الهُدهودة الموؤودة انفاساً وجسدا..

الهُدهودة الموؤودة انفاساً وجسدا..


05-26-2008, 06:41 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=160&msg=1211823681&rn=0


Post: #1
Title: الهُدهودة الموؤودة انفاساً وجسدا..
Author: مؤيد شريف
Date: 05-26-2008, 06:41 PM

الهُدهودة الموؤودة انفاساً وجسدا
مؤيد شريف
ما تنشأنا عليه في السودان أن المرأة هالة من قداسة تمشي علي قدمين ، يُحرم أن تُنتهر أو تُمس مساً خفيفا. والانصار من أهل السودان علي وجه التخصيص يعرفون نعتاً للمرأة بـ(الشريفية) يزيدُ من وقارها ويرفع من مكانتها ويوجب احترامها وتقديرها . وحالة "التقديس" هذه لا تتصل أو تُوقف بعمرٍ قد بلغته أو مكانة علمية أو اجتماعية قد تحصلتها أو حتى نسباً قد عُقد لها ، انما هي حالةٌ مبدأية وتربية متوارثة وسلوك راتب ، فهي من حيث هي مخلوق كريم وسامي في تنحيه عن الرجال يستوجب الوقار والتحسب لمشاعره والايفاء بحقوقه .
والدنا ، علي ما كان يتصف به من هدوء وحلم وروية ، أفاء الله عليه من وفير ظل رحمته ، لم يك يتبدى الشرر من عينيه سوى أن جاءته (شريفيته) الصغيرة باكية تشكو من أحد منا تجرأ "وداس ليها علي طرف" فهي عنده ، وكل النساء ، وكما علمنا ، (نعمة من الله) والنعمة لا (ترفس) ولا تُضام ، بل تُرعى باحسن حال ؛ اذ هي سرٌ من أسرار الخالق وقد برأها شفيفة يكاد الضوء أن ينسل من عليها لما وراءها . وهي نبتةٌ دُعينا لريها وانباتها فغداً لجذعها فروع ولظلها متفيأين .
وتتبدى مكانتها عند أهل السودان حتى في مسماها ؛ فهي عندهم (الآمنة) ولا يجوز أن تُمس سلامتها عاطفة أو جسدا ، وهي( ست الجيل ) لما تقطره من حكمة وفطنة ، وهي (الملكة ) لما تحوزه من روح للقيادة ومطلوباتها ، وهي (النعمة) بأن سخرها وألهمها الله أن تنعم علينا بنعم البنين والبنات ، وهي (الحياة) فان توارت وارتحلت خلفت وراءها ضياعا واضطرابا يصيب بنيها وحزناً مقيما عند محبيها .
ما نشهده ونعاينه هذه الأيام من حوادث غريبة وظواهر شاذة وتفنن في ابتكار طرق الاعتداء علي المرأة وامتهان كرامتها يؤشر أول ما يؤشر الي انهيار منظومة القيم والتي كانت تمثل دعامات مهمة في عملية حفظ توازن وسلامة المجتمع ، كما أن الأزمة الشاملة والتي تعيشها بلادنا في مستواها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والاخلاقي ....لا تنفصل عن ما نشهده من تراجع وتحلل في القيم الفردية والجماعية . فما الذي يمكن أن ينتجه واقع للعنف والتحارب والتقتيل وثقافة لاراقة الدماء غير مثل هذه الظواهر المستحدثة والصادمة ؟؟
الطفلة ، الهدهودة الصغيرة والطفلة العمين والتي أسلمت روحها بعد أن تخلى المجتمع وتخلينا جميعنا عن واجبنا في التنوير واقتلاع الظلام بجهالاته ،، أسلمت روحها بعد أن زُفت طفلة لاهية ولاعبة لمسخٍ أسموه "عريساً" وما كان في حقيقته سوى مصاصا للدماء ونهابا للارواح .... أحتبست انفاسها بيديه وأحكم خناقها آثماً حتى جحظت احدى عينيها وكأنها أرادت أن تقول لنا : ما بال أعينكم في مواضعها ولا ترى ؟؟
ومن قبل الهدهودة الموؤودة انفاسا وجسدا كانت سناء الموسومة ظلما وعتها ، وقبلها طفلة مختونة خلسة ونازفة وموؤودة ايضا ،، ومُرام التي هزت مأساتها النفوس.... وما خُفي أعظم ....
توالي وتتابع هذه المآسي يدلل علي أن المجتمع والذي كنا نفاخر به لم يعد هو ذاته . وما يسميها د. ابراهيم النور بـ (الحضرية الملتبسة) فعلت فينا فعلتها ولازالت تفعل ،، وعملية (ترييف) المدينة وافراغ الريف من ساكنيه مستمرة ومضطردة الزيادة ما ينبئ بأن القادم أسوء من الخالف ، والمدينة عندما تنوء بحملها وتحوي فوق طاقتها واحتمالها من البشر ومحمولاتهم المنقولة والمكنونة لا تنفجر أنابيب صرفها ومياهها فقط ، بل تنفجر فيها أولا حزازات الطبقية ومظالم المحرومين وأخلاق قاطنيها ..وقبل أن تفيض مجاريها بالمياه الآسنة تفيض روحها ويسكنها الشيطان .
السلطة التي تتعامى عن أزمات الناس وكربهم الشديد وتنصرف لملهاتها وتشتغل بامتيازاتها هي سلطة آثمة ومُوجدة للمآسي،، المجتمع الذي يكتفي بالفرجة والونسة ولا يحرك ساكنا من تلقاء نفسه مجتمع آثم ومساهم في المأساة ،، الفتاة التي تتخلى عن حقها في التعليم لتُزوج قاصرة آثمة أسرتها في حقها وحق أطفالها من بعدها ،، الأسرة التي تشوه بُنيتها ختانا آثمة في حق بنيتها وحق زوجها وحق ابنائها من بعدها ،، الأسرة التي تعرضُ بُنيتها سلعة في (سوق الله أكبر) لمن يدفع أكثر آثمة في حق نفسها وحق بُنيتها وحق اطفالها من بعدها ....