|
ترومبيلو الملك..اهانات شخصية الى سيارة
|
ترومبيلو الملك..اهانات شخصية الى سيارة
انظرها من النافذة ، رابضة بين خطين متوازيين من الطلاء الأبيض ، خافضة اضواءها مثل عيون ماكرة مسترخية فى خفر و دعه ، او هو الخمود الذى ينتظر لحظة الأنعتاق ، من خلال زجاج المقدمة ارى شبح مقعدى يلوح مثل مركب خلاص فى انتظار ربانه ، و هى ساجية على عجلاتها السوداء الأربع مثا ل للبراءة الكاذبة ، تخفى تحت سطحها الصقيل روحا متمردة شريرة...
سيارتى ، متعددة الأوجه و الألوان و المزايا ، تعلمت على يديها ، البذاءة و الصفاقة و قلة الصبر ان لم يكن انعدامه ، و الضجر و التعالى و التباهى ، و الأنانية ، و الأحتقار و قواعد السباب ، و الضيق بالناس من سائقين و سابلة ، تعلمت العجلة و الشفقة ( بالمعنى السودانى) ، و الفقر و الأفتقار ، و الخضوع ، و الخوف و القلق و القتل و السحل ، و الفلسفة ( بالمعنى السودانى) ، و الزواعه ، و الصياعة و بعض قيم لا اسماء لها و لكنها قطعا سالبة . شاركتنى فيما املك و لا املك ، فى الذى اكتسبته و الذى سيأتى ، من المال و الصحة اننفسية و الجسدية و العقلية و الجنائية ، حملتنى الى أماكن ما وددت حتى المرور عبرها ، عصفت بعصبى و حنانى و هى تقف دون سابق انذار فى نهار قائظ او تحت عصف الجليدلا تحير حراكا ، فى اكثر المناطق و المواقف حرجا و فى الوقت الذى تكون احوج ما فيه اليها ، اقترضت من عزيز مالى و مال عيالى حتى تسدد ديونها للحكومة الفدرالية و الولاية و المقاطعة ، تجلس معنا على المائدة تأكل اكثر مما نأكل ، تؤمن على حياتها تأمينا شاملا و نحن اسرى اوجاع الأضراس لا نملك فىء قلعها ،ليس لنا الا ان نجلس و ايادينا تحت الفك مثل صورة ( مالكوم اكس الشهيرة ) ، ندفع حين تصر على ( البركنة) فى الأماكن المحظورة و ذات العداد الرقمى المؤقت ، و ندفع حين يلتقطها رادار الشرطى المدجج و هى تسرع الخطو فرحة بالطرقات الخالية المعبدة ، ندفع حينما يهل الربيع و يجوزلها التبرج و الأغتسال ، و حين تتوق للترويح ، نشترى لها الراديو و الساوند و المسجل و ملعب الأقراص، ثم ذلك الدب القمىء يحرك رأسة فى بلاهة عبر الزجاج الخلفى ، ندفع حين تنحسر الزيوت بألوانها القرمزية فى مواعينها ، تحاسبنا على التبريد فى الصيف و التدفئة فى الشتاء دون رحمة او شفقة ، ثم نعززها بتكنولوجيا الأنذار المبكر خوفا من سرقتها . حرون ، مسيبة للركب ،معينة على التعب ، داعية للكسل ، تحث على فاحش الغزل ، تحض على فاحش القول و العمل ، تقودنى و لا اقودها ، تسوقنى و لا اسوقها ، عشقتها و ادمنت عشقها ، وهى مع ذلك متوفرة للسلفة و الأستلاف ، لكل من يتوطأها، و منها ما يستأجر ، و ما يكترى و ما يشترى و لكنهن يستعبدنك و لا تملك ان تتأبى !!! سببت الناس و انا على متنها دون حرج ، ودون شعور بقلة احترام لنفسى ، و هى تحرضنى فى خضم هذه الشجاعة العارضة،ان العن سنسفيل الناس دون تمييز ، شرفاء فى طريقهم الى اعمالهم و صفتهم بالبلادة و انا لا اعلم صدق ما ذهبت اليه ، و ارمى بنظرات الأزدراء صفوف الواقفين فى انتظار البص او حتى الذين يهمون بالعبور. و قد كان لى صديق ، يحمل مرافقا له كل يوم فى سيارته، يؤنسه فى رحلة ذهابه و أيابه من الحلفاية الى الخرطوم ، و كان ان تقمصت روح الركوبة الشريرة و عظمتها الوهمية الرفيق ، فظل كل يوم يصيح و العربة منطلقة يعاكس الناس فى بعض مناحى شمبات الحلة ، وكانت منهم فئة تعمل فى تحميل جوالات الفحم ...ياخى ما تمشو تغسلو جلاليبكم دى ، لا يفيق القوم من الدهشة الا و السيارة قد سبقتهم بفراسخ ، و كان ان ضاق صديقى ذرعا بسلوك الرفيق، فما كان منه الا ان اوقف العربة بدعسة واحدة على الفرامل امام عمال الفحم بمجرد فراغ الرجل من كيل السخرية ، ترجل عن سيارته فى هدوء ، و اشار الى القوم...اها ده الزول..امسكو دقو ....و غنى عن القول ان القوم دعكوه فى ( حتراب الشواويل) حتى انسدت مسام جلده عن العرق. و قد غنت البنات و اطلقن الزغاريد فى وصف امجادها و امجاد قائدها ( سايقا صلاح...سايقا صلاح) ، و كتبت على صفحاتها ( يا صلاح اااخ) ، و احتمى فى داخلها ( الهسبان) خشية الكشة فكأنها اذن عمل ، و فى الأيام السبتمبرية النميرية ، تحولت الى مضاجع متحركة ،و سدت الطرقات فى اوقات الذروة ، و اثارت الغبار و العفار ، و اتخمت رئات الناس بالكربون و اكاسيده و غير قليل من المعادن ، و عبد البعض منا التايوتا ، و تحدث البعض بأجلال عن ( البنز) وأهتزت قرون الأستشعار عند النساء حين رؤيتها ، فأخذهن الرجال سبايا، و اكتفى بعض الناس بمجرد رؤيتها و حتى ملامستها عوضا عن ليلى علوى ، فوجدوا فى ذلك لذة و اكتفاء. تم اننى حننت الى عصر ( المشاققة) ، و عهود سير المسافات الطويلة ،و قولهم ( قد بى هنا) ،ثم و انت واجد نفسك فى ( سوبا) بسبب هذه ( القدة) ، حتى و لو بدأت مسيرك من الكدرو ، لا عليك بالأشارات الحمراء ، و لا التأمين و دون ترخيص ، و دون ان تكتح بالتراب عباد الله الغافلين ، المستحقين و غير المستحقين ، و دون ان تختطف فى طريقك بعض الشباب الربة من نواحى سعد قشرة ، و المحطات الأواسط ، و لن تنتهى رحلتك الى جخانين يعلم الله وحده مواقعها ، عوضا عن سوبا و الناس هنالك ( راجينك) بالغدا..حمد جا ....حمد ما جا!!!! كنا موفورى اللياقة ( انظر افلام ثورة اكتوبر)، حتى اتى علينا دهر لا ندخل الحمام فيه الا على ظهر سيارة ، و تعلمنا تداول ( ماشة كم) ، و ( دايرة تونب) ، و تغالطنا فى الأحسن ( يابانى ة لا امريكى ؟؟؟) ، و فحطنا و ( دبلنا الجاز) و ربطنا الكوز..ليتنا !! و قتلنا احاسيس السمع بالبورى و مستخرجاته اللحنية و على مقدمة قائمتها لحن...باظ الجزيرة وصل. اما مبلغ عشق السيارة فقد تجلى عند زيارتى لجار عزيز فى سابق من الزمان ، جلسنا فى الحوش الذى تقف فيه سيارته ( متكلة) بالطوب ، انسلخ عنها الطلاء و تساقطت اجزاؤها فتحولت الى لغز ، كانت كأنما سحبت لتوها من ميدان القتال فى بيروت الغربية ، الا انه يجيبك ان سألت ، و ابتسامة تنضح بالتفاؤل و الثقة ....دايرة اسبير بس!! ذلك اشبه بقصة اللورى الكسلاوى الذى لم يبق منه غير العظم ، و لافته فى مؤخر صندوقه تقول..نتشة و تدور. و قد اصابت صديق لنا يعمل فى فندق كبير بنيويورك لوثة، كل ما عليه عمله ( بركنة) سيارات النزلاء ، فلم يعد لديه حديث عدا السيارات، فى مجالس الأفراح و الأتراح ، اتقن طريقة تحويل مدار الحديث الى موضوعه المفضل ، يسرد حكاياه بالتفصيل و محاكاة اصوات المحركات و الكرعرع ..جيجينق...جيييييك و هكذا وهكذا. ثم اننى أخذت اسرتى فى صباح عطلة نهاية الأسبوع الرائق ، و عند المدخل او المخرج المعين من ( الهاى واى) ، تبادلت و سائق آخر بعض اشارات النوايا السيئة ، و بعض طقوس الشجاعة العابرة..انا كان لميت فيك...فما كان من النذل الا و ان لجأ الى ( حركة الأصبع) ، و كاد الأمر ان ينتهى عند ذلك الحد ، لولا اننى رأيت زوجتى تدفن وجهها فى يديها توارى سعادة شماتتها في شخصى ، أو هكذا هيأ لى تفكيرى الأتومبيلى وولعه بنظرية المؤامرة ، فما كان منى الا واستدعيت كل مهارتى القيادية فى ( يوتيرن) تاريخية ، حتى سمعت سيارتى تضحك خبثا و غبطة ، و اسرعت كالبرق اطارد المأفون ، حتى اصاب الرجل الرعب من ردة فعلى و كأنى به يقول ( اصبع ما بستاهل التلتلة دى كلها) ، و بعد مطاردة خمسة اميال استمعت بها كلا السيارتين ، تبين لى اننى بسبيلى الى احد فرضين، السجن او مزيد من الأذلال و السخرية ، او اسوأ الفروض ، القضاء على جميع افراد اسرتى و انا من بينهم ، طلبت من زوجتى ان تعتذر عن جرح مشاعرى ، فلم تفعل ، و لكنى اخذت سكوتها بعد ان شبعت ضحكا بمثابة الأعتذار ( الزوجات عموما لا يعتذرن) . و الأن و مع كل مطلع شمس ، اتجه بنظرى الى لافتات اسعار محطات الخدمة ، لا ارى غير ارتفاع متصل فى أسعار الغاز ( البنزين للناطقين بغيرها) ، ارقب شوكة العداد متكئة على حرف ( الأى) ، و لا امل فى انفراج ، و لكن للملاكى سحر و عشق لا يقاوم.
|
|
  
|
|
|
|
|
|
|