جعفر عباس يرثي فاروق كدودة...منقول من جريدة الرأي العام

جعفر عباس يرثي فاروق كدودة...منقول من جريدة الرأي العام


01-02-2008, 05:24 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=150&msg=1199247890&rn=1


Post: #1
Title: جعفر عباس يرثي فاروق كدودة...منقول من جريدة الرأي العام
Author: Mohamed fageer
Date: 01-02-2008, 05:24 AM
Parent: #0

زاوية حادة
كدودة، يا من أعجزت الناي/ إني أعجز عن كلمة
يا فاروق كان بدري عليك/ ما زلنا جميعا نشتاق ليك/ كان بدري عليك، مشوارنا طويل/ وما قادرين نجتاز أول ميل/ برحيلك.. لا شوفة تبِل الشوق/ لا ضحكة طروبة تهدهد روح وترَوي عروق/ يا ود يا كدودة يا مسونكيل/ يا ليل يا بلد يا صاي يا نيل/... الله براه يعلم، أنا كم بعزك كم/.. كنت البشوش كنت السمح/ وبعدك خشومنا ملح، ملح/.... بس عزاي/ والفقد ما فقدي براي/ لما اتذكر بسالتك/ وكيف صمدت وأنت بتقدم رسالتك/.. وياما ياما شردوك وبهدلوك، وفي المنافي كان في كوبر كان في شالا جرجروك، وانت ياكا الشامخ الباسم دوام/ صوفي واقع في دباديب الغرام/ حب صافي للوطن/ رغم كل ما مر بيهو من محن/..
تلقى قدامك محمد صالح عمر/ الحبيب الفاره البدر الضكر/ تلقى ود حمد الله متوشح رصاصات البسالة/ الطرزت صدره على عهد النذالة/.. وأدي السلام ملايين للراجل الأسد/ فارس المتاهة محمد النور ود سعد/.. وأقري السلام لحسن حسين /وما تنسى ود الزين/ الما وقف بين، بين/ وما قال -وحاتك- طق/ لما الرصاص بقبق.
وددت لو اكتب عن فاروق كدودة باللغة النوبية، لأفضفض عن حزني ب--يو يوني-- و--وي بيا--، كان بالنسبة لأبناء جيلنا أسطورة، له مهارات في التخفي من الشرطة السرية مسطورة، كان من الغريب ان نعجب بشيوعي، رغم ما عرفناه عن عشيرته من كلام بطال كله سمعي، وعندما التقيت به لأول مرة، جلست أمامه متقرفصا كهرة: هذا هو كدودة راس الهوس، الذي دوخ حكومة عبود والعسس، ثم اكتشفت انه شخص --عادي--، يتكلم مثلنا نحن خريجي طقت وحنتوب والوادي، لا يجيب سيرة الديالكتيك، ولا الفرق بين الاستراتيجية والتكتيك، له ترسانة من الملح والطرف، وتستمع اليه لساعات دون ان يرمش لك طرف.. لا تحس معه بالملل، لأن لسانه الحلو ينقط عسل، جالسته عشرات المرات، كانت كلها هترشة ونكات.. هترشة بمعنى الكلام الخفيف سهل الهضم، الخالي من نبش سير الآخرين والشتم والذم.. لم يكن ميالا الى تحويل الونسة الى حصص سياسية، ولا الى الكلام الدراب الذي تتميز به الماركسية.. ولكنه كان ماركسيا على السكين، لا يهادن في أمرها ولا يستكين، ولكنه كان يعرف ان لكل مقام مقال، وأن المناسبات الاجتماعية ليست مجالا ل--النضال--.. وكان أكاديميا جهبذا، واقتصاديا مفكرا فذا، ولكنك تجالسه وتحسب انه تربال، ينقصه فقط العراقي والسروال.. ابن بلد شهم وبسيط، ويرطن المحسية بلسان سليط.. كنا نلتقي في بحري في بيت أخيه جمال، ونتكلم عن كل شيء بصوت عال: عن حكم جعفر نميري، ووفاة ستونة زوجة خيري، ونأكل القراصة بالتركين، ونسأل الله أن نطلع منها «سالمين»
قلت له ذات مرة، ونحن نأكل الكسرة المُرة، وكان وقتها خالي شغل، زاده أحيانا رغيفة وبصل: ما بلاش شيوعية ووجع راس، فاتهمني بأنني وسواس خناس، ثم أضاف ضاحكا: ده حزب محس ودناقلة، والتزامنا بيهو ما مجرد نافلة.. ضحكنا وتفاكرنا في تحويل الحزب الى النوبيين: نقد ده من عند مين؟ وعبده دهب، الراجل الذي للحزب عمره وهب؟ وبنت احمد ابراهيم، ..سعاد، التي بسبب السياسة جافتها العافية والرقاد؟.. والجزولي سعيد،.. الدنقلاوي الذي تحول الى هدندوي صنديد؟.. ومحمد صالح ابراهيم، الشهم النبيل الهميم،.. ثم قال: الكلام ده يبقى بيني وبينك، لأن الرفاق لو سمعوه حيطلعوا عيني وعينك.
يشهد الله كم أحببتك يا فاروق، كشخص وفي، صدوق خلوق، ليكتب غيري عن نضالك، أما أنا فيكفيني استرجاع ما تمتعت به لبعض الوقت من طيب خصالك، أنت في معظم سيرتك جزء من مسيرة بلد، كنت له نعم الحبيب والولد، وهناك أجيال قادمة كدودة، هي بوليصة تأميننننا للطهارة والجودة، وكدودة كلمة نوبية تعني --الصغير--، الذي يتحول يوما ما الى ذي شأن كبير، فلتمارس أمنا الثكلى بكائي وبكاءك، مرة أخرى بكائي وبكاءك ريثما يولد أبناء القرون المقبلة، وستكون حاضرا مع --أسماء-- لتقوم بدور الداية/القابلة.ً