Post: #1
Title: آثار لرجلٍ غاب طويلاً
Author: اسماعيل مرغنى
Date: 02-05-2008, 01:23 PM
إهداء: إلى ذلك اللص الذي سرق كل أحلامي و لم يترك لي سوى واقع ٍأقتاته بكل تأنٍ و صبر. هذا اللص المدعو .. وطن. حلمتُ ذات غباء.. أننا نسير متحاذيين أصابعنا تتحسس بعضها بكل حميمية وأن البحر الجميل يهدينا أجمل قصائده.. و الرمل الخفيف يدعونا بكل لطف أن نجلس عليه متعانقين.. وتلك الوردة الفاتنة "تسلّفنا" بعض نعومتها حتى لا نصير خشنين أمام القلب و ذلك العصفور الحنين يحملنا بكل رقةٍ على جناح السرعة إلى سحابةٍ كانت تتناول قهوتها وحيدة على كرسي الهواء.. لنسمح نحن بعد ذلك للمطر أن يتخلل مسامنا.. مستعيضين به عن بعض الدم الذي منحناه بكل صدق ٍإلى ذلك الصديق العجوز المخرّف الذي صار الآن يشتمنا و هو يضحك ثم يعتدل في جلسته الأثيرة ليضع التبغ على غليونهِ ويتكئ إلى الوراء وينفث دخانه بكل هدوء. *****************
مختنقٌ أنا الآن بالبارود.. و رائحة تلك الأنثى التي قبلّتني على عجل و توارت خلف جدارٍ متهالك سقط مباشرة بعد أن غادرت المكان تاركة ًخلفها حذاءها بجوار قط جائع يقضم في نهم ٍقطعة كبيرة من اللحم الفاسد. عندما تركتيني أسافر كان هذا فقط من أجل ذلك الحلم الصغير الذي ندخل إليه مطمئنين موعودين داخله بجنةٍ في الأرض.. وعندما فارقت عينيك تركت بهما ذلك الحزن الخجول كفتاة تتعلم أول أسرار العشق . أذكر حينها استأذنتك أن احملهما معي في شنطة السفر كما أذكرأنك لم تعترضِِِِ.. و عندما عدت فتحت تلك الشنطة لأجدني قد سرقت ووجدت مكانهما عينين لم تكونا حزينتين و رأيت بداخلهما ثلاثة أطفال ذكور وبنت. أول ماهربت من بيتنا أدعيت أنني ابحث عن الحرية المطلقة وأول ما مارست السياسة أدعيت أنني سادافع عن الإشتراكية و بقايا البلوتاريا الكادحة وأول ما عشقت ادعيت أنني سأرتاح على صدرها كطفل تهدهده أمه لكي ينام وأول ماسجنت ادعيت أنني سأكتب أعظم رواياتي خلف قضبان ٍمعتمة وأول ما صحوت هذا الصباح تذّكرت كل ذلك فنمت مرة أخرى دون أن احلم.
**************** عندما عدت إلى المدينة بعد الغياب الطويل جلستُ إليهِ وما تزال آثارالخمر تدور في رأسه و مباشرةً سألته عنك ِ، نفضَ عنه بقايا نعاس ٍقديم.. وحدّق في شئ مجهول وقال لي و الرائحة ما تزال في فمه:أن بعض الشباب ببناطلين جينز وتي شيرتات قصيرة و عربات فارهة يلتقطونكِ من الشوارع ويعودون بكِ منهكة واحياناً تعودين وحدكِ وتنامين مفتّحة العينين وأن تلك البودرة تركت آثاراً واضحة على وجهك.. الذي صار الآن أكثر شحوباً "وبصق كمن يلفظ كائناً من فمهِ".. تناولت حزني منه وخرجت وأنا أتذّكر ضحتكِ الحلوة.
**************** في المعرض التشكيلي المقام بمناسبة اليوم العالمي للتشكيل لفتَ إنتباهي الكم الهائل من اللوحات التي يسيطر عليها اللونان الأحمر و الأزرق.. إقتربت من أحدهم وسألته: لماذا ذلك؟! لم يجب بشئ ،إنما أخذني من يدي إلى ركن ٍبه لوحة كبيرة كانت سوداء تماماً ازاحها من الجدار وأدارها إلى الخلف فرأيت بحراً و ناراً يندلقان معاً إلى داخلها دون أن تنطفئ النار أو يجف البحر.. علّقها مكانها و نظر لي.. إبتسمنا في وقت ٍواحد وإنضممنا للمجموعة نحتفل بيوم التشكيل العالمي بألوانٍ تخصنا جداً.
**************** عندما كنت أقبّل يدي أمي وهي تخبئني في حضنها الواسع طافت بي عيناها المفجوعتان وصراخها المبحوح و هي ترافقني إلى امام البيت نصف مكشوفة وهم يدفعونني بمؤخرات بنادقهم إلى (البوكسي المكشوف) ثم يقفزون ويحيطون بي بكل دربةٍ.. حينها كان بصري يهربُ من بين سيقانهم ويحتفظ بعيني أختي الصغيرة "عائشة" وهي تبكي بصمت يشبه صمت أبي المريض الذي تهاوى على كرسيه وأطلق لروحه العنان لتدخل إلى جوفي وتستقر معي خمسة عشر عاماً.. وهأنذا الآن أفتح شنطة راقية وأخرج لعائشة الطفلة الصغيرة التي تمتلك الآن رجلاً في الجيش وأربعة أطفال أحدهم يحمل أنفي عروساً صغيرة تصدر صوتاً رقيقاً.. وتشبهها إلى حدٍ بعيد.. ضحكتْ بشغب.. ثم إحتضنتني بشوق.. وجلسنا جميعنا نتناول إفطارنا بسلام .
|
Post: #2
Title: Re: آثار لرجلٍ غاب طويلاً
Author: أبو ساندرا
Date: 02-12-2008, 04:40 PM
Parent: #1
Quote: أول ماهربت من بيتنا أدعيت أنني ابحث عن الحرية المطلقة وأول ما مارست السياسة أدعيت أنني سادافع عن الإشتراكية و بقايا البلوتاريا الكادحة وأول ما عشقت ادعيت أنني سأرتاح على صدرها كطفل تهدهده أمه لكي ينام وأول ماسجنت ادعيت أنني سأكتب أعظم رواياتي خلف قضبان ٍمعتمة وأول ما صحوت هذا الصباح تذّكرت كل ذلك فنمت مرة أخرى دون أن احلم.
|
و أول ما طالعت هذا النص تمنيتك لو إهتميت بالنشر على نطاق واسع ضمن مجموعة قصصية ستكون معلمآ في تاريخ الكتابة السودانية
شكرآ يا إسماعيل ميرغني
وعذرآ على ماجوبه به النص وأخواته من إهمال هل يكمن السبب في إنزالك مجموعة بوستات في وقت واحد ؟ اما كان من الأفضل أن تمنح الناس فرصة تقراك وتتأمل وتشارك وتعلق بدلآ ان تصيبها بالتخمة ومن ثم هاء السكت ؟
|
Post: #3
Title: Re: آثار لرجلٍ غاب طويلاً
Author: اسماعيل مرغنى
Date: 02-12-2008, 06:20 PM
Parent: #2
شكراً الحبيب أبو ساندرا هذه الثقة وهذا الدعم على ألا أخيّب ظنك أو ظني! البوستات المتلاحقة ربما أو ربما الأحساس أو سنلتقي ما تزال بقية سأقول لك
|
Post: #4
Title: Re: آثار لرجلٍ غاب طويلاً
Author: Emad Abdulla
Date: 02-12-2008, 07:19 PM
Parent: #3
هذا من النصوص المُتعِبات يا سماعين .. غني بكثافة اللغة و الشفافية .. و الفكرة المزهرة .. فكرة الوطن / الحلم ( حي بن يقظان امتلك عالما خاصته كاملاً .. لكنه اشتهى وطن ) .. فتأمل . و بعد يستطعم القاريء قليلٌ " إنقهار " هنا .. و غضبةٌ نبيلة .. ثم بعض أطراف حلم ما يزال يراود الثورة عن نفسها ( مدمني أحلامنا نحن .. كإدماننا الطويل للهزائم , و تشهّينا الإنتصارات ) .
موقّعٌ هذا النص .. و ممتع ممتع .
.... مشاركتك الأولى صفقت الباب في وجه دخولي إلى كتاباتك .. - و ربما آخرين كُثر - . " شعر الإبط " ذاك و كل مبرراتك عن نصب شراك ( الإستبيان المغتغت ) .. أصدقك القول صُعقت , و قلت : حليل أبوي , بلد مبتلية , الأمر لله .
فشكرا يا سماعين .. مرتين . مودتي .
|
Post: #5
Title: Re: آثار لرجلٍ غاب طويلاً
Author: أبو ساندرا
Date: 02-13-2008, 08:06 AM
Parent: #1
كتب عماد عبدالله :
Quote: فشكرا يا سماعين .. مرتين .
|
ومرات يا عماد فالولد إسماعيل هذا عنده نفس عجيب في الكتابة ونفس اعجب في الحكي وروح صافية وممكن ينافسك ويهزمك وسط الجكس عنده محبة كده بيدخل بيها أي قلب ولو كان صلد
انت كيف بس تمط عيونك أبعد من مجالك وتشوف
|
Post: #6
Title: Re: آثار لرجلٍ غاب طويلاً
Author: اسماعيل مرغنى
Date: 02-13-2008, 07:41 PM
Parent: #5
الأخ/ عماد عبدالله صفقت الاب هناك وفتحت الاب هنا وبينهما أشياء كثيرة ورجل واحد دعنا نفتح الأبواب كلها ونرى بعدين ماتسمع أبو ساندرا هو قاعد يتكلم عن روحو أنت شايف وكثيرون أيضاَ
تحياتي لكما
|
Post: #7
Title: Re: آثار لرجلٍ غاب طويلاً
Author: اسعد الريفى
Date: 02-13-2008, 11:35 PM
Parent: #1
الاخ اسماعيل اشهد الله اننى أحسست بكل حرف كتبته و احمدالله ان هناك من هم مثلك رغم الانهاك و المعاناة و دون أن تنطفئ النار أو يجف البحر و لولا كلماتك .. الغنية المشبعة بالحقيقة .. فاقعة الالوان .. لما استطعنا اغلاق جفوننا (عند النوم) و لظللناننام مفتوحى الاعين .. نتمنى ان نراك .. فى الكتب .. أملا فى الغد بكم .. نتفاءل
و شكرا لكل حرف كتبته .. و أحسسنا به ..
خالص تقديرى و احترامى
|
Post: #8
Title: Re: آثار لرجلٍ غاب طويلاً
Author: اسماعيل مرغنى
Date: 02-14-2008, 07:14 PM
Parent: #7
الأخ/ أسعد بين الأحساس وذاك التمني وأيضاً الحلم يبقى دائماً الأمل والتفاؤل ونراك أيضاً شكراً لما كتبت إسماعيل
|
|