رحلة العمر ومشوار السنين-الطيب شيقوق/المحامي

رحلة العمر ومشوار السنين-الطيب شيقوق/المحامي


09-05-2007, 07:06 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=140&msg=1188972375&rn=1


Post: #1
Title: رحلة العمر ومشوار السنين-الطيب شيقوق/المحامي
Author: عبدالله
Date: 09-05-2007, 07:06 AM
Parent: #0

Quote:
Last Update 04 سبتمبر, 2007 09:18:12 PM

رحلة العمر ومشوار السنين

الفصل الثاني

الطيب شيقوق/المحامي
[email protected]

وبعد ان نصل الى بيوتنا نعلق حقائبنا على المسامير المخصصة لها على امينة المنزل ، ان كان من الطوب او الجالوص او شعبة القطية ان كان البيت من النال . كان يمكن ان تقرأ من حجم وشكل الحقيبة الى اي مرحلة دراسية ينتمى التلميذ ، فان كانت مليئة نافخة كراساتها جميع الزوايا وبها براقع من الحبر الازرق فهذا دليل على ان التلميذ في ثالثة اورابعة ويمكن ان يعهد اليه كتابة الرسائل المنمقة كما ويمكن اجلاسه في عنقريب قعدات العرس جوار العريس لتسجيل النقطة ( النقطة هى ما يساهم به كل من اهل القرية لوالد العريس)

كنا بعد الدروس وبعد الغداء نركب الدواب لنسقيها في المشرع وكانت كلابنا هى الاخري الاكثر سعادة وهى تلهث خلفنا للمشرع . كان المشرع مجمع يلتقى فيه اغلب اهل القرية للغسيل و حمل الماء للبيوت وصيد السمك احيانا . كنا بعد الوردة نذهب لالتقاط اجود واحلى ثمار النبق الناضجة والتي تتساقط تحت ظلال اشجار السدر الضخمة التي تنمو على شاطى النهر . كان رعاة الابل من اهل البادية الذين ياتون ايام الضمئ يتركون ابلهم على مناخها ( بفتح الميم) لأن ينجموا في ظل هذه الاشجار يتسامرون بالدوبيت والمسادير الحنينة .

بعد أن تدحرجنا من المدلية ( حافة النهر ) لاحت إلينا مشاهد أهلنا من بعيد ، بعض يغسل في ملابسة واخرون يسقون دوابهم ومجموعة أخرى من الأطفال يلعبون على كثبان الرمال . وبعد أن تقاربت المسافة ، وتعرفوا على وجوهنا صاحوا فرحين بعودتنا. بعض من هولاء الأطفال لم ينتظر لملاقاتنا بل هرول إلى الحلة لإبلاغ الأهل بعودتنا ، واخرون منهم تناولوا منا حقائبنا وهم اكثر تركيزا بعيونهم في وجوهنا التي بدت تأخذ من سمات المدينة .

عندما كنا على مشارف القرية لاحظنا أطفالا آخرين قادمين من داخل الحلة لاستقبالنا مبتهجين بقدومنا بعض منهم حافي القدمين لا يأبه لطعنات الضريسة المسمومة(الضريسة هي نوع من الشوك ينمو نباته جوار القرى )
لم يكن شوقنا لابقارنا واغنامنا وكلابنا اقل شوقا من شوقنا لاهلنا . كنا نسال عن قمرية وحورية وسرية والمنادهيب ( جمع مندهوب وهي العجلة التي اقتربت من سن العشار) . كانت امي الجالسة بجواري في الهباب المفروش بالدقة ( البرش الدقة هو اجمل واغلى انواع البروش المصنوعة من الزعف) قد همست في اذني تذكرني بالعم الرضى والطيب وعبد الغني وابراهيم كبار الحلة وطلبت منى الذهاب اليهم لانهم متلهفون لرؤيتي ولكنهم بسبب العمر يصعب عليهم الوصول الى منزلنا . ذكرتني امي بالعمة زينب وشروقو وفاطمة وام الحسن ولم يكن قد غبن عن بالي لاني لا انسى الكعك والتمر والحلاوة التي يملان بها جيوبي في مناسبات اعياد رمضان والاضحى .
خلعت العراقي الابيض الجميل من حقيبتي وكذلك السروال الطويل والفنيلة ذات الأخرام المتوازية الاضلاع . خرج من كان معي من الغرفة الى البرندة ليفسوا لى المجال حتى اغيّر ملابسي واحضروا لـــى الجردل مليان موية والطشت والليفة للحمام داخل الغرفة نفسها . تركشت الباب بالعود ، وبعد الحمام اتهندمت كويس وفتحت الباب وعاد من كان في البرندة مرة اخرى ومعهم امي التى احسست ان خوفا علىّ محبوس في احشائها ....... . اخرجت امي فتيل بت السودان من سحارتها (السحارة هي صندوق من الخشب يستعمل لتخزين الاشياء الخاصة) . وقد تعطرت بها جبرا لخاطرها . ولإظهار شيئ من المدنية طلعت فتيل فلير دمور الاصلي من حقيبتي وقد فاحت رائحته ليتنسمها حتى من كان خارج البيت .

تحركت مع اصدقائي لاسلم على اعمامي وعماتي كبار السن . كنا اينما جلسنا لابد من تناول كباية شربات من الليمون ، الذى قد يكون احيانا معطر ببت السودان نفسها ، لزوم المغالاه فـــي اكرامنا . كان اصدقائي الذين يرافقونى للسلام على الاهل يضحكون ويلعبون وهم يمشون معى بعفوية من بيت لاخر . لم استجب لحركاتهم وضحكاتهم تلك بل صار ينتابني احساس بالسخرية وعدم الرضا من تلك التصرفات ولكنه احساسا ظل حبيسا بدواخلي ..... صحيح انها ملابس المدنية الزائفة .

انصبت على مجموعة من الأسئلة المتكررة من أعمامي وعماتي وكأنهم اتفقوا أن توحد أسئلتهم . كيف يا ولدى المدرسة وبتسكنوا كيف وتنوموا كيف وبأكلوكم شنو في الدوخولية ؟ وبعد هذه الأسئلة يأتي السؤال الصعب - بعد صمت ونظرة الى عرش المنزل ( حيث تعلق تواريب التبش والعشريف وقناديل العنكوليب وربما النجامة والسلوكة وتوابيرهم ( ازيارهم يعنى ) تنقع طق طق طق ) واصابعهم تعبث بالمسبحة مع همس تتحرك فيه الشفتان مع المسبحة لترتيب ذلك السؤال . ( اها يا ولدى نحن كبرنا ومتمنيين نحضر جديدك وجديد بت عمك شامة شن قولك أنت ؟
ضحكت وفرحت وكان ردي جاهزا لان الكلام ده عندنا مو هجنقلة ( بدعة) وقلت ليهم (أدونى يا عمي مهلة شوية المغرب أبوي ذاتو قال عندو معاى كلام وما عرفتو يمكن كلامكم ده)

نواصل


--------------------------------------------------------------------------------


عن موقع سودانايل Sudanile.com