يا علماء العالم: تريثوا

يا علماء العالم: تريثوا


03-17-2008, 00:35 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=150&msg=1205710549&rn=0


Post: #1
Title: يا علماء العالم: تريثوا
Author: Muhammad Elamin
Date: 03-17-2008, 00:35 AM

يا علماء العالم: تريثوا

بدر الدين حامد الهاشمي
[email protected]

في الأعوام الأولي لسبعينات القرن الماضي سرت الأنباء في أوساط المجتمع الطبي و البيطري بأن إختراع مصل (لقاح) يحمي من داء البلهارسيا في الأبقار ( ومن بعدها الإنسان) علي الأبواب، و أن البلهارسيا ستكون في غد قريب أثرا من آثار الماضي البغيض، و أن أيامها صارت معدودة. و مرت الأيام (ليس كالخيال أحلام كما زعم المغربي و عبد الدافع) و ما زالت البلهارسيا تمد لسانها للجميع في سخرية و تحد. و بالأمس القريب شاهد الناس في قناة العربية أن معدل الإصابة بهذا المرض في اليمن (السعيد) يبلغ سنويا أكثر من مليونين من البشر ، و لا أدري ما هي النسبة في السودان، فلنكتف بالقول بأنها نسبة لا ريب "مقدرة"، مهما تكن للكلمة من معان. و في ذات الأعوام زعم زاعم من ناشئة البحاث في المعمل البيطري بسوبا (و كان حينها كخلية النحل فيما نسمع ممن عملوا به) لصديق له من الصحفيين أنه قام بإكتشاف خطير لا أذكر فحواه الآن، و قام صاحبنا الصحفي – دون أن يتبين- بنشر خبر ذلك الإكتشاف، فكان الفصل هو مصير ذلك الدعي.

و في صيف عام 1983 تصادف أن كنت في زيارة لبروفسير (حقيقي) في ليفربول بإنجلترا، و ذكرت له في حماسة شبابية غرة أن علماء في جامعة إدنبرا الأسكتلندية أعلنوا في الصحف أنهم قد سجلوا نصرا علميا باهرا فيه الفصل بين الجد واللعب، فلقد نجحوا في تصنيع ما قد يصنف علي أنه مصل (لقاح) أكيد للملاريا، و أن ذلك المرض اللعين و الذي يحصد أرواح مليونين من البشر كل عام قد آن له أن يتنحي و أن يصبح جزءا من التاريخ الطبي. و لا حاجة لي للقول، و حتي حين كتابة هذه السطور، بأن مفهوم التنحي ليس واردا عند الملاريا (و لا عند غيرها من الناس و الهوام) ، فلقد مرت أعوام (و كمان عقود) و لا تزال الملاريا معنا، بل إزدادت شراسة و منعة و تبجحت بمقاومتها لكثير من الأدوية (و ليست العقاقير كما يسود بين المتعلمين، فالعقاقير لفظ مقصور علي الأدوية ذات الأصل النباتي). رمقني البروفسيور العجوز بنظرة مشفقة لا تخلو من بعض سخرية و قال ما يفيد بأنه يأخذ هذه الأخبار بقبضة من الملح (with a pinch of salt) و هي عبارة لعلها تفيد أنه كثير الشك في مثل تلك الأخبار المستعجلة. و ذكرت ساعتها الحكمة الشكسبيرية (و الحكمة إنجليزية) التي تقول أنه "ما كل ما يلمع ذهبا"

و الأمثلة لا حصر لها علي تعجل بعض العلماء إبراز نتائجهم قبل الأوان، و الأوان هذا باله طويل و لا يفيد فيه إختصار أو إستباق أو طريق مختصر short cut و التاريخ علي ذلك شاهد

كتبت ما سبق قبل أن أقرأ مؤخرا في الأخبار أن بحثا ممتازا قد صدر من دولة عربية ما قيل أنه "سيحدث إنقلابا علميا فيما يتعلق بمجموعة من الأمراض..."، و دون الدخول في تفاصيل الخبر و تشريحه، و مع تقديرنا الشديد لكل جهد علمي يعمل و يصدر من أي دولة من دول العالم الثالث (لا شك تحت ظروف لا يمكن أن توصف بأنها مواتية تماما)، و دون تبخيس أو حسد أو مخالفة أقصد منها أن أذكر، فإن صياغة الخبر و كلماته تصدم المرء من حيث أنها تبدو مستهلكة مكرورة سمعناها مرارا و تكررا، و لا قبل لمعظمنا بفهم تفاصيلها أو التحقق من صحة مزاعمها، و كل بحث علمي يزعم – في نهاية الأمر- شيئا ما، ينكب عليه علماء آخرون بالبحث و التقصي و الدراسة فيتأكد أو ينفي بعضه أو جله أو كله، و لم نر - نحن عامة الناس- لهذه النتائج التي تصاغ حولها الأشعار و تتوزع التهاني أثرا في علاج أو مرض بعد! و لكن عجلة البحث العلمي تدور و تدور، حيث لا ثابت إلا الثابت (أو كما تقول الدعاية الخليجية: لا طازج إلا الطازج). و "العلم" – و دون تبسيط مخل- كالعمارة الضخمة يساهم كل عالم في بنائها (طوبة طوبة) و يكتفي البعض بجلب الطوب و يعمل "الأسطوات" الجهابذة الثقاة في إرساء الأساسات و الأعمدة، و قد تزال بعض إجزاء تلك العمارة بسبب قدمها أو خطأ في تصميمها و تنفيذها و قد تستبدل بعض أجزائها بأجزاء جديدة، و قد تجدد مرافقها الحيوية بأشياء أستجدت و أستحدثت، مع الإبقاء علي الشكل القديم، و هكذا دواليك... فلم يعد تحت شمس العلم من جديد يهز (حقا) القواعد الأساسية لما تراكم من نتائج و ملاحظات خلال مسيرة طويلة. بيد أن كل بحث جديد هو - دون شك- إضافة و زيادة خير تعمق من الفهم و يساهم في التطور و التقدم.

لا أري داعيا لبث فرحة و نشوة مبكرة في الجمهور المتعطش للحصول علي دواء (أو عقار) يشفي سيئ أسقامه أو يقيه منها دون التثبت ، و بعض هؤلاء يتمنون تحقيق نصر و إنجاز "تسير بخبره الركبان" بعد أن شبعوا من أخبار الهزائم و الإنكسارات و المصائب... و لكن ما هكذا تورد الإبل أيها العلماء: أصبروا و صابروا حتي تصل نتائج أبحاثكم إلي ما بعد مراحل التجارب السريرية و حتي تجاز من قبل الجهات الرقابية. بعدها صرحوا – و في تحفظ شديد- أن هنالك أمل في أن نحصل علي دواء يعالج هذا المرض أو ذاك... و تبينوا، فإن بعض الأدوية حتي و بعد أن تستعمل في البشر لسنين يفأجا الأطباء و المصنعين بأنها قد تحدث ما يضر بقليل من مستعمليها فتسحب من الأسواق، وكم من شركة دواء ضخمة تهاوت أسهمها في سوق المعاملات التجارية نتيجة لسحب دواء تصنعه كان قد جري إستعماله لسنين، و أقرأو ا عن ما حاق بعملاقي الصناعة الدوائية باير الألمانية و ميرك الأميريكية. فلنتريث و نتذكر أن " العجلة تطير" و في رواية " الشفقة تطير".

منقول عن "الأحداث"