجيته وتاكتيكه ، ببرنامجه ولائحته ، بوسائله واساليبه ، وبالقوى الاجتماعية التى يتوجه اليها . وعلى هذا التقييم ان يجيب على اسئلة اساسية منها ما يلى : هل استطاع الحزب الشيوعى ان يحقق الاهداف التى نشأ من اجلها ؟ هل يستطيع الان تحقيق تلك الاهداف ؟ هل احتفظت هذه الاهداف بقيمتها ذاتها طوال هذه العقود ؟ هل بامكاننا ازاء هذه التطورات الهائلة التى عصفت بالكوكب ان نتظاهر بان شيئا لم يحدث واننا نستطيع ان نواصل السير كما فعلنا فى الماضى ؟ اسئلة تحيّر الالباب ، وتمسك بالرقاب ، وتؤرّق الضمائر، ولا يستطيع ان يتجاهلها الا اولئك (المعصومون من الاهتزازات ) والذين لا نحن منهم ولا هم منا .
هل حقق الحزب لشيوعى شعاره الاساسى فى التحوّل الى قوة اجتماعية كبرى ، والى حزب جماهيرى مؤثر وفعّال على النطاق الوطنى ؟ ولا نتردد فى الاجابة بالنفى. لقد فشل الحزب فى تحقيق ذلك الشعار ، بالصورة التى تصوّرها مؤسسوه ، وبالكيفية التى تؤهله ليطمح طموحا عقلانيا فى الوصول الى السلطة وتنفيذ البرنامج المشار اليه . لقد ذكرت وثائق الحزب فى تقييم الاداء الحزبى عند التحضير لثورة اكتوبر ان عدد اعضائه لم يكن يتعدى بضع مئات ، وهو نفسه يمكن ان يقال عن الحزب وهو يواجه انتفاضة ابريل كما يكمن ان يقال عنه حاليا وهو يصارع العسكرية الثالثة. وقد حكى لى احد قادة الحزب انه مرت عليهم لحظات اثناء دكتاتورية نميرى كانوا يشعرون فيها ان وجود الحزب يتمثل فى وجود الاعضاء الخمسة لسكرتارية اللجنة المركزية . ليس فى حالة نشاط مشترك بل كل على حدة ! واذا كان ذلك يعبّر عن الصلابة وقوة الارادة والاستماتة فى التمسك والدفاع عن وجود الحزب ، فهو يعبر فى نفس الوقت عن انكماش الحزب وتحوله فى ذهن ذلك الشخص القيادى الى قبضة يد واحدة. ويعبر بعض القادة حاليا عن استهانة ظاهرة بان عشرات الالاف من اعضاء الحزب قد تركوا صفوفه او جمدوا نشاطهم او خفضوه. ولا نحتاج الى القول ان حزبا بهذا الحجم لا يمكن ان تساوره الامال بتغطية الساحة الوطنية ، خاصة اذا كانت متسعة ومتنوعة ، اتساع وتنوع السودان. ان اهم الاسباب التى اعاقت نمو الحزب وحالت بينه وبين صيرورته قوة اجتماعية كبرى ، وحزبا جماهيريا على النطاق الوطنى - فى اعتقادنا - هى التالية: * القمع الشرس الذى ووجه به الحزب منذ تأسيسه وحتى اليوم ، وازاء هذا القمع الشرس والمتواصل ، اضطر الحزب الشيوعى الى الحياة السرية المطلقة ، وما يصاحبها من امراض الحلقية والانكماش والاحجام ، ومن الانغلاق امام الجديد وامام الجماهير، وقد وجدت عناصر مؤثرة كثيرة، ان الحياة الداخلية السرية لا تناسبها ولا تتسع لها . كما وجدت عناصر اخرى ان الابواب مغلقة امامها . * واقع بلادنا المتسم بكون القطاع الحديث الذى يمور بالنشاط والحيوية ، قطاعا ضيقا نسبيا، مع اتساع القطاع التقليدى الذى يضم الاغلبية الساحقة للسكان ، ويمثل قوة جذب هائلة الى الوراء . وفى مثل هذا الواقع يكون من العسير بناء تنظيم وطنى حديث يتخطى الانتماءات القبلية والطائفية والعرقية والنزاعات الاقليمية. * قيام الحزب على اساس الماركسية اللينينية يتطلب من المرء ليكون عضوا من اعضائه ، ان يتوصل لتبنى موقف فلسفى متكامل من الوجود . موقف سيصف نفسه بانه استوعب اعظم ما توصلت اليه البشرية فى مجالات وحقول الفلسفة والاقتصاد والاجتماع والثقافة ، وتخطاها تخطيا جدليا . ان مثل ذلك الانتماء لم يكن فى متناول الاغلبية الساحقة من شعبنا ، لا تاريخيا ولا معرفيا .وهو ليس فى متناولها الان او فى المستقبل المنظور. وانه طموح غير عقلانى ان نحاول بناء حزب من الفلاسفة فى مجتمع امى .
(* الموقف الفلسفى المادى للماركسية ، والذى لا يمكن التوفيق بينه وبين التصورات الدينية حول الكون والخلق الاّ بمعجزة ، قد سهّل مهمة اعدائه فى انشاء حائط اصم بينه وبين الشعب . ان تركيز القوى التقليدية والرجعية بمكر وخبث على هذا الجانب ، قد وضع عقبات كؤود بين الحزب والجماهير. وذلك فى وسط اجتماعى يشكل الدين نسيجه المعرفى والقيمى والاخلاقى. وقد تعرض الحزب لحملات بالغة العنف والفظاظة ، اعتمدت على الترويج الخبيث لمواقف عملية مزعومة ، يقفها ضد الدين ، وقد تصدى الحزب لتلك الحملات ولكن الماساة التى صاغها التاريخ ، وطوّق بها الحزب ، هى ان الاغلبية الساحقة من الجماهير كانت تقف خارج دائرة البث الفعّال التى يغطيها الحزب باقواله وافعاله ، سواء بفعل الامية السياسية والثقافية ، او العزلة الجغرافية ، او محدودية اداة البث ذاتها . فى الوقت الذى كان فيه خطاب القوى الرجعية واصلا لكل اقسام الجماهير. * تضاف الى شمولية الانتماء الفلسفى ، شمولية الموقف والبرنامج السياسى، وقد تمثل ذلك فى برنامج الحزب الذى يغطى ثلاث مراحل ، ويطرحها جميعا للتنفيذ . وهى مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، ثم الاشتراكية ، فالشيوعية . وقد حاء ذلك فى برنامج الحزب الذى قال : ان الحزب الشيوعى بطبيعته هذه ن يهدف الى تغيير المجتمع السودانى بانجاز الثورة الوطنية الديمقراطية ، والسير بالبلاد نحو الاشتراكية ، والشيوعية. ولا ينظر الحزب الى مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية والمطروحة للانجازالا كمرحلة اعداد للاشتراكية وهى بالتالى مرتبطة بها ومفضية اليها . برنامج الحزب اذن عبارة عن حلقات مترابطة ترابطا وثيقا ولذلك فان الشخص الراغب فى نيل عضوية الحزب مطالب بتبنى مشروع سياسى متكامل يغطى الحاضر ، وكل المستقبل ويسعى نحو اقامة نظام اجتماعى ، ليس لهذا الجيل وحده ، ولا الجيل الذى يليه ، بل للمجتمع الانسانى ككل منذ اللحظة الحاضرة والى الابد.)
* الموقف الفلسفى المادى للماركسية ، والذى لا يمكن التوفيق بينه وبين التصورات الدينية حول الكون والخلق الاّ بمعجزة ، قد سهّل مهمة اعدائه فى انشاء حائط اصم بينه وبين الشعب . ان تركيز القوى التقليدية والرجعية بمكر وخبث على هذا الجانب ، قد وضع عقبات كؤود بين الحزب والجماهير. وذلك فى وسط اجتماعى يشكل الدين نسيجه المعرفى والقيمى والاخلاقى. وقد تعرض الحزب لحملات بالغة العنف والفظاظة ، اعتمدت على الترويج الخبيث لمواقف عملية مزعومة ، يقفها ضد الدين ، وقد تصدى الحزب لتلك الحملات ولكن الماساة التى صاغها التاريخ ، وطوّق بها الحزب ، هى ان الاغلبية الساحقة من الجماهير كانت تقف خارج دائرة البث الفعّال التى يغطيها الحزب باقواله وافعاله ، سواء بفعل الامية السياسية والثقافية ، او العزلة الجغرافية ، او محدودية اداة البث ذاتها . فى الوقت الذى كان فيه خطاب القوى الرجعية واصلا لكل اقسام الجماهير. * تضاف الى شمولية الانتماء الفلسفى ، شمولية الموقف والبرنامج السياسى، وقد تمثل ذلك فى برنامج الحزب الذى يغطى ثلاث مراحل ، ويطرحها جميعا للتنفيذ . وهى مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، ثم الاشتراكية ، فالشيوعية . وقد حاء ذلك فى برنامج الحزب الذى قال : ان الحزب الشيوعى بطبيعته هذه ن يهدف الى تغيير المجتمع السودانى بانجاز الثورة الوطنية الديمقراطية ، والسير بالبلاد نحو الاشتراكية ، والشيوعية. ولا ينظر الحزب الى مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية والمطروحة للانجازالا كمرحلة اعداد للاشتراكية وهى بالتالى مرتبطة بها ومفضية اليها . برنامج الحزب اذن عبارة عن حلقات مترابطة ترابطا وثيقا ولذلك فان الشخص الراغب فى نيل عضوية الحزب مطالب بتبنى مشروع سياسى متكامل يغطى الحاضر ، وكل المستقبل ويسعى نحو اقامة نظام اجتماعى ، ليس لهذا الجيل وحده ، ولا الجيل الذى يليه ، بل للمجتمع الانسانى ككل منذ اللحظة الحاضرة والى الابد.
* طرح الحزب الشيوعى نفسه للمجتمع السودانى على اعتبار انه حزب الطبقة العاملة، يعبر عن مصالحها اولا وقبل كل شىء ، ويجعل تلك المواقف القريبة والبعيدة ، معيارا لصحة المواقف وسداد السياسات. وهذالم يمنعه من التوجه الى ابناء الطبقات الاخرى من مثقفين ومزارعين وبرجوازية صغيرة ووطنية والذين بدورهم لا يلجون ابواب الحزب الاّ بمقدار ايمانهم بعدم مشروعية مصالح الطبقات التى ينتمون اليها على اعتبار انها مصالح عابرة سيتخطاها التاريخ فى نهاية المطاف. وبرغم ان تخلى المرء عن مصالحه الخاصة او الطبقية امر ينطوى على الكثير من النبل من الناحية النظرية، لكنه فى الحقيقة لا يجذب سوى اقلية ضئيلة من ابناء تلك الطبقات. ويصدق هذا فى ظل اوضاع لا تنحاز فيها الطبقة العاملة نفسها الى فكرها ومصالحها . وربما تكون مقولة الانحياز الى فكرة الطبقة العاملة ستكسب ابعادا هامة لو ان التاريخ صدق نبوءة الماركسية حول الاستقطاب الاجتماعى الشامل بين البروليتاريا من جانب ، والبرجوازية من الجانب الآخر. ذلك الاستقطاب الذى لا تجد ازاءه الطبقات الوسيطة سوى الانحياز الى هذا الجانب او ذاك ، مع غلبة تيار المنحازين الى البروليتاريا ، لان خلاص المجتمع سيتم على يديها ، ولان البرجوازية تعانى حينها سكرات الموت. وللاسف الشديد فان التطور الاجتماعى لم يسر فى تلك الوجهة . بل حدث العكس تقريبا . فقد تنامت الطبقات الوسطى على حساب البروليتاريا اساسا، وعلى حساب البرجوازية كذلك . واصبحت تشكل الاغلبية الساحقة فى كل المجتمعات الرأسمالية المتقدمة . وبانتصار الثورة العلمية التكنولوجية فى تلك المجتمعات حدثت تطورات عاصفة حولت البروليتاريا - اى الطبقة العاملة الصناعية - الى قوة هامشية بين ١٠ الى ١٥ فى المائة من مجموع السكان . وتحوّل انتاج الثروة القومية بصورة حاسمة من اليد الى الدماغ. واصبحت المعرفة والمعلومة والفكرة والتصميمات الذهنية ، هى اداة الانتاج الاساسية . وهذه تمتلكها الطبقات الجديدة والفئات الجديدة ، والتى ولدتها الثورة العلمية التكنولوجية . وقد اصبحت هذه الفئات والطبقات الجديدة هى المنتجة الاساسية للثروة، واصبحت هى الوحيدة القادرة على قيادة المجتمع. لقد تضاءل دور البروليتاريا وجاء عهد الكونمنتاريا كما اسماها الفن توفلر فى كتابه Power Shift والتى تمتلك وسائل انتاجها بامتلاكها للمعرفة. وهى ادوات انتاج لا تستطيع البرجوازية نفسها ان تجردها منها . وهى ظاهرة جديدة لم يعرفها ماركس ولم ينظر لها . ان كل الدلائل تشير الى ان وجهة التطور التاريخى ستحكم على البروليتاريا بالاضمحلال المستمر، ومن الناحية الاخرى فان العمليات الانتاجية فى المجتمعات الرأسمالية المتقدمة ، وبفضل نضال المنتجين ، وبفضل المساومة التاريخية التى ارتضتها البرجوازية خاصة بعد الحرب العالمية الثانية ، اصبحت اكثر ديمقراطية لاشتراك العاملين انفسهم فى رسم اهدافها بهذا القدر او ذاك ، وباستقلال الادارة النسبى عن ملكية وسائل الانتاج ، وباشتراك اعداد متزايدة فى ملكية وسائل الانتاج نفسها ، وان باقدار متفاوتة . وقد كان هذا جزء من عملية شاملة توسعت فيها الديمقراطية لتشمل جل خلايا المجتمع . وقد ترسخت الحقوق والضمانات الاجتماعية . وبالرغم من ان ملكية وسائل الانتاج ظلت مطلقة من الناحية القانونية ، الا انها قد احيطت بقيود اجتماعية كثيرة من الناحية الفعلية . وقد تم كل ذلك على حساب البرجوازية . على حساب سيادتها المطلقة على المجتمع ، وتحديدها القاطع التام لاهداف العملية الانتاجية. ان مآلات ومصائر الطبقة العاملة هامة جدا بالنسبة لحزب كحزبنا . فمشروع حزبنا قائم بجوهره على صيرورة الطبقة العاملة القوة الاساسية القائدة فى المجتمع . وهذا الموقع لن يتحقق لها الا اذا صارت المنتج الاساسى لثروة المجتمع ، وتحققت لها الغلبة العددية. ولكن هذه الاهداف التى هى اهدافنا لم تعد اهدافا للتاريخ .فقد كف التاريخ عن السير فى هذا الاتجاه. تتأكد هذه الحقيقة اكثر فاكثر مع اخذ المجتمعات بمنجزات الثورة العلمية التكنولوجية والطبقة العاملة فى بلادنا ضئيلة الوزن بالقياس الى عدد السكان وهى محصورة فى قطاع حديث محدود وهى غير نقية فى تكوينها الطبقى ، لان عددا من ابنائها يجمع بين الانخراط فى العمل الماجور والاحتفاظ بالملكية الصغيرة، كما ان جزءا كبيرا من العمال ينضم اليها فى هذا الموسم ويهجرها فى الموسم الذى يليه . ومعنى ذلك ان موقعها من الانتاج ليس المحدد الوحيد لايديولوجيتها ، هذا اذا كان الموقع فى الانتاج هو المحدد الوحيد لايديولوجية الطبقات ، وهو قول بعيد جدا عن الحقيقة .ومن هنا يصعب الحديث عن الطبقة العاملة السودانية الا اذا تعاطينا مع التلفيق ، وحددنا بصورة مسبقة وتحكمية ، ان الماركسية اللينينية هى تلك الايديولوجية وعلى الطبقة العاملة ان تتبناها رغم انفها وفى هذه الحالة لا يكون هناك فرق بين ان تتبنى هذه الايديولوجية او ان ترفضها ، لاننا لم نضع اعتبارا لهذا القبول او الرفض، فى وصف الماركسية بانها ايديولوجية الطبقة العاملة. ونحن قد فعلنا ذلك وما زلنا نفعله . ولكن الوصاية المبثوثة فى هذا القول لم تعد محتملة اليوم . فالوعى الديمقراطى قد تنامى بصورة تجعل من مثل هذا الادّعاءات فادحة الثمن على المروجين لها. ان ازمة المشروع الماركسى تتمثل فى هذه النقطة بالذات ، وقد راهن هذا المشروع على حصان بدا جامحا ولكنه اصيب بالوهن فى منتصف الطريق . ولعله سيكون من المفيد ان نتذكر ان تعلق ماركس بالبروليتاريا كان فى اساسه تعلقا رومانسيا لفتى لم يتعدى العشرين الا قليلا عندما كان يبحث عن العدالة المطلقة ، فاستعار دون ان يعى مفهوم المسيح المخلص ، واصبغه على طبقة اثارت شفقته ، واستفز شقاؤها حسه العميق بالعدالة . وقد ظل ماركس فى نضجه وشيخوخته امين امانة مدهشة ، لمشروع كان قد صاغه فى صباه . ان من يقرأ نصوصه حول العمال الفرنسيين ، والعمال المهاجرين الالمان - الذين يشع النبل من اجسادهم - سيدرك بسهولة ما نرمى اليه . ان المطلع على اعمال ماركس لن يجد فى ترشيحه للبروليتاريا لقيادة التاريخ الانسانى سوى اسباب واهية .
ان الحزب الشيوعى السودانى قد بذل جهدا كبيرا ومتصلا لتأكيد هويته - البروليتارية - وترقية تكوينه البروليتارى . وقد ادى ذلك فى نظرنا الى سيادة اهتمامات ضيقة ، وغذى روح الانتصار الحالم لتلك اللحظة التى تنمو وتنضج وتسود فيها الطبقة العاملة. وقد ادى ذلك الى غربة الشيوعيين عن واقعهم غير البروليتارى اساسا . فاعرضوا عن الانخراط اليومى الحميم فى معرفة الواقع وتوجيهه وفق منطقه الخاص وليس وفق تصورات ذهنية غير واقعية . وقد ادى البحث عن - الهوية البروليتارية _ الى نشوء عدم الحساسية تجاه الفئات والطبقات الاخرى ، وانشأ جدارا من الاستعلاء والغربة بين الحزب وبين العناصر الراغبة فى الانضمام اليه من تلك الفئات والطبقات . وقد تأثر المثقفون خاصة بهذه الاتجاهات . كما ان النقاء البروليتارى قد تطابق فى كثير من الاحيان مع التعصّب والجمود واحتقار الرأى الاخر ، وقمعه ، باعتباره يمثل فكرا غريبا عن ايديولوجية الطبقة العاملة . لقد كانت هذه التهمة فادحة بالفعل . فالتعبير عن افكار غريبة يعنى الوكالة الفكرية عن الطبقات الاخرى ، وتمثيل مصالحها غير المشروعة ، داخل الحزب ، وهو عمل يمكن ان يوصم بالخيانة . وفى حالة براءة الشخص من تهمة الخيانة فانه فى هذه الحالة لن يكون بريئا من الجهل ، ولا من عدم نضوج الانتماء البروليتارى كون مجهوداته السابقة كلها فى - التثقيف الماركسى - قد ضاعت هباء. ان الجو الفكرى الخانق فى الحزب الشيوعى والخوف الشديد من اى خلاف فى الرأى ، والاحجام عن التعبير عن اية افكار غير مألوفة وغير مقبولة للقيادة ، والاحجام عن استخدام مفردات لغوية جديدة ، ومحاربة بروز خطاب خاص لاى عضو من اعضاء الحزب ، اذ يشجع الجميع على التحدث بنفس اللغة ، ترجع اسبابه الى هذا الخطر الماثل المتعلق بالخروج عن ملة البروليتاريا. هذا الخوف يشمل البروليتاريين انفسهم داخل الحزب . فالخيانة الطبقية تشمل ايضا خيانة الذات. وللتحلل من هذا العبء الفادح ، والخوف المقيم ، تركت مسألة التعبير عن ايديولوجية البروليتارية لقساوسة ايديولوجيين ، لمفوضين من طراز سوسلوف. وقد ادى هذا الى خنق الفكر داخل الاحزاب الشيوعية ، وتفريخ روبوتات بدلا عن افراد. وربما لا يكون هذا قد تحقق بكامله فى جميع الاحزاب ، ولكنه اتجاه قوى لا يستطيع ان ينكره احد.
المركزية الديمقراطية ...داء الحزب العضال :
العوامل التى عددناها ، والتى اعاقت نمو الحزب ، ذات طابع خارجى ، برانى . اى انها تختص اساسا بعلاقة الحزب بالمجتمع ، او الطبقات او الفئات المختلفة . ولكن ثمة عقبة ذاتية ، داخل الحزب الشيوعى ذاته ، تعيق نموه وتحبط تطوّره . وهى تتمثل فى المبدأ التنظيمى الذى يحكم حياته الداخلية والمسمى - المركزية الديمقراطية -..فسيادة هذا المبدأ التنظيمى هى المسؤولة عن عقم حياة الحزب الداخلية ، وضيقه فى الرأى ، وتبرمه باستقلال الفرد ونمو شخصيته المستقلة ، وتوخيه للطاعة المطلقة فى كوادره واعتبارها شرطا اساسيا للترقى الحزبى . وهى المسؤولة عن ظهور الشيخوخة المبكرة فى هيئات الحزب القيادية. وعلى كثرة ما قيل فى هذا المبدأ من مدائح ، وما دبج فى الدفاع عنه من مقالات وكتب ، فان الحجج التى تسنده لا تخرج عن اثنين: ١- ضمان وحدة الحزب والوقوف فى وجه اية محاولات تكتلية وسحقها فى مهدها . ٢- اقامة نظام طاعة حديدى يزعم انه يرتفع بفعالية الحزب الى الدرجة القسوى. واذا افترضنا ان مبدأ المركزية الديمقراطية يؤدى بالفعل الى تحقيق هذين الهدفين، فانه يحققهما فى راينا ، بثمن فادح يملى علينا الاقلاع عن تبنى هذا المبدأ . ولو سلمنا جدلا بان المركزية المطلقة كان لها ما يبررها فى بداية القرن فى بلد مثل روسيا ، فانها حاليا قد فقدت اى مبرر تاريخى. ويبدو لنا ان الذى فكر فى الجمع بين المركزية والديمقراطية قد اتخذ الاولى كنقطة انطلاق واضاف اليها الثانية كمسوغ لقبولها ليس غير . وذلك لسبب بسيط وهو ان الديمقراطية تحتوى على مركزيتها الخاصة . فخضوع الاقلية لرأى الاغلبية مبدأ ديمقراطى معروف ، يضمن وحدة المنظمة المعنية ويجسد ارادتها . يضاف اليه مبدأ التمثيل الذى يؤدى نفس المهمة على المستويات الاعلى فالاعلى . وتكمل البناء الديمقراطى وترتقى بالفعالية الحزبية ، مبادىء اخرى صاغتها الافكار السياسية عبر القرون. مثل التوزيع الافقى للسلطة الحزبية، التخصص ، الاعتبارات الفئوية والجغرافية ، العرقية والقومية، المؤتمرات المنتظمة الصحافة الحزبية ..الخ . وبما تشيعه الديمقراطية الحزبية من رضى عام وسط الحزب وهيئاته ، فانها ترفع فعاليته الى الحد الاقصى . وهكذا فان وحدة الحزب وفعاليته يمكن ضمانها باعتماد الديمقراطية وحدها كمبدأ تنظيمى. ان ممارسات الاحزاب الشيوعية تشهد ان الديمقراطية قد تمت التضحية بها على الدوام لصالح مخدومتها المبجلة : المركزية المطلقة . فعلى مستوى الحزب ، صارت القيادات العليا تفرض هيمنتها الكلية على كل عضويتها وتحتفظ لنفسها بسلطات تظل تتسع باستمرار، وتتطور فى اثناء ذلك آليات تنظيمية تسحق كل نزعة مستقلة. وعلى مستوى الطبقة العاملة، وبفضل نفس المبدأ ، تحولت المؤسسات التى انشاتها لخدمتها الى مؤسسات سيدة ، ومتعالية عليها . وعلى مستوى المجتمع ككل ، صارت السياسات البيروقراطية متنزلة من سماوات السلطة اوامر الهية لا تقبل الاخذ او الرد. ان المركزية الديمقراطية هى مبدا الحماية المطلقة للقيادة فى مواجهة قاعدتها . فعندما تصل القيادة الى مراكزها السماوية عن طريق اليات المركزية الديمقراطية فان شيئا اقل من زلزال لن يزيحها من اماكنها . هذا مع الاعتبار الكافى لكون ممثليها كافراد يمكن ان يزيحوا عن طريق الموت او العجز الكلى ، او التآمر. وحتى لا نتهم بالتحامل على المركزية الديمقراطية ، دعونا ناخذها فى صورتها المثالية ، ونفترض ان التنظيم القائم على اساسها قد طبق تطبيقا كاملا .فهيئاته من القاعدة الى القمة منتخبة ، ويسود فيها مبدأ خضوع الاقلية لرأى الاغلبية ، وتخضع الهيئات الدنيا للعليا ، وتعقد مؤتمرات الحزب بصورة منتظمة ، وتقرر برامجه ولوائحه فى هذه المؤتمرات ، وتصدر مجلاته الداخلية تحمل آراء مختلفة ومتصارعة لاعضائه ، وتصدر مجلاته وصحفه الجماهيرية لتحمل تصوراته الموحدة الى الشعب. هل ينتفى حينها طغيان القيادة واستئثارها بصلاحيات شبه مطلقة؟ اعتقد ان الاجابة بالنفى . وذلك لسبب محدد هو ان اجراءات انتخاب اللجنة المركزية ، وكل الهيئات القيادية التابعة لها هى اجراءات غير ديمقراطية. فاللجنة المركزية السابقة ، او مكتبها السياسى بالاحرى ، هى التى تقدم قائمة الترشيحات للجنة المركزية الجديدة. وما دامت هذه القائمة هى القائمة الوحيدة فانها ستفوز فى جميع الحالات . وفى ضوء القانون اللائحى بمنع التكتل والاتصالات الجانبية، فانه من المستحيل عمليا تبلور اية مجموعة ، بمعزل عن المجموعة القائدة ، تستطيع ان تقدم قائمة بديلة. ويبقى من حق الافراد اذا احتملوا الهمهمات الساخرة والنظرات القاسية ، ان يتقدموا بترشيحات فردية ، حظها من النجاح يكاد يكون صفرا. ولكن حتى اذا فازت فانها لا تؤثر على تركيبة القيادة . ولا يبقى امام المعارضين للترشيحات الجديدة سوى الامتناع عن التصويت وهو حق العاجز، الذى لا يقدم ولا يؤخر وبمجرد انتخاب اللجنة المركزية فان هيئات الحزب القيادية كلها يكون امرها قد حسم . واللجنة المركزية ، والمكتب السياسى، والهيئات المحيطة بهما ، هى التى تحدد سياسات الحزب ، ومواقفه العملية ، وهى التى تحكمه حكما صارما. ويتم التركيز دائما على ان اجازة البرنامج السياسى هى الامر الاهم . وان العضوية عندما تجيز ذلك البرنامج فانما ترسم للقيادة اتجاهها ، وتحدد لها دورها . وهذا صحيح نظريا . ولكن عمومية البرنامج نفسه ، تسمح بسياسات وتفسيرات متعددة، وربما متناقضة. ولذلك لا يمكن الاحتجاج به . وما يقال عن الوحدة حول البرنامج ، يقال لصحة اكبر حول وحدة الايديولوجية . وعندما تستند القيادة الى مبدأ خضوع الهيئات الدنيا الى الهيئات العليا فانها ستتمكن من فرض رأيها على مجموع الحزب حتى اذا كانت كل الهيئات الدنيا تعارض هذا الرأى . واذا كان هذا المبدأ هاما لفعالية اى تنظيم سياسى فان الضمانات الكفيلة بعدم طغيان القيادة لم توضع مطلقا. وغالبا ما لا تخضع الوثائق التى يخرج بها المؤتمر لحوار جدى قبل المؤتمر او اثناء انعقاده. فوثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية على سبيل المثال تمت قراءتها على الاعضاء اثناء المؤتمر الرابع ، وهى كتاب . وتمت تعبئة الحزب حولها بعد انفضاض المؤتمر واستمرت التعبئة لاكثر من عام.
نخلص الى ان الحزب القائم على المركزية الديمقراطية كما اثبتت تجارب الاحزاب الشيوعية دون استثناء، هو حزب غير ديمقراطى . واذا كانت ثمة ديمقراطية داخله ، فهى من نصيب القيادة وحدها ، فى حين تتجه المركزية الى اخضاع القاعدة وتأديب المارقين. ان المبادرة فى مثل هذا الحزب تأتى دوما من القيادة وحدها . ويصبح التلقى والتنفيذ هو القدر الذى لا مفر منه بالنسبة للقاعدة. فالمركزية المطلقة هى الاداة الفعالة لخلق قاعدة سلبية ، عديمة الارادة ، مغتربة داخل حزبها الذى جاء ليجتث الاغتراب من المجتمع ، وممزقة لا تدرى ماذا تفعل - ولا نعدو الحق اذا قلنا ان العلاقة بين القيادة والقاعدة دائما مأزومة ومريضة. فالقيادة دائما تنزل رؤيتها فى شكل توجيهات ، وتتوقع من القاعدة ان ترفع لها الشواهد والبراهين التى تؤكد لها صحّة تلك التوجيهات وتقمع وتحجب ما عداها . وان القاعدة تنتظر راى -الحزب - فى كل صغيرة وكبيرة ، معتقدة ان الحزب هو هيئاته القيادية. وبين هذه وتلك ، يوجد الجهاز الحزبى المتخصص فى تنزيل التوجيهات ورفع التأكيدات. وبالتدريج ، وبفعل هذه الالية ، وبفعل الدوافع والنوازع الانسانية ، البالغة التعقيد ، وبفعل تأثيرات السلطة الحزبية ، او السلطات السياسية اذا وجدت ، يتحول رأى الحزب وتوجيهاته الى اوامر اتوقراطية غير قابلة للمراجعة. وتتحول تاكيدات القاعدة الى مديح وثناء وتأليه وعبادة . فعبادة الفرد ليست سوى عبادة القيادة. وليست سوى الثمرة السامة للمركزية الديمقراطية. واذا كانت تخلق على مستوى القيادة ، طغاة قساة القلوب، مثل ستالين وشاوشيسكو، او تسمح لهم بالصعود ، فانها على مستوى القواعد تخلق جيشا كاملا من المداحين، والكذابين ، وماسحى الجوخ والمزيفين والمزيفين والمزيفين. وهؤلاء هم الذين سيحتلون تدريجيا اهم الوظائف الحزبية ، ويفرضون سيطرتهم الكاملة على جهازالحزب ، ويسخرونه فى عمليات القمع القاسية ، وعمليات الافتراء الخبيثة والتى يوجهونها ضد اشرف وانظف العناصر الحزبية هذه العناصر التى تستفزهم استفزازا لا يحتمل بمحض نبلها واستقامتها وصدقها واستماتتها فى الدفاع عن القضية النبيلة التى انشأ الحزب اساسا من اجلها. وهنا يصبح الحزب مريضا مرضا لا شفاء منه ، مغتربا عن ذاته ، وعن رسالته ، وعن مجتمعه. وبدلا عن ان يكون منفذا للمجتمع يتحول الى خطر ماحف يهدده . انه يغرق بالكامل فى مرحلة انحطاطه ولن يشفى الا باستئصال تام لاورامه الخبيثة. ويمكن للحزب ان يقاوم هذه الاتجاهات التى اشرنا اليها ، من جهة التعبير عن نفسها بالكامل ، ما دام فى صفوف المعارضة، ولكنه لا يستطيع مقاومتها مطلقا اذا استولى على السلطة . وتجربة الاحزاب الشيوعية فيما كان يعرف بالمعسكر الاشتراكى خير شاهد على ذلك . فالظاهرة الستالينية هى القاعدة وليست الاستثناء فى جميع هذه التجارب. وبانتقال الحزب الى السلطة ينتقل مبدا المركزية ليشمل المجتمع ككل . وتنتقل ظواهرها السالبة من حيزها الحزبى المحدود الى الحيز الوطنى العام . كما انها تصبح اكثر تفاقما وعمقا وعقما ايضا.
( ان منع تكوين الاقلية ، ومأساة الرأى الاخر ،ومصادرة الديمقراطية ، وانشاء بنية سايكولوجية متينة لدى عضو الحزب تخشى الاختلاف والاستقلال والتميّز خشيتها للمرض ، هى ظواهر كفيلة باحباط وسحق تطور اى حزب او منظمة . ولا غرو ، فذلك يمثل الالغاء العملى لفعلية قانون التناقض الماركسى والذى هو القوّة الدافعة لكل تطوّر. فهذا القانون القائم على وحدة وصراع الاضداد قد ابطل فعله داخل الحزب بالتركيز وحيد الجانب - المرضى احيانا - على الوحدة على حساب الصراع. وانه لمن المفارقات الاليمة فى تاريخ الفكر السياسى والتنظيمى ان يبادر الداعون الى نظرية ما ، والمؤمنون بصحّتها وصوابها ، الى الغاء جوهرها حينما يشرعون فى تطبيقها . خاصة وان تلك النظرية تصر على وحدة الفكر والتطبيق، وتعتقد ان حقيقتها لا تتكشّف الاّ فى وحدتها . للاسف الشديد فان هذا هو بالضبط ما حدث بل ان اكثر ما يثير القيادات الحزبية ويفجّر غضبها هو القدح فى مبدأالمركزية الديمقراطية الذى ادى الى كل هذه النتائج السالبة . ولا يحدث هذا الا لان هذا المبدأ يتعلق بالسلطة الحزبية وبحماية المواقع القيادية. بعد استعراصه لعدد من الوثائق الحزبية الاساسية للحزب الشيوعى السودانى التى تعترف بضمور الديمقراطية داخل الحزب وانتشار الوصاية وغياب المبادرات ، وذلك فى متن دراسته (آن اوان التغيير) يقوم الكاتب باختتام نقده للمركزية الديمقراطية بايراد الملاحظات المهمة التالية:
ويجب الاشارة الى ان الوثائق المشار اليها تعتقد ان الخلل يتمثل فى تطبيق مبدأ - المركزية الديمقراطية - بينما نعتقد نحن ان الخلل يتمثل فى المبدأ نفسه . فيما عدا ذلك فالاتفاق جوهرى ، لان ما تحذر منه وثيقة (الماركسية وقضايا الثورة السودانية) على سبيل المثال وترفضه هو ضمور الديمقراطية ومصادرتها لصالح المركزية . وهذا ليس امرا عارضا بل هو من طبيعة المبدأ نفسه الذى تصاغ على اساسه البنية الحزبية كلها. وهو ليس امرا عارضا لان جميع الاحزاب الشيوعية المحكومة بهذا المبدأ اتسمت ممارستها بالمركزية المطلقة وصادرت الديمقراطية ولم تتنازل الاّ مجبرة وفى ظروف استثنائية مكنت عضوية هذه الاحزاب بمغالبة قياداتها واسترجعت حقوقها عنوة واقتدار. خلاصة القول ان المركزية لا تصلح لحزب يرغب ان يكون ديمقراطيا، وان يشيع الديمقراطية وسط اعضائه خاصة ، ووسط المجتمع بشكل عام . ومن المفارقات ان قيادة حزبنا تقبل الديمقراطية الليبرالية كنظام سياسة للمجتمع وتعمل لها وتناضل من اجلها ، بينما تعض بالنواجز على نظام حزبى هو ابعد ما يكون عن الديمقراطية ويكون ادّعاء الحزب هنا بأنه سيكون امينا على ممارسة الديمقراطية فى المجتمع ، بينما يقمعها داخل صفوفه ، بلا اساس . ويكون قبوله المعلن للديمقراطية نوعا من النفاق . ان الحزب ليكون ديمقراطيا يجب ان يقوم على الديمقراطية وحدها . فهى بالنسبة للحزب ، لصحته ونموه ، وتطوره ، ضرورية ضرورة الماء والهواء . هى الشرط الذى لا غنى عنه لنيل موافقة المجتمع المعاصر على تسليم السلطة لحزب من الاحزاب. فالحزب الذى لا يقوم بناؤه على الديمقراطية ليس مؤتمنا على نظام سياسى ديمقراطى ، ففاقد الشىء لا يعطيه . ان الحزب القائم على المركزية الديمقراطية لن يولد ، مهما فعل ، نظاما سياسيا مخالفا لما شهدته بلدان شرق اوروبا والاتحاد السوفيتى وغيرها من البلدان ذات التجارب الشبيهة. وفى الفكر الديمقراطى ، وتجارب الاحزاب الديمقراطية كتاب مفتوح نأخذ منه ، ونضيف اليه
الجبهة الوطنية الديمقراطية جسم جبهة برأس حزب طرح المؤتمر الرابع فى اكتوبر ١٩٦٧م ، وفى وثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية ، مفهوم متكامل للجبهة الوطنية الديمقراطية على النحو التالى: (الجبهة الوطنية الديمقراطية تقوم فى بلادنا على اشكال متنوعة ومختلفة من التنظيمات . وهى فى نفس الوقت تسير فى شكل حركة عامة وواسعة للنضال الوطنى الديمقراطى ، تربطها اجزاء من برنامج هذه المرحلة تختلف قدرا ومستوى ، ووفق طبيعة تلك التنظيمات المتنوعة، ووفق المستوى الذاتى للجماهير المنضوية تحت لواء تلك التنظيمات ، وتجتمع فى المجرى العام بوصفها حركة منظمة ذات اتجاه يعالج فى الاساس مهام الثورة الوطنية الديمقراطية. ولذلك فان استعجال شكل مركزى لهذه الحركة تقدير ذاتى خاطىء ، وتجاهل للظروف الموضوعية القائمة ، وللظروف الذاتية الخاصة بمستوى الوعى الجماهيرى المختلف والمتفاوت بين الجماهير الثورية (* ص ١٦٢ وتحذر الوثيقة مما اسمته - التصور العمودى- قائلة : (لا يمكن للجبهة الديمقراطية ان تقوم فى شكل تنظيم عمودى ثابت ومحدد المعالم مثله فى ذلك مثل الحزب السياسى) ويتم التركيز فى النصين اعلاه على كون الجبهة الوطنية الديمقراطية ليست تنظيما عموديا كالحزب السياسى ، وانما حركة عامة من تنظيمات مختلفة ، تناضل باقدار متفاوتة من اجل تنفيذ برنامج واحد. وان استعجال شكل مركزى لها يعد اتجاها خاطئا. وينطلق هذاالتحليل من حقائق لا مراء فى صحتها ، ففى واقع التطور غير المتوازن فى السودان ، واختلاف مستويات الوعى ، ومكونات الثقافة ، بالنسبة لمختلف اقسام الجماهير ، مما مما يجعل فرض شكل تنظيمى واحد عليها مسألة محكومة عليها مسبقا بالفشل. وانها لمحمدة لوثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية انها اقتربت من الواقع السودانى ، وصاغت استنتاجاتها على اساس الدراسة مهما كانت نقائضها . وتصل الوثيقة الى استنتاج صحيح عندما ترفض الشكل العمودى الذى يصب صبا من اعلى مستويات السلطة كماحدث بالنسبة للاتحاد الاشتراكى العربى فى مصر، او من مواقع التصورات البيروقراطية المسبقة كما يحدث لكثير من الاحزاب. ولكن هل يعنى رفض الشكل العمودى رفض القيادة المركزية؟ لقد تمّ تفسير المسألة على هذا الاساس . ولكننا نعتقد ان هذا كان واحدا من اكثر الاستنتاجات اضرارا بالحركة الديمقراطية فى السودان . اذ حال بينها وبين بناء حلف ديمقراطى حقيقى ، توفرت كل الظروف الديمقراطية لبنائه . فاستبعاد قيام قيادة مركزية للجبهة الديمقراطية قد جعل القوى الديمقراطية تتحوّل الى جسد بلا رأس ، بكل ما يعنيه ذلك من احباط وبوار. فقد نشأت تنظيمات مختلفة للجبهة الديمقراطية ، وسط فئات اجتماعية مختلفة ، وفى مناطق مختلفة من البلاد، ولكن انعدام القيادة الواحدة منع هذه التنظيمات من رؤية نفسها كجزء من بناء وطنى شامل ، ورؤية برامجها كجزء من فعالية وطنية عامة ، ترمى الى تغيير المجتمع. وفى كل اللحظات الحاسمة كان الحسد اقل كثيرا من مجموع اجزائه ، لان تلك الاجزاء ن بدلا من ان تتفاعل وتتكامل ، وتوحد افعالها واهدافها وارادتها ، ظلت اسيرة للتشرزم والغربة بل والتناقض والتصادم فى بعض الاحيان. ولا يصعب على المرء ان يستبين ان تعدد مكونات الجبهة الديمقراطية وتفاوتها لا يحول بينها وبين تكوين قيادة وطنية تعكس هذا التفاوت والتعدد، وتعمل فى نفس الوقت على صهر هذه المكونات واخضاعها الى مخطط وطنى ديمقراطى لا يقاوم. كما ان تكوين مثل هذه القيادة الوطنية لا يعنى تجميد وتخليد لحظة معينة من عمر الجبهة لان اى تغييرات تطرأ على الجسم الديمقراطى الكبير ستجد التعبير عنها فى رئاسته. وكان من الممكن ان تنشأ علاقة بالغة الغنى والخصوبة بين هذه القيادة ومكوناتها المشتملة على كل الوان الطيف السياسى واذا تأملنا المسألة من قريب لوجدنا ان دور القيادة الوطنية لجماهير الجبهة الديمقراطية لم يكن غائبا عن الواقع. بل كان يضطلع به بالوكالة الحزب الشيوعى السودانى ، وذلك بحمله لهذه التنظيمات على تبنى سياساته ومواقفه الوطنية ، اما عن طريق المجموعات الشيوعية العاملة داخل هذه التنظيمات ، او عن طريق منابره المختلفة الداعية الى تبنى هذا الموقف او ذاك، هذه القيادة الوطنية او تلك . هذه ال Surrogate Leadership غير مبررة لان الحزب الشيوعى نفسه هو الذى صاغ لها المرتكزات النظرية ، وهى مرتكزات غير ديمقراطية ، لانها تضع هذه الجماهير امام خيارات صعبة فاما ان تتبنى مواقف وطنية لم تشارك فى ضياغتها ، وتسير خلف قيادة وطنية لم تنتخبها ، واما ان تلجأ الى ممارسات انعزالية ضارة بالحركة العامة ، واما ان تضرب عن العمل الوطنى جملة.
وكنتيجة مباشرة لمقولة - لا قيادة مركزية للجبهة الوطنية الديمقراطية - تشرزمت بصورة مؤلمة قوى الجبهة الديمقراطية . فنشأت الروابط الاشتراكية وسط المهنيين بمختلف تخصصاتهم كمنظمات قطاعية محدودة الصلاحيات ، تعالج فى نشاطها ، النقابى اساسا ، قضايا محددة تقتصر فى الغالب الاعم على جماهير قطاعها . وقد كانت هذه محنة قاسية للمثقف الديمقراطى الذى يملك بحكم وعيه وعلمه وخبرته ونضاله ، رؤية وطنية شاملة ، ويبحث عن حيز وطنى لفكرته وفعاليته ، والذى تعوّد من خلال حياته الطلابية ان يلعب دورا مؤثرا ومدويا فى الحياة والقضايا الوطنية . سواء من خلال الجبهة الديمقراطية ، او من خلال المؤسسات الطلابية المختلفة والاتحادات . وبدلا من ان يجد نفسه فى تنظيم فاعل على النطاق الوطنى عند تخرجه واثناء حياته العملية ، فانه يجد نفسه محشورا فى - غيتو سياسى - لا يخرج منه الاّ فى المناسبات الوطنية الكبيرة ، ان لم نقل الاّ فى الثورات والانتفاضات . لقد سحب من هذه التنظيمات الفضاء الوطنى للنشاط ، والحيز الوطنى للفعالية ولا غرو ، فان الكثيرين لا يجدون داخلها هواءا نقيا كافيا، وان يهجرها الكثيرون ، او يكتفوا بداخلها بوجود شبحى باهت. وامعانا فى تقطيع اشلاء هذه المنظمات فان المنظمين الشيوعيين لم يسمحوا لابناء القطاع الواحد والمهنة الواحدة - المهندسين مثلا - بان يكوّنوا تنظيما شاملا لابناء مهنتهم على نطاق الوطن . فصارت هذه التنظيمات تتبع للمديريات الحزبية بدلا عن ان تتبع مباشرة لقيادة الحزب المركزية .وعلى كل حال فان الوضع التنظيمى للمهنيين ، المثير للحزن والمرارة ، وبالفوضى والتشويش ، يعبر كله عن رغبة دفينة فى تحجيم دور المثقف الوطنى الديمقراطى ، الحاضر ابدا فى الساحة الوطنية ، لصالح قوى غائبة يؤمل أن يتمخض عنها الغيب.
لقد تجلى سحب البساط الوطنى من تحت تنظيمات الجبهة الديمقراطية ، وغلاق آفاق الرؤية الوطنية فى وجهها ، تجلى فى تكوين - التحالف الديمقراطى - بعد الانتخابات الاخيرة . فقد منعت هذه التنظيمات من صياغة برامجها الخاصة ، ونشر توبيخ علنى لفرع بيت المال فى جريدة الميدان لان الفرع قد توصل مع الديمقراطيين المتحالفين معه فى خوض الحملة الانتخابية الى صياغة برنامج يعالج القضايا المحلية والوطنية، خاص بالتحالف الديمقراطى .وبنشر ذلك التوبيخ احجمت المجموعات الاخرى عن صياغة برامج تعمّق تحالفاتها وتوثقها. وعلى المستوى التنظيمى حصرت التحالفات الديمقراطية فى الدوائر الانتخابية . ولم يسمح لهذه الدوائر ان تقيم اية علاقات ببعضها .وكان ذلك بمثابة تقطيع دائرى للاشلاء والغريب فى الامر ان نواب المعارضة الديمقراطية كانوا ينظرون الى انفسهم كممثلين للتحالف الديمقراطى عموما ، وليس فى حدود دائرة . اى انهم يمثلون قاعدة غير مسموح لها بالاختلاط السياسى او التنظيمى . وعندما لا ينمو التحالف الديمقراطى ، ولا يسجل حضورا وطنيا خلال ثلاث سنوات من تكوينه فان احدا لن يستغرب مطلقا.
ديمقراطية الفراكشنات ان سحب الفضاء الوطنى لم يكن هو الآفة الوحيدة التى اعتورت التنظيمات الديمقراطية . وامتصت عافيتها ، وذهبت برونقها وروانها ، بل تزامنت معها آفة ثانية تمثلت فى غياب الديمقراطية . وفساد الحياة الداخلية ، واستشراء ظاهرة الوصاية والتكويش والتجاوز . وقد نتج ذلك اساسا من تمتع الشيوعيين بحقوق تنظيمية - وبالتالى سياسية - اكثر من الديمقراطيين - فمن المعروف ان جدول الاعمال المطروح على الجبهة الديمقراطية قد نوقش مسبقا داخل فرع الحزب الشيوعى ، او داخل الفراكشن ، والفراكشن هو الجزيىء من الشيوعيين العامل وسط المنظمات الديمقراطية. ومعنى ذلك ان الشيوعيين يتبنون رايا موحدا ازاء كل القضايا المطروحة بما فى ذلك الاقلية التى رفضت آراؤها داخل الحزب . ويعرف كل ديمقراطى انه يقف ازاء مجموعة لا تغيّر موقفها الا وفق آلية تقع خارج التنظيم الذى ينتمى اليه ، وبالطبع خارج الاجتماع الذى يحضره . كما يعرف ان عددا من هذه المجموعة يحمل آراءه ، ولكنه وبفعل تلك الآلية لا يستطيع ان يدعم موقفه ، بل يتحدث داخل الاجتماع حديثا لا يعبر عن قناعته الشخصية . واذا كانت تجربة الفركشن ، او تجربة الحق التنظيمى الاضافى ، قد اثبتت فعالية كبيرة فى تمرير سياسات الحزب من خلال تنظيمات الجبهة الديمقراطية ، فانها قد اقترنت فى نفس الوقت بخسائر اخلاقية وتمزقات نفسية ، سواء بالنسبة للشيوعيين او للديمقراطيين ، لا تقدر بثمن . والمهم ان هذه الآلية تؤدى بصورة لا مفر منها الى فساد الحياة الداخلية ، وتحويل الديمقراطية الى اجراء شكلى ، يعرف الجميع انه يحتوى على كثير من المكر . وتشجيع هذه الآلية على صعود العناصر الانتهازية والمستهبلة والمنافقة والمتآمرة ز فالطلب على خدماتها يتزايد باستمرار . والنتيجة المنطقية لكل ذلك هى تحول الجبهة الديمقراطية الى تنظيم غير ديمقراطى ، طارد للعناصر التى تتميز بالحساسية الديمقراطية العالية ، والتى تعتّز بتميزها وفكرها الاصيل . ومواقفها المستقلة . ويؤدى ذلك على النطاق الجماهيرى العام الى اذدياد النفور السياسى واحجام الجماهير عن الالتحاق بتنظيمات لا يجدون فيها انفسهم.
الحزب الشيوعى والمثقفين لقد تمّ تصنيف المثقفين جميعا ، وبمختلف فئاتهم بأنهم برجوازية صغيرة ، وفى ظل مفهوم سائد بأن الاصل الطبقى هو المحدد الوحيد للمواقف النظرية والانتماءات العملية ، وفى ظل قناعة راسخة بأن البرجوازية الصغيرة منقوصة الثورية ، متذبذبة المواقف مستعدة للخيانة ، كانعكاس مباشر لوضعها المتذبذب فى علاقات الانتاج ، وخضوعها للاقدار العمياء التى يمكن ان ترفعها الى مصاف البرجوازية ، او ان تنحدر بها الى صفوف البروليتاريا ، وذلك وفق منطق مقولة الاستقطاب التى تحدثنا عنها . وقد استخدمت مقولة البرجوازية الصغيرة كمبدأ مريح لتفسير الظواهر ، بل لتفسير الظواهر ، بل لتفسير نقائضها فى نفس الوقت . وقد كانت المقولة نفسها واسعة بحيث تشمل الطلاب بصرف النظر عن انتماءاتهم الاسرية ، وتشمل المعلم شبه المعدم ، والطبيب الذىيملك وسائل انتاجه ، والتنفيذى الذى يتصرف فىممتلكات القطاع العام . كما تشمل التجار والمزارعين وضغار الباعة والحرفيين ، الاميين وغير الاميين والجمع بين كل هذه الفئات فىمقولة فكرية واحدة ، لا يبرره الا الاعتقاد بأن كل هذه الفئات ذات وجود عرضى مؤقت ، وانها ستذوب فى نهاية المطاف فى الطبقتين الاساسيتين ، وان عملية التذويب والصهر هذه ، هى الجديرة بالاهتمام ، وبذل الجهد ، اكثر من البحث عن التمايزات الدقيقة ، ودرجات اللون والظل . وما دام المجتمع المعاصر يوضح ان هذهالفئات بدلا من ان تذوب ، وتريح المنظّر السياسى الماركسى من العناء ، تنمو باطراد ، وتشكل الاغلبية الساحقة من المجتمع ، فان المقولات التعميمية ، الفارقة فى الغموض لم تعد تجدى فتيلا . والذى يتجاهل المؤثرات الثقافية ليجمع فى فئة واحدة عالم الفيزياء ، ومهندس الطيران ، وطبيب المخ والاعصاب ، وعالم الاجتماع من جانب ، وبين الاميين من صغار الباعة والمالكين لا يكشف سوى الغربة التامة عن العلم الاجتماعى .
الذى يهمنا فى هذا المقام ان تصنيف المثقف كبرجوازية صغيرة ، مع الشناعات التى تلصق عادة بهذه الطبقة ، قد جعلت وضعهم داخل الحزب غير مريح . ووضعته دائما فى موضع الدفاع عن النفس ، واصابته بعقدة الخيانة الطبقية ، والارتداد الى الاصل ، وجعلته شخصية خانقة وعصابية . ولذلك فان الفعالية الحرة للمثقف لم تجد التشجيع ، بل وجد نفسه محكوما بمسلمات صارمة ، وكان نشاطه مرغوبا فيه ما - يشرح خط الحزب - ، لا ان يثير اسئلة جديدة ، او يقدم استنتاجات غير متفق عليها ، ولم يكن ذلك الجو جاذبا للمثقفين ، فآثر بعضهم الابتعاد عن الحزب ، وآثر آخرون الخروج عن صفوفه ، وبقى آخرون يضطلعون بأدوار تحدد لهم . لقد جاء فى كتيب - لمحات من تاريخ الحزب الشيوعى - احكام لا تخلو من قسوة بحق المثقفين . فقد اشير الى انهم هرعوا وراء المكاسب الشخصية واصبحوا عناصر يائسة ، زاهدة فى الكفاح ، واصبحوا رصيدا للمستعمر فى كل خطواته ، وانحصر نشاطهم فى اندية الخريجين وفى الجمعيات الادبية ، والحفلات الاجتماعية . وهذه احكام لا تتسم بالموضوعية . فالنهوض بأعباء الوظيفة الحكومية ، بما ينطوى عليه من المكاسب الشخصية المشروعة ، ليس يأسا ، وزهدا فى الكفاح ، وليس انحيازا الى المستعمر. كما ان النشاطات الادبية والاجتماعية فى اندية الخريجين لم تكن اعمالا انصرافية ، بل كانت اعمالا مناسبة لظروف الهجمة الشرسة والقمع الذى اعقب ثورة ١٩٢٤م ولظروف حداثة الحركة نفسها . ان الاعمال الادبية والندوات السياسية - السرية اساسا والعلنية ايضا - هى التى ادت الى صدور المجلات الادبية فى الثلاثينات . كما ان مؤتمرات الخريجين هى التى ادت فى النهاية الى رفع المذكرات الى السلطات الاستعمارية ، ومنها مذكرة ١٩٢٤ التى طالبت بالاستقلال . بل ان هذه المؤتمرات كانت الحاضنة الرؤوم لكل الاتجاهات التى ادت الى بروز الاحزاب فيما بعد. لقد ادى تهميش دور المثقفين داخل الحزب ، وابتعاد اغلبهم عنه ، الى افقار الفكر الديمقراطى داخله ، او فى الحقيقة افقار ديمقراطية الانتاج الفكرى ، صارت الاعباء الفكرية من نصيب قيادة الحزب ممثلة فى سكرتيره العام بصورة اساسية. ادى اغتراب المثقفين داخل الحزب ، وعنه ، الى عدم التجديد فى حياة الحزب الداخلية ، وفى بيئته التنظيمية ما جعله متخلفا تنظيميا ، عن بعض الاحزاب ، وعن كثيرا من الهيئات الاكاديمية والحكومية والاهلية والتى استفادت من الثورة التنظيمية والادارية الهائلة التى حدثت فى العقود الاخيرة على مستوى العالم . وفقد الحزب دوره الرائد فى ادخال اشكال تنظيمية جديدة ، واساليب ادارية حديثة . وتخلف كثيرا فى هذا المضمار ، وفى نفس الوقت الذى شهد فيه الفكر التنظيمى والادارى قفزات هائلة فى المؤسسات التعليمية وبعض الادارات الحكومية والاهلية . ويكفى ان الحزب ما زال يدار وفق مبادىء تنظيمية صيغت بين عامى ١٩٠٣- ١٩٠٦م فى منطقة متخلفة من العالم هى روسيا . بل انه لم يطبق تلك المبادىء على الدوام على خير الوجوه .
لقد آن الأوان ليجد المثقف مكانه الرحب فى قيادة حزبنا ، وان يسمح له بارتياد الآفاق المفعمة بالوعود التى يخبئها المستقبل لشعبنا . آن له أن يشعر أن هذا الحزب هو حزبه ، واصالة عن نفسه وليس نيابة عن احد . وان المطلوب منه ليس نوعا من التحول ####morphosis الذى يجعله هوية نقيضة بل المطلوب منه فقط ان يكون امينا لعلمه ، لذاته ، لشعبه ، لانسانية العصر الذى يعيش فيه . بل آن له ان يعرف ان اسمى اهداف المجتمع هو انتاج المثقف ، وتحويل كل افراده الى مثقفين . وبالتالى فهو ما اطلق عليه شكسبير The paragon of the speciesاذا جاز لنا ان نستبدل من عبارته . ان حزبنا الذى لم يصدر خلال عقدين سياسة متكاملة حول المثقفين - خارج الفعالية النقابية - قد آن له ان يتخطى هذا النقص الفادح . وخلاصة الامر ان الحزب الشيوعى السودانى ، فى ظل المآلات المأساوية للتجربة الاشتراكية ، الفكر الماركسى عموما ، وفى ظل برنامجه السياسى الحالى ، وبنيته التنظيمية ، وتوجهاته الاجتماعية ، واساليب عمله الراهنة ، لا امل له فى التحوّل الى قوة اجتماعية كبرى ، والى حزب على النطاق الوطنى . لا امل له فى ان يصير معبّرا اساسا عن القوى الحدبثة ، او قوة اساسية فى المعارضة ، او مرشحا قويا للوصول الى السلطة ، فى اطار مجتمع ديمقراطى . لا امل له فى توحيد القوى الحية فى المجتمع التى تستطيع ان تنقل بلادنا الى مشارف القرن الحادى والعشرين . لا امل له فى منازلة الطائفية وهزيمتها ، وتجريدها من قواها الاجتماعية المتمثلة فى كادحى بلادنا . وذلك فى اطار المجتمع الديمقراطى القادم ، ووفق القوانين الديمقراطية للصراع التى يؤمل ان يلتزمها الجميع. وليكون الحزب قادرا على الاضطلاع بهذه المهام ، فان تغييرا جذريا يجب ان يحدث داخله ، وان يحدث له . تغييرا يشمل توجيهاته الايديولوجية ، وبرنامجه السياسى وبنيته التنظيمية . وهذا ما سنقوم برسم خطوطه العريضة فى الصفحات التالية .
منطلقات اساسية لاعادة بناء الحزب ١- ان انهيار التجربة الاشتراكية ، لا يعنى ان راية العدالة الاجتماعية قد انطوت ، او ان سير الانسانية نحو المجتمع الامثل الذى يضمن لكل فرد حريته الفردية ، ويوفر له احتياجاته الاساسية ، ويتيح له كل فرص النمو الشامل واللا محدود ، قد توقف او ان التاريخ قد انتهى . ولن تكف الانسانية عن تحديد ملامح هذا الامثل الذى تتوق اليه . ولن تتوقف عن صياغة رؤى ، على هذا القدر او ذاك العمق والوضوح ، تحكم مسيرتها واعادة صياغة المشاريع بفضل الافاق الرحبة التى تتفتح كل يوم ، سمة اساسية من سمات الفكر الاجتماعى والسياسى، لقد اصبحت كل لحظة من لحظات الانسانية لحظة تنظير . وقد انطوت بالتالى الحقبة التاريخية التى يقوم فيها عبقرى ما بصياغة مشروع كامل للتحرر الانسانى ، تمسكه الانسانية ككتاب مقدس ، يهدى مسيرتها منذ هذه اللحظة الماثلة الان وحتى آخر لحظة متصورة فى الزمان . ان تطور المجتمع وتراكم العلم والمعرفة يضع فى ايدى الاجيال اللاحقة مقدرات ووسائل وامكانيات تجعلها اقدر بما لا يقاس من كل الاجيال التى سبقتها فى رسم اهداف ابعد مدى واكثر انسانية . ان الاجيال الحاضرة عليها ان تكون اكثر تواضعا . لان الفضاء التاريخى ، والمستقبل مسكون بكائنات اكثر ذكاءا واطول باعا . ٢- التقدّم الانسانى لا يطرح نفسه بصورة عامة او مجردة ، بل بصورة خاصة ومحددة فى شكل قضايا ومهام ومشاكل ، تخص هذا المجتمع بالذات ، فى هذه اللحظة التاريخية بالذات ، القوة الاجتماعية ، والحزب السياسى الذى يريد ان يخدم التقدم الانسانى ، هو الذى يقدم الحلول الواقعية للمشاكل الحقيقية . ويتوجه بها بلغة واقعية الى هذا الجيل من البشر الذى يعاصره . ويبين له الطريق ، ويمهد بالوسائل والادوات لحلها . وعندما يتمكن هذا الحزب من نقل المجتمع ، ولو درجات قليلة على سلم التطور ، فانه يكون قد ادى ما يتوجب عليه تجاه الانسانية ، وتجاه التقدم الانسانى. فالانسانية ليست شىء آخر غير هؤلاء الناس ، الافراد والمجموعات والطبقات ، بلحمهم ودمهم ، بقيودهم وحدودهم وتناقضاتهم ، بأمانيهم وآمالهم وصبواتهم الموجودين هنا ، الموجودين الآن . والانسان ليس نبوءة ستتحقق فى المستقبل . ليس فكرة فى ذهن احد - نحن لسنا مقدمات لظهور الانسان . لسنا مشاريع انسانية . لسنا طورا سابقا فى التاريخ الانسانى . اننا نحن الانسان فى هذه البقعة من الارض ، فى هذه اللحظة من الزمان . لسنا وسيلة احد فى تحقيق رؤاه الذهنية . لسنا فئران للتجربة . ظهور الانسان الجديد ليس شيئا اضافيا للعملية الحياتية البشرية المألوفة ، والمعروفة. والتقدّم مبدأ اصيل In-built فى البيئة الاجتماعية - وليس ورادا بالتالى التضحية بالاجيال الماثلة لمصلحة الاجيال القادمة . او لمصلحة - الانسان الجديد - كما حدث فى تجارب التجميع الزراعى الستالينى فى الثلاثينات والذى راح ضحيته ما لا يقل عن عشرين مليونا . كما حدث فى تجربة بول بوت التى راح ضحيتها اكثر من ثلاثة ملايين ، او فى الصين على ايام الثورة الثقافية ، او غيرها . ان من يضحى بالاجيال الحاضرة لمصلحة الاجيال القادمة يضحى بكليهما . وهو كمن يضحى بالعلم والمعرفة والتكنولوجيا المعاصرة من اجل مصالح العلم والمعرفة والتكنولوجيا القادمة او الجديدة ! ان المشاريع الاجتماعية تصاغ من اجل الانسان ، ولا يصاغ الانسان من اجل المشاريع الاجتماعية .
٣- الداء العضال ، والآفة اللعينة التى يعانى منها مجتمعنا هى التخلف ، وما يصاحبه ويتمخض عنه من فقر وجهل ومرض ، على المستوى الاجتماعى ، ومن تخلف مريع فى قوى وعلاقات الانتاج ، على المستوى الاقتصادى ، ومن قهر وطغيان على المستوى السياسى . فالقوى السياسية التى امسكت بزمام الحكم منذ الاستقلال لم تفشل فقط فى التصدى لقضية التخلف ، بل زادتها تفاقما واستعصاء على الحل . الحزب الذى نحن بصدده هو الاداة الجماهيرية المناسبة لاخراج شعبنا من وهدة التخلف وتخليصه من براثنه، ونقله الى مشارف القرن الحادى والعشرين . ووسيلته فى هذه النقلة ، التى تطوى العقود والحقب ، هى التطوير العاصف لقوى الانتاج ، ربما فيها ، وعلى رأسها الانسان . وادواته الاساسية هى توظيف مكتسبات الثورة العلمية التكنولوجية بصورة واسعة وشاملة، فى كل الحقول الاقتصادية ، زراعة وصناعة وتعليما وصحة واتصالات ومواصلات . واذا كان الحصول على الاكتشاف الاخير فى هذه المجالات صعبا وبعيد المنال ، فالاكتشاف قبل الاخير يكون كافيا ، وسيكون الحصول عليه ميسورا بفضل المنافسة الشرسة بين الاقتصاديات الرأسمالية المتقدمة ، التى تجعل الاخذ بآخر مقتنيات العلم والتكتولوجيا مسألة حياة او موت وفى هذه المنافسة تصبح المعارف والمقتنيات التى كانت حتى الامس مثارا للعجب ، قليلة القيمة جدا ، مما يضعها فى متناول ايدينا ، لاننا نكون كمن يشترى ملابس الصيف على مشارف الشتاء اوالعكس . لقد نادى حزبنا بطى مراحل التخلف عن طريق تخطى الحقبة الرأسمالية . وتبنى طريق التطور غير الرأسمالى لهذا الغرض . ومع ان الهدف يبقى كما هو - اى نقل المجتمع الى مشارف القرن القادم - الا ان الوسائل ستختلف - فالتركيز الوحيد الجانب على علاقات الانتاج سيحل محله تصور شامل يركز فى نفس الوقت على تطوير قوى الانتاج ، وعلاقات الانتاج بالتالى . وتراعى فيه بدقة المصالح الاجتماعية لكل القوى المشتركة فى هذا البعث الاقتصادى الاجتماعى الحضارى الشامل . فى حين يشن هجوم كاسح على كل اعمدة التخلف ، فان كل القوى الاجتماعية القادرة على المساهمة فى بناء السودان الجديد ، سيفسح امامها المجال . وسيسمح بأشكال مختلفة لملكية وسائل الانتاج مثل ملكية الدولة ، الملكية الرأسمالية باشكالها المختلفة ، الملكية التعاونية ، والملكية الاسرية ، والرفاقيات الانتاجية التى تقيمها طلائع القوى المنتجة الاكثر تقدما ، وذات التخصصات المتكاملة ، والمستويات الثقافية الرفيعة ، ومهما كان حجمها ضئيلا فى البداية . ان تخطى اى شكل من اشكال الملكية ليس هدفا مسبقا ، بل هو امر يتعلق بتطور القوى الانتاجية ، وحفز العلاقة الانتاجية الدافعة لتطور الانتاج ، او كبح هذه العلاقة . انه امر ثقافى ، بالاضافة الى كونه اقتصاديا وسياسيا . وهو لا يتم الا برضى المنتجين انفسهم وبنضالهم . ان العلاقة المرفوضة والتى ستتم محاربتها هى العلاقات الطفيلية الصريحة ، بأشكالها المختلفة . سواء كانت موجودة حاليا ، او تتولد فى مجرى التطور . ان هذا الطريق الذى نختطه ليس طريقا راسماليا . ولكنه فى نفس الوقت ليس رافضا للرأسمالية من حيث المبدأ . وكعلاقة واحدة ضمن علاقات اخرى . انه يستند على كل النضالات السابقة للمنتجين . ويستفيد من ثمرات المساومة التاريخية التى انجزوها مع الرأسمالية . وتمت الاستجابة من خلالها لضرر هائل من مطالبهم ، مما اعطى الرأسمالية بعدا اجتماعيا تصور المنظرون المبكرون انها غير قادرة على تحقيقه . وقد تطورت قوى الانتاج ، فى اطار النظام الرأسمالى بصورة لم يكن يحلم بها احد . واصبح الربح - هذا الدافع الازلى للانتاج الرأسمالى - لا يمكن تحقيقه الا من خلال تنازلات حقيقية للمنتجين. وصارت العملية الانتاجية اكثر ديمقراطية بما لا يقاس . اذا دخل المنتجون والاداريون والتقنيون والمستهلكون فى تحديد اهدافها ، وفى رسم كيفية الوصول الى هذه الاهداف ، جنبا الى جنب مع مالكى وسائل الانتاج. وظهرت الى جانب الملكية الرأسمالية الكلاسيكية اشكال اخرى للملكية مثل شركات المساهمة، والتعاونيات ، والصناديق الاجتماعية المختلفة والمتعددة ،والاوقاف الدينية والخيرية ، بالاضافة الى ملكية الدولة التى توسعت بصورة كبيرة فى كل المجتمعات الرأسمالية. بل ظهرت الملكيات الجماعية المباشرة فى الكثير من المؤسسات الصحفية والاعلامية وغيرها .وظهرت فئة تزداد كل يوم من المالكين لوسائل انتاجهم- من الحرفيين الجدد - الذين يبيعون منتجاتهم وليس قوة عملهم ، من المهندسين والمصممين والفنانين والمبدعين وصانعى الموضة ، ونجوم الرياضة البدنية والذهنية ...الخ. هؤلاء المرتبطون بالثروة العلمية التكنولوجية الذين يزداد نصيبهم باطراد فى خلق الثروة القومية . واذا كان التخلف يحول بيننا وبين ظهور بعض هذه الاشكال من العلاقات الانتاجية، فان التطور كفيل بحل هذه المشكلة ، واذا كانت الرأسمالية المحلية سترفض الانطلاق من هذه النقطة المتقدمة فان الصراع الاجتماعى ، والتدخل السياسى ، من قبيل المجتمع ، كفيل بأن يضع لها رأسها ، على الدوام بين كتفيها . المهم فى كل ذلك اننا لا نسعى الى بناء دولة مطلقة الصلاحيات ، مالكة لكل وسائل الانتاج، ومتصرفة فى كل الثروة القومية ، وحائزة على سلطة سياسية جبارة فى مواجهة مجتمع مدنى مجرد من الحقوق ، ومفتقر الى القوة. اننا لا نطابق بين ملكية الدولة والملكية العامة لوسائل الانتاج كما حدث فى التجربة الاشتراكية المقبورة. اننا لا نسعى الى اقامة مجتمع سكنات جديد هذه اهداف قد تحطاها الانسان . ونحن نعلم ان الملكية تسير بصورة لا مرد لها نحو الاصطباغ بالصبغة الاجتماعية ، ولكن هذه العملية لا تمر كلها من خلال عنق زجاجة الدولة . فتطور قوى الانتاج ، وزيادة نفوذ المنتجين ، وارتفاع مستواهم الثقافى وصراعهم الاجتماعى ، الذى نعمل جميعا لجعله صراعا ديمقراطيا ، يسير بهذه العملية سيرا وتيدا وطيدا نحو غاياتها النهائية.
٤- القوى الاجتماعية التى ستنجز هذه النقلة النوعية الهائلة ، وتتصدى للتخلف بكل ثقله وعقابيله ، هى قوى المثقفين ، وكل المنتجين والعلماء بمختلف فئاتهم ، وقوى العمال والزراع المرتبطة بالانتاج ، بالاضافة الى الملايين من سكان القطاع التقليدى ، بتنظيماتهم الاجتماعية ، وانتماءاتهم الاقليمية والقومية . اى انها قوى الشعب كله . وستلعب الفئات الجديدة المرتبطة بالثورة العلمية ، وبالثقافة فى ارقى صورها ، دورا قياديا يتعاظم باستمرار. هذه القوى القادرة على استيعاب العملية الاجتماعية فى كلتيهما. والمنخرطة فى ارقى العلاقات الانتاجية ، والتى سيتعاظم نصيبها فى انتاج الثروة القومية باستمرار . وهى القادرة على قيادة المجتمع ، وتسيير وسائل التوجيه والاتصال ، وتفجير منابع الطاقة بكل اشكالها ، والتى لا يمكن لمجتمع معاصر ان يحلم بالتقدم دون تفجيرها . كما ان هذه القوى هى بوابة المجتمع لانتشار المعلومة ، الصائرة باطراد وسيلة انتاج اساسية . بأنها القوى المشرفة على العملية الانتاجية فى كلتيهما . وهى القوى التى ستضطلع بتعليم المجتمع واجياله الجديدة الطالعة، واجياله المنخرطة فعلا فى الانتاج . وفى عصر اصبح فيه التعليم وسيلة اساسية للانتاج وبوابة وحيدة للتقدم. وليست هذه نظرية جديدة للصفوة . او بحث معاصر عن الملك الفيلسوف ، بل هى استيعاب متواضع لطبيعة عصرنا ، والمام بسيط بطبيعة قواه المنتجة . وبحث حثيث عن المنافذ المفضية الى تحريك الشعب وتغيير المجتمع . والبحث يجرى هنا عن المثقف الشعبى ، الوطنى الديمقراطى ، المزود برسالة وطنية جامعة، الشاحذ ذهنه لمواجهة التحديات الكبيرة، والشاخص ببصره نحو مستقبل جدير بالانسان. ان المثقفين بأوضاعهم الحالية ليسوا مؤهلين لأداء هذا الدور، بكل عظمته وجلاله ، ولكنهم مؤهلون لتغيير اوضاعهم ، واعداد انفسهم من خلال جهد ذهنى مشترك ، وفى اطار مشروع وطنى طموح وجرىء . وعندما نقول انهم مؤهلون لاعداد انفسهم لهذا الدور ، فنحن لا نبشر بحتمية جديدة ، بل نشير الى امكانية واقعية ، والى فرصة تاريخية مواتية ، يمكن للمثقفين ان ينهضوا بها ، ويمكنهم فى نفس الوقت ان يتقاعسوا عن ادائها . ولكنهم اذا تقاعسوا فان النتائج ستكون فادحة بالنسبة لهم وبالنسبة للمجتمع . ان الذهن الانسانى هو الاداة المذهلة لطى الحقب والقرون . والمؤسسة التعليمية هى الطريق القصير للعبور من عصور ما قبل التاريخ الى العصر الحاضر، واللحظة الراهنة . وفى ظل سياسة تعليمية شاملة ، ومؤسسة تعليمية حديثة ، ومعدة اعدادا جيدا ، وممولة تمويلا سخيا ، فان ابناء الرعاة سيكونون قادرين على اللحاق بالعصر وارتياد الفضاء . وابناء الاميين قادرين على فض اسرار الذرة ن التعامل مع الكمبيوتر كما ان المصطلين بهجير الظهيرة السودانية القاسية ، قادرون على توظيف الطاقة الشمسية لخدمة تطور بلادنا ومجتمعنا ، وتحويلها بردا وسلاما على المواطن السودانى . ان الدور القيادى المأمول ان يلعبه المثقف لا يقلل من ادوار الطبقات والفئات الاجتماعية الاخرى . بل يفتح المجال واسعا امامها جميعا . وعلى كل حال ، فان مقولة المثقف مقولة ديمقراطية حقا ، ولانها مفتوحة لابناء جميع الطبقات ، ولان انتاج المقف هو فعالية اساسية ، ويومية ن للمجتمع المعاصر ، كما ان دور القيادة فى المجتمع الديمقراطى الذى نسعى لتحقيقه ، هو دور خاضع تماما لارادة المجتمع ، ومتوقف دواما على قبوله واختياره. كما ان الدور القيادى يطرح فى اطار الاعتراف الجهير بتنوع وتعددية مجتمعنا ، قوميا وعرقيا ودينيا وثقافيا ، وطبقيا واجتماعيا . اننا لا تراودنا الاوهام حول امكانية تخطى هذه - التعدديات - بصورة متعسفة او عجول . وحين ينخرط الجميع فى أنماط وعلاقات تناسب مستوى تطورهم ، وينخرطون فى اشكال للتنظيم الاجتماعى تناسب مستواهم الثقافى ، فانه لواقع يحسب لصالح المثقفين ، ان خصائصهم الاساسية هى خصائص متشابهة ان لم تكن موحّدة . وهذا يرشحهم لدور وطنى قيادى ، ويجعلهم مجسدين لوحدة المجتمع .
٥- يؤمن الحزب فى صورته الجديدة بالديمقراطية اساسا للحكم ، وشريعة المجتمع . الديمقراطية كممارسة انسانية واحدة من حيث الجوهر والاساس . اشتركت كل الشعوب فى صياغتها وتطويرها واثرائها . الديمقراطية القائمة على سيادة الشعب والانتخاب العام والحكم النيابى والتعددية الحزبية ، وضمان الحريات الاساسية فى التعبير والاجتماع والاحتجاج . وضمان حرية العقيدة ، وحرية ممارسة الشعائر الدينية ، وصيانة حقوق الاقليات القومية ، واحترام التعددية ، واحاطة الحريات الشخصية المعترف بها ، والمنصوص عليها فى المواثيق الدولية ، بسياج متين من الحماية . الديمقراطية التى تحمى الحقوق الاجتماعية الاساسية مثل حق العمل والصحة والتعليم والسكن . الديمقراطية النابعة من واقع السودان ، ومن تجاربه القديمة والمعاصرة ، ومن تطلعات شعبه ، والمفتوحة فى نفس الوقت ، ودون تعصّب او حرج ، على كل منجزات الفكر الانسانى وتجارب الشعوب . ان الحزب الشيوعى السودانى قد قدّم تضحيات جسيمة فى الدفاع عن الديمقراطية فى بلادنا ، وفى النضال من اجل استعادتها على مدى ثلاث دكتاتوريات عسكرية . ان هذا الارث المجيد يجب ان يتواصل ويزداد . ولكن المفارقة ان هذا المناضل الجسور من اجل الديمقراطية كنظام يسود المجتمع ككل ، يحكمه فى ادائه الداخلى مبدأ غير ديمقراطى ، كما اوضحنا من قبل ، ولا يمكن للمجتمع ، اذا كان منطقيا مع ذاته ان يأتمن على النظام الديمقراطى حزبا يقوم بناؤه الداخلى على مبدأ نقيض . ان ما يضن به الحزب على اعضائه ومناضليه لا يمكن ان يجود به على المجتمع . هذا ليس من طبيعة الاشياء . وقد آن لهذا التناقض ان يزول ، وذلك بأن يقوم الحزب على الديمقراطية وليس سواها . وهذا يعنى بالنسبة لنا ، وبصورة عامة ما يلى : أ- الانتخابات الحرة ، السرية ، المتعددة المرشحين ، أو القوائم ، والمؤتمرات السنوية التى تدخل التعديلات الضرورية على البرامج واللوائح ، وتنتخب القيادات الحزبية والهيئات المتخصصة . ب - حق الاقلية فى تنظيم نفسها ، وتمكينها من نشر آرائها من جميع المنابر الحزبية ، والدعوة لها جماهيريا ، مع التزامها برأى الاغلبية فى كل المؤسسات والمنابر الجماهيرية التى تتطلب التصويت. ج - الفترة الزمنية المحددة للمسؤلية الحزبية وخاصة على المستوى القيادى وتحديد سن التقاعد ، وضمان حق القاعدة فى طرح الثقة بالقيادة . وفق قواعد دقيقة متفق عليها . د - نشر السلطة الحزبية على المستوى الافقى باعطاء الهيئات المتخصصة ، والقيادات الاقليمية والقطاعية ، صلاحيات واسعة فى مجالاتها المختلفة ، ومساعدتها فى الوصول الى مستوى التمويل الذاتى لنشاطاتها . ها - فتح قنوات المبادرة الفكرية والسياسية من القاعدة وذلك بتشجيع نشر المساهمات والآراء الفردية وتقوية وترسيخ استقلال المنابر الحزبية وجعل الحصول على المعلومة حول كل اوجه نشاط الحزب ، حقا متاحا لجميع اعضائه . وطرح سياسات الحزب ، ليس من خلال وثائق تتسم بالعمومية والغموض ، بل من خلال خيارات ملموسة ، يختار الاعضاء من بينها . و - جعل الانجاز الفكرى ، والمساهمة الفكرية ، وخاصة فى صياغة وتعميق وتوصيل برنامج الحزب ، اضافة الى الانجاز السياسى المتقدم ، معيارا اساسيا فى الصعود الى المواقع القيادية . ومحاربة العطالة الفكرية على هذه المستويات . ز - استيعاب العناصر الشابة ذات القدرات المتميّزة فى البنية القيادية للحزب ..
٦- ان الاساس الفلسفى لتوجهات الحزب الديمقراطية هو ايمانه بأن مسائل الحكم ، وتحديد النظم الاجتماعية ، وصياغة قواعد الاجتماع البشرى ، هى مسائل انسانية دنيوية ، المرجع فيها هو الشعب ، والصراع حولها يعبّر عن مصالح اجتماعية تخص الجماعات والطبقات والفئات المكوّنة لهذا المجتمع . ولا يحق لطرف من اطراف هذا الصراع ان يدّعى انه معبّر عن ارادة السماء او ممثل للارادة الالهية المتعالية . كما لا يحق له ان يصف الآخرين بأنهم خارجون عن طاعة الله أو ممثلون لحزب الشيطان . ومن هذه الزاوية فانه يتبنى موقفا علمانيا مستقيما - والعلمانية لا تعنى بالطبع ، كما يعرف كل شخص مستنير ، غير متحامل على الحقيقة الموضوعية ، وغير منخرط فى وأدها ، معاداة الدين او استبعاده من الحياة ، انها على العكس من ذلك تعنى ضمان الحرية الدينية اعتقادا وممارسة . وضمان حرية الضمير وتؤمن بالمساواة بين الأديان ، وتناهض الاضطهاد الدينى بكل أشكاله . ان الحزب العلمانى يرفض تحويل الصراع الانسانى الى صراع دينى - ويسعى الى ايجاد حل ديمقراطى لكل الصراعات وهو ما لا يتوفر لغير العلمانيين . أولئك الذين يضعون أنفسهم فوق البشر ، ويزعمون لأنفسهم خصائص فوق - انسانية - ومدعين لذواتهم تمثيلا فوق - انسان . ان الحزب يناهض الدولة الدينية بكل أشكالها لهذا السبب . ولكنه يجهد فى ذات الوقت ، وبكل السبل الى التعبير عن الجوهر الاجتماعى لرسالة الدين والمتمثلة فى اقامة قيم الخير والعدالة والمساواة ، واشاعة روح التكافل والتراحم واللين . انه يستلهم هذه القيم ، ويفتح ابوبه للناس كافة ، بمختلف انتماءاتهم الدينية ، ولا يغلق امام اىّ عضو من اعضائه فرص الصعود الى اعلى المراتب القيادية بسبب انتمائه لهذا الدين او ذاك ، أو بسبب غياب ذلك الانتماء . كما يراعى فى كل نشاطاته تيسير ممارسة أعضائه لشعائرهم الدينية . ولا يطالب الحزب أعضائه بتبنى موقف فلسفى أو ايديولوجى متكامل عن الوجود . بل يطالبهم فقط بالاقتناع ببرنامجه ولائحته ومنطلقاته الاساسية المنصوص عليها صراحة فى وثائقه المختلفة
٧- يشجّع الحزب ويضمن حرية البحث العلمى ، الفلسفى والاجتماعى داخل هيئاته المختصة ،وعلى نطاق المجتمع ككل . ويشيع جوا من الصراع الفكرى الخلاّق بين مختلف المدارس . ويساهم فى بناء المؤسسات التى يمكن ان تكون منابر مناسبة لمثل هذا الصراع والحوار . ويشجع الانتاج الفكرى ، والبحث الفردى والجماعى ، ويسخر له كل الامكانيات الضرورية والمتوفرة . عن هذا الطريق يزيد المامه بالواقع وقوانينه وتزيد مقدرته فى التعبير عن مصالح القوى التقدمية الصاعدة فى المجتمع . ان المعارف التى تتراكم عن طريق هذا البحث ، الذى يتم داخل الحزب ، وعلى نطاق المجتمع ، هى المستودع الزاخر الذى يغترف منه برنامج الحزب فيصبح اكثر عمقا وشمولا . والجديد فى المسألة ان هذا لا يتم بصورة تعسفية مملاة . بل يتم كعملية ديمقراطية عميقة ، ووفق قوانين الفكر فى الانتشار والتطور. ويعبر عن تطور فكرى حقيقى وملموس . وبهذا يتخطى الحزب المطلب غير الواقعى بأن يكون أعضاؤه من الفلاسفة فى مجتمع شبه أمى ، ويغلق الباب أمام ظهور الأدعياء الذين يعتقدون أنهم ملمون بأرقى المعارف البشرية ، لمجرد تلقيهم لمحاضرة او محاضرتين ، او قراءتهم لبعض - القوانين والمقولات - والذين يصبحون بفضل هذا الادّعاء اسوأ الدعاة للحزب ، بل واسوأ رسله الى المجتمع . وفى نفس الوقت ينفتح الباب واسعا للقادرين على الانتاج الفكرى لينخرطوا فى معرفة واقع شعبهم واحتياجاته المادية ، والروحية ، وقوانين تطوره الاقتصادية والاجتماعية والثقافية - كما يتعرفون على تراثه وينابيعه الملهمة ، ويفجرون قواه الكامنة التى تمكنهم من انجاز القفزة الى ذرى العصر وهم يستطيعون أن يفعلوا ذلك دون تصورات فكرية ايديولوجية مسبقة . ودون كوابح دوغمائية - ويفعلونه فى نفس الوقت مستفيدين من كل الارث الفكرى الايجابى العالمى ، ومن كل الانجاز العلمى والمعرفى المعاصر، صاعدين على القمم الفكرية التى انجزتها العقول البشرية ، ومنها وعلى رأسها الانجاز الفكرى الماركسى ، وما حققه من منهج علمى فى الاقتراب من الواقع ، وما كشفه من حقائق اجتماعية واقتصادية وثقافية لا يستطيع اى مفكر جاد ان يتجاهلها وفى مقدمة تلك الانجازات ، الانطلاق فى نشاط نظرى وعملى من - دراسة المنطق الملموس للواقع الملموس - والانطلاق من دراسة كل ظاهرة فى خصوصيتها الشاخصة ، وتناقضاتها الداخلية وميولها المستقبلية . مع الانتباه لكل علاقاتها الخارجية ، فى واقع وفى عالم يمثل الترابط الجدلى سمة اساسية من سماته .
٨- لقد تكون الحزب الشيوعى على خلفية من الرؤى الشاملة ، وعلى ايمان عميق بعملية ثورية واحدة تحدد مصائر البشرية جمعاء ، وعلى المسؤولية الاخلاقية النبيلة تجاه الانسانية كلها وخاصة كادحيها . وغالبا ما ينسى الكثيرون أن الهدف النهائى للماركسية هو الانسان . ليس الطبقة ولا الحزب ولا الدولة . بل الانسان الفرد ، المتحرر من كل هذه المؤسسات المشار اليها ، باعتبارها قيودا خارجية على فعاليته الانسانية الحرة ، التى يجب ان يسمح لها بالتطور تطورا غير محدود . ان هذا الهدف النهائى المتمثل فى التحرر الانسانى الشامل ، سيبقى على الدوام حافزا للمسيرة الانسانية ، ومفجرا للطاقات البشرية ، ودافعا لتخطى الانسان لذاته وواقعه . ولكن وسائل الوصول الى ذلك الهدف النهائى ستختلف على الدوام . بل ان الانسانية ستتوقف فى كل محطة هامة من مسيرتها الصاعدة ، لتعيد النظر فى الوسائل التى اعتمدتها بالامس . وستتبنى وسائل اكثر تقدما اصبح استخدامها ممكنا بفضل المسافة التى قطعت ، والمعارف التى تراكمت . وهذا ما عبرنا عنه بأن كل لحظة من لحظات الانسانية أصبحت لحظة تنظير . ولذلك فان اضفاء اية قيمة مطلقة على الوسائل ليصبح مسألة غير علمية - كما ان الاهداف نفسها ، الانسانية من حيث الجوهر ، سيتم تعميقها وتوسيعها وتوضيحها . لقد تمت صياغة المشروع الماركسى بالتركيز على لحظة التعميم النظرى . والعكس ذلك فى الفكر والممارسة معا . وكان ذلك على حساب الخصوصية ، الامر الذى أصاب الممارسة الثورية بأضرار فادحة . وتمّ التركيز على الاهداف النهائية ، على حساب الاهداف الجزئية كوسائل فقط ، مع انها تشتمل على غائيتها الخاصة ، والتى لا يمكن الوصول الى غاية نهائية - ان كان ثمة شىء كهذا - بدونها . وقد عومل البشر أنفسهم كوسائل فقط فى كثير من لحظات التاريخ المأساوية ، مع أن كانط كان قد حذر من ذلك قبل ماركس بكثير . وقد أستبان الآن مدى التعقيد الذى ينطوى عليه المجتمع الانسانى المعاصر . ومدى التعقيد الذى تنطوى عليه عملية تحريره . مما يجعل التركيز على خصوصية الجماعة البشرية ، الموجودة فى هذا القطر او ذاك ، فى هذه القارة او تلك ، والبالغة مستوى معينا من تطور القوى المنتجة ، ومن قوانين الاجتماع ، وموروثات الثقافة ، أمرا لازما لصياغة اى برنامج سياسى او مشروع للنهضة . كما ان التركيز على الجزئى ، وعلى الاهداف المرحلية يصبح من مقتضيات النظرة العلمية ذاتها . وقد اوضحنا ان كل ذلك لا يتم على حساب المشروع الانسانى العام ، ولا على حساب الاجيال القادمة . بل العكس يضعها على قاعدة ارفع من التطور الانسانى . ويرفع عنها عبء الوصاية التى يصوغ لها مسبقا شروط حياتها ، مع انها اكثر قدرة من هؤلاء الاوصياء . هذه الاعتبارات تملى علينا النزول من سماوات الثورة العالمية ، ومآلات الانسان النهائية ، الى الاحتياجات الماثلة لشعبنا ،ومجتمعنا ، فى هذه اللحظة من التاريخ ، وفى هذه البقعة من الارض .
٩- ان الحزب الذى يتوق اليه شعبنا هو حزب القوى الحية فى المجتمع من منتجين بأدمغتهم وأيديهم ، ومن رأسماليين مرتبطين بالانتاج والوطن ، ومن أقليات قومية ودينية وثقافية ، فى قوة اجتماعية كبرى تواجه التخلف بكل أشكاله ، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ، وتواجه المجاعة وسوء التغذية ، ونسبة وفيات الاطفال المأساوية ، والسكن العشوائى وانعدام المياه والدواء ، وتخلف التعليم وتدنى الثقافة ، ورداءة المواصلات ، وبؤس وبدائية الكساء ، وتخلف قوانين الاحوال الشخصية ، ودونية المرأة . قوة اجتماعية كبرى تغادر الامس السياسى الى المجرى العميق للسياسة السودانية ، والمجتمع السودانى . قوة تصل السلطة وتبنى نظاما ديمقراطيا معززا ووطيدا . قوة اجتماعية كبرى ، وحزب سياسى حديث وتقدمى . يتحدث لغة الشعب ، ويأخذ من كل انجازات العصر.
١٠- وكما هو واضح فان هذا الحزب لن يكون حزبا شيوعيا لأنه لا يتبنى موقفا أيديولوجيا متكاملا ازاء الكون ، ولا يبشر بمرحلة معينة يتوقف عندها المجتمع البشرى ، ولا يرمى الى اعادة صياغة المجتمع وفق مخطط نظرى شمولى . وهو ليس حزبا اشتراكيا اذا كانت الاشتراكية هى الملكية العامة لوسائل الانتاج ، مفهومة بأنها ملكية الدولة . انه حزب للعدالة الاجتماعية والتى هى مقولة عامة لها وجهها الاقتصادى والاجتماعى والسياسى ، وهى الجهد المدروس لرفع المظالم . اى انها مقولة مفتوحة ، تعطى فى كل منعطف معنى محددا . انها تتعامل مع المجتمع كتكوين معقد ، مداخل العدالة اليه متعددة ، وليس مدخلا واحدا . ان العدالة الاقتصادية هامة واساسية ، ولكن أهميتها وأساسيتها لا تقلل من أهمية وأساسية الجوانب الاخرى . كما ان حل التناقضات الاقتصادية ، أو بعضها لا يؤدى بصورة تلقائية أو بسيطة لحل التناقضات الاخرى .
١١ - ان اقامة هذاالحزب تتم بمبادرتنا ، وانطلاقا من كل انجازاتنا واستفادة من كل قوانا ، مع التشاور الواسع مع كل العناصر الوطنية والتقدمية والديمقراطية والمثقفة . ان الانتماء الى مثل هذا الحزب سيكون ميسورا لكل انسانا مستنير سياسيا . وسيكون بالفعل (اتحادا اختياريا لمناضلين شرفاء واعين). اى انهم سيحتفظون ازاءه بقدر وافر من الحريات الخاصة والشخصية ، فالانتماء اليه ليس نوعا من العبودية ، وليس بيعا للنفس . وهذا لا يضعف روح الانتماء ، بل بالعكس يقويها . فالحزب الذى يحفظ لاعضائه حقوقهم وكرامتهم هو الحزب الجدير بتفانيهم . هذا التفانى الذى يمكن ان يصل الى درجة التضحية بالنفس ، ان الانسان ليقبل الموت من اجل المبادىء التى يمثلها الحزب ، طالما ظلت هذه المبادىء تمثل بالنسبة له قناعات شخصية راسخة وطالما ظل ينعم داخله بكرامة موفورة ، وحقوق مرعية ، وفى نفس الوقت ، فهو يستطيع ان يتركه دون ان تلاحقه اللعنات وتختلق له العيوب ، وتنبش من طيات الذاكرة . الطبيعة الاختيارية لهذا الاتحاد ستتحول من نص لائحى مجمد الى ممارسة يومية . بل ان المرء ، يتطلع الى ذلك اليوم الذى تقيم فيه الهيئة الحزبية المعنية حفل شاى بهيج لاولئك الذين قرروا التقاعد او الخروج من الحزب ، تعدد فيه انجازاتهم ، ويشيعوا فيه بدعوات النجاح فى مقبل ايامهم ، كما يعدد فيه اولئك المتقاعدون والخارجون التجارب التى استفادوها من الحزب ، والخدمات التى قدمها لهم ، والعلاقات والصداقات والاعمال المشتركة التى يمكن ان يؤدوها مع الحزب . هذه ممارسة تحدث فى كل مؤسسة متحضرة . وستنتهى بالتالى ظواهر السجال المرير والVendetta التى غالبا ما تحدث بين الحزب والخارجين عليه.
١٢ - ان الظروف المثلى لقيام هذا الحزب هى ظروف الديمقراطية بالطبع ، وهى ظروف لا تتوفر الاّ باسقاط السلطة الحالية ، ولكن اسقاط السلطة يعرقله تماما غياب مثل هذا الحزب ، مما يمكن ان يوحى بأننا ندور فى حلقة مفرغة . ونحن بالطبع لا نختار الظروف التى نناضل فيها او نمارس فيها السياسة . فقيام هذا الحزب ببرنامجه الجديد ، واسمه الجديد الذى يمكن الاتفاق عليه ، ومنطلقاته الجديدة التى يجب ان تحدد بدقة ، واساليبه الجديدة الفعّالة ، فى هذا المعمعان الشرس ، يمكن ان يعجم عوده ويصقله ، ويعتقه ويقويه ، ويجعل له بأسا شديدا.
١٣ - ما ندعو اليه هو انعقاد المؤتمر الخامس للحزب الشيوعى فى فترة لا تزيد عن عام على نشر هذه الورقة . ونعتقد ان كل الصعوبات يمكن ان تجاوزها . تقدم لهذا المؤتمر كل التصورات المطروحة ، بما فى ذلك التصور الذى افضنا الحديث عنه . وفى حالة تبنى هذا التصور ، يحل الحزب الشيوعى السودانى وتتكون لجنة تمهيدية تضم بالاضافة الى الشيوعيين السابقين ، عناصر ديمقراطية مؤثرة ، وشخصيات وطنية ، مثقفة ومناضلة ويراعى فيها تمثيل الاقليات القومية والعرقية لصياغة برنامج الحزب الجديد ولوائحه ، واسمه ، ونشر وثائقه التاسيسية .
١٤- واخيرا لقد تميّزت كل الاحزاب الشيوعية التى انهارت بروح المحافظة الشديدة التى تصل فى كثير من الاحيان الى درجة الرجعية السافرة . واتسمت ردود افعالها بعدم الحساسية تجاه الشعب ، وتجاه الواقع ، وتجاه التغيير. ولقد تعاملت مع الزمن وكأنه من تراب . ولم تقبل الحقائق الاّ بعد ان فرضت فرضا عليها . ولم تعترف بالوقائع الا بعد ان جرت لها ومناخيرها مغلقة وافواهها مفتوحة. ان هذا الامر يجب الا يتكرر بالنسبة لنا ، وهذه اللحظة التاريخية يجب الا يسمح لها بالافلات من بين الاصابع. وذلك حتى لا نضطر الى ترديد قول الشاعر: نصحتهم قومى بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح الا ضحى الغد .)
ـــــــــــــــــــــ النص أعلاه تلخيص أعده " مدحت الطيب لورقة الخاتم عدلان ، وهي مساهمة في توضيح الأفكار الرئيسة التي وردت في سفر الخاتم ، بلغة فخمة ، وببعض هنات الإملاء .
*
|
Post: #72
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-15-2011, 09:38 PM
Parent: #71
قول على أطروحات بروفيسور عبد الله وأطروحات دكتور الخاتم (2) أيصلح أن نحكم على كاتب من خلال تلخيص للأفكار الرئيسة ؟
نحاول الرؤية من خلال تلخيص ( طلعت الطيب ) لورقة الخاتم عدلان ريثما نجد أصل ورقة الخاتم ، رغم أن اللغة التي كتبت بها على درجة رفيعة من التعبير ، مع وجود هنات الإملاء ( همزات الوصل والقطع ) ، وهي ظاهرة عامة حاول من قبل طباخ اللغة الماهر " مُحسن خالد " من تنبيه الكثيرين عن فؤائد التدقيق الإملائي واللغوي . نعود للموضوع : لست من الذين يتشككون من مصادر البروفيسور عبد الله علي إبراهيم . هو والخاتم عدلان من الذين بينهم وبين الدراسات الأكاديمية كبير ود ، فعبد الله يحب الحفر في التاريخ ، وهو ما قاده لجملة من الأسفار خلال عشرين عاماً خلت قضاها يعكف فيها على ممارسة الكتابة والقراءة بتوازن يُحسد عليه ، وكذا الخاتم ، إلا أن الأخير ابتعد كثيراً وشغله الحزب إلى موعد خروجه المهيب عند المؤتمر الصحافي مع دكتور الكد في أوائل التسعينات في لندن . قبلها كان الخاتم يضن على مواهبه الأكاديمية الباهرة ، وفضل الحزب وحياته القاسية وسط الضغوط عليه من الأنظمة الحاكمة ، وبين لعنة لم يُكتب لها النجاة ، هي التي أراها وقد بينا ذلك فيما سميناه فلسفياً ( أسبقية المادة على الوعي) وخروج ماركس عن مقولة هيغل الأساسية حول ( الوعي سابق للمادة ) وتفكيك مقولات العقائد المتوطنة في وعي جماهير غالبة من شعوب السودان . وهنالك أمر أسميه " ليس بالضرورة أن يكون المعتقد حقيقة "، خاصة في المجتمعات الناهضة في الرقي والتقدم . !! لم أطلع على كل سِفر الخاتم عدلان ، ولكن تلخيص " طلعت الطيب " مس أزمة الحزب منذ ما يسمى بحادث الإفك إلى أزمة المرجع الفلسفي أن الوعي جاء من تطور المادة ، وليس سابقاً لها كما تحدثنا في ذلك من قبل ، وتلك أراها ليست بأزمة القاعدة الفكرية لماركس وصاحبه إنجلز ، ولكنها أزمة الحزب الشيوعي الذي لم يخلق رؤية مناسبة للمجتمع السوداني بتعقيده ، وصار مع مر الزمان يخسر جماهيره التي صوب لها حداثة فكره منذ الأربعينات ، ولم يتوصل لرؤية تناسب هذا المجتمع . النص المقتبس من تلخيص " طلعت الطيب " لورقة الخاتم :
* قيام الحزب على أساس الماركسية اللينينية يتطلب من المرء ليكون عضوا من أعضائه ، أن يتوصل لتبنى موقف فلسفي متكامل من الوجود . موقف سيصف نفسه بأنه استوعب أعظم ما توصلت إليه البشرية في مجالات وحقول الفلسفة والاقتصاد والاجتماع والثقافة ، وتخطاها تخطيا جدليا . إن مثل ذلك الانتماء لم يكن في متناول الأغلبية الساحقة من شعبنا ، لا تاريخيا ولا معرفيا .وهو ليس في متناولها الآن أو في المستقبل المنظور. وانه طموح غير عقلاني أن نحاول بناء حزب من الفلاسفة في مجتمع أمي .
* الموقف الفلسفي المادي للماركسية ، والذي لا يمكن التوفيق بينه وبين التصورات الدينية حول الكون والخلق إلا بمعجزة ، قد سهّل مهمة أعدائه في إنشاء حائط أصم بينه وبين الشعب . إن تركيز القوى التقليدية والرجعية بمكر وخبث على هذا الجانب ، قد وضع عقبات كئود بين الحزب والجماهير. وذلك في وسط اجتماعي يشكل الدين نسيجه المعرفي والقيمي والأخلاقي. وقد تعرض الحزب لحملات بالغة العنف والفظاظة ، اعتمدت على الترويج الخبيث لمواقف عملية مزعومة ، يقفها ضد الدين ، وقد تصدى الحزب لتلك الحملات ولكن المأساة التي صاغها التاريخ ، وطوّق بها الحزب ، هي أن الأغلبية الساحقة من الجماهير كانت تقف خارج دائرة البث الفعّال التي يغطيها الحزب بأقواله وأفعاله ، سواء بفعل الأمية السياسية والثقافية ، أو العزلة الجغرافية ، أو محدودية أداة البث ذاتها . في الوقت الذي كان فيه خطاب القوى الرجعية واصلا لكل أقسام الجماهير.) *
*
|
Post: #73
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 02-15-2011, 11:05 PM
Parent: #72
الأخ عاطف مكاوى
السلام والرحمه ومعاودتك للقراءة أمر واجب ينبغى على الجميع ممارسته حتى لا نتعجل لإطلاق أحكام نكتشف ضعفها ورخاوتها لاحقا ودوما فى التأنى السلامة من الكثير, وأهمية ذلك المكتوب لأهمية أطرافه وأهمية الظروف التى أنتجته وهى تلك الظروف التى تلحق بنا جميعا, وإن أبينا. فبها مازال يتشكل السودان الشائك بمكوناته الإجتماعيه المتمايزه والمتميزه. وأن السودان سوف لا ولن يحرز تطورا إيجابيا إذا لم يقف فلاسفة إجتماعه وسياسته على أدق دقائق مكوناته. والشكر لك والسلام.
منصور
|
Post: #74
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: Asim Fageary
Date: 02-16-2011, 06:38 AM
Parent: #73
سلام يا محمد النعيم
Quote: بدر الدين .....سلام تعزيزاً لقولك . و تبياناً لمصداقية ماركس و إتساق قوله مع عمله و تاكيداً لعمق قناعته بان النقل الاعمى من الكتب و من تجارب الاخرين ليس من الماركسيه فى شئ ! و أن نظرية الثوره الإجتماعيه عند الماركسين إنما هى بنت الواقع و أشراطه القائمه. فى هذا المنحى احب دائماً الإستشهاد بقول ماركس فى ما يعرف بخطاب امستردام 1872 الذى قال فيه بخصوصيه كل مجتمع و عن ضروره سير خط الثوره وفقاً له و على حسب التشكيله الإجتماعيه و السياسيه فيه . و عندى هذا يدعم فكرة ان النظريه الثوريه عند ماركس ليست تهويماً فى المكتبات و اجتراراً لتجارب شعوب العالم .
|
هذا الكلام أتفق معك فيه 100% وهذا ما يجعل الفلسفة الماركسية منهج لتحليل الواقع والخروج بمخرجات تناسب ذلك الواقع وليس آيدولوجية مفصلة جاهزة تفرض على الواقع
مع تحياتي
|
Post: #75
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: بدر الدين احمد موسى
Date: 02-16-2011, 08:49 AM
Parent: #74
محمد النعيم
تحياتي
ايوة يا محمد الماركسية هي تطبيق المنهج العلمي لحل قضايا المجتمعات لخير الانسان والمجتمع. نفس المنهج العلمي الذي يستخدم في الفيزياء او الكيمياء او الاحياء او الاقتصاد هو نفس منهج ماركس. وتجد في كثير من كتب علوم الاجتماع اعتراف صريح بمساهمة ماركس العظيمة في صياغة وترسيخ المنهج العلمي في دراسة الاقتصاد والمجتمع, لكن البعض يريد ان يخفي الشمس بكلمات مفككات وبلا منهج ولا معرفة!
غايتو الله في!
---
الاخ عبدالله الشقليني
هنا وصلة لورقة الخاتم ان اوان التغير كان قد رفعها امجد ابراهيم في لسودانيزاونلاين
وثيقة آن آوان التغيير!! للأستاذ الراحل الخاتم عدلان
وهذا رابط لاستقالة الخاتم من الحزب الشيوعي ايضا من مكتبة امجد ابراهيم للتاريخ: استقالة الراحل الخاتم عدلان و رفاقه من الحزب الشيوعي السوداني!!!
رفعت الوثيقتين لاني اعتقد انهما مترابطتان وايضا لاني انوي الرجوع اليهما في النقاش هنا اذا الله مد في الايام وسمح الزمن
|
Post: #77
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 02-17-2011, 00:48 AM
Parent: #76
الأخ الباشمهندس الأديب عبدالله الشقلينى يا حارسا لنهر الثقافة تسقى بلا توان ولا من ولكل الناس وتحت قاهر الظروف وأصعبها الشكر لك على تعقيب الأخ الدكتور طلعت الطيب وعلى تعقيبك على ذلك وربما يتلمس البعض من ذلك طرقا جديده فى التفكير لفك بعد الرموز والشفرات والطلاسم والتى رسخت فى أزهان البعض من عنعنة قول أو مشاهدة مواقف أو سماع إدلاء من بعض دعاة حراسة الفكر المتغير المتجدد بالضروره والساكن المتحجر فى عقول بعض الطواغيت من دعاة التفكير.
ولك كل السلام
منصور
|
Post: #78
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-17-2011, 09:08 AM
Parent: #77
الشكر الجزيل للأكرم : بدر الدين أحمد موسى و الأكرم : مجدي إبراهيم وصاحب خيمة الضيافة الفكرية ( الأستاذ / منصور ) والدكتور الخاتم عدلان على هذه الورقة الفكرية .
ونقلنا النص ليسهل الرجوع للنصوص بصورة سلسة ، وبهذا نعود لأصل الورقة :
Quote: سلام جميعا
التوثيق لاعمال المفكرين عمل مضني و صعب و به مسئوليات كبيرة حقا، لحسن الحظ تتيح التكنولوجيا المعاصرة حلولا كثيرة و تواصلا مع محبين للفكر و مثابرين في تحصيله و تدوينه و من هؤلاء الاخوة محمد احمد ابو جودة، وعيسى عبد المنان، و الاخ معروف سند.. الذين قاموا بطباعة معظم هذه الوثيقة و ارسالها لي عبر الايميل مما سهل ووفر على الكثير من الوقت، فلهم مني جزيل الشكر و عظيم العرفان على هذه المساعدة الكبيرة..
وثيقة آن آوان التغيير من المحطات السياسية الكبيرة في الحياة السياسية السودانية المعاصرة.. لأنها قدمت نقدا متكاملا لتجربة الحزب الشيوعي السوداني، و قدمت اجتهادات نظرية كبيرة أدت الى احداث هزة فكرية حقيقية داخل هذا الحزب العريق، كما اسهمت ايضا في تكوين احزاب و حركات ليبرالية في الساحة السياسية السودانية بصورة عامة...
برحيل كاتبها تكتسب هذه الوثيقة بعدا آخرا حيث يزول الشخصي حولها، و تسمو باجتهاداتها النظرية كتحدي فكري حقيقي للاتيان بالجديد.. لقد ظلت هذه الوثيقة حبيسة الورق طيلة الـ 14 عاما السابقة، و اطلع عليها عدد قليل جدا من أعضاء الحزب الشيوعي المعنيين اساسا بها، كما انها لم تصل الا نادرا للمثقفين السودانيين بصورة عامة و لقد واجهه الاستاذ الخاتم عدلان عنتا كبيرا كي ترى حيز الوجود و توزع على عضوية حزبه آنذاك.. لا اطيل عليكم و ارسل لكم الحلقة الاولى من 6 حلقات على التوالي.. لكم مودتي امجد ابراهيم سلمان[/red][email protected]
كلمة الشيوعي
بإصدار هذا العدد ، تكون اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني وبقرار منها وِفقاً للائحة الحزب، قد واصلت فتح المناقشة العامّـة حول قضايا العصر . فخلال أكثر من أربع ســنوات مضتْ ، حدثت تطوُّرات عاصفة وعميقة تغيّرت فيها الخارطة السياسية للعالم المُعاصر . إنهارت النُّظُم الإشتراكية في دول شرق أوروبا ، وانهار حُكم الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي – سابقاً- ، ونبذتْ بعض الأحزاب الشيوعية انتماءها للماركسية ، وغير ذلك من تلك الظواهر بالغة الأهمية . ولم يعُد في استطاعة أحد ان ينكر أنّ الماركسية اللينينية تمرُّ بأزمة مُستحكمة تتعلّق بوجودها وجدواها . وهذا يطرح على الشيوعيين والماركسيين في كل أنحاء العالم ، أن يشرحوا ما حدث، وأن يدرسوه ويتأمّلـوه ويخرجوا منه بحصيلةٍ نظرية تُغني الفكر الإنساني وتُضيئ مسيرة الإنسانية من أجل غدٍ لائق للإنسان ، مُفَـجِّر لقواه ولطاقاته غير المحدودة . إنّنــا ننشرُ في هذا العدد مُساهمة أخرى تُضاف لسابقتها التى نُشرِت في الشيوعي 156 ، وكِلاهما يُمثِّلان مساهمة شخصيـــة لكاتبيهما ولم نشـأ ان تخرج باسم هيئة حزبية قائدة حتى تكون الرسالة واضحة للجميع ، وهي أنّنا نفتح المناقشة العامّة دون ان نكون قد حدّدنا بصورة مسبقة، نتائجـها النهائية .
إنّ قادة الحزب السياسيين ومثقَّفيــه وأعضائه ،مدعُــوون جميعاً للمساهمة المكتوبة، مقالة وتعليقا ، بدون حِجر وبحرية تامة ، دون ادّعاءات بامتلاك الحقيقة المطلقة ، ودون قفز مُفتَعل الى النتائج .مناقشــة تتميّز بالعُمق والرصانة والذهن المفتوح، مبتغاها الحقيقة الثورية دائماً وأبداً بكونها حقيقة ، حتى نصِلُ عبر عملية ، ربما تكون مُعقَّدة أو طويلة، الى رؤية موحّدة نتوجّه بها الى شعبنا كخيار قابل للأخذ والرّدِّ والإضافة والحذف والإلغاء ، قابل للنقد وقابل للنّقض، فالحُكم أوّلاً وأخيراً ، هو للشـــعب .
سـتكون مجلة الشيوعي هي المنبر الأساسي لهذه المناقشات، ولكنّها لن تكون المنبر الوحيد . والأمر يتوقّف على حجم المناقشات نفسها. فهيئة التحرير حريصة على نشر المساهمات بمجرّد وصولها حتى تكون دراستها متزامنة أو متقاربة ؛ مع الإصرار على تذليل كل الصعوبات الموضوعية المترتِّبة على عملنا في ظروف السِّرِّية المطلقة ، ووجود سُلطة فاشية هدفها الأساسي اقتلاع حزبنا من الجذور . ونرى ان نشير الى أميز الحقائق في تراث حزبنا ، النظري والعملي ؛ وهي أنّه ستستمر المناقشة دون ان يتوقّف النضال أو يتراخى . فليس من الخيارات المطروحة ، بالطبع، القبول بالدكتاتورية أو التصالح مع الفاشيـة ، بل الأمر على العكس من ذلك تماماً . فإسقاط الدكتاتورية يزيح العقبة الكؤود التى تحول دون حوار ثَـر وشامل ، يشترك فيه شعبنا باجمعه . ونحن واثقون أنّ هذه المساهمة تمثِّل استمراراً للمناقشة التى استُــهِلـَّت بإصدار الشيوعي 156 وستساعد الكثيرين على بلورة أفكارهم وتسجيلها على الورق ، وإرسالها الى هيئة التحرير .
هيئة تحرير مجلـة الشــيــوعــي طبعة ثانية – م.خ – هيئة تحرير مجلة الشيوعي – فبراير 1994
آن آوان التغيير
1- مدخل :
مالذي حدث للشيوعيــة ؟ للأحزاب الشيوعية ، والشيوعيين الأفراد ؟ ماذا حدث لعالم بكامِله ، كان ، حتى الأمس، ملء السمع والبصر ، وأضحى أثراً بعد عين ؟ . إنهارَ انهياراً مأساوياً يُذَكِّر المرء بالقَـصص التوراتي والقرآني، حيث تختفي أقوام بكاملها من على وجه البسيطة وفي لمحِ البصر !؟ ..
عندما بدأ شبح الشيوعية يُطارد أوربا العجـوز، ويُقلِق نومها، ويُفزِع أباطرتها وطغاتها ويُجبرَهم على الإنخراط في حِلفٍ مُقدّس. كانت قد وُلِدتْ بالفعل، واحتلّت مكانها على مسرح التاريخ ، قوّة لم يسبق لها مثيل في عُنفوانها ونُبلِها ومشروعها الإنسانيِّ الأخّاذ . ذلك المشروع الذي أراد أن يُحوِّل العالم ويجعله مكاناً جديراً بإنسانٍ جديد متعدد المواهب والمَلَكات . ينمو في جميع الإتِّجاهات، ويكون شرطاً لِـنُموِّه هذا، النُّموّ الحرّ لكل إخوته في الإنسانية .
عندما بدأ " ماركس" و " إنجلز " يرسمان معالم المشروع الجديد، تخدُمهما العبقرية والموهبة والذكاء ، فقد إنجذبت إليه بالفعل ، وعلى طول أوروبا وعرضها، أكثر العقول استنارة ، وأكثر المناضلين شرفاً وحماسة ؛ وقد تفجَّرت في صدور الرجال والنساء أحلامٌ وآمالٌ ، وامتلأت آفاقِهم باحتمالات نبيلة وخَـيـِّرة كفيلةٌ باجتياج السـماء . وقد نشأت لتحقيق تلك الآمال والأحلام والطموحات والإحتمالات، أخَـــــويَّات بشرية، لم تكن أقلّ من تلك الأخويات التى حقّـقها الأنبياء وسط أتباعهم . وقد كانت صداقة ماركس وإنجِلز نفسَيهما ، مثالاً ساطعاً على ذلك، قلّ أن يجود الزمان بمثلِه . وقد انخرطت هذه القوى في تغيير العالم ، وتحقيق المشروع الإشتراكي، ثمّ الشروع بعده في بناء المجتمع الشيوعي ، باعتبار ذلك تجسيداً لأنبل القِيَــم التى عرفتها الإنسانية ، وباعتباره حلآ لأعقد الألغاز التى أنشأها التاريخ ، وتجاوزاً لأصعب التناقضات التى عرفتها البشرية . وقد اتـَّسـَم نضال هذه القوى بالبطولة وبالشجاعة الفائقة وبنكران الذّات والإزدراء بالمنفعة الشخصية والإستهانة بالمصاعب والأخطار .
ورغم الهزائم والإنكسارات، التى واجهتها في بداية مسيرتها، فقد تمكّنت هذه القوى في عام 1917، في روسيا القيصرية، من الإستيلاء على السُلطة ، والشروع في بناء المجتمع الجديد . وقد تجلـَّتْ في عملية الإستيلاء على السُلطلة وفي مواجهة التدخل الخارجي والحرب الأهلية ، بطولاتٌ خارقة ، إعترف بها الأعداء قبل الأصدقاء . وقد ظهرت إثر انتصار الثورة في روسيا ، بوادرٌ باهرة لإجتياح العالم بأكملِـه ، ولم يكن الإعتقاد بإمكانية وواقعية ذلك الإجتياح وِفقاً على الشيوعيين وحدهم ، بل شاركتهم فيه شعوب بكامِلها ، وارتعدت له فرائص البرجوازيين ووجَفتْ قلوبهم . ولكن! بعد الشروع في معارك الإستيلاء على السُلطة في بعض البلدان، إتّضح أنّ تحقيق الحُلم لم يكن بالسهولة التى تَـخَـيَّله بها الشيوعيون وقادتهم . وبدأ واضحاً أنّ قوى أوروبا العجوز لم تكن تنقصها الشجاعة، ولا الحَمـِيَّة والمكـر ، ولا العنفوان المُـسلّح ، وإنّ وصفَـها بأنّها قوى عجوز ، كان يحتوي على جُرعة زائدة من البلاغة الكلامية . عندما بدأت وقائع هزيمة الثورة في هنغاريا ، وتأجيلها في ألمــانيا، وإجهاضها في بلدانٍ أخرى، تفعلُ فعلها وتُشكِّل وعياً جديداً ؛ إضطرّ البلاشفة الى توقيع صُلح " برست ليتوفسك " ،و قبول اقتطاع مساحات هائلة من أراضيهم لصالح المعتدين الألمان . ومن شيوعية الحرب وطموح التنفيذ الفوري للبرنامج الشيوعي، تراجعوا الى السياسة الإقتصادية الجديدة التى يُمكن أن تؤدي الى بروز فئات برجوازية صغيرة جديدة في المستقبل ، تنافس البروليتاريا . وشيئاً فشيئاً ، حلّت الوقائع الصّارمة محلِّ الأحلام المُجـَـنَّـحة ! ..
أثناء حرب التدخل والحرب الأهلية، فَنِيَ آلاف الشيوعيين ، وهلكت أقسام كاملة من البروليتاريا الصناعية . وحلَّ محلَّهم فلآحون أمِّيون وأجلاف ، لا يستوعبون المشاريع النظرية ولا يؤمنون بها . وأمسكت بمقاليد السُلطة، بيروقراطية ضخمة من قُساة القلوب ، ظلّت الهُـوَّة بينها وبين الشعب تتَســع كل يوم .وقد أدّى ذلك الى نتائج ،ليس من أهدافنا حالياً الخوض في تفاصيلها، ولا تَـقَصـِّي أسبابها، تاركين ذلك لمناسبة ، ربما تحينُ قريبا ؛ مِن هذه النتائـــج :
*- تركّزت الثروات في يدِ الدولة فأصبحت مالكة لكلِّ شيئ ، ومتصرِّفة مُطلَقة الصلاحية في كلّ خيرات المجتمع . وكان مطلوباً منها ،مع ذلك، أن تشرع في الإضمحلال ! .. ووجدت البيروقراطية أن باستطاعتها أن تتصرّف بخيراتِ المجتمع ومصائر الناس بِحُريّة أوسع من تلك التى كانت لدى القياصرة ! فانفصلتْ عن الشعب، وامتصـَّت رحيق حياته ونكَّلتْ به .
*_ مِن خلال عمليات تصفية نشطة إستُخدمت فيها المؤتمرات الحقيقية والمفتعلة ، تمّ القضاءُ على جميع الأحزاب الأخرى ، وسُحـِق استقلال المنظمات الإجتماعية والأهلية، وصار الحزبُ حِزباً واحداً ، الرأيُّ رأياً واحداً ، والتصـوُّر للماضي والحاضر والمستقبل تصـوُّراً ضحلاً وبائساً ! يُمثـِّلُه ويُجَـسِّده حاكمٌ مُعتل العقل كان اسمه " جوزيف ستالين " ..
*- حَـلَّتْ سياسة الهيمنة والضمِّ والإلحاق وفَرض النماذج السياسية والإقتصادية ، بل النّهب الواضح الفظ !، في بعض الحالات، محلِّ السياسات القائمة على أخويـَّة الشعوب وحرِّيتها وحقـَّــها في تقرير المصير .
إنّ ذلك كلّه وغيره، لم يحدُث مرّة واحدة ، ولم يحدُث دون مقاومة ؛ فَعَلى المستوى الأعلى للقيادات الحِزبية، فقدَ الكثيرون أرواحهم دفاعاً عن المشروع الأصلي . وعلى مستوى الشَّعبْ ووسط جماهير الفلآحين بصفة خاصّة، ســالَتْ دماء الملايين الذين كانوا يدافعون عن اسلوب في الحياة ، كانوا يرَونَـه طبيعيّاً وعادلاً ، خاصّةً بعد تمليكهم الأرض بعد الثورة، ولم يعبأ أحد بإقناعهم أن هناك مـا هوَ أفضل منــه .
هذه اللمحات العابرة ، ليست محاولة لتفسير ما حدث في الإتحاد السوفييتي وغيره من البلدان الإشتراكية ، بل هي محاولة لتوضيح حقيقة ، في غاية البساطة، وهيَ أنّ أيِّ حزب يُمكن ان ينحدر من ذُرى البطولة الى سِـــفوح الإنحطاط ، ويمكن ان يتحوَّل قادته من مناضلين يقتحمــون السماء ، الى حِفنةٍ من القَــتَـلة الأشرار .
ولكنَّ الإنحطاط الذي أصاب الحزب البلشفي تحت قيادة " ستالين" لم يكن شاملاً لكل الحركة الإشتراكية والشيوعية . فأثناء الحرب الأسبانية، وطوال الحرب العالمية الثانية، إنقدحت شرارة البطولة من جديد ولعبَ الشيوعيون ، على طول أوروبا وعرضها، أدواراً في مقاومة الفاشية والنازية ، لايمكن أن تنساها الشعوب . ولعبَ الجيش الأحمر السوفييتى دوراً في دحرِ النازية لايمكن ان تنساه الإنسانية . وقد حقَّق معجزة سحق النازية رغم أنّ قائده المعتوه! كان يُلحِق به من الخسائر والأضرار ما عجـِزَ عنه " الفيرماخت" أي، هيئة قيادة الجيش النـّازي . وقد نشأت في حماية الجيش السوفييتي ، في شرق أوروبا ووسطها، دولٌ إشتراكية على منوال المثال السوفييتي ، والذي كان قد لحِقتـه تشويهات لا تغيبُ عن العين . ومن المؤكّد ، أنّ تلك التشويهات كانت واضحة وجليـّة لقادة البلدان الإشتراكية الجديدة ، ولكنّ إمكانية نقدها وفضحها ، دع عنكَ إمكانية الخروج عليها!، كانت مُغلَقة ، حيث كان " قانون البقاء " يتكفَّل بإخراس الألسـنة . ولا يُمكن لأحدٍ أن ينكر أنّ هذه النُّظُم قد حقَّقتْ إنجازات باهرة وكبيرة بكلِّ المقاييس ، في بُلدانٍ كان أغلبها يتّسمُ بالتخلف ،ولكنّهم كانو يحققون هذه الإنجازات والنَّيْرُ الروسيُّ الفادح يثقِلُ أك########م !. وكنتيجة ، لامفَـرَّ منها لعملية طويلة من التدجين والإخضاع والإرهاب والإفساد والتشويــه، عبرتْ هذه الأحزاب مرحلتها البطولية الى مرحلة الإنحطاط والإذعان والمناقضة . وهل نحتاجُ لأمثلةٍ على مـا نقول؟ .. إنّ القليل منها يكفينا : **- في أوائل نوفمبر 1989 عاد " إيريش هونيكر " من زيارة الى الإتحاد السوفيتي ، حاول فيها " غورباتشوف " أن يقنعه بإجراء إصلاحات على غِرار البيريسترويكا . وقد رفض هونيكر هذا الأمر بازدراء ! قائلاً : إنّ نظامه لا يحتاج الى إصلاح ! وعندما سُـئِل عن " سور برلين " قال: إنّه سيظلُّ قائماً خلال السنوات المائة القادمة !! ولكن ، بعد أقلّ من عشرة أيّام، أي في 9نوفمبر 1989 إنهــار سور برلين الذي كان أوّل سورٍ في التاريخ يُقام، ليس لحماية الشعب من الغزاة، كما كان يحدُث في الصين وإسبرطة مثلاً ، بل لمنع سُـكّان الجنَّة الإشتراكية الألمانية من الهروب الى سـعير الإستغلال الرأسمالي!! ولانظنُّ أنّ " ماركس" كان من الممكن ان يحتمل مثل هذه السـُّخرية القاسية .
**- وفي تشيكوسولوفاكيا ، سـَـيـَّرَ أبناء العُمّال والفلآحين والعُلماء ، مظاهراتٍ في 17نوفمبر يطالبون فيها بالإصلاحات الديمقراطية السياسية والأكاديمية . وقد حاولتْ الفتيات في المظاهرة أن يستَمِـلنَ رجال البوليس برشقهم بالأزهار ، ولكنّ القادة الشيوعيون ، الذين تحوَّلوا الى تروسٍ في ماكينة البيروقراطية المعزولة عن الشعب، أجابوهم بالرصاص الحي !.
**- في ديسمبر 1989 ألقى " نيكولاي شاوشيسكو " خطاباً استمرّ ستَّ ساعات في مؤتمر الحزب الشيوعي الروماني، وقُـوطِع بالتصفيق المتواصل، والوقوف أكثر من عشرِ مرّات وأُجِيــز بالإجماع ! فَمـَنْ يجــرؤ ان يقول أنّه لا يرى الشمس في رائعة النّهار !؟. وانتُخِبَ شاوشيسكو رئيساً مدى الحياة ، وأبدى القادة السوفييت ، وعلى رأسهم غورباتشوف، إعجابهم بالشديد بالخطاب وبصاحب الخطاب، وأرسلوا له رسالة مطَـوَّلة بذلك، كانوا قبـلها بعامين، قد أنعموا عليه بِوسام " لينين " للسلام . وقد كان الشعب الروماني يشهدُ المهزلة بغضبٍ يُحرّق الأجفان ويُفَـجِّرُ البابي ؛ فقد تحوَّل قادة الحزب الشيوعي في نظرهم الى طُفيليّات جديرة بالسـحق . وعندما انفجرت المظاهرات إحتجاجاً على نفي راهب كاثوليكي، إندفعتْ السيكيوريتات، وبأوامر الطاغية ، تحصدُ جماهير الشعب بالمئات ، ولكن السيكيوريتات، وبكلِّ قوّتها وجبروتها، لم تستطع ان تحمي الطَّـاغية ! وعشيـّة أعياد الميلاد، أُعدِمَ تشاوشيسكو وزوجته ، ولم تُذرَف عليهما دمعةٌ واحدة ..
وفي هـنغــاريا وبُـلغاريا وألمــانيا، كان الشيوعيُّون من الحِكمة بحيث استطاعوا ان ينضمـُّوا بسهولة نسبية الى الشعب، ويشتركوا معه في هدم البناء الذي أقاموه طِوال سنوات حُكمِــهم . وقبل ذلك ، في بولندا، وقفتْ الطبقة العاملة كلّها ضد السُلطة وضد الحزب ونظّمت نفسها في نقابة " تضامن " ؛ ومع ذلك لم يرَ الحزبُ أنّه كفَّ عن أن يكون حزباً للطبقة العاملة! واستعان قادته بالجيش، الذي يبدو أنّه تقمَّــصته روحٌ هيجليـّة حوَّلته الى نقيضٍ ! فصارَ هو الطبقة العاملة ، بينما أصبحتْ الطبقة العاملة نقيضاً لِذاتِــها ! . وقد كان بعض الشيوعيّون يصرخ ويقول: لن نتنازل عن شبرٍ واحد من رِقعة الإشتراكية حتى ولو كان ذلك التنازل من أجل الطبقة العاملة نفســها !! . ولم يكن استخدام الجيش ضد الطبقة العاملة وقفاً على بولندا وحدها ، فقد اسـتُـخْــدِم ضدها في ألمــانيا عام 1953، وفي المجر 1956 وفي تشيكوسلوفاكيا عام 1968 .
هذا العبور من عصر البطولة الى عهد الإنحطاط، هل يخُـصّنا نحن في الحزب الشيوعي السوداني ؟ هل يُمكن ان يكون مصيرنا كمصيرِ الآخرين ؟ وهل سنشترك يوماً في قمع شعبنا وقهره بالسلاح ؟ وهل في مآسي الأحزاب الشيوعية الأخرى ومصائرها، شيئـاً نتعلـَّمه منها ؟ وهل في استطاعتنا أن نُديرَ ظهورنا لما حدث ونتعامل كأنّ شيئاً لم يكُنْ ؟..
هذه هيَ بالضبط ، الأسئلة التي كتبتُ هذه الورقة للإجابة عليها ، بل إنّها كُتِبَـتْ لِتفادي مثل ذلك المصير الذي حلَّ بغيرِنا . فَثمَّة نغمة بدأت تتـّــسع الآن بأنّــنا حزبٌ من نوعٍ خاص ، لم يعرف عِبادة الفرد، ولا حَجْب الرأي الآخر ، ولا نَفي المخالفين في الرأي ؛ دع عنكَ إعدامهم . وما دامت المقدِّمات المختلفة تقود الى نتائج مختلفة ، فلا يُمكن لأحدٍ أن يتّهمنا بشيئ أو يُحاسبنا بأخطاء غيرنا . وربما يتساءل البعض : كيف يُمكن لحزب عبدالخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ ، أن يصبح كحزب شاوشيسكو ؟ .
وليس في نيّة كاتب هذه السطور ان يكتفي بالإجابات العاطفية، أو الجُمل الطنّانة المُفجِّرة للحماس والعواطف النبيلة . صحيحٌ أنّنا حزب سودانيٌّ شديد الإعتزاز بسودانيـَّتِه ، ولكن الأحزاب الشيوعية الأخرى، كانت أحزاباً وطنية هيَ الأخرى ، شديدة الإعتزاز بانتماءها القومي من دون شك . وقد كانت لها مآثرها وتضحياتها وأبطالها وقد حاولتْ ، كما حاولنا ، أن تُخضِع الماركسية لمُقتضيات واقعها، ربما أقلّ قليلاً أو أكثر قليلاً . ولكـنّــنا ، كحزب شيوعي، لو وُضِعــنا في نفس الظروف التى وجدتْ هذه الأحزاب نفسها في خِضَـمِّها ، لفعلنا مثلما فَعلوا ، مع أنّ البصمات السودانية لن تكون معدومة .
إنّنــا كشيوعييين ، وإذ نستندُ على الوقائع المُتـَّفق عليها ، حتى مِن قِبَل الأعداء، لَـيَــحِقُّ لنا أن نفخر بالمأثرة التى جسـَّدها على السودان، حزبُـنا الشيوعي السوداني . ولكنـَّها مأثرة قد آذنت بالإنطواء ! ويعتقد كاتب هذه السطور، أنّ سـاعة التغيير قد أزِفَتْ ، وإنّــنا إذا فَـشـَـلنا في النهوض بأعباء التغيير، فإنّ نُـبْلَ التاريخ سيتحوّل الى لؤمٍ لايُصـَدَّق . وعندما ينظرُ المرء الآن ويُجيلُ النّظر داخل الحزب الشيوعي الســوداني، فإنّه يرى مظاهر الشيخوخة قد دبَّت في كلِّ شيئ وتخلـّلت جميع الخلايا . ولكنـَّه يرى ،مع ذلك، إمكانية هائلة للنهوض بالإستناد الى جديدٍ ينبتُ بين الأنقاض، وحياةٍ تتمخَّضُ من كوم الرّماد . هناك إمكانيات حقيقية لبناء مشروع جديد، عادل وخَـيـِّر ، ولكنـَّه أكثر تواضعاً ممّا كنّا نحلم ونتمنّى ، وأكثر واقعية وراهنية ، وأكثر التصاقاً بالأرض، وأكثر اهتماماً بإنسان اليوم، وقضاياه الحقيقية ومشاكله الطاحنة وآماله القريبة، منــه بإنسان خيالي لايعدو أن يكون مقولة ذِهنية ، لاننكر جمالها ومقدرتها الهائلة على الجذب، كما لاننكر أنّها يُمكن ان تتحقّق في يومٍ قادم من أيـّام الإنسانية . ولكنـّــنا فقط، في لحظتنا هذه من الزمان ، في بُقعتنا هذي من الأرض، في مرحلتـنا هذه من تطوُّر المجتمع، نتركها للأجيال القادمة . فهيَ ، وياللأسف الشديد، ليست في متناول أيدينا ، ليست في مُستطاعنا . كما أنّ الأجيال القادمة لن تتمكّن من الوصول إليها إلآ على أساس من هذا البناء المتواضع الذي نحاول أن نُـقِــيمَـه لأنفســنا . وفي هذا مصدرٌ عميقٌ للعزاء .
إنّني أرمي في الصفحات التالية، أن أُقَــيِّمَ إنجازات الحزب الشيوعي الســـوداني، وأُثبتُ بعض ما أضافه للحياة السياسية والفكرية والثقافية الســودانية . كما أنوي أن أُحاكِمَ بالآمال التى فجـَّرها في جوانح الناس، والمشاريع الكُبرى التى ألزمَ نفسه بتحقيقها ، وفشـَـل في تحقيقيها لمُـختـَلف الأسباب . كما أنوي أن أقول أنَّ السـَّيرَ بالطريقة القديمة ، لم يَعـُد ممكناً . فالآيديولوجية القديمة لم تَعـُد مُلهِمة للأجيال الجديدة، ولا مُفِـجِّرة لطاقاتها ، لا جامعة لِقوى التغيير . والنُّظُم الداخلية، عفا عليها الزمن، والديمقراطية يجب أن تدخل من جميع النوافذ والأبواب ، كما أنّ الوجوه يجب أن تتجـدّد .
أنوي أن أقول : أنّ ســــاعة التغيير قد أزِفَتْ ، وأرجـــو ألآ يفـــــوت الأوان ..
2- لمـــحــات من سـِــيرة الحزب :
في أغسطس 1993، بَـلغَ الحزب الشيــوعي الســـوداني عامـه السابع والأربعين على ثرى الســـودان . وعندما يقف الشيوعيّون السودانيون في هذه النقطة، ويرجعوا بأبصارهم الى الوراء ، ويتأمّلوا مسيرتهم هذه، الطويلة بمقاييس السياسة السودانية، فإنّهم لايجدون فيها ما يُخـجِل أو يشين . بل يجدون فيها ، على العكس، الكثير الذي يملأ الجوانح بالفخر والنفوس بالرِّضـا . ويُمكن لكل مراقبٍ نزيه أن يؤكّد ،دون أن يخشى التحيُّز أو المبالغة، أنّ الشيوعيين السودانيين لم يتخلّفوا عن أيَّة معركة خاضها الشَّعبُ من أجل التقدّم والديمقراطية طوال هذه العقود ، إن لم يكونوا القادة الذين لا تلين لهم قناة في هذه المعارك . وقد استهلّوا مسيرتهم ودشـّنوا تاريخهم بالنضال ضد المجلس الإستشاري عام 1946 وضد الجمعية التشريعية عام 1948 . لقد شاركوا في تفجير الغضب الشعبي ضد تلك المؤسسات الإستعمارية ، وتقدّموا الصفوف وجادوا بالتضحيات وقدّموا الشـُّهداء . واستطاع الشّعبُ بِفضلٍ من ذلك الدّور وبِفضلِ إرادته الغلآبة ، من هزيمة تلك المؤسّـسات وتخطِّيـها . وقد شاركَ الشيوعيون ،من خلال علاقات حميمة بالجماهير، في بثِّ الدعوة الى استقلال كامل ونظيف، خالٍ من الإرتباطات العسكرية والأحلاف والمشاريع الإستعمارية المشبوهة. إســتقلال يكون بوّابة يلجُ منها السودان الى القرن العشرين، ويبني اقتصاده المتقدّم ، ونظامه الديمقراطي الرّاسخ ، ونهضته الوطنية الشامخة . ويُحِقِّق وحدة الشعب ويُلـِهمُ كلَّ نضالاته اللآحقة .
في خِضم ذلك النضال، أدخل الشيوعيون أساليب جديدة في العمل السياسي الجماهيري في السودان . أقاموا الليالي السياسية الحاشدة والتي صارت ،فيما بعد، منابر أساسية للتعليم السياسي والتعبئة الشعبية . وأصدروا البيان السياسي المطبوع بإسلوبه الجديد المُتميِّز ، ورسالته السياسية الواضحة . وسـَــيَّروا المظاهرات الشعبية لإظهار قوّة الجماهير ، لها هيَ نفسها أوّلاً ، ولأعدائها بعد ذلك . ولِخدمة أهداف سياسية واجتماعية محدّدة ؛ وبشعاراتٍ تضيف الى المضمون المحدّد ، القوّة والحيوية والتعليم . ولعِبـوا من خلال كل ذلك وغيره، دوراً ،لايُمكن أن ينكره إلاّ مُغرض، في تحقيق الإستقلال والدعوة الى تعميقه بتحقيق الإستقلال الإقتصادي باعتباره وسيلة التحرّر الحقيقية .
وأثناء الفترة القصيرة للحُكم الوطني الديمقراطي بعد الإستقلال، دعا الشيوعيــُّون بأصواتٍ مُجلجِلة موسومةٍ بصفاء الرؤية وبُعد النظر، الى وُحدة الصّف الوطني في مواجهة القوى الرّجعيـّة والذيول الإستعمارية ؛ وكادت دعوتهم تلك أن تُكَـلَّل بالظّفَر بفضِّ الائتلاف بين حِزبَيْ الأُمّة والشّعب الديمقراطي ، وإقامة تحالف وطني واسع وتكوين حكومة للوحدة الوطنية . ولكن القُوى الرّجعية في حزب الأمّة ، وفي قيادة الجيش، وبِتشــجيعٍ وتحريض من قوى أجنبية ، إسـتَبَقتْ هذه الخطوة الهامّة ونفَّذتْ إنقلاب 17نوفمبر بقيادة جنرالات الجيش في صبيحة اليوم الذي كان من المُقرَّر أن يُعقَد فيه البرلمان .
يحفظ التاريخ للشيوعيين السودانيين أنّهم نَـبَّهوا الى وقوع ذلك الإنقلاب مُبكِّــراً ، وكتبَ عبدالخالق محجوب مقالاً لهذا الغرض يوم 9نوفمبر فاضحاً التدابير الخفية للإعداد للإنقلاب العسكري، ومُفصِحاً عن مقدرة متميِّزة للإلمام بدقائق السياسية السودانية ؛ واتِّجاهات السياسة العالمية مع مَلـَـكة التقييم الصائب واليقظة المسؤولة . وعندما وَقَعَ الإنقلاب ، كان الشيوعيُّون أوّل القوى السياسية التى أعلنتْ معارضتها له . وطوال ستِّ سنوات ، كانوا في طليعة القتال من أجل الإطاحة به واستعادة الديمقراطية . وبالإضافة الى صمودهم في وجه الملاحقة والإعتقال والسـجن ، فقد قدّمــوا للجماهير، القيادة السياسية المُلهَمة ؛ إذ طرحوا في منتصف عام 1961 الإضراب السياسي العام باعتباره الأداة التى تؤدِّي الى إسقاط النظام . ولم يبخلوا بشيئ ، ولم يتردّدوا في الإقدام على أيِّ تضحية . وابتدعوا أساليب العمل السِّرِّي التى تُـــعتَمد في مواجهة الهجمات . ولعبوا بكلِّ ذلك دوراً رائداً وأساسياً في تفجير ثورة أكتوبر 1964 . وقد شَـهِد لهم الشعبُ نفسه ، بهذا الدَّور المتميِّز في إسقاط حكومة عبـود وعودة الديمقراطية ، عندما طوَّق أعناقهم بثقةٍ نادرة في حكومة أكتوبر الأولى ، وفي الإنتخابات الأولى عام 1965 ، إذ كسِـبوا إحدى عشرة دائرة من دوائر الخرِّيـــجين الخمس عشرة ، وفاز عبدالخالق محجوب ، السكرتير العا للحزب، في الإنتخابات التكميلية لدائرة الأزهري بالذّات ، بعد تنصيب الأخير رئيساً لمجلس السيادة .
طِوال الفترة الممتدة من ثورة أكتوبر وحتى انقلاب مايو 1969، ورغم حلِّ حزبهم في هذه الأثناء، ورغم كلّ أعمال القمع التى تعرّضوا لها، عمِلَ الشيوعيون على تعميق شعارات التغيير والتقدُّم ، ونجحــوا كثيراً في ذلك . كما استطاعوا ،بفضلِ تحالفاتهم الواسعة من أجل الديمقراطية، وبِفضلِ أساليبهم المرِنة ، أن يمنعوا الرِّدَّة عن ثورة أكتوبر من أن تصبح رِدَّة شاملة ، فاحتفظت الجماهير بمنظّماتها التى كان الرَّجعيُّون مُصَـمِّمين على سحقِـها جميعاً .
ويُعتبر إنقلاب مايو ، من أقسى الإمتحانات في تاريخ الحزب الشيوعي ؛ وإذا اتّفق الناس أو اختلفوا، فَثـَـمَّة شيئ لا شكّ فيه ، وهو : أنّ تلك المواقف كانت محكومة بالمبادئ ،وبعيدة عن كلّ انتهازية سياسية، ومُـتَّسِمة بروح الصِّدام دفاعاً عن قِـيَم الديمقراطية والتقدّم . ومن الحقائق المشهودة، أنّ الحزبَ قد رفضَ كل إغراءات السُــلطة وامتيازاتها ، ولفظَ بحزمٍ أولــئك الذين رأى في تصرُّفاتهم تهافتاً على المصالح الشخصية، أو تغليباً للإعتبارات التكتيكية على حساب الشعب وديمقراطية الحُكم وسعادة الجماهير . وأُجـْــبِرَ الحزبُ ، ساعة الإقتضاء، أن يُحارب السـُّلطة المايوية بسلاحها ذاته – سلاح الإنقلاب العسكري- أعطــى موافقته ، بصرف النظر عن كون تلك الموافقة صريحة أو ضِـمنية ، لتفجير حركة 19يوليو 1971، علـَّه بذلك ، يفتح الباب لحُكم الجبهة الوطنية الديمقراطية ، وإنجاز مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية ، ومُـفَضـِّلاً ، في كلِّ الأحوال، مواجهـة كل احتمالات الهزيمة على الأستسلام دون قِتال . نقــول ذلك دون أن نُغلِق الباب أمام تقييم شامل لتلك الفترة المضطّربة ، يستنـد على الكشف المأمول عن كلِّ الحقائق .
تُعتَبر مواقف أســتشــهاد عبدالخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرنق وبابكر النـُّور وهاشم العطا ومحمد أحمد الرَّيح ورفقائهم العسكريين جميعاً ، مناراتٌ عالية، ليس في تاريخ الحزب وحده، بل في تاريخ الشعب كذلك . فقد أوضح أولـئك الرجال الأفذاذ ، أنّهم قادرون على الذهاب الى آخر المدى في الدَّفاع عن المبادئ التى آمـنوا بها ، وعن مصالح الشـَّعب كما تَـصـَـوَّروها . وفي مواقفهم تلك، لم يكونوا يُعبِّرون عن صلابة الحزب وكفى، بل كانوا يُعبِّرون عن صلابة الشعب وشـرفِـه. ورغم الضّربة القاسية التى وُجِّهت للحزب بعد رِدَّة 22يوليو1971 ، والتى تركت آثاراً غائرة على كل مسيرته اللاّحقة ؛ ورغم التّوجُّهات الشرسـة من قِبَل السُّـلطة ومن قِبَلِ القوى التى كانت تقف ورائِـها محليّاً وإقليميّاً وعالميـّاً ، لاقتلاعه من الجذور، إلاّ أنّ الحزب تمكّن من مواصلة نضاله ضد سُــلطة مايو، ومَـدَّ يده لكل قُوى المعارضة ، والتى لم تكُن تخفي نواياها العدوانية تجاهه ، وذلك لتوحيد النضـال من أجل الإطاحة بحُكم الفرد واستعادة الحُكم الديمقراطي وفتح النوافذ من جديد لتطوُّر السودان . وقد كان ثمرة ذلك ما تحقَّق في انتفاضة أبريل 1985 رغم كل ما أحاط بها من ظروف ومُلابسات عرقلت وصولها الى أهدافها .
طِوال السنوات الأربع التى أعقبت الإنتفاضة ، طرح الحزبُ شــِـعار وُحدة قوى الإنتفاضة لإعطائها محتواها الإجتماعي وتجسيدها السياسي . وقد استطاع الحزبُ المُـثخَن الجراح والمـُــثقـل بقيود السـِّــرية الطويلة الفادحة ، أن يحتـلَّ مكانته في بانوراما السياسة الســــودانية . وإذ كانت تلك المكانة صغيرة وثانوية، فقد كانت على الأقل مُســتقرة . وقد تحقَّق له ذلك بفضلِ تاريخـه ونضاله ، وبِفضلِ برنامجه الديمقراطي الواقعي، وبِفضلِ تكتيكاتِه المَرِنـة ، التى أجبرت القوى السياسية الأساسية على قبولِـه والتعامل معـه ، وهيَ التى كانت ترفضُ ذلك رفضاً مُطلَقاً وقاطعاً ؛ وربما تبـيَّن لهذه القوى أنّه لا يُمثـِّلُ تهديداً حقيقياً لها ! كما كان يفعل في الماضي ، وهذا أمرٌ سنبـحثـه في موضعِه . المـُـهم أنّ الحزب الشيوعي الســـوداني، صار رقماً مُعتَرفاً به في السياسة الســـودانية .
عندما انقضـَّت الجبهة الإسلامية القومية على السُـلطة في 30يونيو 1989 لم يتوانَ الحزب عن الإنخراط في القتال ضدَّها في إطار التجمـُّع الوطني الديمقراطي، الذي استطاع ان يوحِّد أوسع معارضة سياسية في تاريخ البلاد . ولَعبَ الحزب دوراً متميِّزاً، ومايزال، ســواء في تجميع القوى، أو في صياغة الميثاق، أو في النضال اليومي ضد السُـلطة ،رغم نقائصه، أو في عمل التجمُّع الخارجي ، السياسي والإعلامي وغيره .
هذه اللَّـمـَـحات الخاطفة ، والتى لم يُقصَد منها بالطبع، التأريــخُ للحزب الشيوعي الســـوداني، توَضـِّح بجلاءٍ أنّ هذا الحزب ظلّ جزءاً أصيلاً من نضال الشعب الســوداني ، وفصـيلة متقدّمة في مسيرة هذا الشعب العملاق . لم يكُن نَـبتاً شيطانيّاً ، ولا كياناً مُصطَنعاً ولا مقولة مُلَـفَّقة . بل استدعاه الواقع إستدعاء . إستدعتـه المهام الوطنية التى كانت مطروحة أمام الشعب، والتناقضات المستعصية التى كانت تنتظر الحل ، والآمال المشروعة في الديمقراطية والتقدّم والإشتراكية ، التى لم يتحرّك بها وجدان الشعب السوداني فحسب، بل انداحت دوائرها لتُغطِّي كل القارّات ، وتأخذ بِشِـغاف أفئدةِ الشـــِّعوب .
وفي حقيقة الأمر فإنّ الدُّور الذي لعبَه الحزب الشيوعي الســوداني في بلادنا، يتخطّى مستوى النضال السياسي المباشر الى مستويات الفكر النظري ، والخَلق الفنِّي والأدبي والثقافي . فلقد حاول الحزب ،بقدر ما توفَّر له من مقدرات، أن يجعل الممارسة الحزبية ممارسة عملية ، مُخضعاً إيّاها لرؤية متكاملة ، ومشروع متعدّد الجوانب. وقد شـَرَع عبدالخالق محجوب منذ 1954، ولم يكُن حينها قد تعدّى السابعة والعشرين من العُمر، يكتُب في الصُّحُف السيـَّارة ، وفي الوثائق الحِزبية والمطبوعات الجماهيرية، عن النظرية التى تُـنَــسِّــق الوِجدان ، وتُفـَـسـِّر ظواهر الوجود ، وتعطي الإنسان رسالة نبيلة في الحياة . ويُنادي بأهمِّية إخضاع ظاهرة الإستعمار للتحليل الإقتصادي ، وبمحاكمة الحضارة الغربية انطلاقاً من تناقضــاتها العميقة والفاجعة، إذ تُنادي نظريَّاً بِقـِــيَمِ الخير والجمال والعدل ، وتدوس على نفس هذه القِيَــم بالنَّعالِ في ممارساتها العلمية . وفي حين كان المثقـَّفون في ذلك العهد ينظرون إليه في إعجاب ويقرأونه بإنبـهار ، كان الرَّجعيـُّون ينظرون إليه في ريبةٍ مُختَلطةٍ بالعجب .
شَـرَعَ الحزب وِفقَ مقتضيات النظرية الماركسية التي تبنـَّاها، في إخضاع المجتمع للتحليل الطبقي، وإرجاع مواقف القوى السياسية المختلفة الى منشــأها الطبقي وربطها بمصالحها الطبقية والفئوية . كما شـرعَ في صياغة برنامج سياسي متكامل على هذا الأساس . وإنّه لَـمِن الأمور البالغة الدلالة ، أنّ القوى الإجتماعية والدوائر الأكاديمية التى كانت تصرخ في وجوه الشيوعيين مُنكِــرة إمـَّا وجود الطبقات في الســوداني، أو عدم صلاحية المعيار الطبقي في الحُكم على المواقف السياسية والإقتصادية ؛ تلجــأ الآن إلى مقـــولات الصراع الطبــقي ، ومعاييــر المصلحة الطبقيــة في اتـِّخاذ المواقف السياسية أو تحلـيلــها !! ولا يُقَـلِّل من أهمية هذه الظاهرة، أنّ البعض يلجأون إليها ضِمـناً وليس صراحة .
وتُعتَبر " وثيقة الماركسية وقضايا الثورة الســـودانية" مَـعلماً بارزاً في الحياة الفكرية في الســـودان ؛ إذ حـاولت الخروج من إطار الآراء المُسـبَقة والمفاهيم العامّة إلى الدراســة الباطنية للمجتمع الســوداني ، ومعرفة المواقع الحقيقية للطبقات المختلفة ، وأوزان ونفــوذ هذه الطبقات في المجتمع ، ومواقفها من مُـختَــلف القضايا المتعلِّقة بتقدّم البلاد ، وبناء إستراتيــجيــة الحزب وتاكتيكاته على أساس هذه المُعـطيات ؛ ومحاولة إنهاء غُـربة الماركسية بِـجـعلها جزء من النسيج الحي للبنية الإجتماعية والسياسية للبلاد . ومهما كانت الآراء حول الإستنتجاجات التى توصـَّلت إليها الوثيقة نفسها ، إلاّ أنـَّها اختطَّت منهجاً في معالجة القضايا السياسية والإقتصادية والإجتماعية ، لايُمكن لأحدٍ أن يتجاهله بعدها . وقد سَـبَـقتْ هذه الوثيقــة ، وأعقبتـها، وثائق أخرى سارت على نفس النهـج ، منها وثيقة " سبيل الســودان نحو تعزيز الإستقلال والديمقراطية والسـِّلم" المُجازَة في المؤتمر الثالث للحزب في فبراير 1956 . ووثيقة " إصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير " والتى كتبها عبدالخالق في معتَقـَلِه في " الشـجرة " عام 1971 ؛ وغيرها من الوثائق الحزبية الهامـَّـة ، التى تُعتَبـرُ معالمَ فكرية في تاريخ الحزب ، ودلائل على قُدرتـِه على التقييم السياسي والفكري ، وموقعـه المستقل نسبيــَّـاً . ولولا اســلوب الإخراج الذي جعل كثيراً من تلك الوثائق في غير متناول الجماهير وحصرها في نطاق عضـــوية الحزب، لكانَ الاثر الفكري والسياسي أبعد مدى بكثير ممّـا حدث بالفعل .
بالإضافة للتنظير السياسي، فقد لعبَ الشـــيوعيـُّون دوراً عظيما بِـحَـق، في تنظيم الجماهير . فهُم الذين بادروا ببناء نقابات العمَّال ، بدءاً بنقابة السـِّكة حديد ، وتـَـوَّجوا ذلك الجهد ببناء الإتحاد العام لنقابات عُمـَّال الســودان . وشاركوا في بناء إتحادات الطلاّب ، وذلك منذ مؤتمر الطلبة عام 1948 وانتهاءاً باتحاد طُلاّب جامعة الخرطوم ، والإتحادات الطُلاّبية الأخرى. وبادروا ببناء إتحاد المزراعين وســاهموا بدورٍ بارز في بناء نقابات المِهَـنيين والموظّفين واتحاداتهم . وكانوا أوّل حزبٍ سياسي شاركتْ كوادره في بناء حركة النســاء والشـباب، وهي حركة اجتماعية سياسية ذات توجـُّـهات وطنية وتقدُّمية .
على الصـّعيد الثقافي، نستطيع القول أنّ الآمال الواسعة التى فجّرتها احتمالات المستقبل الإشتراكي بالنسبة للإنسانية جمعاء، وبالنسبة للسودان على وجه الخصوص، قد ألهَمـتْ أجيالاً من المبدعين في مجالات الشـِّعر والقصـّة والمســرح وغيرها ، فأنتجـوا أبرز الأعمال في تاريخ الثقافة الســودانية ، وأنشــأوا حركة ثقافية نشـِــطة، تشابكت روافدها في المجرى العام للحِسِّ الثقافي والتقدُّم الإجتماعي ، دون أن يُملي عليها الحزبُ أهدافها ، ودون أن تصبح هيَ بوقاً سياسياً لـه . ولكنّ الإرتباطات غير المباشرة ، كانت هناك على الدوام، كما أنّ انتماء كثير من المبدعين الى الحزب الشيوعي، كان أمراً معروفاً .
واختصاراً نقول: إنّ الحركة السياسية والإجتماعية والثقافية في الســودان، قد طرأتْ عليها تطوُّرات هامة بِفِعلِ ظهور الحزب الشيوعي الســـوداني . وقد تمكّن الحزبُ من فرضِ وجودِه على المسرح السياسي رغم ضراوة وشراسة المقاومة التى ووجـِه بها في كثير من المنعطفات . ونادراً مــا نَـجِدُ قوَّة سياسية مسؤولة ، تتجاهل ردود فعل الحزب ، عندما تضعُ برامجها أو تُحَدّد مواقفها . ويُمثـِّل كل هذا ، مجالاً خِصـباً للبحث النزيـــه . ومـا أشـِـرنا إليه في هذه الأسطر السابقة، وبهذه الصورة الخاطفة، ليس قليلاً بالنسبة الى حزبٍ يحمل مواصفات الحزب الشيوعي . ولم نورِده نحن إلاّ بِقـَصدِ إثبات مـَـا نعتبره الحقيق في حقِّ حزبٍ إمتنــع على الدوام عن الإنخراط في مديح الذّات . وقد شـِـئنا أن نُثبِتْ أيضاً، أنّ التضحيات الجسيمة لم تكن عبثاً ، وأنّ الجهــود العظيمة التى بذلتها أجيال الحزب، لم تكن عملاً لا طائل من ورائه، وأنّ الدِّماء الذكيـّة التى جادَ بها قادتُه ومناضلوه لم تضـِع هدراً . وقد أوردناها ، كذلك، كمحطّة أساسية للعبور الى تقييم شامل لِرسالة الحزب ولِمصــيره ؛ ومن نافلة القول، أنّ الحزب السياسي – أيَّ حزب – لا يُـقَـيَّمُ فقط في ضوء إنجازاته المُحـَــقَّـقة ، بل كذلك في ضوء الأهداف والخطط التى طرحــها وسعى نحو تنفـيذها ، ومآل تلك الخُطط في الحاضر والمستقبل ، ومعناها وجدواها بالنسبة لِلناس الذين وُجـِّــهتْ إليهم ، وقَـصَـدتْ إلى إعادة صيـاغة شـروط حياتهم . وكلّ ذلك على خلفيـّةٍ من تطوُّراتٍ عاصفة ، إجتاحتْ هذا الكوكب من أقصاه إلى أقصـاه ، وقَلـَبتْ الآيديولوجيـّات والبرامج والخُطط رأساً على عقب .
تترتَّب على هذا التقييم الشامل، نتائج عملية تتعلّق بالحزب، بِـوجودِه وفِكــرِه، باستراتيــجيـَّته وتاكتيكِه، ببرنامجـِه ولائحتـِـه ، بوسائلِـه وأســاليبـه ؛ وبالقوى الإجتماعية التى يتوَجـَّـه إليها . وعلى هذا التقيـيـم أن يُجـيبَ على أسئلةٍ أســاسية ، منــها مـَــا يلي :-
هل استطاع الحزب الشيوعي السوداني أن يُحـَـقِّـقَ الأهداف التى نشـأ من أجلها ؟ هل يستطيع الآن تحقيق تلك الاهداف ؟ هل إحتفـظت هذه الأهداف بقيمـَـتها ذاتها طِــوال هذه العقـــود ؟ وهل بإمكانــنا إزاء هذه التطـوُّرات التى عصفت بالكوكب أن نتظاهـر بأنّ شيئاً لم يحدُثْ وأنـَّـنا نســتطيع أن نواصل السـَّير كما فعـلنا في الماضي ؟؟
أســئـلة تُحيـِّر الألباب ، وتمسك بالرِّقاب ، وتُؤرِّق الضمائر ، ولا يستطيع أن يتجاهلها إلاّ أولـــئك " المعصومون من الإهتزازات " والذين لا نحنُ منهم ولا هُمْ مِــنـَّا ..
2- تحويل الحزب الشــيوعي إلى قوة إجتماعية كُبرى وإلى حزب على النِّطاق الوطني إنّ أهمّ الوثائق التى أصدرها الحزب الشيوعي الســـوداني، توضِّح أنّ مُؤسـِّسيــه لم يدُر بخلدهم أن يكون الحزب حَـلَـقة صغيرة منطوية على ذاتها ، أو تـيـّاراً ثانوياً على هامش الحياة السياسية في البلاد . فقد شرعَ أؤلــئك المؤسـِّـسون في تكوين الحزب، وأمامهم أكبر المعارك وأعظمها شـأناً، معركة الإســتقلال الوطني . وكانت قضيـة توحيد القوى السياسية الوطنية ، هيَ القضيــة الأولى التى كانت تشغل أذهانهم وقتها . كان أولــئك المُؤسـِّسون يفكِّرون في حِزبهم كأداة هامّة في تحقيق الإستقلال، أي كانو يُفكـِّرون فيه كمنظّمة وطنية ، ســياسيـَّاً وتنظيمــيَّاً . وقد طُرِحت في دورة اللَّجنة المركزية في مارس 1953 قضيـّة بناء الحزب على النطاق الوطني ، لِـيَـصبح حزباً شعبيـَّـاً . وأُنشـِـئتْ في العام نفسـه " الجبهة المعادية للإستعمار " بإعتبارها شكلاً من أشــكال الوجود الوطني للحزب . وقد نجحتْ بالفعل في الوصول إلى مواقع إجتماعية ، وأماكن جغرافية ، ما كان من الميسور للحزب أن يصـلها بصفـته حزباً شـــيوعيـَّاً . فضَـمَّت شخصيات وقوى وطنية مؤثـِّرة ، وتكوَّنت لِجانها في قُرى وأقاليم بعيــدة . ولكن تجربـتها ، مع ذلك، تعثَّرت وانطوت لأسبابٍ سنتعرّضُ لها لاحقاً. لكنـّـنا نكتفي هنا بالإشارة إلى أنّ وُجود الحزب على النطاق الوطني العام، كان همـَّاً باكراً و مُلـِــحَّاً من هموم قيادته . وفي المؤتمر الثالث في فبراير 1956 كان الشـِّعار الأساسي الذي خرج به الشيــوعيـون هو " تحويل الحزب الى قوة إجتماعية كُبرى " قــوّة تؤثِّر ثأثيراً بارزاً على منحَى تطوُّر الســودان ، وتُساهم في تعزيز الديمقراطية ، وتعطي الاستقلال أبعاده الإجتماعية والإقتصادية . وتابعت اللجنة المركزية نفس القضية في دورتها في يناير 1963، إذ نادت بوضع الترتيبات اللاّزمة لتأهيل الحزب لاستقبال التطوُّرات المرتقبة في الحياة السياسية بعد نشوب المعارك الجماهيرية ضد النظام الدكتاتوري العسكري ، وظهور بوادر إنهيار ذلك النظام . وقد شهِدتْ هذه الفترة عُدّة خطوات ؛ منها : مشروع تكوين الحزب الإشتراكي، لتوحيد قُوى اليسار والتقدُّم، وهو ما عُرِفَ في تاريخ الحزب بالإتجاه اليميني ، وتمّ التراجع عنه بإعتباره تذويباً عمليّـاً للحزب الشيوعي . وكان من المهام الأساسية التى ركَّـز عليها المؤتمر الرابع للحزب ، هيَ: " تحويل الحزب إلى قوّة جماهيرية تتصدّى لمَـهام التغيير والتقدُّم " . وعَبـَّرت وثيقة المؤتمر " الماركسية وقضايا الثورة الســـودانية " عن أهميـّة هذه القضيــة في نضال الحزب بالعبارات التالية :-
[ وعبرَ هذه الســنوات وخلال ظروفها المختلفة، صعوداً وهبوطاً في حركة الجماهير الثورية ، ظلَّ الحزب يســتكشف الوسائل والطُّرق المختلفة لِـيُحَـقِّـق شــعار المؤتمر الثالث لتحويل ذاتـه إلى قــوَّة إجتماعية كُبرى . وإنّ كافّة مشاريع العمل بين الجماهير ، والصراع ضد الإتِّجاهات المنعزلة والجامدة ، كانت تســتوحي ذلك الهدف ] . واضح إذن من كلِّ مـَــا ســَبَق ، أنّ قضية تحويل الحزب إلى قوّة إجتماعية كُبرى، وإلى حزب جماهيري فاعل على النطاق الوطني، إحتلـَّت مكانة جوهرية في أدبـِه وفي نشــاطِه ، وهذا أمرٌ مفهـوم، لأنّ الحزب كان يضع نَصْبَ عينيه ، ومنذ البداية ، قضية الوصول على السـُّــلطة ، وتغيير المجتمع وِفق برنامج متكامل يبدأ بمرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية وينتهي ببناء المجتمع الشــيوعي .
إنّ الملامح العامة للصيغة التى وضعها الحزب ليتحوَّل عن طريقها إلى قوة إجتماعية كُبرى، وإلى حزب جماهيري على النطاق الوطني، يُمكن رسمها على النحو التالي :-
*/ تأهيل الحزب لنفسـِه بترقية إلمـامـه بالماركسية اللينينية والتعامل معها كمُرشد للعمل ، وليس كنصوص جامدة أو أقوال مُـقدّسة ، والاهتــداء بها في دراسة المجتمع الســـوداني ، واكتشــاف الصيغة المحددة والخاصة لقوانين تطــوُّرِه . ولا يتمُّ ذلك إلاّ بجذب خبرة المُثـَقَّفين إلى صفوف الحزب ، وإغناء حياته الداخلية واتِّســـاعها للصراع الفكري الخَـلاّق .
*/ تدعيم مواقع الحزب وسط الطبقة العاملة ، وجعله الحزب الأوّل في صفوفها ، من حيث النفوذ السياسي والوجود التنظيمي . والبدء بجذبِ الطّلائع العمّالية إلى صفوف الحزب، وتدريبها ، ورفع مقدرتها النضالية والقيادية ، وتأهيل الطبقة العاملة نفســها خطوة إثرَ خطوة ، لتحتلُّ الدور القيادي في المجتمع. ليس عن طريق الفرضِ والإملاء ، بل عن طريق الوعي والإقتناع بالضرورة التاريخية التى تؤهـِّلها وحدها لذلك الدّور .
*/ تمديد تنظيمات الحزب لتُغطـِّي كل أنحاء الوطن . وذلك بإعتماد أشكال تنظيمية مرِنة ، تستجيب لمقتضيات التطور غير المتوازن للمجتمع الســوداني ؛ وخلق الكوادر الشيوعية المحلية التى لا تشعر نحوها الجماهير بالتعالي ، كما يحدُث غالباً في حالة الكوادر المجلوبة من الحواضر والمُدُن .
*/ بناء الجبهة الوطنية الديمُـقراطية ، كحركةٍ جامعة ، متعددة الأشكال والصُّوَر ، لِتُعبِّـــرَ عن تحالف العمّال والمزارعين والمثقفين والرأسمالية الوطنية . ولِتُــنجِز مهام الثورة الوطنية الديمُقراطية . وتفتح الآفاق للتطوُّر الإشتراكي ، وتحتلُّ الطبقة العاملة المكان القيادي في الجبهة الوطنية الديمُقراطية (قيادة هذه القُوى، تكمُن بين جماهير الطبقة العاملة ) كما جاء في وثيقة الماركسية وقضايا الثورة الســـودانية . ويحتلّ الحزب الشــيوعي المكان القيادي وسط الطبقة العاملة . ويصبح دور الحزب ، بالتالي، في قيادة الدولة والمجتمع واضحاً . فما دامت قيادة الطبقة العاملة للتحالف تتخطـَّى مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية ، لِتشمل المرحلة الإشتراكية ، بل المراحل الأولى لبناء المجتمع الشــيوعي، فإنّ المشروع المتكامل للحزب الشــيوعي بأبعاده السـياسية ، الإجتماعية ، والثقافية ، يكون واضحاً هوَ الآخر .
ويُمكِننا عند هذه النقطة أن نتســـاءل : هل حقَّـق الحزب الشــيوعي شــعاره الأساسي في التحوُّل إلى قوة إجتماعية كُبرى ، وإلى حزبٍ جماهيري مــؤثـِّر وفعـَّال على النطاق الوطني ؟؟ ولا نتردّد في الإجابة بالنَّــفي .
لقد فشلَ الحزب في تحقيق ذلك الشـعار بالصورة التى تصـوَّرها مـؤسـِّــسوه ، وبالكيفية التى تؤهـِّله ليطمح طموحاً عقلانيـّاً في الإستــيلاء على الســُــلطة وتنفـيذ البرنامج المُـشــار إليه . لقد ذكرتْ وثائق الحزب في تقييم الأداء الحِزبي ، عند التحضير لثورة أكتوبر ، أنّ عدد أعضائه لم يكن يتعدّى بضع مئات وهوَ يواجـه الأحزاب السياسية . وهذا نفســه يُمكن أن يُقال عن الحزب بعد إحدى وعشرين سـنة ، وهو يواجه إنتفاضة أبريل ؛ كما يُمكن أن يُقال عنه حالياً ، وهو يُصارع الدكتاتورية العسكرية الثالثة . وقد حكى لي أحد قادة الحزب ، أنّـه مرّت عليهم لحظات أثناء دكتاتورية نميري ، كانوا يشعرون فيها أنّ وجود الحزب يتمثـّل فقط في وجود الأعضاء الخمسة لسكرتارية اللجنة المركزية ! ليست في حالة نشاط مشترك، بل كلٍّ على حِدة !! وإذا كان ذلك يُعبِّر عن الصلابة وقوة الإرادة والإستماتة في التمسـُّك والدفاع عن وجود الحزب ، فهو يُعبـِّر في نفس الوقت عن انكماش الحزب وتحوُّله في ذهن ذلك الشخص القيادي إلى قبضــة يد واحدة . ويُعبـِّر بعض القادة حالياً عن إســتهانة ظاهرة بأنّ عشرات الآلاف من أعضاء الحزب قد تركوا صفوفه أو جمـَّدوا نشاطهم أو خَفـَّضــــوه . ولا نحتاج إلى القول أنّ حزباً بهذا الحجم ، لايُمكن أن تُســاوره الآمال بتغطية السـّاحة الوطنية ؛ خاصـّة إذا كانت مُتَّســِـعة ومتنوِّعة ، إتِّـســاع وتـنـوُّع الســـــودان .
إنّ أهمّ الأسباب التى أعاقت نمو الحزب وحالتْ بينه وبين صيرورته قــوّة إجتماعية كُبرى، وحِـزباً جماهيريا على النطاق الوطني – في اعتقــادنا - هي التـالية :-
**/ القمع الشـّرس الذي وُوجـِــه به الحزب منذ تأسيسه وحتى اليوم . فَطِوال سبعة وأربعين عاماً ، لم ينعم الحزب بوجود قانوني إلاّ لخمســــة أعوام تقريباً . ولم تكتَفِ الحكومات العسكرية طوال سبعة وعشرين عاما بالقمع القانوني، بل استخدمت ضدّه العنف دون تردُّد ، وباستمرار . وإذا كانت الأحزاب الأخرى قد تعرَّضت أثناء الدكتاتورية العسكرية للقمع القانوني ، والعنف أحياناً ، فإنّ نصيبها من ذلك لا يُمكن أن يُقارَن بما وقَعَ على الحزب الشـــيوعي ، ســواء بالإعتبارات النسبيَّة أو المُطلقة . أمـّا في فترة الإستعمار، وفي سـنينــه العشر الأخيرة ، وفترات الحُكم الديمقراطي، فقد تَوجـَّه القمع بأشكاله القانونية المختلفة أســاساً ، إلى الحزب الشـــيوعي. وإزاء هذا القمع الشـرس والمتواصل، إضـطـرَّ الحزب الشــيوعي إلى الحياة السـِّــرِّية المُطلقة وما يُصاحبها من أمراض الحَـلَـقية والإنكماش والإحجام ، ومن الإنفـلاق أمام الجديد وأمام الجماهير . وقد وَجَدتْ عناصر مؤثـِّرة ، كثيرة ، أنّ الحياة السـِّــرِّية لا تُناسبها ولا تتَّســع لها . كما وجدت عناصر أخرى، أنّ الأبواب أمامها مُغلـَـقة .
**/ واقع تطوُّر بــلادنا المُـتـَّسِم بكون القطاع الحديث الذي يمـور بالنشاط والحيوية ، قِـطاعاً ضعيفاً نسبيـَّاً ، مع اتـِّـســاع القطاع التقليدي الذي يضمُّ الأغلبية السـاحقة للسـكان ، ويمـثـِّل قوة جذب هائلة إلى الوراء . وفي مثل هذا الواقع، يكون من العســير بناء تنظيم وطني حديث يتخطـَّى الإنتماءات القَبَـلية والطائفية والعِرقيــة والنِّــزاعات الإقليمية .
**/ قيام الحزب على أساس الماركسية اللِّينينية ، يتطلـَّب من المرء ليـكون عضــواً من أعضائه ، أن يتوصـَّل لِـتَبـَـنِّي موقف فلسفي متكامل من الوجود . موقف يصف نفسه بأنّه استــوعب أعظم مــا توصلت إليه البشرية في مجالات و حقول العلم و الفلسفة و الاقتصاد و الاجتماع و الثقافة، و تخطاها تخطيا جدليا. إن مثل ذلك الانتماء لم يكن في متناول الأغلبية الساحقة من شعبنا، لا تاريخيا و لا معرفيا. و هو ليس في متناولها الآن أو في المستقبل المنظور. و أنه لطموح غير عقلاني أن نحاول بناء حزب من الفلاسفة في مجتمع أمي.
**/ الموقف الفلسفي المادي للماركسية، و الذي لا يمكن التوفيق بينه و بين التصورات الدينية حول الكون و الخلق إلا بمعجزة، قد سهل مهمة أعدائه في إنشاء حائط أصم بينه و بين أغلبية الشعب. إن تركيز القوى التقليدية و الرجعية، بمكر و خبث على هذا الجانب، قد وضع عقبات كئود بين الحزب و الجماهير، و ذلك في وسط اجتماعي يمثل الدين نسيجه المعرفي، و القيمي و الأخلاقي، و قد تعرض الحزب لحملات بالغة العنف و الفظاظة، اعتمدت على الترويج الخبيث لمواقف عملية مزعومة، يقفها ضد الدين، و قد تصدى الحزب بفعالية لا تنكر في التصدي لتلك الحملات، و لكن المأساة التي صاغها التاريخ، و طوق بها الحزب، هي أن الأغلبية الساحقة من الجماهير كانت تقف خارج دائرة البث الفعال التي يغطيها الحزب بأقواله و أفعاله، سواء بفعل الأمية السياسية و الثقافية، أو العزلة الجغرافية، أو محدودية أداة البث ذاتها. هذا في الوقت الذي كان خطاب القوى الرجعية و اصلا لكل أقسام الجماهير، ولكل أنحاء القطر. و تستطيع أن تقول أن جيل المؤسسين و على رأسهم عبد الخالق محجوب، كان واعيا تماما بهذا الضعف الخطير في صلة الحزب بوطنه، و بشعبه، و بواقعه. و قد أشار عبد الخالق محجوب في حسرة، إلى أن الحزب ما يزال غريبا فكريا عن المجتمع، إذا كان في استطاعة القوى الرجعية أن تحاصره و تحله بالاستناد إلى حادثة مشبوهة، كحادثة معهد المعلمين العالي عام 1965، و التي فجرها طالب صغير، باع نفسه و ضميره، و استغلتها قوى لم تتعامل مع الدين إلا كذريعة لتحقيق مرام سياسية و معادية للديمقراطية و التقدم.
**/ تضاف إلى شمولية الانتماء الفلسفي، شمولية الموقف و البرنامج السياسي، و قد تمثل ذلك في برنامج الحزب الذي يغطي ثلاث مراحل، ويطرحها جميعا للتنفيذ، و هي مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، ثم الاشتراكية، فالشيوعية. و قد جاء ذلك في برنامج الحزب حيث قال " إن الحزب الشيوعي بطبيعته هذه، يهدف إلى تغيير المجتمع السوداني بإنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية، و السير بالبلاد نحو الاشتراكية فالشيوعية".
و لا ينظر الحزب إلى مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية و المطروحة للإنجاز تلك، إلا كمرحلة إعداد للاشتراكية، وهي بالتالي مرتبطة بتلك المرحلة و مفضية إليها. بل إن كثيرا من المهام الأساسية لهذه المرحلة لا يمكن فهمها إلا في إطار الانتقال اللاحق على الاشتراكية. فقيادة الطبقة العاملة لمرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية تمليها ضرورة الانتقال الحاسم إلى الاشتراكية, كما أن الاشتراكية نفسها ليست سوى تحضير طويل للمجتمع الشيوعي، الذي تمثل هي مرحلته الدنيا.
برنامج الحزب – إذا- وثيقة مترابطة، متكاملة إنه حلقات يمسك بعضها برقاب بعض. و لذلك فإن الشخص الراغب في نيل عضوية الحزب مطالب بتبني مشروع سياسي متكامل، يغطي الحاضر، و كل المستقبل، و يسعى نحو إقامة نظام اجتماعي، ليس لهذا الجيل وحده، و لا للجيل الذي يليه، بل للمجتمع الإنساني ككل، منذ اللحظة الحاضرة، و إلى الأبد. و إذا وضعنا في الاعتبار طبيعة قانون التطور الاجتماعي، فان مثل هذا المشروع لا يمكن أن يوصف بأنه مشروع علمي، و هذا ما ناقشناه في الورقة الأولى. و لكن الذي يهمنا هنا على وجه التحديد هو أن ترابط حلقات برنامج الحزب الشيوعي، يجعل من العسير جدا على المرء، أن يختار حلقة دون الحلقتين الأخريين، فإذا كان مقتنعا مثلا ببرنامج الحزب في مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، أو ببعض القضايا الأساسية في ذلك البرنامج، أي أنه يلتقي مع الحزب في مرحلة تاريخية متكاملة، فانه سيحجم عن التقدم لعضوية الحزب لأنه لا يستطيع أن يعرّف نفسه تعريفا شيوعيا يقتضي منه أكثر من ذلك بكثير. و قد رأينا كيف كان الحزب في غير متناول جماهير القطاع التقليدي، و ها نحن نرى كيف صار الحزب بطبيعة برنامجه هذا في غير متناول أقسام واسعة من جماهير القطاع الحديث نفسه، و باستطاعة الحزب أن يكون في متناول هذه الجماهير لو اقتصر في خطابه على مرحلة تاريخية واحدة، يراها و يدركها، و تراها و تدركها مع الجماهير الواسعة، و تنخرط على هذا الأساس في النضال من أجل تحقيقها، و ما دامت هذه المرحلة في اتجاه التطور التاريخي العام، فإن الأجيال القادمة، و التي تصاغ المشاريع الشمولية من أجلها، لن تخسر شيئا، بل ستتسلم الراية من نقطة متقدمة، و لن يخسر المستقبل الإنساني شيئا، بل سيكف عن الضغط بثقله على الحضر، مفتتا بعده قوى التقدم الماثلة، التي تؤدي اختلافاتها حوله على حجب اتفاقها حول واجبات الحاضر، و عرقلة وحدتها لإنجاز هذه الواجبات. و من الواضح أن خدمة المستقبل الإنساني ككل لا تتم إلا بالتعامل معه في نسبيته، و ليس في إطلاقه، و رسم أهداف قريبة، مرئية بوضوح، و قابلة للتحقيق، و عندما يتم تحقيقها فإنها تتحول إلى نقطة انطلاق جديدة لأهداف أبعد، تحققها أجيال لاحقة.
طرح الحزب الشيوعي نفسه للمجتمع السوداني باعتباره حزب الطبقة العاملة. يعبر عن مصالحها أولا و قبل كل شيء، و يجعل تلك المصالح البعيدة و القريبة، معيارا لصحة المواقف و سداد السياسات، و يتوجه إليها بكل جهده و اهتمامه لتوعيتها برسالتها التاريخية، و إعدادها لقيادة المجتمع. و هذا لم يمنعه بالطبع من التوجه إلى الطبقات و الفئات الأخرى من مثقفين و مزارعين و برجوازية صغيرة ووطنية. و لكنه كان يطلب من أبناء تلك الطبقات، الذين يلجون صفوفه، أن يتخلوا عن التعبير عن مصالح طبقاتهم، و الانحياز بالكامل لمصالح الطبقة العاملة. و هم بالتالي لا يلجون أبواب إلا بمقدار إيمانهم بعدم مشروعية مصالح الطبقات التي ينتمون إليها. أو على الأقل على قدر إيمانهم بأن مصالح طبقاتهم تلك، ليست سوى مصالح عابرة سيتخطاها التاريخ في نهاية المطاف، و بالطبع فإن تخلي المرء عن مصالحه الخاصة أو الطبقية، حتى و لو على نطاق المستوى النظري الخالص، أمر ينطوي على الكثير من النبل، و لكنه في الحقيقة لا يجذب سوى أقلية ضئيلة من أبناء تلك الطبقات. و يصدق هذا خاصة في ظل أوضاع لا "تنحاز " فيها الطبقة العاملة نفسها إلى "فكرها و مصالحها"! و ربما كانت مقولة الانحياز إلى فكر و مصالح الطبقة العاملة ستكتسب أبعادا هامة لو أن التاريخ صدق النبوءة الماركسية الأساسية حول الاستقطاب الاجتماعي الشامل بين البروليتاريا من جانب، و البرجوازية من الجانب الآخر. ذلك الاستقطاب، الذي لا تجد إزاءه الطبقات الوسيطة سوى الانحياز إلى هذا الجانب أو ذاك، مع غلبة تيار المنحازين على البروليتاريا، لان خلاص المجتمع سيتم على يديها، و لأن البرجوازية تعاني حينها سكرات الموت. و للأسف الشديد فإن التطور الاجتماعي لم يسر في تلك الوجهة. بل حدث العكس تقريبا. فقد تنامت الطبقات الوسطى على حساب البروليتاريا أساسا، و على حساب البرجوازية كذلك، و أصبحت تشكل الأغلبية الساحقة في كل المجتمعات الرأسمالية المتقدمة. و بانتصار الثورة العلمية التكنولوجية في تلك المجتمعات حدثت تطورات عاصفة حولت البروليتاريا -أي الطبقة العاملة الصناعية- إلى قوة هامشية تتراوح بين 10 و 15% من مجموع السكان. و تحول إنتاج الثروة القومية بصورة حاسمة من اليد إلى الدماغ. و أصبحت المعرفة و المعلومة و الفكرة، و التصميمات الذهنية، هي أداة الإنتاج الأساسية. و هذه تمتلكها الطبقات الجديدة، والفئات الجديدة، التي ولدتها الثورة العلمية التكنولوجية. و قد أصبحت هذه الفئات و الطبقات هي المنتجة الأساسية للثروة، و أصبحت هي الوحيدة القادرة على قيادة المجتمع. لقد تضاءل دور البروليتاريا و جاء عهد "الكومنتاريا" كما سماها ألفن توفلر في كتابه (power shift)، التي تمتلك وسائل إنتاجها بامتلاكها للمعرفة، و هي أدوات إنتاج لا تستطيع البرجوازية نفسها أن تجردها منها، و هذه ظاهرة جديدة لم يعرف ماركس و لم ينظّر لها.
إن كل الدلائل تشير إلـى أن وجهـة التطـور التاريخي ستحكم على البروليتاريا بالاضمحلال المستمر. ومن الناحية الأخرى فإن العملية الإنتاجية في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة، وبفضل نضال المنتجين، وبفضل المساومة التاريخية التي ارتضتها البرجوازية، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت أكثر ديمقراطية لاشتراك العاملين أنفسهم في رسم أهدافها بهذا القدر أو ذاك، وباستقلال الإدارة النسبي عن ملكية وسائل الإنتاج، وباشتراك أعداد متزايدة في ملكية وسائل الإنتاج نفسها، وإن بأقدار متفاوتة. وقد كان هذا جزء من عملية شاملة توسعت فيها الديمقراطية لتشمل جل خلايا المجتمع. وقد ترسخت الحقوق والضمانات الاجتماعية. وبالرغم من أن ملكية وسائل الإنتاج ظلت مطلقة من الناحية القانونية، إلا أنها قد أحيطت بقيود اجتماعية كثيرة من الناحية الفعلية. وقد تم كل ذلك على حساب البرجوازية. على حساب سيادتها المطلقة على المجتمع، وتحديدها القاطع التام لأهداف العملية الإنتاجية. هذه الظواهر كلها محصورة الآن في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة. وربما تغري هذا الحقيقة البعض ليزعموا أنها لا تخصنا في مجتمعات العالم الثالث المتخلفة. ولكن مثل هذا الزعم سيكون خاطئا. فالذي حكم باضمحلال البروليتاريا في المجتمعات الصناعية المتقدمة سيحكم باضمحلالها أيضا في بلداننا ومجتمعاتنا، عندما تأخذ بأسباب التقدم على أساس منجزات الثورة العلمية التكنولوجية المعاصرة، وليس على أساس معطيات الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، وهي معطيات عفى عليها الزمن. وليس مكتوبا على مجتمعاتنا أن تترسم خطى المجتمعات المتقدمة، وقع الحافر على الحافر، بل يمكنها، ويتوجب عليها، أن تحول الفارق الزمني والحضاري إلى صالحها، فتقطع بالطائرة المسافات التي قطعتها تلك المجتمعات بالقطار. وهذا لا يتأتى إلا بتخطي مرحلة الصناعية التقليدية التي ربطت إنتاج القيمة الزائدة بالإنتاج اليدوي أساسا، والاتجاه إلى التغليب التدريجي للإنتاج الفكري المستند على المعرفة والمعلومة والوسائل التكنولوجية الحديثة. إن مآلات ومصائر الطبقة العاملة هامة جدا بالنسبة لحزب كحزبنا. فمشروع حزبنا قائم بجوهره على صيرورة الطبقة العاملة، القوة الأساسية القائدة في المجتمع. وهذا الموقع لن يتحقق لها إلا إذا صارت المنتج الأساسي لثروة المجتمع، وتحققت لها الغلبة العددية. ولكن هذه الأهداف التي هي أهدافنا لم تعد أهدافا للتاريخ. فقد كف التأريخ عن السير في هذا الاتجاه.
إن كل هذه المعطيات تجبرنا على النزول على أرض الواقع، وتحملنا على الكف عن التعامل مع الطبقة العاملة كمقولة ذهنية خيالية، وكمستودع خيالي لكل ما هو خير ونبيل، والتعامل معها كما هي في الواقع، دون مديح كاذب أو هجاء مغرض، دون أنوار باهرة أو طلال قاتمة، وتحدد مكانها ومكانتها، وفق معطيات موضوعية، ومقدمات حقيقية، فالطبقة العاملة جزء من المنتجين، ولكنه ليس الجزء الأساسي. ومع أخذ المجتمعات بمنجزات الثورة العلمية التكنولوجية ستتأكد هذه الحقيقة اكثر فأكثر والطبقة العاملة في بلادنا ضئيلة الوزن بالقياس إلى مجموع السكان وهي محصورة في قطاع حديث محدود وهي غير نقية في تكوينها الطبقي، لأن عددا كبيرا من أبنائها يجمع في الانخراط بين العمل المأجور والاحتفاظ بالملكية الصغيرة، كما أن جزءا كبيرا من العمال ينضم إليها في هذا الموسم ويهجرها في الموسم الذي يليه. ومعنى ذلك أن موقعها في الإنتاج ليس المحدد الوحيد لأيديولوجيتها، هذا إذا كان الموقع في الإنتاج محددا وحيدا لأيديولوجية الطبقات، وهو قول بعيد جدا عن الحقيقة. ومن هنا يصعب الحديث عن أيديولوجية للطبقة العاملة السودانية إلا إذا تعاطينا مع التلفيق، وحددنا بصورة مسبقة وتحكمية، أن الماركسية اللينينية هي تلك الأيديولوجية وعلى الطبقة العاملة أن تتبناها رغم أنفها وفي هذا الحالة لا يكون هناك أي فرق بين أن تتبنى هذا الأيديولوجية أو ترفضها، لأننا لم نضع أي اعتبار لهذا القبول أو الرفض، في وصف الماركسية بأنها أيديولوجية الطبقة العاملة. ونحن قد فعلنا ذلك وما زلنا نفعله، ولكن الوصاية المبثوثة في هذا القول لم تعد محتملة اليوم. فالوعي الديمقراطي قد تنامى بصورة تجعل مثل هذه الادعاءات فادحة الثمن على المروجين لها.
يضاف إلى ذلك التناقض الأساسي في بلادنا وفي بلدان العالم الثالث على وجه العموم ( والذي أصبح اليوم عالما ثانيا) ليس هو التناقض بين الطبقة العاملة والبرجوازية، بل هو التناقض بين المجتمع ككل والشرائح الطفيلية السائدة والحاكمة ؛ بين المجتمع ككل والتخلف؛ بين المجتمع ككل ودوائر الاستغلال الإمبريالي. وستشترك مختلف الفئات والطبقات بأدوار متفاوتة في المعركة الطويلة والشرسة ضد الفئات الطفيلية الحاكمة والسائدة، أو تلك التي يولدها باستمرار تطور المجتمع، وضد التخلف، وضد الاستغلال الإمبريالي. وستلعب الطبقة العاملة دورها في تلك المعركة، ولكن ذك الدور لن يكون الأساسي في الغالب، وذلك بحكم وزنها السياسي والاقتصادي والثقافي والبشري. وغالبا ما يذهب الدور الأساسي بصورة تدريجية، ولكنها مؤكدة ووطيدة، إلى الفئات المرتبطة بالثورة العلمية التكنولوجية من المثقفين والفنيين والتقنيين والطلاب. وسيكون محتوى هذه العملية كلها محتوى ديمقراطيا عميقا، على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وسيكون أعداؤها الأساسيون هم دعاة الدكتاتورية بكل صورة وأشكالها، بما في ذلك دعاة "دكتاتورية البروليتاريا". إن أحدا لا يمكن أن ينكر الدور الهام الذي ستلعبه الطبقة العاملة في تطور المجتمع وترسيخ الديمقراطية، وهي لها إرث مجيد في ذلك. ولكن الزعم بأنها وحدها تملك المفاتيح السحرية للأبواب المفضية إلى التحرر الإنساني الشامل، زعم لم يؤكده الواقع، ولم يشهد له التأريخ.
إن أزمة المشروع الماركسي تتمثل في هذه النقطة بالذات. فقد راهن هذا المشروع على حصان بدأ جامحا ولكنه أصيب بالوهن في منتصف الطريق. ولعله سيكون من المفيد أن نتذكر أن تعلق ماركس بالبروليتاريا كان في أساسه تعلقا رومانسيا، لفتى لم يتعد العشرين إلا قليلا عندما كان يبحث عن العدالة المطلقة، فاستعار دون أن يعي مفهوم المسيح المخلص، وأصبغه على طبقة أثارت شفقته، واستفز شفاؤها حسه العميق بالعدالة. وقد ظل ماركس في سن نضجه وشيخوخته، أمينا أمانة مدهشة، لمشروع كان قد صاغه في صباه. إن الذي يقرأ نصوصه حول العمال الفرنسيين، والعمال المهاجرين الألمان "الذين يشع النبل من أجسادهم" سيدرك بسهولة ما يرمي إليه. وإن المطلع على أعمال ماركس لن يجد في ترشيحه للبروليتاريا لقيادة التأريخ الإنساني سوى أسباب واهية.
إن الحزب الشيوعي السوداني قد بذل جهدا كبيرا ومتصلا لتأكيد هويته "البروليتارية"، "وترقية" تكوينه البروليتاري، وقد ذلك، في نظرنا، إلى سيادة اهتمامات ضيقة، وغذى روح الانتظار الحالم لتلك اللحظة التي تنمو وتنضج وتسود فيها الطبقة العاملة. وقد ذلك إلى غربة الشيوعيين عن واقعهم غير البروليتاري أساسا، فأعرضوا عن الانخراط اليومي الحميم في معركة الواقع وتوجيهه وفق منطقه الخاص وليس وفق تصورات ذهنية غير واقعية. وقد أدى البحث عن "الهوية البروليتارية" إلى نشوء عدم الحساسية تجاه الفئات والطبقات الأخرى، وأنشأ جدارا من الاستعلاء والغربة بين الحزب وبين العناصر الراغبة في الانضمام إليه من تلك الفئات والطبقات. وقد تأثر المثقفون خاصة بهذه الاتجاهات. كما أن النقاء البروليتاري قد تطابق في كثير من الأحيان مع التعصب والحمو، واحتقار الرأي الآخر، وقمعه، باعتباره يمثل "فكرا غريبا" عن أيديولوجية الطبقة العاملة. لقد كانت هذه التهمة فادحة بالفعل، فالتعبير عن "أفكار غريبة" يعني الوكالة الفكرية عن طبقات أخرى، وتمثيل مصالحها، غير المشروعة، داخل الحزب، وهو عمل يمكن أن يوصم بالخيانة. وفي حالة براءة الشخص من تهمة الخيانة فإنه في هذه الحالة لن يكون بريئا من الجهل، ولا من عدم نضوج الانتماء البروليتاري. وتكون مجهوداته السابقة كلها في "التثقيف الماركسي" قد ضاعت هباء. إن الجو الفكري الخانق في الحزب الشيوعي، والخوف الشديد من أي خلاف في الرأي، والإحجام عن التعبير عن أية أفكار غير مألوفة، وغير مقبولة للقيادة، والإحجام حتى عن استخدام مفردات لغوية جديدة، ومحاربة بروز خطاب خاص لأي عضو من أعضاء الحزب، إذ يشجع الجميع على التحدث بنفس اللغة، ترجع أسبابه إلى هذا الخطر الماثل المتعلق بالخروج من ملة البروليتاريا. وهذا الخوف يشمل البروليتاريين أنفسهم داخل الحزب. فالخيانة الطبقية تشمل أيضا خيانة الذات.
وللتحلل من هذا العبء الفادح، والخوف المقيم، تُركت مسألة التعبير عن أيديولوجية البروليتاريا لقساوسة أيديولوجيين، لمفوضين من طراز سوسلوف. وقد أدى هذا إلى خنق الفكر داخل الأحزاب الشيوعية، وتفريخ روبوتات بدلا من أفراد. وربما لا يكون هذا قد تحقق بكامله في جميع الأحزاب. ولكنه اتجاه قوي لا يستطيع أن ينكره أحد. 4.المركزية "الديمقراطية"... داء الحزب العضال: العوامل التي عددناها، والتي أعاقت نمو الحزب، ذات طابع خارجي، براني، أي أنها تختص أساسا بعلاقة الحزب بالمجتمع، أو الطبقات أو الفئات المختلفة. ولكن ثمة عقبة ذاتية، داخل الحزب ذاته، تعيق نموه وتحبط تطوره. وهي تتمثل في المبدأ التنظيمي الذي يحكم حياته الداخلية والمسمى المركزية "الديمقراطية". فسيادة هذا المبدأ هي المسؤولة عن عقم حياة الحزب الداخلية، وضيقه بالخلاف في الرأي، وتبرمه باستقلال الفرد ونمو شخصيته المستقلة، وتوخيه للطاعة المطلقة في كوادره واعتبارها شرطا أساسيا للترقي الحزبي. وهي المسؤولة عن ظهور الشيخوخة المبكرة في هيئات الحزب القيادية. وعلى كثرة ما قيل في هذا المبدأ من مدائح، وما دبج في الدفاع عنه من مقالات وكتب، فإن الحجج التي تسنده لا تخرج عن اثنين: 1- ضمان وحدة الحزب والوقوف في وجه أية محاولات تكتلية أو انقسامية، وسحقها في مهدها. 2- إقامة نظام طاعة حديدي يزعم أنه يرتفع بفعالية الحزب إلى الدرجة القصوى. وإذا افترضنا أن مبدأ "المركزية الديمقراطية" يؤدي بالفعل إلى تحقيق هذين الهدفين، فإنه يحققهما، في رأينا، بثمن فادح يملي علينا الإقلاع عن تبني هذا المبدأ، ونبدأ بتمييز أساسي، ربما لا يوافق عليه البعض، وهو أن هذا المبدأ لينيني وليس ماركسيا، فقد أملاه في رأينا واقع القمع القيصري الفظيع، وواقع الإمبراطورية الروسية المترامية الأطراف، ومستوى الثقافة التنظيمية التي كانت سائدة في تلك السنوات الباكرة من القرن العـشرين. في تلك الظروف كان واجبا على الحزب الثوري، لكي يكون موجودا، ولكي يكون فعالا، أن يقوم على المركزية الصارمة، وربما المطلقة. وأن يستند على حكمة ورجاحة عقل القيادة، بل عبقريتها إذا شئت، في رسم كل سياساته وتحديد كل خطواته. وربما يجد البعض تبريرا كافيا للقول بأن الحزب البلشفي، لو لم يكن قائما على هذه المركزية الصارمة لما نجح في استلام السلطة. وذلك من واقع التأريخ الرسمي للحزب. ولكن الباحث المدقق سيعثر على حقيقة مدهشة، وهي أن الحزب البلشفي لم ينتصر إلا بتكسيره الحـازم لمبدأ المركزية المطلقة. وهذا أمر سنعالجه في موضع آخر.
المهم أننا لو سلمنا جدلا بأن المركزية المطلقة كان لها ما يبررها في بداية القرن، في بلاد مثل روسيا، فإنها حاليا قد فقدت أي مبرر تأريخي. ويبدو لنا أن الذي فكر في الجمع بين المركزية والديمقراطية قد اتخذ الأول كنقطة انطلاق وأضاف إليها الثانية كمسوغ لقبولها ليس غير. وذلك لسبب بسيط وهو أن الديمقراطية تحتوي على مركزيتها الخاصة. فخضوع الأقلية لرأي الأغلبية مبدأ ديمقراطي معروف، يضمن وحدة المنظمة المعنية، ويجسد إرادتها. يضاف إليه مبدأ التمثيل "Representation" الذي يؤدي نفس المهمة على المستويات الأعلى فالأعلى. وتكمل البناء الديمقراطي، وترتقي بالفعالية الحزبية، مبادئ أخرى صاغها الفكر السياسـي الديمقراطي عبر القرون. مثل التوزيع الأفقي للسلطة الحزبية، التخصـص، الاعتبارات الفئوية والجغرافية، العرقية والقومية، المؤتمرات المنتظمة للصحافة الحزبية... الخ.
وبما تشيعه الديمقراطية الحزبية من رضـى عام وسط الحزب وهيئاته، فإنها ترفع فعاليته إلى الحد الأقصـى. وهكذا فإن وحدة الحزب وفعاليته يمكن ضمانها باعتماد الديموقراطية وحدها كمبدأ تنظيمي. ولكن هذه الديمقراطية المكتفية بذاتها عندما تلحق كرديف ثانوي لمركب "المركزية الديمقراطية" وتستخدم كمسوغ لقبول المركزية المطلقة، وكطلاء سكري لجرعتها المريرة، فإن نهايتها تكون قد حلت. وبالفعل فإن ممارسة الأحزاب الشيوعية تشهد أن الديمقراطية قد تمت التضحية بها على الدوام، لصالح مخدومتها المبجلة: المركزية المطلقة. فعلى مستوى الحزب، صارت القيادات الحزبية العليا تفرض هيمنتها على كل عضويتها، وتحتفظ لنفسها بسلطات تظل تتسع باستمرار، وتتطور في أثناء ذلك آليات تنظيمية تسحق كل نزعة مستقلة.
وعلى مستوى الطبقة العاملة، وبفضل نفس المبدأ، تحولت المؤسسات التي أنشأتها لخدمتها إلى مؤسسات سيدة، ومتعالية عليها. وعلى مستوى المجتمع ككل، صارت السياسات البيروقراطية المتنزلة من سماوات السلطة أوامر إلهية لا تقبل الأخذ والرد. إن النغمة السائدة حاليا هي إرجاع كل الشرور العظيمة، والجرائم المرعبة التي ارتكبت أثناء عقود التجربة الاشتراكية التي سقطت، إرجاعها إلى الظاهرة الستالينية دون توضيح حقيقة أن الظاهرة الستالينينة نفسها هي الابنة الشرعية للمركزية الديمقراطية. فعن طريق مبدأ الطغيان القيادي، صعد جوزيف ستالين، إلى السكرتارية المركزية للحزب الشيوعي، ولم يكن في مقدور مؤسس الحزب نفسه، فلاديمير ايليتش أن يزيحه من موقعه ذاك رغم محاولاته المستميتة، و "تآمره" مع مجموعة تروتسكي، وتحضيره لقضية شيوعي جورجيا الذين اضطهدهم ستالين، لتفجيرها داخل المؤتمر. لم يفلح في ذلك لأنه كان بفعل المرض قد فقد السلطة الحزبية. وعندما حدث ذلك فإن العبقرية السياسية، والنفوذ المعنوي الهائل، لم تعد تجدي فتيلا. وهذا هو أسطع مثال على أن المركزية "الديمقراطية" هي مبدأ الحماية المطلقة للقيادة في مواجهة قاعدتها بالذات. فعندما تصل القيادة إلى مراكزها السماوية عن طريق آليات المركزية "الديمقراطية"، فغن شيئا أقل من زلزال لن يزيحها من أماكنها. هذا مع الاعتبار الكافي لكون ممثليها كأفراد يمكن أن يزاحوا عن طريق الموت أو العجز الكلي، أو التـآمر!
وحتى لا نتهم بالتحامل على المركزية "الديمقراطية" دعونا نأخذها في صورتها المثالية، ونفرض أن التنظيم القائم على أساسها قد طبقها تطبيقا كاملا. فهيئاته من القاعدة إلى القمة هيئات منتخبة، ويسود فيها مبدأ خضوع الأقلية لرأي الأغلبية، وتخضع الهيئات الدنيا للعليا، وتعقد مؤتمرات الحزب بصورة منتظمة، وتقرر برامجه ولوائحه في هذه المؤتمرات، وتصدر مجلاته الداخلية تحمل الآراء المختلفة والمتصارعة لأعضائه، وتصدر مجلاته وصحفه الجماهيرية لتحمل تصوراته الموحدة إلى الشعب، هل ينتفي حينها طغيان القيادة واستئثارها بصلاحيات شبه مطلقة؟ أعتقد أن الإجابة بالنفي. وذلك لسبب محدد هو أن إجراءات انتخاب اللجنة المركزية، وكل الهيئات القيادية التابعة لها هي إجراءات غير ديمقراطية. فاللجنة المركزية السابقة، أو مكتبها السياسي بالأحرى، هي التي تقدم قائمة الترشيحات للجنة المركزية الجديدة. وما دامت هي القائمة الوحيدة فإنها ستفوز في جميع الحالات، وفي ضوء القانون اللائحي بمنع التكتل والاتصالات الجانبية، فإنه يستحيل عمليا تبلور أية مجموعة، بمعزل عن المجموعة القائدة، تستطيع أن تقدم قائمة بديلة، ويبقى من حق الأفراد، إذا احتملوا الهمهمات الساخرة والنظرات القاسية، أن يتقدموا بترشيحات فردية، وحظها من النجاح يكاد يكون صفرا.
ولكن حتى إذا فازت فإنها لا تؤثر على تركيبة القيادة، ولا يبقى أمام المعارضين للترشيحات الجديدة سوى الامتناع عن التصويت، وهو حق العاجز، الذي لا يقدم ولا يؤخر و بمجرد انتخاب اللجنة المركزية فإن هيئات الحزب القيادية كلها يكون أمرها قد حسم. واللجنة المركزية، والمكتب السياسي، والهيئات المحيطة بهما، هي التي تحدد سياسات الحزب، ومواقفه العملية، وهي التي تحكمه حكما صارما. ويتم التركيز دائما على أن إجازة البرنامج السياسي هي الأمر الأهم. وأن العضوية عندما تجيز ذلك البرنامج فإنما ترسم للقيادة اتجاهها، وتحدد لها دورها. وهذا صحيح نظريا. ولكن عمومية البرنامج نفسه، تسمح بسياسات وتفسيرات متعددة، وربما متناقضة. ولذلك لا يمكن الاحتجاج به. وما يقال عن الوحدة حول البرنامج، يقال بصحة أكثر حول الأيديولوجية. إن المركزية الديمقراطية تنادي بحق الأقلية في الاحتفاظ برأيها والدعوة إليه من داخل المنابر الحزبية، ولكنها في واقع الأمر تجعل وجود أقلية داخل الحزب أمرا مستحيلا، فتكوين أقلية حزبية يقع مباشرة تحت طائلة المبدأ اللائحي القائل بتحريم التكتل والاتصالات الجانبية، ولا توجد الأقلية بالتالي إلا كأفراد منعزلين، لا يلتقون إلا كمتآمرين. وذلك هو السر في أن الأقليات لا تتكون داخل الحزب الشيوعي إلا عشية الانقسام، وتشهد على ذلك ظاهرة المناشفة والبلاشفة في روسيا، والمجموعات التي ظلت تنسلخ على الدوام من الأحزاب الشيوعية على طول الدنيا وعرضها. إن الحديث عن إمكانية وجود أقلية داخل إطار المركزية "الديمقراطية" ليست سوى واحدة من إستهبالات الفكر السياسي والتنظيمي الأكثر مرارة والأكثر إثارة للهزء. وإذا كانت الأقلية لا توجد داخل الحزب، فإن الرأي الآخر لا يوجد بالتالي، بالنسبة للمجتمع، حيث يفترض أن يعبر عضو الحزب عن رأي الحزب بصرف النظر عن وجهة نظره الشخصية.
وعندما تستند القيادة إلى مبدأ خضوع الهيئات الدنيا للهيئات العليا فإنها ستتمكن من فرض رأيها على مجموع الحزب حتى إذا كانت كل الهيئات الدنيا تعارض هذا الرأي. وإذا كان هذا المبدأ هاما لفعالية أي تنظيم سياسي فإن الضمانات الكفيلة بعدم طغيان القيادة لم توضح مطلقا. ها نحن قد افترضنا هنا حالة مثالية لتطبيق المركزية "الديمقراطية" وأوضحنا أنها مركزية وحسب، وليست ديمقراطية على الإطلاق. ولكن الواقع غالبا ما يكون بعيدا جدا عن المثال. فمؤتمرات الحزب لا تعقد بنفس الانتظام الذي تنص عليه اللائحة. فالحزب الشيوعي السوفيتي لم يعقد مؤتمرا خلال ثلاثة عشرة سنة، مـن 1939 إلى 1952. وقد كان هذا الحزب – وقتها – في السلطة، وكان يحكم شعبا خاض لست سنوات حربا عالمية. والحزب الشيوعي السوداني لم يعقد مؤتمرا طوال ربع قرن. إن هذا يوضح أن المركزية يمكن أن تستغني عن خدمات الديمقراطية، في أي وقت، ودون أن تخشى الحساب. وحتى عندما تعقد المؤتمرات فإنها غالبا ما تتحول إلى ساحة لتمجيد القيادة، وإظهار الإجماع أمام المجتمع والعالم، وليس منابرا لحوار المثمر البناء واختـلاف الآراء. إن مؤتمر الحزب الشيوعي الروماني قد انتخـب نيكولاي شاوشيسكو أمينا عاما للحزب بالإجماع، وذلك قبل أيام فقط من محاكمته وإعدامه!! وغالبا ما لا تخضع الوثائق التي يخرج بها المؤتمر لحوار جدي قبل المؤتمر أو أثناء انعقاده. فوثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية على سبيل المثال، تمت قراءتها على الأعـضاء أثنـاء المؤتـمر الرابع، وهي كتاب. وتمت تعبئة الحزب حولها بعد انفضاض المؤتمر واستمرت التعبئة لأكثر من عام.
نخلص إلى أن الحـزب القـائم على المركزيـة "الديمقراطية" كما أثبتت تجارب الأحـزاب الشيوعية دون استثناء، هو حـزب غير ديمقراطي. وإذا كانت ثمة ديمقراطية داخله، فهي من نصيب القيادة وحدها، في حين تتجه المركزية إلى إخضاع القاعدة وتأديب المارقين. إن المبادرة في مثل هذا الحزب تأتي دوما من القيادة وحدها. ويصبح التلقي والتنفيذ هو القدر الذي لا مفـر منه بالنسبة للقاعدة. فالمركزية المطلقة هي الأداة الفعالـة لخلق قاعدة حزبيـة سـلبية، عديمة الإرادة، مغتربة داخل حزبها الذي جاء ليجتث الاغتراب مـن كل المجتمع، وممزقة لا تدري ما تفعل. ولا نعدو الحق إذا قلنا أن العلاقة بين القيادة والقاعدة مأزومة دائما ومريضة. فالقيادة تنزل رؤيتها دائما في شكل توجيهات، وتتوقع من القاعدة أن ترفع لها الشواهد والبراهين التي تؤكد لها صحة تلك التوجيهات وتقمع وتحجب ما عداها. وإن القاعدة تنتظر رأي "الحزب" في كل صغيرة وكبيرة، معتقدة أن الحزب هو هيئاته القيادية، وبين هذه وتلك، يوجد الجهاز الحزبي المتخصص في تنزيل التوجيهات ورفع التأكيدات.
وبالتدريج، وبفعل هذه الآلية، وبفعل الدوافع والنوازع الإنسانية، البالغة التعقيد، وبفعل تأثيرات السلطة الحزبية، أو السلطة السياسية إذا وجدت، يتحول رأي الحزب وتوجيهاته إلى أوامر أوتوقراطية غير قابلة للمراجعة. وتتحول تأكيدات القاعدة إلى مديح وثناء وعبادة. فعبادة الفرد ليست سوى عبادة القيادة. وليست سوى الثمرة السامة للمركزية "الديمقراطية" وإذا كانت تخلق، على مستوى القيادة، طغاة، قساة القلوب، مثل ستالين وشاوشيسكو، أو تسمح لهم بالصعود، فإنها على مستوى القاعدة تخلق جيشا كاملا من المداحين، والكذابين، وماسحي الجوخ المزيفين والمزيفين والمزيفين. هؤلاء هم الذين سيحتلون تدريجيا أهم الوظائف الحزبية، ويفرضون سيطرتهم الكاملة على جهاز الحزب، ويسخرونه في عمليات القمع القاسية، وعمليات الافتراء الخبيثة والتي يوجهونها ضد أشرف وأنظف العناصر الحزبية، هذه العناصر التي تستفزهم استفزازا لا يحتمل بمحض نبلها واستقامتها وصدقها، واستماتتها في الدفاع عن القضية النبيلة التي أنشئ الحزب أساسا من أجلها. وهنا يصبح الحزب مريضا مرضا لا شفاء منه، مغتربا عن ذاته، وعن رسالته، وعن مجتمعه. وبدلا من أن يكون منقذا للمجتمع يتحول إلى خطر ماحق يتهدده. إنه يغرق بالكامل في مرحلة انحطاطه ولن يشفى إلا باستئصال تام لأورامه الخبيثة.
ويمكن للحزب أن يقاوم هذه الاتجاهات التي أشرنا غليها، من التعبير عن نفسها بالكامل، ما دام في صفوف المعارضة. ولكنه لايستطيع مقاومتها مطلقا إذا استولى على السلطة. وتجربة الأحزاب الشيوعية في ما كان يعرف بالمعسكر الاشتراكي خير شاهد على ذلك. فالظاهرة الستالينية هي القاعدة وليس الاستثناء في جميع هذه التجارب. وبانتقال الحزب إلى السلطة ينتقل مبدأ المركزية "الديمقراطية" ليشمل المجتمع ككل. وتنتقل ظواهرها السالبة من حيزها الحزبي المحدود إلى الحيز الوطني العام. كما أنها تصبح أكثر تفاقما وعمقا وعقما أيضا.
إن منع تكوين الديمقراطية، ومسايسة الرأي الآخر، ومصادرة الديمقراطية، وإنشاء بنية سيكولوجية متينة لدي عضو الحزب، تخشى الاختلاف، والاستقلال والتميز خشيتها للمرض، هي ظواهر كفيلة بإحباط وسحق تطور أي حزب أو منظمة. ولا غرو، فذلك يمثل الإلغاء العملي لفعالية قانون التناقض الماركسي والذي هو القوة الدافعة لكل تطور. فهذا القانون القائم على وحدة وصراع الأضداد قد أبطل فعله داخل الحزب بالتركيز الوحيد الجانب – المرضي أحيانا- على الوحدة، وعلى حساب الصراع. وأنه لمن المفارقات الأليمة في تأريخ الفكر السياسي والتنظيمي أن يبادر الداعون إلى نظرية ما، والمؤمنون بصحتها وصوابها، إلى إلغاء جوهرها حينما يشرعون في تطبيقها. خاصة وأن تلك النظرية تصر على وحدة الفكر والتطبيق، وتعتقد أن حقيقتها لا تتكشف إلا في وحدتهما. وللأسف الشديد فإن هذا هو بالضبط ما حدث، بل أن أكثر ما يثير القيادات الحزبية ويفجر غضبها هو القدح في مبدأ المركزية الديمقراطية الذي أدى إلى كل هذه النتائج السالبة. ولا يحدث هذا إلا لأن هذا المبدأ يتعلق بالسلطة الحزبية وبحماية المواقع القيادية.
ويمكن للبعض أن يقول أن تجربة الحزب الشيوعي السوداني تثبت أن المركزية الديمقراطية لا تؤدي بالضرورة إلى الظواهر التي أشرنا إليها. ولكننا لا نرى أي أساس لهذا القول، ولهذا الاستثناء. وفي حقيقة الأمر فإن الأدب الحزبي يفيض بالحديث عن المركزية "الديمقراطية" وقد تحولت إلى مركزية بيروقراطية، وأفسدت حياة الحزب الداخلية، وأعاقت نموه وتطوره. فقد جاء في وثيقة إصلاح الخطأ في العمل بين الجماهير ما يلي: " إن بعض الرفاق يدوسون على هذا المبدأ؛ أي المركزية الديمقراطية، الذي لن يستقيم الحزب الشيوعي بدون تطبيقه. إنهم يضعون السلطة التنظيمية محل الصراع الفكري والإقناع، أنهم لا يحترمون رأي الأقلية، إنهم لا يناقشون سياسة الحزب، بقدر ما يصدرون الأوامر العسكرية. ساعد على نمو هذا الاتجاه انعدام الديمقراطية في بلادنا وظروف الضغط والاضطهاد التي يعيشها الحزب" وتتحدث وثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية عن أن العجز في استقبال الطلائع وتحويل الحزب الشيوعي إلى قوة جماهيرية بعد ثورة أكتوبر 1964 ، لا ترجع أسبابه إلى عجز في النشاط الجماهيري، لآن الحزب قد جذب الآلاف من خيرة ممثلي الشعب نحوه، ولكن العجز يرجع إلى "عقم الحياة الداخلية، وإلى الخلل الناتج عن ضعف مبادئ المركزية الديمقراطية". وتتحدث وثائق الحزب الأساسية عن ظواهر الوصاية المفروضة على فرع الحزب، وعدم إشراك العضوية إشراكا نشطا في حياة الحزب الداخلية، وعن روح الحلقية الضيقة، وسيادة البيروقراطية والانغلاق الذي يصعب كسره لاستقبال الجديد، وما يصاحب ذلك من انصراف العضوية الجديدة عن الحزب وانكماشه وتقلصه في الوقت الذي تتوفر فيه كل الشروط الموضوعية لنموه. وتنعى وثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية ضعف الديمقراطية في الحزب بالكلمات التالية: "إن هذا الأساس لتنمية الديمقراطية في حزبنا ضعيف، ومهزوز جدا. فما زال فرع الحزب الشيوعي يتلقى التوجيهات المفصلة، ويجري تدخل في حياته بحجة أن الفروع لا تستطيع العمل وحدها".
هذه نصوص واضحة جدا في دلالتها على أن الممارسة الديمقراطية معدومة على مستوى قاعدة الحزب، وقد أوضحنا أنها معدومة – خاصة- على مستوى قيادته. ولا يمكن تجاهل الأسباب المعقدة التي تجعل تطبيق الديمقراطية في مجتمع مثل مجتمعنا أمرا صعبا جدا. ولا شك أن الفكر الديمقراطي مطالب بترسيخ أسسه في كل المؤسسات الاجتماعية والسياسية. ولا يتم ذلك إلا بصراع شرس ضد كل إرث الوصاية والأبوية والطغيان، المتجسد في مؤسسات تبدأ بالعائلة وتصل إلى الدولة. ولا يتم في الأحزاب الكبرى إلا بإقصاء الطائفة وتحجيم دورها السياسي. ولا يتم داخل حزبنا إلا بإلغاء مبدأ المركزية "الديمقراطية" الذي ينصب قيادة طائفية جديدة تربطها الولاءات الشخصية وروح العصبية. ويجب الإشارة إلى أن الوثائق المشار إليها تعتقد أن الخلل يتمثل في تطبيق مبدأ المركزية "الديمقراطية" بينما نعتقد نحن أن الخلل يتمثل في المبدأ نفسه. فيما عدى ذلك فالاتفاق جوهري، لأن ما تحذر منه هذه الوثائق وترفضه هو ضمور الديمقراطية ومصادرتها لصالح المركزية. وهذا ليس أمرا عارضا بل هو من طبيعة المبدأ نفسه الذي تصاغ على أساسه البنية الحزبية كلها. وهو ليس أمرا عارضا لأن جميع الأحزاب الشيوعية المحكومة بهذا المبدأ اتسمت ممارستها بالمركزية المطلقة وصادرت الديمقراطية ولم تتنازل إلا مجبرة وفي ظروف استثنائية مكنت عضوية هذه الأحزاب بمغالبة قيادتها واسترجعت حقوقها عنوة واقتدارا وبوضع اليد.
خلاصة القول أن المركزية الديمقراطية مبدأ لا يصلح لحزب يرغب أن يكون ديمقراطيا، وأن يشيع الديمقراطية وسط أعضائه خاصة، ووسط المجتمع بشكل عام. ومن المفارقات أن قيادة حزبنا تقبل الديمقراطية الليبرالية كنظام سياسة للمجتمع وتعمل لها وتناضل من أجلها، بينما تعض بالنواجذ على نظام حزبي هو أبعد ما يكون عن الديمقراطية ويكون ادعاء الحزب هنا بأنه سيكون أمينا على الممارسة الديمقراطية في المجتمع، بينما يقمعها داخل صفوفه، إدعاء بلا أساس. ويكون قبوله المعلن للديمقراطية نوعا من النفاق. وبالطبع فإن هذا القول ينطبق على المجتمعات التي تسودها الديمقراطية كنظام للحكم والحياة، وهو ما نعتبره الوضع الطبيعي لكل مجتمع في هذا العصر. أما إذا كان يسود المجتمع حكم دكتاتوري أو فاشي، كما هو الحال في بلادنا اليوم، فإن شكلا من أشكال المركزية القوية لا مفر منه. إذ أن وظائف ديمقراطية معينة لا يمكن ممارستها تحت ظل حكم دكتاتوري، يصادر حرية التعبير والتنظيم والصحافة، ويلجأ لكل وسائل القمع. حينها يصبح وجود الحزب كله في خطر وتصبح السرية، وليس العقلانية، هي التي تحكم حياته. إن عضوية الحزب تقبل هذا الوضع باعتباره ضرورة موضوعية لا مفر منها، وباعتباره وضعا مؤقتا يزول بزوال ظروفه. وما دامت طبيعة النظام الدكتاتوري، ودرجة القمع التي سيتعرض لها الحزب، لا يمكن تحديدها بصورة مسبقة، فإن على قيادة الحزب أن تحدد في كل حالة درجة المركزية التي تقتضيها الظروف وأن تشتد قبضتها وترتخي حسب الضرورة – فإذا كان ضروريا تعليق مبدأ الانتخاب، فيجب ألا يطبق ذلك بصورة عمياء، أو لفترة أطول مما يجب. وقد حدث إبان دكتاتورية نميري أن رفع ضمن بنود أخرى في اللائحة، بند انتخاب الفروع لمكاتبها القائدة، وطبق على جميع الفروع دون استثناء، مع أن فروع الطلاب وفروع الخارج، وفروع المعتقلات، وكثير من المدن الإقليمية، وكل القرى، وبعض المصانع والمؤسسات، كانت تسمح ظروفها بانتخاب القيادات، وذلك لجو الحرية النسبية التي فشلت الدكتاتورية في مصادرتها. ولكن ضعف الفكر الديمقراطي داخل الحزب لم يحمل أحدا على التفكير في استثناء هذه القطاعات والمناطق من الوطأة الخانقة للتحكمية المركزية. كما أنه سوغ للقيادة العليا للحزب التي ترسم سياسة الحزب وتتخذ كل القرارات الهامة، ألا تفكر مطلقا في تجديد شرعيتها وتقديم حسابها لجمهورها.
والخطير في الأمر أن هذه النزعات التحكمية، وما تولده من أساليب وعادات وأمزجة، ستجعل غياب الديمقراطية هو القاعدة وليس الاستثناء. وما دامت مصادرة الحقوق الأساسية للأعضاء لم تملها ضرورة خارجية قاهرة تزول بزوالها، فإنها ستخلق كوادرها وشخصياتها التي ستدافع عنها بعد زوال الظروف التي استدعت مصادرة الديمقراطية في الحزب ككل وفي المجتمع. إن الحزب ليكون ديمقراطيا يجب أن يقوم على الديمقراطية وحدها. فهي بالنسبة للحزب، لصحته ونموه وتطوره، ضرورية ضرورة الماء والهواء. وهي الشرط الذي لا غنى عنه لنيل موافقة المجتمع المعاصر على تسليم السلطة لحزب من الأحزاب. فالحزب الذي لا يقوم على بناؤه على الديمقراطية ليس مؤتمنا على نظام سياسي ديمقراطي. ففاقد الشيء لا يعطيه. إن الحزب القائم على المركزية الديمقراطية لن يولد، مهما فعل ، نظاما سياسيا مخالفا لما شهدته بلدان شرق أوربا والاتحاد السوفيتي، وغيرها من البلدان ذات التجارب الشبيهة، وتراكم الفكر الديمقراطي، وتجارب الأحزاب الديمقراطية في العالم كتاب مفتوح نأخذ منه، ونضيف إليه. صفحة سودانيزاونلاين دوت كم فى الفيسبوك .. Share .. .. لمكتبتي.. المكتبات.. خبر
5- الجبهة الوطنية الديمقراطية جسم جبهة براس حزب
كما أسلفنا القول، فقد كان بناء الجبهة الوطنية الديمقراطية أحد التكتيكات التي حاول الحزب عن طريقها التحول إلى قوة اجتماعية كبرى. وكان ينظر إليها كأداة سياسية لإنجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية. وعلى مدى أكثر من أربعين عاما دخل الحزب في تحالفات مختلفة، بعضها في إطار الجبهة الوطنية الديمقراطية، وبعضها في إطار "الجبهة الواسعة" التي يدخل فيها الحزب لمقتضيات آنية، وأهداف محدودة، وإذا كانت الجبهة التي حققت الاستقلال، والجبهة المتحدة للأحزاب إبان دكتاتورية عبود، ومؤتمر الدفاع عن الديمقراطية بعد حل الحزب الشيوعي عام 1965 ، والتجمع الوطني الديمقراطي إبان انتفاضة أبريل 1985 وحتى اليوم، إذا كانت هذه التجارب تدخل في إطار "الجبهة الواسعة"، فإن الجبهة المعادية للاستعمار 1953 ، والجبهة الديمقراطية وسط الطلاب، والجبهة النقابية وسط العمال، وتنظيمات الشباب والنساء، والروابط الاشتراكية وسط المهنيين، والتنظيم الديمقراطي وسط المزارعين، والتحالف الديمقراطي أبان انتخابات 1986 ، تقع في إطار الجبهة الوطنية الديمقراطـية. وقد طرح المؤتمر الرابع في أكتوبر 1967، وفي وثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية، المفهوم المتكامل للجبهة الوطنية الديمقراطية على النحو التالي: "فالجبهة الوطنية الديمقراطية، إذن، تقوم في بلادنا على أشكال متنوعة ومختلفة من التنظيمات. وهي في نفس الوقت تسير في شكل حركة عامة وواسعة للنضال الوطني الديمقراطي، تربطها أجزاء من برنامج هذه المرحلة، تختلف قدرا ومستوى، ووفق طبيعة تلك التنظيمات المتنوعة، ووفق المستوى الذاتي للجماهير المنضوية تحت لواء تلك التنظيمات، وتجتمع في المجرى العام بوصفها حركة منظمة ذات اتجاه يعالج في الأساس مهام الثورة الوطنية الديمقراطية. ولذلك فإن استعجال شكل مركزي لهذه الحركة تقدير ذاتي خاطئ، وتجاهل للظروف الموضوعية القائمة، والظروف الذاتية الخاصة بمستوى الوعي الجماهيري المختلف والمتفاوت بين الجماهير الثورية" (ص 162)، وتحذر الوثيقة مما أسمته "التصور العمودي" قائلة: "لا يمكن للجبهة الديمقراطية أن تقوم في شكل تنظيم عمودي ثابت ومحدد المعالم مثله في ذلك مثل الحزب السياسي (ص 162). ويتم التركيز في النصين أعلاه على كون الجبهة الوطنية الديمقراطية ليست تنظيما عموديا كالحزب السياسي، وإنما حركة عامة من تنظيمات مختلفة، تناضل بأقدار متفاوتة من أجل تنفيذ برنامج واحد. وإن استعجال شكل مركزي لها يعد اتجاها خاطئا. وينطلق هذا التحليل من حقائق لا مراء في صحتها، ففي واقع التطور غير المتوازن في السودان، واختلاف مستويات الوعـي، ومكونات الثقافة، بالنسبة لمختلف أقسام الجماهير، مما يجعل فرض شكل تنظيمي واحد عليها مسألة محكوما عليها مسبقا بالفشل. وأنها لمحمدة لوثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية أنها اقتربت من الواقع السوداني، وصاغت استنتاجاتها على أساس الدراسة مهما كانت نقائصها. وتصل الوثيقة إلى استنتاج صحيح عندما ترفض الشكل العمودي الذي يصب صبا من أعلى سواء من مواقع السلطة كما حدث بالنسبة للاتحاد الاشتراكي العربي في مصر، أو من مواقع التصورات البيروقراطية المسبقة كما يحدث لكثير من الأحزاب. ولكن هل يعني رفض الشكل العمودي رفض القيادة المركزية؟ لقد تم تفسير المسالة على هذا الأساس، ولكننا نعتقد أن هذا كان واحدا من أكثر الاستنتاجات إضرارا بالحركة الديمقراطية في السودان، إذ حال بينها وبين بناء حلف ديمقراطي حقيقي، توفرت كل الظروف الموضوعية لبنائه. فاستبعاد قيام قيادة مركزية للجبهة الديمقراطية قد جعل القوى الديمقراطية تتحول إلى جسد بلا رأس، بكل ما يعنيه ذلك من إحباط وبوار. فقد نشأت تنظيمات مختلفة للجبهة الديمقراطية، وسط فئات اجتماعية مختلفة، وفي مناطق مختلفة من البلاد. ولكن انعدام القيادة الواحدة منع هذه التنظيمات من رؤية نفسها كجزء من بناء وطني شامل ورؤية أفعالها كجزء من فعالية وطنية عامة، ترمي إلى تغيير المجتمع. وفي كل اللحظات الحاسمة كان ذلك الجسد أقل كثيرا من مجموع أجزائه، لأن تلك الأجزاء، بدلا من أن تتفاعل وتتكامل، وتوحد أهدافها وإرادتها وأفعالها، وذلك عن طريق قيادة مقتدرة، ظلت أسيرة للتشرذم والغربة، بل التناقض والتصادم في بعض الأحيان. ولا يصعب على أحد أن يستبين أن تعدد مكونات الجبهة الديمقراطية وتفاوتها لا يحول بينها وبين تكوين قيادة وطنية تعكس هذا التفاوت والتعدد. وتعمل في نفس الوقت على صهر هذه المكونات وإخضاعها لمخطط وطني ديمقراطي لا يقاوم.كما أن تكوين مثل هذه القيادة الوطنية لا يعني تجميد وتخليد لحظة معينة من عمر الجبهة لأن أي تغييرات تطرأ على الجسم الديمقراطي الكبير ستجد التعبير عنها في رئاسته. وكان من الممكن أن تنشأ علاقات بالغة الغنى والخصوبة بين هذه القيادة ومكوناتها المشتملة على كل ألوان الطيف، وإذا تأملنا المسألة من قريب لوجدنا أن دور القيادة الوطنية لجماهير الجبهة الديمقراطية لم يكن غائبا في الواقع. بل كان يضطلع به بالوكالة الحزب الشيوعي السوداني، وذلك بحمله لهذه التنظيمات على تبني سياساته ومواقفه الوطنية، إما عن طريق المجموعات الشيوعية العاملة داخل هذه التنظيمات، وإما عن طريق منابره المختلفة الداعية إلى تبني هذا الموقف السياسي أو ذاك، حول هذه القضية الوطنية أو تلك، هذه أل"Surrogate Leadership" غير مبررة لأن الحزب الشيوعي نفسه هو الذي صاغ لها المرتكزات النظرية، وهي مرتكزات غير ديمقراطية، لأنها تضع هذه الجماهير أمام خيارات صعبة. فإما أن تتبنى مواقف وطنية لم تشارك في صياغتها، وتسير خلف قيادة وطنية لم تنتخبها، وإما أن تلجأ إلى ممارسات انعزالية ضارة بالحركة العامـة، وإما أن تضرب عن العمل الوطني جملة. وكنتيجة مباشرة لمقولة "لا قيادة مركزية للجبهة الوطنية الديمقراطية" تشر ذمت بصورة مؤلمة قوى الجبهة الديمقراطية. فنشأت الروابط الاشتراكية وسط المهنيين بمختلف تخصصاتهم كمنظمات قطاعية محدودة الوجود، محددة الصلاحيات، تعالج في نشاطها، النقابي أساسا، قضايا محددة تقتصر في الغالب الأعم على جماهير قطاعها. وقد كانت هذه محنة قاسية للمثقف الديمقراطي الذي يملك بحكم وعيه وعلمه وخبرته ونضاله، رؤية وطنية شاملة، ويبحث عن حيز وطني لفكره وفعاليته، والذي تعود من خلال حياته الطلابية أن يلعب دورا مؤثرا ومدويا في القضايا الوطنية، سواء من خلال الجبهة الديمقراطية، أو من خلال المؤسسات الطلابية المختلفة والاتحادات. وبدلا من أن يجد نفسه في تنظيم فاعل على النطاق الوطني عند تخرجه وأثناء حياته العملية، فإنه يجد نفسه محشورا في "غيتو سياسي" لا يخرج منه إلا في المناسبات الوطنية الكبيرة، إن لم نقل إلا في الثورات والانتفاضات. لقد سحب من هذه التنظيمات الفضاء الوطني للنشاط، والحيز الوطني للفعالية ولا غرو، فإن الكثيرين لا يجدون داخلها هواء كافيا، وأن يهجرها الكثيرون، أو يكتفوا بداخلها بوجود شبحي باهت، وإمعانا في تقطيع أشلاء هذه المنظمات فإن المنظمين الشيوعيين لم يسمحوا لأبناء القطاع الواحد والمهنة – المهندسين مثلا- بان يكونوا تنظيما شاملا لأبناء مهنتهم على نطاق الوطن. فصارت هذه التنظيمات تتبع للمديريات الحزبية بدلا من أن تتبع مباشرة لقيادة الحزب المركزية. وعلى كل حال فإن الوضع التنظيمي للمهنيين، المثير للحزن والمرارة، وبالفوضى والتشويش، يعبر كله عن رغبة دفينة في تحجيم دور المثقف الوطني الديمقراطي، الحاضر أبدا في الساحة الوطنية، لصالح قوى غائبة يؤمل أن يتمخض عنها الغيب. لقد تجلى سحب البساط الوطني من تحت تنظيمات الجبهة الديمقراطية، وإغلاق آفاق الرؤية الوطنية في وجهها، تجلى في تكوين "التحالف الديمقراطي" بعد الانتخابات الأخيرة. فقد منعت هذه التنظيمات من صياغة برامجها الخاصة، ونشر توبيخ علني لفرع بيت المال في جريدة الحزب الرسمية لأن هذه الفرع قد توصل مع الديمقراطيين المتحالفين معه في خوض الحملة الانتخابية إلى صياغة برنامج يعالج القضايا المحلية والوطنية، خاص بالتحالف الديمقراطي. وبنشر ذلك التوبيخ أحجمت المجموعات الأخرى عن صياغة برامج تعمق تحالفاتها وتوثقها. وعلى المستوى التنظيمي حصرت "التحالفات الديمقراطية" في الدوائر الانتخابية، ولم يسمح لهذه الدوائر أن تقيم أية علاقات ببعضها. وكان ذلك بمثابة تقطيع "دائري" للأشلاء. والغريب في الأمر أن نواب المعارضة الديمقراطية كانوا ينظرون إلى أنفسهم كممثلين للتحالف الديمقراطي، عموما، وليس في حدود دوائره. أي أنهم يمثلون قاعدة غير مسموح لها بالاختلاط السياسي أو التنظيمي. وعندما لا ينمو التحالف الديمقراطي، ولا يسجل حضورا وطنيا خلال ثلاث سنوات من تكوينه فغن أحدا لا يستغرب مطلقا.
ديمقراطية الفراكشنات إن سحب الفضاء الوطني لم يكن هو الآفة الوحيدة التي اعتورت التنظيمات الديمقراطية، وامتصت عافيتها، وذهبت برونقها وروانها، بل تزامنت معها آفة ثانية تمثلت في غياب الديمقراطية. وفساد الحياة الداخلية، واستشراء ظواهر الوصاية والتكويش والتجاوز. وقد نتج ذلك أساسا من تمتع الشيوعيين بحقوق تنظيمية – وبالتالي سياسية- أكثر من الديمقراطيين. فمن المعروف أن جدول الأعمال المطروح على الجبهة الديمقراطية قد نوقش مسبقا داخل فروع الحزب الشيوعي، أو داخل الفراكشن، والفراكشن هو الجزيء من الشيوعيين العامل وسط المنظمات الديمقراطية. ومعنى ذلك أن الشيوعيين يتبنون رأيا موحدا إزاء كل القضايا المطروحة بما في ذلك الأقلية التي رفضت آراؤها داخل الحزب. ويعرف كل ديمقراطي انه يقف إزاء مجموعة لا تغير مواقفها إلا وفق آلية تقع خارج التنظيم الذي ينتمي إليه، وبالطبع، خارج الاجتماع الذي يحضره . كما يعرف أن عددا من هذه المجموعة يحمل آراءه، و لكنه وبفعل تلك الآلية لا يستطيع أن يقف مواقفه، بل يتحدث داخل الاجتماع حديثا لا يعبر عن قناعته الشخصية. وإذا كانت تجربة الفراكشن، أو تجربة الحق التنظيمي الإضافي، قد أثبتت فعالية في تمرير سياسات الحزب من خلال تنظيمات الجبهة الديمقراطية، فإنها قد اقترنت في نفس الوقت بخسائر أخلاقية وتمزقات نفسية، سواء بالنسبة للشيوعيين أو الديمقراطيين، لا تقدر بثمن. والمهم أن هذه الآلية تؤدي بصورة لا مفر منها إلي فساد الحياة الداخلية، وتحويل الديمقراطية إلى إجراء شكلي، يعرف الجميع أنه يحتوي على كثير من المكر. وتشجع هذه الآلية على صعود العناصر المستهبلة والمنافقة والمتآمرة والانتهازية. فالطلب على خدماتها يتزايد باستمرار. والنتيجة المنطقية لكل ذلك هي تحول الجبهة الديمقراطية إلى تنظيم غير ديمقراطي، طارد للعناصر التي تتميز بالحساسية الديمقراطية العالية، والتي تعتز بتميزها وفكرها الأصيل، ومواقفها المستقلة، ويؤدي ذلك على النطاق الجماهيري العام إلى ازدياد النفور السياسي وإحجام الجماهير عن الالتحاق بتنظيمات لا يجدون فيها أنفسهم. ولحل هذه التناقض قام الطلاب الديمقراطيون في جامعة الخرطوم، منتصف الستينيات، بإنشاء تنظيم مواز لتنظيم الحزب الشيوعي، عرف باسم "الجناح الديمقراطي" . وكان الغرض منه نيل "الحق الآخر" الذي ظل يتمتع به الشيوعيون وحدهم. فصاروا يناقشون كل القضايا داخل تنظيمهم، ويحضون للاجتماعات ككتلة موحدة. وبذا صارت الجبهة الديمقراطية تنظيمين مستقلين يلتقيان في لجنة مركزية من عشرة أعضاء، ستة منهم ديمقراطيون، وأربعة شيوعيون. وقد شعر الديمقراطيون حينا بالندية إزاء الشيوعيين، وبالمساواة في صياغة الخط السياسي للجبهة، وفي حين بذل الشيوعيون جهودا كبيرة في مغالبة السخط والامتعاض، ويمكن اعتبار تلك التجربة انتصارا للديمقراطية. ولكنها بكل تأكيد قامت على حساب الفعالية والكفاءة السياسية. فقد تحولت الجبهة الديمقراطية إلى سلحفاة متعددة الرؤوس، وهي تنتقل بجدول أعمالها من تنظيم إلى تنظيم، وحينما تصل إلى قرارها النهائي تكون الأحداث قد تخطتها، وذلك في وسط طلابي يمور بالنشاط ويتفجر بالقضايا، ومع الإعياء الذي كان يشعر به كل قادة الجبهة الديمقراطية، وقلة ساعات يومهم ونومهم من كثرة الاجتماعات، وبتخرج المجموعة "المشاغبة" التي قادت الحركة، تساقطت الفكرة، وانهار التنظيم. ويمكننا القول أن فكرة "الجناح الديمقراطي" كانت حلا خاطئا لمشكلة حقيقية، لم تكن الشروط قد توفرت حينذاك لحلها. ومن المفهوم بالطبع أن الفراكشنات أدت دورا إيجابيا وسط التنظيمات الجماهيرية التي توجد بها أحزاب وقوى أخرى مختلفة مع الحزب أو مناهضة له، وما يزال هذا الدور قائما. نتائج متواضعة وسط العمال والمزارعين: وإذا نظرنا إلى الطبقتين الأساسيتين التين يتوجه إليهما الحزب الشيوعي بخطاب الأيديولوجي والسياسي، وبجهوده التنظيمية، لوجدنا نتائج أكثر تواضعا في بناء الجبهة الديمقراطية، وآفاقا أقل وعدا بالنجاح، فالطبقة العاملة تراجع دورها الوطني منذ الضربة القاضية التي وجهت لها في يوليو 1971 باغتيال قائدها الفذ الشفيع أحمد الشيخ، وقمع قادتها وتكبيل تنظيماتها، ومصادرة حقوقها التاريخية في النشاط الوطني. وترافق مع القمع السياسي تدمير البنية الإنتاجية وإغلاق كثير من المصانع، وتشريد العمال، وهجرة الآلاف من أكفأ عناصرهم إلى خارج البلاد، وغير ذلك من مظاهر الانهيار الاقتصادي المريع، الذي شهدته بلادنا خلال العشرين عاما الماضية. وقد جاء الدور المتواضع للطبقة العاملة في انتفاضة أبريل تعبيرا عن هذه العوامل المتشابكة، وخلال هذين العقدين الأخيرين فإن مجهودات الحزب لإيقاظ الطبقة العاملة من سباتها لم تبؤ بنتائج باهرة، فالجبهة النقابية، هي التعبير التنظيمي عن الجبهة الديمقراطية وسط العمال، لم تنجح في كسب مواقع مؤثرة، ووزن سياسي كبير، في أوساط العمال أنفسهم، دع عنك المجال الوطني العام. وهو ما يشير إلى قصورها عن الدور القيادي المدخر لها. وهذا الوضع يمكن أن يتغير بمزيد من الجهد المثابر، ولكن في إطار الحدود التي ذكرناها آنفا. وتواجه وصفا شبيها وسط المزارعين، "فوحدة المزارعين" اندثرت مع ذهاب قادتها التاريخيين، والتنظيم الديمقراطي الحالي محدود الأثر والفعالية. ولن ينهض لمعارضتنا أحد إذا قلنا أن القطاع التقليدي برمته، والذي يضم أكثر من سبعين في المائة من سكان البلاد، ظل بوجه عام مغلقا أمام الحزب الشيوعي، بما في ذلك جنوب البلاد، والذي كان الحزب من أوائل الأحزاب التي نشطت فيه، وطرحت رؤية صائبة لحل قضاياه الأساسية.
الحزب الشيوعي و المثقفون: قضية كسب المثقفين كانت قضية مركزة في بناء الجبهة الديمقراطية. و قد اهتم بها الحزب على هذا الأساس. و أولاها عبد الخالق محجوب بالذات، اهتماما كبيرا، وقد أشار في كتيب لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني " إلى الدور الريادي الذي لعبه بعض المثقفين في تنظيم حركة الطبقة العاملة و تأهيل كوادرها القائدة لتلعب دورها الطبقي و الوطني”. و تشير "الماركسية و قضايا الثورة السودانية" إلى أهمية استخدام المثقفين داخل تنظيمات الطبقة العاملة، لتصبح هذه التنظيمات قوة جاذبة على الصعيد الوطني، و إلى دفع أعداد أكبر من كوادر الطبقة العاملة إلى مستويات القيادة الوطنية، و تلاحظ وثائق الحزب، الإمكانيات الهائلة لاجتذاب المثقفين الذين لا ينتمون إلى الحزب، إلى صالح الحركة الثورية، و استعدادهم لخدمة العمل الثوري كله يعتمد على مدى ارتباط الحزب بخبرة المثقفين الذين يتسمون بالجدية و إعمال الفكر و اتساع الأفق. و نتيجة لتلك التوجيهات الباكرة فان اغلب مثقفي الخمسينات و الستينات قد التقوا في فترة من فترات حياتهم بالحزب، أو ارتبطوا به بصورة من الصور أو تعاونوا معه في قضية من القضايا، و قد انكمشت هذه الظاهرة في السبعينات و الثمانينات. و هذا كله يجب أن يخضع للفحص و التفسير.
و بقد ما كان إقبال المثقفين كبيرا على الحزب، في عقوده الأولى، بقدر ما كان بقاؤهم داخله قصيرا و عابرا. و ربما يرجع ذلك إلى التغييرات التي تطراء على أوضاع بعضهم، مثل الترقي في جهاز الدولة، و الارتباط بالسلطة، و خاصة السلطة الديكتاتورية، و الارتباط بالطبقات الطفيلية، و تناقض مصالحهم مع مصاالح الشعب مما يضعهم في الجانب الآخر من المتراس في مواجهته، هذه تطورات موضوعية لا يد للحزب فيها، و لكنها على كل حال لا تفسر ظاهرة الانسحاب من صفوف الحزب إلا بالنسبة لأقلية من المثقفين تحدث لها التحولات المذكورة. أما بالنسبة للأغلبية فنعتقد أن انسحابها يتعلق بأسباب ذاتية خاصة بالحزب.
لقد تم تصنيف المثقفين جميعا، و بمختلف فئاتهم بأنهم برجوازية صغيرة، في ظل مفهوم سائد بأن الأصل الطبقي هو المحدد الوحيد للمواقف النظرية و الانتماءات العملية، و في ظل قناعة راسخة بأن البرجوازية الصغيرة منقوصة الثورية، متذبذبة المواقف مستعدة للخيانة، كانعكاس مباشر لوضعها المتذبذب في علاقات الإنتاج، و خضوعها للأقدار العمياء التي يمكن أن ترفعها إلى مصاف البرجوازية، أو تنحدر بها إلى صفوف البروليتاريا، و ذلك وفق منطق مقولة الاستقطاب التي تحدثنا عنها. و لقد استخدمت مقولة البرجوازية الصغيرة كمبداء مريح لتفسير الظواهر، بل لتفسير نقائضها في نفس الوقت. و قد كانت المقولة نفسها واسعة بحيث تشمل الطلاب بصرف النظر عن انتماءاتهم الأسرية، و تشمل المعلم شبه المعدم، و الطبيب الذي يملك وسائل إنتاجه، و التنفيذي الذي يتصرف في ممتلكات القطاع العام. كما تشمل المزارعين و التجار و صغار الباعة و الحرفيين، الأميين و غير الأميين و الجمع بين كل هذه الفئات في مقولة فكرية واحدة، لا يبرره إلا الاعتقاد بأن كل هذه الفئات ذات وجود عرضي مؤقت، و أنها ستذوب في نهاية المطاف في البقتين الأساسيتين، و أن عملية التذويب و الصهر هذه، هي الجديرة بالاهتمام، و بذل الجهد، أكثر من الحديث عن التمايزات الدقيقة، و درجات اللون و الظل. و مادام المجتمع المعاصر يوضح أن هذه الفئات بدلا من أن تذوب، و تريح المنظّر السياسي الماركسي من العناء، تنمو باطراد، و تشكل الأغلبية الساحقة من المجتمع، فأن المقولات التعميمية، الغارقة في الغموض لم تعد تجدي فتيلا. و الذي يتجاهل المؤثرات الثقافية ليجمع في فئة واحدة عالم الفيزياء، و مهندس الطيران، و طبيب المخ و الأعصاب، و عالم الاجتماع من جانب، و بين الأميين و صغار الباعة و المالكين لا يكشف سوى غربته التامة عن العلم الاجتماعي.
و الذي يهمنا في هذا المقام أن تصنيف المثقف كبرجوازية صغيرة، مع الشناعات التي تلصق عادة بهذه الطبقة قد جعلت وضعه داخل الحزب غير مريح. ووضعته دائما في موضع الدفاع عن النفس، و أصابته بعقدة الخيانة الطبقية، و الارتداد إلى الأصل، و جعلته شخصية خائفة و عصابية، و لذلك فإن الفعالية الحرة للمثقف لم تجد التشجيع، بل وجد نفسه محكوما بمسلمات صارمة، و كان نشاطه مرغوبا فيه ما "يشرح" خط الحزب، لا أن يثير أسئلة جديدة، أو يقدم استنتاجات غير متفق عليها. و لم يكن ذلك الجو جاذبا للمثقفين، فآثر بعضهم الابتعاد عن الحزب، و آثر آخرون الخروج عن صفوفه، و بقى آخرون يضطلعون بأدوار تحدد لهم. لقد جاء في كتيب لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني، أحكام لا تخلو من قسوة بحق المثقفين. فقد أشير إلى أنهم "هرعوا وراء المكاسب الشخصية" و أصبحوا عناصر يائسة، زاهدة في الكفاح، و أصبحوا رصيدا للمستعمر في كل خطواته، و انحصر نشاطهم في أندية الخريجين، و في الجمعيات الأدبية، و الحفلات الاجتماعية. و هذه أحكام لا تتسم بالموضوعية. فالنهوض بأعباء الوظيفة الحكومية، بما ينطوي عليه من المكاسب الشخصية المشروعة، ليس يأسا، و زهدا في الكفاح، و ليس انحيازا إلى المستعمر. كما أن النشاطات الأدبية و الاجتماعية في أندية الخريجين لم تكن أعمالا إنصرافية، بل كانت أعمالا مناسبة لظروف الهجمة الشرسة و القمع الذي أعقب ثورة 1924 و لظروف حداثة الحركة نفسها. إن الأعمال الأدبية و الندوات السياسية –السرية أساسا و العلنية أيضا- هي التي أدت إلى صدور المجلات الأدبية في الثلاثينات. كما أن مؤتمرات الخرجين هي التي أدت في النهاية إلى رفع المذكرات إلى السلطات الاستعمارية، و منها مذكرة 1942 التي طالبت بالاستقلال. بل إن هذه المؤتمرات كانت الحاضنة الرءوم لكل الاتجاهات التي أدت إلى بروز الأحزاب فيما بعد.
إن العناصر التي قامت بكل ذلك لم تكن يائسة، أو عميلة. و على كل حال فإن هذا التقييم لم يمكن مطلقا بل انحصر في فترة محددة هي التي أعقبت ثورة 1924، و رغم التصنيف المشار إليه، إلا أن الحزب كان يعلق أهمية كبيرة على جذب المثقفين. و قد حدد عبد الخالق محجوب في وثيقة "قضايا ما بعد المؤتمر" بعض الشروط لجذب المثقفين على صفوف الحزب و رفع فعاليتهم داخله. و ذلك بوضعهم في المكان المناسب داخل الحزب، و فتح المجال لتوليهم المسئوليات القيادية حسب مقدراتهم. و عدم إخضاع ذلك للعمر الحزبي، أو سجل التضحيات و بمنع طغيان النشاط السياسي على النشاط الفكري و الثقافي، بالنسبة لهم. و بالتطبيق السليم للمركزية " الديمقراطية"لضمان الحرية الفكرية, و بحيث تترك آراء و انتقادات المثقفين أثرها في تطور الحزب و اتخاذ قراراته و رسم سياساته. و ذلك لأن حركة التثقيف و الثقافة لا يمكن أن تنمو في جو تصادر في حرية النقد و تصادر فيه حرية التفكير. كما جاء في وثيقة قضايا ما بعد المؤتمر.
و لكن ما كان يحلم و ينادي به عبد الخالق محجوب لم يتحقق فالظروف الموضوعية التي أحاطت بالحزب و التي أودت بحياة بعد الخالق محجوب و هو ما يزال شابا لم تسمح للحزب بالنمو و هو يواجه أشرس هجمة يتعرض لها حزب سياسي في السودان. ولم تسمح لوظائفه الثقافية بالاتساع، و لم تسمح للديمقراطية داخله أن تزدهر. إن انكماش الحزب بصورة عامة، و انكماش وظائفه الثقافية على وجه الخصوص، لم يمكناه في العقدين الأخيرين من استقطاب أقسام كبيرة من المثقفين، كما أن الذين بقوا داخله أو التحقوا بصفوفه لم يجدوا المكان اللائق بمقدراتهم و لا المناخ المفجر لطاقاتهم الفكرية. و قد أدت المركزية الصارمة التي سادت نشاط الحزب طوال العقدين الماضيين إلى استبعاد المثقفين من مواقع اتخاذ القرار. و كانت المؤسسات الحزبية التي يعملون في داخلها لا تتمتع بسلطة يؤبه لها في رسم الخط السياسي العام للحزب.
لقد أدي تهميش دور المثقفين داخل الحزب، و ابتعاد أغلبتهم عنه، إلى إفقار الفكر الديمقراطي داخله، أو في الحقيقة إفقار ديمقراطية الإنتاج الفكري، صارت الأعباء الفكرية تقع بصورة متزايدة على سكرتيره العام . والذي لم يجد معونة فكرية تُذكر من المحيطين به في هيئات الحزب العليا ، باستثناء واحد أو اثنين . وفي حين انصرف هو إلى التنظير ، انحصر دور الآخرين في التّلقي والمباركة والتلقين . وقد أدّى هذا إلى إغلاق الآفاق الرحبة للجدل الفكري وأعاق تقديم الرؤى البديلة ، وتقليب المسألة من جميع جوانبها ، وتمحيص كل الإحتمالات . وظهرت طفيلية فكرية معتمدة بالكامل على إنتاج السكرتير العام ، وعاجزة بالتالي عن صياغة مواقفها الفكرية المستقلة ، أو التحديد الناقد لمواصفات الفكر الذي ينتجه السكرتير العام ، وأنّها تكتفي بقبول البضاعة التي تعرض عليها ، وهذا يؤدي إلى إرهاق فكري من جانب ، ويؤدي إلى ضيق بأي رأي آخر ويعامله كأنه نوع من المروق .
أدى إغتراب المثقفين داخل الحزب ، وعنه ، إلى عدم التجديد في حياة الحزب الداخلية ، وفي بِنيته التنظيمية مما جعله متخلفاً تنظيمياً ، عن بعض الأحزاب ، وعن كثير من الهيئات الأكاديمية والحكومية والأهلية – والتي استفادت من الثورة التنظيمية والإدارية الهائلة التي حدثت في العقود الأخيرة على مستوى العالم – وفقد الحزب دوره الرائد في إدخال أشكال تنظيمية جديدة ، وأساليب إدارية حديثة . وتخلف كثيراً في هذا المضمار ؛ في نفس الوقت الذي شهد فيه الفكر التنظيمي والإداري قَـفزات هائلة في المؤسسات التعليمية وبعض الإدارات الحكومية والأهلية . ويكفي أنّ الحزب ما زال يُدار وفق مبادئ تنظيمية صيغت بين عامي 1903- 1906 في منطقة متخلفة من العالم في روسيا . بل إنه لم يطبِّق هذه المبادئ على الدوام على خير الوجوه .
ونستطيع ان نردد اليوم ما كان يشير إليه عبدالخالق محجوب من " بدائية في الأداء والتنفيذ ، تؤدي الى إهدار أعظم الأفكار وتضَيـِّع فرص العمل الثوري ، إنّه يعاني من كل أمراض البدائية ، التخلف في الأداء ، وتحذيره من أنّ الحزب إذا لم يستطع أن يغيّر من حياته الداخلية ، وأن يطور هذه الحياة ، فسوف يصبح تنظيماً بدائياً ومتخلِّفاً ، ولا يكون في مقدمة الأحداث بل يكون خلفها " . إنّ هذه الثورة في الإدارة والتنظيم ، والمؤدية إلى رفع معدّلات الأداء والتنفيذ، والمستفيدة من آخر مكتسبات العلم والتكنولوجيا ، لا تأتي إلى أي حزب من غير المثقفين . ومن الجانب الآخر فإنّ المثقفين ، وفي غياب رسالة وطنية جامعة ، وفي غياب توجّه شعبي جماهيري شامل ، قد تشتّتت قواهم ، وانفرط عقدهم ، وتوزّعوا بين الأحزاب الطائفية المهترئة التي توظّفهم لأهدافها الصغيرة ، وبين الولاءات القَـبَلية والإقليمية ، وبين المجموعات الصغيرة التى إن استطاعت أن ترفع صوتها في بعض الأحيان ، وفي بعض القضايا،فإنّها لا تستطيع أن تفرض إرادتها على أحد . أو تضع بصماتها على مسيرة البلاد . ومن الجانب الآخر ، فإنّ الطفيلية الإسلامية قد استطاعت أن تستوعب أكبر كتلة من المثقفين ، نتيجة لانتصاراتها السياسية وسط الحركة الطُّلابية ، ونتيجة لتخطيط بعيد المدى ، ومتعدّد الأبعاد يرمي الى إعداد قوة من المثقفين تضطلع بأعباء فكرية وسياسية وتنظيمية وثقافية وعسكرية ، على مستوى الوطن ككل . وتجعل الجبهة الإسلامية مؤهّلة " لخلافة الأرض " ، عندما تحين اللحظة المناسبة ، وقد حانت بالفعل . صحيح أنّ مشروع الجبهة الإسلامية مشروع طفيلي ، لا وطني ، حافزه الأساسي هو الكسب الفردي على حساب الغير ، والإغتناء الفاحش ، والكنز ، في وقتٍ تعربد فيه المجاعة . وبالتالي فهو مشروع غير أخلاقي . ولكن ما نودّ ان نشير إليه هو الكفاءة والحداثة والدقّة ، التي يُدار بها هذا المشروع ، المرفوض تماما من حيث محتواه ، والذي يفصح ، في نفس الوقت، عن المقدرات التي ينطوي عليها قطاع المثقفين إذا ما تسلّم زمام القيادة ، وربط مصيره بالشعب ، وأمسك بكلتا يديه بقضايا الوطن . إنّ المقدرات القيادية التي يمكن أن تتفجّر من ينابيع هذا القطاع ، لا يستطيع أن يتنبأ بها أحد ، ولا تملكها أيِّ طبقة أو فئة أخرى .
لقد آن الأوان ليجد المثقف مكانه الرّحب في قيادة حزبنا ، وأن يسمح له بارتياد الآفاق المفعمة بالوعود التى يخبئها المستقبل لشعبنا ، آن له أن يشعر أنّ هذا الحزب هو حزبه ، أصالة عن نفسه وليس نيابة عن أحد . وأنّ المطلوب منه ليس نوعا من التحوّل "####morphosis" الذي يجعله هويّة نقيضة، بل المطلوب منه فقط أن يكون أميناً لعلمِـه ، لذاتِه ، لشعبه ، لوطنه ، ولإنسانية العصر الذي يعيش فيه . بل له أن يعرف أنّ أسمى أهداف المجتمع هو: إنتاج المثقف ، وتحويل كل أفراده إلى مثقفين . وبالتالي فهو ما أطلق عليه شكسبير "The paragon of the species " إذا جاز لنا أن نستبدل كلمة من عبارته . إنّ حزبنا الذي لم يصدر خلال عقدين سياسة متكاملة حول المثقفين – خارج الفعالية النقابية – قد آن له أن يتخطّى هذا النقص الفادح .
وخلاصة الأمر، أنّ الحزب الشيوعي السوداني، في ظل المآلات المأساوية للتجربة الإشتراكية ، الفكر الماركسي عموماً ، وفي ظل برنامجه السياسي الحالي ، وبِنيَته التنظيمية ، وتوجيهاته الإجتماعية ، وأساليب عمله الراهنة ، لا أمل له في التحوّل إلى قوة اجتماعية كبرى ، والى حزب على النطاق الوطني ، لا أمل له في أن يصير مُعبِّراً أساسيا عن القوى الحديثة ، أو قوة أساسية في المعارضة ، أو مرشّحاً قوياً للوصول إلى السلطة ، في إطار مجتمع ديمقراطي . لا أمل له في توحيد كل القوى الحيّة في المجتمع ، والتي تستطيع أن تنقل بلادنا إلى مشارف القرن الحادي والعشرين . لا أمل له في منازلة الطائفية وهزيمتها وتجريدها من قواها الإجتماعية المتمثلة في كادحي بلادنا . وذلك في إطار المجتمع الديمقراطي القادم ، ووفق القوانين الديمقراطية للصراع ، التي يُؤمَّل أن يلتزمها الجميع .
وليكون الحزب قادراً على الإضطلاع بهذه المهام ، فإنّ تغييراً جِذرياً يجب أن يحدث داخله ، وأن يحدث له تغييرا يشمل توجُّهاته الأيديولوجية، وبرنامجه السياسي وبنيته التنظيمية . وهذا ما سنقوم برسم خطوطه العريضة في الصفحات القادمة .
6 – منطلقات أساسية لإعادة بناء الحزب : 1- إنّ انهيار التجربة الإشتراكية، لا يعني أنّ راية العدالة الإجتماعية قد انطوت ، أو أنّ سير الإنسانية نحو المجتمع الأمثل الذي يضمن لكل فردٍ حريته الفردية ، ويوفّر له احتياجاته الأساسية ، ويتيح له كل الفرص للنمو الشامل واللآمحدود ، قد توقّف ، أو أنّ التاريخ قد انتهى . ولن تكف الإنسانية عن تحديد ملامح هذا الأمثل الذي تتوق إليه . ولن تتوقّف عن صياغة رؤى على هذا القدر أو ذاك من العمق والوضوح تحكم مسيرتها . وإعادة صياغة المشاريع بفضل الآفاق الرّحبة التى تتفتّح كل يوم ، سمة أساسية من سمات الفكر الإجتماعي والسياسي . لقد أصبحت كل لحظة من لحظات الإنسانية لحظة للتنظير . وقد انتهت بالتالي الحقبة التاريخية التي يقوم فيها عبقري ما بصياغة مشروع كامل للتحرر الإنساني ، تمسكه الإنسانية ككتابٍ مقدّس ، يهدي مسيرتها منذ هذه اللحظة الماثلة الآن وحتى آخر لحظة متصوّرة في الزمان . إنّ تطوّر المجتمع وتراكم العلم والمعرفة ، يضعُ في أيدي الأجيال اللاحقة مقدرات ووسائل وأدوات وإمكانيات تجعلها أقدر بما لا يقاس من كل الأجيال السابقة في رسم أهداف أبعد مدىً وأكثر إنسانية . وسيتـّضح للجميع أن المعنى الذي أشار إليه أبوالعلاء المعرِّي حين قال : وإنّي وإن كنتُ الأخير زمانه لآتٍ بما لم تستطعه الأوائلُ
هو في الحقيقة معنى مقلوب يمكن استعداله على النحو التالي : لأنِّي ، كنتُ الأخير زمانه ، أتيتُ بما لم تستطعه الأوائل
إنّ الأجيال الحاضرة عليها أن تكون أكثر تواضعاً ، لأنّ الفضاء التاريخي والمستقبل الإنساني مسكون بكائنات أكثر ذكاء وأطول باعا !
2- التقدّم الإنساني لا يطرح نفسه بصورة عامة أو مجرّدة ، بل بصورة خاصّة ومحددة في شكل قضايا ومهام ومشاكل تخصُّ هذا المجتمع بالذات ، في هذه اللحظة التاريخية بالذات . القوة الإجتماعية، والحزب السياسي الذي يريد أن يخدم التقدّم الإنساني ، هو الذي يقدّم الحلول الواقعية للمشاكل الحقيقية . ويتوجّه بها بلغة واقعية الى هذا الجيل من البشر الذي يعاصره ، ويبيّن له الطريق ، ويمدّه بالوسائل والأدوات لحلِّها. وعندما يتمكّن هذا الحزب من نقل المجتمع ، ولو درجات قليلة على سُلَّم التطور ، فإنّه يكون قد أدّى ما يتوجّب عليه تجاه الإنسانية ، وتجاه التقدّم الإنساني . فالإنسانية ليست شيئاً آخر غير هؤلاء الناس ، الأفراد والمجموعات والطبقات ، بلحمهم ودمهم ، بقيودهم وحدودهم وتناقضاتهم ، بأمانيِّهم وآمالهم وصبواتهم ، الموجودين هنا ، الموجودين الآن .
والإنسان ليس نبوءة ستتحقّق في المستقبل . ليس فكرة في ذهن أحد – نحنُ لسنا مقدِّمات لظهور الإنسان – لسنا مشاريع إنسانية ، لسنا طوراً سابقاً للتاريخ الإنساني . إنّنا نحن الإنسان في هذه البقعة من الأرض ، في هذه اللحظة من الزمان . لسـنا وسيلة أحد في تحقيق رؤاه الذهنية ، لسـنا فئراناً للتجربة ! . ظهور الإنسان الجديد ليس شيئا إضافيا للعملية الحياتية البشرية المألوفة ، والمعروفة . والتقدّم مبدأ أصيل " In built" في البيئة الإجتماعية ؛ وليس وارداً بالتالي التضحية بالأجيال الماثلة لمصلحة الأجيال القادمة ، أو لمصلحة " الإنسان الجديد " كما حدث في تجارب التجميع الزراعي الستاليني في الثلاثينات ، والذي راح ضحيّته ما لا يقلّ عن عشرين مليوناً . كما حدث في تجربة " بول بوت " التي راح ضحيّتها أكثر من ثلاثة ملايين ، أو في الصين على أيّام الثورة الثقافية ، أو غيرها . إن مَن يضحِّي بالأجيال الحاضرة لمصلحة الأجيال القادمة يضحّي بكلَـيهما . وهو كَـمَـن يضحي بالعلم والمعرفة والتكنولوجيا الحاضرة من أجل مصالح العلم والمعرفة والتكنولوجيا القادمة أو الجديدة ! إن المشاريع الإجتماعية تصاغ من أجل الإنسان ، ولا يُصاغ الإنسان من أجل المشاريع الإجتماعية .
3- الداء العُضال ، والآفة المعيّنة التي يعاني منها مجتمعنا هيَ التخلُّف ، وما يصاحبه ويتمخّض عنه من فقرٍ وجهلٍ ومرض، على المستوى الإجتماعي. ومن تخلُّف مريع في قوى وعلاقات الإنتاج ، على المستوى الإقتصادي ، ومن قهر وطغيان على المستوى السياسي . فالقوى السياسية التى أمسكت بزمام الحكم منذ الإستقلال لم تفشل فقط في التّصدِّي لقضية التخلُّف ، بل زادتها تفاقماً واستعصاء على الحل . الحزب الذي نحن بصدده هو الأداة الجماهيرية المناسبة لإخراج شعبنا من وهدة التخلف، وتخليصه من براثنه ، ونقله إلى مشارف القرن الحادي والعشرين . ووسيلته في هذه النُّقلة التي تطوي العقود والحِقَب، هي التطوير العاصف لقوى الإنتاج بما فيها ، وعلى رأسها، الإنسان . وأدواته السياسية هي توظيف مكتسبات الثورة العلمية التكنولوجية بصورة واسعة وشاملة في كل الحقول الإقتصادية، زراعة وصناعة وتعليماً وصحة وإتصالات ومواصلات. وإذا كان الحصول على الاكتشاف الأخير في هذه المجالات صعبا وبعيد المنال ، فالإكتشاف قبل الأخير يكون كافياً ، وسيكون الحصول عليه ميسوراً بفضل المنافسة الشرسة بين الإقتصاديات الرأسمالية المتقدمة، التي تجعل الأخذ بآخر مقـتنيات العلم و التكنولوجيا مسألة حياة أو موت، وفي هذه المنافسة ، تصبح المعارف والتقنيات التي كانت حتى الأمس مثاراً للعجب ، قليلة القيمة جدّاً ممّا يضعها في متناول أيدينا لأنّنا نكون كَـمَـن يشتري ملابس الصيف على مشارف الشتاء! وبالعكس .
لقد نادى حزبنا بطي مراحل التخلف عن طريق تخطِّي الحقبة الرأسمالية . وتبنَّى طريق التطور غير الرأسمالي لهذا الغرض . ومع أنّ الهدف يبقى كما هو – أي نقل المجتمع إلى مشارف القرن القادم – إلا أنّ الوسائل ستختلف ، فالتركيز الوحيد الجانب على علاقات الإنتاج سيحل محلّه تصوّر شامل يركِّز في نفس الوقت على تطوير قوى الإنتاج ، وعلاقات الإنتاج بالتالي . تُراعي فيه بِدقة المصالح الإجتماعية لكل القوى المشتركة في هذا البعث الإقتصادي الإجتماعي الحضاري الشّــامل . وفي حين يشـن هجوم كاسح على كل أعمدة التخلّف ، فإنّ كل القوى الإجتماعية القادرة على المساهمة في بناء السودان الجديد ، سيفسح أمامها المجال . وسيسمح بأشكال مختلفة لملكية وسائل الإنتاج مثل مِلكية الدولة ، الملكية الرأسمالية بأشكالها المختلفة ، والملكية التعاونية، والملكية الأُسَـرية ، والرِّفاقيات الإنتاجية التي تقيمها طلائع القوى المنتجة الأكثر تقدماً ، وذات التخصُّصات المتكاملة ، والمستويات الثقافية الرّفيعة ، ومهما كان حجمها ضئيلاً في البداية . إنّ تخطِّي أي شكل من أشكال المِلكية ليس هدفاً مُسبَقاً ، بل هو أمرٌ يتعلّق بتطوُّر القوى الإنتاجية ، وحَفْز العلاقة الإنتاجية الدافعة لتطور الإنتاج أو كبح هذا العلاقة . إنّه أمرٌ ثقافي ، بالإضافة الى كونه اقتصادياً وسياسياً . وهو لا يتمُّ إلا بِرٌضى المنتجين أنفسهم وبنضالهم . إنّ العلاقة المرفوضة ، والتي ستتمُّ محاربتها ، هي العلاقات الطُّفيلية الصريحة بأشكالها المختلفة ؛ سواءٌ كانت موجودة حالياً ، أو تتولّد في مجرى التطوُّر . إنّ هذا الطريق الذي نخطّـتُه ليس طريقاً رأسماليّاً . ولكنّه في نفس الوقت، ليس رافضاً للرأسمالية من حيثُ المبدأ . و كعلاقة واحدة ضمن علاقات أخرى ، فإنّه يستند على كل النضالات السابقة للمنتجين ، ويستفيد من ثمرات المساومة التاريخية التي أنجزوها مع الرأسمالية ؛ تمّتْ الإستجابة من خلالها لِقـَدْرٍ هائل من مطالبهم ، ممّا أعطى الرأسمالية بُعداً إجتماعيا تَـصـوَّر المنظِّرون المبكِّرون أنّها غير قادرة على تحقيقه ! . وقد تطورت قوى الإنتاج في إطار النظام الرأسمالي بصورةٍ لم يكن يحلم بها أحد ؛ وأصبح الربحُ – هذا الدافع الأزلي للإنتاج الرأسمالي – لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تنازلات حقيقية للمنتجين . وصارت العملية الإنتاجية أكثر ديموقراطية بما لا يُقاس ؛ إذا دخل المنتجون والإداريون والتِّقَنيُّون والمُستهلِكون في تحديد أهدافها ، وفي رسم كيفية الوصول إلى هذه الأهداف ، جنباً إلى جنب مع مالكي وسائل الإنتاج . كذلك ، فقد ظهرت إلى جانب الملكية الرأسمالية الكلاسيكية ، أشكالٌ أخرى للملكية مثل : شركات المُساهَمة والتعاونيات والصناديق الإجتماعية المختلفة والمتعددة والأوقاف الدينية والخيرية ، بالإضافة إلى ملكية الدولة التي توسّعتْ بصورةٍ كبيرة في كل المجتمعات الرأسمالية . بل ظهرت الملكية الجماعية المباشرة في الكثير من المؤسسات الصحفية والإعلامية وغيرها . وظهرت فئةٌ تزداد كل يوم من المالكين لوسائل إنتاجهم من " الحِرَفيين الجُدد " الذين يبيعون منتجاتهم وليست قوة عملهم ، من المهندسين والمصمِّمين والفنانين والمبدعين وصانعي الموضة ونجوم الرياضة البدنية والذهنية ..إلخ ... . هؤلاء المرتبطون بالثورة العلمية التكنولوجية ، الذين يزداد نصيبهم باطِّراد في خلق الثروة القومية . وإذا كان التخلف يحول بيننا وبين ظهور بعض هذه الأشكال من العلاقات الإنتاجية ، فإنّ التطور كفيلٌ بحلِّ هذه المشكلة . وإذا كانت الرأسمالية المحليّة سترفض الإنطلاق من هذه النقطة المتقدمة، فإنّ الصراع الإجتماعي والتدخل السياسي من قَبيل المجتمع ، كفيلٌ بأن يضع لها رأسها ، على الدوام ، بين كَتِفَيها. المهمُّ في كلّ ذلك، أنّنا لا نسعى إلى بناء دولة مطلقة الصلاحيات ، مالكة لكل وسائل الإنتاج ، ومتصرفة في كل الثروة القومية ، وحائزة على سلطة سياسية جبّارة في مواجهة مجتمع مدني مجرّد من الحقوق ، ومفتقر إلى القوة . إنّنا لا نُطابق بين ملكية الدولة والملكية العامة لوسائل الإنتاج كما حدث في التجربة الإشتراكية المقبورة . إنّنا لا نسعى إلى إقامة مجتمع ثكنات جديد ، هذه أهدافٌ قد تخطّاها الإنسان ؛ ونحن نعلم أنّ الملكية تسير بصورةٍ ، لا مَردّ لها، نحو الإصطباغ بالصبغة الإجتماعية ، ولكن هذه العملية لا تمرُّ كلها من خلال عُنق زجاجة الدولة ؛ فتطوُّر قوى الإنتاج وزيادة نفوذ المنتجين الثقافي وصراعهم الإجتماعي الذي نعمل جميعاً لجعله صراعاً ديمقراطيا ، يسيرُ بهذه العملية سيراً وئيداً وطيداً نحو غاياتها النهائية .
4- القوى الإجتماعية التي ستُنجز هذه النقلة الهائلة وتتصدّى للتخلف بكل ثِقَله وعقابيله، هي قوى المثقفين وكلّ المنتجين والعلماء بمختلف فئاتهم ، وقوى العمّال والزّرّاع المرتبطة بالإنتاج . بالإضافة إلى الملايين من سكان القطاع التقليدي بتنظيماتهم الإجتماعية وانتماءاتهم الإقليمية والقومية . أي أنّها قوى الشعب كلِّه . وستلعب الفئات الجديدة المرتبطة بالثورة العلمية وبالثقافة في أرقى صُوَرها ، دوراً قياديّاً يتعاظم باستمرار . هذه القوى القادرة على استيعاب العملية الإجتماعية في كُلِّيتها ، والمنخرطة في أرقى العلاقات الإنتاجية والتي سيتعاظم نصيبها في إنتاج الثروة القومية باستمرار ؛ وهي القادرة على قيادة المجتمع وتسيير وسائل التوجيه والإتّصال ، وتفجير منابع الطّاقة بكل أشكالها ، والتي لا يمكن لمجتمع معاصر أن يحلم بالتقدّم دون تفجيرها . كما أنّ هذه القوى هي بوّابة المجتمع لانتشار المعلومة الصائرة باطِّراد وسيلة إنتاج أساسية ، بأنّها القوى المُشرِفة على العملية الإنتاجية في كُلِّيتها ؛ وهي القوى التي ستضطّلعٌ بتعليم المجتمع وأجياله الجديدة الطّالعة وأجياله المنخرطة فعلاً في الإنتاج . وفي عصرٍ أصبح فيه التعليم وسيلة أساسية للإنتاج وبوّابة وحيدة للتقدّم . وليست هذه نظرية جديدة للصفوة ، أو بحث معاصر عن المَلِكْ الفيلسوف ! بل هي استيعاب متواضع لطبيعة عصرنا وإلمامٌ بسيط بطبيعة قواه المنتجة ؛ وبحث حثيث عن المنافذ المفضية إلى تحريك الشعب وتغيير المجتمع ؛ والبحث جرى هنا عن المثقف الشعبي الوطني الديمقراطي المزوَّد برسالةٍ وطنية جامعة ، الشّاحذ ذِهنِه لمواجهة التحدِّيات الكبيرة ، والشاخص ببصره نحو مستقبل جديد يليق بالإنسان .
إنّ المثقَفيـن بأوضاعهم الحالية ، ليسوا مؤهَّلين لأداء هذا الدور بكل عظمته وجلاله، ولكنّهم مؤهَّلون لتغيير أوضاعهم ، وإعداد أنفسهم من خلال جهد ذهني مشترك ، وفي إطار مشروع وطني طموح وجرئ . وعندما نقول أنّهم مؤهَّلون لإعداد أنفسهم لهذا الدّور، فنحن لا نُبَـشِّر بحتمية جديدة ، بل نشيرُ الى إمكانية واقعية ، والى فرصة تاريخية مواتية يُمكن للمـثقـفين أن ينهضوا بها ، ويمكنهم ،في نفس الوقت،أن يتقاعسوا عن أدائها ! ولكنّهم إذا تقاعسوا ، فإنّ النتائج ستكون فادحة بالنسبة لهم وبالنسبة إلى المجتمع . إنّ الذّهن الإنساني هو الأداة المذهلة لطي الحِقَب والقرون . والمؤسسة التعليمية هيَ الطريق القصير للعبور من عصور ما قَبْل التاريخ إلى العصر الحاضر واللحظة الرّاهنة . وفي ظل سياسة تعليمية شاملة، ومؤسسة تعليمية حديثة ومُعَدّة إعداداً جيِّداً ، ومُموَّلة تمويلاً سَخيّاً ، فإنّ أبناء الرُّعاة سيكونون قادرين على اللِّحاق بالعصر وارتياد الفضاء ، وأبناء الأُمِّيين قادرين على فَضِّ أسرار الذرّة والتعامل مع الكمبيوتر . كما أنّ المصطلين بهجير الظهيرة السودانية القاسية، قادرون على توظيف الطاقة الشمسية لخدمة تطور بلادنا ومجتمعنا وتحويلها برداً وسلاماً على المواطن السوداني. إنّ الدّور القيادي المأمول أن يلعب المثقّفون لا يُقلّل من أدوار الطبقات والفئات الإجتماعية الأخرى ، بل يفتح المجال واسعاً أمامها جميعاً ؛ وعلى كل حال، فإنّ مقولة المثقف ، مقولة ديمقراطية حقَّـاً ، لأنَّها مفتوحة لأبناء جميع الطّبقات ، ولأنّ إنتاج المثقف هوَ فعالية سياسية ويومية للمجتمع المعاصر ؛ كما أنّ دور القيادة في المجتمع الديمقراطي الذي نسعى لتحقيقه هوَ ، دورٌ خاضع تماماً لإرادة المجتمع، ومتوقِّف دواماً على قبوله واختياره . كما أنّ الدور القيادي يُطْرَح في إطار الإعتراف الجّهير بتنوُّع وتعددية مجتمعنا، قوميا وعِرقيا ودينيّاً وثقافيّا وطبقيّا واجتماعيّاً . إنّنا لا تُراودنا الأوهام حول إمكانية تخطِّي هذه التعدّديات بصورةٍ مُتعَسـِّفة أو عجولة ، وحين ينخرط الجميع في أنماط وعلاقات تُناسب مستوى تطوُّرهم، وينخرطون في أشكال للتنظيم الإجتماعي تُناسب مستواهم الثقافي ، فإنّه لَواقعٌ يُحْسَب لصالح المثقـّفين ، ذلك أنّ خصائصهم الأساسية هيَ خصائص متشابهة ، إن لم تكن موحّدة، وهذا يرشِّـحهم لدورٍ وطني قيادي ويجعلهم مُجَسـِّدين لوحدة المُجتمع .
5- يؤمن الحزب في صورته الجديدة بالديمقراطية أساساً للحُكم وشريعة للمجتمع . الديمقراطية كممارسة إنسانية واحدة من حيث الجوهر، إشتركتْ كل الشعوب في صياغتها وتطويرها وإثرائها . الديمقراطية القائمة على سيادة الشعب والانتخاب العام والحُكم النيابي والتعددية الحزبية ، وضَمان الحُريّات الأساسية في التعبير والإجتماع والإحتجاج ، وضَمان حُريّة العَـقِيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية وصيانة حقوق الأقلِّيّات القومية واحترام الثقافات وإحاطة الحريات الشخصية المُعترَف بها والمنصوص عليها في المواثيق الدولية ، بِسياجٍ متين من الحماية . الديمقراطية التي تحمي الحقوق الإجتماعية الأساسية مثل حقِّ العمل والعلاج والتعليم والسّكَن . الديمقراطية النّابعة من واقِع السودان، ومن تجربته القديمة والمعاصرة ، ومن تطلُّعات شعبه والمفتوحة ،في نفس الوقت، ودون تعصُّب أو حَرَج على كل منجزات الفكر الإنساني وتجارب الشعوب .
إنّ الحزب الشيوعي الســــوداني قد قدّمَ تضحياتٍ جسيمة في الدفاع عن الديمقراطية في بلادنا ، وفي النضال من أجل استعادتها على مدى ثلاث دكتاتوريّات عسكرية . إنّ هذا الإرث المجيد يجب أن يتواصل ويزداد ؛ ولكن المفارقة هي أنّ هذا المناضل الجسور من أجل الديمقراطية كنظام يسود المجتمع ككل، يحكمه في أدائه الداخلي مبدأ غير ديمقراطي ، كما أوضحنا من قَبْل . ولا يمكن للمجتمع ،إذا كان منطقياً مع ذاتِه، أن يأتمن على النظام الديمقراطي ،حِزباً يقوم بناؤه الداخلي على مبدأ نقيض ! . إنّ ما يَضِنُّ به الحزب على أعضائه و مناضليه، لا يُمكن أن يجود به على المجتمع ؛ هذا ليس من طبيعة الأشياء . وقد آن لهذا التناقض أن يزول ، وذلك بأن يقوم الحزب على الديمقراطية وليس سواها . وهذا يعني بالنسبة لنا ، وبصورةٍ عامّة ، مايلي :
أ-الإنتخابات الحُرّة ،السِّرِّية ، المتعددة للمُرَشَّحين ،أو القوائم ، والمؤتمرات السنوية التى تُدْخِل التعديلات الضرورية على البرنامج واللّوائح وتنتخب القيادات الحزبية والهيئات المتخصِّصة .
ب-حق الأقليّة في تنظيم نفسها وتمكينها من نشر آرائها من جميع المنابر الحِزبية ، والدعوة لها جماهيريّاً مع التزامها برأي الأغلبية في كل المؤسّسات والمنابر الجماهيرية التي تتطلّب التصويت جـ- الفترة الزمنية المحددة للمسؤولية الحزبية وخاصّة على المستوى القيادي وتحديد سن التقاعد ، وضمان حق القاعدة في طرح الثقة بالقيادة ، وِفقَ قواعد دقيقة ، ومُتَّفَق عليها .
د- نشر السلطة الحزبية على المستوى الأُفُقي بإعطاء الهيئات المتخصصة والقيادات الإقليمية والقِطاعية، صلاحيّات واسعة في مجالاتها المختلفة ومساعدتها في الوصول إلى مستوى التمويل الذّاتي لنشاطاتها .
هـ- فتح قنوات المبادرة الفكرية والسياسية من القاعدة ، وذلك بتشجيع نشر المساهمات الآراء الفردية وتقوية وترسيخ استقلال المنابر الحِزبية وجَعل الحصول على المعلومة حول كل أوجه نشاط الحزب ، حقـَّاً مُتاحاً لأعضائه وطرح سياسات الحِزب ، ليس من خلال وثائق تتّسمُ بالعمومية والغموض، بل من خلال خيارات ملموسة، يختار الأعضاء من بينها . و- جَعلْ الإنجاز الفكري ، والمساهمة الفكرية ، وخاصّة في صياغة وتعميق وتوصيل برنامج الحزب، بالإضافة الى الإنجاز السياسي المتقدِّم ، معياراً أساسيّـاً في الصّعود الى المواقع القيادية ، ومحاربة العطالة الفكرية على هذه المستويات . ز- إســتيعاب العناصر الشابّة ، ذات المقدرات المتميِّزة ، في البِنية القيادية للحزب .
6- إنّ الأساس الفلسفي لتوَجُّهات الحزب الديمقراطية هو إيمانه بأنّ مسائل الحُكم وتحديد طبيعة النُّظُم الإجتماعية ، وصياغة قواعد الإجتماع البشري، هي مسائل إنسانية دنيوية ، المرجع فيها هو الشعب ، والصراع حولها يُعبِّر عن مصالح إجتماعية تخصُّ الجماعات والطبقات والفئات المكوِّنة لهذا المجتمع . ولا يحقُّ لطرف من أطراف هذا الصراع أن يدَّعي أنّه مـُعبِّر عن إرادة السماء أو ممثل للإرادة الإلهية المتعالية . كما لا يَحِقُُّّ له أن يصف الآخرين بأنّهم خارجون عن طاعة الله أو ممثلون لحزب الشيطان . ومن هذه الزاوية فإنّه يتبنّى موقفاً علمانيّـاً مستقيماً – والعلمانيـّة لا تعني بالطبع ، كما يعرف كل شخصٍ مستنير وغير متحامل على الحقيقة الموضوعية وغير منخرط في وأدها، معاداة الدِّين أو استبعاده من الحياة ، إنّها ، على العكس من ذلك، تعني ضمان الحرية الدينية إعتقاداً وممارسة ، وضمان حرية الضمير وتؤمن بالمساواة بين الأديان ، وتناهض الاضطهاد الديني بكل أشكاله - إنّ الحزب العَلْمـاني يرفض تحويل الصراع الإنساني الى صِراعٍ ديني ، ويسعى الى إيجاد حل ديمقراطي لكل الصراعات ، وهو مالا يتوفّر لغير العلمانيين . أولئــك الذين يضعون أنفسهم فوق البشر ، ويزعمون لأنفسهم خصائص فوق_إنسانية ، ومُـدَّعين لذواتهم تمثيلاً فوق_إنساني .
إنّ الحزب يناهض الدولة الدينية بكل أشكالها لهذا السبب، ولكنّه يجهد في نفس الوقت وبكلّ السبل الى التعبير عن الجوهر الإجتماعي لرسالة الدِّين ، والمتمثِّــلة في إقامة قِيـَــم الخير والعدالة والمساواة ،وإشاعة روح التكافل والتراحم واللِّين ؛ إنّه يستلهم هذه القِيَمْ ويفتح أبوابه للناس كافّة بمختلَــف انتماءاتهم الدِّينية ، ولا يُغلِق أمام أيِّ عضو من أعضائه فُرَص الصعود إلى أعلى المراتب القيادية بسبب انتمائه لهذا الدِّين أو ذاك ، أو بسبب غياب ذلك الإنتماء . كما يرعى في كل نشاطاته تيسير ممارسة أعضائه لشعائرهم الدينية . ولا يُطالب الحزبُ أعضائه بِتَبنِّي موقف فلسفي أو أيديولوجي متكامل عن الوجود . بل يُطالبهم فقط بالاقتناع ببرنامجه ولوائحه ومنطلقاته الأساسية المنصوص عليها صراحة في وثائقه المختلفة .
7- يُشجـِّع الحِزب ويضمن حرية البحث العلمي، الفلسفي والإجتماعي داخل هيئاته المختصة ، وعلى نطاق المجتمع ككل . ويُشيع جوَّاً من الصراع الفكري الخلآق بين مختلف المدارس ، ويساهم في بناء المؤسسات التي يمكن أن تكون منابر مناسبة لمثل هذا الصراع والحوار . ويشجـع الإنتاج الفكري والبحث الفردي والجماعي ، ويسَـخِّر له كل الإمكانيات الضرورية والمتوفِّرة . عن هذا الطريق، يزيد الحزبُ إلمامه بالواقع وقوانينه وتزيد مقدرته في التعبير عن مصالح القوى التقدُّمية الصاعدة في المجتمع .
إنّ المعارف التى تتراكم عن طريق هذا البحث الذي يتمُّ داخل الحزب، وعلى نطاق المجتمع ، هي المستودع الزّاخر الذي يغترف منه برنامج الحزب فيصبح أكثر عُمقاً وشمولاً . والجديد في المسألة، أنّ هذا لا يتمُّ بصورة تعسُّفية مُعلآة ، بل يتمُّ كعملية ديمقراطية عميقة ، ووفق قوانين الفكر في الإنتشار والتطوُّر ؛ ويُعبِّر عن تطور فكري حقيقي وملموس . وبهذا ، يتخطّى الحزب المطلب ،غير الواقعي، بأن يكون أعضاؤه من الفلاسفة في مجتمع شبه أُميِّ ، ويغلق الباب أمام ظهور الأدعياء الذين يعتقدون أنّهم مُلمُّـــون بأرقى المعارف البشرية ، لمجرّد تَــلَـقِّيهم لمحاضرة أو محاضرتين ! أو قراءتهم لبعض القوانين والمقولات ، والذين يصبحون بفضلِ هذا الإدِّعاء أسوأُ الدُّعاة للحزب ، بل وأسوأُ رُسُــلِه إلى المجتمع . ، في نفس الوقت ينفتح الباب واسعاً للقادرين على الإنتاج الفكري لينخرطوا في معرفة واقع شعبهم واحتياجاته المادّية والرُّوحية ، وقوانين تطوّره الإقتصادية والإجتماعية والثقافية . كما يتعرّفون على تُراثه وينابيعه المُلهِمة ، ويفجّرون قواه الكامنة التي تمكّنهم من إنجاز القفزة الى ذُرى العصر . وهم يستطيعون أن يفعلوا ذلك دون تصوُّرات فكرية آيدلوجية مُسبَقة ، ودون كوابح دوغمائية ؛ يفعلونه ، في نفس الوقت، مستفيدين من كل الإرث الفكري الإيجابي العالمي ، ومن كل الإنجاز العلمي والمعرفي المُعاصر ، صاعدين على القمم الفكرية التي أنجزتها أعظم العقول البشرية ومنها ، وعلى رأسها، الإنجاز الفكري الماركسي وما حقّقه من منهج علمي في الإقتراب من الواقع ، وما كشفه من حقائق إجتماعية واقتصادية وثقافية ، لا يستطيع أي مفكر جاد أن يتجاهلها وفي مقدمة تلك الإنجازات ، الإنطلاق في نشاط نظري أو عملي من " دراسة المنطق الملموس للواقع الملموس" و الإنطلاق من دراسة كل ظاهرة في خصوصيّتها الشّاخصة وتناقضاتها الداخلية وميولها المستقبلية ؛ مع الإنتباه لكل علاقاتها الخارجية في واقع وفي عالمٍ يُمَثِّل الترابط الجدلي سِمـَـة أساسية من سِماتِــه .
8- لقد تكوَّن الحزب الشيوعي على خلفية من الرُّؤى الشاملة ، وعلى إيمان عميق بعملية ثورية واحدة تحدّد مصائر البشرية جمعاء ؛ وعلى المسؤولية الأخلاقية النبيلة تجاه الإنسانية كلِّها ، وخاصّةً ، كادحيها . وغالباً ما ينسى الكثيرون أنّ الهدف النهائي للماركسية هو الإنسان ، ليس الطبقة ولا الحزب ولا الدولة ، بل الإنسان الفرد المتحرِّر من كل هذه المؤسسات المشار إليها باعتبارها قيوداً خارجية على فعاليّته الإنسانية الحرة ، تلك التي يجب أن يُسمَح لها ان تتطوّر تطوُّراً غير محدود . إنّ هذا الهدف النهائي المتمثِّل في التحرّر الإنساني الشامل، سيبقى على الدّوام حافزاً للمسيرة الإنسانية ، ومفجِّراً للطاقات البشرية ودافعاً لتَخطِّي الإنسان لِذاته وواقِعه . ولكنّ وسائل الوصول إلى ذلك الهدف النهائي ستختلف على الدوام . بل إنّ الإنسانية ستتوقّف في كل محطة هامّة من مسيرتها الصّاعدة ، لِتُعيد النظر في الوسائل التي اعتمدتها بالأمس . وستتبنّى وسائل أكثر تقدّماً أصبح استخدامها مُـمكِناً بفضل المسافة التي قُطِعت والمعارف التي حُقِّـقَتْ والتجارب التي تراكمت . وهذا ما عَـبَّرنا عنه بأنّ كل لحظة من لحظات الإنسانية أصبحت لحظة تنظير . ولذلك ، فإنّ إضفاء أيّة قيمة مُطلقة على الوسائل، لَيـَــصْـبِحُ مسألة غير علمية ، كما أنّ الأهداف نفسها ، الإنسانية من حيث الجوهر، سَــيـَــتمُّ تعميقها وتوسيعها وتوضيحها .
لقد تمّت صياغة المشروع الماركسي بالتركيز على لحظة التعميم النظري ، وعكس ذلك في الفكر والممارسة معاً ، وكان ذلك على حساب الخصوصية ، الأمر الذي أصاب الممارسة الثورية بأضرارٍ فادحة ؛ وتمّ التركيز على الأهداف النهائية على حساب الأهداف الجُزئية التي لا يُـمكن أن تتحقّق تلك بدونها ، وعُومِلَـتْ تلك الأهداف الجزئية كوسائل فقط ، مع أنّها تشتمل على غائيّتـها الخاصة ، التي لا يُمكن الوصول إلي غاية نهائية – إن كان ثَمّة شيءٍ كهذا- بدونــها . وقد عُومِـل البـَّــشرُ أنفسهم كوسائل فقط في كثير من لحظات التاريخ المأساوية، مع أنّ " كانط " قد حذَّر من ذلك قبل " ماركس " بكثير .
قد استبان الآن مدى التعقيد الذي ينطوي عليه المجتمع الإنساني المعاصر ، ومدى التعقيد الذي تنطوي عليه عملية تحريره . ممّا يجعل التركيز على خصوصية الجماعة البشرية الموجودة في هذا القُطر أو ذاك، في هذه القارّة أو تلك، والبالغة مستوىً معيّناً من تطوُّر القوى المنتجة، ومن قوانين الإجتماع وموروثات الثقافة، أمراً لازماً لصياغة أيِّ برنامج سياسي أو مشروع للنهضة . كما أنّ التركيز على الجزئي وعلى الأهداف المرحلية يصبحُ من مقتضيات النّظرة العلمية ذاتها . وقد أوضحنا أن كل ذلك لا يتمُّ على حساب المشروع الإنساني العام، ولا على حساب الأجيال القادمة ؛ بل بالعكس، يضعها على قاعدة أرفع من التطور الإنساني ، ويرفع عنها عبء الوصاية الذي يصوغ لها مُسبقاً شروط حياتها ! مع أنّها أكثر قُدرة من هؤلاء الأوصياء ! . هذه الإعتبارات تُملي علينا النزول من سماوات الثورة العالمية ومآلات الإنسان النهائية ، إلى الإحتياجات الماثلة لشَعبنا ومجتمعنا ، في هذه اللحظة من التاريخ ، وفي هذه البُقعة من الأرض .
9- إنّ الحزب الذي يتوق إليه شعبنا هو حزبُ القوى الحيّة في المجتمع من مُنتجين بأدمغتهم وأيديهم ، ومن رأسماليين مرتبطين بالإنتاج والوطن، ومن أقليّـــات قومية ودينية وثقافية ؛ هوَ قوّة إجتماعية كُبرى تواجه التخلف بكل أشكاله الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ، وتواجه المجاعة وسوء التغذية ،ونِسبة وفيــّات الأطفال المأساوية ، والسكن العشوائي وانعدام المياه والدواء ، وتخلُّف التعليم وتدنِّي الثقافة ورداءة المواصلات وبؤس وبدائية الكِســاء ، وتخلُّف قوانين العلاقات الشخصية ودونيــّــة المرأة . قوّةٌ إجتماعية كُبرى تغادر الهامش السياسي الى المجرى العميق للسياسة السودانية ، والمجتمع السوداني . قوّةٌ تَصِـل السُّلطة وتبني نظاماً ديموقراطياً مُعزَّزاً ووطيداً . قوّةٌ إجتماعية كُبرى وحزبٌ سياسيٌّ حديث وتقدُّمي . يتحدّث لغة الشعب، ويأخذ من كل إنجازات العصر .
10- وكما هو واضح، فإنّ هذا الحزب لن يكون حزباً شيوعيـّاً لأنّه لا يتبنّى موقفاً آيدلوجيـّاً متكاملاً إزاء الكون، ولا يُبَـشـِّر بمرحلة معيّنة يتوقّف عندها المجتمع البشري ، ولا يرمي الى إعادة صياغة المجتمع وِفقَ مُخطَّط نظري شمولي . وهو ليس حِزباً إشتراكيا، إذا كانت الإشتراكية هي المِلكية العامّة لوسائل الإنتاج، مفهومة بأنّها مِلكية الدولة . إنّــه حِزب العدالة الاجتماعية، والتي هيَ مقولة عامة لها وجهها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي . وهيَ الجُّهد المدروس لِرفعِ كل أنواع المظالم ؛ أيّ أنّها مقولة مفتوحة ، تعطي في كل مُنعطَف، معنىً محدَّداً . إنّها تتعامل مع المجتمع كتكوين معقَّد مَـدَاخِلَ لعدالة إليه متعددة ، وليس مُدخلاً واحداً . إنّ العدالة الاقتصادية هامّة وأساسية، ولكنّ أهمّيتها وأساسيّتها لا تُقلِّل من أهميّة وأساسيّة الجوانب الأخرى ؛ كما أنّ حَلْ التناقضات الاقتصادية ، أو بعضها، لا يؤدِّي بصورةٍ تلقائية أو بسيطة، لِحلِّ التناقضات الأخرى .
11- إنّ إقامة هذا الحزب تتمُّ بمبادرتنا ، وانطلاقاً من كل إنجازاتنا واستفادة من كل قوانا ، مع التشاور الواسع مع كل العناصر الوطنية والتقدّمية والديمقراطية والمثقفة . إنّ الانتماء إلى مثل هذا الحزب سيكون ميسوراً لكل إنسان مستنير سياسياً ؛ وسيكون بالفعل " إتّحاداً اختياريّاً لمناضلين شُرفاء واعين " أي أنّهم سيحتفظون إزاءه بقدر وافر من الحريات الخاصة والشخصية . فالإنتماء إليه ليس نوعاً من العبودية وليس بَيْعاً للنفسِ ؛ وهذا لا يُضعف روح الإنتماء، بل بالعكس، يقوِّيها ، فالحزب الذي يحفظ لأعضائه حقوقهم وكرامتهم هو الحزب الجدير بتفانيهم . هذا التفاني الذي يمكن أن يصل إلى درجة التضحية بالنفس . إنّ الإنسان يقبل الموت من أجل المبادئ التي يمثِّــلها الحزب ، طالما ظلّت هذه المبادئ تمثـِّل بالنسبة له قناعات شخصية راسخة ، وطالما ظل ينعم داخله بكرامة موفورة ، وحقوق مرعيـَّة . وفي نفس الوقت، فهو يستطيع أن يتركه دون أن تُلاحقه اللّعنات وتُـخْـتَلق له العيوب، وتُنبَش من طيـّات الذاكرة .
الطبيعة الإختيارية لهذا الإتِّحاد ستتحوّل من نص لائحي مُجَـمَّد الى ممارسة يومية ؛ بل إنّ المرء ليتطلّع الى ذلك اليوم الذي تُقيم فيه الهيئة الحزبية المعيَّنة ، حفل شاي بهيـج لأولــئك الذين قرّروا التقاعد أو الخروج من الحزب، تُعَدّد فيه إنجازاتهم ، ويُشـَــيَّعوا فيه بدعوات النجاح في مقبل أيامهم، كما يُعِـدِّد فيه أُولــئك المتقاعدون والخارجون، التجارب التي استفادوها من الحزب ، والخدمات التي قدّمها لهم، والعلاقات والصداقات ، والأعمال المشتركة التي يمكن أن يؤدُّوها مع الحزب. وهذه ممارسة تحدث في كل مؤسسة متحضـِّرة ؛ وستنتهي بالتالي ظواهر السـِّجال المرير وال Vendetta التى غالباً ما تحدث بين الحزب والخارجين عليه .
12- إنّ الظروف المُثلى لقيام مثل هذا الحزب، هي ظروف الديمقراطية بالطبع ؛ وهي ظروف لا تتوفَّر إلآ بإسقاط السُّلطة الحالية ، ولكن إسقاط السُّلطة يُعرقِله تماماً غياب مثل هذا الحزب، ممّا يُمكن أن يوحِي بأنّنا ندور في حلقة مفرغة! . ونحن بالطبع لا نختار الظروف التى نناضل فيها أو نمارس فيها السياسة . فقيام هذا الحزب ببرنامجه الجديد واسمـُــه الجديد ، الذي يُمكِن الإتفاق عليه، ومنطلقاته الجديدة التي يجب أن تُحـَـدَّد بِدقَّة ، وأساليبه الجديدة الفعـَّالة ، في هذا المعمعان الشرس، يُمكِن أن يعجم عُودِه ويصقله ويُعَـتِّقه ويقوِّيه ، ويجعل له بأساً شديداً .
13- ما ندعــو إليه هو إنعقاد المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي في فترةٍ لا تزيد عن عام من نشر هذه الورقة . ونعتقد أنّ كل الصعوبات يُمكن تجاوزها . تُقَــدَّم لهذا المؤتمر كلَّ التصوُّرات المطروحة، بما فيها هذا التصوُّر الذي أفَـضْـنا في الحديث عنه . وفي حالة تَبنِّي هذا التصوُّر، يُــحـَـلْ الحزب الشيوعي الســــــوداني وتتكوّن لجنة تمهيدية تضمُّ بالإضافة إلى الشيوعيين السابقين، عناصر ديمقراطية مؤثِّرة ، وشخصيات وطنية مثقَّفة ومناضلة ، يُراعى فيها تمثيل الأقليـّات القومية والعِرقيـّة لصياغة برنامج الحزب الجديد ولوائحـه واسمه ونشرِ وثائقه التأسيسية .
14- وأخيـراً ، لقد تميَّزت كل الأحزاب الشيوعية التي انهارت، بروح المحافظة الشديدة ، والتي تصل في كثيرٍ من الأحيان إلى درجة الرَّجعيـَّة السـَّافرة . واتَّسمتْ ردود أفعالها بعدم الحساسية تجاه الشعب وتجاه الواقع وتجاه التغيير. وقد تعاملت مع الزمن وكأنّه من تراب ! . ولم تقبل الحقائق إلآ بعد أن فُرِضت فَرضــاً عليها. ولم تعترف بالوقائع إلآ بعد أن جُـرَّتْ لها ، ومناخيرها مُغلَقة وأفواهها مفتوحة . إنّ هذا الأمرُ يجب ألا يتكرّر بالنسبة لنا ، وهذه اللحظة التاريخية يجبُ ألآ يُسمَح لها بالإفلات من بين الأصابع. وذلك حتى لا نضطرُّ إلى ترداد قول الشـّاعر: أمرتـُــهم أمري بِمُنعَرج اللِّوى ... فَلم يستبينوا النُّصحَ إلا ضُحى الغـَـدِ ..
إنتهت ديسمبر 1991م |
|
Post: #80
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-17-2011, 06:04 PM
Parent: #77
الحبيب الأكرم المنصور تحية طيبة لك ولأضيافك الكرام ، فقد تعودنا على يديك أطباقا فكرية ، والتحية للجميع أن رفدوا الملف بكم هائل من الحوار البناء ، والتحية للدكتور الخاتم عدلان في سماواته العالية ، والتحية للبروفيسور عبد الله علي إبراهيم ، فقد أعادنا مقاله إلى همس المفكرين والفلاسفة ، وهو ملف سيكون له ما بعده ، وأعلم أيضاً أن هنالك الكثيرين ينتظرون هذا الإسهام الفكري . ونحن نعلم أن ظلال " كارل ماركس " أو " أشباحه " أو " بصماته في الفكر " والإضافة التي أنجزها خلال حياته ، هو إنجاز يضاف لإنجازات الفكر الألماني في الفلسفة والاقتصاد والاجتماع والسياسة ، وأفسح للكثير من الرؤى والأحلام والطموحات التي يراها الفلاسفة مُرشداً في الحراك الجماهيري وما ينشأ من تغيير . ونعلم أيضاً أن الفكر قد تقدم ، والكثير من الفلاسفة قد عبروا كارل ماركس ، وقد جدت في الحياة الإنسانية ما جعلنا في قمة التطور الإعلامي التقني الذي جمع الأشتات ، وأسهم بدور بارز في حراك الشعوب . تحية لك مجدداً ونواصل
|
Post: #79
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-17-2011, 01:42 PM
Parent: #72
قول على أطروحات بروفيسور عبد الله وأطروحات دكتور الخاتم (3) أزمة طرح ( مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية ) وأزمة القفز فوق المراحل
مقتطفات من وثيقة الخاتم عدلان :
Quote: * قيام الحزب على أساس الماركسية اللينينية يتطلب من المرء ليكون عضوا من أعضائه ، ان يتوصل لتبنى موقف فلسفي متكامل من الوجود . موقف سيصف نفسه بأنه استوعب أعظم ما توصلت إليه البشرية في مجالات وحقول الفلسفة والاقتصاد والاجتماع والثقافة ، وتخطاها تخطيا جدليا . إن مثل ذلك الانتماء لم يكن في متناول الأغلبية الساحقة من شعبنا ، لا تاريخيا ولا معرفيا .وهو ليس في متناولها الآن أو في المستقبل المنظور. وانه طموح غير عقلاني أن نحاول بناء حزب من الفلاسفة في مجتمع أمي . |
Quote: إن أزمة المشروع الماركسي تتمثل فى هذه النقطة بالذات ، وقد راهن هذا المشروع على حصان بدا جامحا ولكنه أصيب بالوهن فى منتصف الطريق . ولعله سيكون من المفيد أن نتذكر ان تعلق ماركس بالبروليتاريا كان في أساسه تعلقا رومانسيا لفتى لم يتعدى العشرين إلا قليلا عندما كان يبحث عن العدالة المطلقة ، فاستعار دون أن يعيى مفهوم المسيح المخلص ، واصبغه على طبقة أثارت شفقته ، واستفز شقاؤها حسه العميق بالعدالة . وقد ظل ماركس في نضجه وشيخوخته أمين أمانة مدهشة ، لمشروع كان قد صاغه في صباه . أن من يقرأ نصوصه حول العمال الفرنسيين ، والعمال المهاجرين الألمان - الذين يشع النبل من أجسادهم - سيدرك بسهولة ما نرمى إليه . إن المطلع على أعمال ماركس لن يجد في ترشيحه للبروليتاريا لقيادة التاريخ الإنساني سوى أسباب واهية . |
Quote: إنّ الحزب يناهض الدولة الدينية بكل أشكالها لهذا السبب، ولكنّه يجهد في نفس الوقت وبكلّ السبل الى التعبير عن الجوهر الاجتماعي لرسالة الدِّين ، والمتمثِّــلة في إقامة قِيـَــم الخير والعدالة والمساواة ،وإشاعة روح التكافل والتراحم واللِّين ؛ إنّه يستلهم هذه القِيَمْ ويفتح أبوابه للناس كافّة بمختلَــف انتماءاتهم الدِّينية ، ولا يُغلِق أمام أيِّ عضو من أعضائه فُرَص الصعود إلى أعلى المراتب القيادية بسبب انتمائه لهذا الدِّين أو ذاك ، أو بسبب غياب ذلك الانتماء . كما يرعى في كل نشاطاته تيسير ممارسة أعضائه لشعائرهم الدينية . ولا يُطالب الحزبُ أعضائه بِتَبنِّي موقف فلسفي أو أيديولوجي متكامل عن الوجود . بل يُطالبهم فقط بالاقتناع ببرنامجه ولوائحه ومنطلقاته الأساسية المنصوص عليها صراحة في وثائقه المختلفة . |
الرأي :
(1) أرى أن أزمة الحزب الشيوعي ليست في غربة الأساس الجدلي الذي تأسست عليه الماركسية من معرفة حقائق الحياة ، ومعرفة آلية التطور وحركته في الكائنات وفي المجتمعات الإنسانية وهي أرقاها ، كما تفضل بذلك دكتور الخاتم ، ولكن أزمة الحزب وفق ما أرى هو تأسيس الحزب على (مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية)، وهي صناعة" فلاديمير إيليتش لينين" ، و التي أسست للقفز على الرأسمالية وتجاوز أوجاعها ومن ثم النهوض إلى الاشتراكية !. ولم تزل الرأسمالية كما أراها الآن دون كل توقعات " لينين" هي في زهو شبابها ، تتشكل فتوتها وقدرتها غير المحدودة من عبور المدن والقرى والدول ، وأن الفكر الذي أنتج ( المرحلة الوسيطة ) الذي تمت في روسيا وفي المنظور القفز على مرحلة الرأسمالية ، فقام العود أعوج ، وانتصرت الرأسمالية آخر المطاف ونحن نعيش أطوار فتوتها وشبابها لا طور تدهورها و شيخوختها . وليست أعمال الاستخبارات الغربية وصعود أمثال غورباتشوف وإصلاح "البرويسترويكا "هي الأساس في هدم الاتحاد السوفيتي ، بل القفز من فوق المراحل منذ فكرة " لينين الأولى " هو السبب الأساس ، الذي غاب عن الخاتم وفق ما أرى ، وهو الذي قاد لهزيمة المشروع القافز إلى الاشتراكية بماكينة قديمة . (2) وأرى أن مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية ، هي صناعة ، زعمت استقطاب الطبقات المؤسسة للبرجوازية الصغيرة ذات الحرية غير المتناهية في الحركة ، والتي لا تقبل في معظم طموحاتها بفكر الطبقات البروليتارية إذ تتناقض معها ، وتتنصل عند أول سلم سعياً لتطبيق طموحاتها الطبقية . وفي حالة مراضاتها فسوف يتحول الحزب إلى حزب للطبقة الأعلى ، ويصبح الحزب الشيوعي مثل غيره من أحزاب الوسط ، أو ينشئ حزباً مركزياً يحافظ فيه على طموحات وقيادة المسحوقين والمنسلخين عن طبقاتهم ، ويقف ضد طموحات البرجوازية الصغيرة ، وذلك بالقمع ، وهو الذي أفضى في قمته التراجيدية إلى انهيار المعسكر الشرقي ، وليس منهاج مركزية الحزب إلا نتاج معالجة قصور فكرة القفز من فوق المراحل . (3) إن الأساس الفكري المتسبب في الأزمة القديمة لأحزاب دول ما تسمى بالاشتراكية ، هي ذات الأساس الفكري الذي جعل الحزب الشيوعي قفزاً على المراحل تماماً كما فعل لينين بابتداع ( مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية ) فكراً وعملاً ، وقد كان تبنيها هو تبني حلف ستكون سيادته إما للبرجوازية بكل طموحاتها الطبقية وأثرها الفكري المتقدم ، أو بطردهم من السلطة وتأسيس سلطة دكتاتورية كما عاشتها أوروبا الشرقية سابقاً .
إن كل الدعاوى التي صاغها الخاتم حول الحزب تكشفت عن الأزمة الحقيقية المتمثلة في تبني ( مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية ) التي عندما تأكد دعوتها لسلطة البروليتاريا أو " للفقراء وحلفهم " فإنها تناقضت مع حلفائها من صغار البرجوازيين والمثقفين والمهنيين والطبقة التي تطمح أن تعلو طبقياً ، لا أن تنحسر ، وتنسلخ من مصالحها الحيوية . لذا كانت هجرة الشعراء والكتاب والروائيين والمهنيين عن الحزب ، أسس لهجرة معاكسة لكل أحلام الحزب في توسيع العمل الجماهيري ، بل وهزيمته هزيمة نكراء . (4)
أما المنظمة الإسلامية التي تحدث عنها دكتور الخاتم فقد عرفت طريقها لإرضاء طموحات تلك الطبقة من صغار البرجوازيين فصارت تبشرهم بالصعود إلى الطبقات العليا ، وتفتح الطريق لإرواء طموحاتهم ، فرأينا النِعم ومستجدي النِعم ، ورأينا الفقراء صاروا أباطرة ، وصار الحزب منظمة تُعنى بالمال والحفاظ عليه ، لذا كان برنامجهم أقرب لطموحات وأحلام الطبقة الناهضة من البرجوازية الصغيرة ، والمنغلقة في المنتمين للتنظيم ، والتي هدفت أن تعلو وتتسيد .وتلك أزمة حزب آخر ليس هذا أوان المقال عنه .
وهذا هو أس نجاح الإسلاميين في استقطاب الطبقة المتقلبة الطامحة ، في حين فرت ذات الطبقة من مصائر البروليتاريا ومن بشائر الفقر وأخفق الحزب الشيوعي في استقطاب تلك الطبقة المتقلبة الأهواء من المستنيرين من المثقفين والمبدعين ، وانحسر المدّ الجماهيري . وتلك صراط ، إن مال الحزب للبرجوازيين وفكرهم ، سوف يصير حزباً للوسط ، ولو حاربهم فقد اكتفى بالطبقات المسحوقة ، ولديها تعقيد الدين والعرق والأمية على جميع الأصعدة ، بل ولا توجد أذرع الدولة الحديثة الصناعية ولا رصيدها من الطبقات ذات الصلة . *
|
Post: #81
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-18-2011, 06:43 AM
Parent: #79
هذا الملف يتين أن يكون عالياً
*
|
Post: #82
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: بدر الدين احمد موسى
Date: 02-18-2011, 09:25 AM
Parent: #81
الاخ عبدالله الشقليني
تحياتي
انت كتبت:""""أرى أن أزمة الحزب الشيوعي ليست في غربة الأساس الجدلي الذي تأسست عليه الماركسية من معرفة حقائق الحياة ، ومعرفة آلية التطور وحركته في الكائنات وفي المجتمعات الإنسانية وهي أرقاها ، كما تفضل بذلك دكتور الخاتم ، ولكن أزمة الحزب وفق ما أرى هو تأسيس الحزب على (مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية)، وهي صناعة" فلاديمير إيليتش لينين" ، و التي أسست للقفز على الرأسمالية وتجاوز أوجاعها ومن ثم النهوض إلى الاشتراكية !. """"
انا لا اعرف من اين اتيت بمعلومة ان لينين هو من صاغ مفهوم مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية! هذ المفهوم تم تطويره استجابة لمتطلبات مرحلة التحرر الوطني في اسيا وافريقيا, بعد عقود من وفاة لينين. المفهوم هو استخدام خلاق للمذهب الماركسي لمقابلة احتياجات الشعوب التي كانت مستويات تطورها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لم يصل مرحلة التطور الراسمالي. كما تعرف ان اغلب الدول التي نالت استقلالها في الفترة ما بعد اربعينات القرن الماضي, تلك الدول, كانت في مراحل تطور يتراوح من اقتصاديات الالتقاط والجمع (اقتصاد طبيعي), الي اقتصاديات تقوم على بعض اشكال العبودية والاقطاع, ودرجات بدائية جدا من الرسمالية,او اقتصاد مختلط يجمعه جميعا: جمع والتقاط و عبودية واقطاع وراسمالية جنينية. وكانت في تلك البلدان حركات تبنت الاشتراكية, وكانت تصبو لدفع شعوبها في ذلك الاتجاه. لكن كان واضحا, خاصة من تجارب الشعوب التي اتجهت للاشتراكية, ان هنالك صعوبات جمة في التحول بحرق المراحل . طبعا اول من واجه تلك المصاعب كان الاتحاد السوفيتي ومباشرة بعد ثورة اكتوبر, مما دعى لينين ان يعلن عن سياسة ما يعرف بالنيب( (NEP)= New Economic Policy)), والتي دعى فيها لينين بضرورة اكمال تطور الراسمالية في روسيا اولا, قبل الكلام عن مراحل مثل الاشتراكية او الشيوعية. وقد كتب دفاعا وشرحا لتلك الفكرة (http://www.marxists.org/archive/lenin/works/1921/oct/17.htm, وهي ان الاشتراكية لا يمكن ان تنجح في مجتمع اقتصاده متخلف او الراسمالية فيه غير متطورة بما فيه الكفاية. اكيد يبدو ان هناك تناقض! فكيف يدعو لينين للراسمالية بدلا عن الاشتراكية? الا يعد ذلك تراجعا? ما يميز المنهج الماركسي, يا عبدالله, في التعامل مع الواقع, انه يبعد عن الاحكام العاطفية والاخلاقية-بمعني ان البعض يري الراسمالية عيب, ونظام للحرامية - الماركسية تتعامل مع الواقع بمعطياته. نعم الراسمالية فيها ما فيها من المظالم والعيوب, لكن في نفس الوقت هي تطور التكنولوجيا, وتبني قاعدة انتاجية صلبة, وتقوم بفرز القوى الاجتماعية بحيث تصبح واضحة الملامح والتقاسيم. وهذه الجوانب مهمة جدا من اجل التحول للاشتراكية. فلو قلنا, نظريا, ان الطبقة العاملة هي التي ستنجز مهام الثورة وبناء الاشتراكية, فاننا نحتاج لوجود تلك الطبقة في الواقع فيزيائيا, قبل ان تقوم باي دور. وهنا نرى اهمية الراسمالية لانها النظام الذي يفرز المجتمع لطبقة عاملة وطبقة برجوازية. واذا تكلمنا عن ان الاشتراكية تقوم على العدالة في مستويات التبادل وتوزيع الثروة, فلابد ان يكون هناك مستوى من الانتاج ليوزع عائده وهكذا. فبناء على مقولة لينين ان الاشتراكية لا يمكن ان تقوم الا على قاعدة مادية وتكنيكية يتم بناؤها في المرحلة التي تسبقها تاريخيا(اي الراسمالية تحديدا), وانها تحتاج لسواعد طبقة (الطبقة العاملة) لا يمكن ان توجد الا في ظل الراسمالية, وبناء على معطيات المجتمعات التي نالت استقلالها حديثا حيث ان معظمها كان ما دون الراسمالية في التطور الاقتصادي والاجتماعي, تمت صياغة مفهوم مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية.
المفهوم يقوم على ضرورة المرور بمرحلة انتقالية, يتم فيها تخليق شروط انجاز مهام المرحلتين الراسمالية والتحول للاشتراكية معا و في نفس الوقت! بحيث يتم دفع المجتمع في طريق الراسمالية, لكن يتم ادخال ملامح الاشتراكية مبكرا, بحيث تقلل الالام التي واجهتها الشعوب الاخرى و التي حاولت دفع مجتمعات متخلفة في اتجاه الاشتراكية, دون الالتفات لنضوج الشروط المادية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية اولا. فمثلا يتم تطوير القطاع التعاوني والتمويل الاجتماعي للمشروعات التي تقوم على مفاهيم الربح والمنافسة تماما كما في الراسمالية, وايضا تدخل مفاهيم الضمان الاجتماعي والصحي والتعليم المتقدم على اسس هجينة, ونكون قد طورنا المجتمع اقتصاديا واجتماعيا وكانه مجتمع راسمالي لكن مزروعة فيه عوامل التحول للاشتراكية بسهولة وبالتدرج. ايضا لا يجب ان ننسى كلمة ديمقراطية في المفهوم وفيه الهدف هو تطوير انظمة سياسية ديمقراطية متطورة, فيها احزاب تمثل الطبقات المختلفة. ووجود تلك الديمقراطية, مع وجود طبقة عاملة قوية, ووجود قاعدة مادية للصناعة و الزراعة والخدمات, متطورة بمعايير الراسمالية, ورسم ملامح المجتمع بحيث يعلى من قيم الانسان ويعمل على تطويره, تكون الحصيلة تحولا متناغما بلا حرق للمراحل وباقل الالام. هذا المفهوم يا عبدالله نجده مطبقا حتى في الطبيعة! فمثلا في التفاعلات الكيميائية حيث يتم تحويل مادة او مواد متفاعلة الى مركب او مادة جديدة نجد ان هنالك ما يعرف بالمرحلة الانتقالية (transition state) فنجد "مركب" له ملامح المدخل والمنتج في نفس الوقت وتحوله النهائي تمليه الشروط الفيزيائية للتفاعل الكيميائي. فهنا نرى بوضوح علمية المنهج فنجد مفهوم فيزكيمائي له مثيل في العلوم الاجتماعية.
----- جزيل الشكر للاخ محمد النعيم الذي نبهني الي ان فلاديمير لينين لم يناقش ال NEP في "الامبريالية اعلى مراحل الراسمالية" وانما في كتابات اخرى وقد وفرت رابط لواحد من تلك المقالات, لذلك لزم التعديل والتنويه. تحياتي للجميع
|
Post: #83
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: بدر الدين احمد موسى
Date: 02-18-2011, 12:03 PM
Parent: #82
كتب المرحوم الخاتم عدلان:
""""": * قيام الحزب على أساس الماركسية اللينينية يتطلب من المرء ليكون عضوا من أعضائه ، ان يتوصل لتبنى موقف فلسفي متكامل من الوجود . موقف سيصف نفسه بأنه استوعب أعظم ما توصلت إليه البشرية في مجالات وحقول الفلسفة والاقتصاد والاجتماع والثقافة ، وتخطاها تخطيا جدليا . إن مثل ذلك الانتماء لم يكن في متناول الأغلبية الساحقة من شعبنا ، لا تاريخيا ولا معرفيا .وهو ليس في متناولها الآن أو في المستقبل المنظور. وانه طموح غير عقلاني أن نحاول بناء حزب من الفلاسفة في مجتمع أمي ."""""
غريب جدا ان يحدثنا الخاتم عن ان الماركسية فلسفة!
ماركس قال مقولته المشهورة: الفلاسفة يفسرون العالم بينما الذي يجب هو تغييره! وايضا ماركس قال: النظرية رمادية لكن الاخضر هو اللون الدائم للحياة وكان يشير للمارسة. واضح ان الخاتم-وربما لغرض- خلط بين مفهوم المنهج والفلسفة.
فانت لا تغير بالفلسفة واتخاذ اراء نهائية عن الكون والوجود. فلو كان ذلك, كذلك, لكان التغير سهلا جدا, فما عليك الا ان تتخذ موقفا من الكون فيتغير!! لكنك تغير بان تعتمد منهجا للتغير, والتغير يفترض الفهم والعمل المثابر الهادف.
لذلك فان ماركس وانجلز قاما بتبني المادية المادية هنا لا تعني بالضرورة الفهم الفلسفي كما يفهمه الكثيرين, عن الكون و بداياته ونهاياته, المادية تعني التعامل مع معطيات الواقع كما هو. فمثلا الكيمياء علم مادي لانك تدرس عنصر او مركب محدد وبطريقة محددة-المذهب العلمي- لتصل لفهمه ومن ثم التعامل معه. وكذلك علم الفيزياء, والاحياء,والفلك الخ الخ... وبالنسبة للماركسية المادية تتمثل في التعامل مع المجتمع الانساني بمالمنهج العلمي. وبالتالي دراسته لفهمه وفهم شروط وعوامل حركته, وسكونه. وعلى ذلك يمكن ان نقترح حلول لمشاكل المجتمع. ماركس وانجلز اثبتا ان مجتمع الانسان يعتمد في وجوده وحركته على انتاج منتوجات اساسية لوجوده مثل الطعام واللباس والسكن, في علم الاقتصاد تسمي بالخيرات-goods- ولانتاج هذه الخيرات يتوسل الانسان وسائلا كالزراعة بما فيها الصيد, او الصناعة-في الاطوار العليا من الممارسة الاقتصادية. واثناء ذلك يدخل في علاقات تتشكل حسب موقع الفرد او الجماعة وعلاقته بوسائل الانتاج, مالكا لها او مستاجرا. وكل مجتمعات الانسان تدور حول تلك الثنائية مالك مستاجر. فنجد في العبودية مثلا السيد والعبد, وفي الاقطاع مالك الارض والفلاح, وفي الراسمالية البرجوازي مالك وسائل العمل والعامل الذي يبيع قوة عمله. ووجدا-اي ماركس وانجلز- ان اي مرحلة في تطور المجتمع الانساني تبدا ثورية, وتنتهي بتعويق التقدم. واكتشفا ان السر وراء ذلك يكمن في علاقات الانتاج التي تحكم اي طور. فمثلا العبودية تعتبر طور متقدم مقارنة بمرحلة الجمع والالتقاط, وعندما بدا الانسان في استعباد اخيه الانسان كانت هناك فوائد عادت على المجتمع الانساني ككل, فقد تفرغ مالك العبيد- مثلا في الهلال الخصيب- للتفكير في علوم الفلك, وفنون الزراعة, لتكبير ثروته. وادي ذلك لثورة في الثقافة الانسانية, كانت نتيجتها واضحة في الفن, والنحت, والفلسفة, والدين. لكن- كما يقال- "كل دور اذا ما تم, ينقلب!" فتحولت علاقات العبودية بعد مرحلة محددة, لفرملة, عوقت حركة التقدم البشري. وبدات بشائر الاقطاع بالحرية النسبية للفلاح, والاقطاع ايضا بعد مرحلة انتهى لتعويق الانتاج. فخرجت علاقات الراسمالية من رحم الاقطاع بان اصبح العامل حر في شخصه, وقادر ليبيع قوة عمله. وباتباع ذلك المنهج في التعامل مع المجتمع, لفهم عوامل تطوره, وركوده, من خلال دراسة مجموعة من العلاقات الموجودة فعلا في المجتمع, ولا تعتمد في وجودها على رغبات الدارس الشخصية, بدا الناس الكلام عن المادية كمذهب ومنهج للتعامل مع الواقع بغض النظر عن رغبات الناس.
وهكذا فالمادية هنا تعني التعامل مع الواقع كما هو. وذلك ينفي ضرورة التمسك بفلسفة محددة او موقف واحد تمت صياغته مرة ويصلح لكل الازمان والامكنة لذا فلا مجال للفلسفة في منهج ماركس. لكن نجد ان المنهج اداة كالمنجل او المشرط او السكين او المسطرينة يمكن استخدامه في احوال كثيرة وقابل للتطوير والتطويع بحسب الحالة المعينة فلا مكان لما قال الخاتم في اي حزب ماركسي ولا يوجد شرط لان يلتزم اي عضو بموقف واحد من الوجود لكن يتم تدريب العضو نظريا وعمليا على التعامل مع قضايا مجتمع الانسان ومشاكله في السياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع بان يستخدم المنهج العلمي في ذلك.
السؤال: لماذا صاغ المرحوم الخاتم تلك الجملة كما فعل وهو الدارس للفلسفة و من المفترض انه كفيلسوف-بالدراسة- انه كان يعرف الفرق بين الفلسفة كمنظومة متكاملة من المفاهيم لتفسير الظواهر وبين المنهج والذي هو اداة فلكل فلسفة ادواتها و مناهجها ولكن ليس بالضرورة ان يرتبط المنهج بفلسفة لكن ما يؤرقني هو هذا الكلام الذي كتبه المرحوم الخاتم:""إن مثل ذلك الانتماء لم يكن في متناول الأغلبية الساحقة من شعبنا ، لا تاريخيا ولا معرفيا .وهو ليس في متناولها الآن أو في المستقبل المنظور. وانه طموح غير عقلاني أن نحاول بناء حزب من الفلاسفة في مجتمع أمي ."""
اولا: هل كان الحزب يهدف لضم الاغلبية الساحقة لصفوفه? ثانيا: ما الخطا في ان يكون اعضاء الحزب على مستوى اعلى من المواطن-المتوسط من حيث التاهيل المعرفي والتمكن من منهج محدد?
هل كان هدف الحزب ابدا بناء حزب من الفلاسفة?
|
Post: #84
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 02-19-2011, 04:11 AM
Parent: #83
الإخوه عبدالله الشقلينى وبدرالدين السلام عليكما ورحمة الله تغشاكما والأهل وبشغف المتطلع للمزيد نقول لكما هل من مزيد. والفكر دوما كما الفلسفه تقديرى معيارى له أحواله التى هى أشبه بأحوال المتصوفه بعد خلوتهم يتجلون. وبإستغراق العباقره تتولد الأفكار والصور حتى من الصخور الصماء والتى كان سغراط يرى فيها صورا للأسد فيخرجه بأزاميله من حيز وجوده بالقوه إلى واقع وجوده بالفعل فيا أنتم أجمعين دقوا الصخر بإصرار محمد المكى إبراهيم حتى يخرج الصخر لنا قمحا وعدلا وتمنى. ولكما الإعزاز والتقدير والشكر وعظيم السلام وكلامكما دخل حوش الوعى الباطن والظاهر ومتعة متابعة الكل تفوق متعة أعتى المسلسلات وأخطر أفلام التجريد العلمى القح.
منصور
|
Post: #85
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-19-2011, 09:13 AM
Parent: #82
قول على أطروحات بروفيسور عبد الله وأطروحات دكتور الخاتم (4) أزمة القفز فوق المراحل
الأكرم : الأستاذ / بدر الدين تحية طيبة ، وود كثير لما تفضلت به ،
وإن الخيط الذي تفضلت به يوضح حسنات الحوار ، والتناول السلس للأفكار ، ونعود للحوار بعد التدقيق المرجعي ، فمعظم المراجع لم تتوفر لي حالياً وإني ساعٍ لتوفيرها لإثراء الملف ،ولتأكيد مقولتنا حول مرحلة القفز من مجتمع قبل الرأسمالي ليتأسس نواة مجتمع اشتراكي هو ما تم في تاريخ 1917 م ، وليست كما تنبأ " ماركس " من كون إنجلترا هي المرشحة ، وأنا في كل هذا الحوار ، أضع الأفكار الخاصة " بماركس " و" أنجلز " و" لينين " بوصف الأولين أسسا البناء النظري من بعد تحليل الواقع ، وقام لينين ورفاقه بقيادة مجتمع لم يصل أن يكون رأسمالياً ، ولم يتخمر صراعه ليولد ثورة اشتراكية كالتي أسس لها لينين ورفاقه ، والتي تنبأنا نحن بأن هزيمة ما يسمى بالمجتمع الاشتراكي لم تأت من فراغ ، بل من القفز على المراحل ، ومن ابتداع ( مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية ) وسنعود بما يدعم حديثنا في أفكار " لينين " والذي كتبنا أنه مؤسس هذه المرحلة ، وأشكر لك جلي التوضيح ، ونُبل الحوار ، وهو عشمنا في كل حوار نأمل منه ، ليس انتصار رأي ، بل انتصار إرادة للحوار ولقاح الأفكار ، والهروب من الإرث لدى كثير من أحبابنا الأعضاء في سودانيزأونلاين ، الذين لم يعتادوا مثل هذا الحوار ، مسلكاً ومنهاجاً ، وأذكر هنا حديث لرائد الجمهوريين ، الأستاذ / محمود محمد طه في أحد مقولاته : ( نحن نحتفي بالرأي المعارض ) وتلك مأثرة تُحسب للمفكر محمود. تحية مجددة لك وللمنصور ولبقية عقد الأفاضل من مشاركي الحوار ، ونواصل
*
|
Post: #86
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: بدر الدين احمد موسى
Date: 02-19-2011, 05:58 PM
Parent: #85
المفتاح
تحياتي. ---
استاذنا عبدالله الشقليني
اطيب التحية
نعم كما تفضلت نوده حوارا متحضرا وعلميا. وانا متاكد من اننا سنستفيد كثيرا من علمك واريد ان اؤكد لك انني لا اسعى لانتصار رايي الشخصي وانما المهم هو ان نخرج وكلنا على درجة اعلى من المعرفة بالنقاش والحوار.
شكرا لك مثلك ابحث في مراجع الان, وساعود لمناقشة ورقة المرحوم الخاتم.
فائق الاحترام
|
Post: #87
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 02-19-2011, 10:37 PM
Parent: #86
السلام ورحمته الإخوه الأعزاء عبدالله الشقلينى وبدرالدبن أحمد موسى فكلاكما تنتصران للمعرفه وتناصران طلابها والفكر أبدا يختلف عن العلوم التطبيقيه من نقظة البدء أو نقطة الإنفصال بينهما فالعلوم تقريرية وصفيه يمكن إثبات صجتها وإثبات الخطأالذى يعتريها رياضيا كان أو قياسيا, إستقرائيا كان أو إستنباطيا معمليا كان أو إحصائيا لا بل حتى الحقائق العلميه يمكن إثبات خطأها بنظريات علميه أحدث ولكن لا تلغى علمية تلك السالفه لإستخدام الوسائل العلميه فى إثباتها وخير دليل لذلك المنطق الأروسطى والمنطق الحديث أما ما نحن بصدده رغم التنصيص فقد يكون تناصا أى إبداعا من إبداع لأن منتجى ذلك الفكر ليس من الجن ولا من أى خلق آخر بل بشر يخطأون ويصيبون فالندقق والنميز فى أقوالهم بين الخبيث والطيب ولنكن على ثقة بأن صدق الفكر وصحته فى صدق نتائجه لا فى عمق تتبعه والإلمام المطلق بتفاصيله فالحراك المعرفى هو المفتاح السحرى لحالة الكساد والركون والإنزواء الذى أصاب مجتمعاتنا بفعل الخمول والكسل المعرفى وإغلاق قلوب التفكير وعقول الإبداع بالإندهاش لإبداع الغير. ولكم السلام.
منصور
|
Post: #88
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: طلعت الطيب
Date: 02-20-2011, 06:33 PM
Parent: #87
Quote: • انتمينا إلى الحزب الشيوعي السوداني لأننا رأينا في مشروعه النظري-الماركسية اللينينية-تفسيرا عميقا لظواهر الكون و الفكر و المجتمع و رأينا في برنامجه السياسي حلولا لقضايا شعبنا و رأينا في بنيته التنظيمية و أساليبه العملية أداة مناسبة لتقديم مساهماتنا المتواضعة في خدمة شعبنا و لذلك كان انتماؤنا إليه عميقا و كاملا. • و لكننا نعود اليوم، لنعلن بوضوح كامل أمام النفس و أمام الآخرين أن الحزب لم يعد يمثل لدينا شيئا من ذلك. و لذلك نتركه، كما دخلناه، بصدق كامل مع الذات. و نفعل ذلك دون ندامة، و لكن ليس دون حزن. |
الاخ العزيز منصور تحية طيبة لشخصك واسرتك والتحية للاخ د. ع ع ابراهيم على مابذله من جهد فى بحثه يظل مهما فيما يخص الجدل حول مالات الماركسية، وهو موضوع طويل ومتشعب وسوف ادلو براى فيه على هامش ورقة الدكتور خاصة وانه كان قد دعانى مشكورا فى ديسمبر المنصرم الى جوار داخلى حولهاولكنى لم اتمكن من ذلك لانشغالى باشياء عديدة اهمهما السفر الى السودان وقضاء اجازة هناك عدنا منها انا والاسرة امس فقط.. لعل اهم ما شغل دهنى واحاول ان ابدأ به هو تركيز الدكتور ع ع ابراهيم فى حوار هاتفى على ما اسماه (بعدم دفع المرحوم الخاتم الاستحقاق الكافى لمفارقة الماركسية، اى انه لم يبرز حجج كافية للتخلى عنهابعد ان قضى ثلاثة عقود من حياته القصيرة فى دهاليز الحزب الشيوعى ) وهى وجهة نظر تبدو وجيهة للوهلة الاولى ، ولكن لو تأملنا هذا الامر لوجدنا ان هذا النقد ينطبق اكثر على حال الحزب الشيوعى السودانى وليس على حالة الخاتم عدلان وموقفه الفكرى والسياسى ، وكنت سأكون متفقا مائة فى المائة فيما لو جاء يحث الدكتور تحت عنوان (ان اوان التعددية الديمقراطية) وليس ان اوان الماركسية، فيما اذا انشغلنا بقضايانا وفقا للاولويات الضاغطة! ولذلك فقد كان فى راى المتواضع ان ينصب التساؤل الاساسى والنقد حول كيف يجمع الحزب الشيوعى بين الماركسية اللينينية والتعددية فى وقت واحد؟ واين الاستحقاق الذى دفعه الحزب حتى يجمع هذه التناقضات !؟ الانشغال بهذا التساؤل كان سيقود الورقة الى استنتاجات اكثر فائدة فى اضاءة واقعنا السياسى ، فى الاقتباس اعلاه نكتشف بسهولة كيف انطلقت ورقة الدكتور على اهميتهامن افتراض خاطىء فى الاساس ، حيث يوضح بل يسجل فيه المرحومان الخاتم والكد والاخرين حقيقة ان اختلافهما ينصب على النسخة اللينينية من الماركسية وليس الماركسية وان كانت كلمة ماركسية تاتى فى السودان والعالم الثالث لتدل على الماركسية اللينينية وتحتكر التحدث باسمها، تماما كما تفعل الجماعات الدينيةالسلفية المتعددة فى العالم الاسلامى فى محاولات احتكار الاسلام واقتصاره على مفاهيمها هى والتحدث باسم الاسلام والجماهير المسلمة لهثا وراء شرعية لم تدفع استحقاقها بعد!! هنا يقفز السوال المهم الدى كان قد طرحه الاخ عادل عبد العاطى حول اى ماركسية يعتبرها كاتب الورقة الاخ ع ع ابراهيم صائبة؟ لاحظنا ان الافتراض الخاطىء الدى انطلقت منه الورقة هو ما شجع بعض منتسبى الحزب الشيوعى على الظهور فى البوست ومباركة ما كتبه الدكتور على الرغم من ان مشاعر هؤلاء تجاهه قد لايعبر عنه بدقة سوى قول الشاعر العباسى الشهير محرضا على تصفية من تبقى من ينى امية (لايغرنك ما ترى من رجال فان تحت الضلوع داءا دويا!!) ذلك انهم يعجزون حتى الان على الرد على تساؤلات المرحوم الخاتم فى (ان اوان التغيير) ويطمعون فى ان يقوم بهذا الواجب (الحزبى) غيرهم !!!!!!!
|
Post: #89
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: بدر الدين احمد موسى
Date: 02-21-2011, 04:12 AM
Parent: #88
في المداخلة السابقة بدات في مناقشة مفهوم الماركسية الذي طرحه المرحوم الخاتم عدلان في ورقته "ان اوان التغيير". فالخاتم عليه رحمة الله, حدثنا عن فهم, اعتبرته غريبا في الماركسية, وهو قوله ان الحزب-حسب فهمه - يقوم على رؤية فلسفية تتعدى السياسي, لتفسير ظواهر الكون, وان تلك الفلسفة مفروضة على اعضاء الحزب. وطبعا لا يخفى على احد ان المرحوم الخاتم كان يتحدث عن الماركسية. اول ما اريد ان ابدا به هو راي ماركس وانجلز الذي طرحاه في اول وثيقة, واهم وثيقة, لدي الشيوعيين وهي البيان الشيوعي. فلنقرا هذه السطور من البيان الشيوعي: " "The theoretical conclusions of the Communists are in no way based on ideas or principles that have been invented, or discovered, by this or that would-be universal reformer.
They merely express, in general terms, actual relations springing from an existing class struggle, from a historical movement going on under our very eyes. The abolition of existing property relations is not at all a distinctive feature of communism. "
فالبيان الشيوعي, و هو غالبا ما يكون من الوثائق الاولى التي يطلع عليها من يودون ان يكونوا اعضاء في الاحزاب الشيوعية, ينص بوضوح ان الشيوعيين لا يبنون افكارهم النظرية على تعاليم طورها هذا المفكر او ذاك الفيلسوف. واذا كنا نعرف ان من خط البيان هما كارل ماركس وفردريك انجلز, فاننا نتوقع انهما لا ينتظران ان يتخذهما الشيوعيون كمصدر اساسي في تعاملهم مع مشاكل بلدانهم, والتي تغطي كل الكرة الارضية الان, وتختلف في الثقافة والمصادر الفكرية, ومستويات التطور الاجتماعي-السياسي-الاقتصادي. بل ان هؤلاء الشيوعيون متوقع منهم ان يتعاملوا مع واقع الصراع الطبقي الاني الذي يجري امام اعينهم. من هذه القراءة نعرف ان ماركس وانجلز يريان واجب الشيوعيين هو التعامل مع الواقع السياسي-الاجتماعي-الاقتصادي المرتبط تاريخيا بالحقبة التي يعيشون فيها ولم يذكرا اي شئ عن ضرورة ان يكون صراع الشيوعيين مع مسائل فلسفية ترتبط بالكون او بوقائع تخطاها التاريخ! فلنقرا اكثر من البيان الشيوعي: "The immediate aim of the Communists is the same as that of all other proletarian parties: formation of the proletariat into a class, overthrow of the bourgeois supremacy, conquest of political power by the proletariat. "
ماركس وانجلز وفي البيان الشيوعي حددا المهام الواقعة على عاتق الحركة الشيوعية حينها, وهي : 1- المساعدة في بلورة البروليتاريا في طبقة واعية بدورها التاريخي, ومساعدتها في التنظم لبناء قدراتها للاضطلاع بذلك الدور, 2- هزيمة البرجوازية, 3- استلام السلطة السياسية.
http://www.marxists.org/archive/marx/works/1848/communi...t-manifesto/ch02.htm
اذن من اين اتي المرحوم الخاتم بفهم انه يجب ان يكون عضو الحزب مرتبط بموقف واحد ونهائي من الكون?
طبعا يمكن الوصول لسبب تشوش الفكرة لدي المرحوم الخاتم! فالمنهج العلمي-انا شخصيا افضل هذا الاسم- او ما يسميه البعض "بالمنهج الماركسي" في النهاية وكاي منهج يقوم على قواعد, وقوانين, تم التوصل لها بمراقبة حركة الطبيعة, ومجتمع الانسان, واستخلصت بعد الفهم العميق لتلك العوامل في الطبيعة والمجتمع. فمثلا في المنهج العلمي في مجالات العلوم الطبيعية والاجتماعية, يتم التوصل للقوانين بالاستنباط والاستدلال! فنجد ان اسحق نيوتن راقب سقوط تفاحة من شجرة كان يجلس تحتها, وعمل عقله في فهمها, وصمم تجارب ووصل لقوانين الحركة والجاذبية! تماما بنفس تلك الطريقة راقب الفلاسفة والمفكرين كيفية تكون الافكار في عقل الانسان-بدا ذلك في اثينا عند فلاسفة اليونان وتبعهم بعد ذلك العلماء والمفكرين- وتوصلوا لقوانين المنطق والديالكتيك. الديالكتيك يقوم على عدة قوانين منها: 1- نفي النفي 2- تحول الكم الي كيف 3-وحدة وصراع الاضداد
هذه القوانين تتعامل مع كيفية تكوين الافكار وتطويرها. ولمن يريد المزيد من الاطلاع انصحه بكتب فردريك انجلز http://www.marxists.org/archive/marx/works/1878/05/dialectics.htm و http://www.marxists.org/archive/marx/works/1877/anti-duhring/index.htm و http://www.marxists.org/archive/marx/works/1883/don/index.htm
وطبعا ليلم العضو الجديد بهذه المبادئ, يجب ان يتم تدريسه في كتب ومصادر قد تحتوي على افكار فلسفية, لكن ليس بالضرورة ان يسلم بها او يعتنقها. وانما اهم ما يراد ايصال العضو الجديد له هو: تمليكه ادوات ليستعملها في فهم الظواهر المجتمعية وحركة الافكار في المجتمع, وكيفية تكونها, وبالتالي ربطها بتاريخيتها ومحدوديتها. وان يفهم من قانون وحدة وتصارع الاضداد ,مثلا,انه لا عداء مطلق ولا مواقف مطلقة وانه من الطبيعي تبادل المواقف, وتداخلها. ومن تحول الكم الي كيف, ان تراكم الاحداث سيؤدي في النهاية لتغيير كيفي. ومن نفي النفي انه يجب ان نعرف ضرورة التخطيط فلا يقتصر دورنا فقط في النفي وانما للرفع والتخطي بايجاد بدائل, وكيف نفهم ان الاحداث تتناسل وتتوالد وترتبط ببعضها البعض. مما تقدم, وبرغم التبسيط, يمكن ان نعرف ان دور التدريب النظري لعضو الحزب ليس اعطاؤه فلسفة جاهزة, ومعلبة, ليحفظها, ويردد مقولاتها ببغائية, وانما لتمليكه ادوات, وعدة شغل, ليكون فاعلا في تحليل وقائع مجتمعه المعين, وتقديم حلول مبنية على فهم علمي وموضوعي لها. مهمة تدريب عضو الحزب هو تقوية الملكات القيادية فيه, لا جعله تابعا, او حوارا لفيلسوف, او مفكر, من حقبة تاريخية وواقع جغرافي واجتماعي ثقافي مختلف!
السؤال: لماذا فهم المرحوم الخاتم التدريب النظري كتلقين فلسفي? وهل ما قال به بفشل الحزب هو في الحقيقة فشله هو في فهم رسالة عضو الحزب?
|
Post: #90
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: mohmmed said ahmed
Date: 02-21-2011, 05:39 AM
Parent: #89
لو ماركس ذاتو طلع من قبرو وخاطب عمر البشير باعتباره مؤهل لحل مشكلةالجنوب وشارك فى مؤتمرات الانقاذ واصبح المنظر لهوية عربية اسلامية للسودان
حنقول ليهو متشكرين ونفارق دربو
|
Post: #91
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: اسامة الكاشف
Date: 02-21-2011, 01:50 PM
Parent: #90
شكراً يا منصور على فتح هذه النافذة تحية واجبة لك ولضيوفك الذين أثروا الحوار بمداد من ذهب وحتى عودة وجب تأكيد التحية
تسلموا
|
Post: #92
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: طلعت الطيب
Date: 02-21-2011, 02:55 PM
Parent: #91
الانسان الرائع منصور ملاحظتى التالية فيما يتعلق بالافتراضات التى نهضت عليها ورقة (ان اوان الماركسية) انها تعطى القارىء الانطباع بوجوب سيادة المنظور الماركسى فى رصد وتحليل الظواهر الاجتماعية والسياسية، وما يعطى هذا المفهوم زخما كونها جاءت لنقد ورقة الخاتم عدلان عليه رحمة الله (ان اوان التغيير) والقارىء المتعمق لان اوان التغيير يعلم تمام العلم انها تعنى (ان اون تعدد المناظير).. فى حوارى الهاتفى مع د. ع ع ابراهيم اشار الى نقطة قى غاية الاهمية والحساسية اشاركه الاعتقاد فى صحتها وهى حقيقة ان الماركسية اصبحت حزءا من ثقافة السودان الحديث ، وهو موضوع يطول ، على ان اهم ما يمكننى ان اشير اليه هو ان لهذا التاثير الثقافى اثارا سلبية كما له اخرى ايجابية ، فقط اعتقد جازما ان السلبى يتفوق على الايجابى فيما يتعلق بهذا الشأن لانها جاءت خصما على التعددية ,,, اخيرا يمكن ملاحظة ان نقد الخاتم انصب على نقد مفهوم (المادية التاريخية) وقد نجحت الورقة تماما فى اضاءة مختلف جوانب ذلك النقد النفسية والاجتماعية والسياسية ، من المهم التنويه هنا الى حقيقة ان نقد المرحوم اقتصر بشكل اساسى على النسخة اللينينية من الماركسية ولم يسنبعد المرحوم اهمية الاستعانة بالماركسية كمنظور ولكن ضمن مناظير اخرى متعددة .. اكرر هنا الماركسية وليس الماركسية اللينينية بعد تحريرها من يعض تخريفات ماركس نفسه!! من المفارقات ان مفهوم (المادية التاريخية) لم يعرفه ماركس الدى تحدث فى حياته عن (المفهوم المادى للتاريخ) ، وهنا اتحدى اى شيوعى ان يأتى بنص واحد اشار فيه ماركس الى مصطلح المادية التاريخية!!!!!!!!! مفهوم المادية التاريخية الذى ما جاءت (ان اوان التغيير) الا من اجل نقده وبيان خطأه من مواقع التحربة السودانية فى الاساس , هى من تخريفات الشيوعيين الروس (لينين وروزا ، ستالين الخ الخ )
|
Post: #93
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: بدر الدين احمد موسى
Date: 02-21-2011, 08:40 PM
Parent: #92
In the above, it could only be a question of giving a general sketch of the Marxist conception of history, at most with a few illustrations, as well. The proof must be derived from history itself; and, in this regard, it may be permitted to say that is has been sufficiently furnished in other writings. This conception, however, puts an end to philosophy in the realm of history, just as the dialectical conception of nature makes all natural philosophy both unnecessary and impossible. It is no longer a question anywhere of inventing interconnections from out of our brains, but of discovering them in the facts. For philosophy, which has been expelled from nature and history, there remains only the realm of pure thought, so far as it is left: the theory of the laws of the thought process itself, logic and dialectics.
http://www.marxists.org/archive/marx/works/1886/ludwig-feuerbach/ch04.htm
هههههههههه
وفي نفس السياق والحماس
نسال
اتحدى اي انسان على وجه الارض ان يثبت
ان اسحق نيوتن يعرف اي شئ عن الكوانتم ميكانيكس
اتحدى اي زول يوريني ان مندل يعرف ماهو الجين او حتى سمع بكلمة جين على الرغم انه هو من اكتشفها والمعروف انه سماها عوامل في قوانينه
اتحدى اي زول يثبت ان شارلس داروين يعرف اي شئ عن الجينات
على الرغم من اسئلتي اعلاه مجحفة في حق من تحديتهم لكن اود اجاوب من تحدانا
ان ماركس طور مفهوم المادية التاريخية مع زميله في البحث والتفكير فردريك انجلز الذي تحدث عن المفهوم وشرحه بشكل اكثر. ماركس وعلى الرغم من ان رسالة الدكتوراة بتاعته كانت في فلسفة اليونان, انصرف عن الفلسفة, واهتم بالاقتصاد السياسي وفي سياق ذلك توصل مع انجلز لاكتشاف قوانين تطور المجتمع الانساني ولكن ليس المهم باي اسم سميا اكتشافهما وعادة ما يضبط الناس تسمية المفاهيم بعد ذهاب مكتشفيها.
---
|
Post: #94
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-21-2011, 09:06 PM
Parent: #92
هذا الملف يتعين أن يكون عالياً
والشكر موصول للجميع ، ونذكر أن تناول المسألة الفكرية ليست بالضرورة ملك الشيوعيين أو غيرهم ، وهذه مساحة للثقافة والحوار ، ونرجو أن نوضح أننا نتحاور ليس من موقف موال أو معاد للشيوعية ، بل من منطلق أن الفلسفة فكر مفتوح ، وأن يتقدم الجميع ليكون الملف ثقيلاً بالأفكار والرؤى . والتحية للجميع مجدداً
|
Post: #95
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: طلعت الطيب
Date: 02-21-2011, 10:28 PM
Parent: #94
الاستاذ عبد الله الشقلينى تحية وتقدير على مداخلاتك الجادة فى هذا الشأن واشكرك على الاهتمام برصد التلخيص الذى قمت به قبل سنتين والذى نشرته فى سودانايل فى العام 2008م وكذلك فى الحوار المتمدن بعدها بعام وهى محاولة على علاتها- بحكم انها اتت وسط مشغوليات متعددة - الا ان الغرض منها كان تعريف الاجيال الشابة الجديدة بهذا الناشط والكاتب السياسى السودانى الفذ المرحوم الخاتم عليه رحمة الله، من خلال تقديم اعماله فى شكل مبسط غير مخل بمشاريعه الفكرية العميقة... اتعامل مع ورقة د ع ع ابراهيم بجدية بحكم اهتمام الرجل ومساهماته الثرة فى الحقل الثقافى والفكرى، وكما ترى فى مداخلتى السابقة اننى كنت قد اشرت الى الاهتمام بالجانب الثقافى فى امر الماركسية عند الدكتور وهو شىء عميق اتناوله فى حينه، على انى الان فى هذه المقدمات احاول طرح التساؤلات الصائبة فى هذا الشأن بكلياته، ورقة (ان اوان التغيير) طرحت على نفسها هموم واولويات الاصلاح الديمقراطى وليس نقد الماركسية فى الاساس، هذا مشهد مهم جدا توضيحه للقارئة، لذلك جاء النقد احتجاجيا و منصبا اساسا على تطبيق قوانين الطبيعة(الديالكتيك) على المجتمع الانسانى (المادية التاريخية) وذلك من اجل اصلاح مسار اليسار السودانى باسترداد انسانيته مرة اخرى من براثن اليسار الشمولى المتخلف عن العصر الى يسار ديمقراطى اكثر انسانية وانفتاح ومواكبة، لسار يحاول ان يزاوج بين المنهج التجريبى واحر تفسيرى تأملى (هيرمانيوتك) يسار يحاول ان يستفيد من كل انجازات الفكر البشرى بشكل عام والفكر الديمقراطى العالمى بشكل خاص وفقا للخصوصية السودانية التى ناضل تحت شروطها الخاتم طيلة الثلاثة عقود التى قضاها فى الحزب الشيوعى .. المادية التاريخية مفهوم يتعارض مع الديمقراطية التعددية لانه مشروع شمولى يقوم برسم اتجاه مسيرة التاريخ البشرى من المهد الى اللحد ويدعى العلمية فى ذلك وهو موقف كما ترى ميتافيزيقى رغم ادعائه للعلمية لانه يتخذ موقف قبلى a prioriوغائى من التاريخ وقضية التقدم الاجتماعى !! وهو مصطلح تم صكه بواسطة لينين ورفاقه فيما بعد وفاة كارل ماركس وهذا موقف شبيه بقضية مصطلح الشريعة الاسلامية الذى لم يكن يعنى سوى الطريق فى صدر الاسلام ولذلك حاء ورود المصطلح غير معرف فى حديث تولية معاذ بن جبل ولاية اليمن من قبل النبى الكريم ، لكن الشىء الثابت انه تمت صياغته بالايجاء الايدولوجى الذى يستخدمه غلاة الاسلام السياسى اليوم بعد ان قام الامام الشافعى بصك المصطلح فى عصر التدوين بعد مائتى سنة هجرية فى محاولة لصياغة العقل الجمعى للمسلمين ، وقد كانت محاولة ناجحة للاسف، لكن هذا موضوع يطول ويتشعب اذ ما يهمنى هنا هوالقول بان مفهوم المادية التاريخية لا يختلف كثيرا عن مفهوم الشريعة فى ان كلاهما مشاريع صيغت لاحقا اى فى سنوات لاحقة لظهور المشروع الاساسى من اجل السيطرة والهيمنة على الناس فى ظروف سياسية واجتماعية وثقافية معينة وتم اسقاطها على المشروع الاصلى بغرض اضفاء المشروعية عليها ، ولكن فى الحالتين تم اغتيال وتشييع المشروع الاصلى المرتبط بتطلعات البشرية الى الحياة الحرة الكريمة ..
|
Post: #97
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 02-21-2011, 11:33 PM
Parent: #95
الأخ العزيز دكتور طلعت الطيب الذى طالت غيبته فطل وهطل فكرا ثر السلام عليك وعلى الأسرة وأنت عائد لتوك من ديار تملكنا حبها وحب من فيها طرا وطننا السودان الجريح . عزيزى أعلم علم اليقين لوقوفك على تلك الورقه قبل إصدارها من خلال وصالك مع دكتور عبدالله وبعد صدورها ولطبيعة تتملكنى لكل المواقف الفلسفيه والأراء الفلسفيه أتيت بهذا المكتوب لينال حقه من المرس والتدقيق والتقليب لأهميته ولأهمية كاتبه دكتور عبدالله على إبراهيم ولأهمية المكتوب عنه الأستاذ الخاتم عدلان ولمساهمتهم الثره فى الحراك الفكرى والإجتماعى السياسى السودانى بغض النظر عن إتفاقنا معهما أو إختلافنا فى ما يقولانه ويفعلانه. عزيزى طلعت ما بدأ من حوار أضاء جوانبا مهمه وكشف عن أشياء مهمه كذلك ومازال الحوار بكرا يحتاج إلى جرارق يطوعونه فبلا تحدى ولا تعدى نحتاجك هنا مساهما فاعلا ونحن كما قال الشقلينى لا نهتم بالموضوع لعقيدة فى الماركسيه ولكن لأهميتها كفكر إنسانى فارض ذاتيته كما وكيفا فى الواقع الكونى وكطلاب فلسفه نبحث عنها وعن جذورها وجزوعها وفروعها وثمارها ولك ألاف التحايا وعظيم السلام.
منصور
|
Post: #96
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: بدر الدين احمد موسى
Date: 02-21-2011, 10:34 PM
Parent: #94
في مداخلتين سابقتين, ناقشت مفهوم الماركسية في ورقة المرحوم الخاتم عدلان "ان اوان التغيير" وخلصنا الي ان مفهوم المرحوم الخاتم الذي طرحه, وقد لا يكون متطابقا بما كان يعرفه عن الماركسية, كان مفارقا لابجديات الماركسية خاصة فيما يتعلق بدور عضو الحزب الشيوعي و تاهيله. وتحدثت عن قوانيين الديالكتيك التي تدرس لعضو الحزب, والمقصود من تدريسها اساس هو تعريف عضو الحزب انه لا ثابت في هذا العالم! سواء اكان في المجتمع او الطبيعة. وبالضرورة ان يفهم من ذلك انه اذا تغيرت الاحوال يجب ان تتغير الافكار والافهام! وبالتالي لا يوجد مجال للقول ان عضو الحزب يلقن مفاهيم و افكار لا زمنية ولا تاريخية ولا نهائية. لكن قد يقول البعض: هذا اجحاف في حق المرحوم الخاتم, وربما كان فهمه يتطابق مع افكار غيره من قادة الشيوعيين في السابق! ولكي انفي تهمة الاجحاف ولاثبت ان مفهوم الخاتم الذي طرحه في "ان اوان التغيير" غريبا ومفارقا لافهام الاخرين ساطرح افكار بعض قادة الشيوعيين, ونرى كيف فهموا الماركسية.
فلنبدا بفلاديمير لينين:
فلينين يرى "It is precisely because Marxism is not a lifeless dogma, not a completed, ready-made, immutable doctrine, but a living guide to action, that it was bound to reflect the astonishingly abrupt change in the conditions of social life" ولينين كتب ان فردريك انجلز قال: "Our doctrine—said Engels, referring to himself and his famous friend—is not a dogma, but a guide to action." ولكي لا اغرق البوست ارجع من يريد لمقالة لينين هنا http://www.marxists.org/archive/lenin/works/1910/dec/23.htm مما تقدم وجدنا ان لينين يرى ان الماركسية دليلا للعمل, وانها ليست افكارا معلبة ونهائية وانما منهجا يستعمل لفهم الواقع المحدد والمعين, وبالتالي لا يمكن ان يكون فلسفة عامة وتعاليم تعقد مسابقات تحفيظها لاعضاء الاحزاب التي تستعملها في مواجهة واقع سياسي وثقافي وتاريخي واقتصادي يختلف باختلاف اقطار الارض!
دعنا نري ماركسي اخر وليكون ما تسي تونغ
ماو نعى على بعض اعضاء حزبه من الصينين فهمهم الخاطئ للماركسية فقال:
"Although we are studying Marxism, the way many of our people study it runs directly counter to Marxism. That is to say, they violate the fundamental principle earnestly enjoined on us by Marx, Engels, Lenin and Stalin, the unity of theory and practice."
فالماركسية ليست مبادئ نظرية فقط تلبس على اي واقع وانما نظرية ترتبط عضويا وتنشا من الممارسة وذهب اكثر من ذلك فقال:
"the study of the universal truth of Marxism-Leninism. Many comrades seem to study Marxism-Leninism not to meet the needs of revolutionary practice, but purely for the sake of study. Consequently, though they read, they cannot digest. They can only cite odd quotations from Marx, Engels, Lenin and Stalin in a one-sided manner, but are unable to apply the stand, viewpoint and method of Marx, Engels, Lenin and Stalin to the concrete study of China's present conditions and her history or to the concrete analysis and solution of the problems of the Chinese revolution."
فقرع اولئك الذين اتخذوا الماركسية كنظرية فلسفية تتدارس من اجل الحفظ, والترديد الببغائي, والتباري في حفظ نصوصها. وذكرهم ان اهم شئ في دراستهم للماركسية هو معرفة استعمالها لدراسة الواقع الصيني واستنباط مفاهيم وحلول ترتبط بالصين والثورة الصينية!
ماو حث الصينين الشيوعيين على ضرورة دراسة الواقع الصيني اولا, ثم دراسة التاريخ,و دراسة الخبرة الثورية العالمية للاستفادة من دروسها الموجب والسالب فيها. http://www.marxists.org/reference/archive/mao/selected-...olume-3/mswv3_02.htm
فلنرى كيف فهم تروتسكي الماركسية
تروتسكي كتب: "It was not Marx’s aim to discover the “eternal laws” of economy." http://www.marxists.org/archive/trotsky/1939/04/marxism.htm
يا للهول, يا للهول! ماركس لم يسعى لاكتشاف القوانيين الابدية للاقتصاد? لكن يا تروتسكي, احد الشيوعيين السودانيين اخبرنا ان ماركس اكتشف قوانيين الكون واكتشافاته تحفظ للمرشحين الشيوعيين السودانيين!!
لا تفعل ذلك يا تروتسكي, فانت تهز ثقتنا في: اما معرفتك انت شخصيا بالماركسية, او ان هناك خطا ما في فهم الرفيق السوداني-ونحن ما بنرضى في السوداني!
لكن تروتسكي يضعنا امام الواقع! فيذكرنا :"Marx’s method is materialistic, because it proceeds from existence to consciousness, not the other way around. Marx’s method is dialectic, because it regards both nature and society as they evolve, and evolution itself as the constant struggle of conflicting forces."
اذا مادية المنهج الماركسي تقوم اساسا في تعاملها مع الواقع الماثل, سواء كان ذلك في الطبيعة-وفهما عن طريق العلوم الطبيعية- او المجتمع. وتتعامل مع الوقائع بفهم انها متطورة ومايعة في المدى البعيد وان كانت صلبة في اللحظة التاريخية المحددة, ذلك يبطل امكانية الحديث عن فكرة واحدة, ونهائية, يتوصل لها شخص واحد مهما كانت عبقريته وتحفظ لاكثر الناس ثورية!
فكيف فهم المرحوم الخاتم الماركسية كتفسيير نهائي للكون, ومن اين اتى بذلك الفهم?
دعنا نرى ثوريا اخر لنختم بحثنا في فهم الماركسيين هذه المرة نزور الثائرة روزا لوكسمبرج:
"a system of ideas which is merely sketched in broad outline proves far more stimulating than a finished and symmetrical structure which leaves nothing to be added and offers no scope for the independent effort of an active mind. "
روزا هنا تخبرنا انها تعتقد ان الافكار العريضة وغير النهائية اكثر تحفيزا للعقل من الافكار التي تصاغ بانها جامعة مانعة ولا ياتيها الباطل من خلفها ولا من بين ايديها-ليلاحظ القارئ اننا هنا نتحدث عن الفكر البشري في العلم والفلسفة.
"Still, it is only where economic matters are concerned that we are entitled to speak of a more or less completely elaborated body of doctrines bequeathed us by Marx. The most valuable of all his teachings, the materialist-dialectical conception of history, presents itself to us as nothing more than a method of investigation, as a few inspired leading thoughts, which offer us glimpses into the entirely new world, which open us to endless perspectives of independent activity, which wing our spirit for bold flights into unexplored regions. "
وايضا نجد اعلاه روزا تحدثنا ان اهم شئ في المنهج الماركسي, هو انه منهج للبحث! وليس منظومة كاملة البناء.
http://www.marxists.org/archive/luxemburg/1903/misc/stagnation.htm
اذن ليس هناك اي شئ يدل على ان اي من هولاء الشيوعيين قد فهم ان الماركسية كنظرية للكون والمجتمع الانساني تصلح للتحفيظ والترديد, ولا تقبل الاضافة او التخطي!
فلماذا كتب المرحوم الخاتم ما كتب? هل اطلع المرحوم الخاتم على افكار القادة اعلاه, واخرين, كما كان متوقع فيه-وانا اثق انه فعل, واذا فعل, لماذا ضرب بكلامهم عرض الحائط, وخلص لما كتب في "ان اوان التغيير"?
هل فهم الخاتم الماركسية كما يجب-انا اثق انه فهمها كذلك!- اذن ماذا وراء كلامه الذي صاغه في ان اوان التغيير واستقالته?
سنبحث ذلك بعد ان نقارن ما كتبه في "ان اوان التغيير" والاستقالة
|
Post: #98
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 02-21-2011, 11:45 PM
Parent: #96
الأخ محمد سيد أحمد مشكور على المقصات والباصات القصيره والتهديف السريع
ولك السلام
منصور
|
Post: #99
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: اسامة الكاشف
Date: 02-22-2011, 11:09 AM
Parent: #98
هذا هو مريط الفرس "الحزب السياسى الذى يريد ان يخدم التقدم الانسانى ، هو الذى يقدم الحلول الواقعية للمشاكل الحقيقية . ويتوجه بها بلغة واقعية الى هذا الجيل من البشر الذى يعاصره . ويبين له الطريق ، ويمهد بالوسائل والادوات لحلها . وعندما يتمكن هذا الحزب من نقل المجتمع ، ولو درجات قليلة على سلم التطور ، فانه يكون قد ادى ما يتوجب عليه تجاه الانسانية ، وتجاه التقدم الانسانى".
فوق لمزيد من الحوار
|
Post: #100
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: اسامة الكاشف
Date: 02-23-2011, 12:34 PM
Parent: #99
بعد إذن المبدع منصور
نرفع البوست لمزيد من الحوار
|
Post: #101
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: طلعت الطيب
Date: 02-23-2011, 06:58 PM
Parent: #100
Quote: ٧- يشجّع الحزب ويضمن حرية البحث العلمى ، الفلسفى والاجتماعى داخل هيئاته المختصة ،وعلى نطاق المجتمع ككل . ويشيع جوا من الصراع الفكرى الخلاّق بين مختلف المدارس . ويساهم فى بناء المؤسسات التى يمكن ان تكون منابر مناسبة لمثل هذا الصراع والحوار . ويشجع الانتاج الفكرى ، والبحث الفردى والجماعى ، ويسخر له كل الامكانيات الضرورية والمتوفرة . عن هذا الطريق يزيد المامه بالواقع وقوانينه وتزيد مقدرته فى التعبير عن مصالح القوى التقدمية الصاعدة فى المجتمع . ان المعارف التى تتراكم عن طريق هذا البحث ، الذى يتم داخل الحزب ، وعلى نطاق المجتمع ، هى المستودع الزاخر الذى يغترف منه برنامج الحزب فيصبح اكثر عمقا وشمولا . والجديد فى المسألة ان هذا لا يتم بصورة تعسفية مملاة . بل يتم كعملية ديمقراطية عميقة ، ووفق قوانين الفكر فى الانتشار والتطور. ويعبر عن تطور فكرى حقيقى وملموس . وبهذا يتخطى الحزب المطلب غير الواقعى بأن يكون أعضاؤه من الفلاسفة فى مجتمع شبه أمى ، ويغلق الباب أمام ظهور الأدعياء الذين يعتقدون أنهم ملمون بأرقى المعارف البشرية ، لمجرد تلقيهم لمحاضرة او محاضرتين ، او قراءتهم لبعض - القوانين والمقولات - والذين يصبحون بفضل هذا الادّعاء اسوأ الدعاة للحزب ، بل واسوأ رسله الى المجتمع . وفى نفس الوقت ينفتح الباب واسعا للقادرين على الانتاج الفكرى لينخرطوا فى معرفة واقع شعبهم واحتياجاته المادية ، والروحية ، وقوانين تطوره الاقتصادية والاجتماعية والثقافية - كما يتعرفون على تراثه وينابيعه الملهمة ، ويفجرون قواه الكامنة التى تمكنهم من انجاز القفزة الى ذرى العصر وهم يستطيعون أن يفعلوا ذلك دون تصورات فكرية ايديولوجية مسبقة . ودون كوابح دوغمائية - ويفعلونه فى نفس الوقت مستفيدين من كل الارث الفكرى الايجابى العالمى ، ومن كل الانجاز العلمى والمعرفى المعاصر، صاعدين على القمم الفكرية التى انجزتها العقول البشرية ، ومنها وعلى رأسها الانجاز الفكرى الماركسى ، وما حققه من منهج علمى فى الاقتراب من الواقع ، وما كشفه من حقائق اجتماعية واقتصادية وثقافية لا يستطيع اى مفكر جاد ان يتجاهلها وفى مقدمة تلك الانجازات ، الانطلاق فى نشاط نظرى وعملى من - دراسة المنطق الملموس للواقع الملموس - والانطلاق من دراسة كل ظاهرة فى خصوصيتها الشاخصة ، وتناقضاتها الداخلية وميولها المستقبلية . مع الانتباه لكل علاقاتها الخارجية ، فى واقع وفى عالم يمثل الترابط الجدلى سمة اساسية من سماته |
|
Post: #102
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 02-23-2011, 10:05 PM
Parent: #101
الأخ أسامه الكاشف السلام ورحمة الله وبركاته
الشكر لك على المتابعه الدؤوبه وعلى إبقاء البوست فى الواجهه لينال حظه من القراءه والردود المختلفه لإختلاف النظر لذات الفكره وذلك جائز ولكن الحرص على معرفة ذلك التنوع له أهميته الكبيره للحارص والباحث عن مطلق المعرفه ولله ولك السلام.
منصور
|
Post: #103
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 02-23-2011, 11:20 PM
Parent: #102
الأستاذ الباشمهندس الشقلينى السلام والرحمه نعم الماركسيه فكر إنسانى عام لمن يعتقد فيه وللدارس له ولمن يود أن يعرف عنه شئ وكانت مثالا محضا إستطاع البعض إنزاله لدنيا الواقع فتمدد الوافع وضاق المثال من ما دعى البعض ترقيعه ليحوى الواقع فتمدد الواقع أكثر ومازال شغل الناس به واشتغالهم بمعرفة عيوبه وميزاته من قبل المدافعين عنه والرافضين له لما قدمه من إسهام فى شتى ضروب الحياة والمعرفه فمازال لعلم جماله ولمنطقه ولفنونه وآدابه صيت ذائع وعشق كبير فليس بالضروره كما قلت الخوض فى تفاصيله ومحاورته كما يتم الآن من خلال نقد دكتور عبدالله لكتاب الخاتم أن يكون من المنتمين إليه فحسب لا بل لكل الناس دارسى الفلسفه والمثقفين وهواة المعرفه والأكاديمين وكل شرائح المتعلمين وذوى الإهتمام ومن مختلف مرتكزاتهم وخلفياتهم حتى تتكون مادة وخامة تكون كتلة لأهل البحوث لتفتيتها وإعادة صياغتها بطريقة تعم فائدتها للناس وكلنا فى ديمومة كدح بحثا عن عين الحقيقه والعالم حولنا تهتز أركانه وتتساقط عروشه لضيق المثال المعروض.
منصور
|
Post: #104
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 02-24-2011, 07:34 PM
Parent: #103
الأخ بدر الدين احمد موسى
السلام والرحمه
نتابع إسهاماتك الثره فى هذا البوست ونتابع تنصيصك واقتباساتك المختلفه مدافعا عن كل وجهات نظرك المقدره نتمنى مواصلة الجهد لتوصيل القراء الحقائق من زوايا مختلفه ولك الشكر والتقدير.
منصور
|
Post: #105
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: طلعت الطيب
Date: 02-25-2011, 06:46 PM
Parent: #104
العزيز منصور تحياتى من اجل مساعدة القارئة على متابعة الحوار حاولت توضيح حقيقة ان ما قام المرحوم الخاتم بنقده ورفضه هو النسخة اللينينية من الماركسية او قل الى حد كبير النسخة الروسية منها !! ارجو ان يكون ذلك واضحا لاننى سوف اتعرض بشكل موجز ولكنه حلى للمراحل التى مرت بها الماركسية بعد وفاة مؤسسها قبل العودة الى ورقة الاخ د ع ع ابراهيم باعتبار انها موضوع البحث على انى اعتقد كما سبق ان قلت ان الدكتور انطلق من افتراضات خاطئة كنت قد نبهت لها فى مداخلاتى السابقة وذلك فيما يخص فهمه لثيمة (ان اوان التغيير) لانها وان تعرضت لبعض النقد للماركسية عموما الا انها جاءت اساسا لنقد الماركسية اللينينية من اجل توضيح اهمية الديمقراطية التعددية ومسألة ضرورة تبنى مناظير متعددة لرؤية العالم والناس والاشياء
|
Post: #106
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 02-25-2011, 11:31 PM
Parent: #105
عزيزي منصور المفتاح، أنا سعيد بعرضك لكلمتي (الخاتم عدلان: آن أوان الماركسية" على زملائك في سودانيزأونلاين. وأنا مدين لك يا منصور بالذود عنها بوجهة الغلاة حتى هجروها وبقى ما يمكث في الأرض. ورأيت انتهاز سانحة صفو جو المناقشة بعد عكر لأحيّ من ذهبوا إلى لب المسألة لا لبابها. وبالطبع الشقليني خدني الذي يأتى بالنصوص من خلفه ومن بين يديه متى أطل. ثم محمد عبد الجليل وعاصم فقيري وطلعت الطيب وعبد اللطيف حسن علي وبدر الدين أحمد موسى وأحمد الأمين أحمد ومحمد النعيم وعاطف مكاوي. أريد هنا أن أعقب على ما جاء عند طلعت الطيب. فكأنه يريد طي المناقشة كلها بحسبان ان الخاتم لم يرم "طوبة" ماركس وإنما هجر "رجز لينين" عنه. فلو كان الحال كذلك لما تناطحنا مع الخاتم في المسألة. ولقلنا له دينه في الماركسية ولنا دين. والماركسية شتى مثل كل العقائد. وساء ذكر نسخة لينين منها حتى أضحت مجافاته عادة أو موضة مع ما أكنه للرجل من تقدير كبير. ووقفت بخلال كتابة كلمتي هذه على مقالات لسلافوج زيزيك وهو مفكر من سلوفاك قال أننا ". كِتلنا" في الرجل. و هو مفكر راديكالي كبير كثير التآليف وكتب في "القارديان" وتحدث في "الجزيرة" الإنجليزية عن ثورة تونس ومصر حديثاً صريحاً. وبعض حديثه على ليوتيوب. القول بأن الخاتم لم يرم طوبة الماركسية وإنما قصد إصلاح الحزب لاغير لا يخدم غرض ورقتي وهو أن نتقلد مسؤولية حيال ماركس طالما كنا ماركسيين. ولا تعني هذه المسؤولية أن نتزواج معه كاثوليكياً وعقدياً. ولكن متى رمينا طوبته مثل الخاتم كان ذلك على بينة. وينطبق هذا على كل من استصوب فكراً ومنهجاً ما وتعلق بهما. ينبطق على من اعتقد في الوجودية أو البنائية. بل والإسلامية. وقصدي من ذلك أن يكون اعتناق الواحد منا لمنظومة فكرية ما حرية وأن يكون رمي طوبتها حرية غراء وشرط الحرية إدراك ضرورة هجرها فوق حيثيات. وأهمية هذه الجدية في اعتناق المباديء في ألا يكون الفكر "عدي من وشك" وساحة للعك والانتهازية. وأن نتحصن بتلك الجدية من خبط العشواء. فقد استغربت لعادل عبد العاطي يحصي سوءآت الاشتراكية في التطبيق (وهي كثيرة) ثم لا يطرف له جفن يسمي حزبه ب"الليبرالي". والليبرالية التي خرج الاستعمار من معطفها سفكت الدماء. وما أدراك ما الاستعمار. فهذه الخفة في التنقل من مبدأ إلى آخر ما كانت لتقع لو أخذنا المبادي مأخذ جد ودرس وتحقيق في اعتناقنا لها وفي هجراننا لها معاً. الخاتم رمى طوبة ماركس ولم يبق منه إلا العفو وهو ما يبقى من كل تقليد ثقافي. صارت الماركسية عنده مجرد إرث نستفيد منها ككل إرث إنساني. وخص الخاتم بالذكر نفعها من جهة منهجها في دراسة الواقع الملموس. وقال الخاتم في استقالته وآخرين إن الماركسية لم تٌنف نفياً كاملاً لاحتوائها على أفكار عميقة وصالحة لفهم ظواهر المجتمع البشري. وهذا هو العفو لمن سبق أن كانت الماركسية مصباحه في الدياجي. سيضيع الأثر في الماء من قول طلعت إن الخاتم لم يقصد إلى تشليع الماركسية بل اللينينة بصورة رئيسية في مناقشته لإصلاح الحزب. وبعض هذا صحيح ربما في رد الخاتم مفهوم "الديمقراطية المركزية" للبلشفية وتراثها القيصري. ولكن الخاتم لم يدرأ الشبهات (شبهة استغنائه عن ماركس) لاحتجاجه بمبطل عتيد للماركسية مثل " آلان توفلر" في معرض مؤاخذته للنظرية من باب إصلاح الحزب. وكان هذا موضوع نقدنا. فإن قبل الخاتم توفلر (مرجعه الذي لا غيره على علاته لدحض الماركسية)كما فعل "وزر وزره". فتوفلر مبطل للماركسية على المفتشر وبالذات من جهة تحليلها لمصائر الصرع الطبقي في الرأسمالية. فبأخذ الخاتم عن توفلر، وبصورة لم يشرك معه أحدا، انتسب إلى تقليد "نهاية الماركسية". ولهذا تجشمت قراءة "آن أوان التغيير" على ضوء كتاب "ماركس الإسفيري" في محاولة لكتابة تاريخ ثقافي استنطق فيه نص الخاتم ومرجعياته. وحتى حين عالج الخاتم إصلاح الحزب لم تسلم جرة الماركسية. فإن نظرت إلى استقالته وآخرين من الحزب تجد الخاتم يرد نواقص الحزب ونواقضه إلى ماركسية لينينة وغير لينين. فقد توصل هو ورفاقه إلى "أن المشروع الماركسي للتغيير الاجتماعي قد انهار تماماً" بالنظر إلى تطورات تعاظمت من الخمسينات. فهو لا يريد للحزب أن تكون الطبقة العاملة قاعدته ومرجعيته. فحزب للطبقة العاملة حديث خرافة لفساد نبؤة الماركسية عن الأدوار التي رتبتها للبروليتاريا في مشروعها. فتلك التطورات لم تستقطب القوى الاجتنماعية كما قضت الماركسية: برجوازيا بوجه بروليتاريا. بل جاءت تلك التطورات بالنقيض المباشر لتصور الماركسية. ". فلا البروليتاريا اختارت الثورة، و لا البرجوازية اختارت المواجهة حتى الموت . . . بل وجدت الطبقتان وسائل "للمساومة التأريخية" لم تمنع خصومتهما من إعادة صياغة مجتمعات الراسمالية "بصورة لا تستوعبها التبسيطات الماركسية". ثم واصل الخاتم لا يترك شاردة ولا واردة من توفلر. من عرف الخاتم عرف علو دراميته في التعبير. ولما قرأت عبارته في استقالته وآخرين عن الطريقة المثلي للتعامل مع ماركس-الماركسية قلت ذلك الخاتم الناطق: "إننا لا نريد أن نضع ماركس على رأسه، كما قال إنه فعل مع هيجل، بل نريد فقط أن نضعهما معا، على جنبيهما، شأن كل الموتى". ثم اتضح لي أنها تعريب شبه حرفي لعبارة توفلر من ""تحول القوة" (صفحة 413 من طبعة الأصل الإنجليزية). من أميز ما سمعت تعليقاً على مقالي قول أحدهم عن ما إذا كان الحزب يعتني بالتحصيل الماركسي لكادره المتفرغ أم أن ذلك من المتروكات. من تجربتي: لا.
حاشية: كان عنوان البوست عند فتحه هو "الخاتم عدلان: آن أوان الماركسية". ثم صار يٌرجع إليه في الداخل ب "ماذا كتب الخاتم عدلان عن تخليطات عبد الله علي إبراهيم" ثم استقر الباب حتى تاريخه بعنوان "ماذا كتب الخاتم عن تزييف عبد الله علي إبراهيم لعبد الخالق محجوب". هل هذه خفة يد ثورية مبتكرة؟
د. عبدالله علي إبراهيم
|
Post: #107
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: طلعت الطيب
Date: 02-26-2011, 02:49 PM
Parent: #106
Quote: من عرف الخاتم عرف علو دراميته في التعبير. ولما قرأت عبارته في استقالته وآخرين عن الطريقة المثلي للتعامل مع ماركس-الماركسية قلت ذلك الخاتم الناطق: "إننا لا نريد أن نضع ماركس على رأسه، كما قال إنه فعل مع هيجل، بل نريد فقط أن نضعهما معا، على جنبيهما، شأن كل الموتى". ثم اتضح لي أنها تعريب شبه حرفي لعبارة توفلر من ""تحول القوة" (صفحة 413 من طبعة الأصل الإنجليزية |
الاخ منصور الشكر لك وعبرك للاخ د ع ع ابراهيم فى الرد والتوصيح لوجهة نظره وهو شىء اتمنى ان يتواصل لاهميته الفائقة فى مساعدة القارئة كى ترسو على بر فى هذا الموضوع المعقد اقتباس الخاتم اعلاه مناسب لان الغرض منه التوضيخ بان العصر هو لتعدد المناظير وليس هناك مبرر للاختفاء بماركس دون دوركايم او هيجل مثلا كما كان يخدث فى السابق، وقد ان الاوان لتواضع هذا المفكر فقد ترك لنا ما وجب تركه وكذلك ما يستخق الابقاء عليه ، وهذا ما سوف اوضخه لدى مشكلة فى الكى بورد ساعود لاخقا لكنى اود ان اقول اننى هنا غير معنى بالدفاع عن المرخوم الخاتم بقدر ما معنى بورقة ان اوان التغيير وهى تضع التعددية الديمقراطية كاولوية وليس الماركسية ، الماركسية هنا مجرد منظور من المناظير يدعو الخاتم الى اهميتها عندما يتطلب الامر ذلك، سيادة الماركسية كمنظور وخيد تم التنظير له وتكريسه فى المادية التاريخية وهى الماركسية التى عرفناها فى السودان والعالم الثالث وهى التى كانت موضع نقد الخاتم فى ان اوان التغيير لانها تتعارض مع الديمقراطية وخقوق الانسان تماما مثل مفهموم الشريعة باعتبارها تدعى الاخاطة بكل شىء! اتفق مع الدكتور فى ضعف نقد الماركسية الذى تم خارج هذا الاطار او قل عدم كفايتها خاصة عند التطرق لتوفلر وهى اشياء سوف اعود لها لكنى انبه الى خقيقة ان ورقة الدكتور تصلخ لرصد مصير ومالات الماركسية وليس كرد على ورقة ان اوان التغيير، وان الاولوية التى افرد لها الخاتم دراسته واهتمامه وهى التعددية الديمقراطية اكثر وجاهة من الاولوية التى يطرخها علينا اليوم الدكتور خول ضرورة دفع موخر الصداق المناسب عند تطليق الماركسية على اهمية ذلك !! نقطة اخرى انبه لها وهى المتعلقة بسيادة اللينينية فى العالم الثالث التى تعتمد السيطرة بدلا عن التخرر وذلك لاسباب ثقافية ترتبط بسيادة الثقافة الابوية المتوارثة اعتذر للقارىء لان الكى بورد لا يكتب خرف الخاء اعود
|
Post: #108
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: بدر الدين احمد موسى
Date: 02-26-2011, 09:00 PM
Parent: #107
المفتاح جزيل الشكر لك على مثابرتك في دفع النقاش للامام
في مداخلتي السابقة اثبت ان اربعة من المفكرين الماركسيين والذين اختلفوا في الواقع من حيث المنظور والتطبيق للماركسية, الا انهم جميعا اتفقوا على شئ واحد وهو: ان الماركسية علم محكوم بالجغرافيا-المجتمع-السياسة-التاريخ. فلا توجد ماركسية طائرة في الهواء وانما ما ينتجه استعمال الماركسية من فكر في السودان مثلا سيختلف بالضرورة عما ينتجه استعمال المنهج في روسيا او الصين. لكن في نفس الوقت هناك ثوابت اذا تم تجاوزها تكون الماركسية قد فقد معناها. من تلك الثوابت ان يكون التحليل موضوعيا علميا, وان يكون التنظير مرتبطا ارتباطا لا فكاك له مع الطبقة العاملة ومصالحها. في المداخلة السابقة ايضا وجدنا ان هنالك خللا مفاهيميا لدي المرحوم الخاتم عدلان يتناقض مع فهم كل المدارس التي اتيت باقتباسات من ممثيلها فلينين فهم الماركسية كمنهج وكذلك تروتسكي وروزا لوكسمبرج ووافقهما ماو سي تونغ, لكن الخاتم راى الماركسية كنصوص للتحفيظ ورداء يمكن لبسه ساعة التزين وخلعه عند العمل!
فالخاتم في الاقتباس ادناه يتحدث عن: """"Quote: ٧- يشجّع الحزب ويضمن حرية البحث العلمى ، الفلسفى والاجتماعى داخل هيئاته المختصة ،وعلى نطاق المجتمع ككل . ويشيع جوا من الصراع الفكرى الخلاّق بين مختلف المدارس . ويساهم فى بناء المؤسسات التى يمكن ان تكون منابر مناسبة لمثل هذا الصراع والحوار . ويشجع الانتاج الفكرى ، والبحث الفردى والجماعى ، ويسخر له كل الامكانيات الضرورية والمتوفرة . عن هذا الطريق يزيد المامه بالواقع وقوانينه وتزيد مقدرته فى التعبير عن مصالح القوى التقدمية الصاعدة فى المجتمع . ان المعارف التى تتراكم عن طريق هذا البحث ، الذى يتم داخل الحزب ، وعلى نطاق المجتمع ، هى المستودع الزاخر الذى يغترف منه برنامج الحزب فيصبح اكثر عمقا وشمولا . والجديد فى المسألة ان هذا لا يتم بصورة تعسفية مملاة . بل يتم كعملية ديمقراطية عميقة ، ووفق قوانين الفكر فى الانتشار والتطور. ويعبر عن تطور فكرى حقيقى وملموس . وبهذا يتخطى الحزب المطلب غير الواقعى بأن يكون أعضاؤه من الفلاسفة فى مجتمع شبه أمى ، ويغلق الباب أمام ظهور الأدعياء الذين يعتقدون أنهم ملمون بأرقى المعارف البشرية ، لمجرد تلقيهم لمحاضرة او محاضرتين ، او قراءتهم لبعض - القوانين والمقولات - والذين يصبحون بفضل هذا الادّعاء اسوأ الدعاة للحزب ، بل واسوأ رسله الى المجتمع . وفى نفس الوقت ينفتح الباب واسعا للقادرين على الانتاج الفكرى لينخرطوا فى معرفة واقع شعبهم واحتياجاته المادية ، والروحية ، وقوانين تطوره الاقتصادية والاجتماعية والثقافية - كما يتعرفون على تراثه وينابيعه الملهمة ، ويفجرون قواه الكامنة التى تمكنهم من انجاز القفزة الى ذرى العصر وهم يستطيعون أن يفعلوا ذلك دون تصورات فكرية ايديولوجية مسبقة . ودون كوابح دوغمائية - ويفعلونه فى نفس الوقت مستفيدين من كل الارث الفكرى الايجابى العالمى ، ومن كل الانجاز العلمى والمعرفى المعاصر، صاعدين على القمم الفكرية التى انجزتها العقول البشرية ، ومنها وعلى رأسها الانجاز الفكرى الماركسى ، وما حققه من منهج علمى فى الاقتراب من الواقع ، وما كشفه من حقائق اجتماعية واقتصادية وثقافية لا يستطيع اى مفكر جاد ان يتجاهلها وفى مقدمة تلك الانجازات ، الانطلاق فى نشاط نظرى وعملى من - دراسة المنطق الملموس للواقع الملموس - والانطلاق من دراسة كل ظاهرة فى خصوصيتها الشاخصة ، وتناقضاتها الداخلية وميولها المستقبلية . مع الانتباه لكل علاقاتها الخارجية ، فى واقع وفى عالم يمثل الترابط الجدلى سمة اساسية من سماته""""" الخاتم هنا لا يساوي الماركسية مع الافكار والفلسفات الاخرى عن فراغ وانما بناء على فكرة مدروسة ومسبقة ومترصدة الخاتم يريد بمساواة الماركسية هنا ان يفرغها من محتواها ومحتوى الماركسية هو موقفها الثابت من الطبقة العاملة فهو نادى في ورقته """"طرح الحزب الشيوعي نفسه للمجتمع السوداني باعتباره حزب الطبقة العاملة. يعبر عن مصالحها أولا و قبل كل شيء، و يجعل تلك المصالح البعيدة و القريبة، معيارا لصحة المواقف و سداد السياسات، و يتوجه إليها بكل جهده و اهتمامه لتوعيتها برسالتها التاريخية، و إعدادها لقيادة المجتمع. و هذا لم يمنعه بالطبع من التوجه إلى الطبقات و الفئات الأخرى من مثقفين و مزارعين و برجوازية صغيرة ووطنية. و لكنه كان يطلب من أبناء تلك الطبقات، الذين يلجون صفوفه، أن يتخلوا عن التعبير عن مصالح طبقاتهم، و الانحياز بالكامل لمصالح الطبقة العاملة. و هم بالتالي لا يلجون أبواب إلا بمقدار إيمانهم بعدم مشروعية مصالح الطبقات التي ينتمون إليها. أو على الأقل على قدر إيمانهم بأن مصالح طبقاتهم تلك، ليست سوى مصالح عابرة سيتخطاها التاريخ في نهاية المطاف، و بالطبع فإن تخلي المرء عن مصالحه الخاصة أو الطبقية، حتى و لو على نطاق المستوى النظري الخالص، أمر ينطوي على الكثير من النبل، و لكنه في الحقيقة لا يجذب سوى أقلية ضئيلة من أبناء تلك الطبقات. و يصدق هذا خاصة في ظل أوضاع لا "تنحاز " فيها الطبقة العاملة نفسها إلى "فكرها و مصالحها"! و ربما كانت مقولة الانحياز إلى فكر و مصالح الطبقة العاملة ستكتسب أبعادا هامة لو أن التاريخ صدق النبوءة الماركسية الأساسية حول الاستقطاب الاجتماعي الشامل بين البروليتاريا من جانب، و البرجوازية من الجانب الآخر. ذلك الاستقطاب، الذي لا تجد إزاءه الطبقات الوسيطة سوى الانحياز إلى هذا الجانب أو ذاك، مع غلبة تيار المنحازين على البروليتاريا، لان خلاص المجتمع سيتم على يديها، و لأن البرجوازية تعاني حينها سكرات الموت. و للأسف الشديد فإن التطور الاجتماعي لم يسر في تلك الوجهة. بل حدث العكس تقريبا. فقد تنامت الطبقات الوسطى على حساب البروليتاريا أساسا، و على حساب البرجوازية كذلك، و أصبحت تشكل الأغلبية الساحقة في كل المجتمعات الرأسمالية المتقدمة. و بانتصار الثورة العلمية التكنولوجية في تلك المجتمعات حدثت تطورات عاصفة حولت البروليتاريا -أي الطبقة العاملة الصناعية- إلى قوة هامشية تتراوح بين 10 و 15% من مجموع السكان. و تحول إنتاج الثروة القومية بصورة حاسمة من اليد إلى الدماغ. و أصبحت المعرفة و المعلومة و الفكرة، و التصميمات الذهنية، هي أداة الإنتاج الأساسية. و هذه تمتلكها الطبقات الجديدة، والفئات الجديدة، التي ولدتها الثورة العلمية التكنولوجية. و قد أصبحت هذه الفئات و الطبقات هي المنتجة الأساسية للثروة، و أصبحت هي الوحيدة القادرة على قيادة المجتمع. لقد تضاءل دور البروليتاريا و جاء عهد "الكومنتاريا" كما سماها ألفن توفلر في كتابه (power shift)، التي تمتلك وسائل إنتاجها بامتلاكها للمعرفة، و هي أدوات إنتاج لا تستطيع البرجوازية نفسها أن تجردها منها، و هذه ظاهرة جديدة لم يعرف ماركس و لم ينظّر لها."""""
في الاقتباس اعلاه يبلغ التشوش لدي المرحوم الخاتم درجة من الصعب ان نتعامل معه الا من منظور انه قرا ولم يستوعب او قرا واستوعب ووتجاهل! فالطبقة العاملة, لدي الخاتم في الاقتباس اعلاه, طبقة ثابتة لا تتغير. فالعامل يجب ان يكون نفس العامل كما كان في اوروربا في القرن التاسع عشر! متسخا بزيوت ماكينات الفابريكات التي ما عادت موجودة في الواقع, والا فان الطبقة تناقصت واضمحلت! واتي بنسب مئوية ليضفي بعض علمية على مقاله الانشائي. وليس ذلك فحسب فاننا نجد ان مفهوم الطبقات نفسه متشوشا لدي الخاتم! فحدثنا عن طبقات وسطى نشات على حساب الطبقة العاملة. هنا الخاتم لا يجافي الحقيقة فقط, بل يجافي العلم. والعلم يقوم على صياغة تعريفات واضحة تحدد مفهومنا من اي شئ يقع تحت مبضعه. فمثلا نجد ان تعريف المادة في كتب الفيزياء والكيمياء هو "المادة كل ما له وزن ويشغل حيز" هذا المفهوم يعطينا القدرة على التعامل مع المادة على الرغم من اختلاف احوالها والوانها فنجد السائل والصلب والغاز ونعرفها كمادة. فاستعمال التعريف جزء مهم من الممارسة العلمية لكن الخاتم هنا يتجاوز تعريف الطبقة لدي لينين ولا يعطينا تعريف جديد! لنفهم لماذا اختار وضع من اسماهم الطبقات الوسطى, كوسطى, وليست طبقة عاملة في ظروف جديدة?
فلنري كيف يعرف لينين الطبقة:"""Classes are large groups of people differing from each other by the place they occupy in a historically determined system of social production, by their relation (in most cases fixed and formulated by law) to the means of production, by their role in the social organisation of labour, and, consequently, by the dimensions of the share of social wealth of which they dispose and their mode of acquiring it". (Vladimir I. Lenin: 'A Great Beginning: Heroism of the Workers in the Rear: 'Communist Subbotniks' in: 'Collected Works', Volume 29; Moscow; 1965; p. 421).""""" http://www.mltranslations.org/Britain/Marxclass.htm
فالطبقة تتكون من مجموعات كبيرة من الناس تختلف عن بعضها بحكم موقعها ضمن نظام انتاج محدد تاريخيا (هذه مهمة جدا) من ادوات الانتاج و دورهم في التنظيم الاجتماعي للعمل و حجم نصيبها من الثروة الاجتماعية وكيف تحصل على ذلك النصيب فالتعريف الماركسي-اللينيني للطبقة ليس مطلقا وانما محكومة بالظروف التاريخية التي تحتضن العملية المجتمعية الانتاجية وبناء على هذا التعريف, فشكل العامل بالضرورة سيختلف اذا تغيرت ادوات العمل وظروفه. فالعامل في القرن التاسع عشر كان يعمل في مصنع ومحاط بالزيوت والشحوم والروائح المنتنة, اما الان فالعامل يقف او يجلس امام كمبيوتر, او في معمل, او حتي استاذا في جامعة! ليس ذلك لاننا نريد تلبيسه ذلك وانما ذلك ما يسمح به التعريف. والتعريف يخبرنا ان طبقة العمال مثلا تسمى كذلك لانهم: 1- لا يملكون وسائل الانتاج 2- لانهم يبيعون قوة عملهم للحصول على نصيبهم من الثروة الاجتماعية 3- ان نصيبهم من الثروة الاجتماعية ضئيل جدا مقارنة بالطبقة المالكة لوسائل الانتاج
في هذا العصر نجد العامل في طلمبة البنزين يتعامل بالكمبيوتر, فهل ذلك سبب كافي لنسميه طبقة وسطى, كما يريد ان يفهمنا الخاتم? في هذا العصر اذا دخلت في شركات الادوية او حتي السيارات ستجد ان اغلب من يعملون هناك من حملة الشهادات العليا في العلوم المرتبطة بالصناعة, وقد لا تجد اي انسان في شركة كاملة, بمؤهل اقل من دبلوم متوسط الا البواب! فهل نفهم مع الخاتم ان هؤلاء ليسوا عمال, وانما طبقات وسطى? لا, هم عمال. لانهم يبيعون قوة عملهم سواء اكانت عضلية, او ذهنية, ويحصلون على نصيبهم من الثروة الاجتماعية بناء على ذلك, ويعتمدون على شيكات اخر الشهر لتصريف حيواتهم, وما يتلقونه من ماهية نسبة مخجلة مما يعود للشركات من عوائد واربحا خرافية. وفق تعريف لينين, فالمهندس والطبيب والاستاذ الجامعي والموظفين كلهم عمال لانهم يعملون في اماكن عمل هم لا يملكونها, وانهم هناك فقط لانهم يبيعون قدرتهم على العمل, ويحصلون على نصيبهم فقط كتعويض لجزء مما قدموه.
هنا يحق لاخد الناس ان يعترض ويقول: اذن اين الطبقة الوسطى? واين نجدها?
الطبقة الوسطى هي طبقة مالكة لوسائل انتاج, لكن ليس بحجم الشركات متعددة الجنسيات, وبذلك تحصل على نصيبها من الثروة الاجتماعية بجني الارباح من ادارتها للعملية الانتاجية ولتحصل على ذلك الربح عليها ان تستخدم عدد ممن لديهم استعداد وتاهيل للعمل لديها.
وقد يقول اخر: لا, لا< فان لينين صنف الموظفين والبروقراطية كطبقة وسطى, وانت هنا تحولهم لعمال! وارى ان المعترض قد نسى جزء من التعريف وهو الارتباط التاريخي. فراسمالية روسيا وطبيعة تكوينها انذاك, جعلت الموظف, طبقة وسطى, لانه كان من الصعب ان تصبح بيروقراطيا او موظفا الا اذا كنت مرتبطا بطبقة النبلاء والاقطاعية الروسية, التي تحولت للزراعة- كبيرة او صغيرة- ومقارنة بحجم الراسمالية تحولت لطبقة وسطى.فالموظف او البيروقراطي لا يعتمد فقط على الوظيفة في حياته, وانما يحصل على الجزء الاكبر من نصيبه من الثروة الاجتماعية, من مزرعة العائلة, او مشغلها. والوظيفة سبيل للاسماء الشرفية والالقاب .
وعليه نجد ان فهم الخاتم عدلان لماهية الطبقة خاطئ. وبالتالي استنتاجاته خاطئة. لان ما بني على باطل فهو باطل! ليس ذلك فحسب, فالخاتم عدلان عمم, حيث كان يجب ان يخصص, وخصص حيث كان الاصح التعميم! لذلك فشل في وضع الطبقة العاملة في سياق التطور التاريخي لقرنينا السابق والحالي. في الوقت الذي يجب ان نعمل الماركسية في واقع محدد ومخصص, ايضا, يجب ان لا نغفل الصورة الاكبر والسياق الاعم للمرحلة التاريخية للمجتمع الانساني ككل, وعلى مستوى الكرة الارضية. نعم عندما تحدث ماركس وانجلز عن العمال, كانا يتحدثان عن دول في اوروبا: كبريطانيا, والمانيا, وفرنسا. لكن هل يمكن ان نحدث عن عمال السودان, مثلا, بغير ان نضع طبقة العمال في كل العالم في حسباننا? على الاقل هناك سودانيين يعملون لدي شركات عالمية, وقد لا يعرف اولئك العمال حتى الدول التي تقع فيها مقار الشركات التي يعملون فيها. وايضا تطور الراسمالية في عصرنا الحالي جعل العالم كله مجال واحد لنشاطها, فلا يمكننا ان نتحدث عن :عدم وجود اعداد كافية من العمال في السودان, ليكون هناك حزب شيوعي! وننسى الطبقة العاملة العالمية. بل لا يجوز ان لا ناخذ طبيعة الراسمالية نفسها في الحسبان. فالراسمالية لا تطور كل المناطق بنفس الدرجة, بل من مصلحتها حفظ اجزاء من العالم على مستويات اقل من التطور لضمان الارباح. فمثلا نجد ان الراسمالية التي عملت على دفع عجلة التطور في اسيا, هي نفسها التي كبلت تطور امريكا الجنوبية, وعملت على كبح اي تطور في افريقيا. وعليه يصح ان نستنتج ان الراسمالية الان نظام عالمي والطبقة العاملة عالمية وضعف الطبقة في منطقة معينة ما هو الا مظهر للتطور غير المتساوى التي فرضته الراسمالية العالمية. من كل ذلك نخلص للنتيجة التالية ان الطبقة العاملة لم تضمحل وانما تغير شكلها. لكن الخاتم عدلان كما فهم الماركسية خطا, واعتبرها نصوص للترتيل, عمد لحفظ صورة الطبقة العاملة من كتب القرن التاسع عشر وفشل في التحول الذهني ليستوعب مجريات وواقع عالمنا الحالي. فصورة العامل في ذهن الخاتم هي صورة عامل القرن التاسع عشر, بينما كان يفترض ان يكون صورته بالتخطي والرفع, ليرى عامل اليوم في صورته الحالية: شخصا متعلما ومثقفا, ليس لترف التثقف, وانما لانه لا يستطيع بيع قوة عمله الا اذا كانت في تلك الدرجة من المعرفة والثقافة!
--- سنواصل
|
Post: #109
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-27-2011, 03:46 AM
Parent: #108
هذا الملف يتعين أن يكون عالياً
|
Post: #110
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: عبدالله الشقليني
Date: 02-27-2011, 08:20 PM
Parent: #107
قول على أطروحات بروفيسور عبد الله وأطروحات دكتور الخاتم (5)
صدق من قال : " أسهمت بالوعي "
إن شراكة الوعي أعظم الهاربات حين يجتمِعنَّ في لقاء الأبكار. فيخضرّ الزمان بالقول " الثقيل " من كثافة ما تحملون سادتي ، هذا الملف يتألق حين يعرج في سماوات ليس لسكانها من أفقٍ يحُدّهم ، ولا حوائط تُكسر آفاقهم . هنيئاً لنا بكم جميعاً . والشكر موصول للبروفيسور عبد الله علي إبراهيم للخطاب المُميز ودقة رسم الأفكار ، خبرة لا غنى أن نكون في إهاب الأحياء نسير بين الموتى المُتألقين بكتاباتهم ، وها هي غبار خيولهم تُطلّ ، اختلفنا معهم أو اتفقنا فقد أثاروا فيها حفز القوس وسهام الفكر . وليعلم الجميع أن الكثير من الذين يقرءون ولا يستطيعون المشاركة ... هم بأرواحهم هائمة بيننا ، وحضورهم نراه في حركة الملف ... هذا سماء باهر .... وقد عبرنا من بين أقطارها بتيسير يشبه هذا العصر .
ونواصل
*
|
Post: #111
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 02-27-2011, 08:58 PM
Parent: #110
الدكتور طلعت الطيب لك وعليك السلام
أفهم جيدا مقاصدك ورؤاك النيره كما أعرف جيدا أنك لا تدافع إلا عن قناعات محصتها ورسخت فى ذواتك ونويت إبرازها وأعرف إيمانك بالتعدديه الواعيه وبعدالة لا عرج فيها وأعرف دعواك للتنوير واسلتهام الخبرات الإنسانيه وتراكمها فى سيمفونية تستجيب لأحلام الكل وتحقق مطامع الكل وتحقق مجتمع فاضل وأعرف أنك لا تدافع متحيزا للخاتم ولكن أعرف أنك آت بما تراه ولا ضير فى ذلك ولا ضرر بل حراك ينعش روح السجال الفكرى المطروح عله يكون نواة لبنيان فكرى شامل وشامخ والشكر لك والسلام.
منصور
|
Post: #112
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 02-27-2011, 11:47 PM
Parent: #111
الأستاذ بدر الدين احمد موسى
لك وعليك السلام وأنت تبحر بمهارة الملم الواقف على حقائق ذلك البحر المعرفى الطامح مسلحا بكل أدوات الغوص والإبحار ومعك نتابع كل ما تطرحه وتبذله فى هذا الخيط وأنت تعمل بهمة النحل وصبر النمل وتسير بحس الجمال فى التيه وما أدراك ما سر الجمال التى أبدع الخالق فى إيداع الأسرار فيها عزيزى نريده دوما فكرا خالصا سائغا وكما قال الكتيابى (عصير كهرباء) كخراج النحل فيه شفاء لآهات الناس وأهوالها.
منصور
|
Post: #113
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 02-28-2011, 09:54 PM
Parent: #112
الشقلينى يا ذاك الحارص حرص الأنبياء على بث المعارف إلى الناس فى أسمى وأنضر رقائق للغة النضاحة والفواحة بالعبق المريح أبدا لا تتأخر خيولك ولا قراطيسك ولا الأقلام مهما كانت الوهاد والبوادى والأحراش وحلكة الليالى وتواتر المشقات- فدوما هنالك حاضر وباذل-التحية لك والتحيه للأسره الكريمه وسنظل وسيظل القراء على أمشاط صبرهم يتاوقون لقدومك الخريفى الهطال ولـك الشكر.
منصور
|
Post: #114
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: munswor almophtah
Date: 03-01-2011, 07:49 AM
Parent: #113
لمزيد من القراءه ومزيد من الإضافات نجعل البوست فى متناول اليد للجميع متصدرا وجه المنبر.
منصور
|
Post: #115
Title: Re: ماذا كتب الخاتم عدلان عن تزييف عبد الله علي ابراهيم لمواقف عبد الخالق محجوب؟
Author: طلعت الطيب
Date: 03-01-2011, 03:32 PM
Parent: #114
[QUOTE]1- لا يملكون وسائل الانتاج 2- لانهم يبيعون قوة عملهم للحصول على نصيبهم من الثروة الاجتماعية 3- ان نصيبهم من الثروة الاجتماعية ضئيل جدا مقارنة بالطبقة المالكة لوسائل الانتاج
في هذا العصر نجد العامل في طلمبة البنزين يتعامل بالكمبيوتر, فهل ذلك سبب كافي لنسميه طبقة وسطى, كما يريد ان يفهمنا الخاتم? في هذا العصر اذا دخلت في شركات الادوية او حتي السيارات ستجد ان اغلب من يعملون هناك من حملة الشهادات العليا في العلوم المرتبطة بالصناعة, وقد لا تجد اي انسان في شركة كاملة, بمؤهل اقل من دبلوم متوسط الا البواب! فهل نفهم مع الخاتم ان هؤلاء ليسوا عمال, وانما طبقات وسطى? لا, هم عمال. لانهم يبيعون قوة عملهم سواء اكانت عضلية, او ذهنية, ويحصلون على نصيبهم من الثروة الاجتماعية بناء على ذلك, ويعتمدون على شيكات اخر الشهر لتصريف حيواتهم, وما يتلقونه من ماهية نسبة مخجلة مما يعود للشركات من عوائد واربحا خرافية. وفق تعريف لينين, فالمهندس والطبيب والاستاذ الجامعي والموظفين كلهم عمال لانهم يعملون في اماكن عمل هم لا يملكونها, وانهم هناك فقط لانهم يبيعون قدرتهم على العمل, ويحصلون على نصيبهم فقط كتعويض لجزء مما قدموه. |
الاخ بدر الدين ارجو الا تنزعج من نقدى لاقتباسك اعلاه وتجنح للاساءة مثلما فعلت فى مرات سابقات ! الاقتباس اعلاه يوضج اشكالية حقيقية فى تعاطيك مع مفهومين اساسيين فى الماركسية ، اولهم تعريف الطبقة العاملة ، لان الطبيب او اى تكنوقراط يمتلك وسائل عمله لا يمكن تصنيفه فى اطار الطبقة العاملة ، ومن المعروف انهم يصنفوا ضمن ما عرف (بالبرجوازية الضغيرة) ذلك التعريف الهلامى الضار رجاء لا تحاول ان تتنصل من مفاهيم ماركسية اساسية وذلك حتى نستطيع ان نتحاور ونفيد القارئة !! الشىء الثانى هو اعتقادك او اتهامك للمرحوم الخاتم بانه لا يفهم ماهى الطبقة العاملة !!! وذلك استنادا الى مفهوم (التاريخية النسبى) واعتبار ان عمال القرن التاسع عشر يختلفون عن عمال اليوم وهى ظاهرة تصب فى اتجاه نقد افكار ماركس نفسها وليس فى فهم الخاتم المغلوط كما تعتقد ! محاولاتك تتنقض مع مفهوم الجوهرانية القائم على مفهوم الطبقة العاملة كمسيح مخلص وهو ما كان قد تطرق اليه الخاتم فى رائعته (ان اوان التغيير)
|