الوقوف على قبر الأيام

الوقوف على قبر الأيام


05-26-2008, 09:25 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=160&msg=1211790329&rn=0


Post: #1
Title: الوقوف على قبر الأيام
Author: فدوى الشريف
Date: 05-26-2008, 09:25 AM

كفوا عن الضحك..لقد مات سند

اسحق أحمد فضل الله *

لما مات (جاك لندن) أشهر كاتب انجليزي وقتها اكتفت أشهر صحيفة هناك بلقطة فوتوغرافية للنعي.
على صدر الصفحة الأولى كانت هناك لقطة لشباب يضحكون..وعجوز تنظر اليهم في سخط وهي تلوح بالصحيفة التي تحمل خبر وفاة جاك لندن.
والعجوز تقول للشباب:
كفوا عن الضحك..لقد مات جاك لندن.
لكن الخرطوم لم يكن فيها من يصيح بالناس أمس..
كفوا عن الضحك لقد مات سند.
قبل شهر كان من يسألنا عن عمرنا نجيبه بأننا..
نحن من الجيل الذي رأى برعي أحمد البشير وهو يلعب..ورأى قاقرين والأسيد والدحيش..وجكسا..وطه حمدتو الذي يجعل اذاعة المباريات فناً لم يجد من يقلده حتى الآن..حتى التقليد مستحيل.
ونحن من الجيل الذي رأى سيد خليفة يغني أسراب الحسان..وابراهيم عوض ووردي..ومن يقدم سهرة مع مجموعة من المعلمين..والمعلمون جاءوا يودعون زميلاً لهم لهم يعتزل التعليم ويحترف الغناء مثلما فعل وردي من قبل..والمعلم هناك يصعد المسرح ويغني..ويبدع..وكان يغني (الأمان)..وكان اسمه مصطفى سيد أحمد.
وكان علي المك يكتب (ملك من القش) والطيب صالح يكتب موسم الهجرة..ومحمد المهدي المجذوب يكتب المولد..والحسين الحسن يكتب آسيا وافريقيا والزعامات يومئذ..أيام الأحلام لها كل صفات الخمر..حتى الهذيان والطرب والصداع والقئ..والزعامات كانت عبدالناصر وسوكارتو وتيتو ونهرو ونكروما و..و...
وكلهم سوف يتحول ليأكل المسلمين في ما بعد..لكن الحسين الحسن كان يغني ويكتب آسيا وافريقيا..ويغنيها الكابلي والإغنية السياسية هذه تصبح أشهر أغنية شعبية..كان الناس يفهمون.
ومحمد المهدي المجذب يكتب..

وليتني في الزنوج ولي ربابا
تميل به خطاي وتستقيم
وأكراع في المريسة لا أبالي
وفي حقوي من عقد نظيم
طليق لا تقيدني قريش
باحساب الكرام ولا تميم

والناس يطربون ومن لم يسكر لهذا فلا سقاه الله من خمر الجنة..فان الفصاحة يبلغ اكرامها عند الله درجة انه سبحانه ينزل قرآنه بها.
في الأيام تلك عرفنا..سند.
وأغرب ما كان في المعرفة هو أننا نطرب..لأننا لم نفهم..مجرد زلزال الموسيقى في شعر سند كان يجعلنا شيئاً تأخذه الجلالة ويصيح:حي قيوم
وذات صلاة عصر فوق البرش في الداخلية كنا نقع على قصيدة لشاعر لا نعرف اسمه..اسمه سند:
بيني وبينك تستطيل حوائط
ليل وينهض ألف باب
بيني وبينك نستبين كهولتي
وتذوب أقنعة الشباب
ماذا يقول الناس اذ يتمايل..
النخل العجوز سفاهةً
ويعود للارض الخراب
شبق الجروف البكر للامطار
حين تصل في القيعان رقرقة السراب
بيني وبينك سكة السفر الطويل
من الربيع الى الخريف.

في الاسبوع الماضي ندخل سرادق العزاء على المرحوم ابو العزائم وتأتي سيرة برعي أحمد البشير ليقول أحدهم:
هسع كان هنا..!
وتدور بنا الأرض!!
وفي اليوم ذاته يموت محي الدين فارس
وبعدها باسبوع يموت سند.
وأول التسعينات في رحلة الى مروي كان سند وفارس شيئاً غريباً
محي الدين فارس المريض يومئذ يجعله سند (ابنه المريض العزيز) يدللـه ويخدمه ويقدمه..ويطعمه .. و ..
وعلي المك يكتب ايامئذ عن صاحبه عبدالعزيز محمد داؤود ليقول آسفاً.
ولما كنا ندفن عبدالعزيز كان هناك..قريباً من المقابر حفل مضاء يضج ميكرفونه بالغناء.
وليلة أمس الأول تشرع اذاعة مسموعة في نعي مصطفى سند..ثم يثقل عليها الأمر فتذهب للاحتفال بمرور عامين على وفاة ابراهيم عوض الذي مات في نفس اليوم قبل عامين.
والإذاعة تنطلق وتطلق سيلاً من أغنيات ابراهيم عوض بدعوى أنها تحتفل بوفاته!!
غناء..في يوم وفاة سند!
ما أكذب من يقول إنه يبالي بك.
مهما كان.
يا أيها الناس..كل الناس..ما أكذبكم.
وما دام عبدالعزيز محمد داؤود وسند وفارس والمك وصلاح عبدالصبور ومصطفى سيد أحمد والمجذوب..و..و..
ما دام هؤلاء قد ماتوا..فأين هم الناس.
نحن عشنا إذن أيام كان الناس..ناس.




* من صحيفة "آخر لحظة"

Post: #2
Title: Re: الوقوف على قبر الأيام
Author: NGABY AJOOZ
Date: 05-26-2008, 09:34 AM
Parent: #1

صباح الخير استاذة فدوي


Quote: ما دام هؤلاء قد ماتوا..فأين هم الناس.
نحن عشنا إذن أيام كان الناس..ناس.

]

مع مودتي

Post: #3
Title: Re: الوقوف على قبر الأيام
Author: فدوى الشريف
Date: 05-26-2008, 09:39 AM
Parent: #2

NGABY AJOOZ

صباح الورد والياسمين

رحمهم الله مبدعي بلادي..

ذلك الجيل..لن يعود

كم تبقى منهم!!