من يسأل عن إتجاه الكعبة فى مانهاتن ؟ (عودة الى مرافىء الغربة)

من يسأل عن إتجاه الكعبة فى مانهاتن ؟ (عودة الى مرافىء الغربة)


01-03-2008, 06:47 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=150&msg=1199339221&rn=0


Post: #1
Title: من يسأل عن إتجاه الكعبة فى مانهاتن ؟ (عودة الى مرافىء الغربة)
Author: جعفر عبد المطلب
Date: 01-03-2008, 06:47 AM

من يسأل عن إتجاه الكعبة في مانهاتن ؟
كنا أكثر من أربعمائة راكب في طائرة الجامبو العملاقة المتجهة من مطار شارل ديغول في باريس إلي مطار جون كندي في نيويورك . ما أن أخذنا مواقعنا في الطائرة ، حتى تقدمت نحونا رئيسة المضيفات تطلب منا أن نتبعها ، تبعناها ونحن في حيرة من أمرنا ، إلي أن صعدت الدرج إلي الطبقة العليا وطلبت منا بلطف أن نجلس في مقاعد وثيرة ضمن ركاب الدرجة الأولي ، علماً بأن تذاكرنا كانت سياحية.لأنه لايعقل أن تكون سائحاً وتسافر علي الدرجة الأولي . نظر كل منا للأخر في دهشة . مع ملاحظة إنه لا تبدو علينا ملامح ثراء أو وسامة أو نجومية ! وصلنا مطار جون كندي وهو مطار صغيرو هزيل مقارنة بمدينة نيويورك العملاقة . أول ما يلفت النظر العاملون فيه من الجنسين ، حتى يخيل إليك أنهم إما أعضاء في أندية الملاكمة أو المصارعة ! لم أقع في حب هذه المدينة من النظرة الأولي ، كما حدث لي مع مدن أخري . عندما تأتي من مدينة ناعمة وأنيقة ومعطرة مثل باريس ، كيف تقع في حب مدينة كل شيء فيها ضخم و عملاق ولاتحس انك امن ، ناطحات السحاب، السيارات الطويلة ، الناس هنا ضخام غلاظ ، الساندوتش تحتاج إلي من يعينك علي حمله ! زجاجة الكولا العملاقة هي الأخري لاتعرف ما ذا تفعل بها لا يمكن شرب هذه الكمية ولايمكن حملها أيضاً !

أخذنا قطار الأنفاق متجهين نحو مانهاتن . اخترنا فندقاً لا بأس به رغم أن واجهته كانت محصنة بسياج حديدي، شأن الكثير من الفنادق في نيويورك لدواعي أمن وسلامة النزلاء .من خلال فتحة صغيرة فقط تستطيع مخاطبة موظف الاستقبال .أخذونا إلي الغرف . وضعنا خريطة المدينة علي الطاولة ، لنحدد المعالم التي نود زيارتها . كنت تواقاً لزيارة هارلم قبل مبني الأمم المتحدة و مسارح برودويى وأماكن أخري كثيرة . بدأ صديقي يبحث في الغرفة عن العلامة التي تشير إلي اتجاه الكعبة ، لكنه لم يجد أثراً . اتصل بالاستقبال يسأل عن اتجاه الكعبة ،فقال له الرجل في غلاظة : من أي مكان جئتم ؟ فقال له : من الخليج العربي ، ثم أردف سائلاً أين هذا المكان ؟ قال له في الشرق الأوسط .و أين توجد الكعبة ؟ قال له صاحبي في مكة بالمملكة العربية السعودية . أليست هذه أيضاً في نفس المنطقة ؟ قال بلي . ثم ازدادت نبرته حدة حتى بدت لكنة لغة شوارع نيويورك واضحة ! يا أخي تأتي إلي نيويورك ، تسألني عن الكعبة وهي علي مرمي حجر من حيث أتيت ! لماذا لا تذهبا إلي حيث توجد الكعبة ما دمت تبحث عنها ً ؟ قلت لصاحبي دع عنك الرجل فهذا حوار طرشان . ما أن خرجنا في جولة ،فإذا بنا نكتشف أن الفندق يقع في الشارع الثاني والأربعين أي إنه يقع ضمن المناطق الساخنة في المدينة . عندما حل المسا ء ، اكتظ المكان بكم هائل من بنات الليل .(اللهم إني صائم ). للدخول إلي الفندق ، عليك أن تمر عبرهن . قلت للموظف المناوب ما هذا وأنا أشير إلي مجموعة شبه عارية قال لي هذه هي نيويورك . قلت له إذا كنتم لا تحترمون مشاعر النزلاء فسوف ننتقل إلي فندق اخر . قال أنا مسؤول عن فندقي من الداخل ، ولست مسؤولاً عن الشارع من حولي وأنتم أحرار ذهبنا إلي منطقة تبدو أكثر حشمة ووقاراً ، وإن كنت لا أري الكثير من الحشمة أو الوقار في هذه المدينة .

التسكع في مانهاتن أمر ممتع . تسلل إلي أذني صوت موسيقي في غاية العذوبة ، تابعت هذه العذوبة فإ ذا بي أمام مطعم باهر الجمال. ديكور مطرز بكل ماهو أفغاني ، حيانا الرجل في زيه الوطني الأنيق ، مقدما نفسه بإعتباره صاحب المطعم . قلت له قادتنا الموسيقي وليست رائحة الطعام إلي هنا ! ضحك ثم طلب منا الجلوس . الرجل من أفغانستان ،أمضي هنا ثلاثين عاماَ يتحدث بلهجة أهل المدينة رغم لكنته المحلية ..إندهشنا ، هل يستقبل كل زبائنه بهذه الحفاوة ! الرجل تفرغ لنا تماماً وأحاطنا بحفاوة لا تشبه هذه المدينة .حدثنا عن هذه الموسيقى وعن حياته هنا وأبدي أعجاباً بنا كمسلمين وعرب وسودانيين في ان .ثم ختم اللقاء بأن فاجأنا قائلاً (بما أنها زيارتكم الأولي لهذه المدينة فأنتم ضيوفي هذا المساء ، وهذا العشاء علي حسابي ) شكرناه وأعطيناه عناويننا ودعوناه لزيارتنا وإنصرفنا .لم يخف صاحبي سعادته بهذا العشاء الفاخر المجاني ! قلت لصاحبي يخرج من أفغانستان مثل هذا الرجل الراقي ويأتي منها أيضاً طالبان !

كنا نود زيارة هارلم بطريقتنا الخاصة ، إلا أنهم نصحونا أن نزوره مع أحد الأفواج السياحية لسلامتنا . دخلنا ضمن وفد ياباني . صحيح أنه حي يحتشد فيه بؤس مبدع وتحيطه تعاسة خلاقة ، ولكنه حي جميل بالغناء وعبقري بموسيقى الجاز الأصيل وأغاني البلوز الحزينة التي تشكل صوت هارلم المنبعث من الطرقات والساحات . تجد بنايات كاملة خالية من أبوابها ونوافذها رغم انها مسكونة ، ولكنها مملوءة بالغناء والموسيقي.استوقفني عجوز رث الثياب يغني غنا ء جميلاً ولكن ما من أحد يسمعه ! هكذا يبدعون في التعبير عن ميراث العبودية والمعاناة معاً . ما تزال المصادفات العجيبة تلاحقنا . في الجزء الأورستقراطي من مانهاتن حيث تبدو الصورة مغايرة تماماً ولكنها مصنوعة .تناولنا وجبة الغذاء في أحد المطاعم ، فإذا بفتاة من شرق إفريقيا تحيينا في بشاشة قائلة أكيد انتم من السودان ، ناس السودان أحسن ناس ، أنا عشت هناك ثلاثة سنوات وجدت من المعاملة الكريمة ما لم أجد ها في وطني ماذا أستطيع أن أقدمه لكم في نيويورك حتى أرد القليل من أفضال أهل السودان علي ؟ شكرناها وقلنا لها نحن في طريقنا إلي فلوريدا ، ثم مضت إلي سبيلها . ما أن ذهبنا ندفع الحساب ، إذا بالنادل يقول لنا أن الحساب دفعته الفتاة التي كانت تحادثكم حسابكم مدفوع هذه عبارة يمكن أن تسمعها في الخرطوم ولكن في نيويورك فهذا أمر عجب ! التفت نحوي صاحبي قائلاً : لا يمكن أن تكون كلها مصادفات ! أن تأخذنا المضيفة من الدرجة السياحية إلي الدرجة الأولي ، ويدعونا الأفغاني الأنيق لوجبة عشاء في مطعمه الفاخر،وهاهي الفتاة الإفريقية تدفع لنا حساب الغداء في نيويورك! قلت له ربما فينا بعض من ملامح لاعبي كرة السلة ، أو مغني الجاز الأمريكي ، أو نجوم السينما من الأمريكان السود ، أو ربما الإنسان السوداني أصبح هكذا جذاباً ومشهوراً عالمياً! لقد ترددت أن أضع ( هل فعلاً نحن جذابون ؟ ) عنواناً لهذا المقال علي غرار المقال السابق ( هل فعلاً نحن مختلفون ؟). ألم أقل لكم عندما تعارفنا في أول مقال لي تحت عنوان ( اخر لحظة سلام ) إن( لماماً)ستكون تارة في أدب الرحلات وتارة في السياسة وتارات أخري في السيرة الذاتية وأصداء الحنين إلي الوطن وحكايات وقصص عن مدائن نسافر إليها ولا نتحدث لغة أهلها وأخري نكتفي فيها بلغة المشاعر الإنسانية . رأينا أن يكون المقال هذه المرة خفيفاً عليكم ترويحاً عن صيام يأتيكم في صيف قائظ . و بهذه المناسبة ، كتب لي قارئ محتجاً علي قولي ليت رمضان يمشي الهوينى قائلاً ( يمشي الهوينى بالنسبة لكم في بلاد الترطيب ولكن نحن هنا في السودان نريده أن يعدو عدواً ). عفواً يا صديقي بقدر ما تكون المشقة يكون الأجر ، وبقدر ترطيبنا يكون ثوابنا .
هذا المقال كان قد نشر فى شهر رمضان الماضى فى السودان ، وفضلت أن أعيده على قراء المنبر لاسيما أصدقاء المرافىء فأرجو المعذرة ...






Post: #2
Title: Re: من يسأل عن إتجاه الكعبة فى مانهاتن ؟ (عودة الى مرافىء الغربة)
Author: محمد مصطفى فرح
Date: 01-03-2008, 08:29 AM
Parent: #1

الأخ العزيز دكتور جعفر

معذرة إذا لحقت بركب القراء متأخرا وبالتالي عدم المشاركة معكم وأنت وصديقك تكتشفان أمريكا وتنقل لنا هذه الخواطر بأسلوبك السهل المتع.

من غريب الصدف أنني مررت بتجربة مماثلة لتجربتك ومعي صديق عزيز في طريقنا إلى نيويورك. جلسنا على المقاعد بعد (بهدلة) التفتيش بواسطة رجال الأمن الأمريكان (وليس الإنجليز) في مطار هيثرو بلندن. حتى حسبت أننا ضمن قائمة المتهمين بالإرهاب عندهم. ولم يتبق من موعد قيام الطائرة إلا وقت قصير حتى أخلي سبيلنا للسفر فحمدنا الله ولحقنا بالطائرة هرولة. كنا نلبس يدل كاملة (فُلْ سوت) مع ربطات عنق أنيقة اشتريناها من السوق الحرة ، بينما كان بقية الركاب يلبسون ملابس الصيف العادية (casual)من جينز وتي شيرت وخلافه ... لم نكد نأخذ أماكننا حتى جاءت كبيرة المضيفات السمراء وأشارت لنا أن نتبعها، فقلت لها: هل نحمل أغراضنا معنا فردت بالإيجاب ... تيقنت عندها أننا مطلوبان لأمن المطار الأمريكان مرة أخرى، ومعنى ذلك أن سفرنا لن يتم ... نحن يا سادتي دائما ينتابنا هاجس الأمن ونتشاءم من التعامل مع الشرطة والأمن والحكومة أيضا ... هكذا حالنا منذ أن كنا صغارا ومنذ أن عرفنا الشرطة والأمن ... سرنا نلعن الأمريكان في سرنا ونحن نتبعها حتى مقدمة الطائرة. وبين ذهولنا أشارت المضيفة لنا ليجلس كل منا في كرسي بعيدا عن الآخر ... هنا تنفست الصعداء فقد كنت قد مررت بظرف سابق عندما تمت ترقيتي من الدرجة السياحية للدرجة الأولى ، ليس لشيء إلا لأنني كنت ألبس "فُلْ سوت". وعندما تيقنت من الأمر سألتها إن كان في الإمكان أن نجلس متجاورين ، فاستأذنت من أحد الركاب وهيأت لنا مقعدين متجاورين. وبمجرد جلوسنا متجاورين نظرت إلى صديقي مزهوا وضغطت على جرس المقعد فجاءت المضيفة مهرولة فقلت لها : هل تسمحين لنا بكوبين من عصير البرتقال الطازج ؟ فنظر إلي صديقي في دهشة ... قلت له هذا حقك يا صديقي فنحن الآن من ركاب الدرجة الأولى !!

Post: #3
Title: Re: من يسأل عن إتجاه الكعبة فى مانهاتن ؟ (عودة الى مرافىء الغربة)
Author: جعفر عبد المطلب
Date: 01-03-2008, 09:44 AM
Parent: #2

الصديق العزيز (فرح ) لك الود القديم :
الشىء بالشىء يذكر ، كنت مع صديق يضيف الى متعة السفر متعات اخرى .كان عندنا تذكرة من شركة (دلتا للطيران ) لمدة 40 يوما نتجول بين المدن الأمريكية ماشاء لنا التجول ! وبمااننا سواحا كنا نخطط لزيارة اكبر عدد من المدن الأمركية لاسيما مدن الساحل الغربى .وبما ان صديقى هذا يشغل منصبا مرموقا فى المراجعةالمالية فى إحدى شركات البترول الكبرى فقد تركت له امر ميزانية الرحلة كاملة وتفرغت لتسجيل الأنطباعات التى كان هو ايضا يسجلها اول باول .كنا نتاهب لتناول طعام الغدا فى مدينة (اتلاطنا) فقبل ان نذهب الى المطعم نبهنى هذا الصديق الى فكرة جهنمية استوحاها من خبرته الطويلة فى مجال المراجعة . فقال لي :لماذا لا نتناول طعام الغدا فى الطائرة فى الطريق الى ميامى ؟وقد كان ، واصبح من وقتها يوقت الوجبات الثلاثة بحيث نكون فى الطائرة بين المدن . لقد تعلمت منه أن فوائدالسفر تتجاوز الخمسة فوائد بكثير خاصة الإقتصادية منها !

Post: #4
Title: Re: من يسأل عن إتجاه الكعبة فى مانهاتن ؟ (عودة الى مرافىء الغربة)
Author: محمد مصطفى فرح
Date: 01-03-2008, 12:44 PM
Parent: #1

العزيز دكتور جعفر

سفرك لأتلانتا ذكرني بسفري مع صديقي بالطائرة من واشنطن لميامي وأورلاندو لزيارة ميامي بيتش الساحرة ويونيفرسال أستوديو بأورلاندو. فبينما كانت المضيفة الحسناء توزع وجبة الغداء والقهوة اهتزت الطائرة فسقط قليل من القهوة على قميص صديقي الذي لم يحرك ساكنا ، بينما بدا الانزعاج الشديد على المضيفة التي أبدت أسفها العميق وكررت الاعتذار مرات ومرات ... ثم جاءت كبيرة المضيفات لتقدم بدورها الاعتذار نيابة عن طاقم الطائرة ... وبدا التأثر على صديقي أمام هذا الاهتمام الذي لا يجد له مبررا. عادت كبيرة المضيفات مرة أخرى وسألت صديقي عن مقاس قميصه ، وسرعان ما ذهبت وعادت بباكتة ورد وقميص بنفس لون ومقاس صديقي من ماركة (فان هوزن) الشهيرة. (وللعلم لم نعرف أنها من الماركات الشهيرة إلا فيما بعد). وهي تكرر أسفها لما بدر منهم... ولكن صاحبي (شالته الجعلية) ورفض رفضا باتا استلام القميص ... وبعد إلحاح وترجي وابتسامات وتدخلي الشخصي لم يجد صاحبي بدا من قبول الهدية وباكتة الورد التي لم نعرف كيف نتصرف بها.

قال صاحبي وهو يغالب تأثره بهذه المعاملة الحضارية كما سماها: شوف ناس وين وناس وين ؟ قلت له اتفق معك ، ولكنك أضعت فرصة العمر ياصديقي وتعويضات بعشرات الآلاف من الدولارات... قال كيف؟ ... قلت ألم تكن القهوة ساخنة ؟ ثم ألم تصبك أضرار نفسية نتيجة الحرج (وبحلقة) الركاب ونظراتهم إليك في إشفاق؟ ثم أهم من ذلك كله فإنك بعد هذه الصدمة النفسية لن تتمكن من حضور الاجتماع الخطير الذي سيفقدك صفقة بملايين الدولارات .....

نظر إلي صديقي بانزعاج وإشفاق شديدين وهو يراني أهذي و(أخطرف) رغم علمه يقينا بأنني لا أتعاطي مسكرا ولا مخدرا ..... وطال الصمت بيننا زمانا وهو يتحاشى النظر إليّ مباشرة ويرمقني بنظرة بين الحين والآخر... وبعد حين أشفقت أنا عليه هذه المرة فقطعت الصمت وقلت له: لا تذهب بعيدا يا صديقي فقد قرأت عن حالة شبيهة بحالتك تم فيها تعويض المتضرر بأكثر من مئتيي ألف دولار ، بحجة الأضرار النفسية والمادية التي سقتها إليك ..... هنا استعدل صديقي في جلسته وقال : مش ممكن؟! ... قلت نعم يا صديقي هذه هي أمريكا بلد العجائب.