د. ناصر منعم منصور: طه بعشر... حتي لا ننسى !!

..

طه بعشر...حتي لا ننسى !!

سيبقي اسمي البروفسور طه بعشر و البروفسور داوؤد مصطفي محفورا في تاريخ هذا البلد كعلامة مشرقة و مضيئة لكل من يتطلع الي التاريخ الاجتماعي للسودان؛ و كمثال و لا ابلغ للعفة و التفاني و عدم الخوف من فقر مجحف بدّل اخلاق اجيال كثيره نهلوا من معينهم؛ اي بعشر و داوؤد مصطفي.

حملت الاخبار مرض بروفسور طه بعشر؛ الذي تجمعني مع اسرته الفاضلة اواصر صداقة عتيدة جمعتني بهم لاكثر من خمسة عشر عاما ؛ عرفت خلالها هذه الاسرة، التي قدمت للسودان الكثير من علمها و وقتها بغير ملل و لا كشر عن قرب، و سمحت لي ان اتعلم من هذا الرجل معاني كثيرة؛ غابت عنا و عن زماننا الحالي من سمو و ترفع.

و لد بروفسور طه بعشر في ١٩٢٣في بورتسودان من ابوين مزيجين بين الشكرية و البجا و كان والده شيخ ورع ؛ حافظ للقرأن و لم يمانع ان ينحي ابنه الي خط تعليمي مختلف عن التعليم الديني.

تخرج بروفسور طه بعشر في كلية الطب جامعة الخرطوم في ١٩٥٠ و عمل في مناطق مختلفة من السودان بما فيها جنوب السودان كطبيب عمومي. ابتعث الي برطانيا للتخصص في الطب النفسي بعد ان اختاره التجاني الماحي الذي يعتبر ابو الطب النفسي في السودان.

اسس طه بعشر قسم الطب النفسي في مستشفي بحري في اواخر الخمسينيات؛ ذلك القسم الذي عرف بإسمه و ذاع صيته انحاء السودان، كما كان له القدح المعلي في تأسيس قسم الطب النفسي في مستشفي الخرطوم و تدريب مئات النواب.

تقرب طه بعشر من الصوفية لرفع ادراكهم باهميه تحويل المرضي النفسيين للعيادات في مستشفي بحري و الخرطوم؛ و يؤثر له انه اول من قام بدراسة لمعرفه تأثير التهجير علي اهالي حلفا القديمة.

عمل بروفسور طه بعشر خبيرا لسنين طويلة في منظمة الصحة العالمية و مكتبها الاقليمي بالاسكندرية واضعا اللبنة الاولي لموجهات العلاج و الدراسات الاحصائية اللازمة لذلك في منطقه الشرق الاوسط.

آمن طه بعشر و بروفسور داوؤد مصطفي بعلاج الناس في المشافي الحكومية لا غير؛ و سيحفظ التاريخ لهما هذه النظره المتقدمة لاسمي معاني العدالة الاجتماعية ؛ يفحصون الناس بمختلف الوانهم بلا مقابل و في كاوتش واحد، انتفت فيه اي طبقية ؛ و لو الي حين. و حتي عندما ضاقت المعايش بالناس في ظل هذه الحكومة تمسك طه بعشر و داوؤد مصطفي بعدم فتح العيادات الخاصة ، مؤسسين لصفحة جديدة من اخلاق المهنة ضمت قليلين كمكي الازهري، الذي كان اقدم اخصائي في وزاره الصحة السودانية في اخر التسعينات و لم تكن له عيادة و كان يمتطي المواصلات جيئة و ذهابا ؛ في الوقت الذي امتلك غيره سيارات الدولة بغير حق.

و بروفسور طه بعشر شخصيه لطيفة جدا؛ و الرجل ملئ بحب السودان و حب مرضاه و جرابه ملئ بحكايا كثيرة من فترة عمله في جنوب السودان، و هو هادئ هدوءاً شديداً و يميزه ادب جم؛ يعامل الناس باختلاف درجاتهم ببساطة آخاذة و احترام قل ان تراه . قابلته في زيارته الاخيرة للولايات المتحده في اكتوبر لابنته دكتورة رحاب بعشر و زوجها صديقنا عبد القادر خليفة. كان الرجل و ان بدا عليه كبر بسيط و لكنه كان كما هو هاشا، باشا، و لا زالت تلك الابتسامه الجميله علي محياه؛ تذكرك ان هذا البلد بخير رغم انف لصوص الزمن. سألني ان كنت سأعود عند انتهائي من التخصص ام لا؛ فاخبرته اني لم و لن اتخلي عن فكره العودة الي السودان رغم التشرد و تشتت اسرتي الصغيره في مشارق الدنيا و مغاربها ، و املي في العودة الي بلاد لا يربطني بها غير انتماء غليظ لاناس مساكين؛ لا غير.

يظل طه بعشر و داوؤد مصطفي كتابا منمقا و درسا كبيرا ليس في السودان و لكن للبشرية و اجيالها. داووا الناس ، كل الناس؛ بلا اجر و من غير من و لا أذي؛ في زمن غيبت فيه المادة اخلاق المهنة فاصبح الطبيب `يقاول` مرضاه علي اجره؛ في زمن نفذت الانسانية من مهنة الطب تاركه اياها عارية في ايدي من شوه معناها بالمال و حشف الدنيا.

عافي الله بروفسور طه بعشر و رفعه سليما لاهله و احبته، آمين.

د. ناصر حسن منعم منصور
[email protected]
..

صديقي ناصر

هذا من اجمل النصوص التي قرأتها في الاعتراف بجميل الرجال للاوطان .

ليًكتب الشفاء لدكتور طه بعشر بقدر ما قدم؛ وبقدر ما حرك فيك من مشاعر

افضت الى كل هذه الكتابة الجميلة

لك ودي ...

الاخ عادل
و الاخ ناصر
و حتى لا ننسى
حين كان وزيرا للصحة ......... كان لا يغلق باب مكتبه أبدا ..

الاخ العزيز اسعد

Quote: و حتى لا ننسى حين كان وزيرا للصحة ......... كان لا يغلق باب مكتبه أبدا ..

شكرا لكم وانتم توثقوا لقامات مضيئة مثل الدكتور طه بعشر ..