كان .. فقراً .. مدقعاً .. دون شك ..!

كان .. فقراً .. مدقعاً .. دون شك ..!


08-21-2007, 06:54 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=140&msg=1187675655&rn=0


Post: #1
Title: كان .. فقراً .. مدقعاً .. دون شك ..!
Author: Tareq Siddiq
Date: 08-21-2007, 06:54 AM

البحث عن المال لم يكن من بين اهتماماتي .. ولي مع الفقر الكثير من الأحداث التي باتت محفورة في ذاكرتي الخربة .. فلا أجد بداً من تكرارها كلما خلوت لنفسي .. أحببت أن أشارككم بعضها .. لا بد أن يكون فيها ما يسلي أحياناً وما يحزن أحايين كثيرة .. قال لي صديقي ذات مرة ..!

: ـ الغنى دا بالدور ... دورنا بجي ... بنغنى بنغنى ... فلا تبتئس ...!

صدقته آنذاك اذ ليس بيدي سوى أن أكون مؤمناً صديقاً .. وقد كنت كذلك كما أظن ... بعض أحداثي فقط تكشف تلك العلاقة غير المشروعة بيني وبين ذاك المدعو ( الفلس ) بفتح الفاء واللام وتسكين السين تسكيناً مريحاً ...!!

كم كنت أعبث به كثيراً ذلك أنه كلما أمسكت يدي بعضه أنفقته دون خشية املاق .. تكرماً أحياناً ... وسداداً للديون أحايين كثيرة وان لم يكن هذا أو ذاك كانت نفقتي له .. رداً لجميل بعضهم معي فكم طوقني أندادي بجمائلهم لهم محبتي .. فلا تجدني مضطراً لهذه الدنانير إلا ويرسل الله لي من يسد حاجتي ...!!

في النصف الأول من تسعينات القرن المنصرم .. عندها كنت طالباً .. هممت بالرجوع الى بغداد .. إذ كنت وما أزال أحبها كانت رحلتي اليها عبر سوريا ومن ثم الأردن فبغداد ... وحيث أن تلك البلاد الهاشمية .. بلاد ملوك .. كانت اجراءات دخولها وخروجها أشد وطأة على نفسي .. ولعب صديقي اللدود ذاك الفقر دوره المعهود ايضاً ..إذ أنني احتجت لمبلغ زهيد لعمل تأشيرة مرور للأردن وكان جيبي ساعتها أخوى من فؤاد أم موسى ....!

فكرت كثيراً وتوصلت الى أنني حتماً سألج ديارهم حتى ولو من سم الخياط .. إذ لا مكوث لي معهم ... انه مجرد مرور الفقراء حتى وليس مرور الكرام ..!

تحملت عبء تهوري عندما فوجئت برفضهم دخولي من سفارتهم في دمشق .. وحينما تذكروا جدهم .. حاتم الطائي .. عرضوا عليّ ثلاثة خيارات أحلاهم ... علقماً ...اما أن أبقى بسوريا لمدة أربعين يوماً .. حتى ترسل سيرتي الذاتية وبعض المعاملات الى الداخلية الهاشمية ومن ثم تبت في امكانية مروري .. أو ... أرجع أدراجي الى الخرطوم لعمل تأشيرة المرور من سفارتهم هناك .. وثالث خياراتهم أن أسافر جواً .. وهذا يعني أن أشتري تذكرة الطائرة بالعملة الصعبة جداً قاتلها الله .. فيكون مروري على ديارهم جواً فقط ..!!

كان بحوزتي ساعتئذ .. شيك درافت .. يمنح للطلاب وقتها بمبلغ مئتان وستون دولاراً .. صرفت منه بسوريا .. مائة دولار .. وكانت قيمة التذكرة منقذتي هو ( مائة وواحد وستون دولاراً ) .. كم تعبت قدماي وأنا أبحث عن هذا الدولار الوحيد ...!!

قمت بشراء تذكرة الطائرة بعد أن ( جربت لحسة كوعي ) ..!! وحينما خطت قدماي مطار دمشق .. فاجأني ضابط المرور .. بضرورة دفع مبلغ مائتين ليرة سورية للمغادرة .. فأسقط في يدي ... دخلت المطار وفي معيتي ( هاند باك ) تحمل بعض ملابسي .. و( كيس ) به تبغاً أحرق به فؤادي ويعينني على وحشة الطريق .. وضعت ما بيدي أمامه .. وتوكلت على الله باحثاً عن أبناء جلدتي .. عسى أن أجد منهم من يتفهم حالتي .. فأستدين منه ذلك المبلغ الجلل .. وقتها والذي لا يعدو أن يعادل مبلغ عشرة آلاف جنيه سوداني أو يقل قليلاً ...!

Post: #2
Title: Re: كان .. فقراً .. مدقعاً .. دون شك ..!
Author: Tareq Siddiq
Date: 08-21-2007, 06:56 AM
Parent: #1

طفقت أتجول بالمطار ركناً ركناً كل الذي أراه مجموعة من المسرعين القابضين حقائبهم والقابضات والمتحدثين بلهجاتٍ شتى ولغاتٍ مختلفة وبعض السيقان العارية والأكتاف البارزة .. وأنصاف الملابس على أجساد بعضهن .. !! وقفت متأملاً حالتي وحين دب اليأس في نفسي .. وكادت دموعي ترى النور .. كم أنت تعيسٌ شقي .. ومتهور .. !! عندها سمعت أحدهم يقول لرفيقه ..

: لكن بنزرت دي لو طلعت جنب مصراطة نكون ارتحنا خلاص ...!!

ارتحت أنا ساعتها .. هاهم بني بلدي حضوراً هاهنا ويبدو أنهما يتوجهان الى ليبيا .. ولا يبدو على المتحدث أو من يحادثه أنهما سودانيين .. هرولت اليهما في عجلة ولهفة ..

: السلام عليكم .. يا شباب أنا طالب بقرأ في العراق .. انتهت قروشي هنا في قصة طويلة .. رسوم المغادرة دي ما عملت حسابها .. لو عندكم ميتين ليرة أدوني أسماءكم وعناوينكم وأول ما أصل بغداد برسلا ليكم ..!!

موقف لم يحدث أن أدخلت نفسي فيه من قبل .. كنت حزيناً وأنا أخرج الكلمة تلو الأخرى .. عندها .. كان جهاز النداء يكرر .. على المسافر طارق صديق التوجه للبوابة 17 ...
كثيرةٌ هي الأشياء التي تميز أبناء الشعب السوداني عن غيرهم غير أنهم في مثل هذه المواقف لا مثيل لهم دون شك ...!

بادرني أحدهما ..

: يا أخي عايز تعملا موضوع .. هي ميتين ليرة شيلا وأمشي لا عايزين نعرفك ولا تعرفنا .. الله يوفقك ..!!

أخذتني ساعتها العزة بالفقر .. في أنفة جوفاء .. فاحمر وجهي حياءاً ورفضت المبلغ وحاجتي له أشد ما تكون .. اذ لا بد لي من معرفتهما حتى أقوم برد المبلغ لهما ...!

لحق بي أحدهما صائحاً ..

: يا زول انت عوير ولا شنو .. ماشي وين هسا ..؟ شيل القروش وأمشي حصل طيارتك انت زي أخونا والله ..!

لم يكن أمامي خياراتٍ أفضل مما هو أمامي .. أخذت المبلغ وشكرتهما ودعوت الله كثيراً أن يكثر من أمثالهما ليعين بهما من هم في حالتي .. منذ ذاك الحين وأنا لا أنفك أتفرس في وجوه الناس جيداً .. عساي أعثر على شبيهيهما فقط إذ أن صنيعهما مازال يؤرقني ... !!

Post: #3
Title: Re: كان .. فقراً .. مدقعاً .. دون شك ..!
Author: نجوان
Date: 08-21-2007, 07:29 AM
Parent: #2

مرحب بيك في البورد يا طارق..

قصة مليئة بالمعاني..
Quote: إذ أن صنيعهما مازال يؤرقني ... !!
لا يؤرقك ولا حاجة.. هم فعلوا ما أرضى ضميرهم
دون مقابل.. أو إنتظار لرد جميل..

فقط إذهب للمطار حيث تسكن.. وساعد أخ أو أخت في محنة..
ح تلقاهم كتااار وبالكوم..

Post: #5
Title: Re: كان .. فقراً .. مدقعاً .. دون شك ..!
Author: Tareq Siddiq
Date: 08-22-2007, 07:02 AM
Parent: #3

الأخت .. نجوان ..

شكراً لحضورك الجميل ..

كثيرةٌ هي المواقف المماثلة التي مرت بي في حياتي كغيري من أبناء بلدي المسافرين ... وكم هم بلا عدد .. للأسف ..!

لا بد أن يحتفظ بعضنا بجميل بعض ...!

شكراً لكل شئ ..

مودتي

Post: #4
Title: Re: كان .. فقراً .. مدقعاً .. دون شك ..!
Author: محمَّد زين الشفيع أحمد
Date: 08-21-2007, 08:21 AM
Parent: #1

الله .. الله ... الله ... عليك

أيُّها الأخ / طارق ..

أنتَ رجلٌ كريم والله

العظيم..

والكريمُ كما قيلَ عنهُ

لا يقع ، وإنْ وقعَ فإنَّهُ

يقعُ على مُتكأ ...

فأنتَ الكريمُ ..

وهُمُ المتكأ ..

وبالفعلِ أخلاقُـنا متفرِّدة يا رجل

في كلِّ شئ ..

وشكراً لقصَّتِكَ التي لامستْ

فيَّ الشغاف ..

ولا أزيد ..



احترامي ..


أخوك / محمَّد زين ...

Post: #6
Title: Re: كان .. فقراً .. مدقعاً .. دون شك ..!
Author: Tareq Siddiq
Date: 08-22-2007, 07:15 AM
Parent: #4

الأخ محمد زين الشفيع ..

شكراً لمشاركتك هنا ... شكراً لكلماتك الجميلة ...

هم والله كذلك ...!

ودادي ...