Post: #1
Title: صافرة القطار
Author: يازولyazoalيازول
Date: 11-29-2007, 05:14 PM
كان أبوذر النضيف يعمل بالإدارة المركزية للكهرباء فى مقتبل الخمسينات من القرن الماضى ، وكان كثير الأسفار والترحال بحكم عمله كأحد أفضل المهندسين السودانيين الذين نالوا تدريباً متميزاً على يد الإنجليز ، فأبدعوا صنعهم ، وأجادوا إنجاز مهامهم الموكلة إليهم بهمم عالية وبصيرة ثاقبة ، وتأثروا بالتالى من الثقافة الإنجليزية التى ترعرعوا فى كنفها فكانوا يقيمون الليالى الحمراء ويجدون فيها المتنفس للخروج من الشخصية الفظيعة التى ألبسها لهم الإنجليز فى ذاك الزمان ، وفرح الإنجليز بهذا التلاقح وأعجبوا بالتركيبة الفريدة للشخص السودانى عند وعيه وعند سكره وعند أداء مناسكه ،
سافر أبوذر إلى كسلا بالطائرة عدة مرات وإلى نيالا وبابنوسة فى الغرب الحبيب وكتم فى دارفور وهيا فى الشرق الأقصى للسودان ، وسافر مرارا إلى الجنوب ، وله من كل بلدة حكاية ، كما سافر بالقطار مستخدما جميع الخطوط المتاحة وقتها كقطر كريمة وقطر نيالا وقطر بورتسودان وغيرها وغيرها ، ووصل إلى أقصى نهايات كل خط ، فكانت ثقافته فى السفر عالية ، وإستفاد من ترحاله الكثير ،
كان أبوذر إذا مغربت إعتلته الكاروشة ، ولا يطفىء هذه الكاروشة إلا بيرة باردة أو كأس من الكونياك ، أو الويسكى ، وقد إعتاد هذا الأمر حتى فى سفرياته ، كان يومها فى الحكاية التى نحن بصدد حكايتها لكم مسافراً إلى مدينة الأبيض ، وما أدراك ما الأبيض فى ذاك الزمان ، عربات القطار كانت فاخرة وغالباً ما يركب أبوذر النضيف درجة الsleeping car أو فى الدرجة الأولى ،
الدرجة الأولى عبارة عن سريرين فاخرين متقابلين ويعلوهما سريران يتم طيهما فى النهار لخلق كنبة فاخرة ، بدرجة كنبة ملكية ، وفى الوسط توجد طاولة من النوع الذى يطوى كطاولة الطائرات اليوم ، ولكن طاولة الدرجة الأولى فى سكة حديد السودان فى الخمسينات كانت أبهى وأنضر وأجمل من سالفتها اليوم فى كبريات خطوط الطيران العالمية ، يعنى ممكن تلقى واحدة زيها فى طائرة الوليد بن طلال الخاصة 
يركب الدرجة الأولى عادة إما عائلة واحدة لأحد التنفيذيين أو موظفان تنفيذيان أعزبان (باتشلرز) ، وهنا يلعب الحظ دوره فى ماهية رفيقك ، إذ أنكما ربما تترافقان فى هذه الغرفة لليلة كاملة أو ليلتان ، وهنا تلعب الرفقة دورها ، فكان أن ركب مع صاحبنا من الخرطوم رجل مطوع يقال له الرفاعى عبدالعاطى حجر ، شيخ وقور ، يلبس الجلباب ، والعمامة ويغطى جلبابه عباءة سوداء فاخرة لا يلبسها إلا العلماء أو الأعيان وقتها كصديقه السمانى عمارة ، وبيده سبحة طويلة لاتفارق أصابعه تسمع لها فرقعات 
كان أبوذر قد وضع فى حقيبته شرابه السحرى الذى يكفيه الرحلة كاملة ، فيها الكثير من فتايل الويسكى وكم قزازة شيرى وداك يا الويسكى وواحدة مدغلبة كده يقال لها الدمبل بكسر الدال والباء وكسر الرأس زاتو ، ورفيقه الرفاعى الذى حظى به فى رفقته فى (القمرة) ، مولانا حق صلاة وودين وقرآن ،
يا الله
كيف العمل ونحن متوجهون صوب مدنى والمسافة طويلة والواطة مغربت ماذا تفعل يا أبوذر ماذا تفعل يا أبوذر ؟
بدأ يفكر ، ورفيقه مولانا الرفاعى جالس أمامه تتوسطهما الطاولة الفاخرة ، والشراب تحت شنطة أبوذر (تحت السرير) يكاد يلمسه بيده ، وعلى الطاولة كبابى فاخرة تابعة (للسنطور) من (شركة المرطبات) ، والموسيقى التصويرية المصاحبة كانت صوت عجلات القطار الرتيبة العجيبة الساحرة التى تنطبع فى فؤاد سامعها إلى يوم الدين ، والعجب عندما تتبعها (صفارة القطار) لاحظ العنوان (صافرة القطار) ، والقطار ينهب الأرض مفارقاُ مدنى متجها صوب سنار ، تحفه طبيعة السودان الجميلة وخيراته مصفوفة فى كل الأفق ، وأنوار مدنى أصبحت بعيدة ، وبدأ يخيم الظلام فى المكان ، ولا أنوار إلا فى القطار ،
والكاروشة بدأت فعلتها الدنيئة من صاحبنا، فما كان منه إلا أن أخرج بغتة زجاجته ، وصب فيها كأساً بسرعة البرق ، وناولها لرفيقه القابع أمامه الرفاعى حجر،
إتفضل يا مولانا ده كاس ويسكى ، ده يعنى لو كنت بتشرب
فكانت المفاجأة
تناول مولانا الرفاعى الكأس ، و(كتحه إسكتو) بتشديد التاء وضمها ، أى (لبعه) دفعة واحدة ، ولا يفعل هذا غير (الدهاقنة) مما جعل أبوذر فى حيرة ودهشة وإنبساط ، كأنما حيدت إليه الدنيا بحذافيرها فقد وهبه القدر رفيق الطريق والنديم ، ويا له من طريق ويا له من نديم ، حتى تغنوا بأعلى صوتهم الندامى الندامى الندامى الندامى
حكى لى بعدها أبوذر النضيف ، أنه عندما وصل القطار مدينة الأبيض ، كان يتكّل فى صديقه الرفاعى تتكيلا من شدة السكر ليساعده على النزول فى حين كان كومر المجلس فى إنتظارهم ليلحقوا القعدة مع ود القرشى والشفيع يرحمهم الله أجمعين ، والحمد لله رب العالمين إنتهى سرده فى جدة فى التاسع والعشرون من نوفمبر من عام ألفين وسبعة بعد الميلاد
التوقيع يازول يازول

ملحوظة: تمت إضافة أسماء مستعارة بدلا عن أسماء أصحاب القصة الحقيقيون إحتراما وإجلالا وصونا لهم فليعذرنى أصحاب الأسماء المستعارة إن أصابهم بعض رشاش فما أنا إلا (حكونجى)

ملحوظة أخرى: القطار لا يصل مدينة الأبيض بتاتا ، بل هم كانوا مسافرون لبلدة أخرى أخفيناها أيضا تحفظاً
|
Post: #2
Title: Re: صافرة القطار
Author: يازولyazoalيازول
Date: 11-29-2007, 05:17 PM
Parent: #1
ملحوظة واجبة: الأسماء المستعارة لا تتعاطى أى نوع من أنواع الخمور ، بل تم إستخدامهما لوجود شبه فى ملامح وشخصيات أصحاب القصة الحقيقيون
|
Post: #3
Title: Re: صافرة القطار
Author: Khalid Osman Jaafar
Date: 11-29-2007, 09:39 PM
Parent: #1
Quote: إنتهى سرده فى جدة فى التاسع والعشرون من نوفمبر من عام ألفين وسبعة بعد الميلاد
|
ملحوظة أخري:
شهر فبراير من العام ٢٠٠٧ بعد الميلاد ليس فيه ٢٩ يوم!!!

|
|