أدب الإختلاف للدكتور القرضاوي

أدب الإختلاف للدكتور القرضاوي


12-04-2007, 03:06 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=120&msg=1196777202&rn=4


Post: #1
Title: أدب الإختلاف للدكتور القرضاوي
Author: Waeil Elsayid Awad
Date: 12-04-2007, 03:06 PM
Parent: #0

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن تبع هداه.. أما بعد:
فلا يزعجني أن يكون للصحوة الإسلامية المعاصرة أعداء من خارجها يتربصون بها، ويكيدون لها، فهذا أمر منطقي اقتضته سنة التدافع بين الحق والباطل، والصراع بين الخير والشر، والتي أقام الله عليها هذا الكون الذي نعيش فيه: (كذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين) (سورة الفرقان: 31).
وقد قال تعالى في شأن أعداء الملة والأمة: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا) (سورة البقرة: 217).
إنما الذي يزعجني ويؤرقني ويذيب قلبي حسرات: أن تعادي الصحوة نفسها وأن يكون عدوها من داخلها، وأن يكون بأسها بينها.
لا يزعجني أن يكون في الصحوة مدارس أو فصائل أو جماعات لكل منها منهجه في خدمة الإسلام وفقا لتحديد الأهداف و الوسائل ومراحلها، ولكن الذي يدمي القلب حقا أن يوجد بين الدعاة والعاملين من لا يقدر هذا الأمر حق قدره، وأن يبذر بذور الفرقة أينما حل، وتركيزه دائما على مواضع الاختلاف، لا نقاط الاتفاق، فيورث العداوة والبغضاء، وهو دائما معجب برأيه، مزك لنفسه وجماعته، متهم لغيره.
والحق أن الاختلاف في ذاته ليس خطرا، وخصوصا في مسائل الفروع، إنما الخطر في التفرق والتعادي الذي حذر الله ورسوله منه.
لهذا كانت الصحوة الإسلامية والحركة الإسلامية بمختلف اتجاهاتها ومدارسها في حاجة إلى وعي عميق بما نسميه (فقه الاختلاف).

في ما سيأتي إن شاء الله أنواع الإختلاف و أسبابه ثم الدعائم الفكرية في فقه الاختلاف.

Post: #2
Title: أدب الإختلاف (2)
Author: Waeil Elsayid Awad
Date: 12-04-2007, 03:08 PM
Parent: #1

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، ومن تبع هداه.. أما بعد:

أولا : أنواع الاختلافات وأسبابها :
1 - اختلافات أسبابها خلقية.
وهي معروفة للعلماء والمربين الذين يتدبرون دوافع الأحداث والمواقف، ولا يكتفون بالنظر إلى سطوحها دون أن يغوصوا في أعماقها.
ومن هذه الأسباب:
أ. الغرور بالنفس، والإعجاب بالرأي.
ب. سوء الظن بالغير، والمسارعة إلى اتهامه بغير بينة.
ج. حب الذات واتباع الهوى، ومن آثاره: الحرص على الزعامة أو الصدارة أو المنصب.
د. التعصب لأقوال الأشخاص والمذاهب .
ه. العصبية لبلد أو إقليم أو حزب أو جماعة أو جماعة.
وهذه كلها رذائل أخلاقية عدت والاختلاف الذي ينشأ عنها اختلاف مذموم .

2 - اختلافات أسبابها فكرية:
و مردها إلى اختلاف وجهات النظر في الأمر الواحد، سواء كان أمرا علميا كالخلاف في فروع الشريعة، أم كان أمرا عمليا كالخلاف في المواقف السياسة واتخاذ القرارات بشأنها، نتيجة الاختلاف في زوايا الرؤية، وفي تقدير النتائج تبعا لتوافر المعلومات، عند طرف، ونقصها عند طرف آخر، وتبعا للاتجاهات المزاجية والعقلية للأطراف المتباينة، وتأثيرات البيئة والزمن عليها سلبا وإيجابا.

Post: #3
Title: أدب الإختلاف (3)
Author: Waeil Elsayid Awad
Date: 12-04-2007, 03:10 PM
Parent: #1

أدب الإختلاف (3)

--------------------------------------------------------------------------------
ثانيا : الدعائم الفكرية في فقه الاختلاف
* الإختلاف في الفروع ضرورة ورحمة وسعة :
يجب أن يعلم الذين يريدون جميع الناس على رأي واحد، في أحكام العبادات والمعاملات ونحوها من فروع الدين: أنهم يريدون ما لا يمكن وقوعه، ومحاولتهم رفع الخلاف لا تثمر إلا توسيع دائرة الخلاف. وهي محاولة تدل على سذاجة بينة، ذلك أن الاختلاف في فهم الأحكام الشرعية غير الأساسية ضرورة لا بد منها.
وإنما أوجب هذه الضرورة طبيعة الدين، وطبيعة اللغة، وطبيعة البشر، وطبيعة الكون والحياة.

* اتباع المنهج الوسط وترك التنطع في الدين :
ومما ينبغي الحرص عليه لتوحيد صف الداعين إلى الإسلام، أو ـ على الأقل ـ تقريب الشقة، وإزالة الجفوة، بينهم: اتباع المنهج الوسط، الذي يتجلى فيه التوازن والاعتدال، بعيدا عن طرفي الغلو والتفريط، فهذه الأمة أمة وسط في كل شيء، ودين الله ـ كما أثر عن السلف ـ بين الغالي فيه والجافي عنه، فالوسط هو مركز الدائرة التي ترجع إليه الأطراف المتباعدة عن يمين وشمال.
وهو يمثل الصراط المستقيم، الذي علمنا الله تعالى أن نسأله الهداية إليه كلما قرأنا فاتحة الكتاب في صلواتنا اليومية أو خارجها (اهدنا الصراط المستقيم).

* التركيز على المحكمات لا المتشابهات :
ومما يعين على الاجتماع والائتلاف، ويبعد عن الفرقة والاختلاف: التركيز على اتباع (المحكمات)، وهن أم الكتاب، ومعظمه، كما ذكر القرآن الكريم، وعدم الركض وراء (المتشابهات).
فاتباع المحكمات، واتخاذها الأصل والقاعدة في التفكير والسلوك من شأن الراسخين في العلم، واتباع المتشابهات من شأن الذين في قلوبهم زيغ ودغل.
وفيه قال الله تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب، وأخر متشابهات، فإما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة، وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به، كل من عند ربنا، وما يذكر إلا أولو الألباب) (سورة آل عمران: 7).

يتبع إن شاء الله ....

Post: #4
Title: تابع ... الدعائم الفكرية في فقه الاختلاف
Author: Waeil Elsayid Awad
Date: 12-04-2007, 03:16 PM
Parent: #1

تابع ... الدعائم الفكرية في فقه الاختلاف

* تجنب القطع والإنكار في المسائل الاجتهادية :
ومما يقرب المسافة بين الداعين إلى الإسلام في الأمور الخلافية: تجنب القطع في المسائل الاجتهادية، التي تحتمل وجهين أو رأيين أو أكثر، وكذلك تجنب الإنكار فيها على الآخرين. ولهذا قرر علماؤنا: أنه لا إنكار من أحد على أحد في المسائل الاجتهادية، فالمجتهد لا ينكر على مجتهد مثله، والمقلد لا ينكر على مقلد مثله كذلك.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عمن يقلد بعض العلماء في مسائل الاجتهاد: فهل ينكر عليه أم يهجر؟ وكذلك من يعمل بأحد القولين؟
فأجاب: الحمد لله. مسائل الاجتهاد من عمل فيها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يهجر، ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه، وإذا كان في المسألة قولان: فإن كان الإنسان يظهر له رجحان أحد القولين عمل به وإلا قلد بعض العلماء الذين يعتمد عليهم في بيان أرجح القولين، والله أعلم.

* ضرورة الاطلاع على اختلاف العلماء :
ومما يساعد على التسامح وتبادل العذر فيما اختلف فيه: الاطلاع على اختلاف العلماء، ليعرف منه تعدد المذاهب، وتنوع المآخذ والمشارب، وأن لكل منهم وجهته، وأدلته التي يستند إليها، ويعول عليها، وكلهم يغترف من بحر الشريعة، وما أوسعه.
ومن أجل ذلك أكد علماؤنا فيما أكدوه، وجوب العلم باختلاف الفقهاء، كوجوب العلم بما أجمعوا عليه، فإن اختلافهم رحمة، واتفاقهم حجة.
وفي هذا قالوا: من لم يعرف اختلاف العلماء، فليس بعالم.

* تحديد المفاهيم والمصطلحات :
ومن الأمور المهمة لتقريب شقة الخلاف بين المسلمين عامة وبين الفصائل العاملة للإسلام خاصة: تحديد (المفاهيم) التي يقع فيها النزاع، وبيان مدلولها بدقة ووضوح، يرفع عنها الغموض والاشتباه.
فكثيرا ما يحتد النزاع حول معنى أو مفهوم معين، لو حدد بدقة وشرح بجلاء لأمكن للطرفين أن يلتقيا عند حد وسط.
ومن ثم كان علماؤنا السابقون يحرصون على (تحرير موضع النزاع) في المناظرات والخلافيات، حتى لا تنصب معركة على غير شيء.
وكثيرا ما يشتد الخلاف بين فريقين، ويثور العجاج بينهما، ثم يتبين في النهاية أن الخلاف كان لفظيا، وأن لا ثمرة عملية تجنى من ورائه.

يتبع......