حتى لا يذهب سناء عقلك سدى يا سناء/مقال نشر اليوم بالسوداني

Quote: هناك من يتخذ العنف كوسيلة أخيرة للتعامل عندما يعجز عن تحقيق ما يريده ولكن في حالة التعامل مع المرأة يعتقد الكثيرون أن العنف هو الوسيلة الأولى والأخيرة في التعامل، فيصبح العنف سلاحا فتاكا لقهر المرأة وشل طاقاتها الإنسانية. الحسناء سناء ذات السبعة عشر وردة أحالها العنف إلى عباءة سوداء مثقلة بأطنان من الكآبة والحزن تخفي تحتها وجها مشوها وتراجيديا إنسانية غاية في البشاعة. سناء ذات الوجه الصبوح حولتها أوهام الدجل و"موية نار" الحقد الحارق إلى وجه بلا هوية مطموس الملامح بين عشية وضحاها ليس لأنها إرتكبت جرما لتنال منه عقاب وأد الجاهلية ولكن لأنها تمسكت بحقها الطبيعي والانساني في أن لا تتزوج من لا ترتضيه نفسها. وعلى الرغم من أننا نعيش في عصر العولمة حيث "تتمدن" النفس البشرية وتترفع عن ممارسات الغاب وهمجيته إلا أن مأساة سناء توضح لنا جليا خطأ ما نظن حيث أنها أرغمت وتحت ضغط والدها على الزواج من رجل مهووس بأوهام السحر والشعوذة وتتجلى في كثير من تصرفاته مظاهر الهمجية والجاهلية التي أعتقدنا أنها قد ولت منذ عصور غابرة. لم أقصد من كتابة هذا المقال إظهار التعاطف أو الشفقة تجاه سناء فسناء الصغيرة السن بنت تلك القرية النائية والبيئة الريفية المتشددة رفضت الانصياع لقوانين القبيلة وأصرت على مواصلة دراستها الجامعية، سناء التي عافت نفسها زوجها بالرغم من مكوثها ما يقارب الخمسة أشهر معه تعطينا درسا في إيمان المرأة بنفسها كقيمة إنسانية وفي حقها المشروع في الطموح وإعلاءها من شأن جسدها الذي ترفض تسليمه لشخص بغير رضاها حتى ولو كان هذا الشخص "زوجها بالإكراه". قصدت من كتابتي لهذا المقال لفت الإنتباه لقضية سناء والتي لا أعتبرها قضية سناء وحدها بل هي قضية رأي عام فأنا موقنة بأن هناك الكثير من السناءات في بلادي واللائي "وئدت" أمانيهن العذبة وطموحاتهن المشروعة بمعاول الجهل والتخلف وهناك الكثير من السناءات اللائي إنطفأ سناء عقولهن وخمد بريق إنسانيتهن"بموية نار" القهر والإضطهاد والإحساس بالدونية. هنالك العديد من سناءات بلادي اللائي أغتيلت فضاءات إنسانهن على مشانق الجهل والتخلف والتي ما زال مجتمعنا يرزح تحت وطأة أقدامها الشرسة والتي "تهرس" كل "خضرة" قلب ووثبة روح أنثوية. سناء محظوظة، نعم بعد كل البشاعة التي حدثت لها أقول ذلك فقد ظهرت قضيتها إلى النور ولو بعد عامين من الحزن الدفين، عرف الناس قضيتها، تعاطفوا معها وصارت حديث المدينة وكم من سناء أخرى أجبرها التعتيم الإعلامي وزنزانة التقاليد البالية على المعاناة في عزلة وصمت مريرين ابتغاء "السترة" وخوفا من الفضيحة ولو كانت هي الضحية. والدة سناء هدتها الفجيعة و"حرقة حشا" الأمهات فلم تتمكن حتى الأن من رؤية وجه إبنتها بعد أن أصابها ما أصابها من رشاشات الحقد الحارق. شقيقها الذي كان بغفلة منه وسذاجة أداة الزوج لتنفيذ الجريمة الشنعاء هائم على وجهه في أحراش الجنوب هربا من عقدة الذنب وتأنيب الضمير.

Quote: قصدت من كتابتي لهذا المقال لفت الإنتباه لقضية سناء والتي لا أعتبرها قضية سناء وحدها بل هي قضية رأي عام

Quote: وفي الوقت الذي بادر فيه العديد من الأفراد على المستوى الشخصي بمساندة سناء وشرعوا في تنظيم صفوفهم داخل السودان وخارجه، وفي الوقت الذي تتبارى فيه القيادات النسائية على المستوى الرسمي باطلاق التصريحات على المستويين المحلي والدولي عن دعمهن الكامل للمرأة السودانية بل وعن رضاءهن التام عن ما تحصلت عليه من حقوق ومكتسبات ، تواجه الدولة في كل مؤسساتها الرسمية مأساة سناء بالصمت المطبق وعدم الاكتراث واللامبالاة. وهذا إنما يعبر عن ديدن الدولة في عدم الاعتراف بتفشي ظاهرة العنف ضد المرأة في السودان أو حتى الاشاره له من قريب أو بعيد واستمراءها لسياسة "دفن الرؤوس في الرمال". فلم نسمع بمسؤول "يشجب ويدين" ماحدث لسناء أو يصرح بالتكفل بعلاج سناء على حساب الدولة ولا عن "وفد رفيع المستوى" أو حتى" عادي المستوى" قام بزيارتها فقط لإظهار الدعم والمؤازرة. الدولة يجب أن تقوم بدورها المنوط بها لمناهضة كافة أشكال العنف ضد المرأة ليس فقط بسن القوانين الرادعة ولكن أيضا بتقديم حزمة متكاملة لتوعية المرأة بحقوقها وتقديم الإستشارة القانونية والرعاية الصحية والنفسية في حال حدوث حالات العنف واتخاذ التدابير اللازمة لحمايتها من العنف، وعمل إحصائيات دورية لرصد حالات العنف ومعرفة أسبابها للحد من انتشار هذه الظاهرة الخطيرة. وأعتبر كذلك أن قضية سناء هي محك حقيقي لإختبار مدى إهتمام منظمات المجتمع المدني وجديتها في التعاطي مع الشأن العام والهموم الإنسانية وعلى الأخص منظمات حقوق الإنسان والمنظمات النسوية بمختلف تخصصاتها في المجالات التوعوية والقانونية وتقديم خدمات المساندة النفسية والمادية. فحقوق المرأة ليست هي أوراق تقدم في ورش عمل بالصالات المكيفة ولكن هي حالات إنسانية خالصة تحتاج إلى اهتمام حقيقي وتقديم الدعم الواقع المحسوس لمعالجة حالات العنف، عند وقوعها، بصورة فردية عاجلة. وفي غياب الإهتمام الرسمي من الدولة، ليس أمامنا إلا أن نصوب نظرنا نحو منظمات المجتمع المدني لشحذ الهمم والجهود للتكاتف مع سناء، فبالرغم من ما يكابده المجتمع المدني من عوائق عدة إلا أنه أثبت عدم سلبيته وهميميته في التعامل مع الهم العام. ولابد من الذكر أن العنف ضد المرأة قضية شائكة لم تحظ بالاهتمام الكافي إلا مؤخرا حيث بدأت الحركة النسوية العالمية تؤكد على أهمية ربط قضايا حقوق المرأة بقضايا حقوق الإنسان واعتبار العنف ضد المرأة انتهاكا صارخا لحقوقها الانسانية الأساسية. أن ظاهرة العنف ضد المرأة والتي تتخذ مظاهر مختلفة (العنف اللفظي والنفسي والجسدي والجنسي) هي إحدى أخطر الظواهر الاجتماعية ومؤشر خطيرعلى تراجع القيم الإنسانية والدينية والأخلاقية في المجتمع حيث تترتب عليها جملة من النتائج السلبية على صعيدي الأسرة والمجتمع. إن العنف ضد المرأة أمر موجود وسيستمر مع الأسف ما لم نتصدى له بالصرامة اللازمة وحملات الاستنارة والقوانين الرادعة والتحرر من التعتيم الإعلامي وسوف تتفاقم كوارثه ما دامت أطراف المجتمع تخفيه وتتستر عليه ومادام الجناة لا يلقون العقاب عما اقترفوه. وقبل أن تصبح سناء مجرد "ونسة ساكت" نتسلى بحكايتها ونرثى لحالها في مجالس الأنس والسمرأناشد كل من يأنس في نفسه المقدرة على المساندة بالوقت أو المال أوالمعرفة مد يد العون لها، فالنوايا الحسنة تبقى مجرد كلمات إلى أن يتم ترجمتها إلى افعال. إن قضية سناء ليست هي قضيتنا نحن فقط كنساء ولكن هي قضية كل إنسان رجل كان أم إمرأة يؤمن بمبادئ الكرامة الإنسانية والعدالة الإجتماعية. ماحدث لسناء(بشكل فردي) يجبرنا على تسليط الضوء على ظاهرة العنف ضد المرأة في السودان (بشكل جمعي) بغرض نشر الاستنارة والوعي الإنساني والوطني تجاه مخاطر هذه الظاهرة والأثار السالبة التي يمكن أن تنتج عنها.