مخلب الليالي الضليمة

مخلب الليالي الضليمة


05-01-2008, 12:27 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=160&msg=1209641252&rn=0


Post: #1
Title: مخلب الليالي الضليمة
Author: عبد الله الشيخ
Date: 05-01-2008, 12:27 PM

هنالك وهنالك.. نسر بشع وقبيح.. يتغذى على شقاء الناس.. أقلق منامهم.. وأكل لحومهم, وشرب دماءهم.. وكان يخطف أحلامهم.. و" يطبزها " في عينها!.
وفي ليلة من الليالي الضليمة اختطف النسر القبيح صبية يافعة.. باذخة الحسن.. أغراه جمالها.. فأراد أن يقتلها مرتين..
لم يأكلها.. لكنه أسرف بها.. وأنجب منها مخلوقاً.. كان المخلوق مسخاً.. في شكل نسر, وفي شكل إنسان.. كان كائناً مخنوقاً بالعصاب.. تتفاقم في داخله عقدة لا تحلها كل الطقوس..
ورث عن أبيه طبائع القبح.. وحب الأذى.. وبالتعالي والضعف.. كان يضرب فريسته ضربة الخوّاف.. ويقهقه ضحكة المطعون في الفؤاد.. يتلصص في هجعة الناس.!
أهلك الحرث والنسل والمصانع.. ومسخ المدارس والجامعات.. وشرّد الأسر الآمنة, وأشعل النار في الرواكيب البعيدة.. وأغلق أبواب المستقبل! وسدّ طُرق الهجرة على المقهورين.. ومن نجا منهم تسلل إلى خلاء النزوح والمعكسرات وبلدان الصقيع..
تظاهر الناس ضده.. فتفرعن.. رموه بالنبال, وما قتلوه.. حاصروه فجاعوا أكثر.. استنجدوا بأصدقاء الإنسانية فزاد عليهم مساحات الحرائق والدمار..
حار الناس من أمرهم حيرة كاملة.. جف ماء النيل بالأكاذيب والإشاعات.. أظلم القمر من الكيد وسوء الطوّية.
وذات فجر جاء من أقصى المدينة رجل يسعى بالبشارة.. أوصى الناس بالمزيد من الصبر.. وأوصاهم باحتمال الأذى, وأنّ الله لا يضيع أجر المحسنين..
وما أن ظهر الرجل الحكيم, حتى بدا ذلك المخلوق في الذبول والبهدلة.. كان يطير عالياً فوق الجميع.. يخمش بمخالبه الخدود.. يتلذذ بالقتل ويستحب دموع الضعفاء..
صبر الناس عليه عاماً, فعامين.. فعشرة.. فعشرين.. والحكيم يشحذ خيالهم بأن الفرج قريب.. علّمهم الحكيم أن يقتسموا النبقة.. وأن يغذوا أرواحهم بالأمل.. أوصاهم أن يتركوا المخلوق لشأنه.. استغرب الناس النصح حين قال لهم الحكيم: كما تُدين تُدان..
قال لهم: أتركوه لشأنه.. لكن سيضركم.. ويضر نفسه أيضاً.. وقد كان.. زاد ذبول المخلوق الغريب القبيح.. المصاب بالعصاب.. وصار في علالي قصوره - الصخور – يضرب بأجنحته جدران الوحدة والوحشة حتى نتف ريشه وتعرى..
وبجسد هزيل.. وحقد على الحياة.. زحف إلى جمع الناس، الذين تحلقوا حول الحكيم.. زحف.. وزحف.. وزحف.. حتى (سهك) مخالبه التي قتلت آلاف الأرواح – ناوش الناس.. فشاحوا وجوههم عنه.. وقد كان غاية ما يتمناه أن يغرس أحدهم في جوفه عوداً..
وكان الحكيم يقول لهم: لا تقتلوه.. أتركوه يقتل نفسه.. ويلاقي الله بها.. وبأرواح ضحاياه..
وهكذا.. ظلّ المخلوق حياً.. لا يطير ويتعالى كما كان في أيام الصبا.. ولا يموت فيرتاح من عُقده الحازمة.. ويريح الناس من قبحه وأقواله وأفعاله..
وكان يزحف.. ويناوش.. ويزحف.. آملاً في أن يقتله الناس..
ولكنه في خضم الزحف سهك مخالبه.. وظل يبكي.. فقد فقد الريش.. وفقد مخالبه التي كان يصرع بها ضحاياه..
أخيراً بكى المخلوق الغريب بحرقة أكبر.. لأنه فطن في خاتمة المطاف أنه افتقد الوسيلة التي كان يمكن أن يقتل بها نفسه.. وأنه أضاع على نفسه فرصة الاستفادة من مخالبه لراحة نفسه في مثل هذا الظرف العصيب..!!
وظل المخلوق الغريب حياً.. كميت.. وميتاً كحي.. لكن القصة لا يمكن.. لا يمكن أن تنتهي!..